المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417661
يتصفح الموقع حاليا : 224

البحث

البحث

عرض المادة

جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة تأليه الروح القدس

الروح القدس في عرف المسيحيين هو الروح الذي حل على العذراء لدى البشارة لها، وعلى المسيح في العماد وعلى الرسل بعد صعود المسيح إلى السماء وفى نظر المسلمين فإن الذي أرسل إلى العذراء بالبشارة بولادة عيسى -عليه السلام- هو الملك جبريل -عليه السلام- (1).

وبقراءة متأنية لما قام به علماؤنا الأجلاء حول عقيدة ألوهية الروح القدس يمكن حصر جهودهم فيما يلي:

أولًا: عرض مقولة النصارى الباطلة في الروح القدس ونقدها.

ثانيًا: عرض أدلة القائلين بألوهية الزوج القدس وجهود العلماء في نقدها.

أولًا: عرض مقولة النصارى الباطلة في الروح القدس ونقدها:

ألوهية الروح القدس من العقائد الباطلة إلى تمسك بها النصارى وجعلوها من صلب عقيدتهم، وهي عندهم تعتبر الأقنوم الثالث من أقانيم الثالوث المقدس، وقد تقرر تأليه الروح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381 م (2) والقرار الذي وافق عليه المجمع هو: تأليه الروح القدس ولعن من يقول بغير ذلك فقالوا: (ليس روح القدس عندنا. بمعنى غير روح الله، وليس روح الله شيئًا غير حياته، فإذا قلنا أن روح القدس مخلوق فقد قلنا أن روح الله مخلوق، وإذا قلنا أن روح الله مخلوقة قلنا أن حياته مخلوقة وإذا قلنا أن حياته مخلوقة فقد زعمنا أنه غير حي، فقد كفرنا به ومن كفر به وجب عليه اللعن) (3).

ويقول د/ محمَّد مجدي مرجان، موضحًا ما يراه أصحاب الثالوث عن هذه العقيدة الباطلة: (يري أصحاب الثالوث أن الروح القدس الذي يمثل عنصر الحياة في الثالوث المقدس يعتبر أقنومًا قائمًا بذاته وإلهًا مستقلًا بنفسه، فالثالوث المقدس ثلاثة أقانيم هي الذات والنطق والحياة، فالذات هو الله الأب، والنطق أو الكلمة هو الله الابن، والحياهَ هى الله الروح القدس، وذلك أن الذات والد النطق والكلمة مولودة من الذات، والحياة منبعثة من الذات) (4).


(1) المسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 156
(2) انظر: محاضرات في النصرانية: أبو زهرة، ص 133، النصرانية والإِسلام: م / محمَّد عزت الطهطاوي، ص 45، 46، والنصرانية من التوحيد إلى التثليث: ص 235، والمسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 156، وحقيقة النصرانية من الكتب المقدسة: د/ السقا، ص 133 ط دار الفضيلة. بدون.
(3) الجواب الصحيح: 3/ 36، المسيحية: د/ أحمد شلبي، ص 157.
(4) الله واحد أم ثالوث: د/ محمَّد مجدي مرجان، ص 116 ط دار النهضة العربية. بدون.

[نقد الأساس الذي وافق عليه مجمع القسطنطينية بتأليه الروح القدس]

يقول فضيلة الشيخ / أبو زهرة في نقده لهذا القرار: (المذكور في مقدمته "ليس روح القدس عندنا. بمعنى غير روح الله" يقول: إن مقدمة هذه السلسلة وهي أن روح القدس هي روح الله فهذا لا يسلمه له مخالفه ولا يستطيع أن يقيم عليه دليلًا، والعقيدة الصحيحة هي أن روح القدس خلقه الله واتخذه ليكون رسولًا بينه وبين من يريد أن يلقى عليه وحيًا من خلقه أو أمرًا كونيًا، فهي ليست روح الله المتعلقهَ بذاته وليس عنده من دليل على ما قال) (1).

ووافقه على ذلك م / محمَّد عزت الطهطاوي ود/ أحمد شلبي، وزاد على هذا النقد م / الطهطاوي، أدلة من العهد القديم والعهد الجديد (2) تؤكد أن من يطلق عليه الروح لا يتصف بالألوهية بأي حال من الأحوال وهذه الأدلة ما يلي:

1 - ما جاء في سفر العدد: "وأخذ من الروح الذي عليه وجعل على السبعين رجلًا الشيوخ فلما حلت عليهم الروح تنبأوا ولكنهم لم يزيدوا" (3).

2 - وما جاء في سفر أشعياء: "ويخرج قضيب من جذع يسي وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب" (4).

3 - وما جاء في لوقا: "سمعان عليه روح القدس" (5).

ويعلق م / الطهطاوي، بعد سرده للأدلة بقوله: (ولو كان من يتصف بصفة الروح أو من عليه الروح إلهًا لاشترك في الألوهية مع المسيح السبعون رجلًا الشيوخ من بني إسرائيل مع موسى وسمعان وغيره ممن تأيدوا بالروح) (6).


(1) محاضرات في النصرانية: ص 133.
(2) انظر: النصرانية والإِسلام ص 46.
(3) الإصحاح: (11/ 25) سلوى من عند الرب.
(4) الإصحاح: (11/ 1) جذع يسي، ويسي هو ابن عوبيد وأبو داود وابن ابن راعوث وبوعز (قاموس الكتاب المقدس ص 1065.
(5) الإصحاح: (2/ 25) ختان الطفل يسوع وتقديمه في الهيكل.
(6) النصرانية والإِسلام: ص 46.

ثانيًا: عرض أدلة القائلين بتأليه الروح القدس وجهود العلماء في نقدها:

ذكر شيخ الإِسلام الأدلة التي استدل بها النصارى على ألوهية الروح القدس وناقشها ورد عليها بطريقة علمية، وقد جاءت هذه الردود في أماكن متفرقة من كتابة .. أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

1 - يستدل النصارى بما ينقلونه على لسان داود النبي: "لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدس لا تنزعه مني" (1).

ويُبطل شيخ الإِسلام استدلالهم بهذه الشبهة فيقول في نقده لهذا الدليل: "هذا دليل على أن روح القدس التى كانت في المسيح من هذا الجنس (الموجود في داود وغيره) فعلم أن روح القدس لا خصوصية للمسيح فيها؛ بل هى وباتفاقهم أنها حلت في داود وفي الحواريين وفي غيرهم وليس للمسيح خصوصية في ذلك وإلا فيلزم على قولهم: إن روح القدس هي حياة الله، ومن حلت فيه يكون لاهوتًا، يلزم على قولهم هذا أن يكون كل هؤلاء الذين حلت فيهم روح القدس فيهم لاهوت وناسوت كالمسيح -عندهم- وهذا خلاف إجماع المسلمين واليهود والنصارى ... ، حيث أنهم متفقون على أن داود وغيره عباد الله -عزّ وجلّ- وإن كانت روح القدس فيهم.

كذلك فالمسيح عبد الله وإن كانت روح القدس فيه فما ذكرتموه عن الأنبياء حُجة عليكم (2).

2 - "اذهبوا إلى جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس إله واحد وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (3).

ويرد شيخ الإِسلام على استدلال النصارى بهذا النص مفندًا ما يشتمل عليه فيقول: (إن دليلكم هذا هو عمدتكم على ما تدعونه من الأقانيم الثلاثة، وليس فيه شىء يدلّ على ذلك لا نصًا ولا ظاهرًا. فإن لفظ روح القدس لم يستعمل قط في الكتب الإلهية في معنى صفة من صفات الله، ولم يسم أحد من الأنبياء حياة الله التى هى صفته روح القدس ولا أرادوا ذلك، وإنما أرادوا بروح القدس ما ينزله على الصديقين والأنبياء من الوحى والهدي والتأييد) (4).

وبناء على ذلك فإن ما استدل به النصارى من نصوص توراتية أو إنجيلية لا يصلح أن يكون دليلًا على ألوهية الروح القدس؛ بل هى حجج واهية لا تعدو إلا أن تكون أدلة ظنية غير قاطعة والدليل إذا تطرق إليه الظن أو الاحتمال سقط به الاستدلال.


(1) مزامير: (51/ 11).
(2) انظر: الجواب الصحيح: 2/ 142، بتصرف بالحذف.
(3) متى: (28/ 19) يسوع يظهر للتلاميذ.
(4) الجواب الصحيح: 2/ 150، بتصرف.

[المقصود بالروح القدس في الكتاب المقدس]

وأمام هذا الانحراف العقائدى يطالعنا د/ محمَّد مجدي مرجان في إطلالة نقدية متميزة تنم عن علم واسع بما يحتوى عليه الكتاب المقدس، ودراية تامة بما ترمى إليه نصوصه، وهو شاهد صدق على ما يدعون، فنجده يحلل النصوص تحليلًا موضوعيًا وفي حيدة تامة ونزاهة واضحة تؤكد حرصه على مشاعر الطرف الآخر متبعًا في مناقشته ما يدعون أسلوب الحكمة والجدال بالتي هي أحسن، وقد بين في كتابه المقصود بالروح القدس وذكر أنها وردت في أماكن متعددة من الكتاب المقدس كل مكان منها يدل على معنى معين لها .. من هذه المعانى التي ذكرها ما يلي:

1 - وردت. بمعنى أن الله خلق آدم من طين ونفخ فيه من روحه فتقول التوراة: "وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية" (1) أي أن الله أعطى آدم روحًا من خلقه فصار آدم نفسًا حية فروح آدم وحياته نفخة من روح الله.

2 - وردت بمعنى القوة التي يبعثها الله لتأييد أنبيائه وشد أزر عباده الصالحين .. يقول الإنجيل: "روح الرب علىّ لأنه مسحنى لأبشر المساكين" (2)؛ "يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأنّ الله كان معه" (3).

فلفظ روح القدس هنا مرادف للفظ القوة، فالروح القدس هي القوة إلى أيد الله بها السيد المسيح من لدنه تعالى، وبهذه القوة استطاع المسيح صنع المعجزات وهذه القوة ليست مادية منظورة وليست إلهًا قائمًا بذاته، وإنما هى قوة روحية قدسية (4).

3 - وروح الله القدس هي الروح الطيب روح الخير، وذلك بعكس روح الشيطان وهو الروح الخبيث روح الشر تقول التوراة: "فانطلق شاول إلى نايوت في الرامة وحلت عليه روح الرب فجعل يسير ويتنبأ" (5) ثم تقول التوراة: إن شاول لما عصى الله بيع ذلك وأصبح رجلًا شريرًا سحب الله منه القوة إلى كان قد أمده بها فتقول: "وابتعد روح الله عن شاول وصار روح رديء يعذبه بأمر الرب" (6).


(1) تكوين: (2/ 7) آدم وحواء.
(2) لوقا: (4/ 18) رفض الناصرة له.
(3) أعمال الرسل: (10/ 38) والناصرة مدينة في الجليل شمالي فلسطين (قاموس الكتاب المقدس ص 947).
(4) انظر: الله واحد أم ثالوث: ص 117 - 120، باختصار وبتصرف.
(5) صموئيل الأوّل: (19/ 23) ونايوت موضع في منطقة الرامة التى هى قرية تبعد عن أورشليم خمسة أميال (قاموس الكتاب المقدس ص 392، 948).
(6) صموئيل الأوّل: (19/ 9) شاول يحاول قتل داود.

4 - والروح القدس هو الروح الطاهر المبارك الروح الأمين ذلك أن القدس في اللغة معناها الطُهر أو البركة، ومن هنا أُطلق الروح القدس على ملاك الله جبريل -عليه السلام- (1).

[وخلاصة ما وقف عليه علماؤنا الأفاضل في إبطال تأليه الروح القدس أن]

1 - ما استدل به النصارى على ألوهية الروح القدس لا يصلح أن يكون دليلًا على دعواهم.

2 - لىّ أعناق النصوص من قبل النصارى لتأييد ما يدعون.

3 - روح القدس ليست هى الله وليست إلهًا قائمًا بذاته والقول الحق فيها أن المقصود بها جبريل الأمين -عليه السلام-.

4 - أن الله -عزّ وجلّ- أيد بروح القدس أنبياءه وعباده الصالحين لتمدهم بالقوة وتشد من أزرهم.

5 - إبطال ما يدعى النصارى من خصوصية الروح القدس بالمسيح -عليه السلام- ولكن الله -عزّ وجلّ- أيد بروح القدس جميع أنبيائه.


(1) الله واحد أم ثالوث: ص (122 - 124) باختصار.

  • الثلاثاء PM 05:27
    2022-05-17
  • 1149
Powered by: GateGold