المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415223
يتصفح الموقع حاليا : 239

البحث

البحث

عرض المادة

جهاد المال

 

جـهــاد المــال

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 أما بعد:

 فنعم المال الصالح للعبد الصالح  والمال شقيق للروح  ولذلك فالبذل كما يكون بالنفس يكون بالمال  قال تعالى: ( إنَّ اللَّهّ اشًتّرّى  مٌنّ المٍؤًمٌنٌينّ أّنفٍسّهٍمً وأّمًوّالّهٍم بٌأّنَّ لّهٍمٍ الجّنَّةّ ) [التوبة: 111]

 وفي الحديث: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم» . والنفس إلى موت  والمال إلى فوت  والعبد مبتلى في ماله يُؤخذ منه كله  ويُسأل عنه كله  هل أخذه من حِلّه ووضعه في حقه  أم أنه لم يُبالِ من أين أخذه وفيما أنفقه  والبعض موفَّقٌ مُسدَّد  فقد سُلِّطَ على هلكة ماله في الحق  فإن لم يجد كانت منه الغبطة لأخيه المُنفق  ففي الحديث: «ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق  فقال رجل: يا ليتني أُوتيت مثل هذا فعملتُ فيه مثل ما يعمل» [رواه أحمد وصححه الألباني]

 وهذا في الأجر سواء. وقد أمر سبحانه بالإنفاق في سبيله فقال: ( هّا أّنتٍمً هّؤٍلاءٌ تٍدًعّوًنّ لٌتٍنفٌقٍوا فٌي سّبٌيلٌ اللَّهٌ فّمٌنكٍم مَّن يّبًخّلٍ ومّن يّبًخّلً فّإنَّمّا يّبًخّلٍ عّن نَّفسٌهٌ ) أي أضاع على نفسه الأجر وعود الوبال عليه ( واللَّهٍ الغّنٌي ) عما سواه  وكل أحد إليه فقير  ولهذا قال تعالى: ( وأّنتٍمٍ الفٍقّرّاءٍ ) وهذا وصف لازم للبشر لا ينفك عنهم غنيهم وفقيرهم ( وإن تّتّوّلَّوًا ) أي عن طاعته واتباع شرعه والنفقة في سبيله ( يّسًتّبًدٌلً قّوًمْا غّيًرّكٍمً ثٍمَّ لا يّكٍونٍوا أّمًثّالّكٍمً<38> ) [محمد: 38]

ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره. وأثنى سبحانه على المنفقين في سبيله ثقة به  وتوكلاً عليه  قال تعالى: ( ومٌمَّا رّزّقًنّاهٍمً ينفٌقٍونّ (3) والَّذٌينّ يؤًمٌنٍونّ بٌمّا أٍنزٌلّ إلّيًكّ ومّا أٍنزٌلّ مٌن قّبًلٌكّ وبٌالآخٌرّةٌ هٍمً يوقٌنٍونّ (4) أٍولّئٌكّ عّلّى  هٍدْى مٌَن رَّبٌَهٌمً وأٍولّئٌكّ هٍمٍ المٍفلٌحٍونّ (5) ) [البقرة: 3 - 5]

 وقال: ( الذٌينّ ينفٌقٍونّ أّمًوّالّهٍم بٌالَّليًلٌ والنَّهّارٌ سٌرَْا وعّلانٌيّةْ فّلّهٍمً أّجًرٍهٍمً عٌندّ رّبٌَهٌمً ولا خّوًفِ عّلّيًهٌمً ولا هٍمً يّحًزّنٍونّ <274> ) [البقرة: 274]

  وقال: ( ومّا أّنفّقًتٍم مٌَن شّيًءُ فّهٍوّ يخًلٌفٍهٍ وهٍوّ خّيًرٍ الرَّازٌقٌينّ <39> ) [سبأ: 39]

  وقال: ( الذٌينّ يقٌيمٍونّ الصَّلاةّ ومٌمَّا رّزّقًنّاهٍمً ينفٌقٍونّ (3) أٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍؤًمٌنٍونّ حّقَْا لَّهٍمً دّرّجّاتِ عٌندّ رّبٌَهٌمً ومّغًفٌرّةِ ورٌزًقِ كّرٌيمِ (4) ) [الأنفال: 3  4].

وقد جعل سبحانه من مصارف الزكاة الثمانية مصرف في سبيل الله وهم الغزاة والمجاهدون  وعلى ذلك جمهور العلماء  قال تعالى: ( إنَّمّا الصَّدّقّاتٍ لٌلًفٍقّرّاءٌ والًمّسّاكٌينٌ والًعّامٌلٌينّ عّلّيًهّا وّالًمٍؤّلَّفّةٌ قٍلٍوبهٍمً وفٌي الرٌَقّابٌ والًغّارٌمٌينّ وفٌي سّبٌيلٌ اللَّهٌ وابًنٌ السَّبٌيلٌ فّرٌيضّةْ مٌَنّ اللَّهٌ واللَّهٍ عّلٌيمِ حّكٌيمِ <60> ) [التوبة: 60]

  فيجوز وضع زكاة المال في هذا الصنف من الناس. وحذَّر سبحانه من إصلاح المال وتثميره عن طاعة الله والجهاد في سبيله  قال تعالى: ( قٍلً إن كّانّ آبّاؤٍكٍمً وأّبًنّاؤٍكٍمً وإخًوّانٍكٍمً وأّزًوّاجٍكٍمً وّعّشٌيرّتٍكٍمً وأّمًوّالِ اقًتّرّفتٍمٍوهّا وتٌجّارّةِ تّخًشّوًنّ كّسّادّهّا ومّسّاكٌنٍ تّرًضّوًنّهّا أّحّبَّ إلّيًكٍم مٌَنّ اللَّهٌ ورّسٍولٌهٌ وجٌهّادُ فٌي سّبٌيلٌهٌ فّتّرّبَّصٍوا حّتَّى  يّأًتٌيّ اللَّهٍ بٌأّمًرٌهٌ واللَّهٍ لا يّهًدٌي القّوًمّ الفّاسٌقٌينّ <24> ) [التوبة: 24] 

 وقال تعالى: ( يّا أّيهّا الذٌينّ آمّنٍوا لا تٍلًهٌكٍمً أّمًوّالٍكٍمً ولا أّوًلادٍكٍمً عّن ذٌكًرٌ اللَّهٌ ومّن يّفعّلً ذّلٌكّ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الخّاسٌرٍونّ (9) وأّنفٌقٍوا مٌن مَّا رّزّقًنّاكٍم مٌَن قّبًلٌ أّن يّأًتٌيّ أّحّدّكٍمٍ المّوًتٍ فّيّقٍولّ رّبٌَ لّوًلا أّخَّرًتّنٌي إلّى  أّجّلُ قّرٌيبُ فّأّصَّدَّقّ وأّكٍن مٌَنّ الصَّالٌحٌينّ <10> ولّن يؤّخٌَرّ اللَّهٍ نّفسْا إذّا جّاءّ أّجّلٍهّا واللَّهٍ خّبٌيرِ بٌمّا تّعًمّلٍونّ <11> ) [المنافقون: 9 - 11].

قال تعالى: ( وأّّنفٌقٍوا فٌي سّبٌيلٌ اللَّهٌ ولا تٍلًقٍوا بٌأّّيًدٌيكٍمً إلّى التَّهًلٍكّةٌ وأّّحًسٌنٍوا إنَّ اللَّهّ يحٌب المٍحًسٌنٌينّ <195> ) [البقرة:195].

 نقل ابن كثير عن حذيفة في تفسير هذه الآية : نزلت في النفقة  وعن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو  حتى خرقه ومعنا أبو أيوب الأنصاري فقال أناس: ألقى يده إلى التهلكة  فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية إنما نزلت فينا  صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  وشهدنا معه المشاهد  ونصرناه فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحببًا فقلنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإسلام وكثر أهله  وكنّا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد  وقد وضعت الحرب أوزارها  فنرجع إلى أهلينا وأولادنا  فنُقيم فيهم  فنزل فينا: ( وأّّنفٌقٍوا فٌي سّبٌيلٌ اللَّهٌ ولا تٍلًقٍوا بٌأّّيًدٌيكٍمً إلّى التَّهًلٍكّةٌ ) فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد.

[رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح غريب].

فالانشغال بإصلاح المال وتثميره وتكثيره تهلكة  وأمر سبحانه بإنفاقه في سبيله وعدم إمساكه  وبيّن أن هذا هو سبيل المحسنين  قال تعالى: ( أّلًهّاكٍمٍ التَّكّاثٍرٍ (1) حّتَّى  زٍرًتٍمٍ المّقّابٌرّ (2) كّلاَّ سّوًفّ تّعًلّمٍونّ (3) ثٍمَّ كّلاَّ سّوًفّ تّعًلّمٍونّ (4) كّلاَّ لّوً تّعًلّمٍونّ عٌلًمّ اليّقٌينٌ (5) لّتّرّوٍنَّ الجّحٌيمّ (6) ثٍمَّ لّتّرّوٍنَّهّا عّيًنّ اليّقٌينٌ (7) ثٍمَّ لّتٍسًأّلٍنَّ يّوًمّئٌذُ عّنٌ النَّعٌيمٌ (8) ) [التكاثر].

 لقد اندفع الأفاضل يمتثلون أوامر ربهم ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل الله   فعن عمر بن الخطاب   قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نتصدق  ووافق ذلك عندي مالاً  فقلتُ: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا  قال: فجئتُ بنصف مالي  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلتُ: مثله.. وأتى أبو بكر بكل ما عنده  فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟» فقال: أبقيتُ لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدًا. [رواه أبو داود والترمذي والحاكم].

 وهذا عثمان   يُجهز غزوة بكاملها من ماله الخاص  ويشتري بئر رومة ويسبلها للمسلمين  فعن ثمامة بن حزن القشيري  قال: شهدت الدار حين أشرف عليه عثمان  فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم عليّ؟ قال: فجيء بهما كأنهما جملان  أو كأنهما حماران  قال: فأشرف عليهم عثمان  فقال: أُنشدكم بالله والإسلام  هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يُستعذب غير بئر رومة  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة  فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة» فاشتريتها من صلب مالي  فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله والإسلام  هل تعلمون أني جهزتُ جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله وبالإسلام  هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة  ومعه أبو بكر وعمر وأنا  فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض  قال: فركضه برجله  فقال: «اسكن ثبير  فإنما عليك نبيّ وصديق وشهيدان» قالوا: اللهم نعم  قالوا: اللهم نعم  قال: الله أكبر  شهدوا لي ورب الكعبة  أني شهيد ثلاثا.

 [رواه الترمذي وحسّنه].

 وهذا عبد الرحمن بن عوف   يذكر له التاريخ مآثر عظيمة في الإنفاق في سبيل الله ونذكر هنا بعض التي ذكرها الإمام الذهبي في ترجمته من السّير. حيث ذكر عن أبي هريرة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خياركم خياركم لنسائي» فأوصى لهن عبد الرحمن بحديقة قومت بأربعمائة ألف. [رواه الترمذي والحاكم]. وعن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بنت. وذكر الذهبي أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله فكان الرجل يعطي منها ألف دينار. ثم قال: وعن الزهري: أن عبد الرحمن أوصى للبدريين فوجدوا مئة  فأعطي كل واحد منهم أربعمائة دينار  فكان منهم عثمان  فأخذها. وعن الزهري: أن عبد الرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله . وقيل : كان أهل المدينة عيالاً على عبد الرحمن: ثلث يقرضهم ماله  وثلث يقضي دينهم  ويصل ثلثا. وأورد الذهبي: أن عبد الرحمن باع أرضًا له من عثمان بأربعين ألف دينار  فقسمه في فقراء بني زهرة  وفي المهاجرين  وأمهات المؤمنين  إذ أنّ ابن عوف من بني زهرة. وعن الزهري قال: تصدق ابن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف  ثم تصدق بأربعين ألف دينار  وجعل مئة فرس في سبيل الله ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله وكان عامة ماله من التجارة. قال الذهبي: (معمر : عن قتادة) قال تعالى: ( الذٌينّ يّلًمٌزٍونّ المٍطَّوٌَعٌينّ مٌنّ المٍؤًمٌنٌينّ فٌي الصَّدّقّاتٌ والَّذٌينّ لا يّجٌدٍونّ إلاَّ جٍهًدّهٍمً فّيّسًخّرٍونّ مٌنًهٍمً سّخٌرّ اللَّهٍ مٌنًهٍمً ولّهٍمً عّذّابِ أّلٌيمِ <79> )

 [التوبة: 79]

 قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف دينار  فقال أناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء. وهذا هو الزبير   يروي له التاريخ مآثر عظيمة كذلك في الإنفاق في سبيل الله قال الذهبي: «كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج  فلا يدخل بيته من خراجهم شيئًا» وفي رواية: «بل يتصدق بها كلها». وعن جويرية بنت أسماء: «باع الزبير داردًا له بستمائة ألف  فقيل: يا أبا عبد الله غبنت! قال: كلا  هي في سبيل الله. وهذا هو أبو عبيدة   ذلك الزاهد الحق  فعن مالك أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف أو بأربعمائة دينار  وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: انظر ما يصنع بها  قال: فقسمها أبو عبيدة. وهذا هو طلحة بن عبيد الله الملقب بطلحة الجود  وطلحة الخير  وطلحة الفياض يروي له التاريخ كذلك مواقف لا تنسى من الجود والسخاء والكرام. وقيل: «جاء أعرابي إلى طلحة يسأله  فتقرب إليه برحم  فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك  إن لي أرضًا قد بعتها من عثمان  ودفعت إليك الثمن  فقال: الثمن!. فأعطاه. وذكر الذهبي : أنه - يعني طلحة - أتاه مال من حضر موت سبعمائة ألف  فبات ليلته يتململ  فقالت له زوجته: ما لك؟ قال: تفكرت منذ الليلة  فقلتُ: ما ظنّ رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت من بعض أخلائك فإذا أصبحت فادع بجفان وقصاص فقسمه  فقال لها: رحمك الله إنك موفقة بنت موفق وهي أم كلثوم بنت الصديق  فلما أصبح دعا بجفان فقسمها بين المهاجرين والأنصار  فبعث إلى عليّ منها بجفنة فقالت له زوجته: أبا محمد  أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقيَ . قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم. وعن طلحة بن يحيى قال: حدثتني جدتي سعدى بنت عوف المرية  قالت: دخل عليَّ طلحة يومًا وهو خاثر (ثقيل غير نشيط) فقلتُ: ما لك؟ لعل رأبك من أهلك شيء؟ قال: لا والله ونعم حليلة المسلم أنت  ولكن ما عندي قد غمني  فقلت: ما يغمك؟ عليك بقومك  قال: يا غلام  ادعُ لي قومي فسمّه فيهم  فسألت الخازن: كم أعطي؟ قال: أربعمائة ألف. وعن الحسن البصري: «أن طلحة بن عبيد الله باع أرضًا له بسبع مئة ألف  فبات أريقًا من مخافة ذلك المال حتى أصبح ففرقه. وذكر الذهبي قال: «كان طلحة يعل بالعراق أربعمائة ألف  ويعل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر  وبالأعراض له علات  وكان لا يدع أحدًا من بني تيم عائلاً إلاَّ كفاه وقضى دينه  ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف  ولقد قضى عن فلان (عن ابن سعد صبيحة التيمي) ثلاثين ألفا». عن قبيصة بن جابر قال: صحبتُ طلحة  فما رأيتُ أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه. قال الذهبي: ابتاع طلحة بئرًا بناحية الجبل ونحر جزورًا فأطعم الناس  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت طلحة الفياض» . وعن موسى بن طلحة عن أبيه قال: لما كان يوم أُحُد  سماه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «طلحة الخير»  وفي غزوة ذي العشير: «طلحة الفياض»  ويوم خيبر: «طلحة الجو». وسأل رجل الحسن بن عليّ   حاجة  فقال له: يا هذا  حق سؤالك إياي يعظم لديّ  ومعرفتي بما يجب لك تكبر عليّ  ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله  والكثير في ذات الله تعالى قليل  وما في ملكي وفاءًا لشكرك  فإن قبلت الميسور ورفعت عني مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلفه من واجب حقك فعلت. فقال: يا ابن رسول الله أقبل وأشكر العطية  وأعذر على المنع  فدعا الحسن بوكيله  وجعل يحاسبه على نفقاته  حتى استقصاها فقال: هات الفضل من الثلاثمائة ألف درهم  فأحضر خمسين ألفا  قال: فما فعلت بالخمسمائة دينار؟ قال: هي عندي  قال: أحضرها  فأحضرها  فدفع الدنانير والدراهم إلى الرجل  وقال: هات من يحملها لك  فأتاه بحمالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمالين  فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم فقال: أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم. طابت  نفوسهم وزكت قلوبهم   وعلموا أن ما عند الله خير وأبقى  وأنه سبحانه لا تضيع عنده مثاقيل الذر  وأن الجزاء من جنس العمل في الدنيا والآخرة  فما نقصت صدقة من مال  وما ضاع ولا تأخر من تعامل مع الله  ففي الحديث: «يا ابن آدم  إنك إن تبذل الفضل خير لك  وإن تمسكه شر لك  ولا تُلام على كفاف وابدأ بمن تعول  واليد العليا خير من اليد السفلى» [رواه مسلم]

 وورد: «ما من يوم تُصبح العباد فيه إلاَّ وملكان ينزلان فيه  فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفا  ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفا» [رواه البخاري ومسلم].

 وروي عن قيس بن سلع الأنصاري   «أن إخوته شكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه يبذر ماله وينبسط فيه  قلت: يا رسول الله آخذ نصيبي من الثمرة فأنفقه في سبيل الله  وعلى من صحبني  فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره  وقال: «أنفق يُنفق الله عليك» ثلاث مرات  فلما كان بعد ذلك خرجتُ في سبيل الله ومعي راحلة وأنا أكثر أهل بيتي اليوم وأيسره» [رواه الطبرانيّ].

 إنَّ المنفق في سبيل الله يتعامل في الحقيقة مع رب كريم  فإذا تصدق وجاهد بماله تصدق الله عليه  فالمحسن يُعرِّض نفسه لزيادة وبذلك وردت السنن والآثار  والمرء ليس له من ماله إلاَّ ما أكل فأفنى  ولبس فأبلى  وتصدَّق فأمضى  ونعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن  وذلك أنه عمل قليلاً  وأخذ زاده منها إلى الجنة  وبئست الدار كانت للكافر والمنافق  وذلك أنه ضيّع لياليه  وكان زاده منها إلى النار. وختامًا: نذكر بأن الله جلَّ وعلا قد أمرنا بالأخذ بأسباب القوة كائنة ما كانت  وقال: ( وأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُ ومٌن رٌَبّاطٌ الخّيًلٌ تٍرًهٌبونّ بٌهٌ عّدٍوَّ اللَّهٌ وعّدٍوَّكٍمً ) [الأنفال: 60] 

والمؤمن القويّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف  وهذه القوة المطلوبة والمشروعة سواء كانت مادية - عدد وعتاد - أو معنوية  فهي تتطلب بذل المال  كما هو معلوم  فالسهم الواحد ثلاثة يدخلون به الجنة  منهم الذي أعده وليس فقط الرامي به  بل الرامي الماهر ماذا يصنع إن لم يجد سهمًا يرمي  وقد تخلف السبعة عن غزوة تبوك - وكانوا إخوة أهل دار واحدة من دور الأنصار - والسبب هو أنهم لم يجدوا ما يرتحلون عليه  وذكرهم سبحانه في كتابه ( ولا عّلّى الذٌينّ إذّا مّا أّتّوًكّ لٌتّحًمٌلّهٍمً قٍلًتّ لا أّجٌدٍ مّا أّحًمٌلٍكٍمً عّلّيًهٌ تّوّلَّوًا وأّعًينٍهٍمً تّفٌيضٍ مٌنّ الدَّمًعٌ حّزّنْا أّلاَّ يّجٌدٍوا مّا ينفٌقٍونّ <92> ) [التوبة: 92]

  فالمجاهد في سبيل الله يحتاج لنفقات  ومن لم يغزو أو يحدث نفسه بالغزو ات على شعبة من النفاق  ومن خلف الغازي في أهله بخير فقد غزا  فقد ترك أهله وعياله وخرج يجاهد بنفسه في سبيل الله فلو قام إنسان باحتياجاتهم  واتقى الله فيهم فكأنما غزا. والنفقة في الجهاد في سبيل الله من أعظم النفقات وثوابها يتضاعف إلى سبعمائة ضعف  والله يضاعف لمن يشاء  والله واسع عليم  فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه  وما عندكم ينفد وما عند الله باق.

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.

  • الاثنين PM 03:38
    2021-03-29
  • 1647
Powered by: GateGold