المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414219
يتصفح الموقع حاليا : 108

البحث

البحث

عرض المادة

التيار العقلي لدى المعتزلة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أما بعد: 

فإن من أعظم نعم الله على عباده نعمة العقل، إذ به يشرف الإنسان ويكلّف، ويعرف خالقه جل شأنه، وبه يميّز بين الخير والشر، والهدى والضلال. 

ولكنّ هذا العقل له طاقات وحدود لا يجوز له تجاوزها وتعديها، فإذا تجاوزها وقع في المهالك، ومن ذلك أنه لا مجال للعقل في الأمور الغيبيات إذ ليس له إدراك حقيقتها على التفصيل. وهذا من فضل الله ورحمته بالإنسان، حيث لم يكلّف العقل ما لا يستطيع، بل جعل العصمة حقاً للوحي المتمثل في الكتاب والسنة، وفي هذا صيانة للعقل البشري من التمزق والانحراف، وللمجتمع من الفرقة والخلاف. 

ولما سارت الأمة على هذا المنهج عزّت وسادت، ولما تخلت عنه دبّ إليها الضعف والخلاف، وذلك بسبب نشأة ما يسمى بالتيار العقلي في حياة المسلمين على يد المعتزلة. ولخطورة هذا التيار وقف السلف الصالح والأئمة موقفاً حازماً ضد هذا الاتجاه وأصحابه، كاشفين آثاره وأضراره, مبيّين اضطراب أصحابه بما يحفظ الأمة من الانزلاق عن الصراط المستقيم. 

ثم إنه في أعقاب الزمن، وفي هذه العصور المتأخرة، نشأة في المسلمين نابتة تدعو إلى إحياء مذهب المعتزلة والفلاسفة، ونشره بين المسلمين، باعتباره في نظرهم من التراث الإسلامي الأصيل. 

ومن أجل الآثار الخطيرة لهذا التيار الاعتزالي العقلي على حياة المسلمين، أحببت أن أبيّن أهم هذه الآثار من خلال هذا البحث، الذي هو بعنوان: 

التيار العقلي لدى المعتزلة 

وأثره في حياة المسلمين المعاصرة 

 

خطة البحث: 

مقدمة: وفيها أهمية هذا الموضوع، وهدفه، ومشكلته, وأسباب اختياره. 

تمهيد: منزلة العقل، ودوره الحقيقي في الإسلام. 

المبحث الأول: نشأة التيار العقلي في الإسلام. 

المبحث الثاني: موقف السلف من أصحاب الاتجاه العقلي. 

المبحث الثالث: أثر التيار العقلي في حياة المسلمين المعاصرة. 

المبحث الرابع: أولى الناس بالعقل الصريح السليم. 

الخاتمة: وفيها أهم ما توصلت إليه من نتائج مع التوصيات. 

أهداف البحث: 

1. بيان منزلة العقل ودوره الحقيقي في الإسلام. 

2. بيان نشأة التيار العقلي في الإسلام على يد المعتزلة، وأثره على حياة المسلمين المعاصرة. 

3. بيان خطورة هذا التيار العقلي، وتحذير المسلمين منه. 

4. كشف الاتهام الموجّه للسّلف وأهل السنة بأنهم أصحاب جمود فكري، أو أنهم يلغون الأدلة العقلية. 

5. التفريق بين أدلة أصحاب التيار العقلي، وبين الأدلة العقلية للسّلف وأهل السّنة، والمستمدّة من القرآن والسّنة النبوية. 

منهج البحث: 

في هذا البحث سنتطرق إلى المنهج العام لهذا التيار العقلي الاعتزالي، وآثاره في حياة المسلمين المعاصرة، مع ذكر بعض الشواهد ما أمكن ذلك، دون الدخول في التفاصيل والردود والشبهات، ودون التفصيل في ذكر الشخصيات. 

وأسال الله أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يكثر فيهم دعاة الهدى، وأن يجنبهم دعاة الشر والضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه. 

تمهيد 

منزلة العقل، ودوره الحقيقي في الإسلام 

لقد اهتم الإسلام بالعقل اهتماماً بالغاً وفق ضوابط محددة تتفق مع قدراته وإمكاناته، فمن ذلك: 

1. أن الله جعله مناط التكليف، فإذا ما فُقِد ارتفع التكليف (1) . 

 

 

 

 

2. جعله أحد الضرورات الخمس (وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال) التي أمر الله بحفظها ورعايتها، لأن مصالح الدين والدنيا مبنيّة على المحافظة عليها (1) . 

3. أن أحكام الإسلام كلها معقولة تخاطب أولى الألباب والنهى، والحجى، ومن يعقل ويسمع. قال تعالى: { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . [البقرة: 242] . 

4. أن القرآن والسنة مملوءان بالأدلة العقلية التي هي آيات الله الدالة على عظمته، وعلى ربوبيته، ووحدانيته، وعلمه، وقدرته، وحكمته، ورحمته، والتي تقصر عنها عقول أهل الكلام والفلسفة (2) . 

وقد أورد العلماء جملة من هذه الأدلة العقلية في كتب العقائد، وعلوم القرآن، تحت مباحث جدل القرآن، وربما أطلقوا عليها البراهين والحجج والآيات. مثل قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164] . 

 

 

 

 

وذكر ابن أبي العز الحنفي(ت762هـ) رحمه الله أن الأمثال المضروبة في القرآن هي مقاييس عقلية، فقال: (والقرآن قد ضَرب اللهُ للناس فيه من كل مَثل، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية، لكنَّ القرآنَ يبيّنُ الحقَّ في الحكم والدليل، فماذا بعد الحق إلا الضلال) (1) . 

وكون هؤلاء العلماء المحققين يسمّون هذه الأمثال المضروبة في القرآن الكريم مقاييس عقلية، وقد يسميها بعض المفسرين حججاً أو براهين أو أدلة، فالمقصود واحد ولا مشاحّة في الاصطلاح. 

5. العقل الصحيح السليم يدرك أصول الاعتقاد على الإجمال لا على التفصيل، فالعقل يدرك وجود الله وعظمته، وضرورة طاعته وعبادته، واتصافه بصفات العظمة والجلال على وجه العموم. كما أن العقل السليم يدرك ضرورة النبوات وإرسال الرسل، وضرورة البعث والجزاء على الأعمال كذلك، على الإجمال لا على التفصيل. 

6. العلوم بالنسبة إلى طرق تحصيلها نوعان: نوع يحصّل بالعقل، كعلم الطب والهندسة ونحوها من العلوم التجريبية. ونوع لا يمكن أن يحصّل بمجرد العقل على جهة التفصيل، وهي العلوم الإلهية، وعلوم الديانات، ولكن يمكن أن يقام عليها أدلة عقلية، ولهذا فإن الأدلة التي جاء بها الرسل هي أدلة شرعية عقلية كما تقدم. 

7. العقل البشري عاجز عن معرفة مسائل العقيدة الغيبية بنفسه استقلالاً، وهو عاجز –أيضاً- عن أيّ تشريعٍ في الأحكام والأخلاق، ودوره الطبيعي هو الفهم والإتباع والاعتقاد لما جاء به الوحي، وليس الرد والاعتراض، لأن الوحي جاء ليكون ميزاناً بين هذه العقول المختلفة. 

 

 

 

 

8. تعارض النص الصريح من الكتاب والسنة مع العقل الصحيح السليم غير متصور أصلاً، بل هو مستحيل، لأن العقل السليم لا يعارض الحق، فإذا جاء ما يوهم ذلك فإن الوحي مقدّم ومحكم. لأنه صادر عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والعقل لا عصمة له، بل هو نظر البشر الناقص. وهو معرض للوهم والخطأ والنسيان والهوى والجهل والعجز، فهو ناقص قطعاً. وتقديم عقول الناس وآرائهم الناقصة على كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ضلال وتعسف (1) . 

. .. وهذا في جانب التشريع، أما في جانب الفهم فإن العقل يساند التشريع: شرحاً، وتطبيقاً، كما يستعان بالعقل ابتداء على رد الشكوك، وعلى مجادلة المخالفين بالتي هي أحسن. 

 

 

 

 

ويرد ابن تيمية(ت728هـ) رحمه الله على دعوى تعارض العقل والنقل المفترضة من قبل المتكلمين فيقول: (ما عُلم بصريح العقل لا يُتَصوّر أن يعارضه الشرع ألبتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط. وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يُعلم بالعقل بطلانها، بل يُعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة، فلا يصح أن يكون دليلاً لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول؟ ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات (1) العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقلُ انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته) (2) . 

فلا تعارض ألبته بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح، وإذا وجد ما يوهم التعارض، فلا يخلو الحال من ثلاثة أمور: إما أن يكون العقل غير صريح. أو يكون النقل غير صحيح. أو يكون المستدل به قد غلط في استدلاله. 

 

 

 

 

ويؤكد الإمام الشاطبي (ت790هـ) رحمه الله هذه القضية فيقول: (العقل لا يُجعل حاكماً بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع، بل الواجب أن يقدم ما حقه التقديم-وهو الشرع- ويؤخر ما حقه التأخير-وهو نظر العقل- لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل؛ لأنه خلاف المعقول والمنقول) (1) . 

فإذا وجد التعارض في الظاهر ولم يمكن الجمع بينهما فإن الشرع هم المقدم على العقل، لأن الشرع صدر عن المعصوم، بخلاف العقل فإنه عرضة للخطأ، والوهم، والنسيان، فهو ناقص قطعاً. 

وينبغي أن يُعلم أن عدم اعتمادنا على العقل في الأمور الغيبية لا يعني إلغاء العقل بالكلية، فقد أجمع المسلمون على أنه لا تكليف على صبي و لا مجنون، وأنه لابد من نظر العقل كي يحكم بالجواز لا بالاستحالة، ولذلك أمر الله بتدبر كتابه، و لا يمكن أن يتحقق هذا التدبر إلا بالعقل. 

قال ابن خلدون(ت808هـ) رحمه الله تعالى: (العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به التوحيد والآخرة وحقائق النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال) (2) . وهكذا لا يعتمد على العقل في تشريع الأحكام والأخلاق كذلك. لأنه عاجز وقاصر عن إدراك ذلك، ولهذا ضرب ابن خلدون مثالاً على هذا برجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب، فطمع أن يزن به الجبال (3) . فالعقل كميزان الذهب لا يمكن أن نزن فيه ما هو أكبر من قدرته وطاقته، وإلا كانت نتائجه غير دقيقة، وربما تعرض للتلف. 

فتبين بهذا أن العقل له حدود وطاقات لا يجوز له شرعاً وعقلاً أن يتجاوزها فإذا ما تجاوزه وقع في الزلل والخطأ. 

 

 

 

 

وبهذا يُعلم أن الأصل هو إتباع الكتاب والسنة، وأما العقل فهو تابع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولجاز للمؤمنين أن لا يقبلوا شيئاً حتى يعقلوا. 

ثم نحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله تعالى، وما تعبد الناس به من اعتقاده، من ذكر عذاب القبر، والحوض، والميزان، والصراط، وصفة الجنة والنار..إلخ، فهذه أمور لا ندرك حقائقها بعقولنا، وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها، فإذا سمعنا من أمور الدين شيئاً، وعقلناه، وفهمناه، أي حكم العقل بجوازه لا باستحالته، فلله الحمد في ذلك، ومنه التوفيق، وما لم يمكننا إدراكه وفهمه ولم تبلغه عقولنا آمنا به وصدقناه (1) . 

ومع هذا فالناس في تعاملهم مع العقل طرفان ووسط؛ طرفٌ جحدوا العقل وعطلوه. وطرفٌ عظموه وقدسوه وجعلوه حاكماً على النصوص، فإن وافق النص قُبل وإلا فلا، فإن كان نصاً قرآنياً خالف عقولهم أولوه وصرفوه عن معناه الحق، وإن كان نبوياً صحيحاً ووجدوا له مخرجاً أولوه، وإن لم يستطيعوا لذلك سبيلاً طعنوا فيه وردوه، كذا دون اعتبار للقواعد والأصول الشرعية في التعامل مع النصوص. 

المبحث الأول 

نشأة التيار العقلي في الإسلام 

من المعلوم أن البدع التي نشأت في الأمة الإسلامية لم تظهر دفعة واحدة، ولا في زمن واحد، بل ظهرت في أزمنة مختلفة، وفي أماكن متباعدة، ومن ذلك بدعة تقديم العقل على النقل التي ظهرت على يد المعتزلة في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، حيث نشطت المعتزلة في هذه الفترة، وتوسع زعماؤها في البحث والتدقيق، واطلعوا على كتب الفلاسفة التي ترجمت في عهد المأمون(198-218هـ). 

 

 

 

 

قال الشهرستاني(ت548هـ): (ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نُشِرت أيام المأمون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام) (1) . 

ولعل السبب في ولوع المعتزلة بالمناهج العقلية والفلسفية، هو كثرة الأديان والمذاهب في البلاد الإسلامية المفتوحة، من يهودية، ونصرانية، ومجوسية، وزرادشتية، وسمنية، إلى غير ذلك من الطوائف التي لا تؤمن بالنقل المتمثل في الكتاب والسنة، مما كان له الأثر في إثارة بعض المسائل البدعية، ومنها بدعة تقديم العقل على النقل، أو مناقشة أصحاب الفلسفات من الأديان الأخرى مع عدم العلم الشرعي العاصم من الانحراف، فأدى ذلك إلى التزامهم ببعض اللّوازم الباطلة أثناء الجدل معهم. 

وبعرض بعض عقائد أعلام المعتزلة يتبين لنا هذا الانحراف: 

يقول أبو الهذيل العلاف(ت235هـ): وهو من أوائل روّاد الاعتزال: (إن مقدورات الله عز وجل تفنى حتى لا يكون بعد فناء مقدوراته قادراً على شيء) (2) . نعوذ بالله من شناعة هذا القول الباطل. ثم يزعم: (أن الله عالم بلا علم، وأن علمه هو ذاته، وقادر بلا قدرة، قدرته هو ذاته) إلى غير ذلك من الصفات. ويعتبر أن الرواية ريبة والحجة في المقاييس العقلية (3) . 

يقول الشهرستاني راداً عليه هذا القول: (وإنما اقتبس هذا الرأى من الفلاسفة) (4) . 

ومن زعماء المعتزلة المعاصرين للعلاف بل وتلميذه الذي كان يفوقه في الذكاء وسعة الاطلاع (النظّام) ، (ت232هـ) الذي قال عنه الشهرستاني: (قد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة) (5) . 

 

 

 

 

ويقول عنه البغدادي(429هـ): (ثم إن النظام –مع ضلالاته التي حكيناها عنه- طعن في خيار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم، فذكر الجاحظ في كتاب المعارف، وفي كتابه المعروف بالفتيا، أنه عاب على أصحاب الحديث روايتهم أحاديث أبي هريرة، وزعم أن أبا هريرة كان أكَذب الناس، وطعن في الفاروق عمر، وعاب عثمان، وابن مسعود، حاشاهم جميعاً) (1) . 

وقد ألف الإمام ابن قتيبة(ت276هـ) رحمه الله كتابه(تأويل مختلف الحديث) للرد على تناقضهم وفساد مذهبهم العقلي، وما ترتب عليه من ردّ للأحاديث النبوية الصحيحة، وذكر أنّ النظام كذّب جملة من هذه الأحاديث، وقد أجاب عنها وردّ عليه، ثم قال ابن قتيبة في آخر الردّ عليه: (وله أقاويل في أحاديث يَدّعي عليها أنها مناقضة للكتاب، وأحاديث يستبشعها من جهة حجة العقل، وذكر أن حجة العقل قد تنسخ الأخبار) (2) . 

ثم نشطت المعتزلة فيما بعد بشتى فرقها في البحث والتدقيق، ومناقشة المسائل الخفية والجلية بالمنهج العقلي وحده، مع خلطه بمناهج الفلاسفة اليونان التي ترجمت في تلك الفترة. ... 

وقد أوتى هؤلاء بسبب غلوهم في العقل وتحكيمه في أمور العقيدة الغيبية، فأي حديث يخالف ما تقرر في أذهانهم بحكم العقل ردوه أو حرفوه، فأدى بهم ذلك إلى رد كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة والطعن في رواتها، ومن أمثلة ذلك: 

 

 

 

 

قال الشاطبي(ت790هـ رحمه الله (ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، ويدّعون أنها مخالفة للمعقول، وغير جارية على مقتضى الدليل، فيجب ردها، كالمنكرين لعذاب القبر، والصراط، والميزان، ورؤية الله عز وجل في الآخرة، وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، وأنه يقدم الذي فيه الداء، وحديث الذي أخذ أخاه بطنه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بسقيه العسل، وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول. وربما قدحوا في الرواة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم –وحاشاهم- وفيمن اتفق الأئمة على عدالتهم وإمامتهم. وقد جعلوا القول بإثبات الصراط والميزان والحوض قولاً بما لا يعقل، وذهبت طائفة منهم إلى نفي أخبار الآحاد جملة، والاقتصار على ما استحسنته عقولهم في القرآن) (1) . 

ومن أمثلة ذلك: ما رواه الخطيب بسنده عن عمرو بن عبيد وهو من روّاد المعتزلة أنه ذكر حديث الصادق المصدوق (2) ، فقال: (لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أجبته، ولو سمعت عبد الله بن مسعود يقول هذا ما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله تعالى: يقول هذا، لقلت له: (ليس على هذا أخذت ميثاقنا) (3) . 

 

 

 

 

ويقرر شيخ المعتزلة في عصره القاضي عبد الجبار المعتزلي (ت415هـ) منهجهم تجاه العقل والنقل، فيعتبر العقل هو الأصل، والنقل هو الفرع التابع له، ولا يمكن -حسب زعمه- أن يستدل بالأدلة النقلية في معظم مسائل الاعتقاد، ويعلل ذلك بقوله: (ولو استدللنا بشيء منها على الله لكنا مستدلين بفرع الشيء على أصله، وذلك لا يجوز) (1) . 

ويقول: (إذا ورد في القرآن آيات تقتضي بظاهرها التشبيه، وجب تأويلها لأن الألفاظ معرضة للاحتمال ودليل العقل بعيد عن الاحتمال) (2) . 

ويقول وهو يتحدث عن الأحاديث النبوية الشريفة وأقسامها من حيث القبول والرد: (وأما ما لا يعلم كونه صدقاً ولا كذباً، فهو كأخبار الآحاد، وما هذا سبيله يجوز العمل به إذا ورد بشرائطه، فأما ما قبوله فيما طريقه الاعتقادات فلا، إلا إذا كان موافقاً لحجج العقول، واعتقد بموجبه لا لمكانه، بل للحجة العقلية، فإن لم يكن موافقاً لها، فإن الواجب أن يرد، وأن يحكم أن النبي لم يقله، وإن قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يتأول) (3) . 

وبناء على هذا المنهج رد المعتزلة كثراً من أحاديث الآحاد الصحيحة، بل المتواترة أحياناً إذا خالفت منهج العقلي، ولهذا من يطالع كتب المعتزلة يرى أنهم لا يستدلون بالكتاب والسنة إلا فيما يؤيد ما قرروه من أدلتهم العقلية (4) . 

 

 

 

 

ومما يجدر التنبيه إليه هنا ونحن نتحدث عن نشأة التيار العقلي في الإسلام ومدى القبول المجتمع المسلم له، هو وجود الفرق الكبير بين المجتمع المسلم، وبين غيره من المجتمعات، بسبب وجود الوحي المعصوم والمتمثل في وجود الكتاب والسنة بين يدي المسلمين، فالمجتمعات الأخرى قد لا توجد لديها مشكلة الوحي، ومن ثم لم يوجد صراع بين العقل والنقل، وإنما كان العقل هو سيد الساحة وحده في الغالب. 

أما في المجتمع المسلم، فإنه هذا التيار العقلي ظهر ويظهر في جو يهيمن عليه الإيمان بالوحي الذي لا يقبل التشكيك، مما جعل من الصعب اختراق هذا الإيمان في محاولة عقلنة الفكر الإسلامي (1) . 

المبحث الثاني 

موقف السلف من أصحاب الاتجاه العقلي 

لما تسلل التيار العقلي على يد المعتزلة إلى المجتمع المسلم تنبه السلف الصالح والأئمة لخطورته، وانحرافه عن هدي الكتاب والسنة فتصدّوا له، وقاوموه أشدّ مقاومة، وحذروا الناس من شره وفساده، لأنه ينتهي بأصحابه إلى إبطال الشريعة، ونسف العقيدة الإسلامية الصحيحة. وكانوا ينهون عن مجالسة المبتدعة أو سماع كلامهم أو عرض شبهاتهم، ومن الآثار الواردة عنهم في ذلك: 

قال أبو الزناد رحمه الله (وما برح من أدركنا من أهل الفضل والفقه من خيار أوَّليَّة الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب، ويعيبون الأخذ بالعقل أشد العيب، وينهون عن لقائهم ومجالستهم، ويخبرون أنهم أهل ضلال وتحريف) . 

وقال الأصبهاني(ت535هـ) رحمه الله (إذا رأيت الرجل إذا قيل له: لم لا تكتب الحديث؟ يقول: العقل أولى، فاعلم أنه صاحب بدعة) . 

 

 

 

 

بل لقد ذهب الشافعي رحمه الله إلى أن ترك السنة والاعتراض عليها وعدم الأخذ بها نوع جنون، فقد قال رحمه الله (متى عرفتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا ولم آخذ به فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب) (1) . 

وهذا ما وقع فيه المبتدعة من أهل الكلام، وفي هذا شاهد على أن السّلف والأئمة كانوا ينهون عن مناهجهم، ويحذرون من مسالكهم الضالة، ومنها رد الأحاديث الصحيحة بحجة معارضتها للعقل. 

وقال أبو المظفر السمعاني(ت489هـ) رحمه الله (واعلم: أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول، وأما أهل السنة، قالوا: الأصل في الدين الاتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لا ستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول لجاز للمؤمنين أن لا يقبلوا شيئاً حتى يعقلوا) (2) . 

وهذا يدل على أن محور الخلاف بين السلف والمعتزلة ليس هو في ذات إعمال العقل، ودوره في فهم في النصوص الشرعية، وإنما في مسألة: أيهما المقدّم عند الاختلاف، وأيهما التابع. 

ولهذا وصف ابن تيمية رحمه الله العقل بالصنم إذا غلا فيه المرء وطغى، فقال رحمه الله (والداعون إلى تمجيد العقل، إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، ولو كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد لما أرسل الله الرسل) (3) . 

 

 

 

 

ويعني بالغلاة في التمجيد العقل: الّذين رفعوه عن منزلته الحقيقة، وجعلوه حكماً بإطلاق على النصوص الشرعية، بل جعلوه كافياً في الهداية والإرشاد. 

ويشير إلى ذلك ابن القيم بقوله: (كيف ينقدح في ذهن المؤمن أن في نصوص الوحي المنزلة من عند الله عز وجل ما يخالف العقول السليمة؟! بل كيف ينفك العقل الصريح عن ملازمة النص الصحيح؟! بل هما أخوان لا يفترقان، وصل الله بينهما في كتابه، وإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذنا بالنقل الصحيح، ورُمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحُطَّت حيث حطها الله وأصحابها، فكيف يُظن أن شريعة الله الكاملة ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعد محمد ) (1) . 

وهذه اللوازم لا تكاد تنفك عن الدعاة إلى تقديم العقل على النقل، مهما حاولوا الفرار منها، وتبريرها بمبررات واهية. وهي بلا شك لوازم باطلة. 

ولخطورة هذا التيار العقلي ألّف السلف في بيان ضرره وآثاره، والرد على أربابه المؤلفات الكثيرة، ومن أنفسهم وأجمعها كتاب درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي يُعد أعظم كتاب عقلي كتب في الإسلام، حتى قال بعض العلماء: إنه لم يكتب في تاريخ الفكر العالمي كتاب أدق وأعمق من هذا الكتاب؛ لأنه ما بقي من أنواع الفسلفات والآراء والنظريات التي يمكن أن تصعب أو يدق فهمها ولا يستطيع كل عقل أن يخوض فيها (2) ؛ إلا وتعرض لها شَيْخ الإسلام في هذا الكتاب من خلال منهج شرعي وعقلي منظم، ويبقى هذا الكتاب حجة قائمة إلى قيام الساعة. 

 

 

 

 

فأي نظرية تأتي بعدها نظريات لا تخلو عن أن يُقَالَ: إنها براهين أو قواطع عقلية، فهي من وضع عقول البشر، فهو يبين كيف أنه لا يمكن أبداً أن يتعارض الوحي الصحيح الصريح مع العقل الصحيح الصريح، ويرد على كل الأقوال التي أوردها أُولئِك النَّاس في هذا التعارض. 

ولما وضع الفخر الرازي القانون الكلي في تعارض العقل والنقل، وقد ذكره مَنْ قبله؛ لكنه ذكره كقانون في كتاب أساس التقديس، نقضه ورد عليه شيخ الإسلام في كتابه نقض التأسيس أو بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية. 

ثم يقال لهؤلاء من المعلوم عند العقلاء أن العقول البشرية متفاوتة فيما بينها، فما يعرفه عقل فلان من الناس، قد ينكره عقل آخر، وما يتصوره عقل قد يجهله آخر، إلى غير ذلك من الاختلافات، فأي عقل منها إذن هو الذي يجعل ميزاناً لمعرفة الحقائق. ثم ما فائدة الوحي المنزل مادام أن العقل قادر بنفسه على معرفة ما يجب لله، وما ينفى عنه؟ 

بل يعتبر الوحي على مذهب العقليين موبقاً للعقل، ومتعباً له، لأنه سينشغل برد بعضه، أو بصرفه عن ظاهره لمخالفته له. 

وأخيراً فإن السلف كانوا وسطاً في نظرتهم إلى العقل، فلم يلغوا دوره الحقيقي، ولم يغلوا فيه ويقحموه في مجالات غيبية،لم يكن أهلا لها، بل استخدموه فيما أذن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم ألجموه بلجام النصوص الشرعية لكيلا يطغى عليها. ويعتبرون الأدلة النقلية تفيد اليقين سواء كانت سمعية، أو سمعية عقلية، ويكتفون بها في الاستدلال، وإن أتوا بدليل عقلي ليس في النقل فإنما يأتون به للاعتضاد والاستئناس، لا للتعويل عليه وجعله هو الأساس كما يفعل العقليون. حيث جعلوا الأدلة العقلية في اصطلاحهم تفيد اليقين القاطع، ولذلك سمّوها في كتبهم بالقواطع العقلية، وتارة بالبراهين العقلية، وتارة بالحجج. أما الأدلة النقلية فقد كان موقفهم منها على العكس من ذلك تماماً (1) . 

 

 

 

 

وهذا الاعتماد على العقل أدى بهم إلى عكس النتيجة التي كانوا يرمون إليها، فهم يريدون الوصول إلى اليقين القاطع من خلال أدلتهم العقلية، فإذا بهم يجدون أنفسهم في قمة الشك والحيرة، وهذا بشهادة علمائهم وكبرائهم. 

فليت السائرين على منهجهم، المقتفين آثارهم، يتعظون بهم، وما وصلوا إليه من الانحراف والضياع، ويعيدون النظر فيما عندهم، فينقادون لشرع الله وهديه خيراً لهم إن كانوا يعقلون. 

وأخيراً فإن هذا الموقف للسلف ليس طعناً في الأدلة العقلية الصحيحة وإنما هو رد لكل ما خالف الكتاب والسنة مما يُدّعى أن العقل دل عليه وليس كذلك. 

قال ابن تيمية رحمه الله (واعلم أن أهل الحق لا يطعنون في جنس الأدلة العقلية، ولا فيما عَلِم العقل صحته، وإنما يطعنون فيما يدعى المعارض أنه يخالف الكتاب والسنّة، وليس في ذلك-ولله الحمد- دليل صحيح في نفس الأمر، ولا دليل مقبول عند عامة العقلاء، ولا دليل لم يقدح فيه بالعقل) (1) . 

ولهذا استدل السلف ببعض الأقيسة العقلية في بعض مسائل العقيدة كما هو مبسوط في موضعه. 

المبحث الثالث 

أثر التيار العقلي في حياة المسلمين المعاصرة 

المتأمل في أقوال وكتبات أرباب التيار العقلي المعاصر -أو من يسمّون بالعقليين الجدد، أو المعتزلة الجدد (2) - يجد أنهم قد تأثروا بأسلافهم المعتزلة في التعامل مع نصوص الوحي فردّوها بالعقل أو حرفوها، وساروا على منوالهم حذو القذة بالقذة. 

 

 

 

 

يقول فاروق الدملوجي: (والحقيقة أن رجال المعتزلة باستثناء المغالين منهم والمفرّطين والمغرضين والضالين كانوا أحراراً في آرائهم وفي تأويلاتهم، فلم يقفوا عند حدّ، ولم يردعهم قيد، وحكّموا العقل في جميع القضايا، وأولوا المنقولات كافة حسبما يقتضيه الزمن والحال، فقالوا: كلمتهم المشهورة: إذا تعارض العقل والنقل وجب التأويل لما يقتضيه العقل) (1) . 

وحيث إنّ لكل قوم وارثاً، فقد ورث هؤلاء هذا الفكر المنحرف الذي أضر بالإسلام والمسلمين. وفي هذا رد على من يظنّ من أبناء المسلمين أن أفكار المعتزلة قد عفى عليها الدهر، واندثرت في أعماق التاريخ، وهذا ظن لا حقيقة له، فالواقع يخالفه. بل إن هؤلاء الذين تتلمذوا على كتب المعتزلة قد زادوا على أسلافهم فأتوا بالطوام والعجائب. 

ولهذا يعتبر أصحاب هذا التيار انتصار مذهب أهل السلف على المعتزلة في عصر المتوكل سبباً من أسباب ركود الحركة الفلسفية في العالم الإسلامي (2) . 

والذي بهمنا هنا بيان أثر هذا التيار في حياة المسلمين المعاصرة، حيث أصبح عائقاً للتقدم في حياة المسلمين المعاصرة، وذلك من خلال المحاولات العديدة لأصحابه -عن قصد أو عن غير قصد- لتشكيك الأمة في دينها وعقيدتها، ومصادر شريعتها وعقيدتها، والتهوين من قدسية النصوص الشرعية، وجعل العقل هو الحاكم على نصوص الشرع دون اعتبار للقواعد الشرعية، والهمز واللمز تارة لحملة الدين من الصحابة والمحدثين، أو بالطعن والسب تارة. ولا شك أن هذا التشكيك قد أثّر في حياة المسلمين وفي نظرتهم لدينهم، وخاصة أنصاف المتعلمين والعوام. 

 

 

 

 

ومما ينبغي التنبه له أن أصحاب هذا التيار ليسوا على درجة واحدة في الضلال والغواية، بل منهم المنحرف الشديد الانحراف، ومنهم الأقرب للاعتدال، ومنهم من هو بين ذلك، ومنهم أتباع بعض الفرق، والقوميين، والاشتراكيين، والرأسماليين، والانتهازيين، والنفعيين، بل ربما اغتر بهم بعض طلاب العلم والمشايخ وأساتذة الجامعات والمفكرين والمثقفين (1) وهذا لا يمنع من بيان الحق، والنصح لأمة، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. 

ونحن لا يهمنا هنا المخالفات الفردية التي يسلكها رجال هذا التيار العقلي، بقدر ما يهمنا بيان الاتجاه العام لهذا الفكر المنحرف، الذي أخذ من الكتاب والسنة ما يوافق الهوى، ورد ما سواه. 

السمات العامة لأرباب هذا التيار. 

1- الغلو في تحكيم العقل، وتقديمه على النصوص الشرعية. 

2- تفسير الإسلام في عقيدته وأصوله تفسيراً عقلانياً مادياً أو فكرياً، دون اعتبار لمفاهيم النصوص ومنهج السلف في التلقي والاستدلال. 

3- رد الأحاديث التي لا يمكن تأويلها، متواتر أو آحاد، في الصحيحين أو في غيرهما. وعدم قبول أخبار الآحاد في باب العقائد. 

4- الطعن في الصحابة والتابعين وخصوصاً رواة الأحاديث. 

5- إنكار المعجزات، وكثير من الغيبيات؛ كالملائكة والجن والسحر. وهذا أمر طبعي لمن قدم العقل على النقل. 

6- الدعوة إلى تقارب ووحدة الأديان. 

7- الدعوة إلى القومية. ... 

8- اضطرابهم في مفهوم الولاء والبراء. 

9- محاولة تجديد الدين وتنحية الشريعة. 

10- تمجيد الشخصيات المنحرفة. 

هذا أبرز السمات العامة لأرباب هذا التيار، مع العلم بأن هناك من العلماء والدعاة الكبار والمفكرين من قد يقع في شيء منها، عن غير قصد، وقد يكون ذلك نتيجة وآثر لتغلغل هذا لتيار في حياة المسلمين المعاصرة. 

فمن تلك الآثار: 

 

 

 

 

1- الغلو في العقل وتمجيده، وتقديمه على النصوص الشرعية. 

المتأمل في أقوال أصحاب التيار العقلي يجد أنهم قد حكّموا العقل أكثر من تحكيمهم للشرع، بل جعلوا الأدلة العقلية مقدمة على الأدلة الشرعية، فكذبّوا بكل ما لا يتوافق مع عقولهم من أمور الشرع، وما لا يستطعون تكذيبه فإنهم يتسلطون عليه بالتحريف والتأويل، حتى تتفق لهم أصولهم ومبادئهم المتناقضة عقلاً وشرعاً. 

قال الإمام محمد عبده (ت1323هـ) رحمه الله (اتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا ينظر إليه! على أنه إذا تعارض العقل والنقل أُخِذ بما دل عليه العقل) (1) . 

ولا ندري ماذا يعني بأهل الملة الإسلامية؟ ومن هؤلاء القليل؟ ومن الذي حكى هذا الاتفاق؟ وكيف يقال ذلك وكتب السلف والأئمة مليئة بالتحذير من مسلك المعتزلة الذين يقدمون العقل على النقل عند التعارض. 

وقال السيد محمد رشيد رضا(1354هـ) رحمه الله (ذَكَرْنا في المنار غير مرة أن الذي عليه المسلمون من أهل السنة (2) وغيرهم من الفرق المعتد بإسلامهم أن الدليل العقلي القطعي إذا جاء في ظاهر الشرع ما يخالفه فالعمل بالدليل القطعي متعين، ولنا في النقل التأويل أو التفويض، وهذه المسألة مذكورة في كتب العقائد التي تدرس في الأزهر وغيره من المدارس الإسلامية في كل الأقطار كقول الجوهرة: 

وكل نص أوهم التشبيها * أوِّلْه أو فوض ورم تنزيها) (3) . 

فهو يقرر-عفا الله عنه- أنه عند التعارض يُقدم الدليل العقلي على ظاهر الشرع، وهذا خلاف منهج السف كما تقدم. وترتب عليه فتح الباب على مصراعيه لمن شاء أن يقول في كتاب الله ما شاء. 

 

 

 

 

ويقول حسن حنفي: (إن العقل هو أساس النقل، وأن كل ما عارض العقل فإنه يعارض النقل، وكل ما وافق العقل فإنه يوافق النقل، ظهر ذلك عند المعتزلة والفلاسفة) . ثم قال: (لقد احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص) (1) . 

وبطلان هذا القول يغني عن إبطاله. فحقيقته نسف لدين الإسلام من أساسه. وتمجيد لأقوال المعتزلة والفلاسفة، وهذا يبيّن بجلاء المنهج الذي سلكه أرباب التيار العقلي المعاصر يتبعاً لأسلافهم المعتزلة، فلم يأتوا جديد، وإنما هو ترداد لمنهج وأقوال المعتزلة والفلاسفة. 

ويقول الدكتور محمد عمارة: (إن كون الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع السماوية البشرية، إنما يعني بلوغ البشرية سن الرشد، بما يعنيه سن الرشد من رفع وصاية السماء عن البشر، فلم تعد صورة البشر هي صورة الخراف الضالة التي لا غنى لها عن النبي يتلوه النبي كي يصحح لها المسار!) (2) . 

سبحان الله ! كيف رفعت الوصاية وفينا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهل أصبح البشر اليوم في غنى عن هدي الأنبياء؟! وماذا سيكون الحال لو نبذنا شرع الله وراءنا ظهرياً؟! 

وبسب هذا المنهج حرّفوا النصوص القرآنية التي تخالف المعقول – زعموا- بما يتلاءم مع العقل. وحرّفوا الأحاديث النبوية الصحيحة، أو ردوها بتضعيفها، أو الطعن في رواتها، أو وصمها بأخبار آحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد!. والأعراض عن تفسير الصحابة لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم 

 

 

 

 

وفي هذا إلغاء للحكمة من إنزال الوحي، فلو أن الله سبحانه وتعالى جعل المعيار -كما يقولون- هو العقل، فإن الناس حينئذ يستطيعون أن يصلوا إلى العقيدة الصحيحة والعلم اليقيني بعقولهم وآرائهم، ولكان إنزال الوحي نقمةً وابتلاءً، ولم يكن خيراً ولا مصلحةً ولا رحمة، وإذا كنا نستطيع أن نصل إلى الحق عن طريق العقول والآراء والأفكار والمناهج الوضعية والمذاهب البشرية، وكلام الفلاسفة، فما فائدة الوحي قرآناً أو سنةً ونحن نستطيع أن نعرف الحق بغيرهما؟! وما الفائدة من إنزال القرآن ونحن نجد أن ما في هذا القرآن يعارض ما يقوله الناس وما يقرونه بعقولهم؟! فاشتغال الناس بتأويل القرآن ليوافق ما لديهم من الحق الذي عرفوه إنما هو ضياع وقت، وإن اشتغلوا بإبطال ما جاء به هذا الوحي، فهي أيضاً مشغلة ونقمة وابتلاء، ومعنى هذا: أن الوحي ليس له قيمة ولا فائدة، وهذا عكس ما تجمع عليه جميع الفطر السليمة والعقول القويمة من أن الوحي نور وهداية، ولهذا وصف الله القرآن بأنه: نور، وشفاء، وروح، ووصفه بالهداية والصراط المستقيم، كما فسره السلف. 

وبسبب هذا التيار جُندت أقلام بعض ممتهني الصحافة أو الكتابة، عبر الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية لتقرير هذا التيار والدفاع عنه، فراحوا يخوضون في النصوص الشرعية بغير علم، فعرضوا الحدود والجنايات على العقل، وعرضوا الولاء والبراء في الإسلام على العقل، وعرضوا بعض المسلمات في قضايا المرأة المسلمة وشؤونها على العقل. 

2- إنكار الغيبيات. 

الإيمان بالغيب هو محك التمييز بين المسلم والكافر، فإنكاره إبطال للشريعة، وتعطيل للأوامر والنواهي. وتكذيبٌ للرسل والشك فيما أتوا به. 

وبسبب هذا التيار العقلي وقع الشك والحيرة في الدين. 

 

يقول الدكتور حسن حنفي: (يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر كل الجانب الغيبي في الدين، ويكون مسلماً حقاً في سلوكه) (1) . 

وهل يخفي عليه أن الإيمان بالغيب ركن من أركان الإيمان، بل هو أول وصف وصف الله به المتقين في كتابه، في قوله تعالى: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } . [سورة البقرة: 2-3] . 

نعم قد يكون كلام حسن حنفي صحيحاً في حق المنافق، الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، فنحكم عليه في الطاهر بالإسلام لسلوكه وأخلاقه، ولكنه ليس بمسلم حقاً. 

بل يقرر ما هو أخطر وأدهى من ذلك فيقول: (ألفاظ الجن والملائكة والشياطين، بل والخلق والبعث والقيامة، ألفاظ تتجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها، لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها كل الناس) (2) . 

وهذه نتيجة حتمية لكل من حكّم عقله القاصر في الغيبيات، فماذا يبقى له من الدين؟ إلا السلوك الظاهر. ثم هذه الشبهة هي حجة وشبهة الملاحدة منكري البعث في كل زمان. 

3) الدعوة إلى تطوير الدين وتجديده. 

حيث دعا أرباب هذا التيار إلى التجديد والنظر في الإسلام-حسب مقتضيات العصر الحديث- عقائدياً، وفكرياً، وتشريعياً، إما بدعوى أن الإسلام يتطور كسائر الأنشطة البشرية، أو لمسايرة الفكر الغربي والحياة الغربية. 

 

 

 

 

وحقيقة هذه الدعوة تبديل الدين وتغيير أحكام الشريعة الربانية. وذلك تبعاً للتجديد المستمر الذي ينادون به، وفتح الباب لكل عقل بأن يقول في دين الله ما شاء. ولتحقيق هذه الدعوة نادوا بتفسير بعض القضايا الإسلامية تفسيراً عقلانينا، وحاولوا إخضاع القرآن والسنة للمقاييس المادية حتى تتلاءم مع منهج وقيم الحضارة الغربية التي يرونها المقياس الوحيد لكل نهوض وتقدم (1) . 

وكان الأولى بهؤلاء أن يخضعوا العقل والحضارة الغربية للدِّين، لا العكس. 

4) الدعوة إلى وحدة الأديان. 

يقول جمال الدين الأفغاني: (إن الأديان الثلاثة الموسوية والعيسوية والمحمدية، على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية، وإذا نقص في الواحد شيء من أوامر الخير المطلق، استكملته الثانية،.. وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير: أن يتحد أهل الأديان الثلاثة، مثلما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها، وبهذا الاتحاد يكون البشر قد خطوا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة) (2) . 

وهذا فيه تجاهل للتحريف الذي وقع في اليهودية والنصرانية، وتجاهل لكون الإسلام ناسخ للأديان السابقة. نعم ديننا يدعو إلى السلام، وحسن التعامل، والعدل، ونصرة المظلوم، ولكنّ هذا لا يعني الدعوة إلى وحدة الأديان، والاعتراف بالكفر والشرك وإقراره. 

وكتب محمد عبده إلى القس إسحاق طيلر يقول: (كتابي إلى الملهم بالحق الناطق بالصدق حضرة القس المحترم إسحاق طيلر أيده الله في مقصده ووفاه المذخور من موعده !!) . وهذه مبالغة لا تقبل من داعية للإصلاح!! 

 

 

 

 

إلى أن قال: (وإنا لنهنئك على هذه البركة العظمى التي اختصك الله بها من بين قومك، ونستبشر بقرب الوقت الذي يسطع فيه نور العرفان الكامل فتهزم له ظلمات الغفلة، فتصبح الملتان العظيمتان المسيحية والإسلام وقد تعرفت كل منهما إلى الأخرى، وتصافحتا مصافحة الوداد، وتعانقتا معانقة الألفة، فتغمد عند ذلك سيوف الحرب التي طالما انزعجت لها أرواح الملتين) . والدعوة إلى السّلام حق، ولكن لا يكون ذلك على حساب الدعوة إلى وحدة الأديان. 

ويقول-أيضاً-: (وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة، وصحفاً متصادقة يدرسها أبناء الملتين ويوقرها أرباب الدينين، فيتم نور الله في أرضه، ويظهر دينه الحق على الدين كله) (1) . 

وهذا يصدق على التوراة والإنجيل قبل التحريف والنسخ، أما بعد التحريف والنسخ، فمحال ذلك. ومن رامه فقد رام مستحيلاً، ولم يعرف حقيقة الإسلام. 

ويقول عبد العزيز كامل: (ونحن في منطقة الشرق الأوسط، نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى، وأقوالنا واضحة، يستوي في هذا: الإسلام والمسيحية واليهودية، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفرك المسيحي يختم بإله واحد. هذه منطقة توحيد، والصور تختلف، وتفسيرها الفلسفي يختلف) (2) . 

فإذا كانت الصور تختلف، وتفسيرها يختلف، فأين التوحيد الخالص الذي دعا إليه أنبياء الله؟!! أليس هذا خلط بين الحق والباطل. وكما ذكرت سابقاً فرق بين الدعوة إلى التسامح والحوار، وبين الدعوة إلى وحدة الأديان. 

ويقول الدكتور محمد عمارة: (والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب، ليست من الخطر، بحيث تخرج الكتابيين من إطار الإيمان، والتدين بالدين الإلهي!) (3) . 

 

 

 

 

وماذا سيقول الدكتور محمد عمارة عن الآيات التي تنص صراحة على كفر اليهود والنصارى!! 

ولا شك أن هذه الدعوة مخالفة للمسلّمات والثوابت الشرعية، فالدعوة إلى وحدة الأديان تضاد عقيدة الولاء والبراء، التي قررتها الشريعة. وهي في حقيقتها تذويب للأديان وامتصاص لعداوتها لليهودية والنصرانية، وحينما يتم التقريب بين الأديان فإن العلمانية – حتماً – هي النتيجة، وحينئذ يسهل القضاء عليها لتزول الأديان كلها، وتتحقق أهداف الماسونية بل أهداف الصهيونية (1) . 

وفيه إبطال أن يكون القرآن الكريم حاكماً على الكتب السابقة. وإبطال أن تكون شريعة الإسلام خاتمة الشرائع. وإبطال أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. 

5- رد السنة النبوية. 

السنة النبوية هي المصدر الثاني للعقيدة والشريعة، وقد دلت نصوص الكتاب على حجّيتها، كقوله تعالى: { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [سورة الحشر:7] . ولكن أرباب التيار العقلي، ردوا نصوصاً كثيرة من السّنة النبوية الصحيحة، بزعمهم أنها أخبار آحاد لا تقبل في العقائد، وما لم يستطيعوا رده فإنهم يسلطون عليه بالتحريف، فنتج عن ذلك إنكار كثير من المغيبات. 

بقول الدكتور محمد عمارة: (نحن نطالب أصحاب هذه الموجة التي جعلت حديث الآحاد هو كل شيء وتركت القرآن وراء ظهرها أن تعود إلى تحكيم العقل والتريث والاهتمام بالقرآن أولاً، وهو النص اليقيني ثم بالمتواتر من الحديث كله لأنه نص قطعي، ثم بعد ذلك بحديث الآحاد في بعض الأعمال وليس في نطاق التشريعات لأنه ظني) (2) . 

 

 

 

 

وهذا فيه تحجيم للعمل والاستدلال بخبر الآحاد-ومن المعلوم أن أكثر الأحاديث النبوية، هي أحاديث آحاد كما يعرف ذلك أصحاب الحديث، فإذا كنا لا نستدل بحديث الآحاد إلا في بعض الأعمال وليس في نطاق التشريع، فما يبقى لنا من الأحاديث، وما الدليل من الكتاب والسنة وفعل الصحابة على هذا التفريق، أليس في هذا إبطال للعمل بآلاف الأحاديث النبوية الصحيحة المروية في الصحيحين وغيرهما، والسبب في ردها شبهة المعتزلة ومن قال بقولهم، أنها ظنية. 

ونتيجة لهذا المنهج ردوا كثيراً من الأحاديث النبوية الصحيحة، مثل: حديث نزول عيس عليه السلام في آخر الزمان، وأحاديث الدجال والجسّاسة، وحديث موسى عليه السلام وملك الموت، وحديث عدم مس الشيطان لعيسى بن مريم وأمه، وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإخراج حظ الشيطان منه، وحديث إسلام قرين النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث المعراج، وحديث وقوع الذباب في الإناء، وحديث إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة، وحديث تحاجت الجنة والنار، وغيرها (1) . 

وقد تأثر عدد من أبناء المسلمين الذين قلت بضاعتهم وثقافتهم من علم الكتاب والسنة، فوقعوا فريسة لهذا المنهج الخاطئ المنحرف عن جادة الصواب. 

وبارك المستشرقون هذا الموقف، ومجّدوه لأنه يخدم وجهتهم في إبطال الاستدلال بالسنة النبوية (2) . 

6) العداوة للحق وأهله، وتمجيد الشخصيات المنحرفة. 

 

 

 

 

بسبب هذا المنهج، وبسبب إعراضهم عن الوحي، وإتباع العقول المتضاربة والمختلفة، التبس على هؤلاء الحق بالباطل، فظنوا أنّ ما هم عليه هو الحق، وأنّ ما عليه سلف الأمة وأئمتها باطل، ولذلك عادوا السنة وأهلها، ورموهم بالأقوال الشنيعة (1) . ووصفوا كتبهم بالأوصاف المنفرة منها، بل حذروا من قراءتها (2) . 

مما يميّز أرباب هذا التيار الجرأة على إثارة الشبهات والآراء الشاذة في العقيدة، وإحياء الفرق المنحرفة ونشرها بين المسلمين، وتمجيدها والدعاية لها، بدعوى التسامح الديني، وحرية الفكر والاعتقاد، وهذه هي شبهة الشيطان. (3) 

7) استغلال بعض المغرضين هذا التيار للطعن في الإسلام ومصادره. 

لقد أصبح هذا التيار خير معين لأعداء الإسلام، فلا يبعد أن يكون الحرص على نشر التيار العقلي في العالم الإسلامي، ونشر كتابات العقليين في وسائل الإعلام المختلفة من مكائد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، لأنهم يعلمون كثرة النصوص القرآنية والنبوية الفاضحة لهم ولمخططاتهم عبر التاريخ، الكاشفة لشخصياتهم المنحرفة، المحذرة للمسلمين منهم. 

وحيث إنّ هذه النصوص هي بين أيدي المسلمين صباح مساء فلا سبيل إلى صرفهم عنها إلا بإحلال العقلانية بدلاً منها، لأن هذه العقلانية لا تحتكم إلى نص مقدّس فعند ذلك يسهل تعامل يهود معها في المستقبل، حيث لا ثوابت ولا أصول. فما كان حراماً اليوم يكون حلالاً غداً بمباركة هؤلاء العقليين! 

 

 

 

 

ومن ذلك: الموقف من اليهود وأسلوب التعامل معهم، فبعدما كان (النص) الإسلامي يحشد نفوس المسلمين لمواجهة (أشد الناس عداوة للذين آمنوا) ، سيأتي العقل (المزعوم) ويتجاوز تلكم النصوص كلها مقدماً ما يراه مصلحة عليها؛ من التسامح معهم، ونبذ العداوة والبراءة تجاههم. إضافة إلى أنهم بواسطة العقلانية يتساوون مع البشر الآخرين الذين كانوا يحتقرونهم ويزدرونهم لسوء مسلكهم. 

يقول الأستاذ عبد السلام بسيوني في بحثه حول العقلانية: (( وإنني بالبحث لم يخامرني دهشٌ ولا عجب حين قرأت أن بذور الدعوة العقلانية بذور يهودية، يبرر سارتر الوجودي اليهودي نشرها في العالمين (بأن البشر ما داموا يؤمنون بالدين فسيظل يقع على اليهود تمييز مجحف، على اعتبار أنهم يهود، أما إذا زال الدين من الأرض وتعامل الناس بعقولهم، فعقل اليهودي كعقل غير اليهودي. ولن يقع عليهم التمييز المجحف )) (1) 

ويقول سارتر اليهودي – أيضاً: (( إن اليهود متهمون بتهم ثلاث كبرى هي: عبادة الذهب، وتعرية الجسم البشري، ونشر العقلانية المضادة للإلهام الديني )) (2) 

ثم إن بعض المغرضين قد استغل هذا التيار للطعن من خلاله في الدين ومصادره، وهذا ما جعل التيار الليبرالي يتبنى أرباب هذا الاتجاه ويفسح المجال لهم في كثير من منابره الثقافيّة والإعلاميّة. 

 

 

 

 

ثم إن الأفكار التي ينادي بها أصحاب هذا التيار، خدمت المستشرقين خدمة جليلة، ولا عجب فكثيرٌ منهم تتلمذ علي أيدي المستشرقين ونهل من شبهاتهم وأهوائهم؛ بل وتفوَّق عليهم في عرضها وبثها بين المسلمين. ولقد أدرك المستشرقون أن الشبهة من قبلهم مردودة، ولكن إن كانت بلسان مسلم وببنانه فإن الأمر يختلف، ولذا لا تعجب إذا رأيت الدعم الغربي الكبير لأولئك، سواء كان دعماً مادياً أو معنوياً، أو تسخير وسائل الإعلام لهم. 

إن هذا التيار من أعظم أسباب تردي الأمة الإسلامية، وضعفها، وذلك بسبب ما نشروه من أفكار مضللة هدامة، أصابت أمة الإسلام والمسلمين في مقتل. ولو كان الاختلاف مع هؤلاء في مسائل الفروع أو في مسائل الأصول التي كان فيها نزاع بين السلف، وكان خلافاً ناتجاً عن بحث واجتهاد وتحقيق وإتباع للأثر، لكان لهم منا العذر، ولكن أعرضوا عن هذا كله وخاضوا في الأصول المجمع عليها والمعلومة من الدين بالضرورة، وقدموا المعقول على المنقول، وتكلموا في ذات الله وفي أسمائه وصفاته بغير علم. 

المبحث الرابع 

أولى الناس بالعقل الصريح السليم 

هناك اتهام باطل موجه إلى السَّلف من قبل أصحاب التيار العقلي، يزعمون أن متبعي النصوص الشرعية هم أصحاب جمود فكري بسبب تمسكهم بالكتاب والسّنة، وأنهم لا يستخدمون عقولهم بل يبخسون العقل حقّه، فلا يستخدمونه في أيٍ من نواحي الحياة، وفي هذا تشويه لأصحاب المنهج السلفي الذي كانوا وسطاً في نظرتهم إلى العقل، فلم يُلغوا دوره كما فعل غيرهم من الجامدين، ولم يغلوا فيه ويقحموه في مجالات مغيّبة لم يكن أهلاً لها كما فعل العقليون. بل استخدموه فيما أذن به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم ألجموه بلجام النصوص الشرعية لكي لا يطغى عليها. 

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن العجب: أَنَّ أَهل الكلام يزْعمون أَنَّ أَهل الحديث والسُّنَّة أَهلُ تقليد ليسوا أَهل نظر واستدلال، وأَنَّهم ينكرون حجَّة العقل. وربَّما حُكي إنكار النّظر عن بعض أَئِمَّة السُّنَّة، وهذا ممَّا يُنْكرونه علَيهم. فيُقال لَهم: ليس هذا بحقِّ. فإِنَّ أَهل السُّنَّة والحديث لا يُنكرُون ما جاء به القُرْآن، هذا أَصلٌ مُتَّفَق عليه بينهم. واللَّه قد أَمر بالنَّظر والاعتبار والتَّفَكُّر والتَّدَبُّر في غير آيةٍ، ولا يُعرف عن أَحد من سلف الأمَّة ولا أَئمَّة السُّنَّة وعلمائها أَنَّهُ أَنكر ذلك، بل كلُّهم متَّفقون على الأمر بما جاءت به الشَّريعة من النَّظر والتَّفكُّر والاعتِبار والتَّدَبُّر وغير ذلك) (1) . 

ومما يدل على بطلان هذه الشبهة أن الله عز وجل قد ضمّن كتابه العزيز من الأدلة العقلية والحجج البيّنة التي تحث العقل على النظر والتفكر. 

ثم إنّ من تدبّر عامّة ما يذكره أهل الكلام والفلسفة، من الأدلة العقلية يجد أن دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصتها الصافية عن الكدر، وبل تأتي بأشياء لم يهتدوا لها، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها (2) . 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (فقد تبّين أن ما عند أئمة النظار أهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الإلهية، فقد جاء القرآن الكريم بما فيها من الحق، وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء، فإن خطأهم فيها كثير جداً، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم، وجهلهم أكثر من علمهم) (3) . 

ما يتميّز به العقل السليم. 

 

 

 

 

ومما يجلّي الأمر وضوحاً هو بيان ما يتميّز به العقل السليم الذي وصف الله به المؤمنين، فالكفار قد وصفهم القرآن بأنهم لا يعقلون مع أن فيهم عباقرة مبتكرون، والسبب في ذلك: أن عقولهم معاندة للحق بعد أن عرفوه، والعقل المعاند كالعقل العدمي. 

قال تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } . [آل عمران: 190،191] . 

والألباب: جمع لُبٍّ، وهو العقل، وأولو الألباب هم أصحاب العقول، وذلك لأن الأصل في الإنسان هو العقل الذي هو لُبّه، وإنسان بلا عقل قشور بلا لب (1) . 

والعقل السليم هو الذي يمنع صاحبه عمّا لا يليق، عالماً بما يسعده وينفعه في دنياه وأخراه. ولهذا فالمؤمنون حقاً هم أصحاب العقول السليمة، وأما فغيرهم فقد قال الله تعالى في وصفهم: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } . [الأنفال: 22-23] . 

وقال تعالى في وصف اليهود: { لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } . [الحشر: 14] . 

وقال تعالى: { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } [المائدة: 58] . 

 

 

 

 

بل هم أنفسهم يعترفون بهذا يوم القيامة، قال تعالى: { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ } . [الملك: 10، 11] . 

وهكذا فإنّ كل إنسان يتصرف تصرفاً سيئاً ليس بعاقل، فأولو الألباب هم أصحاب العقول السليمة الواعية. الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض. 

وحاصل الأمر أن السلف الصالح رحمهم الله قد استعملوا الأقيسة والدلائل العقلية، ولم ينكروها بإطلاق، وإنما أنكروا ما كان منها فاسدًا مما يخالف الشرع، ويُعلم فساده، مما يتذرع به من يبطل بعض النصوص الشرعية، أو يحرّفها بحجة أنها تخالف القواطع العقلية، وهي في الحقيقة خيالات، وأوهام وشهوات. 

ولهذا فإنّ تسمية هؤلاء بالعقليين فيه نوع تمجيد لهم، لأن الله امتدح أهل العقول الذين يتفكرون في ملكوت السموات والأرض، ويتّعظون بأحوال من سبقهم من الأمم، ويطيعون ربهم ورسولهم وينقادون لشرع خالقهم، و لا يقدمون عقولهم على كلام ربهم وكلام نبيهم. وهذا الوصف لا ينطبق تماماً على أصحاب التيار العقلي، ولذا فإن الأولى وصفهم بما وصفهم به السلف (أهل الأهواء) ، فهو أصدق وصف ينطبق عليهم، فهم إنما يتبعون أهواءهم. 

ثم نقول لأصحاب هذا التيار العقلي: إن أردتم إقحام العقول في تقسيم الشرع إلى مقبول ومردود، فعقل مَن مِن البشر نحكّم؟ أهو عقل زيد أم عقل عمرو؟ أعقل رجل أم عقل امرأة؟ أعقل متّزن أم عقل صاحب هوى؟! ... 

ورحم الله الإمام مالك حيث قال: (أَو كلَّما جاءنا رجل أَجدلُ من رجُلٍ تركنا ما جاء بِهِ جبريل إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء) (1) . ... 

 

 

 

 

ويعني رحمه الله أنه لو كان الدّين بالجدل والمراء وآراء الرجال، لكان كلما جاءنا رجل أجدل من الآخر، تركنا ما أنزل الله تعالى، وما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لكلامه، ثم يأتي من هو أجدل منه، فنترك –أيضاً- كلام من قبله لكلامه، وهكذا، وهذا هو واقع الحال عند هؤلاء العقليين ممن تركوا الكتاب والسنة وراءهم ظهرياً. 

فالواجب على كل مسلم يريد النجاة لنفسه أن يحذر من الأهواء والبدع ومزالق العقول، وأن يحرص على اتباع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يتمسك به ويعضّ عليه بالنواجذ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. ... 

الخاتمة 

1. إن إحياء التراث الإسلامي –الذي يتضمن الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية والشريعة والأخلاق – ضرورة ملحة في هذا العصر، الذي بدأت فيه اليقظة الإسلامية تظهر في شتى أنحاء العالم الإسلامي في شتى المجالات بحمد الله. 

2. إن منهج السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- في تلقي العقيدة الإسلامية وفهمها، هو المنهج الصحيح الذي يجب تقديمه للأمة الإسلامية اليوم، حتى تصبح بحق أمة مسلمة تستحق نصر الله ورضوانه. وهذا المنهج يتمثل في اتباع الكتاب والسنة في كل مسألة من مسائل العقيدة، وعدم رد شيء منهما أو تحريفه، والالتزام بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الخوض في أمور العقيدة مما لا مجال فيه للعقل البشري من أمور الغيب. ثم الحرص على وحدة المسلمين وجمع كلمتهم على الحق. 

3. لم يحدث الانحراف في الأمة إلا عندما انحرفت عن المنهج الصحيح لتلقي العقيدة والاستدلال عليها، فأعرضت عن وحي الله عز وجل إلى مناهجَ بشرية، بعضها من مخلفات الوثنيات، وبعضها من نتاج العقول المنحرفة عن دين الله، التي فرّقت الأمة المسلمة إلى طوائف ومذاهب لكل منها منهجه وطريقته. 

 

4. أن التيار العقلي وإن كان له قبول في الغرب بسبب عدم وجود الوحي المعصوم، إلا أن هذا التيار لا قبول له ولا مبرر له في العالم الإسلامي لوجود الإيمان اليقيني بالوحي المعصوم، ولهذا منيت أطروحات العقليين بالفشل الذريع بين الحين والآخر. 

5. لقد أصبح التيار العقلي معول هدم في حياة المسلمين المعاصرة يجتث الأصول والثوابت، وذلك من خلال المحاولات العديدة لأصحابه -عن قصد أو عن غير قصد- تشكيك الأمة في دينها وعقيدتها، ومصادر شريعتها وعقيدتها، والتهوين من قدسية النصوص الشرعية، وجعل العقل هو الحاكم على نصوص الشرع دون اعتبار للقواعد الشرعية، والهمز واللمز تارة لحملة الدين من الصحابة والمحدثين، أو بالطعن والسب تارة. ولا شك أن هذا التشكيك قد أثّر في حياة المسلمين وفي نظرتهم لدينهم، وخاصة أنصاف المتعلمين والعوام منهم. 

6. إن بعض المغرضين قد استغل هذا التيار للطعن من خلاله في الدين ومصادره، ولذا فالأفكار التي ينادي بها أصحاب هذا التيار، قد خدمت المستشرقين خدمة جليلة، ولا عجب فكثيرٌ منهم تتلمذ علي أيدي المستشرقين ونهل من شبهاتهم وأهوائهم؛ بل وتفوق عليهم في عرضها وبثها بين الناس. 

7. إن السلف الصالح رحمهم الله قد استعملوا الأقيسة والدلائل العقلية، ولم ينكروها بإطلاق، وإنما أنكروا ما كان منها فاسدًا مما يخالف الشرع، ويُعلم فساده، مما يتذرع به من يبطل بعض النصوص الشرعية، أو يحرّفها بحجة أنها تخالف القواطع العقلية، وهي في الحقيقة خيالات، وأوهام وشهوات. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ... 

فهرس المراجع 

1. الاتجاهات العقلانية الحديثة، للدكتور ناصر العقل، دار الفضيلة، الرياض، الأولى 1422هـ، 2001م. 

2. اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر في مصر، د. محمد الجمال، دار عالم الكتب، الرياض، 1414هـ، الطبعة الأولى. 

 

3. الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين، دار الإرشاد، والمكتب الإسلامي، بيروت، ودار الرسالة بمكة المكرمة، الطبعة التاسعة، 1413هـ. 

4. الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، محمد عبده، الطبعة السابعة، دار المنار، 1367هـ. 

5. الاعتصام، إبراهيم الشاطبي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر. طبعة 1406هـ، 1986م. 

6. الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، جمع محمد عمارة. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1981م. 

7. الأعمال الكاملة لمحمد عبده، جمع: محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976م. 

8. بحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة، تأليف: ناصر العقل، دار العاصمة، الرياض، الثانية، 1419هـ، 1998م. 

9. تاريخ بغداد للبغدادي،(12/172)، دار الكتب العلمية، بيروت. 

10. تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، محمد رشيد رضا، طبعة المنار، مصر، 1350هـ. 

11. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق محمد محيي الدين الأصفر، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ. 

12. التراث والتجديد، حسن حنفي، القاهرة، 1980م. 

13. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، دار السلام، الرياض، ودار الفيحاء، دمشق. الطبعة الأولى، 1414هـ. 

14. الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، لأبي القاسم الأصبهاني، تحقيق ودراسة/محمد المدخلي، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى، 1411هـ. 

15. درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام، الأولى، 1401هـ. 

16. رسائل ودراسات في الأهواء والافتراق والبدع، للدكتور ناصر العقل، دار الوطن، الرياض، الطبعة الثانية، 1423هـ. 

17. السلفية وقضايا العصر، عبد الرحمن الزنيدي، دار إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ. 

18. شبهات النصارى وحجج الإسلام، تأليف:محمد رشيد رضا، الطبعة الثانية، دار المنار، 1367هـ. 

 

19. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، تحقيق/ أحمد سعد حمدان، دار طيبة للنشر، الرياض، الطبعة التاسعة 1426هـ. 

20. شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار المعتزلي، تحقيق: د. عبدالكريم عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى: 1384هـ/1965م. 

21. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1408هـ. 

22. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، تحقيق: على الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، الأولى، 1408. 

23. العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب، محمد الناصر، مكتبة الكوثر، الرياض، الطبعة الثانية، 1422هـ. 

24. طريق الهجرتين، وباب السعادتين، لابن قيم الجوزية، تحقيق،عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الطبعة الأولى، 1409هـ. 

25. الفْرق بين الفرق، لأبي منصور البغدادي، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة. الطبعة (بدون) 

26. فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، للقاضي عبد الجبار، تحقيق:: فؤاد سيد، الدار التونسية للنشر،1393هـ. 

27. قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، حسن حنفي، دار التنوير، بيروت. الطبعة العربية الثانية، 1983م. 

28. العقلانية: هداية أم غواية، تأليف: عبد السلام البسيوني، دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1412هـ/1992م.. 

29. مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن القاسم، طبعة مكتبة المعارف، الرباط. 

30. مختصر الصواعق المرسلة، اختصار: محمد الموصلي، دار الندوة الجديدة، بيروت، 1405هـ. 

31. معجم مفردات القرآن، للراغب الأصفهاني، دار الفكر، بيروت. الطبعة (بدون) 

32. المقدمة، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المكتبة التجارية الكبرى. الطبعة (بدون) 

33. مقدمة في الفلسفة الإسلامية، تأليف: عمر محمد التومي الشيباني، الدار العربية للكتاب، الطبعة الثالثة، 1982م. 

 

34. الملل والنحل، للشهرستاني، نحقيق: محمد سعيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، 1402هـ. 

35. إبراهيم بن سيّار النظام وآراؤه الكلامية والفلسفية، للدكتور/محمد عبدالهادي أبو ريد، الطبعة الثانية، 1989م، دار النديم للصحافة والنشر، القاهرة. 

36. منهج المدرسة العقلية في التفسير، فهد الرومي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، 1414هـ. 

37. الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم الشاطبي، شرح: عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت. الطبعة (بدون) . 

38. موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، الأمين الصادق الأمين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ. 

  • الاحد AM 10:53
    2021-07-25
  • 2634
Powered by: GateGold