المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417484
يتصفح الموقع حاليا : 245

البحث

البحث

عرض المادة

لماذا يكثر الشيعة الحديث عن السقيفة

لماذا يكثر الشيعة الحديث عن السقيفة

بعد ان تبين ان السقيفة تدل على عدم وجود نص او بيعة  رُبّ سائل يسأل : إذا كانت السقيفة بهذا الوضوح في دلالاتها على عدم وجود نص أو بيعة ، لماذا إذاً يكثر الشيعة الحديث عنها ؟  وقد خصصوا لها كتبا، فمن القدماء سليم بن قيس ، وابو مخنف بن لوط ، وابراهيم بن محمد الثقفي ثلاثتهم خصوه بكتاب سموه "السقيفة" ومحمد بن عمر الواقدي بكتاب سماه"السقيفة وبيعة ابي بكر"، وابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري بكتاب سماه"السقيفة وفدك" ، ومن المحدثين الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه " السقيفة"، وعلي الشخص في كتابه" اضواء على السقيفة" ، وفي المقابل قلّما تجد عالماً سنيّاً تناول هذا الموضوع بالبحث والتحليل والدراسة  وكل مايكتبون عنه هو سرد تاريخي للوقائع دون  تحليل أو تفسير يذكر! ما السبب في كلّ هذا؟ لماذا يمر السنّة على هذه الحادثة مرور الكرام في حين يبذل الشيعة كلّ هذه الجهود لدراستها وتحليلها ؟

كلّ من يدرس هذا الامر في كتب الفريقين ويرى إهتمام الشيعة به وإهمال السنّة له قد يتوهم أن هذه الحادثة تؤيد وجهة نظرالشيعة لذا يكثرون الحديث عنها، ولكنك رأيت كيف بقليل من الدراسة والتحليل ومن غير حاجة إلى مجلدات أثبتنا العكس وظهرت الحقيقة واضحة وجلية وهي أنّ الصحابة لم يكونوا متآمرين على علي وأنهم لم يكونوا امام نص أو وصية ، وليس

دعوى وجود النص والبيعة ابعد دلالاتها فحسب ، بل تعد هذه الحادثة من مبطلات تلك الدعوى كما اثبتناه في هذا الكتاب ، وإنّ الإجراء الذي حصل من قبل أبي بكر وعمر كان هو عين الصواب وبغيره كانت الأمّة ستقع من أوّل يومها في نزاعات ومتاهات وفتن لا أوّل لها ولا آخر ، بل اكثر من ذلك : فانه لو لم يتول الخلافة ابو بكر لما عُبد الله كما كان يقولها ابو هريرة، وحين استغرب السامعون كلامه هذا سألوه كيف تقول ذلك ؟ أجابهم أن العرب قد ارتد أغلبهم بعد وفاة رسول الله ولولا حزم ابي بكر ووقوفه في وجوههم لقضوا على الاسلام [1] وكما كان يقول وكيع لولا ابو بكر لذهب الاسلام[2] .

اذاً لماذا يكثر الشيعة الحديث عنها؟

الجواب : إن إكثار الشيعة الحديث عن سقيفة بني ساعدة ليس لأنها في صالحهم بل على العكس تماما، فإنها لو تركت هكذا لحالها مجردة من اي تعليق أو تعقيب لدلّت على أن الرسول مات ولم ينص على احد ولم ياخذ البيعة لأحد ، وأن الرسول مات والصحابة لا يدرون من هو الخليفة من بعده ، لذلك أسرع الأنصار الى الإجتماع في السقيفة لكي يتباحثوا هذا الامر ويخرجوا بموقف موحّد وينصبوا واحداً منهم خليفة على المسلمين ، فدلالة إجتماع السقيفة على عدم وجود بيعة ونص هو الذي دفع الشيعة الى الإكثار من الحديث عن هذه الحادثة لأنها تتعارض تعارضاً جذرياً مع دعوى وجود النص والبيعة ، فلو تركت هذه الحادثة هكذا دون تعقيب أو تعليق لفهم منها كل إنسان بفهمه الفطري الأولي أنّ الرسول مات ولم يوص لأحد  ولم يرشح أحداً لهذا المنصب ولم يترك نصاً قطعياً  يدل دلالة قطعية  على أحد بعينه ، لهذا لا يتحدث السنة عنها كثيراً ، ولا يعلقون عليها كثيراً ، ولا يفلسفونها ، بل يتركونها لوحدها لتدل تلك الدلالة الواضحة البسيطة التي توحي بها تلقائياً ومن أوّل وهلة ، وهي انه لايوجد هنالك لانص ولا بيعة ولا وصية . فلو اخضعنا هذه الحادثة لقواعد المنطق وقواعد أصول الفقه لقلنا أنها تدل وتنصّ وتشير الى عدم وجود نص وتنطق بعدم وجود نص وتقتضي وتتضمّن عدم وجود نص. فدلالات هذه الحادثة واضحة وضوح الشمس في رابعة النّهار لو تركت لحالها دون توجيه لها كناقة رسول الله التي قال عنها يوم وصل الى المدينة دعوها فإنّها مأمورة فتركوها لحالها إلى أن بركت في المكان الذي إختارته  فاتخذ رسول الله ذلك المكان مسجداً ، ولو أن أحداً أخذ بخطامها لربما وجّهها باتجاه آخر مغاير تماماً لما ذهبت اليه. كذلك الحال بالنسبة لهذه الحادثة فإنها لو تركت لحالها ولم ياخذ أحد بخطامها لدلّت دلالة واضحة صريحة على عدم وجود نص على احد وعدم وجود بيعة لأحد. لهذا يضطر الشيعة ان ياخذوا بخطامها ويوجهوها إلى الوجهة التي يريدونها هم ولتدلّ على مايريدونه هم ، ولذلك يُعملون عقولَهم ويُتعبون انفسهم ويكتبون فيها الكتب ويُفردون لها المؤلفات لكي يوجهوها الى حيث يريدون وتدل على ما يعتقدون.

ان إثبات هذه الدعوى من هذا الاجتماع  (اي انقلاب الصحابة على النصوص ونكثهم للعهود) يحتاج الى الكتابة والتفلسف  لكي تصرفها عن وجهتها ولكي لاتدل تلك الدلالة المعقولة البسيطة التي يستسيغها العقل وتستسيغها الفطر السليمة . فهذه الحادثة تعترض الشيعة كلما ذهبوا إلى اثبات إمامة علي بالنص والبيعة وحيثما ذهبوا وجدوها عقبة أمامهم تعترض طريقهم ، لذلك وجب عليهم أن يسعوا لازاحتها من أمامهم ولهذا كثرت كتاباتهم عنها ، وهي مثال على ما قلناه سابقا من أن الشيعة يعتقدون الشيء اولاً ثم يبحثون له عن دليل من القرآن والسنة والتاريخ ، فإن وجدوها تؤيد وجهة نظرهم أخذوا بظاهرها ، أما إذا وجدوها تخالف معتقدهم أولوها تأويلا تعسفياً ولوّوا أعناقها بطريقة تعسفية لكي تدل على ما يعتقدون !  ولكن اهل السنة على خلاف ذلك، فانهم يجعلون من القرآن والسنة اساسا لمعتقداتهم ، ولذلك تركوا هذه الحادثة دون تعليق او تعقيب او تحليل يُذكر لتدل بنفسها على تلك الحقيقة الناصعة ، وهي أن النبـي r مات ولم يوص بالخلافة لأحد ولم يعين أحدا لهذا المنصب، وانه لا توجد آيات قرآنية بحق أحد، وأن الناس ما كانوا يعرفون خليفته في حياته وأنهم لم يبايعوا أحدا بالخلافة قبل السقيفة ، ، ثم جاء مَن بعدهم فجعلوها دليلاً على أن اختيار الامام موكول الى الناس وليس أمرا دينيا منصوصا عليه من الله أو من الرسول 

امور اخرى تتعلق بالسقيفة:

ان الحديث عن السقيفة يتطلب الحديث عن ثلاثة اجراءات  مهمة قام بها الرسول قبل وفاته يعول عليها الشيعة كثيرا لاثبات نظريتهم حول الامامة وهي :  خطبة الرسول في الناس في غدير خم في طريق عودته من الحج ، و تجهيز جيش اسامة ،و طلبه الكتف والدواة ليكتب كتابا للمسلمين وهو ما يسميه الشيعة رزية يوم الخميس ، وسنبدأ بجيش اسامة  وندرس دلالاته ونظرة كل من الشيعة والسنة الى هذا الاجراء الذي اتخذه الرسول قبل موته ثم نأتي الى قضية يوم الخميس ، ثم الى مسألة الغدير:

 بعثة اسامة ودلالاتها:

قلنا فيما مضى ان الرسول جهز جيشا قبل وفاته بقيادة اسامة بن زيد بن حارثة  الذي لم يبلغ من العمر عشرين عاما وأمره ان يُوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من ارض فلسطين  فتجهز الناس وأوعب مع اسامة المهاجرون الاولون[3] ولكنه مرض قبل مغادرة الجيش المدينة  . ويبدو ان بعض الصحابة تكلموا في هذه البعثة واعترضوا على تأمير اسامة ، فجمعهم الرسول دافع عن اسامة وزكّاه وبين فضله وحبه له وحث الناس على الالتحاق بالجيش والاسراع في الخروج . 

يقول ابن هشام : ان رسول الله قد استبطأ الناس في بعث اسامة بن زيد[4] وهو في وجعه ، فخرج عاصبا رأسه حتى جلس المنبر ، وقد كان الناس قالوا في امرة اسامة: أمَّر غلاما حدثاَ على جلة المهاجرين والانصار. [5]

فحمد الله وأثنى عليه بما هو له اهل ، ثم قال: أيها الناس ، أنفذوا بعث اسامة ، فلعمري لئن قلتم في امارته لقد قلتم في امارة ابيه من قبله ، وإنه لخليق بالامارة ، وان كان ابوه لخليقا لها . ثم نزل رسول الله وانكمش الناس [6] في جهازهم ، فاستعز برسول الله وجعه،  فخرج اسامة ، وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجُرْف [7] ، من المدينة على فرسخ ، فضرب به عسكره ، وتتام اليه الناس ، وثقل رسول الله ، فأقام اسامة والناس ، لينظروا ما الله قاض في رسول الله.

هناك تفسيران  لاسباب تجهيز هذا الجيش  وبقائه مرابطا في الجرف قريبا من المدينة وعدم ذهابه الى حيث اُمر . وهناك ايضا اختلاف حول الذين زجهم رسول الله في هذا الجيش  لاسيما ابي بكر الصديق ، فالشيعة يقولون ان ابابكر وعمر كانا ضمن هذا الجيش واهل السنة ينفون وجود ابي بكر فيه بدليل ان الرسول كلفه بالصلاة في الناس ايام مرضه ولا ينفون وجود عمر فيه . اما بالنسبة لعلي فيبدو انه لا توجد اشارة الى وجوده في ذلك الجيش لا عند السنة –حسب علمي- ولا عند الشيعة [8] .

وهناك  خلاف بين السنة والشيعة حول الغاية من ارسال ذلك الجيش ، والخلاف شديد جدا ، فأهل السنة يقولون ان الهدف كان تأديب الروم والعرب النصارى الذين آذوا المسلمين سواء قبل غزوة مؤتة أو أثناءها أو بعدها ، وللثأر لمعركة مؤتة وشهدائها، وتأمين الحدود الشمالية للجزيرة العربية ، وان اسناد القيادة الى اسامة كان سببه ان اباه قد استشهد في تلك المعركة وكون اسامة على رأس الجيش سيكون له عدة فوائد منها:

1-  تطييب لنفس اسامة وذلك باعطائه فرصة للاخذ بثأر أبيه .

2- إظهار فضله ومكانته .

3 - سيكون لدافع الاخذ بالثأر عند اسامة أثر كبير في اندفاعه للقتال وتفانيه في مواجهة العدو وحرصه على ايقاع الهزيمة بهم .[9]

 4- زرع الثقة في نفسه وتهيئته لقادم الايام . وهذا اجراء كان يلجأ اليه القادة والخلفاء مع من كانوا يريدون اعداده للمستقبل وايكال المهمات اليهم. وقد ثبت فيما بعد صدق فراسة النبـي فيه وقد نجح في اداء مهمته أيما نجاح !.

5- اهتمام النبـي بشريحة الشباب، وكذلك بيان المساواة الحقيقية في الإسلام فلا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا احمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ، وأسامة من الموالي ومع ذلك يجعله النبـي اميرا على جيش فيه الوجهاء والسادة من قريش وبقية القبائل العربية ذات المكانة والمنصب والجاه ، علاوة على امتحان الصحابة في إيمانهم وإظهار سرعة استجابتهم لمن يأتي بعدهم لأن في تجهيز جيش لخوض معركة فاصلة مع واحدة من أعظم امبراطوريتين على وجه الأرض  بقيادة شاب لا يبلغ عشرين عاما ولا يمتلك شيئا من الخبرة العسكرية وفي الجيش قادة عسكريون امتحانا في غاية الصعوبة لا ينجح فيه إلا من كان على مستوى أولئك الصحابة من الإيمان وسرعة الاستجابة لنداء الإيمان .

قلنا ان بعض الصحابة اعترضوا على امارة اسامة أول الامر لصغر سنه وقلة خبرته وصعوبة المهمة وبُعد المسافة وقوة العدو وكثرتهم ولوجود من هو أكفأ منه وأخبر بالحرب ولكن رغم ذلك فقد رضخوا للامر وساروا تحت امرة اسامة الاّ ان اشتداد المرض برسول الله أقعدهم عن الخروج فظل اسامة معسكرا بجيشه بالجرف ينتظر مصير رسول الله .

هذا ملخص ما يقوله اهل السنة عن اسباب تجهيز ذلك الجيش ، وتنصيب اسامة على رأسه ، أما الشيعة فانهم يقولون كلاما مغايرا تماما لما يقوله السنة، يقولون شيئا له دلالات خطيرة جدا ويعكس صورة عجيبة عن مجتمع الرسول وعن طبيعة العلاقات والقيم والموازين التي كانت تحكم ذلك المجتمع.

يقولون: ان النبـي قد علم بدنو اجله ولذلك اراد ان يُبعد المتربصين بالخلافة عن المدينة مدة من الزمن كي تصفو الامور لعلي وتستتب له الامور وحين يعود هؤلاء يجدون أن كل شيء قد انتهى ويضطرون للتسليم بالامر الواقع والرضوخ لخلافة علي، ولذلك زج  بابي بكر وعمر في هذا الجيش. وعن سبب اسناد قيادة الجيش الى أسامة البالغ من العمر 17 عاما لم أقرأ للمتقدمين من الشيعة تعليلا له الاّ ان الشيخ محمد رضا المظفر يذكر في كتابه " السقيفة " تعليلات أعتقد أن الشيعة لا يملكون أحسن منها لذلك أُوردُها كما هي كتعبير عن رأي الشيعة حول هذا الموضوع.

 يقول الشيخ المظفر : انه (أي النبـي) اراد ان يهيئ المسلمين لقبول "قاعدة الكفاية" في ولاية امورهم ، من ناحية عملية ، فليست الشهرة ولا تقدم العمر هما الاساس لاستحقاق الامارة والولاية ،  وأن يقلل من نزوع المتوثبين للخلافة ليقيم الحجة لهم وللناس بأن من يكون مأموراَ لشاب يافع ولا يصلح لإمارة غزوة مؤقتة كيف يصلح لذلك الامر العظيم وهو ولاية امور جميع المسلمين العامة وهي مقام النبوة وصاحبها أولى بالمؤمنين من انفسهم.[10]

دلالات التفسير الشيعي لهذه البعثة:

إذاً هذا هو التفسير الشيعي لأسباب وأهداف تجهيز ذلك الجيش ، وذلكم هو سبب اختيار اسامة لقيادته ، وقد رأيتم أنه مغاير تماما لتفسير السنة ومخالف له في كل ابعاده و حيثياته، ولكل واحد من التفسيرين دلالات ، وسنبدأ بدلالات التفسير الشيعي ونؤخر دلالات التفسير السني الى ما بعد سرد تفاصيل قصة البعثة :

1-ان اول ما يدل عليه هذا الكلام هو ان مجتمع النبـي مجتمع متفكك وغير متماسك وتتقاسمه النزعات الشخصية والقبلية والاطماع الدنيوية وانه لا يوجد اي اثر للتربية النبوية فيهم وان النبـي لم ينشيء امة على الاسلام ولم يرب سوى اهل بيته وعدد قليل من الناس ، اما الآخرون فغارقون في الدنيا الى اذقانهم وانهم لا يفكرون الا في لحظة وفاة الرسول كي ينقضوا على الحكم وينفردوا بالامر.

2- ويدل على ان النبـي لم يكن مطاعاً من قبل اصحابه وان كلمته ماكانت نافذة فيهم ، لذلك لجأ الى هذا الاسلوب لابعادهم عن المدينة.

3- وكنتيجة لذلك(أي ضعفه –حاشاه- وعدم نفوذ كلمته بين اصحابه) كان يلجأ الى اساليب ملتوية كالتي يلجأ اليها السياسيون لتحقيق اهدافهم! وانه قد لجأ الى المكر والخديعة (حاشاه) فجهز جيشا بحجة تأديب الروم والعرب النصارى وزج فيه كبار اصحابه وهو في الحقيقة لايريد سوى ابعادهم ليخلي الجو لابن عمه علي كي يتولى الحكم من بعده دون مقاومة من احد! وهذا شبيه باتهام اليهود لداود عليه السلام بأنه أُعجب بزوجة احد جنوده فارسله في غزوة ثم اوعز الى قائدالجيش ان يقدمه للمهالك حتى يقتل فيتزوج  زوجته! حاشاهما مما يتهمان به ، سبحانك هذا بهتان عظيم.

وهذا الاستنتاج لا يحتاج المرء الى عناء كبير لفهمه وادراكه فهو شديد الظهور ولا ينقصه سوى اضافة عبارات المكر والخديعة والدسيسة اليها والعبرة بالمسميات لا بالاسماء ، فلا فرق بين ان تقول لامريء انت ماكر او تصفه بالمكر فكلاهما سواء ، وهذا الذي يقوله الشيعة بالاضافة الى دلالته على ضعف الرسول وعدم نفوذ كلمته في مجتمعه وعدم خضوع الناس له ، فإنه يدل كما قلنا على لجوء النبـي الى الدسيسة والمكر والخديعة.

3- ان الرسول مع لجوئه الى المكر والدسيسة (حاشاه) فانه ما كان يجيد التدبير والتخطيط . فانك لو امعنت النظر في طبيعة هذا الجيش لتبين لك بانه لم يُهيأ بالشكل الذي يمكِّنه من اداء المهمة الملقاة على عاتقه وتحقيق الغرض المرجو منه، بل على العكس فانه يمكن القول بان تجهيز هذا الجيش بهذا الشكل لا يخدم الاّ الخصوم ، واليك اثبات ذلك:

لو كان الرسول يريد بهذا الجيش ان يُخلي الجو لعلي كان يجب ان يجعل على رأسه رجلا قويا نافذ الكلمة ، لا أن يجعل عليه شابا صغيرا لا يبلغ سنه العشرين عاما ولا يملك من الخبرة العسكرية شيئا ،  لأن الذي يستطيع أن يزيح رجلا مثل علي صاحب القوة والشجاعة والعصبة يسهل عليه ازاحة شاب ضعيف مجرد من كل عصبة وقبيلة وهو فوق ذلك مُعتَرض عليه من قبل اغلب افراد الجيش . ولو كان صحيحا ما يقوله الشيعة من ان الرسول اراد بهذه البعثة ابعاد هؤلاء من المدينة لعمد هؤلاء الى عزل اسامة  من قيادة الجيش بعد سماع وفاة الرسول ، ولقادوا هذا الجيش الذي قوامه حوالي ألف مقاتل وداهموا به المدينة وعزلوا عليا بالقوة واستولوا على الحكم . اي ان الرسول بدلا من ان يجردهم من القوة منحهم قوة كبيرة لتحقيق اهدافهم! . وهذا يعني أن النبـي والذين معه لم يكونوا يجيدون حبك الخطة وانهم فشلوا حتى في تدبير المؤامرة ورسم الخطة لتحقيق الهدف الذي يبغونه !

قل لي بربك أهكذا يكون التخطيط لتحقيق مثل هذا الهدف ؟ أليس هذا اكبر دليل على بطلان دعوى الشيعة من ان الهدف من هذا الجيش كان ابعاد كبار الصحابة عن المدينة واخلاء الجو لعلي ؟  الامر لايحتمل الاّ احد احتمالين : اما بطلان هذه الدعوى ، اي بطلان القول بان الهدف كان إبعاد كبار الصحابة عن المدينة ، او اثبات هذه الامور التي ذكرناها والتي تعد طعنا في الرسول وهي باختصار :

1- وجود نزاعات داخل المجتمع وانقسامه على نفسه.

2-عدم هيمنة الرسول على اصحابه .

3-لجوء الرسول  الى المكر والخداع والدسيسة .

4-عدم اتقان الرسول للتخطيط وجهله بطريقة تدبير المكيدة .

     هذا التفسير الشيعي يثير مجموعة من التساؤلات:

  1. هل ما فعله الرسول هو وسيلة شرعية ونبـيلة ام انه وسيلة غير شرعية وغير نبـيلة؟

 جواب الشيعة معلوم سلفا بانه كان هدفا نبـيلا وامرا مشروعا لأنه لايمكن ان يقولوا بضده لأن ذلك يعد اتهاما صريحا للرسول r  !

  1. وهنا يأتي السؤال الثاني : هل أخبر الرسول اسامة بهدف تلك البعثة أم لم يـخبـره به؟

اذا كان الجواب بنعم فلم اذاً لم يغادر اسامة الجرف وبقي ينتظر مصير الرسول ؟!

ثم لماذا لم يُشر الى هذه المسألة فيما بعد حين راى اختلاف الناس على الخلافة لا سيما ايام خلافة علي .

ثم لماذا قبل بقيادة الجيش بعد وفاة الرسول وقد علم ان مهمة الجيش قد انتهت وانه بعدم مغادرته المدينة كان سببا في افشال خطة الرسولr .

وان كان الجواب لا، اي ان الرسولr  لم يخبره بهدف البعثة والمهمة الملقاة على عاتق الجيش ، فهذا يدل على احد امرين : اما ان الرسول لايثق باسامة لذلك لم يخبره بهدف البعثة وهذا غير ممكن اذ كيف يكلفه بمثل هذه المهمة ولا يخبره بها وبالغرض منها . والسيرة تؤكد ان الرسول كان شديد الحب لاسامة وشديد الثقة به ، ودفاع الرسول عنه  وتزكيته اياه غير خاف على احد.

أو أنه (حاشاه) لم يكن يعرف كيف يخطط لتحقيق هدفه وكيف يختار ومن يختار من اصحابه للقيام بالمهمام الخطيرة !!

لا شك ان اختيار الرسول لاسامة لقيادة ذلك الجيش لم يكن اعتباطا لا سيما اذا كان الهدف منه ابعاد رؤوس الصحابة من المدينة لاخلاء الجو لعلي. فهل يُعقل ان يُقدم الرسول على مثل هذا الامر الخطير ويقوم بهذا التخطيط ثم لا يُعلم قائد الجيش بغرضه وهدفه؟

ومرة اخرى ، لنعد الى اسامة بشيء من التفصيل:

 هل كان اسامة يعرف هذا الامر؟

ان الاجابة على هذا السؤال سواءً بالايجاب او النفي ستواجه عقبات ومشاكل كثيرة وتتعارض مع ما يدعيه الشيعة في حق هدف هذه البعثة:

اذا كان اسامة يعرف الهدف من تلك البعثة لماذا لم يسرع في الخروج بجيشه الى حيث امره الرسول؟ ام كان هو الآخر متواطئاً مع ابي بكر وعمر؟ فان كان متواطئا معهما ، فهل كان الرسول يعلم ذلك ام لا؟ ان كان يعلم بتواطئه معهما كيف جعله على رأس ذلك الجيش في تلك المهمة الخطيرة ؟ ام  خفي ذلك على رسول الله ؟ فان قلتم انه خفي على رسول الله نقول: هل يُعقل ذلك في حق الرسول القائد المؤيد بالوحي وبروح القدس؟  قائد يجهل حقيقة كل من حواليه ! اذاً اي قائد هذا واي رسول هذا الذي لا يعرف اياً من اصحابه! فيقرب النفعيين والوصوليين ويجعلهم من وزرائه ومقربيه ، ويثق بمن لا يستحق الثقة ، ويندب للمهمات الصعبة  رجالا غير موثوقين  او من لايعرف حقيقتهم!

قد تقولون ان اسامة كان يعلم بالخطة وبقصد الرسول ولكن الصحابة لم يطيعوه،  لماذا رضي اذاً بقيادة الجيش بعد وفاة الرسول وقد فشل الجيش في اداء مهمته وتحقيق هدفه وان المحظور الذي كان الرسول قد جهز الجيش لتفاديه قد وقع؟

واذا سلمنا معكم جدلا بان اسامة كان يعرف هدف الرسول وان الصحابة عصوه فلم لم يمتثل هو لأمر الرسول وظل يتردد على المدينة بين حين وآخر ليرى ما سيئول اليه امر الرسول؟ ثم كيف تجرأ على الاشتراك في غسل النبـي وقد خالف امره واحبط خطته؟ ثم لماذا لم ينهره علي على مخالفته لأمر الرسول ونكوصه عن اداء مهمته؟ كيف سمح له ان يشترك في غسل رسول الله ؟ الم يكن من الأولى ان ينهره  و يطرده و يقول له اذهب ولا تُرِني وجهك ، فقد احبطت خطة النبـي ؟

  1. هل كان اسامة من حزب ابي بكر ام من حزب علي ؟

ان كان من حزب علي كان يجب ان يعرف قصد الرسول وهدفه ليقوم بالمهمة على احسن وجه ولا يُعقل ان يجهل هذا الامر لأهميته وخطورته! واما ان كان من حزب ابي بكر[11]، فهل يُعقل ان يُوكِل الرسول الى احد خصوم علي هذا المهام الخطير في مثل هذه اللحظة الحاسمة؟  أليس هذا من سوء التدبير وسوء التخطيط؟

  1. وسؤال آخرللشيعة: من اين عرفتم ان الرسول r كان يقصد من وراء ذلك الجيش ابعاد كبار الصحابة عن المدينة؟

هل كان علي يعلم بهذا الغرض ام لا؟

ان كان يعلم به فلماذا لم يصرح به في يوم من الايام ، لا في ايام الخلفاء الذين سبقوه ولا حين كان يجادل معاوية حول موضوع الخلافة ايام خلافته هو؟ هل كان يـخجل من ذكره لانه يسيء الى النبـي لانه من المكر والخديعة ام انه كان يجهله ولو علمه لصرح به؟

ان كان يعلمه فلم أخفاه؟ وان كان يجهله فمن اين علمتموه انتم ومن انبأكم به؟ أم انكم استنتجتموه من عند انفسكم؟ انكم اذاَ اكثر فراسة واعمق فهما من علي!!

أرجو أن تخلوا الى انفسكم وتفكروا مليا في مثل هذه الامور التي جهلها علي وعلمتموها انتم او علمها وسكت عنها وأَثرتموها انتم ولم تسكتوا عنها في حين ان إثارتها من قبل علي كان نافعا له وللمسلمين واكثر تثبيتا لموقفه واحراجا لخصومه ولعلها كانت تعيد له بعض حقوقه المغتصبة . اما إثارتكم اياها فلا يعود على الاسلام والمسلمين الا بالضرر وبكثير من الفرقة والتشتت ولا يعيد لعلي شيئا من حقوقه.

انكم ان قلتم انه كان يعلمها ويخفيها تقية او للحفاظ على وحدة الامة ، وهذا هو الجواب الوحيد الذي يمكن ان تلجأوا اليه وترونه  لائقاً لمقام علي ، فلماذا لا تتبعونه في نهجه وتتأسوا بسيرته للحفاظ على وحدة الامة في مثل هذه الظروف العصيبة؟

وان كان اخفاها ايام خلافة الخلفاء الثلاثة تقية فلماذا لم يعلنها ايام خلافته اثناء محاججاته الكثيرة سواء مع معاوية او مع غيره من الذين قاتلوه؟ او على الاقل ، لماذا لم يبح به الى احد ابنائه او اتباعه، ألا يعد هذا كتمانا للحق؟

  1. وسؤال آخر: هل انتبه ابو بكر وعمر الى هذه المكيدة ام لا؟

ان كانوا قد انتبهوا اليها لماذا اذاً لم يعزل ابو بكر اسامة عن قيادة الجيش نكايةً به لا سيما وان الناس كانوا معارضين لامارته وطلبوا اليه استبداله بمن هو أسَنّ منه ؟

ثم لماذا أنفذ الجيش ان كان يعلم ان مهمته قد انتهت ؟ .

 ثم لماذا لم ينكل باسامة فيما بعد وقد شارك في المؤامرة ضده؟

ام كانوا هم الآخرون ايضا لايعرفون بهدف تجهيز ذلك الجيش؟! 

اذاً، لا علي ، ولا ابو بكرو عمر، ولا اسامة ، ولا ائمة اهل البيت كانوا يعرفون هدف الرسول من ذلك الاجراء ، والطرف الوحيد الذي يعرف هذا السر هم علماء ومتكلموا الشيعة الذين يصدق في حقهم قول الشاعر:

واني وان كنت الاخيرَ زمانُه            لآتٍ بما لم تستطعه الاوائل

اما اذا قلتم بأن عليا وابناءه ومؤيديهم كانوا يعرفون هذه الحقيقة اذاً بم تفسرون سكوتهم عنها وعدم اعلام الناس بها ؟

واذا كان ابو بكر وعمر يعرفانه ، فبم تفسرون سلوكهما ازاء ذلك الجيش واميره اسامة؟

  1. وسؤال آخر: هل جعل النبـي لاسامة معاونين ومساعدين ممن يثق بهم ، أم كان هو الوحيد الذي يعلم بالخطة والهدف، وهو وحده المؤيد لعلي وبقية الجيش كله ضد علي او ممن يتعين ابعادهم؟

ان قلتم ان الرسول قد ندب له من يعاونه ويساعده فمن هم اولاً وماذا كان موقفهم ثانياً؟ وهل امتثلوا لامر الرسول ام لا؟

وان قلتم انه لم يندب له من يعاونه فهل هكذا تخطيط يتناسب مع مثل هذه المهمة الخطيرة؟

اشهد انني لا استطيع بحال من الاحوال ان اقول برأي الشيعة في سبب وهدف تجهيز هذا الجيش لأنني حينئذ سأجد نفسي مضطرا الى اتهام الرسول بسوء التدبير وبالمكيدة في اقل تقدير (حاشا رسول الله ) !  ولو درس هذا الامر من لايكن التوقير للرسول لرماه بأبشع الاوصاف والاثم كله يقع على عاتق الشيعة الذين ينسبون اليه هذا الامر.

7.ومسألة اخرى بالغ الاهمية وهي : هل يجوز ارسال مثل هذا الجيش بهذا الحجم الى ذلك المكان البعيد المليء بالمخاطر وتعريض كل هؤلاء للمهالك من اجل تنصيب علي للخلافة ؟ أليس هذا ميكيافيلية في اوضح صورها؟ الا يدل هذا على ان الرسول لم يكن يهمه شيء سوى مصلحته ومصلحة عائلته؟ أيليق هذا برسول الله؟ ألم تكن هناك وسيلة اخرى اشرف من هذه الوسيلة لتحقيق ذلك الهدف ، كأن يبعث المتربصين بالخلافة ، وعددهم قليل، بمأمورية أو يُوفدهم الى مكان ما بعيدا عن المدينة ، بدلا من أن يشكل من اجل ابعادهم  جيشا قوامه  قرابة الف شخص  ثم  يدفع بهم الى قلب العدو !

فكر معي في هذه الصورة كما يصورها الشيعة:

 رجل يزعم انه نبـي يبعث جيشا قوامه ألف رجل من المدينة الى تخوم الشام لقتال الروم ونصارى العرب بقيادة شاب يافع ويعرض ذلك الجيش الذي يضم كبار اصحابه وأوائل الذين آمنوا به وبدعوته وناصروه وعزروه ، للمتاعب والمخاطر والمهالك دون ان تكون هناك حاجة لقتال الروم او نصارى العرب وانما بهدف ابعادهم عن المدينة واخلاء الجو لابن عمه كي يُتوِّجَه الملك من بعده ، هل هذا عمل انساني ونبـيل؟ هل يفعل هذا أخس الناس ، بله رسول الله ؟ اللهم لا، وحاشا رسول الله وهو من هو في خلقه وخصاله.  واين ما يقوله الشيعة من قول الله تعالى: " لقد جاءكم رسولٌ من انفسكم  عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة/128

اما اذا قلتم : انه لم يرسلهم ليقاتلوا احدا وانما مجرد لإبعادهم عن المدينة ، قلنا لكم : اين دليلكم على ذلك؟ ثم ماهو المكان المقرر ان يصله الجيش ويتوقف عنده؟ وكم هي المدة المقررة للمكوث هناك ؟ ومن المكلف بايصال خبر مبايعة علي بالخلافة  واستتباب الامر له الى قائد الجيش ان كان يعرف المهمة ؟! وان كان لايعرفها - وهو الظاهر- فتخيل انت طريقة ايصال الخبر اليه !

ثم ، بماذا يجيب القائد اسامة جنده وكيف يبرر مكوثه دون قتال ان كان يعرف المهمة؟ وان كان لايعرفها فتخيل هنا ايضا ماذا يقول لنفسه اولا وبم يجيب جيشه ثانيا؟! اسئلة كثيرة تفرض نفسها ولا تجد لها جوابا !

اما اذا قلتم ان هذا الامر لم يُبحث بين النبـي وقائد جيشه فهذا ان لم يدل على ضعف التدبير وسوء التخطيط فعلى ماذا يدل ؟  لكن كتب التاريخ تذكر لنا تفاصيل خطة الرسول ووصيته  لاسامة ، مَن يغزو ، وماذا يفعل وكيف يغزو الخ مما يدل على ان الجيش كانت له مهمة قتالية حقيقية وأن النبـي قد بحث معه كل ما يلزمه في تلك الغزوة ، فلا يعقل أن يتباحث معه كل تلك الامور الجانبـية ويغفل عن الهدف الحقيقي !

ولكن رجوع اسامة الى المدينة وعدم مغادرته لها يدل على ان اسامة لم يكن يعلم من امر هذه الخطة شيئا والاّ لسارع  بالخروج الى حيث امره رسول الله ولأبعد المتربصين بالخلافة عن المدينة  ، بدلا من ان يترك جيشه ويعود بمعية عمر وابي عبيدة - كما يعترف محمد رضا المظفر - الى المدينة ليشارك في غسل  رسول الله  وتجهيزه !

ولو قدر لهذه الخطة ان تنجح ، ولم تكن لتنجح لأنها غير موجودة، كيف كانت ستكون نظرة الصحابة الى رسولهم لو اكتشفوا انه لجأ الى هذا الاسلوب وهو الذي كان يقول لهم : "لا ينبغي لنبـي ان تكون له خائنة الاعين" اي لا ينبغي لنبـي ان يشير بطرف عينه الى بعض جلسائه او اصحابه لاداء مهمة ما !

هب ان الصحابة وهم في الطريق عرفوا الهدف من تلك البعثة ، ماذا كان سيكون موقفهم ؟ هل كانوا يمضون في طريقهم لملاقاة العدو، غير المطلوب قتاله اصلا ، ام كانوا سيقفلون راجعين الى المدينة  فورا وينقضون على دار الخلافة ويعزلون عليا ويفشلون خطة النبـي ! .هذا ما يوجبه العقل.

ان القول بان الهدف من بعثة اسامة هو ابعاد كبار الصحابة من المدينة كي يخلو الجو لعلي اضافة الى اتهام الرسول بالميكيافيلية (حاشاهr ) فانه يشتمل على تناقض كبير مع ما هو معروف من هيمنة الرسول على اصحابه ونفاذ كلمته فيهم ، فاذا كان الرسول قادرا على ان يزج كبار الصحابة في جيش تحت امرة شاب حدث مجرد من الحسب والنسب والعشيرة[12]، كيف لا يقدر على تولية علي بن ابي طالب ، ابن الواحد والثلاثين عاما، وهو الهاشمي البطل الشجاع زوج بضعة الرسول فاطمة الزهراء ، ووالد سبطيه سيدي شباب اهل الجنة الحسن والحسين ، المشهود له في القرآن وقد نزل فيه على زعم الشيعة اكثر من ربع القرآن؟!

ان دلالة تأمير اسامة على ذلك الجيش الذي ضم كبار الصحابة على قدرة الرسول وهيمنته على اصحابه ومجتمعه واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولعل هذا الامر هو من اكبر دلالاته ، وربما نستطيع القول ان احد اهداف تأمير اسامة  كان اختبار طاعة الصحابة للرسول ، وان كان هذا الاحتمال مستبعدا لانه لم يكن هناك حاجة الى اختبارهم لان السنين الماضية شاهدة على هذه الحقيقة وحافلة بعشرات ، بل بمئات  الشواهد على طاعة الصحابة للرسول ومحبتهم له وتفانيهم من اجله وهيمنة الرسول على قلوب وارواح وعواطف المسلمين وكانت هذه من الامور المسلمة التي لا تحتاج الى الاختبار وقد ساهم القرآن بصورة مباشرة ، وغير مباشرة ايضا ،  في تعزيز هذه المكانة اضافة الى ما اُوتي الرسول من الصفات القيادية التي تؤهله لقيادة اعتى المجتمعات واكثرها استعصاءً على الترويض.

  1. امر آخر في غاية الاهمية: يقول الشيعة ان الصحابة لم يمتثلوا لأمر رسول الله وتباطئوا في الخروج لصغر سن اسامة[13]، اذن لماذا لم يعمل الرسول على قطع حجتهم وسد الطريق عليهم بتبديل اسامة طالما ان الهدف الاساس من البعثة كان ابعاد هؤلاء المتربصين بالخلافة من المدينة؟ هل يُعقل ان تكون هذه الوسيلة عائقا امام تحقيق ذلك الهدف العظيم ؟ اليس هذا ايضا من سوء التدبير وضعف التخطيط؟ ان العقل يقضي ان يسارع الرسول الى تبديل اسامة ليضمن خروج الجيش بسرعة ، لا أن يتمسك باسامة ويضيع الهدف الاسمى وهو ابعاد المتربصين بالخلافة .
  2. وسؤال آخر في غاية الاهمية ايضا: هل كان الرسول يعلم بأنه يموت في مرضه هذا ام لا؟ وهل كان يعلم ان الانصار سيجتمعون في السقيفة ام لا ؟ وهل كان يعلم ان الناس سيبايعون ابابكر ام لا؟ او باسلوب آخر: هل كان عند النبـي علم بما سيحدث بعده؟

اظن ان الاجابة على هذا السؤال صعب وليس بالامر الهين وانه سيوقع الشيعة في حرج شديد ، لأنهم ان قالوا : نعم انه كان على علم بما سيحصل بعده وانه سيموت من مرضه ذلك وان الصحابة سيجتمعون في السقيفة ويبايعون ابابكر لماذا اذاً لم يخبر عليا بذلك ولم يخبره بما يفعله  لقطع الطريق عليهم ويامره بحضور السقيفة او اي مكان يجتمع فيه الصحابة ويبث عيونه بين الناس ليأتوه بأخبارهم وتحركاتهم ؟ أو لماذا امر اهل بيته بتغسيله طالما يعلم ان الناس قد يستغلون انشغالهم به ويبرمون الامر فيما بينهم بعيدا عن علي وبني هاشم؟

ألا يُعد إشغال علي بتغسيله وتجهيزه تفويتا لتلك الفرصة عليه ؟

لو كنا نفكر كالشيعة لفسرنا هذا الامر على هذا الوجه كما يفسر الشيعة بعثة اسامة على ذلك الوجه ، ولكننا نؤمن بان الرسول ما كان يخطط  لا لإمارة علي ولا لحرمان غيره، وانه ادى الرسالة على احسن وجه وانه كان يعلم بعض ما سيحصل لاُمته على وجه الاجمال سواءً من خلال معرفته بطبيعة البشر او من  اخبار الله تعالى له.

اننا لو كنا كالشيعة وتجردنا عن التقوى وعن الانصاف لقلنا ان رسول الله كان يعلم ان عليا لو تسلم الخلافة سوف تحدث مشاكل بين المسلمين ويفتتن الناس به ويؤلّهونه لذا اراد ان يتخلص منه يوم الهجرة حين امره ان يبيت في فراشه،  ثم انه حين فاته ذلك اراد ان يحرمه من الحكم من بعده لذلك امره ان يتكفل غسله وتكفينه الى ان ينتهي المسلمون من اختيار خليفتهم !

انني على يقين لو ان هذين الامرين حصلا في حق ابي بكر أوعمر لفسرهما الشيعة على هذا الوجه ولكن احدا من السنة لم ولن يفكر يوما بهذا الامر وانني ما اوردته هنا الاّ للاحتجاج على الشيعة على طريقتهم واقول لهم ان  كنتم تفسرون بعثة اسامة على هذا الوجه فانه يوجد في حق علي اجراءات يمكن تفسيرها على طريقتكم ولكننا لم ولن نفعل.

لنعد الى السؤال الذي طرحناه آنفا: هل كان النبـي يعلم بانه سيموت في مرضه ذلك  ، وانه ستحدث بعده تلك الامور ام لا؟

اذا قال الشيعة : نعم انه كان يعلم تلك الامور بتفاصيلها ، فانه يكون بذلك مقصرا في حق علي اذ لم يخبره بها وبما يفعله وقد شغله عنها عندما امره بان يتولى غسله وتجهيزه. حاشا رسول الله ان يتواطأ مع احد او يتآمر على احد او يقصر في حق احد.

اما اذا قال الشيعة ان الرسول لم يكن يعلم بانه سيموت من مرضه ذلك وما سيحدث بعد موته ، نقول: اذاً كيف تقولون بان الهدف من تجهيز جيش اسامة كان ابعاد المتربصين بالخلافة واخلاء الجو لعلي حتى يتولى الامر من بعده طالما يعلم انه سوف لن يموت من مرضه ذلك ؟

سؤالٌ، الاجابة عليه بكلا وجهيه محرج للشيعة ، وهذا يدل على ان الهدف من تلك البعثة لم يكن ما يزعمه الشيعة وان الامر لم يكن مسرحية وانما اراد النبـي على وجه الحقيقة ان يؤدب الروم ونصارى العرب وانه كان على يقين بأن الصحابة سوف لن يبخلوا على اسامة بالمشورة والنصح وأنهم سيقدمون مصلحة الاسلام على مصالحهم الشخصية وانهم سيقاتلون ببسالة تحت امرة اسامة ولن يدخروا وسعا لنصرة الاسلام وانهم سيقدمون ما تقر بهم عيون نبـيهم.

  1. نقطة اخرى ومهمة في بعثة اسامة هي :

ان التاريخ لم يذكر لنا هل زج الرسول كبار المهاجرين فقط في ذلك الجيش ام زج فيه زعماء الانصار ايضا ، لأنه ان كان قد اكتفى بزج  المهاجرين  فهذا يعني انه ما فعل شيئا لأن السقيفة اثبتت ان رجالا من الانصار كانوا يتطلعون الى الخلافة وهم الذين سارعوا، كما اسلفنا، الى اجتماع السقيفة لاختيار خليفة من الانصار وان سعدا المرشح للخلافة كان مريضا يومذاك اي انه كان في كل الاحوال سوف لن يشارك في تلك الغزوة ، ولو مات الرسول وكبار المهاجرين غياب لاُبرم الامر لسعد ولحُرم منه علي ، اي ان الاجراء كان سيكون لصالح الانصار لا لصالح علي لأن عليا على رواية اليعقوبي لم يكن ليترك جثمان النبـي مهما حدثت من امور و بذلك كانت الامور ستتعقد اكثر عند عودة المهاجرين !

وعدم زج زعماء الانصار في ذلك الجيش يدل على ان النبـي ما كان يعلم ان الانصار ايضا يتطلعون الى الخلافة وهذا ايضا دليل آخر –لو صح زعم الشيعة- على ان الرسول كان لا يعرف اصحابه جيدا وانه كان لايجيد حبك الخطط وتدبير الامور. حاشاه  مما ينسبه اليه الافاكون !

  1. وامر آخر هو ان طبيعة التوجيهات النبوية للجيش ولقائده -كما سيأتي- هي الاخرى تثبت ان الهدف منه كان قتال الروم ونصارى العرب وتأديبهم لا ابعاد الصحابة من المدينة .

الشروط المطلوبة  في الجيش الذي يُندب لأداء مهمة ابعاد المتربصين بالخلافة:

واخيرا ، هناك شروط اساسية يجب توفرها في الجيش الذي يُراد به ابعاد الصحابة عن المدينة واخلاء الجو لعلي:

1-أن يكون على رأس الجيش رجل قوي محنك خبير بالحرب ومحل قبول الجند ، لكي يضبط الجند وتكون اوامره نافذة عليهم ولا يجدون حرجا في اطاعته.

2- أن يكون قائد الجيش من مؤيدي هذه الخطة ومن اهل ثقة المخطط (الرسول)  ، لأنه لا يُعقل ان تُوكل مثل هذه الامور الى رجل معارض للخطة أو شخص لا يُوثق به.

3-أن يعلم هذا القائد الهدف من تجهيز الجيش  وطبيعة المهمة الملقاة على عاتقه ويـُخبَر بتفاصيل الخطة لكي  يقوم بها على احسن وجه ولا يدّخر وسعاً لإنجاحها.وأن يُزَوّد بالمعلومات اللازمة حول مدة مكوثه خارج المدينة وكيف يتصرف اذا سمع بوفاة الرسول  .

4- أن يُعيـَّن له بعض الاعوان الاقوياء ليعينوه على تحقيق الهدف .

 بهذه الترتيبات يمكن لمثل هذا الجيش ان ينجح في اداء مهمته ، ولكن يبدو ان بعثة اسامة كانت تفتقد الى كل هذه الامور لأداء مهمتها ان كانت المهمة، حقا، ابعاد المتربصين بالخلافة وتخلية الجو لعلي . أما ان كان الهدف ما ذكره السنة  فان الجيش كان مكتمل الشروط سوى حداثة سن اسامة  وعدم اختبار الناس له في الحرب والذي اثبت فيما بعد صحة اختيار الرسول له وصدق فراسته فيه.

تفاصيل البعثة :

وأخيرا ، أرى أنني اتعبت نفسي واتعبتكم معي بإيراد كل هذه التحليلات ، فإن ايراد قصة البعثة  كانت كفيلة بإبطال وجهة نظر الشيعة  ونسف فكرة المؤامرة ، فكما رأينا في السقيفة ، بمجرد ذكر تفاصيل ما حدث فيها تبين انه لا توجد هناك لا مؤامرة من قبل ابي بكر وعمر ولا هم يحزنون ! . لذلك فسوف نورد قصة هذه البعثة بكاملها وكما ذكرها الواقدي المعروف بميوله الشيعية في كتابه المغازي فاني رأيته احسن من اوردها من المتقدمين وهي كفيلة بإظهار الحقيقة ،و مليئة بالدروس والعبر،  واظنك قد اشتقت الى معرفتها لتعرف تفاصيل ما حدث فيها:

يقول الواقدي: قالوا: لم يزل رسول اللهيذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ، ووجد عليهم وجْداً شديدا ، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة أمر رسول الله الناس بالتهيؤ لغزو الروم وامرهم بالانكماش في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول الله وهم مجدّون في الجهاد ، فلما أصبح رسول الله من الغد يوم الثلاء لثلاث بقين من صفر ، دعا اسامة بن زيد فقال : يا اسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي الى مقتل ابيك ، فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش ، فأغِر صباحا على أهل أُبنى وحرِّق عليهم ، وأسرِع السير تسبق الخبر ، فإن ظفرك الله فأقلِل اللبث فيهم ، وخذ معك الادلاء ، وقدم العيون امامك والطلائع . فلما كان يوم الاربعاء ليلتين بقيتا من صفر ، بدأ برسول الله فصدع وحُمّ . فلما أصبح يوم الخميس ليلة بقيت من صفر عقد رسول الله بيده اللواء ، ثم قال: يا اسامة اُغز باسم الله ،في سبيل الله ، فقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ، ولا تمنّوا لقاء العدو ، فانكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ، ولكن قولوا: اللهم أكفناهم واكفف بأسهم عنا ! فإن لقوكم فاجلبوا وصيحوا ، وعليكم بالسكينة والصمت ، ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم . وقولوا : اللهم نحن عبادك وهم عبادك ، نواصينا ونواصيهم بيدك ، وانما تغلبهم انت! واعلموا أن الجنة تحت البارقة.

قالوا: ثم قال رسول الله لاسامة : "إمض على اسم الله"! فخرج بلوائه معقوداً فدفعه الى بريدة بن الحصيب الاسلمي ، فخرج به الى بيت اسامة ، وامر رسول الله اسامة فعسكر بالجرف ، وضرب عسكره في سقاية سليمان اليوم. وجعل الناس يَجدُّون بالخروج الى العسكر ، فيخرج من فرغ من حاجته الى معسكره ، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ ، ولم يبق احد من المهاجرين الاولين الا انتدب في تلك الغزوة : عمر بن الخطاب ، وابو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن ابي وقاص ، وابو الاعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال من المهاجرين والانصار عدة: قتادة بن النعمان ، وسلمة بن سلم بن جريش ، فقال رجال من المهاجرين وكان اشدهم في ذلك قولا عياش بن ابي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على  المهاجرين الاولين ؟ فكثرت القالة في ذلك ، فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول ، فرده على ما تكلم به وجاء الى رسول الله فأخبره بقول من قال ، فغضب رسول الله غضبا شديدا ، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: اما بعد ، يا ايها الناس ، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة بن زيد ؟ والله ، لئن طعنتم في امارتي اسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله ، وأيم الله ، ان كان للامارة لخليقا وان ابنه من بعده لخليق بالامارة ، وان كان لمن احب الناس الي ، وان هذا لمن احب الناس الي ، وانهما لمخيلان لكل خير ، فاستوصوا به خيرا فانه من خياركم،  ثم  نزل  فدخل بيته ، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الاول ، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع اسامة يودعون رسول الله فيهم عمر بن الخطاب ورسول الله يقول: أنفذوا جيش اسامة ! ودخلت ام ايمن ، فقالت : اي رسول الله ، لو تركت اسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل ، فان اسامة ان خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه ، فقال رسول الله : أنفذوا بعث اسامة ! فمضى الناس الى المعسكر فباتوا ليلة الاحد ، ونزل اسامة يوم الاحد ورسول الله  ثقيل مغمور ، وهو اليوم الذي لَدُّوه فيه ، فدخل على رسول الله وعيناه تهملان ، وعنده العباس والنساء حوله ، فطأطأ عليه اسامة فقبله ، ورسول الله لايتكلم ، فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يصيبها على راس اسامة ، قال فأعرف انه كان يدعو لي . قال اسامة : فرجعت الى معسكري .  فلما  اصبح يوم الاثنين غدا من معسكره واصبح رسول الله مفيقا فجاءه اسامة فقال: اغد على بركة الله! فودعه اسامة ، ورسول الله مفيق مريح ، وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته . فدخل ابوبكر فقال : يارسول الله ، أصبحت مفيقا بحمد الله ، واليوم يوم ابنة خارجة فاذن لي ! فأذن له فذهب الى السُنح ، وركب اسامة الى معسكره ، فصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر ، فانتهى الى معسكره ونزل وامر الناس بالرحيل وقد متع النهار . فبينا اسامة يريد ان يركب من الجرف أتاه رسول ام أيمن ، وهي امه ، يخبره ان رسول الله يموت ، فأقبل اسامة الى المدينة معه عمر وابو عبيدة بن الجراح ، فانتهوا الى رسول الله يموت ، فتوفي رسول الله حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشر خلت من ربيع الاول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف  المدينة ، ودخل بريدة بن حصيب بلواء اسامة معقودا حتى اتى به باب رسول الله فغرزه عنده فلما بويع لأبي بكر  امر بريدة ان يذهب باللواء الى بيت اسامة وان لا يحله ابدا حتى يغزوهم اسامة . قال بريدة : فخرجت باللواء حتى انتهيت به الى بيت اسامة ، ثم خرجت به الى الشام معقودا مع اسامة ، ثم رجعت به الى بيت اسامة ، فما زال في بيت اسامة حتى توفي اسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله وارتد من ارتد عن الاسلام ، قال ابوبكر لاسامة رحمة الله عليه: أنفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله (r)، واخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الاول ، وخرج بريدة باللواء حتى انتهى الى معسكرهم الاول ، فشق على كبار المهاجرين الاولين ، ودخل على ابي بكر عمر ، و عثمان ، وسعد بن ابي وقاص ، وابو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد فقالوا : يا خليفة رسول الله : ان العرب قد انتفضت عليك من كل جانب ، وانك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئا ، اجعلهم عدة لأهل الردة ، ترمي بهم في نحورهم ! واخرى، لا نأمن على اهل المدينة ان يغار عليهم وفيها الذراري والنساء ، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الاسلام بجرانه وتعود الردة الى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف، ثم تبعث اسامة حينئذ فنحن نأمن الروم ان تزحف الينا ! فلما استوعب ابوبكر  منهم كلامهم قال: هل منكم احد ان يقول شيئا ؟ قالوا : لا ، قد سمعت مقالتنا . فقال : والذي نفسي بيده ، لو ظننت ان السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث ، ولا بدأت بأول منه ، ورسول الله ينزل عليه الوحي من السماء يقول : أنفذوا جيش اسامة ! ولكن خصلة ، اكلم اسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا ، فانه لاغناء بنا عنه . والله ، ما ادري يفعل اسامة ام لا، والله ، ان راى لا أُكرهه! فعرف القوم ان ابابكر قد عزم على انفاذ بعث اسامة. ومشى ابوبكر الى اسامة في بيته ، وكلمه ان يترك عمر ، ففعل اسامة ، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال اسامة: نعم! وخرج وامر مناديه ينادي : عزم مني ان لا يختلف عن اسامة من بعثه من كان انتُدب معه في حياة رسول الله فاني لن أُوتى باحد ابطأ عن الخروج معه الاّ ألحقته به ماشيا. وأرسل الى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في امارة اسامة ، فغلظ عليهم واخذهم بالخروج ، فلم يتخلف من البعث انسان واحد. فخرج ابوبكر يشيع اسامة والمسلمين ، فلما ركب اسامة من الجرف في اصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم الف فارس فسار ابو بكر الى جنب اسامة ساعة، ثم قال : استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، اني سمعت رسول الله يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله ، فاني لست آمرك ولا انهاك عنه ، وانما انا منفذ لأمر امر به رسول الله . فخرج سريعا فوطأ بلادا هادئة لم يرجعوا عن الاسلام ، جهينة وغيرها من قضاعة ، فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يقال له حريث، فخرج  على صدر راحلته امامه فغدا حتى انتهى الى أبنى ،  فنظر الى ما هناك وارتاد الطريق ، ثم رجع سريعا حتى لقي اسامة على مسيرة ليلتين من أبنى ، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم ، وامره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع ، وأن يشنها غارة.

قال: فحدثني هشام بن عاصم ، عن المنذر بن جهم قال: قال بريدة لاسامة: يا ابا محمد اني شهدت رسول الله يوصي اباك أن يدعوهم الى الاسلام ، فان اطاعوه خيرهم ، وان احبوا ان يقيموا في دارهم ويكونوا كأعراب المسلمين ، ولا شيء لهم في الفيء ولا الغنيمة الاّ أن يجاهدوا مع المسلمين ، وان تحولوا الى دار الاسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، قال اسامة: هذا وصية رسول الله لأبي ، ولكن رسول الله امرني ، وهو آخر عهده الي، أن أُسرع السير وأسبق الاخبار ، وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء ، فأحرق وأُخرب ، فقال بريدة: سمعا وطاعة لأمر رسول الله .

فلما انتهى الى أُبنى فنظر اليها منظر العين عبأ اصحابه وقال: اجعلوها غارةً ولا تُمعنوا في الطلب ولا تفترقوا ، واجتمعوا واخفوا الصوت واذكروا الله في أنفسكم ، وجردوا سيوفكم  وضعوها فيمن أشرف لكم . ثم دفع عليهم الغارة ، فما نبح كلب ولا تحرك احد ، وما شعروا الاّ بالقوم قد شنوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم: يا منصور أمت !. فقتل من اشرف له ، وسبى من قدر عليه ، وحرق في طوائفهم بالنار ، وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم، فصارت اعاصير من الدخاخين. وأجال الخيل في عرصاتهم ، ولم يمعنوا في الطلب ، أصابوا ما قرب منهم وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما اصابوا من الغنائم . وكان اسامة خرج على فرس ابيه التي قتل عليها ابوه يوم مؤتة وكانت تدعى سبحة ، وقتل قاتل ابيه في الغارة ، أخبر به بعض من سبى، وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما، واخذ لنفسه مثل ذلك. فلما امسوا امر الناس بالرحيل ، ومضى الليل امامه ، حريث العذري، فاخذوا الطريق التي جاء منها، ودانوا ليلتهم حتى انتهوا بارض بعيدة ، ثم طوى البلاد حتى انتهى الى وادي القرى في تسع ليال ، ثم قصد بعد في السير ، فسار الى المدينة ، وما اصيب من المسلمين احد. فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص، فدعى بطارقته فقال : هذا الذي حذرتكم ، فأبيتم ان تقبلوه مني. قد صارت العرب تأتي مسيرة شهر تغير عليكم ، ثم تخرج من ساعتها ولم تُكْلَم . قال اخوه: سأقوم فأبعث رابطة  تكون بالبلقاء . فبعث رابطة واستعمل عليهم رجلا من اصحابه ، فلم يزل مقيما حتى قدمت البعوث الى الشام في خلافة ابي بكر وعمر(رض).

قالوا: واعترض لاسامة في منصرفه قوم من اهل كثكث قرية هناك قد كانوا اعترضوا لأبيه في بدأته فأصابوا من اطرافه ، فناهضهم اسامة بمن معه ، وظفر بهم وحرق عليهم ، وساق نعما من نعمهم ، واسر اسيرين فأوثقهما ، وهرب من بقي، فقدم بهما المدينة فضرب اعناقهم.

قال: بعث  اسامة بن زيد بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين ، وأنهم قد أغاروا على العدو فاصابوهم ، فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج ابوبكر (t) في المهاجرين ، وخرج اهل المدينة حتى العواتق سرورا بسلامة اسامة ومن معه من المسلمين، ودخل يومئذ على فرسه سبحة فكأنما خرجت من ذي خشب، عليه الدرع ، واللواء امامه يحمله بريدة ، حتى انتهى به الى المسجد، فدخل فصلى ركعتين وانصرف الى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع الاخر سنة احدى عشرة فغاب خمسة وثلاثين يوما، عشرون في بدأته وخمسة عشر في رجعته.

وهناك امور أغفلها الواقدي لها دلالاتها ، منها:

1-  طلب الانصار من ابي بكر تبديل اسامة برجل اسن منه و ردّ ابي بكر عليهم.

2-  اقوال اهالي القرى الذين مر بهم الجيش والتي مفادها ان المسلمين  لابد ان يكونوا اقوياء لكي يبعثوا بهذا الجيش الى تخوم الشام لمواجهة الروم .

3-  تكملة كلام هرقل الذي يظهر فيه تعجبه من المسلمين وهم يغزون الروم بعد وفاة نبـيهم مباشرة  .

اما عن النقطة الاولى فقد اورد الطبري هذه الرواية في كتابه تاريخه ج2 ص 246تحت عنوان ذكر ماجرى بين المهاجرين والانصارفي امر الامارة في سقيفة بني ساعدة:

حدثنا عبيدالله قال حدثني عمي قال أخبرني سيف وحدثني السري قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن أبي ضمرة وأبي عمرو وغيرهما عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل وفاته بعثا على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فوقف اسامة بالناس ثم قال لعمر ارجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس وحدهم ولا آمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت الأنصار فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة فخرج عمر بأمر أسامة وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك وإنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر فقال له ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله.

وعن النقطة الثانية فقد جاء في البداية والنهاية لابن كثير ج6 ص 336:

 فوجه اسامة ، فجعل لايمر بقبيل يريدون الارتداد الا قالوا : لولا ان لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الاسلام.

دلالات بعثة اسامة :

1-ان أول شيء يدل عليه تجهيز ذلك الجيش بقيادة اسامة بن زيد هو سلطة الرسول وهيمنته على أصحابه حيث يجهز جيشا بقيادة شاب لا يبلغ عمره العشرين عاما ولا يمتلك من الخبرة العسكرية شيئا يُذكر وارساله الى مكان بعيد يفصل بينه وبين المدينة مئات الاميال ثم يزج فيه كبار الصحابة سواءَ من الذين كانوا قادة عسكريين كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص أو من  الوزراء والمستشارين  كعمر بن الخطاب وابي عبيدة بن الجراح ، وسعد بن ابي وقاص. ان مجرد اصدار أمر من هذا القبيل دليل قاطع على هيمنة الرسول على الاوضاع وعلى مجتمعه ونفاذ كلمته فيهم ويقينه بطاعة الناس له ، ولو كان الامر خلاف ذلك لما تجرأ على طرح تلك الفكرة اساسا ناهيك عن الشروع بتنفيذها ، ولمَا أوقع نفسه في ذلك الموقف الحرج والاختبار الصعب وهو القائد المربي العارف  بالامور والمؤيد بالوحي . 

2- والامر الثاني والذي يتصل بالاول هو ان هذا الحادث يثبت مدى طاعة الصحابة للرسول وثقتهم به بحيث تذوب حيال اختياره وارادته جميع الاعتبارات ويبقى امر الرسول هو الاساس  لكل اعتبار ، فالقدم والخبرة والقرب من الرسول والمكانة الاجتماعية ،كلها تطرح جانبا إزاء إرادة الرسول، فالاعتبار لما اراده الرسول فقط لا لشيء آخر ، فإذا قال الرسول ان القائد الفلاني ، او المستشار الفلاني سيكون جنديا تحت امرة الشاب الفلاني الذي لا يمتلك الخبرة العسكرية فالكل يطيعون ولا يُلتفت الى اي شيء سوى الامر الذي اصدره الرسول . نعم كان هناك بعض الامتعاض والاعتراض على هذا الاجراء في اول الامر وهذا من طبيعة البشر ولكن العبرة بالنهاية وهي الرضوخ التام للامر.

ان الذي يُقدم على مثل هذا الاجراء ثم يُطاع هل يمكن وصفه ، ولا نقول اتهامه، بانه غير مهيمن على اصحابه او انه غير مطاع في قومه؟ اظن ان الاجابة واضحة وهي النفي التام.

    رد شبهة:

ولكن يبقى هناك سؤال مهم وهو : ان كان هذا الكلام صحيحا من طاعة الصحابة للرسول ونفوذ كلمته فيهم لماذا إذاً لم يغادر الجيش المدينة ولم يذهبوا الى حيث اُمروا؟ ألا يعد هذا مناقضا لما قلتموه ؟

هذا الامر يدندن الشيعة حوله كثيرا ويريدون ان يخرجوا منه بنتيجة مفادها ان الصحابة ما كانوا يطيعون الرسول ولا يمتثلون اوامره . وهم يترصدون جميع المواقف التي وقف فيها الصحابة موقف المستفسر من اوامر الرسول او المتباطيء قليلا في تنفيذها ليدعموا بها موقفهم العدائي  من الصحابة  دون محاولة دراسة حيثيات تلك الامور ولا دوافع الصحابة فيما كانوا يفعلونه . وفي موضوع بعثة اسامة واعتراض بعض الصحابة على تأميره وتوقف الجيش في الجرف قريبا من المدينة يلجأ الشيعة الى الطعن في الصحابة انطلاقا من  هذه النظرة السوداوية لهم والمواقف العدائية منهم .

       في الرد على هذه الشبهة نقول:

اولا: ان الذي تباطأ في الخروج أو مغادرة المدينة – ان صح ان نسمي ذلك تباطؤاً- هو قائد الجيش الذي ظل مرابطا في الجرف ولم يغادرها حتى يطمئن على صحة رسول الله  ، وكان هذا عين الصواب وما تقتضيه العلاقة الوطيدة التي تربط اسامة برسول الله وهو الحب بن الحب كما كان يسميه رسول الله ، واي انسان يطاوعه قلبه ان يترك المدينة ورسول الله يكابد المرض ولا يُدرى ما سيؤول اليه امره؟ ولو فعله اسامة  وغادر المدينة لانبرى الذين يلومونه على عدم مغادرته المدينة الى انتقاده بمغادرة المدينة ورسول الله يعاني من مرض الموت !.

ثانيا: ثم ان الرسولr لم يغضب على اسامة حين رآه عنده بل مسح على رأسه ودعا له مما يؤكد انه قدّر سبب تأخر اسامة عن المسير الى حيث امره ، وهو حب الرسول والحرص عليه ، وهذا دليل على ان هدف البعثة لم يكن ابعاد الصحابة عن المدينة. 

ثالثا: أما عن اعتراض الصحابة على تأمير اسامة فنقول:  ان الذين اعترضوا على امارة اسامة كانوا نفرا قليلا من المهاجرين على رأسهم عياش بن ابي ربيعة ، اما عمر فردّه واخبر رسول الله بمقولته ، أي ان عمر لم يكن من المعترضين على تأمير اسامة بل انكر على المعترضين اعتراضهم على رسول الله تأميره اسامة بن زيد[14].

3-  ومن دلالات البعثة:  تقيد الصحابة بتعاليم الرسول ، اولهم ابو بكر ، فانه:

 اولا: لم يلغ البعثة ولم يؤخرها رغم حدوث ظروف جديدة تسمح باعادة النظر بهذه البعثة .

 ثانيا: لم يستجب لمطالب الذين اقترحوا عليه تغيير اسامة واستبداله بمن هو اسن منه واخبر .

ثالثا : لم يزد على وصية الرسول لاسامة شيئا وانما امره بان يعمل بما اوصاه به رسول الله وقال اني سمعت رسول الله  يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله ، فاني لست آمرك ولا انهاك عنه ، وانما انا منفذ لأمر امر به رسول الله .

       وثانيهم اسامة ، فإنه حين اقترح عليه بريدة بأن يبدأ بما بدأ به ابوه زيد حين بعثه رسول الله الى مؤتة قال له اسامة ان ذلك كان من تعاليم الرسول لأبي أما أنا فقد أمرني رسول الله r بغير ذلك وافعل ما امرني به رسول الله وهذا نص كلامهما:

 قال بريدة لاسامة: يا ابا محمد اني شهدت رسول الله  يوصي اباك أن يدعوهم الى الاسلام ، فان اطاعوه خيرهم ، وان احبوا ان يقيموا في دارهم ويكونوا كأعراب المسلمين ، ولا شيء لهم في الفيء ولا الغنيمة الاّ أن يجاهدوا مع المسلمين ، وان تحولوا الى دار الاسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، قال اسامة: هذا وصية رسول الله لأبي ، ولكن رسول الله  امرني ، وهو آخر عهده الي، أن أُسرع السير وأسبق الاخبار ، وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء ، فأحرق وأُخرب ، فقال بريدة: سمعا وطاعة لأمر رسول الله .

حديث يوم الخميس:

لا يمكن الحديث عن الصحابة وعن النص والبيعة دون الحديث عن هذه الحادثة التي رواها البخاري ومسلم على لسان ابن عباس (رض) والتي يروج لها الشيعة كثيرا ، ويعولون عليها  في الطعن في الصحابة أولا، لاسيما عمر ، واعتبارها دليلا على امامة علي ثانيا، ويعدونها دليلا على عزم الرسول على تنصيب علي خليفة على المسلمين وعلى عصيان الصحابة له،  ويحتجون بها على اهل السنة ويقولون ان النبـي  rكان يريد ان يكتب كتابا بولاية علي ولكن عمر حين علم بنية الرسول حال بينه وبين كتابة ذلك الكتاب!.

   قبل ان نورد الحديث لابد ان نشير الى جملة من الامور:

  1. رُوي هذا الحديث عن ابن عباس بطريقين : طريق عبدالله بن عتبة بن مسعود وطريق سعيد بن جبير وبصيغ مختلفة كلها لا تفيد الشيعة بشيء كما سنبـين فيما بعد .

2.وهذه الصيغ فيها اختلاف كبير فيما بينها ، وهذه الاختلافات لها دلالاتها كما سنفصل فيما بعد .

 احدى هذه الصيغ ليس فيها ذكر يوم الخميس والثانية ذكر فيها يوم الخميس.

 صيغة تقول ان الرسول اوصاهم بثلاث ، واخرى لا تذكر الوصية ، وصيغة ورد فيها اسم عمر بن الخطاب ، واخرى لم يرد فيها اسمه !

فالصيغة التي تذكر الوصية تختلف عن التي لا تذكر الوصية ، فالتي لا تذكر الوصية يأتي فيها قول ابن عباس : ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم،  ولكن الصيغة التي تذكر الوصية لم يرد فيها هذه العبارة .

والصيغة التي تذكر الوصية بعضها يوحي انه اوصى في نفس ذلك المجلس  وبعضها تقول انه اوصى عند موته .

والصيغة التي يرد فيها اسم عمر تختلف عن التي لا يرد فيها اسم عمر ، فالتي يرد فيها اسم عمر تقول انه قال : ان رسول الله r قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، اما التي لا يرد فيها اسم عمر تقول انهم قالوا : (هجر رسول الله) او (ما به اهجر)  !

وللشيعة تفسير غريب حول هذا الاختلاف في هاتين الصيغتين الاخيرتين ، نابع عن موقفهم العدائي من عمر: يقولون ان القائل في الروايتين هو عمر ولكن الراوي حين ذكر اسم عمر لم يجرؤ على نسبة كلمة (هجر) اليه !

وهذا الكلام نابع عن الجهل حيث يظنون ان ابن عباس او اللذين رويا الحديث عنه رووه في عهد عمر لذا خافوا ان يوردوا اسمه او ينسبوا اليه ذلك الكلام  ولا يدرون ان الحديث روي بزمن طويل بعد عمر بدليل ان كلا الراويين اللذين رويا الحديث عن ابن عباس من التابعين ، احدهما وهو عبد الله بن عتبة ولد اما في اواخر عهد الرسول r او بعد موته بقليل وتوفي عام 74هجري أي انه كان صغيرا في عهد عمر ، وثانيهما وهو سعيد بن جبير ولد سنة 46 للهجرة أي بعد موت عمر بأكثر من ثلاثين سنة ،  فلم يكن هناك من يخشونه .

واليك الآن بعض صيغ هذا الحديث:

أ. المجموعة الاولى، عن طريق عبد الله بن عتبة:

- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :

لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النبـي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ (صحيح البخاري باب مرض النبـي ووفاته)

- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ النبـي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ النبـي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ النبـي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلَافَ عِنْدَ النبـي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.

صحيح البخاري باب قول المريض قوموا عني، باب كراهية الخلاف وَ مسلم باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه.

ب.المجموعة الثانية، عن طريق سعيد بن جبير:

 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ

يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبـي تَنَازُعٌ فَقَالُوا هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ (البخاري باب/هل يستشفع الى اهل الذمة ومعاملتهم).

- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ

يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبـي تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا(البخاري باب مرض النبـي ووفاته)

- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى فَقُلْتُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي فَتَنَازَعُوا وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبـي تَنَازُعٌ وَقَالُوا مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ قَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ أُوصِيكُمْ بِثَلَاثٍ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ قَالَ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَهَا فَأُنْسِيتُهَا(مسلم باب/ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه).

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما – يَقُولُ: يَوْمُ الْخَمِيسِ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى . قُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ فَقَالَ « ائْتُونِى بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا » . فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِى عِنْدَ نَبِىّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا لَهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ . فَقَالَ « ذَرُونِى ، فَالَّذِى أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِى إِلَيْهِ - فَأَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ - أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ » . وَالثَّالِثَةُ خَيْرٌ ، إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا ، وَإِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا . قَالَ سُفْيَانُ هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ .(البخاري باب اخراج اليهود من جزيرة العرب) أي ان سليمان لا يدري هل سكت عنها سعيد بن جبير او ذكرها سعيد ونسيها هو.

المجموعة الاولى  رواها الزهري عن عبيد الله ( احد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة) عن ابيه عبد الله بن عتبة التابعي ابن اخي عبد الله بن مسعود المولود في اواخر عهد النبـي او بعد موته بقليل و المتوفى سنة 74 للهجرة وهي تختلف عن المجموعة الثانية بامور :

  1. ليس فيها اشارة الى يوم الخميس.

2.ليس فيها ذكر الوصية وانما جاء فيها ان الرسول اخرجهم من البيت.

  1. ذكر فيها اسم  عمر بن الخطاب .
  2. ليس فيها لفظة : (هجر ) او(ما به أهجر ) وانما فيها عبارة: (ان رسول الله قد غلبه الوجع عندكم القرآن حسبكم كتاب الله) .
  3. جاء فيها عبارة : ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب . أي ان الرسول لم يكتب وصيته تلك ولم يبلغها.

اما المجموعة الثانية فقد رواها مجموعة من الرواة عن سعيد بن جبير الذي ولد سنة 46 للهجرة وتوفي سنة 95 للهجرة عن تسع واربعين سنة قتله الحجاج بن يوسف لمشاركته في ثورة عبد الرحمن بن الاشعث ، نلاحظ فيها:

 1.ذكر فيها يوم الخميس .

 2.ورد فيها الوصية ولكن بصيغ مختلفة : واحدة بصيغة (وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ) مما يفيد ان الوصية لم تكن في نفس اليوم ونفس المجلس واخرى بصيغة: (اوصاهم بثلاث ) و (اوصيكم بثلاث) وثالثة بصيغة (فامرهم بثلاث) مما يفيد انه اوصاهم في ذلك المجلس .

  1. لم يرد فيها اسم عمر .
  2. ورد فيها عبارة:( هجر رسول الله) او ( مابه أهجر استفهِموه) .
  3. ورد فيها عبارة : ( دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعوني اليه).
  4. لم يرد فيها عبارة :( ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب)

هذه الاختلافات تدل على ان ابن عباس روى هذه الحادثة مرتين ، مرة لعبد الله بن عتبة بن مسعود ومرة لسعيد بن جبير ولكن لماذا ورد فيها كل هذه الاختلافات ؟ لا ادري ! لعل سعيد بن جبير سأله ان كان رسول الله قد اوصى بعد ذلك ام لا.

والمشترك بين هاتين المجموعتين هو :

  1. انه كان في يوم اشتداد المرض برسول الله .
  2. ان رسول الله أراد ان يكتب كتابا لا يضلون بعده.
  3. حصل اختلاف وتنازع بين الحاضرين وعلى اثره لم يتم احضار الكتف والدواة ، وعليه لم يتم كتابة الكتاب الذي ازمع رسول الله كتابته.

فهل هاتان الروايتان تتحدثان عن حادثة واحدة ام عن حادثتين مختلفتين؟ الراجح انهما تتحدثان عن حادثة واحدة لأن المفاصل الرئيسية في الروايتين واحدة ، واهم اختلاف بينهما هو الوصية ، ففي رواية اوصى الرسول وفي الاخرى لم يوص ! ويمكن التوفيق بينهما بالقول بان الرواية التي رواها سعيد بن جبير عن ابن عباس والتي ذكرت الوصية ، لانه قد يكون سعيد بن جبير تتبع الامر واستفسر عنه ابن عباس فتوصل الى ان الرسول قد اوصى في ذلك اليوم، اما عبدالله بن عتبة فيبدو انه لم يستفسر عن ابن عباس عما اذا كان النبـي اوصى بعد تلك الحادثة ام لا فاوردها كما سمعها من ابن عباس مما توحي ان الرسول حين امتنع الحاضرون عن احضار الدواة والقرطاس اكتفى باخراجهم من البيت.  

والآن وبعد ان سقنا هذه الروايات تعال بنا لنحللها لنرى هل فيها مستمسك للشيعة ودليل على ما يقولون ام لا؟ وسندرسها من جهتين : من جهة عدم دلالتها على امامة علي ، ومن جهة عدم دلالتها على مخالفة الصحابة للرسول واساءة الادب معه .

اولا : من جهة عدم دلالتها على امامة علي:

1-  يقول الشيعة ان الوصية التي يدعي الراوي انه نسي الثالثة منها في الحقيقة انه لم ينسها ولكنه أخفاها عن عمد لأنها كانت في امامة علي ، فأخفاها اما خوفا من السلطة اولأنها كانت مخالفة لهواه !

والجواب:

أ.  ان الذي روى هذا الحديث هو سعيد بن جبير الذي يعده الشيعة منهم فكيف يخفي هذه الوصية ان كان في امامة علي لاسيما وان سعيدا لم يكن خائفا من السلطة بل واجههم بكل شجاعة وآثر الموت على الاعتراف بخلافة عبد الملك بن مروان .

ب.  لو كان الراوي متعمدا اخفاء الوصية الثالثة وتجرأ على ذلك فلماذا لم يبدلها من اساسها ويقول بانها كانت في ولاية ابي بكر بدلا من اخفائها ؟ فالذي يتجرأ على اخفاء حقيقة لأغراض سياسية أو خوفا من السلطان ، يستطيع ان يبدلها بشيء يخدم السلطة ويجلب به نفعا لنفسه ويتقرب به من السلطان.

ج.  جاء في احدى الروايات هذه العبارة: (والثالثة خير) فلو كانت في امامة علي وبهذه الاهمية لما نسيها ولما قال عنها انها خير ، بل ربما قال والثالثة عظيمة لا أقدر أو لا أجرؤ على البوح بها لانني لو بحت بها لفعل بي كذا وكذا ، كما قال ابو هريرة مرة : (حفظت من رسول الله وعائين فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم )[15]، لا سيما وان الرواة غير متهمين بمعاداة علي !

  2-  هذا الحديث رواه البخاري ومسلم واحمد والنسائي وغيرهم و ظاهره ذم للصحابة فلم يثنهم ذلك عن روايته مما يدل على ان رواة السنة وعلى رأسهم الصحابة رووا كل ما سمعوه من الرسول، مالهم وما عليهم، وهو يكفي لرد اتهام الشيعة لهم بانهم لم يرووا جميع ما سمعوه من الرسول خوفا من السلطات او لاعتبارات سياسية او مذهبية او غيرها. فلو كان الصحابة من النوع الذي يخفون الحقائق أو يبدلونها لما رووا الاحاديث التي توحي ظاهرها بذمهم ، او الاحاديث التي تمدح عليا واهل بيته . فوجود مثل هذه الاحاديث يدل دلالة قاطعة على ان الصحابة والتابعين ماكانوا يراعون السلطة السياسية في رواية الاحاديث وانهم اتسموا بالصدق والامانة والانصاف في كل ما رووه من احاديث. واما احتجاج الشيعة بقول ابي هريرة بانه لو بثّ كل ما عنده من احاديث  لقُطع بلعومه يفسر بأن أبا هريرة قصد منه ذلك المجلس فقط وليس على الدوام  لأنه روى احاديث كثيرة يوحي ظاهرها بذم حكم  بني امية ، واحاديث كثيرة اخرى في مدح علي واهل بيته وسائر افراد أهل البيت ، فلو كان ابو هريرة مـُخفياً شيئاً لأخفى هذه الاحاديث ، ولكنه لم يفعل مما يدل على ان الخوف من السلطة لم يكن حائلا دون رواية ما سمعوه من رسول اللهr . نعم جاء فيما بعد اناس  وضعوا احاديث على لسان الصحابة لدعم فكرة سياسية او للترويج لمذهب معين وقد تصدى علماء الحديث لتلك المحاولات ووضعوا قواعد صارمة للحيلولة دون تشويه الاسلام وقد نجحوا في ذلك ايما نجاح،  ولكن لم يستطيعوا ان يوقفوا تلك الحملة لأن ذلك ليس في مقدورهم ولا في مقدور غيرهم ، ويكفي انهم وضعوا لنا قواعد متينة للحكم على الروايات وتمييز صحيحها عن سقيمها.

    3- ان كان المقصود من ذلك الكتاب كتابة عهد بامامة او خلافة علي، كما يقول الشيعة، عندئذ نسأل: ما الحاجة الى كتابة هكذا عهد  لعلي وقد اُخذت له البيعة  في غدير خم ،كما يزعم الشيعة، قبل بضعة اشهر ؟ وان القرآن، في زعمهم ، قد نص على امامته قبل ذلك في آيات عديدة ، والرسول نص عليه في احاديثه ، وانه قد تَوّج آيات القرآن ووصاياه ببيعة غدير خم ، فما الحاجة بعد ذلك الى كتابة كتاب يعهد فيه بالخلافة لعلي ؟ اليس هذا بمثابة تحصيل الحاصل؟

 اذا كان الصحابة قادرين على اخفاء او اهمال بيعة  جرت امام الملأ واشترك فيها مالايقل عن مائة الف رجل وامرأة، كما يزعم الشيعة[16]، فما الذي يمنعهم من اهمال كتاب كتبه في مرض موته امام بضعة اشخاص ؟ وإذا كان علي قد تقاعس او خشي، حاشاه، عن المطالبة بحق شهد عليه مائة الف و الاحتجاج به على ابي بكر وعمر، فهل يجرؤ على الاحتجاج بكتاب يكتبه الرسول امام بضعة أشخاص؟

 وليس هذا فحسب بل يقول الشيعة ان النبـي r اعلن امامة علي في مكة في حديث الدار قبل غدير خم بحوالي عشرين سنة، والآيات التي يستدلون بها على امامة علي جاءت بين هاتين الفترتين ،  وهذا يستلزم ان تكون امامة علي قد وصلت خلال تلك الفترة الى مرتبة الامور المسلمة و المعلومة من الدين بالضرورة، ولا يمكن ان تكون مسألة بهذه الاهمية وهذا الوضوح خافية على الصحابة ، وعليه كان يجب ان يتعامل الناس مع علي كنائب للنبـي في كل الامور وان ينظروا اليه كولي للعهد فيرجعوا اليه في امورهم وان يكون له دور حيوى في حياة النبـي، لاسيما في مثل هذه المواقف، كذلك يستلزم ان يُوكل النبـي اليه الامور في حياته وان يجتمع الناس اليه فور وفاة الرسولr ليبايعوه ، فلم يكن هناك ادنى حاجة الى كتابة كتاب بامامته .

كذلك لم تكن هناك حاجة الى مخاطبة جميع الموجودين في البيت ان كان القصد منه كتابة كتاب بامامة علي بل كان يكفي ان يستدعي عليا ويكلفه باحضار الدواة والقرطاس بصفته نائبا له ، لا ان يخاطب جمهور الحاضرين باحضار الدواة والقرطاس ليكتب لهم وصيته ، و يستلزم ان يتعامل مع علي على اساس انه خليفته  فيوصيه ، لا ان يكتب له كتابا بامامته وكأنه لم يبينها من قبل ، ولأنه لو كانت هذه الايات والاحاديث والاحداث دالة على امامة علي كان يجب ان تصبح امامة علي من الامور المسلمة التي لا يعذر احد بجهلها كالايمان بالله ورسوله واليوم الآخر والصلاة والصوم ، وان كان هناك حاجة الى تذكير الناس بها لاستوجب ان يكون شبيها بصيغة التذكير ببقية الامور كالصلاة والصوم وتقوى الله ، أي التذكير بعدم التهاون في شان الامامة والتاكيد على طاعة علي لا عرضها بصيغة كانها لم تعرف من قبل وكأنها تذكر لأول مرة!

4- ان القول بأن الرسول كان يريد ان يكتب كتابا بإمامة علي مع وجود كل تلك النصوص و بعد حادثة الدار وبيعة الغدير -كما يسميها الشيعة- يلزم منه القول بأن الرسول ما لجأ اليه الاّ لعلمه بأن الصحابة سوف يتنكرون لكل تلك الامور لذا اراد ان يوثقها بالكتاب والاّ لو علم انهم سيمتثلون اوامر القرآن واوامره لما لجأ الى كتابة الكتاب ولأوكلهم الى ايمانهم ، وفي هذه الحالة كان يستوجب ان يتخذ اجراءات اكثر صرامة مما فعل،  كأن :

أولا- يأمر بكتابة ذلك الكتاب قبل ذلك اليوم، أي في ايام صحته لا يوم يشتد به المرض ولا يقوى على الحركة !

ثانيا- يجمع الناس في المسجد ويبلغهم صراحة وبوضوح دون لبس بان عليا خليفته من بعده  ليقطع الطريق على المعارضين ، او يدعو بعض اصحابه ممن عرفوا بالولاء لعلي كالعباس وابو سفيان وابوذر والمقداد وغيرهم ويملي عليهم الكتاب ويأمرهم بأن يقرؤوه على الناس بعد موته اذا احسوا أنهم مالوا عن علي الى غيره ، او يقرؤوه بعد موته مباشرة ولم يكن احد يجرؤ على اتهام كتبة الوصية بالتزوير او يخرجوا على مقتضى الوصية ،كما فعل ابو بكر عندما املى وصيته على عثمان بتولية عمر ولم يجرؤ احد على اتهام عثمان باختلاق الوصية من عنده ، كما لم يجرؤ احد على مخالفة وصيته ، وكما فعل سليمان بن عبد الملك حين اراد ان يصرف الخلافة عن اخوته ويوصي بها لابن عمه عمر بن عبد العزيز دعا حاجبه رجاء بن حيوة واملى عليه وصيته وامره ان يقرأه على الناس فقرأه عليهم بعد موت سليمان ومع ذلك لم يملك احد مخالفته رغم المعارضة الشديدة من ابناء عبد الملك .

ثالثا- يأمر عليا بأن يؤم الناس بالصلاة وان يرسله اميرا على الحج بدلا من ابي بكر لكي لا يتخذوها ذريعة للمطالبة بالخلافة، فهذه الاجراءات توحي للناس بأن هذا الشخص هو نائبه . والغريب في الامر ان الشيعة يحتجون بارسال علي مبلغا لسورة براءة ويستدلون بها على امامته ونيابته للرسول في حين ان ابا بكر ظل هو الامير على الحج ، فهذه الحادثة واضحة الدلالة على ان عليا كان بمثابة المبعوث الخاص للرسول لابلاغ تلك الرسالة الى المشركين ، وهذا الامر يحدث في عصرنا ايضا فان الرؤساء يبعثون بمبعوثيهم الخاصين الى بعض الاماكن للاشراف على بعض الامور بانفسهم مع وجود نواب رسميين لهم او وجود رؤساء لتلك المقاطعات، كما ان هناك ناطقين رسميين باسم الرؤساء او مكاتبهم دون ان يكونوا نوابا لهم في ادارة البلاد او نوابا لهم بعد موتهم .

ربما يقول الشيعة أن الرسول اتخذ اجراءا عمليا لتولي علي الخلافة وذلك بتجهيز جيش اسامة وزج كبار الصحابة فيه لابعادهم عن المدينة ريثما يتم الامر لعلي ، نقول : لقد اثبتنا بطلان هذا الرأي وتحدثنا عنه بما فيه الكفاية واثبتنا ان مثل ذلك الاجراء لم يكن ليحقق ذلك الهدف . ولو سلمنا جدلا بان الهدف كان اخلاء الجو لعلي فقد فشلت الخطة وعلم الرسول بذلك ، ألا يستوجب هذا أن يجد البدائل ؟ ولنفترض انه لم يجد متسعا من الوقت لاتخاذ اجراءات جديدة، ألم يكن في وسعه ان يؤكد عليه شفويا كما فعل في جيش اسامة فظل يكررها : أنفذوا جيش اسامة فيقول ولُّوا عليا من بعدي ؟  

5-  أن الشيعة حين  يتحدثون عن حادثة يوم الخميس يتحدثون عنها بصيغة توحي وكأن الامر لم يُذكر من قبل، ولم يكن معروفا للناس قبل ذلك، ولم يتخذ بشأنها اجراءات ولم ترد في حقها آيات او احاديث! وعليه فالقول بان النبـي اراد بهذا الكتاب ان ينص على امامة علي يهدم كل الادلة التي يسوقها الشيعة على امامة علي بدءا بحديث الدار ومرورا بالآيات والاحاديث التي جاءت في امامة علي ، وانتهاءا ببيعة الغدير ، لأنه لو كان قد بويع بالخلافة لعلي في غدير خم وورد في حقه كل هذه الآيات والأحاديث، لم تكن هناك حاجة الى كتابة كتاب جديد حول هذه المسألة ولاكتفى بالتأكيد على انفاذ وصيته في امامة علي كما كان يوصي بانفاذ جيش اسامة ويؤكد عليه ، او كما اوصى في عرفة وغيرها.

 6-  لنفترض ان عمر حال بين رسول الله وكتابة ذلك الكتاب ، وكان ذلك يوم الخميس ، ولكن الرسول ظل على قيد الحياة الى يوم الاثنين ، اي عاش بعد تلك الحادثة اربعة ايام ، لماذا لم يَدْعُ احدَ اصحابه او مجموعة منهم ليملي عليهم كتابه وعهده، لاسيما اذا كان الكتاب بهذه الاهمية؟                                 

  7- هل كان علي والعباس وباقي افراد اهل بيت النبـي حين اراد ان يكتب الوصية في البيت ام لا ؟

ان قلتم انهم لم يكونوا هناك ، فهل يعقل ان يقدم الرسول على مثل هذا الامر الخطير المتعلق بامامة علي في غياب علي والعباس ؟ أليس هذا الاجراء منافياً للحكمة لا سيما وأن رسول الله r يعرف ان هناك معارضين لهذا الامر على رأسهم عمر؟

وماذا عن علي ؟  هل يعقل ان يسكت حين سمع بالخبر ؟ ألم يكن من المفروض ان يذهب الى الرسول r فور سماعه بالحادث ويطالبه بكتابة الوصية ، او يذهب الى الذين حالوا دون كتابة الوصية فيعنفهم ويوبخهم ويجمعهم عند الرسول ليملي عليهم الكتاب ؟ لكنه لم يفعل شيئا من ذلك مما يدل على ان الامر لم يكن بذلك الاهمية ولم يكن يخصه هو.

وان قلتم انهم كانوا في البيت فأين دورهم لاسيما علي والعباس ؟

 الم يدرك علي او أي واحد من اهل بيت الرسول بان الرسول كان يريد كتابة عهد لعلي؟  لماذا لم يقفوا في وجه عمر او الذين ارادوا صرف الرسول عن كتابة وصيته ؟ ولماذا لم يستكتبوه طوال تلك الايام ؟ لماذا لم يذهب علي، وهو صاحب الشأن، الى رسول الله ويسأله عنه او يطلب منه ان يكتبه، وكذلك ابن عباس الذي ظل متحسرا على ذلك اليوم وذلك الكتاب، لماذا لم يذهب هو الآخر الى رسول الله ليسأله عنه ويستكتبه اياه بدلا من ان يظل متحسرا عليه؟

 اين دور علي ؟ لماذا لا يُشاهَد في مثل هذه المواقف والاحداث الخطيرة ؟ ! لماذا لم يبادر الى احضار الكتف و الدواة ليكتب رسول الله كتابه؟ ما له يسكت على هذه المخالفة لاسيما وهو يرى ان المسألة تعنيه وأن الرسول يريد ان يكتب كتابا لتثبيت امامته ؟ ما باله يجبن امام عمر ولا يعترض على اي شيء يفعله وهو البطل الشجاع القوي الذي لا يقدر على مقارعته احد[17]!. ألم يكن من كبار الصحابة ومن اجلّهم ؟ ام انه لم يكن كذلك وكان دوره هامشيا وكان ابوبكر وعمر مقدَّمين عليه واصحاب الكلمة في تلك الامور الخطيرة. انك لاتكاد تجد لعلي مشاركة فعلية ولو بكلمة في مثل هذه الامور. هل يتفق هذا مع ما يدعيه الشيعة من ان النبـي كان يمهد لولاية علي وان الناس كانوا يرونه خليفة رسول الله من بعده؟

   8-   وامر آخر بالغ الاهمية وهو انه لو كان المراد بالكتاب النص على ولاية علي لماذا اذاً لم يحتج  علي او ابن عباس بهذه الواقعة في محاججة الخصوم ؟ هل الشيعة اعلم بمراد رسول الله من علي او ابن عباس الذي روى الحديث؟

من أين عرف الشيعة بأن الرسول كان يريد ان يكتب كتابا بولاية على؟ هل عندهم دليل على ذلك من اقوال علي اوذريته او حتى ابن عباس الذي ظل متحسرا على ذلك اليوم؟ وهل كان علي يعلم بذلك ؟ ان كان يعلم به لماذا لم يصرح به وسكت عنه؟ وان كان لايعلم بنية الرسول فمن اين عرف الشيعة ذلك ؟ هل هم اعلم من علي ؟

هذا يدل على احد احتمالين لاثالث لهما : اما ان تكون الرواية مختلقة  او ان يكون المراد به شيئا آخر غير امامة علي.

اما كون الرواية مختلقة فلا يمكن القول به لانه من رواية البخاري ومسلم ، صحيح انه لم يروها من الصحابة سوى ابن عباس وكان يتطلب ان يرويها اكثر من واحد لاهميتها ولحدوثها امام جمع من الناس ، ولكن مع ذلك لا نملك ردها لانها جاءت كما قلت في كتب الصحاح ولست من اهل الصنعة حتى اتكلم في سندها والذي به صُحح الحديث . يبقى ان نبحث في مدلولها الذي حار فيه كثير من العلماء ، فشرقوا وغربوا دون ان يأتوا بتفسير يشفي الغليل ! اما الشيعة فقد كفوا انفسهم عناء البحث وسارعوا الى القول بانها كانت في امامة علي ويجزمون بذلك ويتخذونها كما قلت مطية للطعن في الصحابة واتهامهم بمعصية الرسول والرد عليه في حياته وبعضهم يذهب الى ابعد من ذلك حيث يستدل بها على كفر الصحابة لا سيما عمر! اما انا فقد رأيت فيها غير ما يرى الشيعة وقد فتح الله عليَّ فهمها فوجدت فيها دليلا قاطعا على طاعة الصحابة للرسول والتي  انا بصدد بيانها .

وهذه الحادثة ، كغيرها من الحوادث التي يتخذها الشيعة مطية للطعن في الصحابة ، هي في الحقيقة قبل ان تكون طعنا في الصحابة طعن في علي ، لتهاونه هو الآخر في احضار القرطاس والدواة ، وعجزه عن اسكات المعارضين ، في حين كان يجب عليه ان يبذل كل ما في وسعه من أجل تمكين الرسول r من كتابة وصيته بصفته نائبا عن النبـي اولا وصاحب الشأن ثانيا،  ثم سكوته عن الاستدلال بها لتأكيد حقه في الخلافة ! ..الخ

9- ان عدم رواية علي لهذا الحادث فيما بعد وعدم احتجاجه به على خصومه ومنافسيه يدل على احد امرين:

اما أنه لم يفهم منه ان الرسول  rكان يريد ان يوصي بامامته هو، أو انه كان هو الآخر من الممتنعين عن احضار الكتف والدواة مخافة ان يوصي رسول الله بالخلافة لغيره فلا يناله بعده ابدا . وهذا الاحتمال الاخير يؤيده الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس ان العباس طلب من علي ان يذهبا الى الرسول فيسألاه عن الخلافة بعده فامتنع علي قائلا : انا والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده. وهذا هو نص الحديث في البخاري:

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا فَقَالَ عَلِيٌّ إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري فب باب مرض النبـي

10-  وامر آخر له دلالات مهمة وهو : لماذا يؤكد الراوي على ذكر اسم عمر دون  بقية الصحابة الموجودين في الدار، لاسيما ابو بكر وعلي وباقي كبار الصحابة ؟ هل هذا اشارة الى قوة شخصية عمر ونفوذ كلمته ، أو ان هناك ايدي شيعية وراء هذه الرواية التي تضمر الطعن لعمر بن الخطاب وتريد ان تحمله مسؤولية عدم كتابة الوصية ؟

عندي انها دليل على مكانة عمر واهميته لا سيما وانها رويت بعد وفاة عمر ، أي بعد ان حكم المسلمين عشر سنين وكسب فيها اهمية كبرى اضافة الى اهميته ومكانته في عهد الرسول حيث اصبح لاقواله ومواقفه ثقلا اكبر واهمية اكبر، عليه لا يمكن القول بان هناك ايدي شيعية وراء زج اسمه في الحادثة .

11-  لماذا انفرد ابن عباس بذكر هذه الحادثة رغم اهميتها وخطورتها؟ اليس من المفروض لمثل هذه الاحداث المهمة التي تقع على مرآى ومسمع عدد كبير من الصحابة ان يرويه اكثر من واحد ممن حضرها وشهدها؟ ولو كان الامر بهذه الاهمية لانتشر خبره بين الصحابة ولذكر لنا التاريخ تحدث الناس به وتناقلهم له فيما بينهم ، ولكن بما انه لم يروه احد ممن حضر هذه الحادثة لاعلي ولا غيره من المقربين منه والمؤيدين له فانه يدل على ان الامر لم يكن بتلك الاهمية ، وانه لم يكن في شأن امامة علي. ويبدو ان ابن عباس روى هذا الحديث في ايام الفتن وايام الصراع على السلطة ظنا منه ان الرسول كان سيحسمه في تلك الوصية او انه لولعه بالعلم تحسر على فوات ذلك الشيء عليه وود لو انه عرفه.

ثم ان من المؤكد أن ابن عباس روى هذا الحديث بعد موت عمر بمدة طويلة بدليل ان  سعيد بن جبير ولد سنة 46 للهجرة كما اسلفنا و عبد الله بن عتبة كان صغيرا عندما مات عمر ومع ذلك لم يطعن في عمر ولا في الذين حالوا دون كتابة تلك الوصية وانما كل ما في الامر انه تحسر على ذلك اليوم وما حدث فيه من الحيلولة دون كتابة الوصية.

 12-  لوكان الرسول يقصد فعلا كتابة عهد بالولاية لعلي فهذا يعني أن تولي علي للخلافة كان سيقي المسلمين من الوقوع في الضلال الى الابد، والشيعة على قناعة تامة بهذا الامر ، ولكن هل حقا تولي علي للخلافة كان سيقي المسلمين من الوقوع في الضلال ؟ هذا يجيب عليه التاريخ وتخبرنا الوقائع بأن تولي علي للخلافة  لم يكن غير عاصم للمسلمين من الوقوع في الضلال فحسب بل كان عهده من اكثر العهود اضطرابا وان الناس في عهده وقعوا في فتن شديدة، فمنهم من عاداه وخرج عليه ، ومنهم من غالى فيه ورفعه فوق مقام النبوة، وبعضهم رفعه الى مقام الالوهية ، والذين لم يغالوا فيه واتّبعوه قد أتْعبوه أيّما إتعاب وكانوا كثير العصيان له وكان هو كثير الشكوى منهم  وقد ملئوا قلبه غيظا وقيحا وود لو ان معاوية صرفهم بجنوده صرف الدينار بالدرهم كما يقول هو  tفي نهج البلاغة  .[18]

إذن فان ولاية علي لم تعصم الناس من الضلال كما رأينا ، ولكن الشيعة يكابرون ويصرون على أن ولاية علي كانت ستقي المسلمين من الوقوع في الضلال لو انه تولى الامر مباشرة بعد وفاة رسول الله ! وبعضهم يقر بهذه الحقيقة –اي ان ولاية علي لم تعصم الناس من الضلال- ولكنه يلجأ الى تأويل غريب وهو ان المراد من ولاية علي الولاية الدينية وليس الولاية السياسية ، وللاجابة على هذا نقول:

اولا: لو كان المراد بالامامة ، الامامة الدينية، لما حصل كل هذا النزاع بين السنة والشيعة عبر التاريخ ولما استشهد الحسين ولما تعرض ائمة اهل البيت الى ما تعرضوا اليه في زمن الامويين والعباسيين . وهناك فرق كبير بين الامامة الدينية والامامة السياسية ، فالامام السياسي (الخليفة) طاعته واجبة على كل المسلمين اما الامام الدينى فطاعته غير واجبة على كل المسلمين لذلك لو ادعى اي شخص الامامة الدينية لما تعرض للسجن والقتل بعكس الامامة السياسية ، فالذين تبوؤوا مناصب دينية كمحمد الباقر وجعفر الصادق لم يتعرض لهم احد بسوء الاّ في عهد هيمنة المعتزلة الذين نصبوا محاكم التفتيش للعلماء ومارسوا الارهاب الفكري على مخالفيهم ، ثم انه لايجوز ان يكون للمسلمين خليفتان في آن واحد ولكن يجوز ان يكون هناك عشرات من ائمة الدين ليس في آن واحد فحسب بل في بلد واحد ايضا..

ثانيا: ولو افترضنا ان الرسول كان يريد بالامامة الامامة الدينية ، فهذا ايضا ما منع اتباع علي من الوقوع في الضلال وهو على قيد الحياة فضلا عن غيرهم ،كما حدث للخوارج والغلاة.

ثالثا: لم تكن هناك حاجة لكتابة كتاب باتباع علي فاتباعه ايضا لايعصم الناس من الضلال الابدي لأنه لابد ان يموت ، واذا مات فسيترك بعض التعاليم ، وهذه التعاليم حتما سوف لن تكون مغايرة للكتاب والسنة وليس فيها شيء جديد كما انها ليست اهم من الكتاب والسنة ، فالكتاب والسنة هما الاصل واذا كان هناك حاجة الى دعوة الناس الى التمسك بشيء فدعوتهم الى التمسك بالكتاب والسنة اولى من دعوتهم الى التمسك بغيرهما ، واذا كان هناك تعاليم  يفترض لها ان تقي الناس من الوقوع في الضلال فتعاليم القرآن والسنة اولى من غيرهما بتحقيق ذلك.

  13-  وامر آخر: ان اكثر تعاليم الرسول كانت شفاها فحفظها الصحابة وبلّغوها ونفذوها ، فإذا حال بعض الناس دون كتابة الوصية لماذا لم يلجأ الرسولr الى هذا الاسلوب فيخبرهم بفحوى تلك الوصية فيبرىء ذمته امام الله ويقيم الحجة على الصحابة ويقطع الطريق على من اراد ان يحول دون كتابة تلك الوصية ان كانت بتلك الاهمية وكان تبليغها واجبا؟!.

14-  من المعلوم ان علاقة ابن عباس بعمر كانت قوية جدا وانه كان من المقربين اليه وان عمر كان يوقره جدا ويقدمه على كثير من الصحابة ، فهل يعقل ان يعتقد في حق عمر هذا الشيء ويتهمه بهذه التهمة ثم يخالطه تلك المخالطة الشديدة؟ ثم ان علاقة ابن عباس بعمر كانت اقوى وافضل من علاقته بعلي وان علاقته بعلي ساءت في اواخر خلافة علي بعد ان اتهمه بالاختلاس وعزله ، وان عهد عمر كان افضل من عهد علي بمئات المرات ، فهل يعقل ان يورد حديثا فيه ذم لعمر ومدح لعلي او فيه اشارة الى امامة علي وهو في هذه الحال؟ وليس هذا فحسب بل يتحسر عليه كل ذلك التحسر! نعم لو كان عهد عمر عهد فتن واضطرابات وعهد علي عهد استقرار وازدهار لحق لكل من شهد حادثة الخميس وظن انها كانت في امامة علي ان يذكرها بأسف ويتحسر على عدم امتثال الناس لها .

15-  سؤال آخر : هل بلغ الرسولr فحوى الكتاب الذي كان مزمعا على كتابته ام لا؟ ان قلتم نعم بلغه فلم يبق فيه مستمسك لكم على امامة علي الاّ اذا اصررتم على ان قول الراوي انه نسي الوصية الثالثة انها كانت فحوى ذلك الكتاب، وهذا رددناه من قبل وبينّا بطلانه ، اما اذا قلتم انه لم يبلغه فعندئذ يكون عمله هذا متعارضا مع جملة من الامور: انه يتعارض مع القرآن والسنة ، ومع العقل والمنطق، ومع القيم والاخلاق النبـيلة، ويتعارض ايضامع روح الرسالة التى جاء بها محمدr ، واخيرا يتعارض مع حقائق التاريخ التي تؤكد هيمنة الرسول على الصحابة وخضوع وطاعة الصحابة له . واليك هذا الامر بشيء من التفصيل:

 انه يتعارض مع القرآن لأنه يعارض الآية التي تقول " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا"، كما يعارض آية   " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك فان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس". كما انه يعارض سنة الرسول، فهناك احاديث صحيحة صريحة على ان الرسول r قد بلغ رسالة الله كاملة وادى الامانة التي القاها الله على عاتقه ، منها حديث : "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك"[19]، وحديث "ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه فلا يستبطئن أحد منكم رزقه إن جبريل ألقى فى روعى أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا فى الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية فإن الله عز وجل لا ينال فضله بمعصية"[20].

و نحن نسأل: ماهو هذا الشيء الذي تتوقف عليه هداية الامة ولم يبينه الرسول الى تلك اللحظة ثم حين جاء وقت بيانه امتنع عنه لمعارضة بعض الصحابة؟ ألا يعد هذا مخالفة من الرسول للامر الالهي الذي ذكرناه آنفا؟ هل يحق للنبـي ان يخفي شيئا تتوقف عليه هداية الامة لمعارضة عمر او غيره من الصحابة، في حين يقول الله تعالى "أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (الزخرف/5)  اي ان الله جل جلاله لم يمتنع عن ارسال الرسل رغم تكذيب الناس لهم وقتلهم اياهم واضطهادهم لهم  واعراضهم عنهم وعن دعوتهم.

 كيف يخفي رسول اللهامرا يقي الامة من الوقوع في الضلال الى يوم القيامة ؟ اليس هذا مخالفا لما فعله خلال ثلاثة وعشرين عاما ؟ لقد ظل رسول الله يدعو الناس ويجاهد ويتعب طوال كل تلك المدة من اجل هداية الناس ، حتى اذا وصل الى اللحظة الاخيرة وقارب الرحيل الى ربه وفي جعبته الوصية التى تقي امته من الوقوع في الضلال الى يوم القيامة فاذا به يمتنع عن كتابتها أو بيانها  لموقف صدر من بعض اصحابه او لمقولة قالها احدهم!  فهل يجوز ان تنسب هذه التهمة الى رسول الله؟ الا يعد هذا هدما لجهود ثلاثة وعشرين عاما من الدعوة والجهاد؟ هذا العمل لا يليق بالقادة العاديين  فكيف برسول الله الذي ارسله الله رحمة للعالمين؟

ان هذه الحادثة تعني أن القرآن والسنة ليسا كافيين لهداية الناس وعصمتهم من الضلال وانما تتوقف هدايتهم على وصية واحدة يكتبها رسول الله لهم وهو على فراش الموت! ومع ذلك لم يكتبها !.

ثم نتساءل : ماهو هذا الشيء الذي تتوقف عليه هداية الناس ويعصمهم من الضلال الى الابد؟ لماذا لم يبينها رسول الله من قبل او يبينها القرآن قبل نزول آية " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" ؟

ما معنى ان يؤخر رسول الله بيان ما يعصم امته من الضلال الابدي الى حين وفاته  ثم هو بعد ذلك لا يبينها؟

 واي شيء هذا الذى يقي الامة من الضلال الابدي : هل هو من امور الدين ام من امور الدنيا؟ فان كان من امور الدين  فما كان يسوغ لرسول الله ان يكتمها، لانه حينذئذ يكون مقصرا في تبليغ ما اُنزل اليه من ربه وقد حذره الله من ذلك اذ قال : "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة/67)، ثم ان آية اكمال الدين صريحة وقاطعة بان اصول الدين من العقائد والعبادات والتشريعات  قد كملت ولا حاجة الى مزيد. اذاً فالمسالة لا يمكن ان تكون من امور الدين ، لانه لو كان كذلك لما تراجع الرسول عن كتابته ولو عارضه جميع الصحابة . وان كان امرا امره الله به لأنفذه رغم معارضة المعارضين كما فعل في صلح الحديبية ، فانه ابرم المعاهدة مع قريش رغم معارضة جميع الصحابة لتلك المعاهدة ، بمن فيهم علي بن ابي طالب، الذي رفض ان يشطب العبارات التي امره الرسول بشطبها حتى اضطر رسول الله  rالى شطبها بنفسه. اذاً لو كان الامر من امور الدين او مما امر الله به لأبرمه رسول الله وأجراه مهما كلفه ذلك .

بقي هناك احتمال آخر وهو ان يكون ذلك الامر من امور الدنيا ومما لم يؤمر رسول الله بابلاغه وانما كان اجتهادا من عنده، او شيئا كان يـحـب ان يفعله لهم ، وفي مثل هذه الحالات يُعلِم الرسول اصحابه بانه لا يستند فيها الى الوحي وانما الى الخبرة والتجربة ، وقد يكون بعض الصحابة اكثر خبرة منه في بعض الامور الدنيوية كما حدث في معركة بدر حين اشار عليه الحباب بن المنذر بتغيير المكان ففعل وكذلك في غزوة الاحزاب حين اشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق فاخذ بمشورته ، وقد اقر في مسألة تأبير النخل بأن الناس أعلم منه في امور دنياهم .

اقول لو كان ذلك من امور الدنيا لجاز للصحابة التهاون فيه، ولكن صيغة الرواية لا تدل على كونه من امور الدنيا لانه يقول فيها لن تضلوا بعده ابدا مما يوحي الى انه من امور الدين !

قد يقول قائل ان الرسول كان يريد ان يوصي الصحابة باتباع الكتاب والسنة فهما الكفيلان بوقاية المسلمين من الوقوع في الضلال ان هم تمسكوا بهما . وهذا تأويل مستساغ ولكنه ايضا لايحتاج الى كتابة كتاب في ذلك ويكفي فيه الحث شفاها على الالتزام بهما علاوة على انه مبين من قبل ومامور به في القران والسنة وهناك آيات واحاديث كثيرة تأمر بذلك وتحث عليه. [21]

ثانياً : من جهة عدم دلالتها على مخالفة الصحابة للرسول واساءة الادب معه:

لقد أثبتنا فيما مضى بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه الحادثة ليس فيها أي دليل على امامة علي ، يبقى ان نبحث دلالته من جهة اخرى وهي مخالفة الصحابة للرسول وإساءة الادب معه من عدمها:

1- قلنا ان ظاهر هذه الرواية يوحي بعصيان الصحابة للرسول واساءة الادب في حضرته وانها تتناقض مع ما ندعيه من حب الصحابة للرسول  rوطاعتهم له وهيمنة الرسول عليهم ، مع ذلك فأهل السنة حين يروون مثل هذه الروايات لايروونها من باب ذم الصحابة ولا لاظهار سوء ادبهم مع الرسول  r، لماذا ؟ لانهم قد بنوا عقيدتهم في الصحابة على قواعد متينة هي مجموع الآيات والاحاديث التي وردت في حقهم ، وعلى مجموع ما قدموه للاسلام من تضحيات ، وهذه هي القاعدة الاصولية : رد المتشابهات الى المحكمات وفهم الامور في ضوء القواعد الكلية ، فطاعة الصحابة للرسول وحبهم له وهيمنة الرسول عليهم  ورضى الله والرسول عنهم ثابتة بأدلة الآيات والأحاديث والوقائع ، هذا هو الاصل وهذه هي القاعدة ، وكل ما خالف هذه القاعدة يعد شاذا أو يؤول ، ويفسر في ضوء هذه القاعدة العامة ، ويبحث له عن وجوه مستساغة تتمشى معها . وسنذكر ان شاء الله امثلة على مخالفة الصحابة للرسول نثبت فيها أن هذه المخالفات لم تكن مما يسخط رسول الله او يزعجه بل كانت من دواعي سروره وافتخاره . وبهذا الاعتبار فهم العلماء هذا الحديث  وشرحوه وقالوا ان ذلك لم يكن مخالفة للرسول ولا طعنا فيه وانما كان نابعا من علم الصحابة بأن ذلك لم يكن من الامور الدينية أو الامور الموحى بها الى الرسول ، والتي تلزمهم طاعته لأن الدين بنص القرآن قد كمل ، ومن حرصهم على صحته  من الارهاق والتعب ، وهذا وارد في تعامل الاتباع مع متبوعيهم حين يمرض المتبوعين فيمنع الاتباع الزيارة عنهم ويبعدون كل ما يرهقهم او يؤثر على صحتهم .

2-  كنت اول الامر اقول لابد ان يكون هذا الحديث ضعيفا او موضوعا رغم وروده في الصحاح لان في ظاهره دليلا على عصيان الصحابة للرسول وردهم لامره واساءة الادب في حضرته ، وهو بهذا مخالف لما عرف عن الصحابة من توقير الرسول وحبه وطاعته، ولكني بعد دراسة متأنية توصلت الى عكس هذه النتيجة ، وهي ان هذه الحادثة تدل على تمام معرفة الصحابة للرسول .  قد يستغرب بعض الناس ذلك ، وهذا من حقهم لانهم ربما قد لا يعرفون حقيقة علاقة الصحابة بالرسول ولا يميزون بين محمدٍ البشر ومحمدٍ الرسول ، الامر الذي عرفه الصحابة جيدا ولم نعرفه نحن ، لأن محمدا البشر قد رفع من بيننا وبقي عندنا محمد الرسول المشرع الذي لاينطق عن الهوى . وهذا الامر يحتاج الى تفصيل اكثر وتقعيد أدق ، واليكه باختصار:

 لنبدأ المسألة بتوجيه بعض الاسئلة : هل كانت نظرة الصحابة الى النبـي  كنظرتنا اليه نحن اليوم ام انها كانت مختلفة ؟ فان كانت مختلفة ، فهل نظرتنا اصح ام نظرتهم ؟

 وهل كانوا يتعاملون معه كما نتعامل نحن معه اليوم ؟ فان كان تعاملهم مع النبـي يختلف عن تعاملنا معه، فهل تعاملهم معه اصح ام تعاملنا؟

وهل وجوده بينهم بنفسه كان يفرض نوعا من التعامل مع شخصه يختلف عن تعامل الذين جاؤوا من بعده ، الذين لا يجدونه بشخصه بل بتعاليمه ، ولا يخالطون شخصه بل تعاليمه ؟  هذه الامور يجيب عليها احداث السيرة النبوية  .

اننا إنْ قلنا أننا اعلم برسول الله من الصحابة فهذه مكابرة وسوف لن يُسلِّم لنا به احد . إذاً يبقى السؤال : ما سر هذا النوع من التعامل مع النبـي من قبل الصحابة وما سر هذه التصرفات ؟

 للاجابة على هذا السؤال يجب ان نبحث طريقة تربية الرسول للصحابة ، فإذا عرفناها انحلت لنا العقدة وانكشف لنا السر وفهمنا مثل هذه الاحداث والاحاديث على وجوهها الصحيحة. وهذا الامر – أي دراسة طبيعة تربية الرسول للصحابة – يحتاج الى التجرد والحيادية لا الى التعامل مع النصوص بمقررات مسبقة او بمواقف عدائية او بتعصب سواء لهم او عليهم ، فنقول:

    لقد كان الرسول حريصا على ان يميز الصحابة بين ثلاثة امور: بين ما كان يفعله بالوحي ، و ما كان يـُحب ان يفعله ويرغب فيه ، و ما كان يفعله اجتهادا ، فالصحابة كانوا يتعاملون مع محمد البشر ومحمد الرسول في آن واحد فيفرقون بينهما ، وكان الرسول r يؤكد على هذا المعنى ويغرسه في أذهانهم ، لذلك كانوا يراجعونه فيما يأمرهم به ويسألونه عما إذا كان ما يفعله إنما يفعله بوحي من الله أم  شيء يحبه هو (أي تميل اليه نفسه كبشر ) أم اجتهاد من عنده (أي يذهب اليه بفهمه واجتهاده كبشر) ، فإذا قال انه وحي من الله سارعوا الى تنفيذه ، واذا قال  بل شيء يحبه نظروا فيه فان كان في امكانهم تنفيذه نفذوه وان لم يكن كذلك اعتذروا ولم يوبخهم الرسول ولم يلمهم احد ، وان كان شيئا من اجتهاده ناقشوه وأشاروا اليه برأيهم وربما أخذ بها وتخلى عن رأيه. وهذا يظهر بوضوح في كثير من المواقف ، كما حصل في غزوة بدر حين نزل  بجيشه عند ادنى ماء من مياه بدر ، فقال الحباب بن المنذر: " يارسول الله : أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم ولا أن نتأخر عنه، ام هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الحرب والرأي والمكيدة ، فقال : فان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من الآبار ، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون . فنهض رسول الله وتحول الى المكان والرأي اللذين أشار بهما الحباب .[22]

 وفي غزوة الاحزاب حين اتفق مع غطفان ان يعطيهم ثلث ثمار المدينة مقابل ان يرجعوا عن المدينة رفض قادة الانصار ذلك ، واليك نص ما جرى بين الرسول وبين زعيمي الاوس والخزرج حول هذه المسألة:

"لَمّا اشْتَدّ عَلَى النّاسِ الْبَلَاءُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ  إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصّلْحُ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشّهَادَةُ وَلا عَزِيمَةُ الصّلْحِ إلاّ الْمُرَاوَضَةَ فِي ذَلِكَ . فَلَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ فَقَالا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَمْرًا تُحِبّهُ فَنَصْنَعُهُ ، أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللّهُ بِهِ لا بُدّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ ، أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاَللّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلاّ لأننِي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا ؛ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ وَعِبَادَةِ الأوْثَانِ لا نَعْبُدُ اللّهَ وَلا نَعْرِفُهُ . وَهُمْ لا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلاّ قِرَى أَوْ بَيْعًا ، أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِالإِسْلامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا ، وَاَللّهِ  مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ وَاَللّهِ لا نُعْطِيهِمْ إلاّ السّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ ثُمّ قَالَ لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا".[23]

 التفريق هنا بين هذه الامور الثلاثة من قبل الصحابة واضح جدا ،  وان الرسول لم ينكر عليهم استفسارهم بل اقرهم على ذلك واخبرهم بأن ما يفعله هو شيء يصنعه من أجلهم .

وحول التفريق بين اوامر الرسول r وبين رغباته النفسية نسوق لك مثالين :

  1. حكاية مغيث وبريرة:

روى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِى وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلْعَبَّاسِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ :« أَلاَ تَعْجَب مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا ». فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :« لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ ». قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِى قَالَ :« لاَ إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ ». قَالَتْ : فَلاَ حَاجَةَ لِى فِيهِ.[24]

  1. دَين عبد الله الانصاري:

 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِيُقَاتِلَهُمْ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِى قَتْلِ أَبِيهِ وَاشْتِدَادِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ فِى التَّقَاضِى قَالَ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : « ادْعُ لِى فُلاَنًا » ، الْغَرِيمَ الَّذِى اشْتَدَ عَلَىَّ فِى التَّقَاضِى فَقَالَ : « أَنْسِئْ جَابِرًا بَعْضَ دَيْنِكَ الَّذِى عَلَى أَبِيهِ إِلَى هَذَا الصِّرَامِ الْمُقْبِلِ ». قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ وَاعْتَلَّ قَالَ إِنَّمَا هُوَ مَالُ يَتَامَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :» وَأَيْنَ جَابِرٌ ». فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِى قَضَاءِ الدَّيْنِ.[25]

وفي رواية اخرى عَنْ جَابِرٍ قَالَ:

"تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرو بْنِ حَرَامٍ قَالَ وَتَرَكَ دَيْنًا فَاسْتَشْفَعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ شَيْئًا فَطَلَبَ إِلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَقَالَ لِي النبـي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ وَعِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَصْنَافَهُ ثُمَّ ابْعَثْ إِلَيَّ قَالَ فَفَعَلْتُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فِي أَعْلاهُ أَوْ فِي أَوْسَطِهِ ثُمَّ قَالَ كِلْ لِلْقَوْمِ قَالَ فَكِلْتُ لَهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ ثُمَّ بَقِيَ تَمْرِي كَأَنْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ"[26]

في الرواية الاولى طلب النبـي من بريرة ان تعود الى زوجها الذي كانت تكرهه فاستفسرت ان كان الرسول يامرها فتنفذ أمره، ام يخيرها، فلما أخبرها بانه لا يأمرها وانما يشفع لمغيث رفضت طلبه ، فلم يوبخها الرسول ولم يلمها أحد . وفي الرواية الثانية طلب الرسول r من غرماء ابي جابر ان يضعوا شيئا من دَينه فأبوا لأنهم علموا أن طلب الرسول ذلك ليس امرا او وحيا وانما شفاعة منه يسعهم مخالفته، ولذلك لم يعنفهم الرسول والصحابة على ذلك لأنه يعلم انه من حقهم ألاّ يتنازلوا عن حقهم.

 وزبدة القول ان الصحابة كانوا اعلم برسول الله و اطوع له واكثر حبا له منا و أن حبهم وطاعتهم وتوقيرهم له كان عمليا واكثر واقعية .

3-  ان من أهم صفات النبـي صدقه وأمانته ، فقد كان أميناً على كل شيء ، ولكنه كان أشد أمانة على الوحي و على عقيدة التوحيد ، فكان إذا جنح احدهم الى التقصير في حقه او الغلو فيه رده الى الحد الوسط ، وما مات الرسول الا والصحابة تعلموا من طول مصاحبتهم له ما يجوز لهم في حقه وما لايجوز، بخلافنا نحن اذا قصرنا بحقه او غلونا فيه لم نجد ما يردنا الى الرشد الاّ تعاليمه التي قد نختلف في تفسيرها وتأويلها.

قلنا ان من الامور التي تعلمها الصحابة من طول مصاحبتهم للرسول ومعايشتهم لنزول القرآن التفريق بين محمد البشر ومحمد النبـي المبلِّغ عن الله، فمحمد البشر يعتريه ما يعتري سائر البشر من العوارض الجسدية والنفسية كالمرض والالم والتعب والارهاق والحزن والبكاء والنسيان والميل الى النساء والطعام والشراب والانس بالجمال والنفور من القبح وو...الخ ، اما من الناحية الخُلقية والعقلية فانه مجبول على الفضائل ومكارم الاخلاق ورجاحة العقل والادب الرفيع والبيان وعفة اللسان وو ..الخ . أما محمد النبـي المبلغ ، فانه معصوم بالوحي من الخطأ والذنوب والنسيان ، فلا يخطيء في فهم مراد الله وتبليغ رسالته ولا ينسى ما يوحى اليه.

من هذا المنطلق كان الصحابة يستفسرون النبـي عما يأمرهم به هل هو وحي أم اجتهاد أم رغبة شخصية ، وقد ذكرنا أمثلة على ذلك ، ومن هذا المنطلق ايضا تعامل معه بعض الصحابة بمن فيهم عم النبـي العباس وبعض أزواجه حين لدُّوه في مرضه [27].

والسؤال هو : إذا كان النبـي يعتريه ما يعتري سائر البشر من المرض فهل يعتريه عوارض المرض كالاغماء والهذيان ؟  اما الاغماء فقد ذكر التاريخ انه حصل له ذلك في مرضه الذي توفي فيه ولذلك لدّه ازواجه ، ولكن الهذيان لم يثبت عنه ذلك ، وذلك ربما للفارق بين الاغماء والهذيان ، فالذي يغمى عليه لا يتكلم في العادة بشيء ويشل لسانه لذلك لا يترتب عليه شيء وان كان بعض الناس قد يتبول او يتغوط على نفسه ولكن الرسولr قد عصمه الله من ذلك ايضا ، أما الهجر والهذيان فممنوع على النبـي لأنه تفوُه ٌبكلمات غير منضبطة ، وقد تكون كفرا، او شيئا قبيحا ، او مضحكا ، او امرا غير منطقي ومخالف لما كان يقوله سابقا، او يأمر بشيء غير منطقي وغير شرعي . ولكن هل انتبه الصحابة الى هذه الامور في تلك اللحظة؟ الجواب : يبدو انهم لم يعلموا ذلك من قبل لأنه لم يسبق أنْ مرِض النبـي بتلك الصورة  وانما علِموه فيما بعد كما تعلموا كثيرا من الامور بعد وقوعها، ولقد فوجئوا بقول الرسول في تلك اللحظة الحرجة واستغربوا كلامه لذلك قال بعضهم : مابه أهَجَرَ ؟ اسستفهِموه ، فأخذوا يرددون عليه ليعلموا هل ما يقوله عن وعي او عن غير وعي ، والذي دفعهم الى هذا التصرف هو غرابة الموضوع ، فالرسول هنا يأمرهم بشيء لم يكن يفعله من قبل ، وهو طلب الكتف والدواة ليكتب لهم كتابا، لانه كان قبل ذلك يكتفي بالامر شفاها ، ثم انه يقول لن تضلوا بعده ، فاستغربوا من هذا الذي يعصمهم من الضلال ولا يبينه الرسول الا في حال اشتداد المرض عليه ، وهم يعلمون ان الله قد قال في كتابه" اليوم اكملت لكم دينكم" ، وان الرسول نفسه قال "تركتكم على البيضاء، وفي رواية على مثل البيضاء ، لا يزيغ عنها الا هالك" .فهذه الامور كانت مدعاة لاستغرابهم ففوجئوا ولم يعلموا ماذا يفعلون، لذلك اختلفوا، فقال بعضهم إيتوا بالكتاب وقال الآخرون حسبنا كتاب الله  . فاشتداد المرض على رسول الله هو الذي دعاهم الى هذا التساؤل ، لانهم يعلمون كما قلنا ان الله قد أكمل الدين ولم يبق أمر ذو بال لم يبلغه الرسول ، فالذين راودهم الشك كانوا معذورين حين استفسروا عن حالة النبـي لأن الصيغة توحي بأن الامر جد خطير ولكن حالة الرسول الصحية حرجة ، وقد اشتد به المرض وكان عنده متسع من الوقت فيما مضى لاملاء وصيته او تبليغه ، ثم ان النبـي لم يكن مرضه مفاجئا له حتى نقول لولا المرض لبلَّغ ما كان ينوي تبليغه في ذلك اليوم ، فانه قد علم قبل ذلك بان أجله قد دنى وأنه لم يبق عنده شيء سوى لحوقه بالرفيق الاعلى وانه كرر ذلك مرارا وقد نعى نفسه الى المسلمين في مواضع عديدة وكان يقول "  إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله "[28]

4-  قلنا ان هذه الحادثة تدل على طاعة الصحابة للرسول وليس مخالفته ، لننظر كيف؟

قلنا ان الصحابة كانوا يفرقون بين ثلاثة امور ، ماكان وحيا من الله ، وما كان اجتهادا من الرسول وما كان نابعا من رغباته الشخصية ، لذلك حين كان يأمرهم بشيء يُشكل عليهم كانوا يحاولون ان يعرفوا طبيعته ، هل هو وحي ام اجتهاد ام مما يرغب فيه الرسول ويحبه ، وربما تباطؤوا في تنفيذ بعض الاوامر أملاً منهم ان يتراجع الرسول عن قراره كما فعلوا في صلح الحديبية حين تباطؤوا في حلق رؤوسهم وتقديم هديهم علَّ رسول الله يلغي المعاهدة، ولكن بعد ان كانوا يتبينون من جدية الامر لم يكونوا يتوانون لحظة في تنفيذه . وفي هذه الحادثة كان الامر مختلفا عن غيره ، فانه قبل كل شيء كان مفاجئا بالنسبة للمتواجدين في البيت ، سواء بالنسبة الى حساسية وضع الرسول او طبيعة طلب الرسول ، لذلك تباطؤوا في تنفيذ الامر لأنهم يعلمون ان الامر اذا صدر من الرسول وثبت لا يسعهم مخالفته ، فهم في سعة من امرهم مالم يصدر الامر ويؤكَّد، فاذا صدر واُكِّد فلا خيرة لهم حينئذ ولا يسعهم إلاٍّ تنفيذه . هنا كانوا يخافون ان يصدر الامر فلا يستطيعون مراجعته في شأنه ومناقشته فيه لاضطراب وضعه الصحي فيصدر الامر منه وهو بهذه الحال فلا يقدرون على تنفيذه  فيقعون في الاثم . انهم لم يكونوا على يقين بأن ما صدر عن النبـى كان عن وعي تام لذلك قالوا استفهموه ، لأن طلبه كما قلت كان مفاجئا بالنسبة لهم سواء في توقيته او صيغته، وانهم كانوا يرونه يعانى من شدة المرض فلم يستبعدوا أن يكون ذلك من تأثير المرض عليه لذلك قال عمر : ان رسول الله قد غلبه الوجع . ولو كان الشيعة هناك لربما فعلوا ما فعله الصحابة أو اكثر ، بدليل ان اصحاب علي خالفوا عليا اكثر مما خالف اصحاب محمد محمدا ، وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم ان شاء الله .

على كل حال فاعتقاد الصحابة بأن الرسول قد لا يعي ما يقول لاشتداد المرض عليه لايدخل لا في باب الكفر ولا في باب المعصية وانما هو في اسوأ احواله خطأ في الفهم ليس الاّ.

5-  واخيرا ، أن الكتاب الذي كان الرسول ينوي كتابته ، ان كان قد بلّغه شفاها كما تقول احدى الروايتين فقد انتهت المشكلة وكفى الله المؤمنين القتال ، وان كان لم يبلغه شفاها فهو في هذه الحالة شبيه بما فعله مع غطفان فإنه كما ذكرنا اتفق معهم على ان يدفع لهم ثلث ثمار المدينة على ان يرجعوا عن المدينة ويفكوا الحصار عن المسلمين وكتب بذلك الكتاب وختمه ولكن حين رأى أهلَ المدينة يكرهون ذلك مزق الكتاب وألغى المعاهدة ولم يغضب على الذين ردوا اتفاقه ذلك ، هنا أيضا يبدو أن الرسول r أراد أن يكتب لهم شيئا من ذلك القبيل ولكنه لما رآهم اختلفوا فيما بينهم أحجم عن كتابته وأوكل الامر اليهم ، ثم أخرجهم من البيت للغطهم واختلافهم ، ولو كان الرسول ضعيفا لما تجرأ على القول : اخرجوا عني ، فهذا لا يقوله الضعفاء.

 

[1] . نقل الحافظ ابن كثير في البداية (6/305) عن الحافظ أبي بكر البيهقي حديث محمد بن يوسف الفريابي الحافظ (قال البخاري : كان أفضل أهل زمانه ـ أي الفريابي ) عن عباد بن كثير الرملي أحد شيوخه ( قال ابن المديني ـ كان ثقة لا بأس به أي شيخ الفريابي ) عن عبدالرحمن بن هرمز الأعرج [ أحد التابعين ، توفي بالأسكندرية ) عن أبي هريرة قال :" والله الذي لا إله إلا هو ، لولا أبو بكر استخلف ما عبد الله ، " ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، فقيل له : مه يا أبا هريرة . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام ، فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتدت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا بكر رد هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة !؟ فقال " والذي لا إله غيره ، لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج النبـي صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم " فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ما خرجوا مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ، فلقوا الروم ، فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين ، فتثبتوا على الإسلام.

وجاء في الروض الانف ج4 ص 457:  وكان مَوْتُهُ عليه السلام خطْبا كالِحا ، وَرُزْءًا لأهل الاسلامِ فادحًا ، كادت تُهدّ له الجبالُ وترجُف الارضُ وتكسِفُ النّيّرات لانقطاعِ خبر السماء وفقدَ من لا عِوض منه مع ما آذن به موتُه - عليه السلام - من الفتن السحْم والحوادث الوُهُم والكُرَب المدلـهمة والـهزاهز المضلعة فلولا ما أنزل الله تبارك وتعالى من السكينة على المؤمنين وأسرج في قلوبهم مِن نور اليقين وشرح له صدورهم من فهم كتابه المُبين لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الـجزعُ عن تدبير الأمور فقد كان الشيطان أَطْلعَ إليهم رأسَه ومدّ إلى إغوائهم مطامعه فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف ولكن أبى الله تبارك وتعالى إلاّ أن يُتم نورَه ويُعلي كلمته ويُنجز موعودَه فأطفأ نار الردّة وحسم قادةَ الخلاف والفتنة على يد الصدّيق رضي الله عنه ولذلك قال أبو هريرة : لولا أبو بكرٍ لـهلكت أُمّةُ محمد عليه السلام بعده .

[2] .فضائل الصحابة لاحمدبن حنبل /ج1ص138

 

. سيرة ابن هشام ج/4ص253 دار احياء التراث العربي.[3]

[4]. اي : راى الناس يبطئون في الخروج .

[5]. اي : اعترضوا على امارته لصغر سنه وقلة خبرته  وصعوبة المهمة وتأميره على كبار المهاجرين والانصار..

[6]. انكمش الناس: أسرعوا، وكذلك اورده البخاري في كتاب المغازي رقم 4469وهذا نص البخاري: "إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في امارة ابيه من قبل، وأيم الله! إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس اليّ ، وإن هذا لمن إحب الناس الي."

[7] . موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام(شمالي المدينة).

[8]. من المعلوم ان النبـي ما كان يسمي الناس في الغزوات وانما كان يعين الامير ويعقد له اللواء ثم يحث الناس على الالتحاق بالجيش حتى إذا اكتمل النصاب اوصاهم وأمرهم بالخروج ، ويبدو ان بعثة اسامة لم تكن بدعا من الغزوات وان الرسول حين حث الناس على الخروج توافد المسلمون عليه ولكن منهم من ابطأ في الخروج ربما طمعا في ان يعدل الرسول عن قراره في تنصيب اسامة اميرا للجيش لأنه غالبا ما كان يأخذ بمشورة الصحابة لاسيما في الامور الدنيوية والادارية والعسكرية ولكن حين رأوا اصرار الرسول  على ابقاء اسامة على رأس الجيش رضخوا للامر والتحقوا بالجيش. وبهذا يكون التحاق ابي بكر وعمر طوعيا ودليلا على تواضعهم ورضاهم بكل ما يصنعه الرسول وطاعتهم لكل من يوليه عليهم وهذا يضاف الى فضائلهم . اما عدم ذكر علي فيمن كان ضمن الجيش يعود الى عدة اسباب : اما انه علم ان الرسول لم يطلب من كل الصحابة الالتحاق بالجيش وانما طلب عددا معينا فراى نفسه في خيار يلتحق ام لا ، أو ان النبـي استثناه واستبقاه الى جانبه وهذا ما يقوله الشيعة ليبنوا عليه نظريتهم .أو انه كان  ضمن الجيش ولكن لم يُشر اليه لأنه لم يكن بأهمية ابي بكر وعمر ومكانتهما في المجتمع لذلك لا ترى له  ذكرا في كثير من الاحداث المهمة كما في معركة احد حين صاح ابو سفيان : افيكم محمد ؟ افيكم ابو بكر؟ افيكم عمر؟ وكيوم الخميس حين طلب الرسول الكتف والدواة  ليكتب كتابا للمسلمين، وكيوم وفاة الرسول فان التاريخ يذكر عمر شاهراً سيفه يتهدد ويأتي ابو بكر ويدخل على الرسول ثم يخرج الى الناس ويبين الامر لهم ثم يأتي رجل ويخبر عمر باجتماع الانصار في السقيفة، والذي يؤكد عدم وجود ابي بكر في الجيش هو انه حين راى رسول الله مفيقا   استأذنه بالذهاب الى السنح حيث  زوجته ابنة خارجة ودليل آخر هو تكليف الرسول اياه ليصلي بالناس فلو كان ضمن الجيش لكلف رسول الله غيره ان يصلي بالناس .، اما  وجود عمر وابي عبيدة في المعسكر فتؤكده عدة امور ، منها: عودة اسامة الى المدينة يوم الاثنين للاطمئنان على رسول الله وبرفقته عمر وابو عبيدة ، و تكليف اسامة لعمر بمراجعة ابي بكر بخصوص تأخير البعثة ، ثم تكليف الانصار له بمراجعة ابي بكر بخصوص تبديل اسامة بمن هو اسن منه  واخيرا طلب ابي بكر من اسامة استبقاء عمر في المدينة لحاجته اليه . .

[9] . مسألة الاخذ بالثأر لم تكن مطلوبة لذاتها ولم تكن هي الهدف من تجهيز ذلك الجيش وانما كان الهدف الرئيس تأديب الروم ونصارى العرب الذين كانوا يفكرون في غزو المدينة فكان ارسال ذلك الجيش بمثابة هجوم استباقي عليهم ، ولكن قد تكون مسألة الثأر مطروحة في اختيار اسامة لقيادة الجيش ، فهذا من الوسائل المشروعة التي تزيد من عزم الانسان واندفاعه .

.كتاب "السقيفة" للشيخ محمد رضا المظفر .ص73-75منشورات مؤسسة الاعلمي .بيروت-لبنان – ط/اولى سنة 1413هـ-1993م .[10]

من اين للمظفر ان من زجه الرسول في تلك البعثة لا يصلح لإمارة غزوة مؤقتة ؟ هذا كلام مناقض للعقل والمنطق والتاريخ فالذين شاركوا في بعثة اسامة كثير منهم قاد سرايا ومعارك كبيرة في عهد الرسول كخالد وعمرو بن العاص . فلو كان الامر كما يزعم المظفر ان كل من جعل جنديا في غزوة لا يصلح قائدا في غيرها لوجب ان لا يوكل قيادة الجيش الى اسامة لأنه طالما شارك في الغزوات تحت امرة غيره. لست ادري اي منطق هذا الذي يحتكم اليه المظفر؟!

. وهذا هو رأي الشيعة في اسامة.[11]

[12]. عذرا يا سيدي يا اسامة فانه يكفيك نسبا انك من صحابة رسول الله بل من احبهم اليه وانت الحب ابن الحب ولكننا نستعمل هذه الالفاظ لضرورة المناظرة،  ويضطرنا اليه من يطعن فيكم وفي سادات المسلمين من الصحابة الكرام لاسيما الخلفاء الراشدين!

.السقيفة لمحمد رضا المظفر ص69 وما بعدها.[13]

[14] . يحاول الشيعة جاهدا ان يثبتوا وجود ابي بكر وعمر ضمن ذلك الجيش للطعن فيهما والانتقاص من شأنهما وجعلها دليلا على عدم اهليتهما للخلافة بحجة ان الرسول امر عليهما شابا حدثا مثل اسامة !

نقول: ان وجود ابي بكر وعمر في هذا الجيش لا يقدح في مكانتهما انما هو دليل على تمام طاعتهم للرسول وتمام هيمنة الرسول على اصحابه. وهذا لايعني أني اُسلّم بوجودهما ضمن ذلك الجيش لاسيما ابوبكر فهذا من المسلم به عندى انه لم يكن ضمن ذلك الجيش  وقد قلت بوجودهما جدلا وتسليما لقول الشيعة لأُثبت بان هذا الذي يسعون جاهدين لأثباته لا يخدم قضيتهم بل ينعكس عليهم كما سترى فيما بعد.

[15] . رواه البخاري في صحيحه (1 / 216) / باب حفظ العلم .

 

[16] . هذا الرقم غير صحيح لانه ليس كل الذين حضروا حجة الوداع رجعوا مع رسول الى المدينة بل تفرقوا عنه وما بقي معه الا اهل المدينة وما حولها والذي لا يتجاوز عددهم عشرين الفا في احسن الاحوال .

[17] . حاشا سيدنا عليا فانه لم يكن جبانا ولا مداهنا في يوم من الايام ولكن طبيعة الحوار تستدعي استعمال مثل هذه الالفاظ.

[18] . أيها القوم! الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلًا منهم!

[19] . أخرجه أحمد في المسند 4/126، ضمن حديث العرباض بن سارية في موعظة النبـي صلى الله عليه وسلم وكذا ابن ماجه في سننه 1/16، وقد صحح الحديث الألباني بمجموع طرقه في ظلال الجنة. انظر: ظلال الجنة مع كتاب السنة لابن أبي عاصم ص26.

[20] . أخرجه الحاكم عن ابن مسعود (2/5 ، رقم 2136) . أخرجه أيضًا : الشافعى (1/233) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/67 ، رقم 1185، 7/299 ، رقم 10376) .

أخرجه أيضًا : ابن أبى شيبة (7/79 ، رقم 34332) ، وهناد فى الزهد (1/281 ، رقم 494) ، والدارقطنى فى العلل(5/273 ، رقم 875) .

[21] .لقد أثبت الاستاذ خالد كبير علال في كتابه " تناقض الروايات السنية الشيعية/ الفصل الثالث"  بشواهد كثيرة-غير التي ذكرناها- عدم دلالة هذا الحديث  على خلافة سيدنا علي، ولولا طوله لاوردته هنا ولا غنى  للقاريء عنه ، لذا اوصي بقراءته ، وهو موجود على موقع " صيد الفوائد".

[22] . فقه السيرة د. محمد سعيد رمضان البوطي ص 157ط 11 / دار الفكر المعاصر / بيروت لبنان ودار الفكر / دمشق-سورية نقلا عن الاصابة لابن حجر وسيرة ابن هشام.

[23] .الروض الانف/ 425، السيرة النبوية لابن كثير ج3/201،  السيرة النبوية لابن هشام ج3/ 234وغيرها من كتب السيرة.

[24] . أخرجه البخارى (5/2023 ، رقم 4979) ، وأبوداود (2/270 ، رقم 2231) ، والنسائى (8/245 ، رقم 5417) ، وابن ماجه (1/671 ، رقم 2075) . وأخرجه أيضًا : ابن حبان (10/96 ، رقم 4273) .

[25] .  السنن الكبرى للبيهقي5/ 375

[26] . سنن النسائي باب قضاء الدين قبل الميراث

[27] . من الغريب ان الشيعة يجعلون من هذه الحادثة وحادثة يوم الخميس دليلا على ضعف الرسول فيقولون انه كان مغلوبا على امره حيث يلُدُّونه على كره منه ويعصون امره ويرمونه بالهجر، وقد تكلمنا عن حادثة الخميس في المتن اما هنا سنلقي بعض الضوء على حادثة اللد فنقول :

اولا: ان هذه الحادثة تدل على عكس ما ذهب اليه الشيعة من استضعاف الرسول بل يدل على تمام هيمنته على اصحابه ،  فالرواية تقول انه بعدما أفاق وعلم بأنه قد لُدّ أمر بكل من في الدار ان يُلَد الا عمه العباس ، وقد لُدّ مع من لُد زوجته ميمونة رغم كونها صائمة  وذلك مجرد لقوله فليلد كل من في الدار. فهل مثل هذا يتهم بأنه مغلوب على امره؟!

ثانيا: انها تبين ان صحابة النبـي وازواجه كانوا ينظرون اليه كبشر من هذه الناحية و يعتريه ما يعتري سائر البشر من المرض وعوارضه و يحتاج كغيره من المرضى الى الدواء ، ولكن الرسول r لم يرقه ذلك لذلك عاقبهم .

[28] . أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال خطب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الناس يوما فقال ( إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله ) فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر النبـي {صلى الله عليه وسلم} عن رجل يخير فكان المخير رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وكان أبو بكر أعلمنا به فقال لا تبك يا أبا بكر إن من أمنِّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لأتخذته ولكن أخوة الإسلام لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر

وأخرج أحمد وابن سعد والدارمي والحاكم والبيهقي والطبراني عن ابي مويهبة مولى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال أنبهني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الليل فقال يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر الله لأهل هذا البقيع فخرجت معه حتى أتيت البقيع فرفع يديه واستغفر لهم ثم قال ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي فاخترت لقاء ربي ثم انصرف فلما أصبح ابتدأ وجعه الذي قبضه الله فيه

وأخرج ابن سعد نحوه من حديث أبي رافع مولى النبـي {صلى الله عليه وسلم}

وأخرج البيهقي عن طاوس قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ( نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل )

وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يعتكف من كل شهر رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما وكان جبريل يعرض عليه القران كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين

وأخرج الشيخان عن عائشة عن فاطمة أن النبـي {صلى الله عليه وسلم} أسر إليها فقال أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل عام مرة وأنه عارضني به العام مرتين ولا أرى أجلي إلا قد حضر(الخصائص الكبرى للسيوطي).

  • الخميس PM 02:35
    2021-05-20
  • 2142
Powered by: GateGold