المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417480
يتصفح الموقع حاليا : 255

البحث

البحث

عرض المادة

هل أحدث الرسول تغييرا في مجتمعه؟

          لا يمكن الحكم على السقيفة الا بعد دراسة مجتمع الرسول r ورسم صورة صحيحة له ، لأن احداث السقيفة ليست مستقلة أومنفصلة عما قبلها وما بعدها ، وانما تشكل مفصلا مهما من مفاصل هذه الصورة ، وهي الحلقة الاولى والمباشرة في مجتمع ما بعد الرسول r وتمثل حال المسلمين في اليوم الاول من وفاة الرسول ، فهي ليست منفصلة عما سبقها من احداث ، كما ان ما بعدها من احداث ليست منفصلة عنها . إذاً من الضروري أن ندرس هذا المجتمع ونتعرف على حقيقته ونحاول أن نستشف آثار تربية الرسول وآثار التعاليم القرآنية فيه ، وليس هذا فحسب بل من الضروري أيضا دراسة المجتمع العربي قبل البعثة حتى نرى آثار تلك التربية بوضوح ونعرف مدى التغيير الذي احدثه الرسول r في هذا المجتمع سواء من ناحية القيم والموازين ، او من ناحية المباديء والعقائد والتصورات ، او من ناحية الاخلاق والآداب والمعاملات والتشريعات ، او من ناحية الوعي والثقافة والحضارة.

ولنوجه هذه الاسئلة الى كل المعنيين بدراسة المناهج وعلم الاجتماع والاخلاق والشرائع والافكار والتصورات:

 هل احدث الرسول r  تغييرا في مجتمعه أم لا؟

فإن كان قد أحدث تغييرا هل كان ذلك التغيير محصورا في جانب واحد من جوانب الحياة أم انه كان شاملا لجميع نواحي الحياة؟  وما حجم هذا التغيير؟

وهل كان التغيير محصورا في فئة معينة وقليلة من المجتمع أم أنه شمل الغالبية العظمى لذلك المجتمع؟

وللاجابة على هذا السؤال لابد من رسم صورة للمجتمع العربي قبل بعثة الرسول من ناحية المعتقدات والتصورات السائدة فيه ، والقيم والموازين الحاكمة عليه ، والعادات والتقاليد والطقوس المنتشرة فيه ثم ننظر الى التغيير الذي احدثه في كل جانب من هذه الجوانب ، ثم نقدر الجهود المطلوبة لاحداث التغيير في كل هذه المجالات:

كيف كان هذا المجتمع قبل مجيء الرسول وكيف اصبح فيما بعد؟

كيف كان يفكر ؟ كيف كان يعيش ؟ ماذا كانت المعتقدات والتصورات والقيم والموازين والاعراف والتقاليد السائدة فيه ؟ ثم كيف اصبحت تلك الامور فيما بعد؟

كيف غير الرسول كل هذه الامور ؟ باي اسلوب وباي منهج احدث ذلك التغيير؟ هل غيرها ظاهريا ام اقتلعها من جذورها واستبدل بها غيرها؟

ماذا قال القرآن عن ذلك المجتمع قبل مجيء الرسول او في بداية عهد البعثة وماذا قال عنه فيما بعد؟

ما هو المنهج الذي اتبعه الرسول r  في هذا السبيل ؟ هل هذا المنهج جدير بالاتباع أم لا ؟

إن قلتم نعم فمعناه أنه كان منهجا ناجحا ، وهذا يعني أن نتائجه كانت جيدة فإنه لا يعلم نجاح منهج عن فشله الاّ بنتائجه . أما إذا أصررتم على القول بان الصحابة كلهم ارتدوا بعد رسول الله الا ثلاثة او اربعة فإن هذا يعني أنه لم يحدث تغييرا يذكر وأن التغيير كان ظاهريا ، وبالتالي يعني أن المنهج الذي اتبعه كان خاطئا واننا لا نحتاج الى اتباعه أو تقليده! هذا هو مقتضى عقيدة الشيعة في الصحابة.

كل هذا ضروري أن يدرس قبل ان نحكم على السقيفة وما حصل فيها ، لأن السقيفة فرع من هذا الكل ، وان التركيز عليه كفيل بأن يهدم كل محاولة لتشويه الحقيقة ، وانه لا باس بأن يدرس حياة كل فرد من افراد هذا المجتمع- ان امكن – في الجاهلية وفي الاسلام ليعرف مدى التغيير الذي احدثه الرسول في كل واحد منهم . ومن هنا كان دراسة حياة الصحابة امرا ضروريا لانه رد ضمني على كل من يريد الانتقاص من جهود الرسول r او من نتائج جهوده . وهناك ارتباط وثيق بين الجهود التي بذلها والنتائج التي حققها وارتباط وثيق ايضا بين الطعن في النتائج والطعن في الجهود ، وبالتالي لن نتردد لحظة من اتهام من يطعن في الصحابة بالطعن بالرسول r .

اكتب هذا وانا اعرف بأن هناك اناساً قرروا مسبقا ان لا يقبلوا هذه النتيجة ولذلك سيحاولون التشبث بكل ما ينقضها ، وعلى رأس ما يتشبثون به حياة الانبـياء والرسل الذين سبقوا نبـينا محمدا عليهم وعلى نبـينا افضل الصلاة والسلام ليثبتوا به عدم صحة وجهة نظرنا هذه لذلك رأيت من الضروري ان اتحدث عن مستلزمات ختم النبوة لأبين الفرق بين عهد الرسول محمدr وعهد غيره من الانبـياء والرسل وما يستلزمه ختم النبوات والرسالات من امور . وقد رسمنا هذه الصورة فيما مضى من خلال القرآن والتاريخ وأقوال علي t ، فما بقي لنا الا أن نقارنها بالصورة التي يرسمها الشيعة لذلك المجتمع لنرى الفرق بينهما ونحكم أي الصورتين اقرب للحقيقة ولروح الاسلام وروح القرآن .

ومن المفارقات أن يعترف المنصفون في الغرب بضخامة التغيير الذي أحدثه الرسول r في مجتمعه ولا يعترف به الشيعة ! فهذا المؤرخ إج .جي. ويلز يقول ما معناه : لو أن احدا درس مجتمع العرب في الجاهلية ثم تنبأ بأنه يتحول في خلال أقل من ربع قرن الى ذلك المجتمع لكان حريا بأن يتهم بالجنون .

ألم يقتلع الرسول شرب الخمر من أساسه ؟ العادة المتفشية في الجاهلية ! ألم يقض على الزنا ؟ الفاحشة المنتشرة بين العرب وغير العرب ! ألم يقض على الفوارق الاجتماعية ؟ ألم يأت بمعيار جديد لتقويم الناس ؟ ألم يجعل من العبيد سادة وقادة ؟ وأكثر من ذلك : ألم يقض على عبادة الاوثان ؟ العقيدة الضاربة في العمق في المجتمع العربي !  ألم تكن نهاية حرب البسوس وحرب داحس والغبراء على يديه؟ الحرب التي دامت اربعين عاما لسبب تافه! ألم يقض على وأد البنات؟ وكثير غيرها من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمع العربي وكانت ضاربة بجذورها في ذلك المجتمع، غيّرها الرسول وأتى عليها من بنيانها وأبدلها بعادات وتقاليد جديدة نابعة من العقيدة الاسلامية.  

 ----------------------------

صورتان متضادتان لجهود النبـي الاكرم :[1]

من خلال ما سبق تبين لنا بأن هناك صورتين لمجتمع الرسول r يرسمهما كل من السنة والشيعة ، الاولى والتي يرسمها السنة صورة مشرقة تظهر لك مجتمع الرسول مجتمعا ايمانيا تحكمه القيم الاسلامية من الايمان العميق  ، والاخوة الوثيقة، والطاعة التامة لرسول الله ، مجتمع افراده متحابون فيما بينهم الى درجة الايثار، والرسول r محبوب ومطاع فيهم الى ابعد الحدود وكلمته نافذة فيهم وان سيطرته عليهم تجاوزت ابدانهم بل تغلغلت الى ارواحهم وهيمنت على قلوبهم ونفوسهم وان المشاكل التى كانت تحدث بينهم كانت تحل بلحظات عند رسول اللهr.

هذا الذي نقوله لايؤيده التاريخ فحسب بل يؤيده العقل والمنطق والتجربة ايضا. أما التاريخ :  فان كتب السيرة مليئة بالشواهد ، واما العقل والمنطق والتجربة : فان الرسول r كان قد اوتي من الصفات القيادية ما لم يُؤتَه احدٌ قبله ولن يؤتاه احد من بعده ، فهو زعيم روحي وعسكري وسياسي في آن واحد ، وهو معلم ومرب وقائد وصاحب شخصية قوية جذابة وأخاذة وذو خلق عالية رفيعة تأسر المقابل من اول وهلة كما كان يصفه علي بن ابي طالب بان من يراه يهابه في البداية ثم اذا خالطه احبه ، وكان إدارياً الى ابعد الحدود ، وقل في وصفه ماشئت مالم تتجاوز حدود البشرية ، وان قلم العباد ليقصر عن بلوغ مداه في مدحه وان الالفاظ لتعجز ان تستوعب جميع صفاته ، افمثل هذه الشخصية لو كان يقود وحوشا لا بشرا ألا يكون في وسعه ان يروضهم و يربيهم على النهج الذي يريده؟ ان هناك مربين يروضون الحيوانات الوحشية ويجعلون منها حيوانات أليفة خاضعة لمربيها ذليلة امامه تنفذ اوامره بكل دقة، افهؤلاء اكفأ من رسول الله r وهل هؤلاء الصحابة أكثر وحشية من هذه الحيوانات حتى يعجز رسول الله عن ترويضهم؟! ثم انك ترى كيف يسيطر الزعماء الروحيون على اتباعهم وكيف يأخذون بتلابيب قلوبهم ويهيمنون على أرواحهم رغم اختلاف مشاربهم ، وكذلك تجد القادة العسكريين الاكفاء كيف يسيطرون على جنودهم والزعماء السياسيين كيف يسوسون شعوبهم وتخضع لهم شعوبهم ويحبونهم ، أفكل هؤلاء أكفأ من رسول اللهr ؟ الا يقر الشيعة بقوة شخصية الرسول وجاذبيته وقوة ادارته وحنكته السياسية ، فكيف اذاً يعجز عن تحقيق ما نجح فيه من هو اقل منه شأنا بكثير، وهو مع مميزاته الشخصية مؤيد بالوحي؟!

هذه هي صورة المجتمع الذي رباه رسول الله  r وهذه هي الصورة الحقيقية لتلاميذ الرسول r الذين قاموا بنشر الاسلام بعد نبـيهم ثم جمعوا كتاب الله وتعاليم نبـيه ونشروها بين العباد. لقد كان الصحابة بحق اُمناء على رسالة الاسلام وكانوا اهلاً لأن يكونوا انصار خاتم النبـيين .

هذه هي صورة مجتمع الرسولr كما يرسمها أهل السنة والجماعة ، وفي المقابل ترى صورة اخرى يرسمها الشيعة لهذا المجتمع ولهؤلاء الاصحاب : صورة تشمئز منها النفوس، صورة مجتمع متفكك تتنازعه الاهواء والاطماع، زعيمهم مغلوب على امره لا يطاع فيما يأمر به مما يضطره الى اللجوء الى اساليب المكر والخديعة لكي ينفذ اوامره ! مجتمع انقلب على عقبه وارتد عن دينه فور وفاة نبـيه ونقض العهود قبل ان يوارى جثمان نبـيهم التراب! نبـي لم ينجح الا في تربية افراد قلائل على تعاليم الاسلام . نبـي لم يكن يعرف كيف يختار اصحابه ومن يصاهر ومن يُقرِّب ومن يُبعد ، ولم يكن يعرف المخلصين من غير المخلصين من اصحابه الذين كانوا اقرب اتباعه اليه ويخالطونه ليل نهار!.

هذا ليس افتراء على الشيعة بل هو مقتضى عقائدهم ، فاقرأ اي كتاب من كتب الشيعة عن الصحابة وعن السقيفة وعن جيش اسامة وصلح الحديبية فانك لن ترى الا هذه الصورة![2]

ان الشيعة يطعنون في الصحابة ولا يعدّون ذلك طعنا في الرسول أو انتقاصا من شأنه ويحتجون في ذلك بعدة امور سنناقشها فيما بعد ، فلننظر هل الطعن في الصحابة يعد طعنا بالرسول أم لا؟

 

[1] .هذا العنوان اقتبسناه من كتاب العلامة ابو الحسن الندوي رحمه الله

[2] . اقرأ على سبيل المثال كتاب" معالم الفتن" لسعيد ايوب لترى كيف شوه التاريخ الاسلامي وأبرزه بصورة سوداء قاتمة لا ترى فيها صفحات مشرقة سوى ما يتعلق بعلي واهل بيته ومؤيديه!!ش

  • الاحد PM 12:08
    2021-05-23
  • 1010
Powered by: GateGold