المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417503
يتصفح الموقع حاليا : 199

البحث

البحث

عرض المادة

الطعن في الصحابة يستلزم الطعن في الدين الذي نقلوه لهذه الأمة

إنه لا يمكن لأحد أن يثبت تواتر القرآن أو السنة النبوية إلا عن طريق الصحابة، ولن يستطيع أحد إثبات أنّ القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه الذي أُنزل على محمد دون الرجوع إلى الصحابة، وإذا ما وُجهت السهام إلى نقلة القرآن ونقلة السنة النبوية وقُدح في ذممهم وفي دينهم سقط اعتبار ما نقلوه وتطرق إليه الشك.

ولهذا قال الإمام أبو زرعة الرازي: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) (1).

كلمات ثقيلة العبارة ... شديدة الألفاظ ... لكن أبا زرعة لا يتصور من مسلم ينطق بالشهادتين ويؤمن بالقرآن وبسنة نبيه أن يشكك ويطعن في من نقل إليه هذا القرآن وهذه السنة ثم يدّعي بعد ذلك أنه مسلم يحب الإسلام ويقدّس القرآن والسنة!

إنّ الشيعة الإثني عشرية حينما يطعنون في عدالة الصحابة ويجرحونهم الليل والنهار لا يستطيعون أن يثبتوا بالمقابل تواتر القرآن الكريم من طريق غير طريق الصحابة، لأنّ من جمع القرآن هو أبو بكر والصحابة (الجمع الأول) ثم عثمان بن عفان والصحابة (الجمع الثاني) فإن كان هؤلاء منافقين فليبحث الشيعة حينئذ عن قرآن آخر!


(1) الكفاية ص49

ولو فرضنا جدلاً أنهم يُمكن نقل القرآن عن الإمام علي دون غيره من الصحابة فأين ذاك الإسناد الشيعي الذي يستند عليه الشيعة؟!

إنّ أهل السنة يفخرون بأنهم هم نقلة القرآن الكريم، ولديهم أسانيد متواترة للقرآن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينما ليس للشيعة ولو إسناد واحد ينقلون فيه القرآن عن آل البيت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى أسانيد أهل السنة (1)!

وقد طُولِب علماء الشيعة مراراً وتكراراً بأن يأتوا بإسناد شيعي واحد للقرآن يبتدأ برواة الشيعة وينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مروراً بأئمة أهل البيت فلم نسمع شيئاً ولن نسمع.

أما السنة النبوية وهي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، فالطعن فيها آكد وأوضح، فقد أعرض الشيعة الإثني عشرية عن روايات الصحابة لأنهم منقلبون على أعقابهم، وتمسّكوا بروايات زرارة وأبي بصير وابن مسلم وأمثالهم من الكذّابين الوضّاعين الذين ابُتلي بهم أئمة أهل البيت!

ولعل في هذا ما يفسر ندرة الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الحديث عند الشيعة الإثني عشرية في مقابل الأحاديث المروية عن الإمام علي أو الإمامين الباقر وجعفر الصادق!

حتى ليضطر المنصف إلى التساؤل: من هو الرسول المبلّغ عن الله تعالى الذي أُمرنا باتباعه؟ أمحمد بن عبد الله هو أم جعفر الصادق أم من؟ وما هي مكانة الرسول الذي نتكلم


(1) فحتى الأسانيد التي عن الإمام جعفر الصادق فكلها سنية! وليس للشيعة منها سندٌ واحدً!

عنه في المذهب الشيعي الإثني عشري؟ وأين تعاليمه؟ طالما حلّ محله غيره بهذا الشكل وصارت الكلمة للأئمة لا لرسول الأئمة وإمام الأئمة!

حاول بنفسك أن تتصفح أهم كتب الحديث عند الشيعة الإثني عشرية "الكافي، من لا يحضره الفقيه، تهذيب الأحكام، الاستبصار وغيرها" لترى قلة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقارنة بأحاديث الإمامين الباقر والصادق، وتأمل كيف صارت سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم مهمّشة في هذه الكتب وصار الأصل هو سنة الإمام!

حتى الأحاديث القليلة المروية عن رسول الله لا يخلو الكثير منها من حيث السند من ضعف، فلو أمسكت كتب الجرح والتعديل عند الشيعة الإثني عشرية (1) ورحت تتفحص الروايات على قلّتها فإنه سيتضح لديك أنّ أغلب هذه الأحاديث ضعيفة السند!

بينما ترى بأم عينك الفارق حينما تتصفح كتب الحديث عند أهل السنة، حيث تجد نفسك تعيش مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وعباراته وأوصافه، وتجد أنّ كلمات رسول الله هي الأصل وأنه الجوهر وكلمات غيره ثانوية يؤخذ منها ويُرد.

هذه حقيقة ملموسة، لا ينكرها إلا جاهل بكتب الحديث الشيعية المذكورة أو معاند مكابر.

إنّ غاية ما يبرر به علماء الشيعة هذه الفجوة الكبيرة بين الشيعة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته هو حديث الإمام جعفر (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عز


(1) كـ"رجال الكشي وابن الغضائري والنجاشي والطوسي وابن داود الحلي وغيرها".

وجل) (1) مع أنّ الحديث ضعيف عند علماء الشيعة أنفسهم لوجود (سهل بن زياد) الكذّاب (2) في سنده!

أو ربما يستدلون بحديث جابر الجعفي وغيره أنّ الإمام جعفر الصادق قال: (والله لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا لكنا من الهالكين ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم) (3) مع أنّ هذه الرواية كافية بحد ذاتها لنسف المذهب كله، إذ كيف يكون رأي الإمام – الذي يُعتقد عصمته – موجباً للهلاك؟!

ثم ما هي تلك الكنوز التي ينسبها الشيعة الإثنا عشرية إلى الأئمة؟

أهي الروايات الشيعية المتواترة القائلة بتحريف القرآن (4)؟!


(1) الكافي – كتاب فضل العلم – باب (رواية الكتب والحديث) - حديث رقم (14).
(2) قال النجاشي في "رجاله ص185": (سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها).
(3) بصائر الدرجات ص320 – باب (في الأئمة أنّ عندهم أصول العلم) - حديث رقم (6).
(4) مثل أبي الحسن العاملي في "المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص36" وعدنان البحراني في "مشارق الشموس الدرية ص126" والمجلسي في "مرآة العقول 12/ 525" ويوسف البحراني في "الدرر النجفية ص298" الذين نصّوا على تواتر الروايات القائلة بالتحريف صراحة كما سيأتي.
بل إنّ آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي – الزعيم الراحل للحوزة العلمية بالنجف- الذي عدّ القول بالتحريف خرافة وشنّع على القائلين به لم يستطع أن يخرج من مأزق كون بعض روايات التحريف ... معتبرة السند في المذهب بل ومقطوع بصدورها عن الأئمة المعصومين حيث يصرّح في كتابه "البيان في تفسير القرآن ص226" قائلاً: (إنّ كثيراً من الروايات، وإن كانت ضعيفة السند، فإنّ جملة منها نُقِلت من كتاب أحمد بن محمد السياري الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه وأنه يقول بالتناسخ، ومن علي= ... = ابن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنه كذاب وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها)!!
فأين يذهب الذين يزعمون أنّ نِسبة القول بالتحريف للشيعة الإثني عشرية إنما هو فِرية من أعداء الدين وأعداء أهل البيت عليهم السلام؟! ألا يقرأ هؤلاء ما تُسطّره كتب علمائهم؟!

أم تِلك الروايات التكفيرية لعموم المسلمين النافية لقبول أعمالهم عند الله تعالى (1)؟!


(1) فقد روى الكليني في "الكافي" عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر أنه قال: (إنّ الله نصب علياً عليه السلام علماً بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمناً، ومن جاء بولايته دخل الجنة، ومن أنكره كان كافراً، ومن جهله كان ضالاً، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً، ومن جاء بعداوته دخل النار) وقد حكم بوثاقة الرواية آية الله العظمى الخميني في "كتاب الطهارة 3/ 316".
وروى البرقي في "المحاسن" والكليني في "الكافي" وغيرهما عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر أنه قال: (والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله ظاهر عادل أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون من ما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد)، وقد حكم بصحة الرواية كل من البحراني في "الحدائق الناضرة 13/ 294" والميرزا القمي في "مناهج الأحكام ص646" والعاملي في "مدارك الأحكام 6/ 202" والخوانساري في "جامع المدارك 6/ 101".

أم هي الفتاوى الجنسية الغريبة التي يستحي المرء من ذكرها (1)؟!


(1) فقد روى الكليني في الكافي بسند صححه كل من المجلسي في "مرآة العقول 22/ 404" والمحقق يوسف البحراني في "الحدائق الناضرة 5/ 530" وآية الله العظمى محسن الحكيم في "مستمسك العروة 2/ 189" وآية الله العظمى محمد صادق الروحاني في "فقه الصادق (ع) 1/ 169" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار)!!
وقد أخذ بهذه الفتوى كل من الشيخ الصدوق والحر العاملي من القدماء، ومن المعاصرين آية الله العظمى محمد حسين فضل الله كما نقل ذلك عنه الشيخ جعفر مرتضى العاملي في كتابه "خلفيات مأساة الزهراء – الجزء الخامس" قول فضل الله: (إنّ حرمة النظر ناشئة من حرمة الجسد لدى صاحبه، مما يخفيه منه، لا من خلال حالة تعبدية في مثل هذه الموارد، ولذلك ورد أنه لا مانع من النظر إلى عورة الكافر فهي كعورة الحمار، من خلال عدم الإحترام له من قبل الشرع أو من قبل صاحبه. وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها، كما في نوادي العراة، أو السابحات في البحر في بعض البلدان أو نحو ذلك. بل قد يستوحي الإنسان جواز النظر إلى عورة الرجل، إذا كان ممن لا ينتهي إذا نهي تمرّداً أو مزاحاً، أو نحو ذلك، لأنه لا خصوصية للمرأة في تلك الرخصة، بل ربما كان التحفظ من المنع بالنسبة إلى المرأة أكثر من الرجل)!!
ويبدو أنّ الخطيب عدنان الموسوي قد أخذ بهذه الرواية بشكل جريء إذ صرّح في كتابه (كيف يلتقي الزوجان في مخدع الحب؟ ص221 طبعة دار المحجة البيضاء- بيروت) بأنه كان يشاهد أفلام جنسية غربية تعلم منها بعض طرق الجماع! ولا لوم على الرجل، فالفيلم الذي كان يشاهده لا يعدو أن يكون تصويراً لعورات ونكاح جماعة من الحمير لا يُستنكر النظر إليهم!!
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، نسأل الله العافية.

أم هي الروايات ذات النفس العنصري الشعوبي البغيض (1)؟!


(1) فقد نصت الروايات الشيعية على أنّ موقف الإمام جعفر الصادق وسائر الأئمة من بعض العرقيات كان موقفاً عنصرياً للغاية، وقد اعتمدت في نقل هذه النظرة على كتب الفقه المعتمدة لدى الطائفة لإثبات الأثر الكبير لهذه الكنوز على فقهاء الطائفة.
ففي السند والهند والقند والخزر ينص فقهاء الشيعة الإثني عشرية ومنهم الشيخ الجواهري في "جواهر الكلام 30/ 116" على أنه: (يكره نكاح الزنج، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إياكم ونكاحهم، فإنهم خلق مشوه) وقال الصادق عليه السلام: (لا تناكحوا الزنج والخزر، فإنّ لهم أرحاماً تدل على غير الوفاء، قال: والسند والهند والقند ليس فيهم نجيب، يعني القندهار)).
وفي الأكراد يقول العلامة الحلي في "منتهى المطلب 2/ 1003 الطبعة الحجرية": (مسألة: يكره له معاملة الأكراد ومخالطتهم ويتجنب مبايعتهم ومشاركتهم ومناكحتهم لما رواه الشيخ عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله (ع) قلت: إنّ عندنا قوماً من الأكراد وإنهم لا يزالون يجتنبون مخالطتهم ومبايعتهم، فقال (ع): يا أبا ربيع، لا تخالطوهم، فإنّ الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم).
وفي المصريين يقول العلامة يوسف البحراني في موسوعته الفقهية "الحدائق الناضرة 5/ 537": (روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أسباط عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تغسلوا رؤوسكم بطين مصر، فإنه يذهب بالغيرة ويورث الدياثة)، أقول - الكلام للبحراني-: في قصة عزيز مصر حيث علم من زوجته مع يوسف على نبينا وآله وعليه السلام ما علم وغاية ما صدر عنه في المقام أنّ قال {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين})!!
وفي رواية الكليني في "الكافي 6/ 391 - رواية رقم (3) " عن الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: (ماء نيل مصر يميت القلوب)، وروى المجلسي في "بحار الأنوار 57/ 210" عن ابن بابويه القمي (الملقب بالصدوق) عن الإمام جعفر الصادق قوله: (كان أبو جعفر يقول: نِعم الأرض الشام وبئس القوم أهلها اليوم، وبئس البلاد مصر، أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل، ولم يكن دخل بنو إسرائيل مصر إلا من سخطة ومعصية منهم لله، لأنّ الله عز وجل قال "ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" يعني الشام فأبوا أن يدخلوها وعصوا فتاهوا في الأرض أربعين سنة. قال: وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد توبتهم ورضا الله عنهم. ثم قال أبو جعفر (ع): إني أكره أن آكل شيئاً طبخ في فخار مصر، وما أحب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن تورثني تربتها الذل وتذهب بغيرتي).

وروى الحميري القمي بإسناد عالٍ في "قرب الإسناد ص374 - 376" عن الإمام الرضا أنه قيل له: إنّ أهل مصر يزعمون أنّ بلادهم مقدسة. قال: وكيف ذلك؟ قلت: جعلت فداك، يزعمون أنه يحشر من جبلهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب. قال: لا، لعمري ما ذاك كذلك، وما غضب الله على بني إسرائيل إلا أدخلهم مصر، ولا رضي عنهم إلا أخرجهم منها إلى غيرها. ولقد أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام أن يخرج عظام يوسف منها، فاستدل موسى على من يعرف القبر، فدل على امرأة عمياء زمنة، فسألها موسى أن تدله عليه فأبت إلا على خصلتين: فيدعو الله فيذهب بزمانتها ويصيرها معه في الجنة في الدرجة التي هو فيها. فأعظم ذلك موسى، فأوحى الله إليه: وما يعظم عليك من هذا، أعطها ما سألت. ففعل، فوعدته طلوع القمر، فحبس الله القمر حتى جاء موسى لموعده، فأخرجه من النيل في سفط مرمر، فحمله موسى. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تغسلوا رؤوسكم بطينها، ولا تأكلوا في فخارها، فإنه يورث الذلة ويذهب الغيرة). قلنا له: قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: نعم).
وقد خلُصَ فقيه الإمامية (الشهيد الأول) في "الدروس في فقه الإمامية 3/ 47" من هذه الروايات المتظافرة إلى حقيقة أنّ (ماء نيل مصر يميت القلوب، والأكل في فخارها وغسل الرأس بطينها يذهب بالغيرة ويورث الدياثة)!!

أم هي المسمّاه بطب الأئمة والتي فيها من الخرافة والعجائب المضحكة ما فيها (1)؟!


(1) لقد حشدت كتب الحديث الشيعية الكثير من غرائب الاستطباب التي لا يقبلها عقل أو شرع، وقد أعرضت عن أكثرها لئلا يُدّعى بأني قد حشدت في هذا الهامش الموضوعات والمكذوبات ورميت بها الطائفة ظلماً وعدواناً، فاخترت من تلك الروايات ما حكم المجلسي محقق "الكافي" بصحته أو حُسنه أو غيره من علماء الشيعة البارزين، وهي كالتالي: روى الكليني في الكافي بسند صححه كل من المجلسي في "مرآة العقول 22/ 129" وآية الله العظمى محسن الحكيم في "مستمسك العروة 5/ 537" وآية الله العظمى الخوئي في "كتاب الصلاة 2/ 277" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (اللحم ينبت اللحم، ومن ترك اللحم أربعين يوماً ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذّنوا في أُذنه)!! ولا عزاء للفقراء!
وروى الكليني أيضاً بسند حسّنه المجلسي في "مرآة العقول 22/ 177" عن الإمام جعفر الصادق أنه قيل له: (إنّ الناس يروون أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً، فقال: هو الذي يسمّونه عندكم الحُمّص ونحن نسمّيه العدس)!! فعليكم بالعدس لتحل عليكم بركات النبوة! سبحان الله .. كأنّ الرواية تتكلم عن المنّ والسلوى لا العدس الذي استبدل به بنو اسرائيل عطاء الله فقيل لهم {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر}.
وروى الكليني أيضاً بسند صححه المجلسي في "مرآة العقول 22/ 191" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (ما من شيء أُشارك فيه أبغض إليّ من الرمّان، وما من رمّانة إلا وفيها حبة من الجنة فإذا أكلها الكافر بعث الله عز وجل إليه ملكاً فانتزعها منه)!! وكأنّ مهمة الملائكة هي انتشال حبات الرمان المفقودة من أفواه الكفار!
وروى الكليني أيضاً بسند صححه المجلسي في "مرآة العقول 22/ 192" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (من أكل حبّة من رمّان أمرضت شيطان الوسوسة أربعين يوماً)!! فكيف بمن يأكل عشرات الحبات؟ أظنه سيقضي على شيطان الوسوسة بالضربة القاضية ومن الجولة الأولى!
وروى الكليني أيضاً بسند حسّنه المجلسي في "مرآة العقول 22/ 193" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (من أكل رمّانة على الريق أنارت قلبه أربعين يوماً)!! ما هذه الرمّانة العجيبة التي تؤثر كل هذا التأثير؟!
وروى الكليني أيضاً بسند موثق كالصحيح عند المجلسي في "مرآة العقول 22/ 198" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (من أكل سفرجلة أنطق الله عز وجل الحكمة على لسانه أربعين صباحاً)!! فلو جمعت بين أكل سفرجلة ورمّانة فحتماً ستكون من أهل الجنة!

[لا بد من التمييز بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية]

لقد استغل أعداء أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلط كثير من الناس بين مفهوم الصحبة والصاحب في اللغة وبين إطلاقه الشرعي، بحيث أظهر الطاعن في الصحابة نفسه بمظهر الناصح الأمين المشفق على دين الله تعالى كما قال الله تعالى حاكياً عن الشيطان وهو يحاول جاهداً إقناع آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة بحجة أنه ناصح أمين له {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِين} (1)، مسوح الضأن على قلوب الثعالب!

ولهذا وجب على المتصدّي لهذه الحملة الشرسة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقف عند هذه المسألة لتحرير القول فيها قبل الخوض فيما يليها.

ولهذا أقول وبالله التوفيق: إنّ الصحبة في اللغة واسعة النطاق، تشمل الصحبة الحقيقية من ملازمة ومصاحبة وتشمل كذلك الصحبة المجازية التي قد تُطلق مثلاً على من تمذهب بمذهب معين كقول القائل (أصحاب الشافعي، أصحاب أحمد ...) وكقول المجتهدين من العلماء عن نظرائهم من علماء المذهب ذاته الذين سبقوهم بقرون (قال أصحابنا)، وقد تُطلق ويُراد بها المعية فيقال (فلان بصحبة فلان) أي بمعيته.

وقد تُستخدم في الإضافة كأن يُقال (صاحب مال، صاحب علم ...)، وقد تُطلق ويُراد بها القائم على الشيء كنحو قول الله عز وجل {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} (2) أي وما جعلنا القائمين على النار إلا ملائكة.


(1) سورة الأعراف آية 21
(2) سورة المدثر آية 31

ونظراً لهذا الاتساع في المعنى اللغوي للصحبة جاز أن تُطلق الصحبة اللغوية على الصحبة الحسنة والسيئة والحقيقية والمجازية والكثيرة واليسيرة.

فأُطلقت الصحبة اللغوية على صحبة المؤمن للكافر والعكس كقوله تعالى {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} (1) وقوله تعالى {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} (2).

ويجوز في اللغة إطلاق لفظ (الصحبة) على المنافقين كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة المنافق عبد الله بن أبيّ بن سلول عندما طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتله فلم يقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر لهم السبب وهو (حتى لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه) (3)، وعبد الله بن أبيّ لا يعتبر صحابياً لأنه منافق لكن أُطلق عليه لفظ الصحبة هنا لأمرين:

الأول: إطلاق لغوي والإطلاق اللغوي لا يُعتبر فيه الإيمان من النفاق


(1) سورة الكهف آية 37
(2) سورة الكهف آية 34
(3) نص الحديث كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للبخاري أنّ جابراً رضي الله عنهما قال: (كنا في غزاة، فكَسَعَ رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما بال دعوى الجاهلية؟) قالوا: يا رسول الله، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: (دعوها فإنها منتنة)، قال جابر: وكانت الأنصار حين قدِم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر، ثمّ كثُرَ المهاجرون بعْدُ. فقال عبد الله بن أُبيّ: أوَ قَدْ فَعَلُوها، واللهِ لئِنْ رَجَعْنا إلى المدينةِ ليُخْرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلُّ، فقال عُمَرُ بن الخطّاب: يا رسُولَ اللهِ أضْرِبْ عُنُقَ هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دَعْهُ، لا يَتَحَدَّثُ النّاسُ أنّ محمداً يَقْتُلُ أصحابَه).

الثاني وهو الأهم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (حتى لا يتحدث الناس) والناس المشار إليهم هنا هم فئة مقابلة للصحابة، والقرآن الكريم حينما يخاطب أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وحينما كان يوجه الكلام للكفار أو للناس مؤمنهم وكافرهم كان خطابه {يَا أَيُّهَا النَّاس} والكفار هم أكثر الناس حرصاً على الطعن في رسول الله ودعوته ولذلك حينما يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي، فلن يقول الكفار بأنه قد قتل منافقاً يستحق القتل بل سيُقال (إنّ محمداً يقتل أصحابه) حتى يصدون الناس عن قبول هذه الدعوة ومن الالتفاف حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويجوز في اللغة إطلاق الصحبة على العدو كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت- والكلام هنا لأبي بكرة رضي الله عنه-: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه) (1).

ويجوز إطلاق الصحبة في اللغة على من التقيت به مرة واحدة كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصحابه: اختر) (2)، فسمى المشتري صاحب مع أنه قد يلتقي مرة واحدة مع البائع ويشتري منه السلعة.

ويجوز في اللغة إطلاق لفظة (الصحبة) على من لا يعرف صاحبه ولم يلتق به يوماً كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما، فقال: يا عمِّ! هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن


(1) رواه البخاري -كتاب الإيمان- باب {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} - حديث (31).
(2) رواه البخاري - كتاب البيوع - باب (إذا لم يُوقِّت الخيار، هل يجوز البيع؟) - حديث رقم (2109).

أخي؟ قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي نفسي بيده! لئن رأيته لا يُفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها، قال: فلم أنشبْ أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه، فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه، فقال: أيكما قتله، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما، قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: كلاكما قتله، وقضى بسلبه ..) (1).

ولهذا لا يُعرف للصحبة اللغوية ضابط، ولو كان الصحابي يُعرف بالصحبة اللغوية لكنا نحن صحابة أيضاً إذ لا يُشترط في اللغة دائماً المصاحبة ولا اللقاء كما في حديث عبد الرحمن بن عوف السابق، ولكان من التقى برسول الله من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين صحابة أيضاً، لأنّ الصحبة اللغوية لا تشترط الايمان (2).


(1) رواه البخاري – كتاب فرض الخمس – باب (من لم يُخمّس الأسلاب) – حديث رقم (3141)، ورواه مسلم – كتاب الجهاد – باب (استحقاق القاتل سلب القتيل) – حديث رقم (1752) واللفظ لمسلم.
(2) أمر آخر لا بد من الإشارة له وهو أنّ الاستناد إلى اللغة في الحكم على العقائد والعبادات مع تجاهل حقائقها الشرعية ليس بسديد، تصور لو أنّ رجلاً أنكر الزكاة زاعماً أنّ الزكاة في اللغة تعني النماء ولا تعني الحق المالي المخصوص الذي يخرجه المسلم عند اكتمال النصاب وحلول الحول، وينكر الصلاة (العبادة المخصوصة) قائلاً بأنّ الصلاة في اللغة تعني الدعاء، وعلى هذا المنهج يسير من حكم على صحبة الرسول وصحابته من خلال التعريف اللغوي مهملاً التعريف الشرعي.

[هل في الصحابة منافقون؟]

لا أدري كيف يمكن أن ينسب الشيعة الإثنا عشرية النفاق إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا بكل سهولة وهم يقرأون قول الله تعالى في محكم كتابه العزيز عن المنافقين مخاطباً الصحابة {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُون} (1).

قضية حسمها القرآن بكل وضوح، لكنا لا نزال نجادل فيها ونناقشها.

ولذا تقرر عند العلماء أنّ الصحابي هو من لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً ومات على الإيمان، أما المنافقون والمرتدون فلا يُعدون من الصحابة ولا كرامة، وقد يجوز إطلاق عليهم لفظ (الصحبة اللغوية) دون (الصحبة الشرعية) كنحو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عبد الله بن أبيّ المنافق: (حتى لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه) (2) مع علمه أنه منافق مندس بين صفوف المسلمين.

ومن الجهل بمكان أن يدّعي أحدهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدّ عبد الله ابن أبيّ المنافق صاحباً له، فأنت الذي لا تُقارن برسول الله إيماناً وورعاً وتقوى تتورع أن تعتبر المنافق صاحباً لك فكيف تنسب ذلك إلى خير الخلق وأورعهم وأتقاهم لله؟!

فتبين من ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد الصحبة اللغوية التي تعارف عليها الناس مؤمنهم وكافرهم دون الصحبة الشرعية التي علمناها من الشرع.


(1) سورة التوبة آية 56
(2) أشرت تحت عنوان (الصحبة اللغوية والشرعية) إلى نص الحديث كاملاً فليراجع.

وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أنّ هناك منافقين مندسِّين بين الجماعة المسلمة فقال: (في أصحابي إثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدُّبيْلة) (1).

أما الشيعة الإثنا عشرية فوجهوا السهام نحو جماهير الصحابة فحكموا عليهم بالردة والضلال والانقلاب على الأعقاب واستثنوا أفراداً قيل إنهم لم ينقضوا العهد.

وهؤلاء الذين تمتدحهم الشيعة الإثنا عشرية لا يقلون عن ثلاثة ولا يتجاوزون السبعة كما بينت الروايات الشيعية:

فقد روى الكليني في "الكافي"عن حمران بن أعين قال (قلت لأبي جعفر (ع) جُعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ قال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا – وأشار بيده ثلاثة) (2) وهؤلاء الثلاثة هم المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي كما بينت رواية الكشي في رجاله (عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي) (3).

وهناك نصوص أخرى تشير إلى أنّ هؤلاء الثلاثة لحق بهم أربعة آخرون ليصل عدد المؤمنين في عصر الصحابة عند الشيعة الإثني عشرية إلى سبعة، ولكنهم لم يتجاوزوا هذا العدد، وهذا ما تتحدث عنه الروايات الشيعية حيث تقول (عن الحارث بن المغيرة النصري


(1) رواه مسلم – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم – باب صفات المنافقين – حديث رقم (2779).
(2) الكافي 2/ 244 (باب في قلة عدد المؤمنين) – حديث رقم (6).
(3) رجال الكشي ص67 ترجمة (سلمان الفارسي) – رواية (12)، الكافي 8/ 245 – حديث رقم (341).

قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله (ع) فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس إذا؟ (1) فقال: إي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون، قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال: فقال: إنها فتحت على الضلال إي والله هلكوا إلا ثلاثة، ثم لحق أبو ساسان (2) وعمار (3)، وشتيرة (4)، وأبو عمرة (5)، فصاروا سبعة) (6).

وعن أبي جعفر (ع) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف أناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرهاً فبايع وذلك قول الله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِين} (7).

فكان كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الردة غير (المقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر) ثم أناب إلى الله بعد ذلك (أبو ساسان ثم عمار وشتيرة وأبو عمرة) فصاروا سبعة!


(1) أي: بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ومبايعة الناس لأبي بكر.
(2) أبو ساسان اسمه الحصين بن المنذر
(3) عمار بن ياسر
(4) قال الأردبيلي في جامع الرواة 1/ 398: (شتيرة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام).
(5) قال الأردبيلي في جامع الرواة 2/ 408: (أبو عمرة الأنصاري من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين).
(6) رجال الكشي ص68 ترجمة (سلمان الفارسي) – رواية رقم (14).
(7) الكافي 8/ 245 حديث رقم (341)، قال المجلسي في مرآة العقول 26/ 213 - 214: حديث حسن أو موثق، وتفسير العياشي 1/ 199 حديث رقم (148) وبحار الأنوار 22/ 333 حديث رقم (45).

وتؤكد جملة من النصوص الشيعية على أنّ العدد لم يزد على ذلك لفترة من الزمان، قال أبو جعفر: (وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة) (1) وكان أبو عبد الله يُقسم على ذلك فيقول (فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر) (2).

غير أنّ هؤلاء السبعة أو قُل الأربعة الأبرز فيهم (المقداد وسلمان وعمار وأبو ذر) لم يسلموا من الانتقاص المبطّن.

فعن عمرو بن ثابت قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قُبض ارتد الناس على أعقابهم كفاراً إلا ثلاثة: سلمان والمقداد وأبو ذر الغفاري، إنه لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب (ع) فقالوا: لا والله لا نعطي أحداً طاعة بعدك أبداً، قال: ولم قالوا إنا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك يوم غدير، قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم، قال: فأتوني غداً محلقين قال: فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة، قال: وجاءه عمار بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره ثم قال له: ما آن لك أن تستيقظ من نومة الغفلة ارجعوا فلا حاجة لي فيكم، أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم (3).

وعن ابن عيسى يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ سلمان كان منه إلى ارتفاع النهار فعاقبه الله أو وجئ في عنقه حتى صيرت كهيئة السلعة حمراء، وأبو ذر كان منه إلى وقت الظهر فعاقبه الله إلى أن سلط عليه عثمان حتى حمله على قتب وأكل لحم أليتيه وطرده عن


(1) رجال الكشي ص73 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية (24).
(2) قرب الإسناد للحميري ص38، بحار الأنوار 22/ 322، الاختصاص للمفيد ص63
(3) الاختصاص ص6 وبحار الأنوار 28/ 259

جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود، لم يزل قائماً قابضاً على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين (ع) ينتظر متى يأمره فيمضي (1).

بل لم يكن التعامل بين هؤلاء النفر على نمط الأخوة المعتادة بين أهل الإيمان الواحد.

ففي رجال الكشي (قال أمير المؤمنين: يا أبا ذر، إنّ سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان) (2).

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان لو عُرض علمك على مقداد لكفر، يا مقداد لو عُرض علمك على سلمان لكفر) (3).

وهو تعامل قائم على أساس التقية والكتمان لا على أساس المصارحة والوضوح، فعن جعفر عن أبيه (ع) قال: ذكرت التقية يوماً عند علي (ع) فقال: إن علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله، وقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بسائر الخلق) (4) فحتى تلك الفئة المؤمنة والتي لا تتعدى سبعة نفر تتناكر قلوبها وتتعامل بالتقية مع بعضها البعض.

ثم لحق بركب هذه الفئة من المرتدين التائبين آخرون ذكرهم الكشي نقلاً عن الفضل بن شاذان فقال: (إنّ من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام أبو الهيثم بن


(1) الاختصاص ص9 وبحار الأنوار 28/ 259
(2) رجال الكشي ص77 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية رقم (33).
(3) رجال الكشي ص72 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية رقم (23).
(4) رجال الكشي ص79 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية رقم (40).

التيهان وأبو أيوب وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وسهل بن حنيف والبراء بن مالك وعثمان بن حنيف وعبادة بن الصامت ثم ممن دونهم قيس بن سعد بن عبادة وعدي بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمران بن الحصين وبريدة الأسلمي وبشر بن كثير) (1).

فوفقاً لهذه الروايات يتضح للقارئ أنّ الصحابة المؤمنين في اعتقاد الشيعة الإثني عشرية – في بداية الأمر – إنما هم ثلاثة (المقداد وسلمان وأبو ذر) والبقية مرتدون أناب بعضهم وتابوا إلى الله فصاروا بعد ذلك في قسم الممدوحين المرضيّ عنهم (الصحابة المؤمنين)!

هذه حقيقة لا يعرفها كثير من عامة الشيعة الإثني عشرية وقد لمست هذا من خلال مناقشتي لكثير منهم ... يردد بعضهم اسم خزيمة بن ثابت وعماراً وأصحاب بدر الذين قاتلوا مع الإمام علي في صفين دون أن يدري أنّ هؤلاء جميعاً وفقاً لمرويات الشيعة الإثني عشرية كانوا أهل ردة مع باقي الصحابة ثم تابوا وأنابوا ورجعوا إلى الإمام بعد ذلك وأنّ منهم من تأخرت توبته حتى موقعة صفين!

أي إنه كان على الردة طول فترة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان!

ومن هؤلاء الصحابي خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين) الذي يفتخر به الشيعة الإثنا عشرية عادة.

ذكر عباس القمي في "منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل" عن البهائي في "الكامل" قوله: إنّ خزيمة بن ثابت وأبا الهيثم الأنصاريين كانا جديين في نصرة أمير المؤمنين (ع) في يوم


(1) رجال الكشي ص107 (ترجمة حذيفة وعبد الله بن مسعود) – رواية رقم (78).

صفين، وإنه (ع) قال: مع أنهما خذلاني في أول أمرهما غير أنهما تابا أخيراً وعرفا سوء ما فعلا!) (1).

أما إذا أردنا أن نرى القسم الآخر من الصحابة وهم الذين يعتبرون عند الشيعة الإثني عشرية منافقين أو أرباب مصالح، فتحت هذا القسم يدخل جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستثناء السبعة الذين أشارت إليهم الروايات.

وهذه الحقيقة لم أكتشفها لوحدي بل قررها علماء الشيعة الإثني عشرية منذ زمن لكن عباراتهم لا تكاد تُذكر للناس حتى يعلموا الحقيقة الغائبة ويُدركوا أي ظلم ظلمه المذهب لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول يوسف البحراني في "الشهاب الثاقب في معنى الناصب" بكل صراحة ووضوح: (ويدل على ما قلناه من هذا التفصيل ما سيأتيك في الأخبار بالنسبة إلى أصحاب الصدر الأول أنهم أصحاب ردة، وأنهم لم ينج منهم إلا القليل، ثم رجع بعض الناس بعد ذلك شيئاً فشيئاً) (2).

ويقول آية الله العظمى محمد الوحيدي في "إحقاق عقائد الشيعة": (إنّ حديث ارتداد الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث المعتبرة المتواترة، ووجهه أنّ إنكار ضروري الدين والمذهب يوجب الارتداد، فلما كانت الإمامة والخلافة أصلاً من أصول الدين، ومما آتاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالقطع فمن ردّ على الرسول الأكرم


(1) منتهى الآمال ص173
(2) الشهاب الثاقب ص63 (الفائدة الأولى).

صلى الله عليه وآله وسلم وأنكر ما جاء به يكون مرتداً بإجماع المسلمين. وهذا معنى ارتداد الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا الثلاثة المذكورة (سلمان وأبوذر والمقداد)) (1).

والعجب كل العجب فيما قاله عبد الحسين شرف الدين في "الفصول المهمة" عن نظرة الشيعة الإمامية للصحابة حيث يقول بكل بساطة ودون أدنى اكتراث لهذه الروايات: (رأي الإمامية في هذه المسألة أوسط الآراء!! إذ لم يفرّطوا تفريط الغلاة، ولا أفرطوا إفراط الجمهور) (2)، فبالله عليك، إذا كانت هذه هي الوسطية فكيف يكون الجور والبهتان؟!

ولك أن تتساءل: إذا كان صحابة رسول الله بهذا المستوى بحيث تكون الخيرة في قلة منهم بينما الكثرة الغالبة أرباب مصالح أو منافقون، فعن أي صحابة كان يتكلم القرآن ويمتدحهم غير مرة؟!

لا أظن أحداً سيغالط العقل والمنطق فيدّعي أنّ القرآن كان يمتدح تلك القلة القليلة التي لا تتجاوز السبعة فحسب.

لأنّ مجتمعاً فاسداً منقلباً على عقبيه يوجد به قلة صالحة لا يُحكم عليه كله بالخير ولا الصلاح ولا الفلاح، فكيف يتحدث القرآن عن الصحابة واصفاً إياهم بالصلاح والفلاح ومبشراً لهم بالجنة وهم بهذا المستوى؟!

فها هم أصحاب السبت (اليهود) الذين ذكرهم القرآن كان فيهم الصالح وفيهم المصلح وهم الأقلية، ومع ذلك أتاهم العذاب فنجىّ الله المصلحين منهم ومسخ الأكثرية الفاسدة وحكم على مجتمعهم بالفساد والخيبة واللعنة إلى يوم الدين.


(1) إحقاق عقائد الشيعة ص108
(2) الفصول المهمة ص189

فقال عز من قائل {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْت} (1).

ولك أن تتساءل أيها القارئ ... إن كان أهل النفاق بهذه الكثرة وهذه العدّة، وكانت السطوة والكلمة لهم، فكيف انتشر الاسلام وكيف سقطت فارس والروم وفُتح بيت المقدس؟

ثم ما دام هؤلاء هم المنافقون فمالهم لم يتفقوا مع الكفار على القضاء على البقية الباقية التي لا يتجاوز عدد أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة أو اليدين.

إنّ فئة المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن مجهولة في مجتمع المدينة بل كانت فئة مفضوحة مخزية عُلم بعضها بعينه وعُرف البعض الآخر منها بالأوصاف المذكورة في القرآن.

فضحهم الله عز وجل في سورتي (المنافقين، والتوبة) مبيناً حالهم ودسائسهم وما تكنه صدورهم تجاه رسول الله والمؤمنين، وقد سُميت سورة التوبة بالفاضحة والمدمدمة لما أظهرته من صفاتهم ونواياهم وبما أظهرته من حال من قابلهم من المؤمنين.

ومن يقرأ الآيات من قوله تعالى {لاَ يَسْتَاذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِر} (2) إلى قوله تعالى {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِين} فسيقف على صورة متكاملة لأهل النفاق يستطيع من خلالها أن يميز الخبيث من الطيب.

ويكفينا بياناً لهذا الفرق، كيف فضح الله عز وجل المنافقين أمام الخلائق وبين حقيقتهم للناس بعد ما كان مكرهم سراً وفي الخفاء وذلك في قوله تعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم


(1) سورة النساء آية 47
(2) سورة التوبة آية 44

مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (1).

والمنافقون معلومون بدليل أنهم بنوا مسجد الضرار فالمسجد معروف ومن بناه معروف.

وقد جاء تأييداً لهذا المعنى في تفسير العياشي (2) تفسيراً لقوله تعالى {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} رواية سلام أنه قال: كنت عند أبي جعفر (ع) فدخل عليه حمران بن أعين فسأله عن أشياء فلما همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر (ع): أخبرنا أطال الله بقاك وأمتعنا بك إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا وتهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا؟

قال: فقال أبو جعفر (ع): إنما هي القلوب مرة يصعب عليها الأمر ومرة يسهل، ثم قال أبو جعفر (ع): أما إنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله تخاف علينا النفاق؟، قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكّرتنا رُوّعنا ووجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا فيها حتى كأنّا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والأولاد والمال نكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك وحتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن


(1) سورة محمد آية 29 - 30
(2) محمد بن مسعود الكوفي المعروف بـ (العياشي)، ترجم له الطوسي في "الفهرست ص212" فقال: (جليل القدر، واسع الأخبار بصير بالروايات، مطلع عليها)، ووصفه ابن شهرآشوب في "معالم العلماء ص134" بأنه أفضل أهل المشرق علماً وأنّ كتبه تزيد على مئتي مصنف.

يكون هذا النفاق؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلا! هذا من خطوات الشيطان ليرغبنكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها وأنتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً لكي يذنبوا ثم يستغفروا فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتن توّاب أما تسمع لقوله تعالى {إنّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين} (1) وقال {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (2) (3).

لقد أبى الله عز وجل إلا أن يميز الخبيث من الطيّب، وألا يترك الحقيقة معمّاه، فهو القائل في محكم كتابه {مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب} (4).

يقول محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية: (اندس في صفوف المسلمين منافقون لمجرد الهدم والتخريب، وقد فرض سبحانه على النبي والمسلمين أن يعاملوا كل من نطق بكلمة الإسلام معاملة المسلمين، ومن أجل هذا حار رسول الله! وكيف يقبلهم وهم يفسدون ويعاكسون؟ فقال سبحانه للنبي وللمسلمين: مهلاً، سأسلط عليهم الأضواء حتى يفتضحوا أمام الناس، ولا يبقى لهم منفذ للكيد والإفساد) (5).


(1) سورة البقرة آية 222
(2) سورة هود آية 3
(3) الكافي- كتاب الإيمان والكفر- (باب في تنقل أحوال القلب) – حديث (1) وحلية الأبرار 1/ 382 (الباب السادس والخمسون) – حديث رقم (20).
(4) سورة آل عمران آية 179
(5) التفسير المبين (سورة آل عمران آية 179) ص78

ويتجلى هذا الافتضاح بما يجريه الله عز وجل من البلاء الشديد حتى تظهر صورهم الحقيقية وتنكشف أمام المؤمنين، قال تعالى {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُون} (1).

و (المراد بالفتنة هنا افتضاح المنافقين على الملأ، وإظهار حقيقتهم لدى الجميع، وذلك بأنّ الله سبحانه كان يخبر نبيه الأكرم بما يبيّتون ويمكرون، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدوره يعاتبهم ويفضحهم، وقد تكرر هذا في كل عام مرة أو أكثر) (2).

يقول الحافظ ابن كثير: (وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية، لأنّ مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرهاً وهو في الباطن مؤمن، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج وبنو النضير حلفاء الأوس وبنو قريظة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وقلّ من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضاً لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تُخاف، بل قد كان صلى الله عليه وآله وسلم وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة، فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله كلمته وأعز الإسلام وأهله، قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأساً في المدينة وهو من الخزرج، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على أن يملّكوه


(1) سورة التوبة آية 126
(2) التفسير المبين (سورة التوبة آية 126) ص212

عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقي في نفسه من الإسلام وأهله، فلما كانت وقعة بدر قال: هذا أمر الله قد توجه، فأظهر الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وُجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرهاً بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة) (1).

و (إنّ من المعلوم بالاضطرار والمتواتر من الأخبار أنّ المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة، وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب هجرتين: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وكان الإسلام إذ ذاك قليلاً والكفار مستولون على عامة الأرض وكانوا يُؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله وهم صابرون على الأذى، متجرعون لمرارة البلوى، فارقوا الأوطان، وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله كما وصفهم الله تعالى بقوله {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} (2).

وهذا كله فعلوه طوعاً واختياراً من تلقاء أنفسهم، لم يكرههم عليه مكره، ولا ألجأهم إليه أحد، فإنه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يُكره به أحد على الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذاك – هو ومن اتبعه – منهيين عن القتال، مأمورين بالصفح والصبر فلم يسلم أحد إلا باختياره، ولا هاجر أحد إلا باختياره.


(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 50
(2) سورة الحشر آية 8

ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من العلماء: إنه لم يكن من المهاجرين من نافق، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار لما ظهر الإسلام بالمدينة، ودخل فيه قبائل الأوس والخزرج، ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في الإسلام من أهل المدينة وممن حولهم من الأعراب من دخل خوفاً وتقية، وكانوا منافقين.

كما قال تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم} (1).

ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية، وأما السور المكية فلا ذكر فيها للمنافقين، فإنّ من أسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق، والذين هاجروا لم يكن فيهم منافق، بل كانوا مؤمنين بالله ورسوله، محبين لله ولرسوله، وكان الله ورسوله أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأهلهم وأموالهم.

وإذا كان كذلك علم أنّ رميهم – أو رمي أكثرهم أو بعضهم – بالنفاق، كما يقوله من يقوله من الشيعة الإثني عشرية الإمامية من أعظم البهتان، وكذلك دعواهم عليهم الردة من أعظم الأقوال بهتاناً، فإنّ المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أنّ الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه؟!

وأما الشهوة: فسواء كانت شهوة رياسة أو مال أو نكاح أو غير ذلك، كانت في أول الإسلام أولى بالاتباع، فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعز حباً لله ورسوله، طوعاً غير إكراه، كيف يعادون الله ورسوله طلباً للشرف والمال؟!


(1) سورة التوبة آية 101

ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة، وقيام المقتضى للمعاداة، لم يكونوا معادين لله ورسوله، بل موالين لله ورسوله، معادين لمن عادى الله ورسوله، فحين قوي المقتضى للموالاة، وضعفت القدرة على المعاداة، يفعلون نقيض هذا؟! هل يظن هذا إلا من هو من أعظم الناس ضلالاً؟

وذلك أنّ الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه، وكمال الإرادة له وجب وجوده، وهم في أول الإسلام كان المقتضى لإرادة معاداة الرسول أقوى، لكثرة أعدائه وقلة أوليائه، وعدم ظهور دينه، وكانت قدرة من يعاديه باليد واللسان حينئذ أقوى، حتى كان يعاديه آحاد الناس، ويباشرون أذاه بالأيدي والألسن.

ولما ظهر الإسلام وانتشر، كان المقتضى للمعاداة أضعف، والقدرة عليها أضعف، ومن المعلوم أنّ من ترك المعاداة أولاً، ثم عاداه ثانياً لم يكن إلا لتغير إرادته أو قدرته.

ومعلوم أنّ القدرة على المعاداة كانت أولاً أقوى، والموجب لإرادة المعاداة كان أولاً أولى ولم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم ولا قدرتهم، فعُلم علماً يقيناً أنّ القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم البتة، والذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن أسلم بالسيف، كأصحاب مسيلمة وأهل نجد، فأما المهاجرون الذين أسلموا طوعاً فلم يرتد منهم – ولله الحمد – أحد) (1).


(1) منهاج السنة النبوية 7/ 475 - 478 بتصرف

  • الاثنين AM 03:09
    2022-05-23
  • 1196
Powered by: GateGold