المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417463
يتصفح الموقع حاليا : 235

البحث

البحث

عرض المادة

حيثيات السقيفة ودلالاتها

حيثيات السقيفة ودلالاتها

والآن نأتي الى دراسة حيثيات السقيفة  ابتداءا من اسراع الانصار الى اجتماع السقيفة ، الى اخبار عمر بذلك الاجتماع ، الى طبيعة الحوار الذي جرى بين المهاجرين والانصار ، الى مبايعة ابي بكر بالخلافة ، واخيرا الى طريقة اعتراض علي على ذلك الاجتماع وذلك الاختيار وطبيعة حججه ، لنرى هل هذه الحيثيات تدل على وجود النص والبيعة ام انها تنفي ذلك وتثبت عكسها:

 الحيثية الاولى : اجتماع الانصار في السقيفة:

لاخلاف بين المؤرخين ، سنة وشيعة ، ان الانصار هم الذين اجتمعوا اول الامر في السقيفة وانهم كانوا يريدون ابرام الخلافة لوحدهم بعيدا عن  المهاجرين للاسباب التي ذكرناها سابقا . وهذا الاجتماع ينفي امرين في آن واحد: ينفي اولا وجود النص والبيعة ، وينفي ثانيا فكرة التآمر على علي . واليك تحليل ذلك بشيء من التفصيل:

قلنا أن عليا كان ذا شخصية قوية بين المسلمين  وأنه كان من أوسط قريش نسبا وأن قريشاً كانت كما قلنا من اوسط العرب ، اي أن الذي أراد الانصار ازاحته عن الخلافة هو علي ، القوي بذاته ، القوي بعشيرته ، المنصوص عليه من الشخصية الفذة القوية : رسول الله !

 اذاً ، فان عليا يملك كل اسباب القوة الذاتية والموضوعية ، فكيف يستطيع احد أن يفكر مجرد تفكير في غصب حقه الذي منحه الله ورسوله اياه ؟

ان الذي يريد ان يغصب حق علي يجب عليه أن يفكر قبل كل شيء في رد فعل علي نفسه ، ثم يفكر في موقف قريش وبني هاشم ، ثم يفكر في الذين حضروا غدير خم ، وعليه ان يفكر في جميع هؤلاء في آن واحد وفي ردود افعالهم ويستعد لمواجهتهم جميعا !

هل يَقْدر احد على الاقدام على مثل هذا الامر مع وجود كل هذه العقبات امامه ، واحتمال وقوعه في نزاعات شديدة مع كل هذه الاطراف؟ وحتى لو أراد شخص ما ان يجازف بمثل هذه المجازفة ، هل كان قومه سيوافقونه عليه؟ ان العرب كانوا يحسبون لمثل هذه الامور الف حساب ، فكيف لم يحسبوا لهذا الامر اي حساب؟!

وحول ابطال هذا الاجتماع لفكرة المؤامرة نقول: لو كان اجتماع السقيفة مؤامرة لنقل لنا التاريخ شيئا من تحركات المتآمرين قبل وفاة الرسول (a ) ولكنه لايروي لنا الا امورا قد حصلت ارتجاليا ومن دون اي تخطيط ولم يرو لنا ما يدل على ادنى مؤامرة، اذ لو كان الامر مؤامرة لوجب ان يروي لنا التاريخ شيئا من تمهيداتهم لتلك المؤامرة مثل الاتصال بالقبائل والشخصيات المهمة سواء في المدينة او في مكة او في اية مدينة اخرى كالبحرين واليمن والطائف وغيرها كما فعل حيي بن اخطب حين أراد ان يؤلب العرب على المسلمين في غزوة الاحزاب ، فالتاريخ يروي لنا تحركات حيي  بين قبائل العرب ورجالاتها بالتفصيل .اما ان يسكت التاريخ عن ذكر شيء من هذه التحركات فهذا يدل على بطلان هذه النظرية من اساسها.

هذا اولا ، وثانيا ان الشيعة يتهمون ابابكر وعمر بالتآمر ولكن من المؤكد ان هؤلاء لم يكن لهم يد في تنظيم ذلك الاجتماع وانما اُخبروا به من قِبل بعض الصحابة ولولا هؤلاء لأُبرم الامر لسعد بن عبادة ولانتهى اما بخلافة سعد او بحصول نزاعات بين المهاجرين والانصار حول الخلافة.

 وهناك سؤال يطرح نفسه: ما هي مصلحة الانصار في التآمر على علي؟

ان الشيعة انفسهم يقولون ان عليا كان مكروها من قبل قريش والعرب لأنه قتل صنانيدهم ، ومن المعلوم ان الانصار ليسوا من هؤلاء وانه لم يقتل منهم او من أهل المدينة احدا ، بل هو والانصار شريكان في هذه الصفة، فكلاهما فتك بالمشركين . اذن لا توجد بين علي والانصار احقاد او ثارات . ويذكر الشيعة أن بعض الانصار قالوا في السقيفة هلموا نبايع عليا ولكن لم يتابعهم على ذلك أحد ،  ويروون أيضا أن الانصار قالوا لفاطمة حين كانت تطوف عليهم لطلب النصرة لعلي : لو كان ابن عمك في السقيفة لما بايعنا غيره!.  فالانصار غير كارهين لعلي ولا ناكرين لفضله، ولا يتوجسون منه خوفا ولا يشكون في عدله ، لماذا إذن يجتمعون في السقيفة ويبحثون مسألة الخلافة ويظهرون تخوفهم من تفرد المهاجرين بالامر، ويتحدثون بصيغة لا يُشم منها رائحة الانقلاب على احد أو غصب حق أحد أو نقض بيعة أحد  وإنما يتحدثون عن أولويتهم بهذا الامر لأن الاسلام بسيوفهم انتصر والعرب بجهودهم دان لهذا الدين. ان عدم ذكر مسألة البيعة والوصية من قبل الانصار ، لامن قريب ولا من بعيد ، رغم محبتهم لعلي وتأييدهم له -كما يزعم الشيعة- لايدل الاّ على انتفائهما .

ومن الغريب أن الشيعة يتهمون الفائز في السقيفة بالتآمر ولا يتهمون المنظم  للاجتماع الذي فوّت الفرصة على علي وأفرز عن خلافة ابي بكر !.

الحيثية الثانية : إخبار عمر باجتماع الانصار في السقيفة :

لو كان هناك نص على علي او بيعة في اعناق الناس لعلي لسارع المخبرون الى إخبار علي او احد اقربائه او مقربيه او مؤيديه بدلا من إخبار عمر لأن الامر يمسه بالدرجة الاولى اللّهم إلاّ اذا قلنا ان الانصار والمخبرين كلهم كانوا متآمرين على علي! وهذا لايقول به من يحترم عقله .اما عدم حدوث شيء من ذلك فهذا دليل آخر على عدم معرفة الناس خليفة الرسول الى ذلك الحين. وقد ذكرنا سبب اختيار المخبر لعمر لإعلامه باجتماع السقيفة  واختيار عمر لأبي بكر لإخباره باجتماع السقيفة ولا أرى داعيا لإعادته ، فاننا نرى ذلك دليلا كافيا على عدم وجود نص على احد وعدم وجود بيعة في اعناق الناس لأحد ،إذ لا يُتوقع ان يعرف الناس خليفة رسول الله ثم لايخبرونه بما يدور حول الخلافة وما ينوي بعض الانصار فعله من تحويل الخلافة عن صاحبها المنصوص عليه الى غيره. فكما أن الصحابة ادركوا مخاطر استشهاد حملة القرآن في حروب الردة وهرعوا الى الخليفة ليدرك الموقف ويجمع القرآن قبل ان يستحر القتل ببقية حملة القرآن ، كذلك كان هناك من يدرك خطورة تحويل الخلافة عن صاحبها الشرعي المنصوص عليه الى غيره ممن لا توجد فيه اهلية نيابة الرسول طالما أن الامر كما يصوره الشيعة أمر ديني ويتوقف عليه مصير الاسلام والامة الاسلامية ، ولا يُعقل أن يخلو المجتمع ممن يدرك خطورة هذه المسألة في حينه ثم يأتي اناس بعد قرون يدركون خطورة مالم يدركه جميع من شهد تلك الاحداث بمن فيهم علي بن ابي طالب !.

 كما أن إخبار عمر دليل كاف على مكانة ابي بكر وعمر وثقلهما في المجتمع كما ذكرنا سابقا.

الحيثية الثالثة: طبيعة الحوار الذي جرى في السقيفة بين المهاجرين والانصار:

 لقد روى لنا التاريخ تفاصيل ذلك الحوار ، ماذا قال ممثل الانصار وبم اجابه المهاجرون وكيف انتهت القضية بمباية ابي بكر، فلا يذكر لنا اية اشارة الى قضية النص والبيعة وانما كان الحوار كله يدور حول من هو الاولى والاحق بخلافة الرسول ورئاسة المسلمين : المهاجرون ام الانصار ، وتفاصيل الحوار موجودة في كتب التاريخ المعتبرة تستطيع ان تعود اليها، وقد ذكرنا جزءا كبيرا منها في بداية الكتاب، ولكن يكفي ان تعرف هنا ان مسألة البيعة والنص لم تكن معروفة  اصلا لأنه لا يعقل ان يجري نقاش بين طرفين متنازعين على مسألة مهمة كالخلافة والتي فيها سلب لحق طرف ثالث ولا يتم فيه الاشارة الى ذلك الطرف !. فلو كان هناك نص او بيعة لأُثيرا في السقيفة بعدما خسر الانصار القضية  ، ولكن سكوتهم عنها يدل على عدم وجودهما .[1]

يقال ان بعض الانصار قالوا اذن نبايع عليا ، وهذه الرواية لم تذكر في الكتب المعتبرة ولا اظنها الاّ من تأليف الشيعة .ولو افترضنا صحة هذه الرواية جدلا لاقتضى الامر ان يذكروا مسألة النص والبيعة ويثيروها بقوة بدلا من ان يقولوا على استحياء : اذن نبايع عليا !. كان يتوجب عليهم أن يذكروا القضية على حقيقتها ويقولوا : بل نبايع من نص عليه الرسول والقرآن والذي بايعناه في غدير خم قبل ثلاثة اشهر فهو وحده صاحب الحق ولا يجوز صرفه عنه. كان الجو يقتضي مثل هذا الكلام  بعدما خسر الانصار القضية لأن الصراع كان بين ابي بكر وعمر وابي عبيدة من جهة وبين الانصار من جهة اخرى ، فطبيعي عندما يخسر سعد القضية ان يسعى لأفسادها على من أفسدها عليه لا سيما اذا كانت عنده حجة قوية كالنص والبيعة .

هذا الاجراء هو ما يقتضيه العقل وتقتضيه الفطر السليمة حيث انه اذا تنازع طرفان على شيء يخص طرفا ثالثا ان يسعى الطرف الخاسر الى حرمان الطرف المنافس من ذلك الشيء ورده الى صاحبه الحقيقي ، وكان من المفروض ان يقول الانصار لاسيما سعد وقومه اذن لا ننصرف حتى نبعث وراء علي ليحضر هذا الاجتماع ويبدي رأيه فيه لأنه صاحب الحق الوحيد في هذه المسألة ، او يرسلوا خلف علي خلسة عندما أحسوا أن البساط على وشك ان يسحب من تحت ارجلهم ، وكانوا بذلك ينجحون في حرمان خصومهم من الخلافة وينصفون عليا ويكفرون عن ذنبهم وخطيئتهم ، وكان المفروض ان لا يكتفوا بالسقيفة بل يستمروا في تحركاتهم ويثيروا قضية البيعة والوصية ويتصلوا بالناس من اهل المدينة ومكة وسائر قبائل العرب ويدفعوهم الى المطالبة بالتمسك بوصية الرسول وبكتاب الله ويذهبوا الى علي ويحثوه على المطالبة بتنفيذ امر الله ووصية الرسول وان لا يسكت على هذا المنكر. أما ان يستسلموا للخصم ويبايعوا ابابكر دون اثارة اية ضجة حول حق علي وحول النص والبيعة ، فهذا إن لم يكن دليلا على عدم وجود النص والبيعة فدليل على ماذا؟

          وحتى قول الانصار : بل نبايع عليا -على فرض صحته – لايخدم قضية النص والبيعة وانما يصب في قالب الاولوية  لا بمقتضى النص وانما بمقتضى اعتبارات اخرى هي الاهلية والقرابة من الرسول .

الحيثية الرابعة :  مبايعة ابي بكر:

ان ما تم في السقيفة من مداولات بين الاطراف المتنازعة وانتهائها  بمبايعة ابي بكر بتلك السرعة، والتي تعتبر خياليا قياسا الى الانتخابات الاخرى يدل على عدة امور :

 اولها   : عدم وجود بيعة او نص.

 وثانيها: مكانة ابي بكر في المجتمع حيث اجتمعت عليه الكلمة  في السقيفة وخارجها بسرعة البرق.

 وثالثها : نضج المجتمع النبوى .

ولاهمية هذه النقطة الاخيرة سنفصل فيها قليلا: ان ما حدث في السقيفة لم يحدث الى اليوم في أرقى المجتمعات البشرية ، فهذه امريكا وبريطانيا وفرنسا ، ام الديموقراطيات في العالم انظر كم يأخذ انتخاب الرئيس او رئيس الوزراء فيها من الوقت، وكم يحدث من اتهامات وانتقادات بين المترشحين انفسهم وبين انصارهم ، وكم تنفق من الاموال في سبيلها ، وكم ينشغل الناس بها ؟ !  ولكن بيعة ابي بكر تتم في ساعات ثم تهدأ الامور ، وفي اليوم الثاني يجتمع الناس في المسجد للبيعة العامة ثم يُبدأ بعدها مباشرة بمراسيم دفن الرسول ثم بوقت قصير يتم إنفاذ الجيش الذي أمر الرسول الكريم بإنفاذه . هل تم مثل هذا في أي مجتمع متحضر أو اية دولة راقية؟

ألا يحق للرسول ، بعد هذا الذي رأيناه، أن يترك امته دون أن يعين لها خليفة  طالما هي قادرة على حسم مثل هذه القضية في سويعات وتجتمع كلمتها على أبرز شخصية فيها ، الشخصية التي صحبت النبـي في الهجرة الى المدينة ؟ ألم يكن  استصحاب الرسول  لأبي بكر في الهجرة ودخول ابي بكر الى المدينة برفقة النبـي ايحاءاً من النبـي واشعارا للناس بأن هذا هو نائبه فيما بعد؟

 نعم ظهرت هنا وهناك بعض الاعتراضات من قبل بعض الوجهاء ، بعضها جاءت  من اناس اعترضوا على الامر لعدم اشعارهم بالاجتماع ولإبرام الأمر بعيدا عنهم كالزبير بن العوام وعلي وبعضهم اعترض من منطلقات عشائرية كأبي سفيان الذي لم يستسغ تولية رجل من أضعف قبائل قريش الذين لم يسبق لهم ان تولوا الزعامة في قريش ، وبعضها  جاءت من اناس رأوا عليا أولى بالخلافة من ابي بكر وهؤلاء باعتراف الشيعة قليلون ولا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليدين  ماعدا بعض بني هاشم الذين نظروا الى المسألة على انها إرث  يجب ان يتوارثوه ، ولكن كل هذه الاعتراضات سرعان ما زالت ولم تترك على أرض الواقع أثرا يذكر . أما مايزعمه الشيعة من أن افتراق الامة جاء من وراء السقيفة فهذا بهتان وجهل بالتاريخ وتحميله مالا يحتمل بل كل الفتن نشأت فيما بعد في أواخر أيام عثمان ، من الاعتراض عليه اولا ثم قتله ثانيا ، وهي من افرازات تلك الفترة لا من افرازات السقيفة، وهي من دسائس عبد الله بن سبأ اليهودي.

ان الجهل والتعصب الاعمى هما اللذان يمنعان الناس من رؤية الحقيقة كما هي ، وإلاّ هل رأى الناس أو سمعوا بقوم ، بله امة كبيرة ، يموت زعيمها ثم في ساعات قليلة يحسم الامر وينتهي بانتخاب رئيس لها ؟ وليس هذا فحسب بل يجهز جيشا في غضون أيام لغزو عدو قوي يهيمن على نصف العالم ؟.

 هل هناك مجتمع بلغ من النضج ما بلغه هذا المجتمع الذي رباه الرسول بيديه ، وبمنهج أنزله اليه خالقه عن طريق ملَك ظل على اتصال به الى ان فارق الدنيا؟ ألا يحق لهذا النبـي أن يترك مثل هذه الامة دون أن يعين لها إماما ؟ والذي إن فعله لأصبح ذلك تشريعا ولأصبح التعيين الطريقة الوحيدة ، فيما بعد، لنصب الحكام ولما جاز غيرها من الطرق ، ولسُلب المسلمون  حق اختيار حكامهم ولعُد ذلك انتقاصا لهم واتهاما لهم بالقصور وعدم الاهلية ، ولما استطاع الشيعة اليوم من الذهاب الى صناديق الاقتراع للتصويت لمن يرغبون في حكمه !

 

[1] .حتى الروايات الشيعية تتفق مع الروايات السنية في أن احدا لم يشر الى النص والوصية وانما كان نقاشهم حول من أولى وأحق بهذا الامر : المهاجرون ام الانصار.

  • الخميس PM 02:04
    2021-05-20
  • 988
Powered by: GateGold