المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416530
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

من صفات الله تبارك وتعالى

بعد بيان جملة مباركة من القواعد المتعلقة بصفات الله تعالى.. أبيّن في هذا المبحث أمثلة على صفات الله، أثبتها الله لنفسه في كتابه الكريم، وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وفهمها أهل العلم، ومن تلك الصفات العُلى:

 

أولاً: صفة الوجه:

من الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة الوجه، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعلم كيفيتها.

قال تعالى: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:26-27].

وقال تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88].

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام أنهم كانوا يدعون الله عز وجل ويسألونه لذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا به عقيب كل صلاة مكتوبة حُفِظ في نفسه وداره وماله وولده، والدعاء هو: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وإسرافي على نفسي... ثم قال: والرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، وشوقاً للقائك، من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة)([1]).

وكانت فاطمة الزهراء سيدة النساء ‘ تدعو في صلواتها الخمس: (سبحانك من يعلم جوارح القلوب، سبحانك من يحصي عدد الذنوب... إلى أن قالت: وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك لذة النظر إلى وجهك...)([2]).

وقالت الزهراء ‘ أيضاً: (الحمد لله الذي لا يحصي مدحه القائلون، والحمد لله الذي لا يحصي نعماءه... إلى أن قالت: والنظر إلى وجهك فارزقني([3]))([4]).

شبهة أن (الوجه) يراد به الثواب:

وقد أوّل بعضهم صفة الوجه أنها تعني (الثواب) وقالوا: المراد بالوجه في الآيات الثواب، أي: كل شيء يفنى إلا الثواب!

والجواب على هذا التأويل من عدة وجوه:

أولاً: إنه مخالف لظاهر اللفظ؛ فإن ظاهر اللفظ أن هذا وجه خاص، وليس هو الثواب كما مر علينا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء سيدة نساء العالمين ‘.

ثانياً: لو سلمنا أن (الوجه) يُراد به الثواب، فهل يمكن أن يوصف الثواب بهذه الصفات العظيمة: ((ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:27]، هذا لا يمكن؛ لأننا لو قلنا مثلاً: ثواب المتقين ذو جلال وإكرام! فهذا لا يجوز أبداً ولا يستقيم عقلاً، لكن الصواب أن نقول: إن الله تعالى وصف هذا الوجه بأنه ذو الجلال والإكرام.

ثالثاً: نقول للمتأولين: ما تقولون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لاحترقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)([5]).

فهل الثواب له هذا النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟! أبداً، لا يمكن ولا يكون.

فإذا عرفنا فساد هذا التأويل، كان الواجب علينا أن نفسر هذا الوجه بما أراده الله، وهو أنه: وجه قائم به تبارك وتعالى، موصوف بالجلال والإكرام ونعوت الجمال، يليق بجلال الله وعظمته.

 

فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة(الوجه) مضافاً إلى الله يُراد به وجه الله الذي هو صفته؟

فالجواب: هذا هو الأصل؛ كما في قوله تعالى: ((وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)) [الأنعام:52]. وقوله: ((وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)) [الليل:19-21]. وما أشبهها من الآيات.

فالأصل أن المراد بالوجه المضاف إلى الله عز وجل هو صفة من صفاته.

فإن قيل:

ما المراد بالوجه في قوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88]؟

فإن قلت: المراد بالوجه الذات؛ فيخشى أن تكون حرّفت، وإن أردت بالوجه نفس الصفة أيضاً؛ فتكون قد وقعت في محظور خطير وهو ما ذهب إليه بعض من لا يقدرون الله حق قدره؛ حيث قالوا: إن الله يفنى إلا وجهه، فماذا تصنع؟!

فالجواب:

إن أردت بقولك: إلا ذاته؛ فهذا يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله؛ وهذا صحيح، ويكون هنا عبَّر بالوجه عن الذات لمن كان له وجه.

وإن أردت بقولك (الذات):أي أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه؛ فهذا تحريف وهو غير مقبول.

وعليه فنقول: ((إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88] أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه تأويل ولا تحريف؛ لأن الفرق بين هذا وبين قول أهل التحريف واضح، لأنهم يقولون: إن المراد بالوجه (الذات)، وأنه سبحانه لا وجه له، ونحن نقول: المراد بالوجه الذات، وله وجه سبحانه، وعُبِر به عن الذات، وهذا كثير في كلام العرب، فتراهم يقولون: أقبل على القوم بوجهه.

وهذا معلوم عند أهل اللغة، وممن فقه علومها وسبر أغوارها، وعلى رأس أهل العربية آل البيت الأطهار، فكانوا يعلمون استخدام هذا اللفظ وغيره، وسار على دربهم أحبابهم.

 ومن أدلة ذلك ما جاء عن سهل بن سعد قال: بينا أبو ذر قاعد مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت يومئذ فيهم، إذ طلع علينا علي بن أبي طالب عليه السلام فرماه أبو ذر بنظره، ثم أقبل على القوم بوجهه، فقال: من لكم برجل محبته تساقط الذنوب عن محبيه كما تساقط الريح العاصف الهشيم من الورق عن الشجر؟([6]).

فهل يفهم عاقـل من هذه الرواية أن علياً عليه السلام أقبل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه فقط دون ذاته؟ ولله المثل الأعلى.

واعلم رحمك الله أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً ولا علماً ولا نظراً؛ فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم شأناً؛ كما قال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110].

فإن حاول أحد أن يتصور هذه الكيفية بقلبه أو يتحدث عنها بلسانه فإنه مبتدع ضال قائل على الله بغير علم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رؤية المؤمنين لربهم في الجنة:

من أعظم النعم التي يمتن الله بها على عباده المؤمنين في الجنة لذة النظر إلى وجهه الكريم، فيمكّن لهم القدرة على النظر إليه بأعينهم بنظرة حقيقية، وهذه القدرة في النعيم ستكون قاصرة في إدراك الإحاطة به، لعظمته سبحانه؛ لأن الله تعالى يقول: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) [الأنعام:103]، وقال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110]، ونحن نعلم ربنا بقلوبنا، ولكن لا ندرك كيفيته وحقيقته سبحانه، وفي يوم القيامة سنرى ربنا بأبصارنا، ولكن لن تدركه -تحيط به- أبصارنا.

ومما جاء في إثبات إمكانية رؤيته سبحانه في الآخرة ما يأتي:

قال تعالى: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) [القيامة:23].

وقال تعالى: ((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) [المطففين:23].

وقال تعالى: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) [يونس:26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل ([7])، بعد أن حاز المؤمنون الحسنى وهي النعيم والسعادة في الجنة.

وقال تعالى: ((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:35].

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكاً معه حلة فينتهي إلى باب الجنة... إلى أن قال: فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فإذا نظروا إليه خروا له سجداً، فيقول: عبادي! ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة، قد رفعت عنكم المؤنة، فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل مما أعطيتنا، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفاً , فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعف مثل ما في أيديهم، وهو قوله: ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:35] ([8]).

وقد ورد في الأدعية الثابتة عن الأئمة عليهم السلام أنهم كانوا يحرصون على سؤال الله تعالى رؤيته ولقاءه يوم القيامة ويعلمون أحبابهم أن يتعلموها... ومن ذلك:

ما جاء في دعاء يوم الجمعة:

(وتلقن بها عند فراق الدنيا حجتي، وأنظر بها إلى وجهك الكريم يوم القيامة، وعليَّ منك نور وكرامة...)([9]).

في تسبيح ليلة السبت:

(اجعل لنا منزلاً مغبوطاً، ومجلساً رفيعاً، وظلاً ومرتفعاً جسيماً جميلاً، ونظراً إلى وجهك يوم تحجبه عن المجرمين)([10]).

ومن أدعية الإمام الكاظم عليه السلام:

(وأسألك لي ولها الأجر يوم القيامة، والعفو يوم اللقاء، وبرد العيش عند الموت، وقرّة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقاً إلى لقائك...)([11]).

ومن أدعية مناجاة الخائفين:

(إلهي لا تغلق على موحديك أبواب رحمتك، ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك...)([12]).

ومن دعاء ليلة الجمعة:

(اللهم حبب إلينا لقاءك، وارزقنا النظر إلى وجهك، واجعل لنا في لقائك نضرة وسروراً...)([13]).

ومع كل هذه الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة على قضية إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة إلا أن هناك طائفة عارضت كل تلك الأدلة، وأنكرت إمكانية رؤية أهل الجنة لله عز وجل، واستدلوا بأدلة في غير محلها أو باطلة في فحواها، منها:

الأول: قالوا: إن الله لا يُرى، بل الذي يُرى هو (النور).

الثاني: قالوا: إن الله نفى إمكانية الرؤية في القرآن، ودليل ذلك قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً)) [الأعراف:143].

ووجه الدلالة: أن الله نفى الرؤية بأداة (لن) التي تفيد النفي المؤبد، والنفي خبر، وخبر الله تعالى صدق لا يدخله النسخ.

الثالث: قالوا: إن الله عز وجل نفى رؤيته إطلاقاً، فقال: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) [الأنعام:103].

الرابع: قالوا: العقل يمنع ويحيل إمكانية رؤيته سبحانه، إذ لو كان سبحانه يُرى للزم أن يكون جسماً، والجسم ممتنع على الله تعالى؛ لأنه يستلزم التركيب، والتركيب يستلزم التشبيه والتمثيل، فوجب نفي الرؤية.

وأما الرد على هذه الشبه فنقول:

أما الشبهة الأولى وهي قولهم: إن الله لا يرى بل الذي يرى هو(النور)، فهذا القول باطل، لأنه رد للنصوص الصريحة التي فيها إثبات الرؤية.

فإن الله عز وجل وصف وجهه بأن له نوراً، مثل ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة، لو كشفها عن وجهه لأحرقت سُبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)([14])؛ لذا فإن رؤية الله عز وجل في الدنيا مستحيلة، لأن الحال البشرية لا تقوى على تحمل رؤيته سبحانه وتعالى.

وجاء في كتاب الله عز وجل وصف لا يليق أن يطلق على النور، مثل قوله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:27] وهذا وصف متعلق بالوجه، من أن لوجه الله جلالاً وإكراماً، ولا يمكن أن يقال هذا للنور.

وأما الشبهة الثانية وهي قولهم: إن الله عز وجل قال لموسى: (لن تراني) و(لن) تفيد النفي المؤبد كما في اللغة العربية.

وهذا قول باطل من وجوه:

الأول: أن (لن) ليست للنفي المؤبد، وبرهـان ذلك كما قـال سبحانـه عن المشركين: ((وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)) [البقرة:95] أي: الموت، ومع ذلك فإن الكفار سيقولون بعد مدة في النار: ((وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف:77] والكفار لم يتمنوه فقط بل طلبوه، فدل على أن (لن) لا تفيد النفي المؤبد.

ولله در ابن مالك النحوي حين قال:

ومن رأى النفي بلن مؤبدا            فقوله اردد وسواه فاعضدا

الثاني: أن موسى طلب الرؤيا في الدنيا بقوله لربه: ((قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ)) [الأعراف:143] أي: الآن، فأخبره الله بقوله: ((لَنْ تَرَانِي)) أي: في الدنيا، فدل على جواز الطلب، لكن بين الله له تعذر تحقق ذلك في الدنيا، وهو فهم معلوم؛ لأنه لم يقل سبحانه لنبيه: إني لا أرى.

وهذا ما فهمه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فعن الرضا عليه السلام قال: لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران واصطفاه نجياً وفلق له البحر ونجَّى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه عز وجل، فقال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله عز وجل: يا موسى، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وكفضل محمد على جميع النبيين، فقال موسى: يا رب، ليتني كنت أراهم! فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى، إنك لن تراهم فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات، جنات عدن والفردوس بحضرة محمد، في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون([15]).

الثالث: إن رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة؛ لأن الحال البشرية لا تقوى على تحمل رؤية الله عز وجل ؛ كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)([16]). ومعلوم أن بصر الله يدرك كل شيء يرى.

 

وهذا ملاحظ ومعلوم أن عين البشر لا تحتمل رؤية كل شيء في الحياة الدنيا، ومن أمثلة ذلك ضعفها عن رؤية الشمس المتواجدة يومياً، وهي من المخلوقات الضعيفة، فكيف الحال برؤية وجه الجبار سبحانه وتعالى الذي هو أعظم شأناً ووجوداً ونوراً من المخلوقات الضعيفة؟

الرابع: أن موسى عليه السلام كان أعلم بربه من هؤلاء النفاة، ولهذا نجده قد طلب ما يجوز له طلبه، لكن الله سبحانه أخبره أنه لم يحن وقت الرؤية بعد، بمثال ضربه له سبحانه وهو تعليق الرؤية بقدرة الجبل العظيمة من تحمل رؤيته.

ومما يدل على جواز وصحة ما سأله كليم الله موسى عليه السلام: أن الله لم ينكر عليه طلبه، مثل ما أنكر على نوح عليه السلام لما سأله ما لا يجوز له، وهو نجاة ابنه الكافر.

قال تعالى: ((قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ)) [هود:46]، وبهذا الوجه يتبين أن الآية دليل عليهم لا لهم.

وأما الشبهة الثالثة في قوله تعـالى: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) [الأنعام:103].

فالجواب: أن الآية فيها نفي الإدراك لا نفي الرؤية.

والإدراك مثلما هو معلوم في اللغة العربية أعم من الرؤية، والرؤية لا تستلزم الإدراك؛ ألا ترى أن الرجل يرى السماء ولا يحيط بها إدراكاً، وكذا الحال مع البحر!

فإذا أثبتنا أن الله تعالى يُرى؛ لم يلزم من هذا الإثبات أن يُدرك سبحانه بهذه الرؤية؛ لأن الإدراك أخص معنى من مطلق الرؤية.

ولهذا نقول: إن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية؛ لأن نفي الأخص يدل على وجود الأعم، ولو كان الأعم منتفياً؛ لوجب نفيه.

 ولقيل: لا تراه الأبصار؛ لأن نفيه يقتضي نفي الأخص، ولا عكس، ولأنه لو كان الأعم منتفياً؛ لكان نفي الأخص إيهاماً وتلبيساً ينزَّه عنه كلام الله عز وجل، وعلى هذا تكون الآية دليلاً على من ينفي لا دليلاً له.

 

وأما الشبهة الرابعة في قولهم: لو كان الله يُرى لزم أن يكون جسماً، والجسم ممتنع على الله تعالى؛ لأنه يفيد التركيب؛ وهذا يستلزم التشبيه والتمثيل.

فالجواب: نقول ابتداء: إن كان يلزم من رؤية الله تعالى أن يكون جسماً؛ فلنثبت الجسمية له سبحانه على سبيل الجدل والتسليم الافتراضي، لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].

لكننا نقول: لا نسلم أنه لابد أن يكون جسماً حتى يُرى، فالإنسان يرى النور، والنور ليس بجسم.. وهكذا.

ثم إن لفظ الجسم لا يُثبت ولا يُنفى لله حتى يستفصل عن معناه، فإن أريد به ما هو مركب من لحم وعظم وغيرهما فباطل.

 وإن أريد به ما هو قائم بذاته متصف بصفات الكمال فهو حق وثابت لله عز وجل، لكن لا يطلق هذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً، لعدم وروده في الكتاب والسنة، بل نقتصر على ما ورد فيهما.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانياً: صفة العين:

ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة العين، وهي صفة حقيقية تليق بجلال الله عز وجل لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.

قال تعالى: ((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48].

وقال تعالى: ((وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)) [القمر:13-14].

وقال تعالى: ((وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39].

قال قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح:

وقد أخبرنا جماعة من أصحاب الحديث بأصبهان، وجماعة منهم من همدان وخراسان سماعاً وإجازة عن مشايخهم الثقات بأسانيد مختلفة -من حديث طويل- قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما بعث الله نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله أخره إلى يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور)([17]).

وعن النزال بن سبرة قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثاً، فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟ فقال له علي عليه السلام: اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال... يخرج من بلدة يقال لها: أصفهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وأمي، ينادي بأعلى صوته، يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى أنا ربكم الأعلى. وكذب عدو الله، إنه الأعور، يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإن ربكم ليس بأعور([18]).

وقد أنكر بعضهم صفة العين، وأولوها بالرؤية بدون عين، وقالوا: (بأعيننا) برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله عز وجل أبداً، لأن العين جزء من الجسم؛ فإذا أثبتنا العين لله؛ أثبتنا تجزئة وجسماً، وهذا شيء ممتنع فلا يجوز، ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية؛ يعني: كأنما نراك ولنا عين.

فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:

الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.

الوجه الثاني: أنه مخالف لما أثبته الله عز وجل في كتابه وما أثبته نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وفق لغة العرب.

الوجه الثالث: أنه لا دليل على أن المراد بالعين مجرد الرؤية.

الوجه الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عيناً، فيلزم من ذلك أنه يرى بتلك العين، وحينئذٍ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.

الوجه الخامس: لا يلزم من إثبات صفة العين لله عز وجل أن تكون مماثلة ومجزأة كالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات والحشرات لهم أعين متشابهة بالأسماء فقط ولكنها مختلفة في الأحجام والأشكال، فمنها الكبير والصغير والضخم والدقيق... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أعينهم متماثلة بالكيفية والجزئية؟!

ولله المثل الأعلى، فإننا نؤمن ونثبت ما أثبته الله عز وجل وما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام من الصفات، كالعين وغيرها من الصفات الثابتة، من غير تحريف ولا تكييف ولا مماثلة، ونقول: نؤمن ونثبت هذه الصفات، وليس كمثله شيء.

فإذا قال المنكرون:

أنتم تثبتون الصفات بظاهر الآية والحديث، من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، والله عز وجل يقول: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48] والظاهر من الآية على حسب طريقتكم أنكم جعلتم النبي صلى الله عليه وسلم في عين الله أو في وسطها لوجود الباء الظرفية في كلمة ((بِأَعْيُنِنَا)) أي: داخل أعيننا، فإن قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلاً للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به تناقضتم!

فالجواب:

إن القرآن نزل وفق لغة العرب، والباء تستعمل في استعمالات عدة، وهنا استعملت لتفيد معنى المصاحبة، فإذا قلت: أنت بعيني؛ يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك؛ فالمعنى: أن الله عز وجل يقول لنبيه: اصبر لحكم الله؛ فإنك محوط بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.

ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية؛ لأنه يقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين الله، وهذا محال.

وأيضاً؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بذلك وهو في الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله! كانت دلالة القرآن كذباً.

وقال المنكرون أيضاً:

إن الله عز وجل ذكر (العين) بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا))، وفي قوله: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48]، وبصيغة المفرد كما في قوله تعالى: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39]، فكيف تخرجون من هذا التناقض؟ وكم عين لله إذاً؟

والجواب من وجوه:

أولاً: لا تعارض بين الآيات، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثَبَت لله من عين، وحينئذٍ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أو التثنية.

وإن كان أقل الجمع اثنين؛ فلا منافاة؛ لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين؛ فلا ينافيه، وإن كان أقل الجمع ثلاثة؛ فإن هذا الجمع لا يُراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.

ثانياً: أن قوله تعالى: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)) [القمر:14]، وقوله: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48] وقوله: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39] معناها واحد ويفيد الاعتناء والحفظ والحفاوة من الله عز وجل لأوليائه، وهذا كما يقال على لسان العرب: أنت بعيني وبقلبي... إلخ، وعلى ضوء هذا البيان نكون بذلك أثبتنا صفة العين لله عز وجل مع تفسيرها، مخالفين مذهب من أنكر صفة العين وصرف معناها.

ثالثاً: أنه قد دل الحديث الصحيح كما أسلفنا([19]) عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين أن لله عز وجل عينين اثنتين فقط، حين وصف الدجال وقال: (وإن ربكم عز وجل ليس بأعور). ولا يقال (أعور) في اللغة العربية إلا لعور العين، وهذا يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط لا مثيل ولا شبيه لهما، ولا نعرف كيفيتهما، ونقول كما قال الله عز وجل عن نفسه: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثالثاً: صفة الكلام:

الكلام صفة من صفات الله عز وجل، وهو كلام حقيقي، يتكلم به الله متى شاء، كيف شاء، بما شاء، بحرف وصوت لا يماثل أصوات المخلوقين.

ولهذا كان القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق.

قال تعالى: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً)) [النساء:87].

وقال تعالى: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً)) [النساء:122].

وقال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ)) [المائدة:116].

وقال تعالى: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)) [النساء:164].

وقال تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) [الأعراف:143].

وقال تعالى: ((وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً)) [مريم:52].

وقال تعالى: ((وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)) [الأعراف:22].

وقال تعالى: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)) [التوبة:6].

وقال تعالى: ((وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [البقرة:75].

وعن أبي عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أسرى بي ربي عز وجل، فأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى، وكلمني بما كلم به، وكان مما كلمني به أن قال: يا محمد، إني أنا الله لا إله إلا أنا عالم الغيب والشهادة)([20]).

وفي إعلام الورى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكف عن عيب آلهة المشركين ويقرأ عليهم القرآن، فيقولون: هذا شعر محمد، ويقول بعضهم: بل هو كهانة، ويقول بعضهم: بل هو خطب، وكان الوليد بن المغيرة شيخاً كبيراً وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختاراً، وكان له بنون لا يبرحون من مكة، وكان له عبيد عشرة، عند كل عبد ألف دينار يتّجر بها، وَمَلَكَ القنطار في ذلك الزمان، والقنطار جلد ثور مملوء ذهباً، وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عم أبي جهل بن هشام، فقال له: يا أبا عبد شمس، ما هذا الذي يقول محمد، سحر أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الحجر، فقال: يا محمد، أنشدني من شعرك؟ قال: (ما هو بشعر، ولكنه كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله)([21]).

وعن أبي معمر السعداني: أن رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له علي: ثكلتك أمك... إلى أن قال: فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رُبَّ تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئاً من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر([22]).

ونقل المجلسي في بحاره عن الطبرسي أنه قال في قوله تعالى: ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ)) [الجن:1] أي: استمع القرآن طائفة من الجن، وهم جيل رقاق الأجسام خفية على صورة مخصوصة بخلاف صورة الإنسان والملائكة، فإن الملك مخلوق من النور، والإنس من الطين، والجن من النار، فقالوا -أي الجن- بعضها لبعض: ((إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً)) [الجن:1] العجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة ((يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)) [الجن:2] أي: الهدى ((فَآمَنَّا بِهِ)) [الجن:2] أي: بأنه من عند الله ((وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً)) [الجن:2] فنوجه العبادة إليه، وفيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى الجن أيضاً وأنهم عقلاء مخاطبون وبلغات العرب عارفون، وأنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز، وأنهم دعوا قومهم إلى الإسلام وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى([23]).

وجاءت النصوص والأخبار الدالة على تعظيم مدرسة آل بيت النبي عليهم السلام لكلام الله؛ فعن عثمان بن عيسى قال: سألته (الإمام الصادق عليه السلام) عن بيع المصاحف وشرائها، فقال: لا تشتر كلام الله، ولكن اشتر الحديد والجلود والدفتر، وقل: أشتري هذا منك بكذا وكذا([24]).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: تعلموا العربية؛ فإنها كلام الله الذي تكلم به خلقه (ونطقوا به الماضين) وبلغوا بالخواتيم([25]).

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ناجى موسى بن عمران بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن، ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلام الآدميين مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل)([26]).

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكّر أصحابه بكلام الله ووجوب تعظيمه، ومن أمثلة ذلك: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم يقول: (سيروا باسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه)([27]).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان له إلى الله تعالى حاجة فليقل خمس مرات: (ربنا) يُعْطَ حاجته، ومصداق ذلك في كلام الله في قوله تعالى: ((رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً)) [آل عمران:191] إلى آخر الآيات فيها (ربنا) خمس مرات، ثم قال تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)) [آل عمران:195])([28]).

وقد أنكر بعضهم صفة الكلام لله عز وجل، وقالوا: إن القرآن ليس بكلام الله، وإن الله لا يتكلم، وأن الكلام مخلوق، ألا تقرؤون قول الله عز وجل: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [الزمر:62].

والجواب من وجوه:

أولاً: إن كلام الله تعالى، صفة من صفاته، وصفات الخالق لا تشبه صفات المخلوق، قال تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11].

ثانياً: أن مثل هذا التعبير ((كُلِّ شَيْءٍ)) [الزمر:62] عام قد يراد به الخاص؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ: ((وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)) [النمل:23] وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء؛ مثل ملك سليمان، وقال عن الريح: ((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)) [الأحقاف:25]، ثم قال: ((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) [الأحقاف:25]، فلم تدمر المساكن.

ثالثاً: وإذا قلنا: إن كلام الله مخلوق، لزم عن ذلك عدة أمور، منها:

1- تكذيب القرآن؛ لأن الله يقول: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)) [الشورى:52]. فجعله الله تعالى موحياً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان مخلوقاً؛ ما صح أن يكون موحياً به، فإذا كان وحياً؛ لزم ألا يكون مخلوقاً، لأن الله هو الذي تكلم به.

2- إذا قلنا: إنه مخلوق؛ فإنه يلزم عن ذلك إبطال مدلول الأمر والنهي والخبر؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة، لكانت مجرد شكل خلق على هذه الصورة؛ كما خلقت الشمس على صورتها، والقمر على صورته، والنجم على صورته.. وهكذا.

3- وإذا قلنا: إن الكلام مخلوق، وقد أضافه إلى نفسه إضافة خلق؛ صح أن نطلق على كل كلام من البشر وغيرهم أنه كلام الله؛ لأن كل كلام الخلق مخلوق، وبهذا التزم أهل الحلول والاتحاد، حيث يقول قائلهم:

وكل كلام في الوجود كلامه           سـواء علينا نثره ونظامه

وهذا اللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.

رابعاً: أن نقول: إذا جوّزتم أن يكون الكلام -وهو معنى لا يقوم إلا بمتكلم- مخلوقاً؛ لزمكم أن تجوّزوا أن تكون جميع صفات الله مخلوقة؛ إذ لا فرق؛ فقولوا إذاً: سمعه مخلوق، وبصره مخلوق... وهكذا.

 

 

 

 

رابعاً: صفة اليد:

ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة اليد، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا مثيل لها ولا نعرف كيفيتها، وهي من الصفات الخبرية الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال.

قال تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) [ص:75].

وقال تعالى: ((وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)) [المائدة:64].

وقال تعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر:67].

وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه، وكلتا يديه يمين، وجوههم أشد بياضاً، وأضوأ من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله)([29]).

وقد أنكر بعضهم صفة اليد لله عز وجل، وقالوا: إن المراد باليد (القوة والنعمة) وقالوا أيضاً: لا يمكن أن نثبت لله يداً حقيقية؛ لأنه يلزم من ذلك التجسيم لله عز وجل.

والجواب من وجوه:

أولاً: أن تفسير اليد بالقوة والنعمة مخالف لظاهر اللفظ، وما كان مخالفاً لظاهر اللفظ مردود إلا بدليل.

ثانياً: يمتنع غاية الامتناع أن يراد باليد النعمة أو القوة في مثل قوله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) [ص:75]، لأنه يستلزم أن تكون النعمة نعمتين فقط، ونعم الله لا تحصى!!

ويستلزم أن القوة قوتان، والقوة بمعنى واحد لا تتعدد، فهذا التركيب يمنع غاية المنع أن يكون المراد باليد القوة أو النعمة.

 

ثالثاً: قال تعالى: ((قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ)) [ص:75] فلو كان المراد باليد في الآية (القوة)؛ ما كان لآدم فضل وخصوصية على خلق إبليس، بل ولا على أي جماد؛ لأنهم كلهم سيكونون قد خلقوا بقوة الله، فتشابهوا من هذه الجهة، والله هو القوي على كل شيء، وقوة الله ظاهرة في كل أمر، ولما صح الاحتجاج على إبليس؛ إذ إن إبليس سيقول: وأنا يارب خلقتني بقوتك؛ فما فضله عليَّ؟!

رابعاً: يقال: إن هذه اليد التي أثبتها الله جاءت على وجوه متنوعة يمتنع أن يراد بها النعمة أو القوة؛ فجاء فيها القبض والبسط واليمين، وكل هذه يمتنع أن يراد بها القوة؛ لأن القوة لا توصف بهذه الأوصاف.

خامساً: لا يلزم من إثبات اليد لله عز وجل أن نمثل الخالق بالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات لهم أيدي، متشابهة في الأسماء ولكنها مختلفة في الأحجام والشكل، منها الكبير والصغير، والقصير والطويل... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أيديهم متشابهة ومتماثلة.

فلا يلزم من هذا مماثلة صفة الخالق للمخلوق، فعلينا أن نؤمن ونثبتها بهذه الصفة وغيرها من الصفات الثابتة لله عز وجل، من غير تمثيل ولا تكييف، ونقولُ: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].

 

 

 

 

 

 

 

 

خامساً: صفة الضحك:

الضحك صفة من الصفات التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صفة حقيقية تليق بجلال الله عز وجل لا يماثل ضحك المخلوقين ولا يجوز تكييفه، ولا أن نقول بأن لله فماً وأسناناً وما أشبه ذلك، ولكن نثبت الضحك لله على وجه يليق به سبحانه وتعالى.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: يضحك الله عز وجل إلى رجل في كتيبة يعرض لهم سبع أو لص فحماهم أن يجوزوا([30]).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ثلاثة يضحك الله إليهم يوم القيامة: رجل يكون على فراشه مع زوجته وهو يحبها، فيتوضأ ويدخل المسجد فيصلي ويناجي ربه، ورجل أصابته جنابة فلم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه واغتسل، ورجل لقي عدواً وهو مع أصحابه فجاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل([31]).

ومع كل هذه النصوص المباركة إلا أن هناك بعض الناس أنكروا صفة الضحك لله عز وجل، وقابلوا النصوص الصريحة بالتأويل الفاسد، فحرفوا معنى الضحك إلى الرضا بالثواب أو بإرادة الثواب.

وقالوا: إن المراد بالضحك هو الرضا؛ لأن الإنسان إذا رضِيَ عن الشيء سُرَّ به وضحك، والمراد بالرضا الثواب أو إرادة الثواب.

وقالوا: يلزم أيضاً من إثبات صفة الضحك لله تعالى أن يكون مماثلاً للمخلوقين.

وتفنيد هذه الشبه من وجوه، منها:

أولاً: أن قولهم بأن المراد بالضحك الرضا والثواب فهو قول باطل، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، فما الذي أدراكم أن المراد به الرضا والثواب؟!

فأنتم الآن قلتم على الله ما لا تعلمون من وجهين:

الوجه الأول: صرفتم النص عن ظاهره بلا علم.

الوجه الثاني: أثبتم له معنىً خلاف الظاهر بلا علم.

ثم نقول لهم: ما تقولون في الإرادة؟ إذا قلتم: إنها ثابتة لله عز وجل ؛ فإن قاعدتكم تنتقض؛ لأن للإنسان إرادة؛ كما قال تعالى: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)) [آل عمران:152].

فللإنسان إرادة، بل للجدار إرادة؛ كما قال تعالى: ((فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ)) [الكهف:77].

فأنتم إما أن تنفوا الإرادة عن الله عز وجل كما نفيتم ما نفيتموه من الصفات، وإما أن تثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وإن كان للمخلوق نظيره في الاسم لا في الحقيقة.

ثانياً: القول بأنه يلزم من إثبات صفة الضحك لله أن يكون مماثلاً للمخلوقين، فهذا باطل أيضاً، لأن الذي قال: (يضحك) هو الذي أنزل عليه قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].

ومن جهة أخرى؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم في مثل هذا إلا عن وحي؛ لأنه من أمور الغيب، ليس من الأمور الاجتهادية التي قد يجتهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يقره الله على ذلك أو لا يقرُّه، ولكنه من الأمور الغيبية التي يتلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي.

 

 

 

 

 

 

 

سادساً: صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض:

ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض، وهي من الصفات الحقيقية الثابتة لله عز وجل اللائقة بجلاله، لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.

قال تعالى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ)) [النساء:93].

وقال تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ)) [محمد:28].

وقال تعالى: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ)) [الزخرف:55].

وقال تعالى: ((وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ)) [التوبة:46].

وعن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله)([32]).

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أسخط والديه فقد أسخط الله، ومن أغضبهما فقد أغضب الله)([33]).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل قريش والأنصار: (من أبغض قريشاً أبغضه الله... ومن أبغض الأنصار أبغضه الله)([34]).

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومِنْ منع وهات)([35]).

وعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام قال: (وكره الله لأمتي الغسل تحت السماء إلا بمئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر؛ فإن فيها سكاناً من الملائكة)([36]).

وقد أنكر بعضهم تلك الصفات الثابتة لله عز وجل، وقالوا: إن الله لا يغضب ولا يسخط ولا يكره ولا يبغض، وإن المراد هو الانتقام؛ أو إرادة الانتقام، لأن تلك الصفات صفات المخلوقين، ولا يجوز لنا أن نشبّه الخالق بالمخلوق.

والجواب عن هذه الدعوى من وجوه... منها:

أولاً: أن السخط والغضب غير الانتقام، والانتقام نتيجة الغضب والسخط، كما نقول: إن الثواب نتيجة الرضا، فالله سبحانه وتعالى يسخط على هؤلاء القوم ويغضب عليهم ثم ينتقم منهم.

وإذا قال قائل: إن العقل يمنع ثبوت السخط والغضب لله عز وجل.

فنقول: بل العقل يدل على السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب.

ونقول: وقوله تعالى: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ)) يردُّ على المنكر؛ لأنه جعل الانتقام غير الغضب وهو الأسف؛ لأن الشرط غير المشروط.

ثانياً: قولهم بأن تلك الصفات تشابه صفات المخلوقين قول باطل من وجهين:

الوجه الأول: أن الله عز وجل أثبت لنفسه تلك الصفات في كتابه، وهو أعلم بنفسه، وأثبتها أيضاً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين وأنتم تنفون تلك الصفات وتحرفونها، فهل أنتم أعلم من الله بنفسه، وأعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته؟!!

الوجه الثاني: أن الغضب والسخط والكراهية والبغض يتفاوت بين المخلوقات في المماثلة والكيفية ولله المثل الأعلى، فكيف نصف الخالق بصفات المخلوق!!!

والأمر بيّن لا خفاء فيه لمن وضع الأمور في مواضعها حسب ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة وفق فهم آل بيت النبي عليهم السلام وهم أهل اللغة العربية وخير من فهم مرادها.

 

 

سابعاً: صفة العلو والاستواء:

يؤمن المسلم بأن الله عز وجل في السماء مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله، لا يماثل استواء المخلوقين، ولا نعرف كيفيته، وقد أثبت الله عز وجل استواءه على العرش في مواضع من كتابه، منها:

قال تعالى: ((إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [يونس:3].

وقال تعالى: ((اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الرعد:2].

وقال تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5].

وقال تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ)) [الفرقان:59].

وقال تعالى عن علوه في السماء: ((يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)) [آل عمران:55].

وقال تعالى: ((بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)) [النساء:158].

وقال تعالى: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) [فاطر:10].

وقال تعالى عن فرعون: ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ)) [غافر:36-37].

وقال تعالى: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)) [الملك:16-17].

وعن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود عليهم الصلاة والسلام يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس لنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا. فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقاكم بدعوة غيركم([37]).

وعن علي عليه السلام: أنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ -يعني: مدبوغ بالقرظ- لم تحصل من ترابها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خمسة نفر: الأقرع بن حابس، وعُيَيْنَةَ بن حصن بن بدر، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، فوجد في ذلك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نحن كنا أحق بهذا. فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء ([38]).

وقد أنكر بعضهم صفة العلو والاستواء لله عز وجل، وقالوا: لو كان العلو والاستواء لذات الله عز وجل لكان الله في جهة، وإذا كان في جهة كان سبحانه وتعالى محدوداً وجسماً وهذا ممتنع!

وبيان الصواب في هذا من وجوه، منها:

أولاً: أن قولهم هذا مخالف لما أثبته الله في كتابه وما أثبته نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرون.

ثانياً: نقول: ما هو الحد والجسم الذي تريدونه؟

أتريدون بالحد أن شيئاً من المخلوقات كالعرش وغيره يحيط بالله عز وجل؟ فهذا باطل ومنتفٍ عن الله، وليس بلازم في إثبات العلو أيضاً لله.

أو تريدون بالحد أن الله بائن -أي: منفصل- عن خلقه غير حال فيهم؟ فهذا حق من حيث المعنى، ولكن نحتاط فلا نطلق لفظه لا نفياً ولا إثباتاً؛ لأننا نثبت ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم فقط، من غير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف.

وأما الجسم فنقول: ماذا تريدون بالجسم؟

أتريدون أنه جسم مركب من عظم ولحم وجلد ونحو ذلك؟

فهذا باطل ولا يجوز في حق الله؛ لأن الله ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].

أم تريدون بالجسم ما هو قائم بنفسه متصف بما يليق به؟ فهذا حق من حيث المعنى، لكن لا نطلقه أيضاً لا نفياً ولا إثباتاً، لما سبق بيانه.

وقال أهل التحريف أيضاً: إن معنى الاستواء على العرش يعني (الاستيلاء) بدعوى: أن معنى قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الأعراف:54] أي: استولى عليه.

وقالوا: لو أثبتنا أن الله عز وجل مستوٍ على عرشه بالمعنى الذي تقولون وهو العلو للزم من ذلك أن يكون محتاجاً إلى العرش، وهذا مستحيل!

والرد عليهم من وجوه:

أولاً: أن قولهم هذا مخالف لما أثبته الله عز وجل في كتابه وما أثبته نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرون.

ثانياً: هذا القول مخالف لظاهر اللفظ؛ لأن مادة (الاستواء) إذا تعدت بـحرف (على) فهي بمعنى العلو، وهذا ظاهر في اللغة، ومواردها في القرآن وفي كلام العرب كثيرة.

ثالثاً: أنه يلزم عنه لوازم باطلة، منها:

أ- أن يكون الله عز وجل حين خلق السموات والأرض لم يكن مستولياً على عرشه؛ لأن الله يقول: ((خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الأعراف:54]، فمن الذي كان قبل الله ليستولي الله على العرش بعده؟

و(ثم) في اللغة تفيد الترتيب، فيلزم أن يكون العرش قبل تمام خلق السموات والأرض لغير الله!

ب - أن الغالب من كلمة (استولى) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة! ولا أحد يغالب الله.

أين المفر والإله الطـالب              والأشرم المغلوب ليس الغالب

جـ - من اللوازم الباطلة لهذه المقولة أنه يصح أن نقول: إن الله استوى على الأرض والشجر والجبال؛ لأنه مستولٍ عليها، وهذه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.

وأما قولهم: يلزم أن يكون محتاجاً إلى العرش. فنقول: لا يلزم.

لأن استواءه على العرش هو استواء خاص يليق بجلاله، وهو فوق العرش غير محتاج إليه، وليس كالمخلوق يحتاج إلى ما يستوي عليه، وعليه فمعنى كونه مستوياً على العرش أنـه فوق العـــرش ولكنه ليس محتاجاً إليه، وبهذا تبطل حججهم السلبية.

ثامناً: صفة النزول:

ومن دلائل الإيمان بصفات الله عز وجل إثبات صفة النزول لله عز وجل، نزولاً حقيقياً يليق بجلاله إلى سماء الدنيا، ولا يماثل نزوله نزول أحد من خلقه، ولا نعرف كيفية نزوله.

فعن جابر الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا، فينادي: هل من تائبٍ يتوب فأتوب عليه، وهل من مستغفر يستغفر فأغفر له، وهل من داعٍ يدعوني فأفك عنه، وهل من مقتور يدعوني فأبسط له، وهل من مظلوم يستنصرني فأنصره([39]).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن للجمعة حقاً وحرمة، فإياك أن تضيّع أو تقصر في شيء من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها؛ فإن الله يضاعف فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، قال: وذكر أن يومه مثل ليلته، فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل؛ فإن ربك ينزل في أول ليلة الجمعة إلى سماء الدنيا، فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات، وإن الله واسع كريم([40]).

وقد أنكر أهل التحريف صفة النزول، وقالوا: ليس لله نزول، بل الذي ينزل هو أمر الله.

 وقال آخرون: بل الذي ينزل رحمة الله!

وقال آخرون: بل الذي ينزل مَلَك من ملائكة الله!

وهذا جميعه باطل؛ فإن أمر الله نزوله دائم أبداً ولا يتعلق بوقت من ليل أو نهار، ولا يختص نزوله في الثلث الأخير من الليل، كما قال سبحانه: ((يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)) [السجدة:5] وقال سبحانه: ((وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ)) [هود:123].

وأما قولهم: تنزل رحمة الله إلى السماء حين يبقى ثلث الليل الآخر!

فسبحان الله! فهل الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت! قال سبحانه: ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ)) [النحل:53]. كل النعم من الله، وهي من آثار رحمته، وهي تترى على العباد في كل وقت!!

ثم نقول: أي فائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء الدنيا؟!

ونقول أيضاً لمن قال: (إنه مَلك من ملائكته): هل من المعقول أن الملك من ملائكة الله يقول: مَن يدعوني فأستجيب له... إلخ؟!

فتبين بهذا أن هذه الأقوال تحريف باطل يبطله الحديث.

وقالوا أيضاً: كيف تقولون: إن الله ينزل؟! إذا نزل فأين العلو؟

وإذا نزل فأين الاستواء على العرش؟ وإذا قلنا بالنزول؛ فالنزول حركة وانتقال!! وإذا نزل فالنزول حادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث -أي: مخلوق-!!.

فنقول: هذا جدال عقيم باطل، وبعقل فلسفي سقيم، وهو ليس بمانع من القول بحقيقة النزول وفق النصوص الواضحة الباهرة.

هل أنتم أعلم بما يستحقه الله عز وجل من الرسول صلى الله عليه وسلم؟!

فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذه الاحتمالات أبداً؛ وهو الحريص على تنزيه الله عن كل ما يتبادر إلى الذهن أن فيه تنقصاً لله جل وعلا.

وأنتم أيها المتأولون المخالفون تأتون الآن وتجادلون بالباطل وتقولون: كيف.. وكيف؟!

لكن أحباب آل البيت عليهم السلام يلقون بـ(كيف) في البحر، ويقولون: ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، وهو مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، ولا نعرف كيفية نزوله ولا شبيه ولا مثيل له، وعقولنا أقصر وأدنى وأحقر من أن تحيط بالله عز وجل.

ولا يلزم من نزوله سبحانه خلو العرش منه، ولله المثل الأعلى، فإن العبد يمكنه أن ينزل يده عن كرسيه ولا يخلو الكرسي عنه، والله تعالى أعلى عن المثل.

فالسموات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، ثم لا يلزم من نزوله الحركة والانتقال، ولا يلزم من إثبات الحركة أي نقص أو عيب.

وكل هذا الإشكال إنما وقع لأنهم قاسوا الله بالمخلوقات بعقولهم الضعيفة الناقصة القاصرة، والله فوق ذلك.

وأما قول بعض الناس: إننا إذا أثبتنا النزول لله فهذا يعني أن الله ينزل ويصعد في كل لحظة لاختلاف الليل والنهار.

فنقول: وهذا من جهلهم بربهم الذي ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، وذلك أنهم ما قدروا الله حق قدره.

ولو كان الأمر يقدّر بهذا التقدير، وهو أن نقيس الله على أحوالنا لضلّ الناس وما عرفوا قدر ربهم وعظمته، وذلك أن هذا الكلام يصدق كذلك على دعوى من يدعي أن الله عز وجل لا يمكن أن يسمع جميع الداعين على اختلاف أوقاتهم وسؤالاتهم وأماكنهم واختلاف لغاتهم، وكذا لا يمكن أن يحاسب كل العالمين في يوم واحد، ولا يمكن أن يسمع كل المتكلمين، ولا يرى كل العالمين، وهذا كفر بالله وخروج عن الإسلام، وطعن في الذات الإلهية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تاسعاً: صفة المعيّة:

تنقسم معيّة الله سبحانه إلى قسمين:

القسم الأول: معيّة عامة:

وهي معيّة لكل أحد من خلقه، من المؤمنين والكفار، وتكون معية الله عز وجل لهم في سمعه وبصره وعلمه وسلطانه، وغير ذلك من معاني الربوبية.

قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [الحديد:4].

وقال تعالى: ((مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) [المجادلة:7].

القسم الثاني: معية خاصة وتنقسم إلى قسمين:

1- معية خاصة مقيدة بوصف: ولا تكون إلا للمؤمنين، كما قال الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)) [النحل:128].

وقال تعالى: ((وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [الأنفال:46].

وقال تعالى: ((كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [البقرة:249].

2- معية خاصة مقيدة بشخص: كما قال الله عز وجل عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعن صاحبه: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40].

وكما قال عز وجل لموسى وهارون: ((إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) [طه:46]. والمعية الخاصة بوصف أو بشخص متضمنة للنصرة والمحبة والتأييد.

وإذا قال قائل: ألا يوجد تناقض بين معية الله عز وجل لخلقه وبين علوّه؟

فالجواب: لا تناقض بينهما، لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن الله جمع بينهما فيما وصف به نفسه، ولو كان هناك تناقض ما صح أن يصف الله بهما نفسه.

الوجه الثاني: أن نقول: ليس بين العلو والمعية تعارض أصلاً، إذ من الممكن أن يكون الشيء عالياً وهو معك، ومنه ما يقوله العرب: القمر معنا ونحن نسير، مع أن القمر والشمس في السماء، فإذا أمكن اجتماع العلو والمعية في المخلوق، فاجتماعهما في الخالق من باب أولى.

الوجه الثالث: أنه لو تعذر اجتماعهما في حق المخلوق لم يكن متعذراً في حق الخالق؛ لأن الله أعظم وأجل، ولا يمكن أن تقاس صفات الخالق بصفات المخلوقين، لظهور التباين بين الخالق والمخلوق.

وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند السفر: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمـال والولد)([41]).

وثبت في مستدرك الوسائل عن أمير المؤمنين، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قال العبد: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) [الفاتحة:1] قال الله عز وجل: بدأ عبدي باسمي، حق عليَّ أن أْتمم له أموره وأبارك له في أحواله، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] قال عز وجل: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي والبلايا التي اندفعت عنه بتطوَّلي، أشهدهم أني أضيف له نعم الدنيا إلى نعيم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) [الفاتحة:3] قال الله عز وجل: شهد لي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفِّرنّ من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)) [الفاتحة:4] قال الله عز وجل: أشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك ليوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته، ولأتـجاوزن عن سيئاته، فإذا قال العبد: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:5] قال الله عز وجل: صدق عبدي إياي يعبد لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] قال الله عز وجل: بي استعان وإليّ التجأ أشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم القيامة عند نوائبه، وإذا قال: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6] إلى آخرها قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، قد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وأمنته مما منه وجل([42]).

 

 

 

([1]) بحار الأنوار: (83/2).

([2]) فلاح السائل: (202).

([3]) فلاح السائل: (240)، وانظر: بحار الأنوار: (83/104).

([4]) وانظر: كذلك أدعية الأئمة عليهم السلام (ص:144) من هذا الكتاب.

([5]) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).

([6]) بحار الأنوار: (27/112).

([7]) تفسير القمي: (1/311).

([8]) بحار الأنوار:(86/ 266) , (8/126).

([9]) بحار الأنوار: (87/133).

([10]) بحار الأنوار: (87/144)، البلد الأمين: (94)، مصباح الكفعمي: (99)، مصباح المتهجد: (429).

([11]) بحار لأنوار: (87/205)، البلد الأمين: (135)، مصباح الكفعمي: (126)، مصباح المتهجد: (480).

([12]) بحار الأنوار: (91/143).

([13]) مصباح المتهجد: (442)، مصباح الكفعمي: (107)، البلد الأمين: (104)، بحار الأنوار: (87/159).

([14]) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).

([15]) تفسير الإمام العسكري: (31)، بحار الأنوار: (13/340)، تأويل الآيات: (411).

([16]) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).

([17]) الخرائج والجرائح: (3/1138).

([18]) كمال الدين : ( 2 / 525 ) , بحار الأنوار: (52/194), الخرائج والجرائح: (3/1133).

([19]) انظر: (ص:150) من هذا الكتاب.

([20]) بحار الأنوار: (53/68).

([21]) إعلام الورى: (41)، بحار الأنوار: (17/186).

([22]) مستدرك الوسائل: (17/326)، التوحيد: (265).

([23]) بحار الأنوار: (18/79).

([24]) وسائل الشيعة: (17/158).

([25]) وسائل الشيعة: (5/84)، وانظر أيضاً: الخصال: (1/258).

([26]) الخصال: (2/641)، بحار الأنوار: (13/344)، القصص للجزائري: (304).

([27]) الكافي: (5/27)، تهذيب الأحكام: (6/138).

([28]) مستدرك الوسائل: (5/219).

([29]) الكافي: (2/126)، وانظر أيضاً: بحار الأنوار: (7/159).

([30]) الكافي: (5/54)، وسائل الشيعة: (15/141).

([31]) مستدرك الوسائل: (1/487)، الاختصاص: (188)، بحار الأنوار: (75/32).

([32]) بحار الأنوار: (41/196).

([33]) مستدرك الوسائل: (15/193).

([34]) باختصار من كتاب الاحتجاج: (1/145).

([35]) مستدرك الوسائل: (7/223).

([36]) وسائل الشيعة: (2/41).

([37]) بحار الأنوار: (61/49).

([38]) دعائم الإسلام: (1/260)، وانظر: بحار الأنوار: (93/70)، مستدرك الوسائل: (7/116).

([39]) بحار الأنوار: (84/167).

([40]) الكافي: (3/414)، تهذيب الأحكام: (3/3)، وسائل الشيعة: (7/375).

([41]) الكافي: (4/284)، انظر: مستدرك الوسائل: (8/134)، من لا يحضره الفقيه: (2/525).

([42]) مستدرك الوسائل: (4/228)، بحار الأنوار: (82/59)، أمالي الصدوق: (174).

  • الاثنين AM 04:00
    2022-04-11
  • 1537
Powered by: GateGold