ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الزعم أن الصحابة خالفوا السنة
الزعم أن الصحابةخالفوا السنة(*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المشككين أن الصحابة - رضي الله عنهم - خالفوا السنة، ويستدلون على ذلك بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد غير جنس الدية ومقدارها عما كانت عليه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما جعلها على أهل الديوان بدلا من عاقلة الجاني، وأنه عندما فتح بلاد العراق عنوة لم يقسمها بين الفاتحين كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أرض خيبر، وكذلك غير مقدار حد شرب الخمر؛ إذ جعل الحد ثمانين، في حين أن السنة تنص على أربعين.
وأما عثمان - رضي الله عنه - فقد أمر بتعريف الإبل الضالة ثم بيعها، على الرغم من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التقاطها، كما أنه غير جنس زكاة الفطر ومقدارها، وكذلك غير الصحابة وقت إخراجها، هذا بالإضافة إلى أن بعض الصحابة وعلى رأسهم السيدة عائشة منعوا النساء من الخروج إلى المساجد مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله».
كما أن الصحابة لم ينفذوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»، بل بايعوا معاوية بالخلافة بعد موت علي بن أبي طالب بدلا من قتله معطلين بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ويتساءلون: أليست مخالفة الصحابة للسنة دليلا على عدم حجيتها؟! وإذا كانت السنة غير ملزمة للصحابة - وهم أعلم الناس بها - فلم نلزم أنفسنا بها؟!
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن ما صح عن الصحابة الكرام نابع في حقيقته من تشريع النبي صلى الله عليه وسلم - وإن بدا ظاهره المخالفة لمن لم يفقه السنة - وذلك لعمق فهمهم لمقصود النص النبوي، وتطبيق روحه، فما عرف التاريخ أناسا اهتموا بسنة نبيهم كاهتمام الصحابة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) إن ما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في شأن الدية لم يكن مخالفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فالسنة لم تعين في ذلك نوعا محددا، وما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - كان تقديرا عاما يختلف باختلاف أحوال الناس وظروفهم في جنس الدية ومقدارها ومن يتحملها، وهو ما سار عليه عمر رضي الله عنه.
3) فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في خيبر وتقسيمه الأرض على الفاتحين يدل على الجواز لا الوجوب؛ لأنه لم يقسمها يوم فتح مكة وإنما تركها.
4) لقد استند عمر - رضي الله عنه - في تحديد عقوبة شرب الخمر إلى القياس وهو مصدر تشريعي معتبر، واستشار الصحابة فوافقوه، وما فعل عمر ذلك وما وافقه الصحابة إلا لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرع في هذه العقوبة حدا معلوما، وإنما ترك الأمر لتقدير القاضي.
5) لقد نظر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في شأن ضالة الإبل، فوجد أن أخلاق الناس قد تغيرت، وترك الضوال من الإبل والبقر إضاعة لها، وهذا ما لم يقصده النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا حين نهى عن التقاطها. فأمر ببيع من لم يجد صاحبها، وإذا جاء أعطي ثمنها.
6) إن تغيير مقدار زكاة الفطر وجنسها، وتغيير وقت إخراجها في عهد الصحابة، كان مراعاة لحال كل عصر مع تطبيق روح النص، حتى لا تتعطل هذه الفريضة الإسلامية، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر الناس مراعاة لظروف البيئة والزمن.
7) إن إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء بالخروج إلى المساجد، كان منوطا بالمصلحة وأمن الفتنة، فلما كان مظنة المفاسد صار درء المضار مقدما على جلب المصالح هنا، وهذا بعينه اتباع لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس مخالفة له.
8) إن الحديث الذي اتكأ عليه المغرضون في شأن معاوية بن أبي سفيان لا يصلح للاستدلال؛ لأنه موضوع، ذلك أن الطرق التي جاء منها مظلمة الإسناد ولا تخلو من راو متروك الحديث، فالصحابة - رضي الله عنهم - أحرص الناس على اتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو صح حديث كهذا ما وسعهم إلا العمل به.
التفصيل:
أولا. الصحابة الكرام هم أقدر الناس على فهم النص النبوي، وتطبيق روحه، وتحقيق مقصوده:
إن من حسن الفقه للسنة النبوية النظر في أسباب ورود الأحاديث، وظروفها وعلل أحكامها، وهل هي علل خاصة، منصوص عليها في الحديث أم مستنبطة منها، أم مفهومة من الحيثيات المصاحبة له. فالناظر المتعمق، يجد أن من الحديث ما بني على رعاية ظروف زمنية خاصة ليحقق مصلحة معتبرة، أو يدرأ مفسدة معينة، أو يعالج مشكلة قائمة، في ذلك الوقت.
ومعنى هذا أن الحكم الذي يحمله الحديث قد يبدو عاما ودائما، ولكنه عند التأمل فيه نجده مبنيا على علة، يزول بزوالها، ويبقى ببقائها.
واستنادا إلى هذا فلا بد من فهم الحديث فهما سليما دقيقا، ولا بد من معرفة الملابسات التي سيق فيها النص، وجاء بيانا لها وعلاجا لظروفها، حتى يتحدد المراد من الحديث بدقة.
وإذا سلمنا بهذه القواعد الأصولية في فهم النصوص الشرعية، فإنه لا يخفى على أي مدرك أن هذا يحتاج في تطبيقه إلى فقه عميق، ونظر دقيق، ودراسة مستوعبة للنصوص، وإدراك بصير لمقاصد الشريعة وحقيقة الدين، مع شجاعة أدبية، وقوة نفسية للصدع بالحق، وإن خالف ما ألفه الناس وتوارثوه[1].
ثم إننا نجد - بما لا يدع مجالا للشك - أن أجدر الناس للقيام بهذه المهمة هم الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، وذلك لأن الصحابة الكرام قد فهموا الأحاديث النبوية في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها، وعاينوا الوحي وهو ينزل بين ظهرانيهم، ورأوه يتمثل واقعا عمليا بين أيديهم، ومن استقرأ ما أثر عن فقهاء الصحابة - رضي الله عنهم - مثل الخلفاء الراشدين، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم من فقهاء الصحابة، ونظر إلى فقههم، وتأمله بعمق - تبين له أنهم كانوا ينظرون إلى ما وراء الأحكام من علل ومصالح، وما تحمله من الأوامر والنواهي من حكم ومقاصد، فإذا أفتوا في مسألة، أو حكموا في قضية، لم تغب عن بالهم مقاصد الشريعة وأهدافها، ولم يهدروا هذه المقاصد الكلية في غمرة الحماسة للنصوص الجزئية، ولا العكس، بل ربطوا الجزئيات بالكليات، والفروع بالأصول، والأحكام بالمقاصد، بعيدا عن الحرفية والجمود[2].
ولا يقدح هذا بأية حال من الأحوال في حجية السنة حيث "إن التمسك بحرفية السنة أحيانا لا يكون تنفيذا لروح السنة ومقصودها، بل يكون مضادا لها، وإن كان ظاهره التمسك بها"[3].
ومما يؤكد ذلك أيضا ويعضده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر من ترك ظاهر الحديث عملا بمقصده؛ إذ إن للحديث النبوي - كما ذكرنا آنفا - مقصدا قد يفهمه بعض دون آخرين، ومن ذلك حديث «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»[4]. فقد فهمه بعض الصحابة على ظاهره فأخروا صلاة العصر حتى دخلوا على بني قريظة عملا بظاهر الحديث، وقد فهم الباقون مراد النص ومقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا وهو الإسراع في الخروج إلى بني قريظة، فما أذن لصلاة العصر، حتى صلوا العصر في وقته وحينه، وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - كلا الفريقين.
وحسبنا هنا هذا المثال من السنة، لنعلم أن النصوص، إنما هي دائما نور يهدي وليست قيدا يعوق، إلا عن الظلم والفساد.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه أنه ما عرف التاريخ أناسا اهتموا بسنة نبيهم، كاهتمام الصحابة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يتهمون بإهمالها؟
ذلك أنه من أفرى الفرى أن يتهم الصحابة الكرام بإهمال السنة، أو حتى مجرد عدم العناية بها، لقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يلتزمون حدود أمره ونهيه ويقتدون به - صلى الله عليه وسلم - في كل أعماله وعباداته ومعاملاته - إلا ما علموا منه أنه خاص به.
وقد بلغ من اقتدائهم - رضي الله عنهم - به - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يفعلون ما يفعل، ويتركون ما يترك، من غير أن يعلموا لذلك سببا، أو يسألوه عن علته أو حكمته.
بل كان من أمرهم أن الصحابي كان يقطع المسافات الشاسعة ليسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مسألة نازلة، أو حكم شرعي، ثم يرجع لا يلوي على شيء.
وكذلك كان من عادتهم - رضي الله عنهم - أن يسألوا زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بشئون الرجل مع زوجته لعلمهن بذلك.
كما كانت النساء تذهبن إلى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسألنهن عن أمور دينهن، وأحيانا يسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه ما يشأن السؤال عنه من أمورهن، فإذا كان هناك ما يمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من التصريح للمرأة بالحكم الشرعي أمر إحدى زوجاته أن تفهمها إياه كما في حديث عائشة رضي الله عنها في كيفية التطهر من الحيض[5].
هكذا كانت عناية الصحابة - رضي الله عنهم - بالسنة، فهم إضافة إلى ما سبق ذكره كانوا يسلكون مجالات أخرى للعناية بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والحفاظ عليها، من ذلك حفظها والتثبت من ذلك حتى كان أحدهم يرحل في طلب الحديث الواحد مسافة شهر ليتثبت من حفظه، وكذلك كتابتها في الصحف والأجزاء، ثم نشرها بين الناس وغير ذلك من المجالات[6].
وبالرغم من كثرة ما يحفظه الصحابة من حديث نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا لا يكثرون من الرواية تورعا وتثبتا وزيادة في الحيطة والحذر، حتى إن منهم من كان لا يحدث حديثا في السنة، ومنهم من كانت تأخذه الرعدة ويقشعر جلده ويتغير لونه ورعا واحتراما لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هذا ما روي عن عمرو بن ميمون قال: «ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فنكس، قال فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها بذلك»[7]. فإلى هذا الحد يصل احترام حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره عند ابن مسعود وغيره من الصحابة[8].
وبهذا العرض يسقط أي اتهام للصحابة الكرام، بأنهم أهملوا السنة الشريفة أو خالفوها، بل على العكس لقد بلغوا الغاية في العناية والاهتمام بها.
ثانيا. الدية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
مما لا شك فيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدر الدية تقديرا معينا، لكن هذا التقدير - من حيث الأصناف التي أخذها في الدية - كان راجعا إلى ظروف البيئة التي عاش فيها. ومن هذا المنطلق نريد أن نفرق بين قضيتين متغايرتين؛ لأن الخلط بينهما قد أدى إلى بعض اللبس وهما:
- أن الدية قيمة النفس، وقد حدد لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقدارا معينا لا يزاد عليه ولا ينقص عنه، وقد اتفق الفقهاء على أن المسلمين جميعا، في عصورهم المختلفة، ملزمون بهذا المقدار المعين الذي فرضه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن هذا المقدار الثابت بالنص غير موكول إلى اجتهاد الرأي؛ لأن قيمة الإنسان لا تتغير من بيئة لأخرى، وإنما هي ثابتة بحكم التساوي الأصلي في النفوس التي خلقها الله جميعا من نفس واحدة.
ولو كان هذا التقدير معنويا لما كان هناك مجال لتغير أو خلاف؛ لأن المعنويات التي تتصل بالإنسان لا تتغير في جوهرها باختلاف الظروف والأزمنة والأمكنة، لكن هذا التقدير يرجع إلى مقابل واقعي له في الخارج، هذا المقابل هو الأصناف والعروض المتقدمة، وهنا تتدخل الظروف والبيئات.
- الأصناف والعروض المالية التي تؤخذ من كل بيئة مقابلا ماديا لما فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم. فمن المعلوم أن قيمة العروض والماليات تتغير بتغير الظروف، وأن توفر بعض الأصناف التي كانت موجوده في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد لا يكون متحققا بعده في بيئة ما، فماذا نفعل؟
لقد كانت الإبل مناط التعامل الشائع بين العرب في عصر الرسالة؛ لكثرتها وشيوعها فيهم، فإذا وجدنا بعد ذلك في بيئة لا تتوفر فيها الإبل، فهل نظل ملتزمين بالمائة من الإبل التي فرضها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بيئته؟! بالطبع لا؛ لأن المقصود من التشريع الإسلامي في الماليات هو فكرة القيمة، دون العروض والأشكال التي تتمثل فيها، فما دمنا ملتزمين بما يساوي المقدار الذي حدده الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا بأس من أن نأخذ قيمته مما يتيسر من الأصناف الأخرى غير الإبل.
فإذا كانت قيمة المائة من الإبل في عصر الرسالة تساوي ألف دينار في بيئة ما، فيمكننا أن نأخذها نقدا بدل الإبل، كما يمكننا أن نأخذ هذه القيمة نفسها من أي شيء آخر يتيسر للناس، فنحن ملتزمون بما يساوي المقدار الذي حدده الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون أن نلتزم في أخذه بصنف أو أصناف معينة، وهذا الفرق بين القضيتين.
ولنا في فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه ما يؤيدنا من عهده، أو ليس قد أخذ الجزية دينارا، أو ما يعادله من الثياب؟ ففكرة المعادل المادي المتيسر في البيئة كانت مما راعاه الرسول نفسه[9].
وتفصيل الأمر أن الدية مقدرة تقديرا عاما للأمة، وقد تختلف باختلاف أحوال الناس في جنسها ومقدارها[10].
ونريد أن نخلص من هذا كله إلى أنه كان من حق عمر أن يقدر الدية في عهده بما يساوي ثمن المائة من الإبل في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن يأخذ هذا المقدار من أي صنف يتيسر للناس، وأن يخضع ما يأخذه من الذهب والفضة، وغيرهما للتطورات الاقتصادية.
ولم يرد عمر الفقيه أن يجعل ما أخذه في عهده تشريعا مخلدا للناس على مر العصور مهما تغيرت ظروفهم المالية؛ لأنه إنما كان يقدر لعصره، ويراعي ظروفه الخاصة، وعلى الناس بعد ذلك أن يراعوا ظروفهم الاقتصادية، وما يتيسر لهم من أصناف المعاملات، ما داموا ملتزمين بما تساوي قيمته مائة من الإبل في عصر الرسالة، ونعني بذلك المقدار الذي أجمعت الروايات على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوم به دية النفس.
وعلى هذا، فليس لمن أتى من العلماء بعد عمر أن يلتزم ويلزم الناس بتقديرات عمر - رضي الله عنه - للدية من الذهب والفضة، بالرغم من اختلاف ظروفهم المالية عن عصر عمر - رضي الله عنه - وما يتبع هذا الاختلاف من تغير قيمة الذهب والفضة وغيرهما من العروض، وإنما يجب عليهم أن يقدروا قيمة المائة من الإبل بالغة ما بلغت في عهدهم، كما قال الشافعي، وتدفع بعد ذلك من أصناف المعاملات المتيسرة لهم دون تحديد[11]. فإذا ثبت لنا ما سبق وجب أن نقرر: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد طبق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطبيقا دقيقا ولم يخالفها.
وأما جعل عمر - رضي الله عنه - الدية على أهل الديوان بدلا من عاقلة الجاني، فيجيب عنه ابن تيمية في فتاواه، إذ يقول: "النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة، وهم الذين ينصرون الرجل ويعينونه، وكانت العاقلة على عهده هم عصبته، فلما كان في زمن عمر - رضي الله عنه - جعلها على أهل الديوان، ولهذا اختلف فيها الفقهاء، فيقال: أصل ذلك أن العاقلة، هم محدودون بالشرع، أو هم من ينصره ويعينه من غير تعيين. فمن قال بالأول لم يعدل عن الأقارب؛ فإنهم العاقلة على عهده، ومن قال بالثاني جعل العاقلة في كل زمان ومكان من ينصر الرجل ويعينه في ذلك الزمان والمكان، فلما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ينصره ويعينه أقاربه، كانوا هم العاقلة؛ إذ لم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ديوان ولا عطاء.
فلما وضع عمر الديوان كان معلوما أن جند كل مدينة ينصر بعضه بعضا، ويعين بعضه بعضا، وإن لم يكونوا أقارب، فكانوا هم العاقلة، وهذا أصح القولين، وأنها تختلف باختلاف الأحوال، وإلا فرجل قد سكن بالمغرب، وهناك من ينصره ويعينه كيف تكون عاقلته من بالمشرق في مملكة أخرى (أي من عصبته) ولعل أخباره قد انقطعت عنهم؟! والميراث يمكن حفظه للغائب، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في المرأة القاتلة أن عقلها على عصبتها وأن ميراثها لزوجها وبنيها، فالوارث غير العاقلة"[12].
فابن تيمية رحمه الله يبين أن ما فعله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان للمصلحة العامة، لا سيما وأن الأحوال قد اختلفت على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا فضلا عن أن الأمر ليس فيه مخالفة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الحكم مناط بوصف معين، هو مناط تحمل الدية، وهو أن يكون من يتحملها من العاقلة، أي من ينصر الجاني، وهؤلاء يختلفون من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، ولهذا السبب يقرر فقهاء الأحناف أنه لو أصبح التناصر بشيء آخر كالحرفة مثلا، وجب نقل الدية إليه؛ إذ العلة فيها التناصر، فأي رابطة كان بها التناصر انتقلت الدية إلى أصحابها، وبناء على ذلك يكون عمر - رضي الله عنه - بجعله العاقلة على أهل الديوان حيث كان التناصر به، قد فهم النص فهما سليما، وطبقه تطبيقا دقيقا[13].
ثالثا. فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في خيبر يدل على الجواز وليس الوجوب:
لم يقل واحد من العلماء السابقين أن عدم تقسيم عمر - رضي الله عنه - أرض العراق فيه مخالفة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خيبر - أي تقسيمها - لا يدل على الوجوب، ولو لم يفعل عمر - رضي الله عنه - مثله لقيل: إنه خالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد فصل د. فتحي عبد الكريم القول في هذه المسألة، فقال: إنما الذي عليه جمهور العلماء أن فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خيبر يدل على جواز ما فعله، والأدلة على ذلك ما يأتي:
- أن الأصل في أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - العادية - أي التي ليست قربات - الإباحة أو الجواز، ولا ينصرف الفعل إلى الوجوب إلا إذا اقترن بدليل آخر يدل على ذلك، وقد انعدم هذا الدليل في تقسيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخيبر، بل وجد من الأدلة ما يعزز إفادة فعله - صلى الله عليه وسلم - الإباحة أو الجواز.
من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تحت عنوان "حبس عمر وعثمان للأرضين المفتوحة وترك قسمتها على الغانمين"؛ إذ قال ما نصه: "من قال: إن هذا لا يجوز استند إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر، واستخلص من هذا أن الإمام إذا حبسها نقض حكمه لأنه مخالف للسنة.
وهذا القول خطأ، وفيه جرأة على الخلفاء الراشدين، فإن فعل النبي في خيبر إنما يدل على جواز ما فعله ولا يدل على وجوبه، فلو لم يكن معنا دليل يدل على عدم وجوب ذلك لكان فعل الخلفاء الراشدين - ويقصد بذلك ترك عمر وعثمان قسمة الأرض على الفاتحين - دليلا على عدم الوجوب.
لقد ذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أن تقسيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخيبر يفيد الإباحة والجواز؛ لأنه من غير المعقول أن يفيد فعله - صلى الله عليه وسلم - الوجوب ويخالفه كل من عمر وعثمان رضي الله عنهما فما كان لعمر وعثمان وهم من الصحابة الكرام أن يفعلوا ذلك إلا لعلمهم بجوازه.
وهذا الذي ذهب إليه ابن تيمية بحق، ذهب إليه - أيضا قبله - السرخسي، حيث يقول: "عدم تقسيم عمر - رضي الله عنه - لأرض السواد على الغانمين مع علمنا أنه لم يخف عليه قسمة رسول الله خيبر بين أصحابه حين افتتحها، فاستدللنا به على أنه علم أن ذلك لم يكن حكما حتما من رسول الله، على وجه لا يجوز غيره في الغنائم".
وبناء على ذلك فإن تقسيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - خيبر يدل على إباحة هذا التقسيم أو جوازه، ولا يدل على وجوبه.
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح خيبر عنوة، وقسم أرضها، وفتح مكة عنوة، ولم يقسم أرضها، فدل ذلك على جواز الأمرين: القسمة وعدم القسمة، والأدلة على أنه - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة عنوة، استفاضت بها الأحاديث الصحيحة، كما يقول ابن تيمية رحمه الله.
فإذا انتهينا إلى أن قسمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخيبر تدل على إباحة القسمة أو جوازها، فلا تثريب على عمر - رضي الله عنه - إن هو لم يقسم أرض العراق، ولا يكون بذلك مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبناء على ما انتهينا إليه، يذهب أكثر العلماء إلى أن الإمام مخير في الأرض التي تفتح عنوة تخيير مصلحة، أي أنه يفعل فيها ما هو أصلح للمسلمين من قسمها أو حبسها، فإن رأى قسمها كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر فعل، وإن رأى أن يجعلها فيئا للمسلمين فعل كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث فتح مكة عنوة ولم يقسمها بين الفاتحين، وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه، والمشهور عن الإمام أحمد، ورأي الثوري وأبي عبيد، وهو الصحيح عن شيخ الإسلام ابن تيمية[14].
وبهذا يتضح جليا أن سيدنا عمر - رضي الله عنه - لم يخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان له، وحاشاه ذلك وهو المتبع، المقتفي أثره - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة، وما فعله كان فقها وجمعا بين مجموع أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتمشيا مع روح النصوص ومقاصدها.
رابعا. لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرع عقوبة شرب الخمر حدا معلوما، لذلك استند عمر - رضي الله عنه - إلى مصدر تشريعي معتبر وهو القياس:
لقد حرمت الخمر بنص القرآن الكريم، لكننا لا نجد في القرآن الكريم عقوبة محددة لشاربها، فماذا نجد في السنة المطهرة؟!
- أخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر - رضي الله عنه - أربعين»[15].
- وأخرج البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال: «كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإمرة أبي بكر - رضي الله عنه - فصدرا من خلافة عمر - رضي الله عنه - فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر - رضي الله عنه - فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين»[16].
- وأخرج مسلم بسنده عن أنس: «أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جلد في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقـال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين»[17].
- وأخرج مسلم بسنده عن شعبة قـال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين...»[18].
ومن خلال هذه الروايات نستطيع القول:
إن "لشارب الخمر عقوبة هي الضرب والجلد - هذا ما تجمع عليه كل الروايات - لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد مقدار الضربات أو الجلدات في كل الحالات، فكان يأمر بالضرب، فيقوم بذلك الحاضرون من الصحابة: بعضهم يضرب بيده، أو بنعله، أو بثوبه، أو بالجريد في حالات أخرى، ولم يثبت على سبيل القطع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حدد مقدارا معينا في كل الحالات، كما أنه لم يحدد لهم بم يضربون وإنما هو أمر عام مقصود به مطلق العقوبة والردع.
ثم إن الصحابة بعد عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين أرادوا تطبيق العقوبة - ورغبة منهم في متابعته - صلى الله عليه وسلم - على وجه الدقة - تساءلوا عن عدد الضربات - أو الجلدات - في عصره، ليضربوا مثلها، فقدروه بأربعين أو نحو أربعين، ومن ثم جلد أبو بكر - رضي الله عنه - أربعين.
ومن هذا التقدير - الذي حدث بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم - جاءت الروايات التي أخبرت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جلد أربعين وجلد أبو بكرـ رضي الله عنه - أربعين؛ لأن الصحابة حينئذ قدروا الضربات في عهده - صلى الله عليه وسلم - بنحو أربعين، ومن هنا يستطاع القول بأنه جلد أربعين، لكن هناك فرق دقيق بين الحالتين: أن يكون الرسول حدد أربعين في كل حالة على أنه حد مقرر كسائر الحدود, وأن يكون الصحابة قدروا ما كان يحدث في عهده - صلى الله عليه وسلم - بأربعين أو نحوها، والحالة الثانية هي التي حدثت.
وهذا الفرق الدقيق - الذي لا يكاد يلمح - هو الذي أوجد نوعا من التعارض الظاهري بين الروايات، حيث لا تعارض في الحقيقة إذا تصورنا الأمور تصورا صحيحا"[19].
وقد سبق الشوكاني إلى ذلك، فقال: "ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدار معين، بل جلد تارة بالجريد وتارة بالنعال، وتارة بهما، وتارة بهما مع الثياب، وتارة بالأيدي والنعال، والمنقول في ذلك من المقادير إنما هو بطريق التخمين، ولهذا قال أنس: نحو أربعين"[20].
ومما يؤيد عدم ثبوت مقدار معين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لما طلب عمر - رضي الله عنه - المشورة من الصحابة فأشاروا عليه بآرائهم، ولو كان قد ثبت تقديره عنه - صلى الله عليه وسلم - بمعنى الحد الشرعي الملزم في كل الحالات، لما استشار فيه عمر - رضي الله عنه - أكابر الصحابة.
ومن ثم نستطيع أن نقول: إن الوصف الدقيق لعقوبة شارب الخمر هو: أنها عقوبة حددها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالضرب، أو الجلد على وجه العموم، لكنه لم يحدد مقدار الضرب، بل تركه للقاضي يرى في كل حالة ما يتناسب معها، وبهذا تجمع بين العقوبة المحددة، وغير المحددة، فهي محددة في نوع العقاب، غير محددة في مقداره.
وكيف تكون حدا مقررا وقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بمطلق الضرب دون أن يحدد لكل منهم المقدار الذي يجب أن يتوقف عنده؟ أوليست الزيادة على الحد تعديا له، كما أن النقصان عنه يخرجه عن حقيقة الحد؟!
واستنادا إلى هذا يتضح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقرر حدا ملزما في تلك العقوبة، وإنما كان يرى مرة أن ما فيه المصلحة في حالة هو الضرب غير المحدد بالثياب أو بالنعال أو بالأيدي، ويرى مرة أخرى أن المصلحة في الضرب المحدد بأربعين، ومرة بالجريد، وهكذا تبعا لحالة الشارب[21].
ولو سلمنا أن في عقوبة الخمر حدا معلوما، أربعين جلدة، فإن زيادة عمر - رضي الله عنه - عليه تعتبر عقوبة تعزيرية زائدة على الحد لظرف معين، وهذا من حق الإمام، كما كان عمر - رضي الله عنه - يزيد على من شرب الخمر في نهار رمضان، تغليظا عليه لحرمة الشهر، ونحو ذلك[22].
ثم إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد استند إلى مصدر من مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة؛ إذ مهما يكن من أمر الأربعين الأولى، فإنه لا شك في التكييف الفقهي للأربعين الثانية، فعمر - رضي الله عنه - لم يفكر في زيادة العقوبة إلا بعد أن هانت الأربعون عليهم فتحاقروا العقوبة، وأقبلوا على الخمر، وأكثروا منها، وعتوا فيها وفسقوا - على حد تعبير السائب بن يزيد - ووصل الأمر ببعضهم إلى محاولة التأول الخاطئ لآيات القرآن الكريم تسويغا لشربهم، فخاف عمر - رضي الله عنه - من هذا الافتراء أن يأخذ صورة جماعية، فرأى أن يفكر - ومعه المسلمون - في علاج حاسم سريع. فكانت هذه الزيادة بقصد تحقيق المصلحة العامة.
كما أن عمر - رضي الله عنه - لم يجلد الثمانين إلا بعد أن استشار جميع الصحابة، فأشار علي رضي الله عنه - أو ابن عوف، أو غيرهما من الصحابة - بأن يزيدها إلى ثمانين، واستند إلى القياس على الافتراء، أو القذف، ووافقه جمهور الصحابة سكوتا[23]؛ لأنهم يعلمون أنه لم يرد في ذلك نص قاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الزيادة استند فيها إلى أصل معتبر من أصول التشريع الإسلامي وهو القياس، ولقد استخدم القياس في القرآن، واعتبر دليلا على إمكان البحث قياسا على الإيجاد الأول، واستخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - القياس في بعض أحاديثه، فعمر - رضي الله عنه - في اتباعه لأصل القياس كدليل شرعي، إنما يتبع القرآن والسنة[24].
ومما سبق نقول لهؤلاء المشككين: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يخالف السنة النبوية؛ لأن السنة لم يرد فيها - أصلا - نص يقطع بتحديد مقدار العقوبة، فإذا ثبت هذا وجب أن نقرر أن فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة يعمل بها، لا سيما وأنه قد استند في اجتهاده إلى مصدر أصيل ومعتبر من مصادر التشريع الإسلامي، وذلك حفاظا على المصلحة العامة.
خامسا. لقد نظر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في شأن ضالة الإبل إلى علل النصوص وملابساتها:
إن المنهج الذي طبقه سيدنا عثمان - رضي الله عنه - يدل على مرونة الشريعة الإسلامية، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، عندما ذهب إلى تعريف الإبل الضالة، ثم بيعها، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها، ثم تغير الحال قليلا بعد عثمان - رضي الله عنه - في عهد سيدنا علي - رضي الله عنه - إذ وافقه في جواز التقاط الإبل حفظا لصاحبها، ولكنه رأى أنه قد يكون في بيعها وإعطاء ثمنها إن جاء صاحبها ضرر به؛ لأن الثمن لا يغني غناءها بذواتها، ومن ثم رأى التقاطها والإنفاق عليها من بيت المال، حتى إذا جاء ربها أعطيت له.
وعليه، فإن ما فعله سيدنا عثمان وعلي رضي الله عنهما لم يكن مخالفة منهما للنص النبوي، بل نظر إلى مقصوده، فحيث تغيرت أخلاق الناس، ودب فيهم فساد الذمم، وامتدت أيدي بعضهم إلى الحرام، كان ترك الضوال من الإبل والبقر إضاعة لها، وتفويتا لها على صاحبها، وهو ما لم يقصده النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا حين نهى عن التقاطها، فكان درء هذه المفسدة متعينا[25].
وقد جاء في الموسوعة الفقهية أنه قد "ذهب الحنفية إلى أنه يندب التقاط البهيمة الضالة حفاظا عليها لربها؛ لأنها لقطة يتوهم ضياعها، فيستحب أخذها وتعريفها حفاظا على أموال الناس - كما أشرنا - كالشاة، وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الإبل: «مالك ولها، معها سقاؤها، وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها»[26]، فقد قال السرخسي في المبسوط: "إن ذلك كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والأمانة، لا تصل إليها يد خائنة، فإذا تركها وجدها، وأما في زماننا فلا يأمن وصول يد خائنة إليها بعده، ففي أخذها إحياؤها، وحفظها على صاحبها فهو أولى، فإن غلب على ظنه ضياعها، وجب التقاطها وهذا حق، للقطع بأن مقصود الشارع وصولها إلى ربها، وأن ذلك طريق الوصول؛ لأن الزمان إذا تغير وصار طريق التلف تغير الحكم بلا شك، وهو الالتقاط للحفظ.
ويؤيد هذا ما روي عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في اللقطة: «فإن وجد صاحبها فليردها عليه، وإلا فهو مال الله - عز وجل - يؤتيه من يشاء»[27]. ولم يفرق الحنفية بين الشاة وغيرها في الحكم، كما أنهم لم يفرقوا بين الصحراء والعمران[28].
ومما يزيد الأمر وضوحا أن الحنابلة قد خيروا آخذ هذا النوع من الضوال بين ثلاث خصال:
- أن يحفظه لربه، ويعرفه، وينفق عليه مدة التعريف، ويتملكه بعد التعريف إن لم يجد ربه.
- أن يبيعه ويحفظ الثمن لربه، ثم يعرف الضالة التي باعها، ويتملك الثمن، إن لم يجد رب الضالة.
- أن يأكله ويغرم قيمته إن ظهر مالكه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - عن ضالة الغنم: «خذها، فإنما هي لك أو لأخيك، أو للذئب»[29].
لكن التخيير بين هذه الخصال، إنما هو بالنسبة للضوال التي أخذت من الصحراء، فإن أخذت من العمران فالتخيير بين الخصلتين الأوليين، أي الحفظ أو البيع[30].
وبهذا يتبين لنا أن ما فعله سيدنا عثمان - رضي الله عنه - في شأن ضوال الإبل، من حيث تعريفها وبيعها، ثم إذا ظهر صاحبها يأخذ ثمنها، لم يكن مخالفا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو النظر للواقع الذي تتنزل عليه الأحكام، والنظر إلى مقاصد النصوص وعللها.
سادسا. زكاة الفطر ومراعاة ظروف كل عصر:
إن ما فعله الصحابة من تغيير جنس زكاة الفطر ومقدارها، وتغيير وقت إخراجها، كان مراعاة لحال كل عصر مع تطبيق روح النص، وإلا لتعطلت هذه الفريضة الإسلامية؛ إذ إن تحديد جنس الواجب في صدقة الفطر، يستند أساسا إلى حديثين صحيحين ثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل عبد أو حر صغير أو كبير»[31].
- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «كنا نعطيها في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب...»[32].
وأمره - صلى الله عليه وسلم - بصاع من تمر، أو شعير، أو زبيب، هو عند أكثر العلماء لكونه قوتا لأهل المدينة، واستنبط الفقهاء من ذلك أن أهل كل بلد يخرجون من قوتهم، وإن لم يكن من هذه الأصناف[33].
ويستفاد في ذلك من مذهب الإمام مالك، كما هو مبين في المدونة: "قلت: ما الذي يؤدى منه صدقة الفطر في قول مالك؟ فقال: القمح، والشعير، والسلت[34]، والأرز، والدخن[35]، والزبيب، والتمر، والأقط[36]، قال: وقال مالك: لا أرى لأهل مصر أن يدفعوا إلا القمح؛ لأن ذلك جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم، فيكون عيشهم الشعير فلا أرى بأسا أن يدفعوا شعيرا"[37].
وبه قال الشافعي - رحمه الله: "وإن اقتات قوم ذرة أو دخنا أو سلتا، أو أرزا، أو أي حبة، ما كانت مما فيه الزكاة، فلهم إخراج الزكاة منها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فرض زكاة الفطر من الطعام وسمي شعيرا، أو تمرا، فقد عقلنا عنه أنه أراد من القوت... "[38].
وبناء على ذلك فإن الأصناف الواردة في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكون واردة على سبيل المثال، وليس على سبيل الحصر، وأن المناط في إخراجها، هو كونها القوت الغالب على أهل البلد، وحيث يتوافر هذا المناط في طعام ما، جاز إخراج الزكاة منه.
وبما أن القمح كان القوت الغالب لأهل الشام، فإنه يكون قد توافر فيه مناط حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبذلك يجوز إخراجه في صدقة الفطر، ولا يكون معاوية - بإخراجه - قد غير وخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل يكون قد طبقها تطبيقا سليما[39].
وأما بالنسبة لمقدار زكاة الفطر، فإن معاوية - رضي الله عنه - رأى أن الصاع من كل من التمر والشعير والزبيب متقاربة، وأن قمح الشام يزيد في قيمته عن التمر، والشعير، والزبيب، حتى إن البخاري روى في صحيحه، قال: «فلما جاء معاوية وجاءت السمراء، قال: أرى مدا من هذا يعدل مدين»[40]؛ لذا أمر بإخراجها نصف صاع من بر؛ حيث إن الصاع يعدل أربعة أمداد.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - راعى ظروف البيئة والزمن، فأوجب زكاة الفطر مما في أيدي الناس من الأطعمة، وكان ذلك أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ.
فقد كانت النقود عزيزة عند العرب، وخصوصا أهل البوادي، وكان إخراج الطعام ميسورا لهم، حتى إنه رخص في إخراج (الأقط) وهو اللبن المجفف المنزوع زبده، لمن كان عنده وسهل عليه، مثل أصحاب الإبل والغنم والبقر من أهل البادية.
فإذا تغيرت الحال، وأصبحت النقود متوافرة، والأطعمة غير متوافرة، أو أصبح الفقير غير محتاج إليها في العيد، بل هو محتاج إلى أشياء أخرى لنفسه أو لعياله، كان إخراج القيمة نقدا هو الأيسر على المعطي، والأنفع للآخذ، وكان هذا عملا بروح التوجيه النبوي ومقصوده[41].
ولا شك أن المقصود من زكاة الفطر هو إغناء الفقير يوم العيد عن السؤال، ومعنى ذلك أن النص معلل بالإغناء، والإغناء يحصل بالقيمة، ولا يكون ذلك مخالفة من معاوية لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إعمالا لهذه السنة على الوجه المرجو، وتطبيقا لمقاصدها لها[42].
ثم إن تحديد وقت زكاة الفطر في عصر الصحابة على هذا النحو، كان من فقههم في مراعاة حال كل عصر، مع تطبيق روح النص أيضا. ذلك أنه من الثابت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج زكاة الفطر، ويأمر بإخراجها بعد صلاة الفجر، وقبل صلاة العيد من يوم الفطر.
وكان الوقت كافيا لإخراجها وإيصالها إلى مستحقيها، وذلك نظرا لصغر حجم المجتمع، ومعرفة أهله بعضهم ببعض، ومعرفة أهل الحاجة منهم، وتقارب منازلهم، فلم يكن في ذلك مشكلة.
فلما كان عصر الصحابة اتسع المجتمع، وتباعدت مساكنه، وكثر أفراده، ودخلت فيه عناصر جديدة، لم تعد المدة ما بين صلاة الصبح، وصلاة العيد كافية، فكان من فقه الصحابة أن كانوا يعطونها قبل العيد بيوم، أو يومين، ولو أنهم أخذوا بظاهر النص لفاتهم مقصده ألا وهو إغناء الفقراء في يوم العيد، وإيصال الأموال إليهم جميعا.
وفي عصر الأئمة المتبوعين من الفقهاء والمجتهدين ازداد المجتمع توسعا وتعقدا، فأجازوا إخراجها من منتصف رمضان، كما في المذهب الحنبلي، بل من أول رمضان كما في المذهب الشافعي.
وفي هذا رعاية لمقصود النص النبوي، وتطبيق لروحه، وهذا هو الفقه الحقيقي[43].
ونخلص من هذا كله إلى أن منشأ هذه الشبهة قائم على عدم فهم أصحابها لمقصود النص النبوي، كما فهمه الصحابة، ولو أخذ بظاهر الحديث، سنجد حينها أنهم خالفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحقيقة وإن اتبعوه في الظاهر، أقصد أنهم عنوا بجسم السنة وأهملوا روحها.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - راعى ظروف البيئة والزمن، ولكن دون تشدد في ذلك، بل إنه فعله مراعاة للمصلحة. فإذا اقتضت المصلحة في زمن غير هذا الزمان أن نفسح على الناس في وقت إخراج زكاة الفطر، فليس في ذلك قدح في حجية السنة؛ لأن عكسه يكون تشددا في الشريعة الإسلامية.
وهل التشديد في هذا على الناس اتباع للسنة حقا أم مخالفة لروح السنة التي شعارها دائما: «يسروا ولا تعسروا» [44][45]؟
ومن ثم فلا وجه للطعن في الصحابة، ووصمهم بمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم.
سابعا. إن إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء بالخروج إلى المساجد كان مناطا بأمر معين، وهو أن يكون ذلك الخروج مصلحة لا فتنة ولا مفسدة فيه:
معلوم أن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - شرع دائم لا يجوز مخالفته، فهل حقا خالف الصحابة وعلى رأسهم السيدة عائشة رضي الله عنها حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نهيه عن منع المرأة من المساجد؟!
فلو نظرنا في صحيح مسلم نجده قد أورد الحديث الذي يستدل به المشككون على مخالفة الصحابة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أربع روايات قريب بعضها من بعض.
الرواية الأولى: وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها»[46].
والرواية الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها»[47].
والرواية الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[48].
والرواية الرابعة: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد، فأذنوا لهن»[49].
ثم روى الإمام مسلم قول السيدة عائشة والذي رواه عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: «لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل، قال - أي يحيى وهو ابن سعيد: فقلت لعمرة: أنساء بني إسرائيل منعن المسجد؟ قالت: نعم»[50].
ويبين الإمام النووي في شرحه وتعليقه على أحاديث الباب، أن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإذن للنساء في الخروج إلى المساجد هو للندب باعتبار ما كان في الصدر الأول من عدم المفاسد بدليل قول السيدة عائشة رضي الله عنها ثم ينقل أن العلماء قالوا بالإذن لهن إذا لم يؤد خروجهن إلى مفسدة.
يقول الإمام النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد، لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهو ألا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها، وألا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها، وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة، فإن لم يكن لها زوج أو سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط"[51].
مما سبق يتبين بجلاء أن إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء بالخروج إلى المساجد معلق على وصف معين هو مناط تطبيقه، وهو أن يكون في خروج النساء إلى المساجد مصلحة لا فتنة فيها ولا مفسدة، وعندئذ يندب لهن الخروج تحصيلا للمصلحة الخالصة أو الراجحة[52].
فإذا كنا في زمن فيه صلاح، قيل لأهل الخبرة والمطلعين على أحوال الناس: هل في خروج النساء إلى المساجد مصلحة خالصة أو راجحة؟ فإن قالوا: نعم لم يمنعن من الخروج، وإذا تبين أن هناك فسادا من خروج النساء يساوي المصلحة المرجوة من الخروج أو يزيد كان مقتضى الحكم الشرعي نفسه أن يمنعن؛ لأن مناط الحكم هو المصلحة الخالصة أو الراجحة, وهو غير متحقق في هذه الحالة.
وبناء على ذلك فإن السيدة عائشة رضي الله عنها تكون قد استندت في قولها بالمنع إلى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه، ولم تخالفه؛ لأنها تعلم أن إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء بالخروج إلى المساجد منوط بأمر معين وهو أن يكون في ذلك الخروج مصلحة لا فتنة فيه ولا مفسدة.
وهذا ما يجب على كل مسلم أن يعتقده في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لا يصح أن يظن في حقه - صلى الله عليه وسلم - أنه يأذن للنساء في الخروج إلى المساجد حتى لو ترتب على خروجهن فتنة أو فساد[53].
ومن ثم فإن السيدة عائشة بقولها هذا وافقت مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من تحقيق المصلحة العامة وأمن الفتنة، ولم تخالفه كما زعم هؤلاء.
ثامنا. إن الحديث المستدل به في شأن معاوية - رضي الله عنه - حديث موضوع, لا تقوم به حجة للخصوم:
التعصب المذهبي، ومحاولة نصرة المذهب من البواعث التى حملت بعض أنصار كل مذهب على وضع الحديث، وذلك لتأييد الآراء والأهواء، التي لا دليل عليها، حتى قال رجل من أهل البدع رجع عن بدعته: "انظروا هذا الحديث ممن تأخذون، فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا"[54][55].
لذا فقد وضع الروافض[56]ـ نصرة لمذهبهم - أحاديث في ذم كل من خالف عليا - رضي الله عنه - خاصة زمن الفتنة[57]، ونال معاوية - رضي الله عنه - نصيب الأسد من هذه الأحاديث المفتراة، ومما وضعوه - ونسبوه زورا للنبي - صلى الله عليه وسلم - حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه». فقد حكم عليه نقاد الحديث، وصيارفته بالوضع، ذلك أن الطرق التي جاء منها مظلمة الإسناد ولا تخلو من راو متروك الحديث، وهذه هي طرق الحديث[58]:
- ورد من طريق فيه: عباد بن يعقوب، وهو رافضي متروك كذاب.
- ورد من طريق: سلمة بن الفضل، وهو ضعيف منكر الحديث.
- ورد من طريق: سفيان بن محمد الفزاري، وهو يسرق حديث الناس، ويروي عن الثقات المناكير.
- وله طريق به: مجالد، وهو ليس بشيء.
- وجاء من طريق: علي بن زيد بن جدعان, وهو ليس بشيء.
- وله طريق أخير عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابرـ رضي الله عنه - وجعفر وأبوه لم يدركا أحدا من الصحابة، فكيف بأهل بدر.
ونظرا لضعف طرق هذا الحديث كلها حكم عليه المحدثون بالوضع، ومن ثم فلا مجال للاستدلال به على مخالفة الصحابة للسنة من أجل الوصول إلى إنكار حجيتها.
فليس هذا القول الموضوع من السنة في شيء، وعدم إعمال الصحابة له إعمال للسنة، وتأكيد لإلزامها.
بطلان هذا الحديث دليل على تمسك الصحابة بالسنة:
إن الصحابة - رضي الله عنهم - هم حملة الدين ومبلغوه، وليس من المعقول أن يعلموا حديثا كهذا ثبتت صحته لديهم، ثم يضربون به عرض الحائط، فترك معاوية - رضي الله عنه - في الخلافة دليل على وضع هذا الحديث، ودليل على سير الصحابة على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - دون الابتداع في الدين؛ لأن في تركهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - انتفاء للأمانة التي تحملوها؛ إذ إنهم مأمورون بتبليغ أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه رغب في ذلك، وحذر من كتمان العلم، فقال: «ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه»[59].
وحذر - صلى الله عليه وسلم - من كتمان العلم فقال: «من سئل عن علم ثم كتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار»[60]، كل هذه الأحاديث وغيرها مما تزخر بها كتب السنة، كانت تدفع الصحابة دفعا لنشر العلم وتعليم الناس.
وما نال الصحب الكرام التزكية من ربهم - عز وجل - إلا لأنهم أكثر الناس أمانة، وأصفاهم قلوبا، وأفضلهم هديا، روى الإمام أحمد عن ابن مسعود، قال: «إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه - صلى الله عليه وسلم - يقاتلون عن دينه...»[61].
وكلام ابن مسعود هذا - وهو الذي عاصر هذا الجيل الفريد من الصحابة - يدل على استحالة الكذب في حق هؤلاء الصحابة، وأنهم كانوا - رضي الله عنهم - يطيعون الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أمر به ويتبعونه في كل ما فعل أو أقر، وإن لم يعلموا الحكمة في ذلك، فكان يكفيهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك أو قاله، ومن ثم نجدهم يقتفون آثار النبوة، واشتهر في ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد روى لنا أنس بن سيرين، فقال: «كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما بعرفات فلما كان حين راح رحت معه، حتى أتى الإمام فصلى معه الأولى والعصر، ثم وقف معه وأنا وأصحاب لي، حتى أفاض الإمام فأفضنا معه، حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين، فأناخ وأنخنا، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي، فقال غلامه الذي يمسك راحلته: إنه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى هذاالمكان قضى حاجته، فهو يحب أن يقضي حاجته»[62]؛ اقتفاء لآثار النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان - رضي الله عنه - لا يخشى في الله لومة لائم، وإن خاطر بنفسه في سبيل إقامة شرع الله، فروي أنه - رضي الله عنه - عارض الحجاج، وقاطعه؛ لأنه أطال في كلامه مما يؤخر إقامة الصلاة في وقتها، بل زجره وقال: "إنما نجيء للصلاة، فإذا حضرت الصلاة فصل الصلاة لوقتها، ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة [64]"[63] .
وكل الصحابة على هذا المنوال من شدة الاتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإقامة سنته، ولكننا آثرنا ذكر ابن عمررضي الله عنهما لأنه من مشاهير الصحابة الذين بايعوا معاوية - رضي الله عنه - وابنه من بعده، فلو صح ما تقوله المغرضون على النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»، لما بايع عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - معاوية - رضي الله عنه - ولو أزهقت روحه في سبيل تنفيذ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنه - لمعاوية - رضي الله عنه - وقد تم الاتفاق على أفضليته وصلته بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ثم فهذا الحديث المكذوب ليس من السنة في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وبهذا يتضح أن الصحابة لم يخالفوا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هم ألزم الناس بالسنة وأحرصهم عملا بها.
الخلاصة:
- إنمنأسبابالخلطفيفهمالسنة: أنبعضالناسخلطوابينالمقاصدوالأهدافالثابتةالتيتسعىالسنةإلىتحقيقها،وبينالوسائلالآنيةوالبيئية،التيتعينهاأحياناللوصول إلى الهدف المنشود، فتراهم يركزون كل التركيز على هذه الوسائل، كأنها مقصودة لذاتها، مع أن الذي يتعمق في فهم السنة وأسرارها يتبين له أن المهم هو المقصد الشرعي من الحكم، وهو الثابت والدائم، والمقاصد العرضية قد تتغير بتغير البيئة أو العصر أو العرف، أو غير ذلك من المؤثرات، وهو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم.
- إنالصحابةالكرام - رضياللهعنهم - كانواأشدالناسحرصاعلىالتمسكبالسنة،والاهتمامبهامنذبزوغفجرالإسلام،فماعرفالتاريخأناسااهتموابسنةنبيهمكاهتمامالصحابةبسنةرسولالله - صلىاللهعليه وسلم - فكيف يتهمون بإهمالها؟!
- لقدعلمالصحابةأنالحيثياتالمرتبطةبالأحكامقدتتغيرمنعصرإلىعصر،ومنبيئةإلىأخرىبلهيلابدمتغيرة،وإذانصالحديثعلىشيءفيها،فإنماذلكلبيانالواقع،لاللتقييدإذالتقييدمشقة،ولقدنصتالسنةالنبويةعلىالتيسيرإذيقولصلىاللهعليهوسلم: «يسروا لا تعسروا» كما نص القرآن على ذلك أيضا، قال تعالى: )وما جعل عليكم في الدين من حرج( (الحج: ٧٨).
- كانتحديدجنسالديةومقدارهاومنيتحملها،وعدمتقسيمأرضالعراق،والاجتهادفيحدشربالخمر،وتعريفالإبلالضالةثمبيعها،وتغييرجنسزكاةالفطرومقدارها ووقت إخراجها، ومنع النساء من الخروج إلى المساجد، في عهد الصحابة رضي الله عنهم - في ضوء هذا البيان القرآني والنبوي، مراعاة للمصلحة وظروف كل عصر، وليس مخالفة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
- الحديثالمحتجبهمنقبلالمغرضينفيشأنمعاويةحديثموضوع، لا يصح الاستدلال به، وعدم اتباع الصحابة لهذا القول الباطل يدل على أنهم تمسكوا بالسنة كما قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتركوا غيرها.
- إنمعاويةبنأبيسفيان - رضياللهعنه - أحدالصحابةالأخيار،وفضلهثابتبصريحالقرآنوالسنة،كماأقربذلكمعظم الصحابة، وأولهم المخالفون له في الرأي. وهذا كله يثبت عدم صحة الحديث المستشهد به.
(*) السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م. كيف نتعامل مع السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م. البيان والتعريف في سرقة الحديث النبوي، د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار التوحيد، مكة المكرمة، ط1، 1428هـ/ 2007م.
[1]. كيف نتعامل مع السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص145.
[2]. دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص79 بتصرف.
[3]. كيف نتعامل مع السنة, د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص155.
[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: صلاة الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء، (2/ 506)، رقم (946). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجهاد والسير، باب: المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، (7/ 2768)، رقم (4521).
[5]. انظر: صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحيض، باب: دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض، (1/ 494)، رقم (314).
[6]. انظر: تدوين السنة النبوية "نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري", د. محمد بن مطر الزهراني، مكتبة الصديق، السعودية، ط1، 1412هـ, ص15: 30 بتصرف.
[7]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب: التوقي في الحديث عن رسول الله، (1/ 10)، رقم (23). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (23).
[8]. من جهود الأمة في حفظ السنة, د. أحمد حسين محمود إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص78 بتصرف.
[9]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع "دراسة مستوعبة لفقه عمر وتنظيماته"، د. محمد بلتاجي حسن، دار السلام، القاهرة، طـ2، 1424هـ/ 2003م، ص191، 192 بتصرف.
[10]. السنة تشريع لازم ودائم، د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص103.
[11]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع, د. محمد بلتاجي حسن، دار السلام، القاهرة، طـ2، 1424هـ/ 2003م، ص195 بتصرف.
[12]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (19/ 256).
[13]. السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص106 بتصرف. وانظر: كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص154.
[14]. السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص116، 118 بتصرف.
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: الحدود, باب: ما جاء في ضرب شارب الخمر، (12/ 64)، رقم (6773).
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: الضرب بالجريد والنعال، (12/ 67)، رقم (6779).
[17]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الخمر، (6/ 2653)، رقم (4374).
[18]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الخمر، (6/ 2653)، رقم (7372).
[19]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان, د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص40.
[20]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2001م، (8/ 3630).
[21]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان, د. محمد بلتاجي حسن، دار السلام، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص41 بتصرف
[22]. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها, د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426هـ/ 2005م، ص215.
[23]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان, د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص43 بتصرف.
[24]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع, د. محمد بلتاجي حسن، دار السلام، القاهرة، طـ2، 1424هـ/ 2003م، ص383.
[25]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع, د. محمد بلتاجي حسن، دار السلام، القاهرة، طـ2، 1424هـ/ 2003م، ص151 ,152 بتصرف.
[26]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الشرب والمساقاه، باب: شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار، (5/ 56)، رقم (2371). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللقطة، باب: معرفة العفاص والوكاء وحكم ضالة الغنم والإبل، (6/ 2683)، رقم (4418).
[27]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: اللقطة، (5/ 90)، رقم (1706). وصححــه الألبانـي في صحيــح وضعيــف سنــن أبـي داود برقــم (1709).
[28]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، دار الصفوة، القاهرة، 1414هـ/ 1993م، (28/ 171، 172) بتصرف.
[29]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللقطة، باب: ضآلة الإبل، (5/ 96)، رقم (2427). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللقطة، باب: معرفة العفاص والوكاء، (6/ 2683)، رقم (4419).
[30]. الموسوعة الفقهية, وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، دار الصفوة، القاهرة، 1414هـ/ 1993م, (28/ 170، 171) بتصرف.
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر، (3/ 430)، رقم (1503). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، (4/ 1592)، رقم (2243).
[32]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الزكاة، باب: صاع من زبيب، (3/ 436)، رقم (1508). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، (4/ 1593)، رقم (2248).
[33]. مجموع الفتاوى, ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (21/ 205).
[34]. السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر، يشبه الحنطة.
[35]. الدخن: نبات عشبي من الفصيلة النجيلية، حبه صغير أملس كحب السمسم ينبت بريا ومزروعا.
[36]. الأقط: اللبن المجفف المنزوع زبده.
[37]. المدونة, الإمام مالك، مكتبة المثنى، بغداد، 1970م، (1/ 357).
[38]. الأم, الشافعي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م، (2/ 26).
[39]. السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م, ص109 بتصرف.
[40]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الزكاة، باب: صاع من زبيب، (3/ 436)، رقم (1508).
[41]. كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص156.
[42]. السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم, دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م, ص107، 108 بتصرف.
[43]. كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص155 بتصرف.
[44]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتخولهم بالموعظة كي لا ينفروا، (1/ 196)، رقم (69). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجهاد والسير، باب: في الأمر بالتيسير وترك التنفير، (7/ 2707)، أرقام (4444)، و(4445)، و(4446)، و(4447).
[45]. كيف نتعامل مع السنة, د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م, ص156 بتصرف.
[46]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، (3/ 1015)، رقم (971).
[47]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، (3/ 1015)، رقم (972).
[48]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، (3/ 1015)، رقم (973).
[49]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، (3/ 1015)، رقم (974).
[50]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، (3/ 1017)، رقم (982).
[51]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (3/ 1017).
[52]. نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي, الحسين حامد، ص40، نقلا عن: السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص114.
[53]. السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص114، 115 بتصرف.
[54]. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، أبو حاتم ابن حبان البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، دمشق، ط2، 1402هـ، (1/ 82).
[55]. حماية السنة من الأكاذيب والأباطيل, د. صلاح الفقي، دار النور، القاهرة، 1995م، ص46.
[56]. الروافض: فرق متنوعة من الشيعة، وسموا بذلك لأنهم تابعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين ـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأبى فتركوه ورفضوه.
[57]. زمن الفتنة: يبدأ من شق عصا الطاعة على عثمان رضي الله عنه، إلى عام 41هـ, وفيه تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما، ويسمى هذا العام بعام الجماعة.
[58]. انظر: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة, السيوطي، دار المعرفة، بيروت، د.ت، (1/ 424: 426).
[59]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: رب مبلغ أوعى من سامع، (1/ 190)، رقم (67).
[60]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في كتمان العلم، (5/ 29)، رقم (2649). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2649).
[61]. صحيـح: أخرجـه أحمـد في مسنـده، مسنـد عبـد الله بـن مسعـود، (5/ 211)، رقم (3600). وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.
[62]. صحيـح: أخرجـه أحمـد في مسنـده، مسنـد عمـر بــن الخطــاب، (9/ 13)، رقم (6151). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[63]. البقبقة: أي صوت الماء عند غليانه، ويقال: بقبق الرجل: أي كثر كلامه.
[64]. انظر: الطبقات الكبير، ابن سعد الزهري، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (4/ 149).
-
الجمعة PM 04:52
2020-10-16 - 1803