المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417484
يتصفح الموقع حاليا : 246

البحث

البحث

عرض المادة

ما بعد السقيفة

ما بعد السقيفة

هناك امور اخرى تتعلق بالسقيفة تنقض فكرة النص والبيعة، منها:

  1. أصداء اجتماع السقيفة في المدينة وخارجها:

ان عملا مثل هذا ، أي اجتماع الصحابة في السقيفة ونقض عهد النبـي و بيعة الامامة وترك النصوص وتحويل الامامة من امامة الهية وامر ديني الى اختيار الناس ، حدث كبير وامر جلل  لابد أن يكون له صدى قوي ومدوّي في المجتمع وأن يُحدث ضجة كبيرة بين الناس  يتحدث به الركبان ، ولكن الذي حصل هو عكس ذلك تماما ، في اليوم الثاني من السقيفة يجلس ابو بكر في المسجد ويتوافد عليه الناس من كل صوب يبايعونه ولا يمتنع سوى نفر قليل لاعتبارات غير دينية ، منهم من يرى الامر من منطلقات قبلية كأبي سفيان ومنهم من يمتنع لعدم اعلامه بالامر كطلحة والزبير ومنهم من يرى نفسه احق بها من ابي بكر لقرابته من الرسول لا لكونه وصي رسول الله او خليفته المعين من الله كعلي رضي الله عنهم اجمعين[1] . وهؤلاء كلهم سرعان ما بايعوا وسكتوا وخفتت اصواتهم وشاركوا في الحياة العامة كغيرهم من المسلمين إلاّ سعدا فإن بعض الروايات تقول انه امتنع عن البيعة حتى مات وأنه لم يشاركهم في نشاطاتهم اليومية . أفمثل هذا الحدث يمر هكذا بسلام ولا يثيره أحد ولا يوظفه أحد لا من المنافقين ولا من المرتدين ولا من مانعي الزكاة ولا حتى من أصحاب الشأن؟ يعني لا المخلصون لهذا الدين أثاروه ولا المتربصون به ! ألا يدل هذا على أن الامر ليس بالشكل الذي يصوره الشيعة وأنه لم يكن هناك لا نص على أحد ولا وصية بحق أحد ولا بيعة في أعناق الناس لأحد وأن الاجراء الذي تم في السقيفة لم يكن لا خروجا على الدين ولا نقضا للبيعة ولا ردا للنصوص ، وإنما كان اجراءا طبيعيا لذا سارع الناس الى مبايعة ابي بكر في اليوم الثاني من السقيفة وعادت الامور الى مجاريها ورجعت الحياة طبيعية الاّ ما كان من فقد النبـي r وأثره في نفوس الناس حيث ظل الناس يتذكرونه الى أمد بعيد ويتأسون على فقد نبـيهم ويجهشون في البكاء كلما تذكروا تلك الايام التي قضوها مع سيد الخلق وفي رحابه.

     وليس فقط اختيار ابي بكر كان امرا طبيعيا بل حتى اجتماع الانصار في السقيفة لم يلق من المسلمين ذلك الاعتراض ولم يعيرهم به احد لأنهم يعلمون أن سادة القوم يتحتم عليهم الاسراع الى اختيار رئيس لهم بعد رحيل زعيمهم . فلو كان ما فعله الصحابة منافياً للدين وتركاً للنصوص ونقضاً للبيعة ، أو حتى منافيا للعرف ، للقي الذين نظموه والذين حضروه لوما شديدا وعتبا شديدا من الناس ولكن لم يحصل شيء من ذلك البتة مما يدل على أن ذلك الاجراء كان أمرا طبيعياولم يكن منافيا للدين ولا خروجا عليه ، ولا منافيا للعرف .

     إن امورا هي أقل شأنا بكثير من نقض العهد ونكث البيعة ورد النصوص وتبديل شرع الله من شأنها أن تحدث ضجة كبيرة في المجتمع تزلزل اركانه وتهدد كيانه ، فما بال أمر خطير كالذي حصل في السقيفة لا يحدث ضجة في المجتمع ولا تكاد تسمع له صدى ! ان استخلاف معاوية ليزيد لم يكن أعظم مما حصل في السقيفة لو صح ما يدعيه الشيعة من وجود النص والبيعة ومن كون الامامة أمرا دينيا ومع ذلك عارضه كبار الصحابة آنذاك وثار الحسين في وجهه وضحى بحياته وحياة أهله من أجله ولم تخمد الثورات حتى أطاحت في النهاية بدولة بنـي امية !

     إن عدم حدوث ضجة بعد السقيفة وعدم ارتفاع أصوات المعارضة من منطلق ديني يؤكد على عدم كون الامامة امرا إلهيا وعلى عدم وجود نص أو بيعة في حق أحد.وهذا-عدم احداث السقيفة لأي ضجة- لا أقوله أنا بل يؤكده التاريخ والروايات فحتى الرواة الشيعة ليس عندهم ما يدل على أن ما جرى في السقيفة كان له صدى سيئ بين الناس وحتى لو اتهم الشيعة المؤرخين بكتم الحقائق فلا يملكون اتهام رواة الشيعة ومؤرخيهم بذلك فليخرجوا لنا ما عندهم من روايات وأخبار حول ما أحدثه ترك النص والوصية ونقض العهد من ضجة بين الناس لا سيما أهل البيت ومؤيدي علي .

     هذا محمد رضا المظفر كتب كتابا مستقلا عن السقيفة وأفرغ وسعه لأثبات صحة وجهة نظر الشيعة ولكنه لم يهتد الى ما يسعفه في هذا المجال مما اضطره الى اتهام الصحابة بالانقلاب على الاعقاب والانصار بالضعف والاستكانة ولو وجد ما يسعفه لما بخل به ولأقام الدنيا عليه ،ولكن هيهات ! لا هو ولا غيره لن يجدوا ما يؤيد وجهة نظرهم .

  1. موقف علي من سعد بن عبادة وابنه قيس:

عرفنا فيما مضى ان الذي دعا الى اجتماع السقيفة هو سعد بن عبادة الخزرجي ، وانه كان يومذاك مريضا لا يقدر على الكلام ، فكان يتكلم  بصوت خافت ويردد ابنه قيس كلامَه ليُسمعه للناس . اي ان الذي تولى كبر المؤامرة ان كانت هناك مؤامرة هو سعد بن عبادة ثم ولده قيس ، فلننظر كيف واجه علي سعدا وولده ، وكيف عاملهم على صنيعهم هذا وما هو الموقف الذي اتخذه منهما.

ان العاقل والمنصف لا يحتاج الى ان نثبت له اهمية ما فعله سعد وولده قيس وعظم الجرم الذي اقترفاه في حق الاسلام والمسلمين وفي حق علي بن ابي طالب ان كان مايقوله الشيعة في الامامة حقا، لذلك فإن اول ما يتبادر الى الذهن بداهة هو ان يتخذ علي موقفا صارما منهما ويُحمِّلهما مسؤولية ما حدث لأنهما فوتا عليه وعلى المسلمين ذلك الامر وتحملا وزر ما حل بالمسلمين من فتن ومصائب (حسب زعم الشيعة) ، ولكن الذي حصل هو عكس ذلك تماما فان قيسا كان من اخلص اتباع علي وموضع ثقته ومن كبار قادته! أهكذا يكون الموقف ممن تسبب في تلك المصيبة وجر على المسلمين ذلك البلاء (كما يعتقد الشيعة) ؟ . والغريب انه لايوجد في التاريخ اية اشارة  الى معاتبة علي لسعد او ابنه على ما فعلاه ولا يذكر ان سعدا او ابنه قيسا اعتذرا لعلي عما فعلاه وارتكباه في حقه، او ما تسبباه للمسلمين من مصائب، كذلك لا توجد اشارة واحدة الى اظهار قيس او والده الندامةَ على ما فعلاه في ذلك اليوم. وليس هذا فحسب بل ان بعض الروايات تقول بان بعض الاصوات علت في السقيفة تنادي بمبايعة علي وليس فيها صوت سعد او قيس . واكثر من ذلك فان سعدا ظل ممتنعا عن مبايعة ابي بكر وعمر الى ان مات . اي انه ظل غاضبا لنفسه ولو كان يعلم ان الخلافة هي من حق علي لبادر الى الدعوة الى مبايعة علي تكفيرا عن خطيئته اولاَ وتفويتاَ للفرصة على ابي بكر وعمر ثانيا  ، ولكنه لم يفعل شيئا لامن هذا ولا من ذاك ، لاهو ولا ولده قيس !.

ألا يدل هذا على أن الامر ليس كما يفهمه الشيعة أو كما يدّعونه وانما هو كما يفهمه اهل السنة وهو عدم وجود نص على احد ولا بيعة في اعناق الناس لأحد .

لو كان الامر كما يقوله الشيعة :  ألم يكن واجبا على علي أن يوبخ سعدا وابنه على ما فعلاه في ذلك اليوم وما تحملاه من الاثم ؟ الم يكن واجبا عليه ان يظل مقاطعا لهما طيلة حياته كما فعلت فاطمة مع ابي بكر عندما رفض ان يعطيها ارض فدك؟

ان الرسول وهو رسول الله طلب من قاتل عمه حمزة، الوحشي، بعد ان قبل منه اسلامه ان لايريه وجهه ، علماً انه قتله في جاهليته وان الاسلام يجب ما قبله , فظل وحشي يقف بعيدا عن رسول الله ينظر اليه من بعيد ولا يقابله وجها لوجه الى ان توفي رسول الله . فهل كان غصب الخلافة عند علي اهون من قتل حمزة ؟ وهل كان جرم سعد وابنه قيس اقل من جرم وحشي؟ علما ان وحشيا قد اسلم فيما بعد وندم على فعلته تلك واقسم ان يعوضه فوفقه الله لقتل مسيلمة الكذاب فهدأت نفسه وطاب خاطره وقال : ان كنت قد قتلت بهذه الحربة خير الناس ، فقد قتلت بها اليوم شر الناس! ولكن لم يُسمع من سعد اومن قيس انهما اعلنا توبتهما ، أو ندما على ما فعلاه، بل كما قلت فقد ظل سعد غاضبا لنفسه الى ان مات سنة 14للهجرة.

ان موقف علي من السقيفة وممن شارك فيها وموقفه من الخلفاء الذين سبقوه ومن سعد بن عبادة وابنه قيس ومشاركته الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية في زمن الخلفاء الراشدين واقواله وتصريحاته في خلافته هي المفتاح لحل اللغز ولكن الشيعة يطرحونها جانبا لأن النتيجة سوف تأتي على خلاف ما يشتهون ، ولذلك تراهم لا يعرجون عليه الا اذا اضطروا اليه ومع ذلك فهم يمرون عليه مرور الكرام  ولا يتناولونه بالبحث والدراسة ويعترفون بأنه يشكل مشكلة عويصة  لهم وانه من اقوى الحجج ضد ما يذهبون اليه.[2]

  1. اقوال علي في خصومه بعد توليه الخلافة:

ان اقوال علي في خصومه بعد توليه الخلافة وردوده على طلحة والزبير من جهة وعلى معاوية من جهة ثانية وعلى الخوارج من جهة ثالثة فيها الجواب الشافي لمن يريد ان يصل الى الحقيقة . فان كانت اقواله ومواقفه وافعاله قبل الخلافة قابلة للتأويل ويمكن حملها على التقية فان اقواله وافعاله بعد استخلافه صريحة وبعيدة عن التقية لأن الموقف كان يتطلب الصراحة والوضوح ولم يكن عامل الخوف موجودا آنذاك لأنه كان في حال القتال وماذا يتقي من اضطر الى خوض الحرب ؟

ان كانت التقية تمارس من قبل علي في عهد الخلفاء الذين سبقوه خشية حدوث الفتنة ، فإن الفتنة قد حدثت والحرب قد وقعت فما الداعي الى إخفاء الحقائق، بل ماكان اخفاؤه مفيدا في ذلك الوقت اصبح الآن اعلانه ضروريا لأنه اصبح جزءا من المعركة وسيكون له دور مهم في حسمها لصالح علي معنويا قبل حسمها عسكريا. فكما كان لمقتل عمار بن ياسر تأثير الصاعقة على جيش معاوية فإن الحقائق التي كانت عند علي من النص والبيعة وقضية يوم الخميس وبعثة اسامة كان سيكون لها وقع اشد على خصومه لو أعلنها واستنطق الشهود فيها . فإنه لو طلب الى اسامة بن زيد ان يتحدث للناس عن غرض تجهيز الرسول لجيشه ( بالصيغة التي يراها الشيعة طبعا)، وطلب الى ابن عباس ان يتحدث عن رزية يوم الخميس التي كان يسميها ابن عباس رزية، وطلب الى الذين شهدوا خما ان يتحدثوا عن تلك البيعة وتذكير الناس بها وكان فيهم الكثير ممن شهدوها لكان وقعها شديدا على جيش معاوية وعلى جيش عائشة والخوارج ، ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك[3] . لماذا؟ نترك الجواب للشيعة ! اما نحن فنقول انه لم يفعلها لأنه لم يكن هناك لا نص ولا بيعة ! فكيف يحتج بشيء لا وجود له اصلا؟ فلو كانت هذه الامور (اي النص والبيعة) موجودة هل كان علي يبخل بها في مثل هذا الموقف؟ متى يظهرها اذاً ان لم يظهرها الآن ؟ الى اي يوم كان قد ادخر الاحتجاج بها؟ هل ادخرها ليوم القيامة؟! علما انه لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .على الشيعة ان يجيبوا على هذا السؤال!.

وليس هذا فحسب ، بل الاغرب من ذلك ان اغلب  ما قاله علي يصب ضد فكرة الامامة الالهية وفكرة النص والتعيين والبيعة، فغالبا ما كان يتحدث عن الشورى وبيعة المهاجرين والانصار وحجية بيعتهم ويبني صحة خلافته على مبايعة الانصار والمهاجرين له بدلا من ان يردها الى النص والبيعة التي يدعيها الشيعة في حقه. وحتى الخطبة الشقشقية التي يحتج بها الشيعة في كل مناسبة فانها هي الاخرى تنفي فكرة النص والبيعة وتتحدث عن اعتقاد علي باولويته للخلافة لقرابته من رسول الله ومكانته عنده .

ان نهج البلاغة المنسوب الى علي يحتوي على نوعين من الخطابات كلاهما ضد فكرة النص والبيعة ولكن الشيعة يخطئون في فهم كلا النوعين ! النوع الاول يتحدث عن  شورى المهاجرين والانصار وشرعية من يختارونه ويبايعونه كقوله : "انه بايعني القوم الذين بايعوا ابابكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب ان يرد، وانما الشورى للمهاجرين والانصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك لله رضى ، فان خرج من امرهم خارج بطعن او بدعة ردوه الى ما خرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ."[4] 

لكن الشيعة يحملون هذا النوع من الخطاب على التقية !  . والنوع الثاني  يتحدث فيه علي عن اولويته واحقيته بالخلافة بناءَ على قرابته من رسول الله (r) لا على النص والبيعة، لكن الشيعة يحملون هذا القسم من الخطابات على انه اشارة الى النص وهو ليس كذلك ومثال هذا النوع هو الخطبة التي تسمى بالشقشقية .ان هذه الخطبة ليس فيها اشارة لا الى النص ولا الى بيعة غدير خم وانما تشير الى احقيته ، نعم مجرد احقيته بالخلافة وانه يرى نقسه اهلا لها بل اكثر اهلية من كل من عداه لذلك يستغرب ويتعجب من صرفها الى غيره ، وان هذه الخطبة تتعارض مع خطبه التى القاها في مدح ابي بكر وعمر وبقية الصحابة وتتعارض ايضا مع رسائله التي بعث بها الى معاوية وطلحة والزبير.

ان موقف علي واضح من امر الامامة والخلافة ولكن الشيعة يكابرون، وهو انه كان يرى نفسه اهلا لها، واما انه كان يرى نفسه أحق بها من غيره فإنه محل نزاع ، فالشيعة يؤكدونه ، والسنة ينفونه!  وأنا لا أستبعد أن يكون ذلك اعتقاده في اول الامر ،  وذلك لقربه من رسول الله أولاً، ولغزارة علمه  ثانياً، ولدوره وحسن بلائه في الاسلام ثالثاً . وحُقَّ لمن كان مثل علي أن يرى نفسه اهلاً للخلافة ، أو يرى نفسه أحق بها من غيره، وربما كان ذلك بسبب خشيته في بداية الامر من عدم قدرة غيره على ادارة الامور او على الحفاظ على الاسلام كما هو، فحرصاً منه على الاسلام  رغب ان يتولى الامر بنفسه ، ولكنه حين رأى ان ابابكر وعمر قد أحسنا في الحكم وحافظا على الاسلام النقي وجمعا القرآن وفتحا البلدان هدأ باله واطمأن قلبه  فأخلص لهما في النصيحة وآزرهما وأيدهما واثنى عليهما ، بل واكثر من ذلك فقد تمنى ان يلقى الله بمثل عمل عمر(t).

امور اضافية لها دلالات مهمة:

  1. سكوت ابي ذر على مخالفة الصحابة لأمر الله ورسوله و نقضهم البيعة:

ذكرنا فيما مضى سكوت ابي ذر عما جرى في السقيفة وسنتحدث عنه بشيء من التفصيل لأهميته للأسباب التالية:

اولا : هناك مصادر تاريخية تقول أن اباذر كان ممن امتنع عن مبايعة ابي بكر .

ثانيا: الشيعة يعدونه ضمن الذين لم يرتدوا بعد رسول اللهr .

ثالثا : كان أبو ذر من الذين لا يجاملون على الحق ولا يسكتون على الباطل ولو كلفه ذلك حياته .

لقد عرف ابو ذر منذ اليوم الاول من اسلامه بصراحته وثوريته ، فأول ما اعلن اسلامه طاف بالكعبة وكسر ما بها من اصنام فاجتمع عليه قريش واشبعوه ضربا وما انقذه منهم الاّ  العباس عم النبـي وذلك بتخويف قريش على قوافلهم التي تمر بديار غفار وانها لن تسلم إذا قتلوا اباذر . ومواقفه ازاء معاوية معروفة فانه كان معارضا لما يفعله من بناء القصور والاسراف في الامور الدنيوية  وكان دائم الاعتراض عليه وكاد يفسد الناس عليه حتى اشتكاه الى الخليفة عثمان فاستدعاه من الشام  . فمثلُ أبي ذر لايمكن ان يسكت على مثل هذه المخالفات لا سيما إذا عرفنا انه كان مؤيدا لعلي ومن الممتنعين عن البيعة ، فسكوته إذاً فيه دلالة قاطعة على أن الصحابة باجتماعهم في السقيفة واختيارهم لأبي بكر لم يخالفوا اوامر الله ورسوله ولم ينقضوا بيعة ابرمها الرسول لعلي. واني على يقين لو كان هناك نص او بيعة لما سكت ابو ذر ولأقام الدنيا ولم يقعدها على مخالفة تلك النصوص ونقض تلك البيعة ، ولو سكت كل الناس لما سكت أبو ذر.

  1. العلاقة الوطيدة بين علي ومحمد بن أبي بكر :

ان زواج علي من اسماء بنت عميس بعد ان توفي عنها ابوبكر واحتضانه لولديها من ابي بكر دليل على أن علاقة علي بأبي بكر لم تكن سيئة لأنها لو كانت كذلك لما تزوج زوجته ، ولو افترضنا انه خطبها نكاية بأبي بكر لما قبلت هي بالزواج منه  خوفا على ولديها من ان يسيء علي معاملتهما لبغضه اباهما ، ولكن اقدام علي على خطبتها وقبولها هي بالزواج منه ثم احسان علي معاملة ولديها من أبي بكر ثم تأييد محمد بن ابي بكر لعلي وحبه له كلها تدل على أنه لم يكن بين علي وأبي بكر شحناء ولا بغضاء ، لأنه لو كان هناك شيء من ذلك لانعكس على علاقة محمد بن ابي بكر بعلي لأنه لا يعقل أن يحب الرجل خصم ابيه إلاّ إذا كان ولدا عاقّاً او انسانا لئيماً ودنيئا ، ولا يمكن ان يرضى علي منه ذلك لأنه يعرف حكم عقوق الوالدين ، فلو كان محمد من هذا النوع لنهره علي ووبخه وابعده ، ولكن حبه له وتقريبه اياه يدل على انه كان رجلا فاضلاً وباراً بأبيه . وهناك دليل قوي على ان محمدا لم يكن عاقا لابيه وذلك عندما دخل على عثمان أيام الفتنة وأخذ بلحيته قال له عثمان ان أباك كان يكرم هذه اللحية ولو رآك في موضعك هذا لما رضي به فترك محمد لحيته وانسحب لتوه .. وهناك دليل آخر على أن محمدا لم يكن عاقا لأبيه وهو علاقته الوطيدة باخته عائشة أم المؤمنين ، فلو كان محمد عاقا لأبيه لما رضيت عنه عائشة ولوبخته على ذلك ولربما قاطعته أيضا إذ كيف ترضى عمن يعادي أباها ويوالي خصمه  ؟ وبما أن علاقة محمد باخته عائشة كانت قوية ، كان يفترض أن تنعكس تلك العلاقة عكسيا على علاقة علي بمحمد ، إذ كيف يثق علي بمن يحب ويوالي خصمه . إذاً زواج علي من زوجة ابي بكر، والعلاقة الحميمة بينه وبين محمد بن ابي بكر، والعلاقة الوطيدة بين محمد وعائشة كلها تنقض قول من يزعم أن أبا بكر اغتصب الخلافة من علي وأن علياً كان حانقا عليه .

وهناك دليل آخر على أن علاقة ابي بكر بعلي لم تكن سيئة كما يصورها الشيعة ، وانه لم يكن هناك نزاع بينهم ، وهو القاسم بن محمد بن ابي بكر الذي يعد من كبار علماء التابعين عند اهل السنة ، ولا يعقل ان يكون هناك نزاع بين ابي بكر وعلي ويأتي ولده محمد فيوالي عليا ثم يأتي القاسم بن محمد يوالي ابابكر ثم يأتي محمد الباقر ويتزوج ابنة القاسم . كل هذا التشابك ان دل على شيء انما يدل على قوة  علاقة علي بأبي بكر رضي الله عنهم اجمعين.

     ودليل آخر هو الروايات  التي تقول بأن أبا بكر أرسل زوجته أسماء بنت عميس إلى الزهراء في مرض موتها حتى تخدمها ثم بعد وفاتها قامت بتغسيلها وتكفينها كما في الاستيعاب2/112، وهذا الامر لا يدل على حسن علاقة علي بابي بكر فحسب بل ينفي ايضا ما يشاع من سوء علاقة فاطمة بابي بكر ومقاطعتها له الى ان ماتت.

  1. قبول عمار بن ياسر وسلمان الفارسي الولاية في عهد عمر:

يقول الشيعة ان سلمان الفارسي وعمار بن ياسر كانا من مؤيدي علي و من المعارضين لخلافة الشيخين ، كيف إذاً قبلا بتولي الامارة في عهد عمر ؟ فقد تولى سلمان إمارة المدائن وتولى عمار إمارة الكوفة ! فهل انقلبا على علي ؟ هذا لم يقل به أحد والتاريخ يشهد أن عمارا كان من مؤيدي علي وقتل وهو في جيش علي. كيف قبلا ولاية الظالمين والامام الشرعي موجود ؟ لو كان ذلك بعد وفاة علي لكان مستساغا بعض الشيء ، أما أن يتعاونا مع عمر وعلي حي فهذا مما لا يتفق مع المنطق ويرفضه العقل الاّ إذا كان ما يقوله الشيعة عن خصومة علي والشيخين مختلقا وان امامة الشيخين صحيحة ولم يكونا غاصبين للخلافة من علي .

  1. طلب ابي بكر وعمر أن يدفنا بجوار الرسول :

ان الله وهبنا العقل لنستعمله ونحكم به على الاشياء ونستنبط منها العبر والعظات ونميز به بين الحق والباطل لا أن نعطله ونتبع الآخرين دون دليل ، وهناك امور يمكن اخضاعها للعقل والمنطق بسهولة ولا يصعب استنباط الحكم والدلالات منها ، من هذه الامور: دفن ابي بكر وعمر بجوار رسول الله r بطلب منهما، ووجه الدلالة فيه انه لو كانا ممن خالف الرسول أو نقضا عهده أو ظلما أهله لما تجرءا على مجاورته في قبره حياء منه وخشية أن يتعرضا لعتابه . ولو افترضنا جدلا أنهما فعلا ذلك للتمويه على الناس – وهذا لا يحصل الا ممن لا يؤمن بالآخرة ولا أحد يجرؤ على اتهامهما بذلك الاّ من لايحترم عقله وعقل قارئه- كيف رضي الصحابة الصادقون وأهل البيت وبنو هاشم بذلك ، ولو افترضنا انهم لم يقدروا على منعهم، فلا أقل من أن يعترضوا، وكان هذا ممكنا لا سيما من قبل الصحابة الشجعان  كعلي وابي ذر أو بعض أزواج النبـي كأم سلمة . ولكن ان يحدث ذلك دون ان نسمع باي اعتراض ولو في خفاء فانه يدل على ان الناس كانوا يرون الشيخين اهلا لأن يدفنا بجوار رسول اللهr وانهما لم يكونا يخشون مواجهة الرسول  لعمل عملوه  بل كانا في اشد الشوق أن يلحقا به ويدفنا بجواره افتخارا بما قدموه لدينه .  ولست أدري متى يُعمل العقل ان لم يُعمل هنا؟!

 

[1] . هناك روايات كثيرة تقول ان عليا كان يرى ابا بكراحق بها من غيره.

.[2] انظر السقيفة لمحمد رضا المظفر وشرح نهج البلاغة لميثم البحراني فكلاهما يعترف بأن اقوال ومواقف علي محرجة للشيعة ولذلك حملوها على التقية وبغير ذلك يجب ان يحكموا على مذهبهم بالبطلان .

.[3]  هناك رواية تقول بأن عليا طالب في الرحبة أيام خلافته الذين حضروا غدير خم أن يقوموا ويشهدوا بما  سمعوه في ذلك اليوم من رسول الله r فقام عدة رجال ، في رواية اثنا عشر رجلا وفي رواية ثلاثون رجلا الاّ ثلاثة أو أربعة لم يشهدوا فدعا عليهم علي فأصابتهم دعوته وحتى هذا ليس فيه دليل على النص والوصية والبيعة لأنه قال لهم أيكم يشهد أن رسول الله قال "من كنت مولاه فعلي مولاه " ولم يقل أيكم يشهد ان الناس قد بايعونى في غدير خم أو أن الرسول قد أخذ لي البيعة في ذلك اليوم .

[4] .نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده ج3 ص297 دار الفكر للطباعة والنشروالتوزيع –بيروت-لبنان

  • الخميس PM 02:12
    2021-05-20
  • 1145
Powered by: GateGold