المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417470
يتصفح الموقع حاليا : 237

البحث

البحث

عرض المادة

امكانية نقض العهد

امكانية نقض العهد

تحدثنا عن ركنين اساسيين من أركان البيعة وهما الموصي والموصى إليه ، واثبتنا من خلال المقارنة التي اجريناها بين كل من الرسول وابي بكر من جهة ، وبين عمر وعلي من جهة اخرى أن الموصي والموصى اليه في الوصية الاولى اقوى من الموصي والموصى اليه في الوصية الثانية باعتراف الشيعة، بقي هنا ان ندرس ركنين آخرين من أركان البيعة وهما: أهمية البيعة في الاسلام  عامة ، وموضوع البيعة وأهميتها خاصة.

إن من يدرس القرآن واحاديث الرسول وسيرته وتاريخ المسلمين يتبين له بوضوح أهمية البيعة في الاسلام ومن ثم عند المسلمين ، فالآيات والاحاديث الواردة بحق البيعة كلها تدل على أن للبيعة في الاسلام قدسية كبيرة وان نكث البيعة يعد اثما كبيرا لا سيما اذا كانت البيعة لرسول الله ، فقد قال الله تعالى عن مبايعة الرسول: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) " الفتح /10ويقول سبحانه"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ..(1)  " المائدة/1 ولعلم الخلفاء بأهمية البيعة كانوا يحرصون على أن يأخذوها من كل الناس لا سيما أصحاب المكانة والمتنفذين منهم . وقد كانت للبيعة قدسية عند المسلمين بحيث لم يكن حتى في وسع الخلفاء الاقوياء نقضها ، فهذا هشام بن عبد الملك الخليفة الاموي القوي أراد أن يعزل ابن أخيه الوليد بن يزيد وينصب بدلا منه أحد أبنائه وليا للعهد ولكنه لم يستطع رغم كل ما اُشيع عن الوليد من خلاعة ومجون وفجور ، وحين أراد الأمين أن يخلع أخاه المأمون ثار المأمون في وجهه وأيده الناس وانتهى الامر بقتل الامين !

لو أن الصحابة كانوا يجهلون اهمية البيعة لجاز ان نتهمهم بالتهاون في شأن البيعة التي أعطوها لعلي في غدير خم ، لكن الشيعة انفسهم يوردون امورا تدل على تقدير الناس لمسألة البيعة ، منها ايرادهم قول الانصار لفاطمة: لو ان ابن عمك حضر السقيفة لما عدلنا عنه الى غيره ولكنا قد بايعنا ابابكر ، وقول علي في احدى رسائله التي بعث بها الى معاوية يذكر فيها أنه لما رأى الناس قد بايعوا ابابكر سكت لانه راى ان طاعته قد سبقت بيعته ![1]

فالبيعة بصفة عامة  كانت ولاتزال لها مكانتها وقدسيتها في الاسلام ، فإذا  أضفنا الى ذلك خطورة وحساسية موضوع البيعة  علمنا أنه لايمكن أبدا ان تنقض بيعة عقدها رسول الله . وعليه فالبيعة التي يزعم الشيعة أن الرسول قد أخذها من الصحابة لعلي تشتمل على جميع عناصر البيعة وأركانها ، فالموصي وآخذ البيعة هو رسول الله (a ) الواجب الطاعة على المسلمين حيا وميتا ، والموصى اليه والمبايَع هو علي بن أبي طالب المعروف بمكانته من رسول الله وبشجاعته وقوته وعصبته ، والبيعة هي في أمر خطير وحساس وهو الخلافة ثم أخيرا ان البيعة مقدسة عموما عند المسلمين ، فكيف يتنكر الناس لمثل هذه الوصية وكيف ينكث الناس هذه البيعة ثم لا يُحدث ذلك ضجة بين المسلمين ؟

  ولندرس هذاالموضوع من جانب آخر ونسأل : هل من الممكن ان يجرؤ احد على نقض بيعة عقدها رسول الله ؟

هذا السؤال يدعونا الى دراسة  طبيعة ذلك المجتمع وان نحاول الرجوع بأنفسنا الى تلك الفترة ونستحضر حالهم بحيث نستشعر وكأننا نعيش تلك اللحظات بعقلية ونفسية وطبيعة اهل ذلك الزمان . ولكن قبل ان نشرع في هذا يجب ان نقرر حقيقتين اخريتين اضافة الى الحقائق السابقة التي اقررناها من رجحان كفة الرسول على ابي بكر وكفة علي على عمر:

 اُولاهما :  لا يمكن ان يُغتصب حق وراءه رجال اقوياء يطالبون به ، بمعنى آخر : لا يمكن بحال من الاحوال غصب حقوق الاقوياء لا سيما اذا كان صاحب الحق أقوى ممن يحاول غصب حقه . وهذه حقيقة لا اظن ان هناك من ينكرها.

و الثانية والتي لا يماري فيها احد هي ان قريشا كانت اوسط العرب في الجزيرة وان القبائل العربية الاخرى كانت تشعر بنوع من التبعية لها وان بني هاشم كانوا من اوسط قريش وان الناس كانوا اطوع لبنى هاشم من غيرهم لمكانتهم من رسول الله ومن قريش ومن العرب عموما ومقولة ابي سفيان دليل على ذلك.

ان اهمال الوصية والنصوص الكثيرة التي يدعي الشيعة ورودها حول خلافة علي لم يكن بالامر الهين واليسير ، لاسيما اذا كانت تخص رجلا قويا وشجاعا وصاحب عصبة كعلي بن ابي طالب ، فلو انها كانت تخص رجلا ضعيفا او جبانا لأمكن تصور اهمالها حتى وان كانت واردة من شخص قوي كرسول الله . أما أن تخص واحداً من اقوى الشخصيات بعد الرسول من حيث الشجاعة والعصبة فهذا مما لايمكن تصوره !

من ذا الذي يجرؤ ان يفكر ، مجرد تفكير، في نبذ وصية صادرة من اقوى شخصية لاقوى شخصية؟[2]

هذا عن اهمال النص والوصية أما عن نقض العهد والبيعة التي اخذت منهم في غدير خم فهو اصعب واشق ، والاقدام على نقض بيعة شهدها اكثر من مائة الف[3] يعد مغامرة ومخاطرة لا يحمد عقباها ، وان مثل هذا الاجراء ، أي اهمال النص والوصية ونقض البيعة  لا يتم في مثل تلك العجالة في اجتماع مفاجيء بل يحتاج الى تخطيط وتدبير مسبقين وبين اناس متفقين فيما بينهم لابين متخاصمين ومتنازعين.

       ان علينا ، ان اردنا فهم القضية جيدا ، ان نستحضر حال المسلمين وقد توفي رسول الله وترك وصية بتنصيب علي اميرا على المسلمين واخذ البيعة  له في اعظم تجمع عرفه المسلمون الى ذلك اليوم ، وهو يوم العودة من الحج في غدير خم ، ثم نسأل هذا السؤال: لماذا يسارع الانصار الى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لنقض هذه البيعة وهم يعرفون أنهم يجب أن يواجهوا بعملهم ذلك قريشا من جهة ، مع علمهم بموقع قريش بين العرب، وسائر المسلمين الذين شهدوا بيعة الغدير من جهة اخرى !

ضع نفسك مكان الانصار وفكر في الامر : هل تستطيع أن تفكر -مجرد تفكير- في مثل هذا الامر الخطير الذي لا يعرف عواقبه وقد يأتي بفتنة تحرق الاخضر واليابس . ان مجرد التفكير في مثل هذا الامر يعد مخاطرة ، فكيف بالاقدام عليه ؟ واي اقدام ؟ بتلك العجالة والارتجالية التي حدثت في سقيفة بني ساعدة.

ان الإعداد لمثل هذا الامر يحتاج الى إعداد مسبق وتخطيط دقيق ، انه يحتاج أن يتصل صاحب الفكرة اولا بمن يثق بهم ويأمل فيهم الاستجابة من الصحابة ثم يبث رسله هنا وهناك ليكسب الانصار والاعوان ، أي ان يدخل في صفقة سياسية وهذا يحتاج الى اعطاء وعود للمشاركين في المؤامرة بمكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية مقابل تأييدهم له وان يتفقوا على خطة معينة لانجاحه وان يضعوا في حسابهم احتمالات فشل مخططهم فيضعوا الحلول والبدائل لذلك . كل هذه من متطلبات القيام بمثل ذلك الامر العظيم ، ولا تقولن وأنـّى للناس ان يفكروا بهذه الطريقة وهم بتلك البساطة والبداوة ؟ لا تقل ذلك لأننا رأينا كيف خطط اليهود مع قريش للانقضاض على المسلمين في غزوة الاحزاب وكيف جندوا العرب جميعا لتلك المهمة . وكذلك رأينا كيف خطط المعارضون للخليفة عثمان بن عفان للاطاحة به وكيف أحكموا خطتهم حتى كتب لها النجاح وحققت مقاصدها.

        نعم هذه هي مستلزمات القيام بمثل هذا العمل ، سواءاً فكر فيه الانصار او نفر من المهاجرين ، فالامر ليس هينا والخصم ليس سهلا : الامر هو التنكر لوصايا رسول الله ورد نصوص الكتاب والسنة ونقض بيعة ابرمها رسول الله بنفسه بعد حجة الوداع وشارك فيها ما لا يقل عن مائة الف حسم زعم الشيعة ، والخصم هو علي بن ابي طالب المعروف بشجاعته وبأسه ووراءه بنو هاشم وبنو امية اقوى عشيرتي قريش ، ووراءهم – بصفتهم من اوسط قبائل قريش- العرب كلهم ، والذين يفكرون في ازاحته هم الانصار الاقل عددا أو نفر من قريش هم من اضعف بطونها : بني تيم وبني عدي !   

من هنا يتبين لنا ان كل من كان يريد أن يفكر في ازاحة علي عن مكانه كان يجب عليه أن يفكر قبل كل شيء في العقبات والصعوبات التي سوف تعترضه ويعمل حسابه لتذليلها وازالتها ، والمباشرة بمثل هذا العمل تُعد مخاطرة كبيرة لا تُحمد عواقبها اذا لم تسبك الخطة بإحكام ، فالذي يفكر في مثل هذا الامر يجب قبل كل شيء ان يعمل على تأمين السبل للوصول الى هدفه.

ان ماجرى في المدينة من اجتماع الانصار في السقيفة يدل بوضوح على انهم كانوا يعرفون بانهم لا يغتصبون حقا لاحد وانما يبحثون في امر لم يُبَت فيه من قبل والاّ لو كانوا يعلمون ان الامر محسوم لعلي لكان عليهم ان يحسبوا الف حساب قبل ان يُقدموا على مثل هذا العمل.

ان طبيعة اجتماع الانصار في السقيفة لا تشير الى انهم كانوا يفكرون او يخططون لسلب أحد حقه في الخلافة ، وانما تشير بوضوح الى انهم كانوا يبحثون امرا لم يكن مبحوثا من قبل او محسوما من قبل  وانهم اجتمعوا ليختاروا سعد بن عبادة للخلافة  قبل ان يجتمع المهاجرون، وانهم ما كانوا يعلمون ان عليا منصوص عليه، وانهم لم يبايعوه من قبل ، لانه لو كانت هناك بيعة أو نص لسارع الذين اخبروا عمر بالامر الى اخبار علي بدلا من عمر او على الاقل لسارع بعض الناس الى اخبار علي كما سارع بعضهم الى اخبار عمر لأن الامر كان يعنيه هو قبل غيره . ولو كان الانصار والمهاجرون يعلمون ان علياً هو خليفة رسول الله a  كان من المفروض ان يبدءوا اجتماعاتهم بالقول بأن رسول الله قد مات ووصى لعلي بالخلافة ولكننا لانرضى به خليفة لصغر سنه مثلا او لكونه غير مؤهل للخلافة او لكونه مكروها من الناس او لوجود من هو احق منه بالخلافة ، الى غير ذلك من الاسباب كما اعترضوا على امارة اسامة بن زيدلصغر سنه وقلة خبرته ، ولانتشر ذلك الخبر بين الناس ولتكلموا فيه وتداولوه فيما بينهم كما تداولوا مسألة امارة اسامة، ولروى لنا التاريخ بعضا من تفاصيل ما دار بين الناس من مناقشات حول ذلك الموضوع ولذكر لنا ايضا تعليقات الناس وردود افعالهم على نقض تلك البيعة بعد السقيفة ، ولو سكت كل الناس لما سكت ابو ذر ، ولاستغل المنافقون هذا الامر لبث الفرقة واثارة الفتنة بين المسلمين . وبما انه لم يُذكر لنا شيء من تلك الامور فانه يدل على ان الناس لم يكونوا يعلمون ان رسول الله قد استخلف احدا بعده او ان الصحابة قد خالفوا أمره ونقضوا عهده . ان مرور هذه الحادثة بهذه السهولة واستتباب الامر لابي بكر بتلك السرعة وعدم تحدث الناس بالبيعة وسكوت الصحابة لاسيما الثائرين منهم كأبي ذر وأخيرا سكوت المنافقين وعدم استغلالهم له دليل قاطع على انه لم تكن هناك لا وصية لاحد ولا بيعة في اعناق الناس لاحد.

ولو كانت هناك وصية وبيعة في شأن علي لوجب على من يريد ازاحته ان يَشرع في العمل قبل وفاة الرسول أو أثناء مرضه على الاقل ، فيبدأ بالاتصال بالناس ويرسل الوفود سرا الى المدن والقبائل ويمهد أذهان الناس لمثل ذلك الاجراء ويضمن تأييدهم  وولاءهم له ويتخذ جميع الاجراءات اللازمة لانجاحه  لا ان يفعله ارتجاليا ثم يأتي ثلاثة من المهاجرين وبطرفة عين يسحبون البساط من تحت رجليه ويحرمونه من الخلافة .

 

[1] . – يقول سيدنا علي في نهج البلاغة: ( رضينا عن الله قضائه ، وسلمنا لله أمره ....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري )  نهج البلاغة ص 81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي الصالح ، نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 95-96 .

 

[2] . نحن نعتقد أن عليا كان واحدا من الشخصيات القوية المؤثرة المعدودين في المجتمع ولكن حسب رأي الشيعة فانه كان اقوى شخصية بعد الرسول على الاطلاق، وهذا ألزم لهم في الحجة ومن باب الجدل سلمنا بأنه الاقوى بين الجميع.

[3] . هذا في نظر الشيعة وإلاّ فالعدد أقل من ذلك بكثير ولكن هنا أيضا كثرة العدد ألزم للشيعة في الحجة.

 

  • الخميس PM 02:01
    2021-05-20
  • 1293
Powered by: GateGold