المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409150
يتصفح الموقع حاليا : 306

البحث

البحث

عرض المادة

أن خروج عائشة على علي تبرج منها

أن خروج عائشة على علي تبرج منها(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض الطاعنين أن السيدة عائشة خالفت أمر ربها وتبرجت تبرج الجاهلية، حين خرجت تطالب بدم عثمان، وقد أمرها ربها بالاستقرار في البيت في قوله سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن( (الأحزاب: ٣٣)، وجعل خروجهن من بيوتهن تبرجا من تبرج الجاهلية الأولى: )ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب)، وقد أدى خروجها إلى وقوع الفتنة بين المسلمين، متوهمين أنها ما خرجت إلا عداء لعلي رضي الله عنهما إذ إنها كانت حريصة على تدعيم موقفها السياسي، وإن استوجب ذلك وقوع خلاف بينها وبين بعض الصحابة - رضي الله عنهم - كما حدث بينها وبين علي رضي الله عنه. رامين من وراء ذلك كله إلى الطعن في عدالتها رضي الله عنها تمهيدا للطعن فيما آتانا عنها من السنة.

وجها إبطال الشبهة:

1) لقد خرجت السيدة عائشة رضي الله عنها لضرورة شرعية وهي الإصلاح بين الناس، وليس في هذا ما يدل على تبرجها؛ إذ إن الأمر بالاستقرار في البيوت لا يتعارض مع الخروج للإصلاح، ولاسيما أنها رضي الله عنها قد سافرت مع محرم، وهو عبد الله بن الزبير.

2) إن العلاقة الطيبة بين السيدة عائشة رضي الله عنها وسيدنا علي - رضي الله عنه - تنفي أن يكون خروجها بدافع العداوة أو إحداث الفتنة، ولقد سجل التاريخ ما بينهما من احترام متبادل.

التفصيل:

أولا. السفر لضرورة شرعية لا ينافي القرار في البيت:

إن أصحاب هذه الشبهة قد استخدموا الدليل في غير موضعه؛ إذ يجدر بنا في البداية أن نفهم معنى التبرج الوارد في الآية، ثم نمعن النظر في موقف السيدة عائشة رضي الله عنها لنستطيع الحكم بإنصاف ونجيب على سؤال مهم وهو: هل حقا خالفت السيدة عائشة رضي الله عنها أمر ربها وتبرجت؟!! أم أنه ادعاء واه يفتضح أمره من أول وهلة.

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن(: "أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة"([1])، وخاطبهن بذلك تشريفا لهن([2]).

ويقول الطاهر ابن عاشور في تفسير قوله سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: ٣٣): هذا أمر خصصن به، وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيرا لهن، وتقوية لحرمتهن، فقرارهن في بيوتهن عبادة، ونزول الوحي فيها وتردد النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلاله يكسبها حرمة. وقد كان المسلمون لما ضاق عليهم المسجد النبوي يصلون الجمعة في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم... وهذا الحكم وجوب على أمهات المؤمنين، وهو كمال لسائر النساء... ومحمل هذا الأمر على ملازمة بيوتهن فيما عدا ما يضطر فيه الخروج مثل موت الأبوين، وقد خرجت عائشة إلى بيت أبيها أبي بكر في مرضه الذي مات فيه كما دل عليه حديثه معها في عطيته التي كان أعطاها من ثمرة نخلة وقوله لها:«وإنما هو اليوم مال وارث»([3]).

وجاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن»([4])، يريد حاجات الإنسان.

وقد أشكل على الناس خروج عائشة إلى البصرة في الفتنة التي تدعى: وقعة الجمل... والذي عليه المحققون مثل أبي بكر بن العربي أن ذلك كان منها اجتهاد، فإنها رأت أن في خروجها إلى البصرة مصلحة للمسلمين لتسعى بين فريقي الفتنة بالصلح؛ فإن الناس تعلقوا بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، ورجوا بركتها أن تخرج فتصلح بين الفريقين، وظنوا أن الناس يستحيون منها، فتأولت لخروجها مصلحة تفيد إطلاق القرار المأمور به في قوله سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن(يكافئ الخروج للجمع، وأخذت بقوله سبحانه وتعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9)( (الحجرات)، ورأت أن الأمر بالإصلاح يشملها وأمثالها ممن يرجون سماع الكلمة فكان ذلك منها عن اجتهاد، وقد أشار عليها جمع من الصحابة بذلك، وخرجوا معها مثل طلحة والزبير وناهيك بهما.

وهذا من مواقع اجتهاد الصحابة التي يجب علينا حملها على أحسن المخارج ونظن بها أحسن المذاهب - كقولنا في تقاتلهم في صفين - وكاد أن يصلح الأمر، ولكن أفسده دعاة الفتنة، ولم تشعر عائشة إلا والمقاتلة قد جرت بين فريقين من الصحابة يوم الجمل. ولا ينبغي تقليد كلام المؤرخين ونقله على علاته فإن فيهم من أهل الأهواء ومن تلقفوا الغث والسمين.

وما يذكر عنها رضي الله عنها أنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى يبتل خمارها، فلا ثقة بصحة سنده، ولو صح لكان محمله أنها أسفت لتلك الحوادث التي ألجأتها إلى الاجتهاد في تأويل الآية([5]).

إذن خروج السيدة عائشة رضي الله عنها كان لحاجة شرعية تستوجب الخروج ألا وهي الإصلاح بين الناس، وإخماد نار الفتنة بين المسلمين، فلعل الحياء منها رضي الله عنها يثنيهم عن القتال وينصتوا لقولها، أليست هذه حاجة وضرورة؟!!

ثم إن العجب ليتملكنا من أصحاب هذه الشبهة إذ كيف يرمون أم المؤمنين رضي الله عنها بالتبرج وهي من برأها الله - سبحانه وتعالى - بوحي من السماء يقرأ إلى يوم القيامة، وكفي به دليلا على براءتها من كل هذه الترهات التي يحاولون إلصاقها بها، رضي الله عنها.

والتبرج: هو التكشف والظهور للعيون، أو هو: إظهار المرأة محاسن ذاتها وثيابها وحليها بمرأى الرجال([6])، وحقيقته إظهار ما ستره أحسن، والمقصود بـ "تبرج الجاهلية الأولى" ما كان يحدث من النساء؛ إذ كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ، فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال، أو هو: كون النساء يتمشين بين الرجال([7]).

فهل يصدق عاقل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي المرأة الطاهرة النقية تفعل مثل هذا، فكيف برأها الله - سبحانه وتعالى - إذن بكلامه؟!

إن الحق الذي لا مراء فيه أن السيدة عائشة رضي الله عنها إنما خرجت للإصلاح ولم تخرج أبدا رضي الله عنها متبرجة.

ومما يدعم هذه الرؤية: ما رواه الطبري أن عثمان بن حنيف - والي البصرة من قبل علي - أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن سبب قدومها البصرة، فقالت: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يعطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار غزوا حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجنود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين، غير نافعين ولا متقين، ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: )لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس( (النساء: ١١٤)، فنهض في الإصلاح ممن أمر الله - عز وجل - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصغير والكبير، والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه، ونحثكم على تغييره([8]).

ويضيف ابن العربي رحمه الله قائلا: وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها، وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت ممتثلة لأمر الله - عز وجل - في قوله: )لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس(، والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى، حر أو عبد([9]).

فعائشة رضي الله عنها لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين. ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها([10]).

"فتقرر أنها ما خرجت إلا للإصلاح بين الناس، وفيه رد على من طعن في عائشة رضي الله عنها بقوله: إنها خرجت من بيتها وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: ٣٣).

إذ إن سفر الطاعة لا ينافي القرار في البيت وعدم الخروج منه إجماعا، وهذا ما كانت تراه أم المؤمنين عائشة في خروجها للإصلاح بين المسلمين، وكان معها محرمها ابن أختها عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم ـ([11]).

وقد رد ابن تيمية على الذين يزعمون أن أم المؤمنين عائشة تبرجت تبرج الجاهلية الأولى عندما خرجت من دارها، حيث يقول: "فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفره، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سافر بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها، فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن بعده كما كن يحججن معه في خلافة عمر - رضي الله عنه - وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان، أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزا، فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك"([12]).

فلم يرد لله تعالى بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلاح، ولكن جرت مطاعنات وجراحات حتى كاد يفنى الفريقان، فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه، فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبي بكر عائشة رضي الله عنها فاحتملها إلى البصرة، وخرجت في ثلاثين أو أربعين امرأة - على اختلاف في الروايات - قرنهن علي بها حتى أوصلوها إلى المدينة برة تقية مجتهدة، مصيبة مثابة فيما تأولت، مأجورة فيما فعلت؛ إذ كل مجتهد في الأحكام مصيب([13]).

كما أن خروجها مع محرم لها (عبد الله بن الزبير ابن أختها)، ثم موقف علي بن أبي طالب إذ أرجعها في ثلاثين امرأة، كل هذه أدلة على نفي التبرج عنها، وحاشاها ذلك وهي أم المؤمنين المكرمة المصونة.

ثانيا. إن خروج السيدة عائشة كان بدافع الإصلاح، يشهد لذلك علاقتها الطيبة بسيدنا علي رضي الله عنه:

لقد تبين أن موقف السيدة عائشة، وكذلك باقي الصحابة - رضي الله عنهم - من علي رضي الله عنه، وخروجهم إليه في البصرة لم يكن المراد منه قتال علي، بل كان مرادهم الإصلاح والطلب بدم عثمان، وقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها ترى أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها، وتقول: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وكانت رضي الله عنها تبكي كلما تتذكر أحداث يوم الجمل.

ومما يرد القول بوجود عداء بينها رضي الله عنها وبين علي - رضي الله عنه - ما ثبت عن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - من أنه أقر عائشة رضي الله عنها على قولها إثر معركة الجمل؛ حيث قالت تصف علاقتها بالإمام علي: "والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها"([14])، فقال علي رضي الله عنه: "صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك"([15]).

فأي عداوة كانت؟! لقد كانت عائشة رضي الله عنها على علاقة طيبة مع

علي - رضي الله عنه - ولقد كانت تروي فضائله دائما، ومن ذلك:

o      روت حديث الكساء في فضل علي، وفاطمة، والحسن، والحسين - رضي الله عنهم ـ([16]).

o  كثيرا ما كانت تحيل السائل إلى علي - رضي الله عنهم - ليجيبه؛ فقد أحالت شريح بن هانئ لما سألها عن المسح على الخفين إلى علي - رضي الله عنه - وقالت له: «عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»([17]).

o      كذلك فقد طلبت من الناس بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - أن يلزموا عليا - رضي الله عنه - ويبايعوه.

ويظهر لنا مما يرد على هذه الشبهة أن عائشة رضي الله عنها لم يحدث قط أنها أبطلت خلافة علي، ولا طعنت عليه، ولا ذكرت فيه جرحا، ولا بايعت غيره، ولا خرجت لقتاله في البصرة فإنه لم يكن بالبصرة يومئذ([18]).

ولذلك قال الأحنف بن قيس: لقيت طلحة والزبير رضي الله عنهما بعد حصر عثمان - رضي الله عنه - فقلت: ما تأمراني فإني أراه مقتولا؟ قالا: عليك بعلي. قال: ولقيت عائشة بعد قتل عثمان في مكة، فقلت: ما تأمريني؟ قالت: عليك بعلي([19]).

مما يؤكد أنها لم تكن حريصة على تدعيم موقفها السياسي ضده كما يدعي المغرضون، بل إنها كانت لا تقول إلا الحق، ولا تحدث إلا بالصدق.

ولذلك فإن القول بأنها كانت على خلاف مع علي - رضي الله عنه - جعلها تتقول الأحاديث لتدعيم موقفها أمامه - قول باطل لا يثبت أمام الروايات الصحيحة التي بينت أن عائشة ما خرجت إلا للإصلاح.

ولقد كان علي - رضي الله عنه - على علم بهذا الأمر؛ لذا فقد ردها إلى مأمنها معززة مكرمة، وجهزها بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد أو متاع، وأخرج معها من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال: تجهز يا محمد بن الحنفية، فبلغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس، وودعوها وودعتهم وقالت: يا بني، تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، لأنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبتي من الأخيار، وقال علي: يا أيها الناس، صدقت والله وبرت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة([20]).

فكان كل منهما يعرف للآخر قدره، ويحفظ له مكانه عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأين هو الموقف المدعم من قبل عائشة رضي الله عنها ضد علي رضي الله عنه؟ وأين هذا الخلاف الذي يستدعي من عائشة رضي الله عنها أن تضع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟! إنه لشيء عجاب.

وقد خالف الصواب من ظن أن خروج أم المؤمنين إلى البصرة كان لشيء في نفسها من علي، لموقفه منها في حديث الإفك، حين رماها المنافقون بالفاحشة فاستشاره النبي - صلى الله عليه وسلم - في فراقها، فقال: «يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك»([21]).

وهذا الكلام الذي قاله علي إنما حمله عليه ترجيح جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان شديد الغيرة، فرأى علي - رضي الله عنه - في بادئ الأمر أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها، إلى أن تتحقق براءتها، فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما([22]).

وبظهور براءة عائشة رضي الله عنها بوحي نزل من السماء وقرآن يتلى إلى يوم القيامة تطيش هذه الشبهة، كما تتأكد عندنا عدالة أم المؤمنين رضي الله عنها وصحة مروياتها؛ إذ إنها المبرأة من قبل الله - عز وجل - ومن قبل جميع الصحابة وعلى رأسهم علي - رضي الله عنه - الذي قال لها وهو يودعها بعد موقعة الجمل المشهود لها: "إنها لزوجة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة".

وبهذا كله تبطل الشبهة، وتظهر لنا براءة وعدالة السيدة عائشة رضي الله عنها مما نسبه المغرضون إليها، ويتضح فضلها ومكانتها في الإسلام، وأنها أبدا ما خرجت متبرجة، ولا معادية لعلي - رضي الله عنه - وبهذا فلا مجال للطعن في مروياتها.

الخلاصة:

  • إنخروجالسيدةعائشةرضياللهعنهاكانمنأجلالإصلاحبينالناس،وليسفيهذاتعارضمعالآيةالكريمة: )وقرنفيبيوتكن(،إذإنمعناها: الزمنبيوتكنفلاتخرجنلغيرحاجة، ولا يخفى على أحد أن الإصلاح في هذا الوقت كان من أهم الضرورات والحاجات، وبذا لا يصح الاستدلال بهذه الآية على هذه الواقعة.
  • لمتخرجالسيدةعائشةرضياللهعنهالقتال،وإنماظنتأنفيخروجهامصلحةللمسلمين،كماتعلقالناسبها،وشكواإليهاماصارواإليهمن عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق.
  • خرجترضياللهعنهاملتزمة،وكيفلاتلتزموهيأمالمؤمنين؟!! فخرجتمعمحرملها (عبداللهبنالزبيرابنأختها) فهلفيهذاتبرج؟!! ثمإنهارجعتفيثلاثينأوأربعين امرأة قرنهن بها الإمام علي - رضي الله عنه - أوصلوها إلى المدينة برة تقية مجتهدة مثابة فيما اجتهدت بإذن الله.
  • لقدكانتالسيدةعائشةأمالمؤمنينرضياللهعنهاعلىعلاقةطيبةبعلي

أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وكانت تروي فضائله دائما، ولم يحدث قط أنها أبطلت خلافته ولا طعنت عليه ولا ذكرت فيه جرحا ولا بايعت غيره ولا خرجت لقتاله، ولا استخدمت أحاديث ضده.

  • إنماحدثمنثناءالإمامعلي - رضياللهعنه - علىأمالمؤمنينرضياللهعنهاوكذلكثنائهاعليه - رضياللهعنه - وإرجاعهاإلىمأمنهاسالمةمصونةمنقبله ليؤكد على فساد هذه الشبهة وجهل قائليها.

 

 

(*) أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، مصر، 2003م. الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أم المؤمنين عائشة، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1، 1425هـ/ 2004م.

[1]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (6/ 245).

[2]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (4/ 79).

[3]. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب: البيوع في التجارات والسلم، باب: النحلى، (1/ 260)، رقم (808).

[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: خروج النساء لحوائجهن، (9/ 249)، رقم (5237). صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب: السلام، باب: إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان، (8/ 3290، 3291)، رقم (55649).

[5]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (22/ 10: 12).

[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (12/ 309). التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (22/ 12) بتصرف.

[7]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (14/ 179، 180).

[8]. أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب، علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، مصر، 2003م، ص460، 485، 486 بتصرف.

[9]. أحكام القرآن، ابن العربي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (6/ 353).

[10]. انظر: الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أم المؤمنين عائشة، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص206، 207.

[11]. الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال، د. إبراهيم بن عامر الرحيلي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط1، 1418هـ/ 1997م، ص444.

[12]. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، ابن تيمية، تحقيق: محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (4/ 144).

[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (14/ 182).

[14]. تاريخ الأمم والملوك، ابن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، (3/ 31).

[15]. تاريخ الأمم والملوك، ابن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص61.

[16]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، (8/ 3556)، رقم (6144).

[17]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: التوقيت في المسح على الخفين، (2/ 809)، رقم (627).

[18]. حقبة من التاريخ، عثمان بن محمد الخميس، مكتبة الإمام البخاري، القاهرة، ط3، 1427 هـ/ 2006م، ص176 بتصرف.

[19]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (13/ 38).

[20]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، مصر، 2003م، ص532.

[21]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا (، (8/ 306)، رقم (4750).

[22]. دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين، أسماء محمد أحمد، نقلا عن: أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، مصر، 2003م، ص532.

  • الجمعة PM 01:31
    2020-10-23
  • 3005
Powered by: GateGold