المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417490
يتصفح الموقع حاليا : 234

البحث

البحث

عرض المادة

التبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

التبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

أصول التفسير عند الطوسى والطبرسى :

      وننتقل بعد هذا الحديث عن أولئك الذين يمثلون شيئا من الاعتدال عند مفسرى الجعفرية ، وأول هؤلاء شيخ الطائفة في زمانه أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى ([1][320]) . وإذا كان الصدوق والشريف المرتضى من الجعفرية الذين سبقوا للتصدى لحركة التضليل والتشكيك في كتاب الله تعالى ، فإن الطوسى أول من تصدى لهذه الحركة بطريقة عملية ، حيث ألف تفسيره الكبير" التبيان " ، فبين أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين بغير زيادة أو نقصان كما نقلنا من قبل ، ثم وضع أسساً للتفسير ، وطبقها في تفسيره ، فصان كتاب الله تعالى من التحريف في المعنى إلى درجة كبيرة . وننقل هنا ما ذكره الطوسى فيما يتعلق بالتفسير . قال في كتابه التبيان " 1 / 4 – 6 " : " اعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاَّ بالأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الأئمة - رضي الله عنهم، الذين قولهم حجة كقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن القول بالرأى فيه لا يجوز والذى نقول في ذلك : إنه لا يجوز أن يكـون في كلام الله تعـالى وكلام نبيه تناقـض وتضـاد .           

 

 

وقد قال الله تعالى]  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   [  ([2][321]) وقال ]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [ ([3][322]) وقال : ]  وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلسَانِ قَوْمِهِ  [  )[4][323]) وقال : ] وفيه تبيان كل شئ [([5][324]) ]  مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ[ ([6][325]) ، فكيف يجوز أن يصفه بأنه عربى مبين ، وأنه بلسان قومه ، وأنه بيان للناس ، ولا يفهم بظاهره شىء . وهل ذلك إلاَّ وصف له باللغز والمعمى الذي لا يفهم المراد به إلاَّ بعد تفسيره وبيانه . وذلك منزه عنه القرآن . وقد مدح الله أقواماً على استخراج معاني القرآن فقال : ] لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [ ([7][326])، وقال في قوم يذمهم حيث لم يتدبروا القرآن ولم يتفكروا في معانيه :] أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[ ([8][327]) ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتى أهل بينى " ، فبين أن الكتاب حجة ،كما أن العترة حجة ، وكيف يكون حجة ما لايفهم به شىء ؟ وروى عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قال :   " إذا جاءكم عنى حديث ، فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط " وروى مثل ذلك عن أئمتنا – رضي الله عنهم ، وكيف يمكن العرض على كتاب الله، وهو لا يفهم به شىء ؟ وكل ذلك يدل على أن ظاهر هذه الأخبار متروك .

      والذى نقول به : إن معاني القرآن على أربعة أقسام :

     أحدها : ما اختص الله تعالى بالعلم به ، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه ولا تعاطى معرفته ، وذلك مثل قوله تعالى : ] يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [([9][328]) ، ومثل قوله تعالى  : ] إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ ([10][329]) إلى آخرها . فتعاطى معرفة ما اختص الله تعالى به خطأ .

     وثانيها : ما كان ظاهره مطابقاً لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها  عرف معناها ، مثل قوله تعالى : " وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ " ([11][330]) ، ومثل قوله تعالى : ] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[([12][331]) ، وغير ذلك .

      وثالثها  : ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلاً ، مثل قوله  تعالى :  وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ  ([13][332]) ، ومثل قوله تعالى ] وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [ ([14][333]) ، ]  وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [ ([15][334]) ، وقوله         ] وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعلُومٌ[ ([16][335]) ، وما أشبه ذلك . فإن تفصيل أعداد الصلاة وعدد ركعاتها ، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ، ومقادير النصاب في الزكاة لا يمكن استخراجه إلاَّ ببيان النبي صلى الله عليه وسلم ، ووحى من جهة الله تعالى ، فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه ، يمكن أن تكون الأخبار متناولة له .

     ورابعها :  ما كان اللفظ مشتركاً بين معنيين فما زاد عنهما ، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مراداً . فإنه لا ينبغى أن يقدم أحد به فيقول : إن مراد الله فيه بعض ما يحتمل لأمور ، وكل واحد يجوز أن يكون مراداً على التفصيل ، والله أعلم بما أراد .

       ومتى كان اللفظ مشتركاً بين شيئين ، أو ما زاد عليها ، ودل الدليل على أنه لايجوز أن يريد إلاَّوجهاً واحداً ، جاز أن يقال : إنه هو المراد .

     ومتى قسمنا هذه الأقسام نكون قد قبلنا هذه الأخبار ، ولم نردها على وجه يوحش نقلتها والمتمسكين بها ، ولا منعنا بذلك من الكلام في تأويل الآى جملة.

      وقال في موضع آخر : " ينبغى لمن تكلم في تأويل القرآن أن يرجع إلى التاريخ ، ويراعى أسباب نزول الآية على ما روى ، ولا يقول على الآراء والشهوات " ([17][336])

الفرق بينهما وبين الجمهور :

      هذا ما ذكره الشيخ الطوسى ، وهو يتفق مع جمهور المفسرين فيما عدا حديثه عن المشترك ، حيث جعل للأئمة ما للنبى صلى الله عليه وسلم ، ولكن هذا ليس بمستغرب منه ، لأنه يتفق مع عقيدته في الإمامة . ولم يجعل للصحابة الكرام دوراً في التفسير ، وهم الذين تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

      والقرن الذي تلاه - أي القرن السادس الهجرى - ظهر فيه إمام المفسرين عند الجعفرية أبو على الفضل بن الحسن الطبرسي ([18][337])الذي أخرج كتاباً في التفسير هو " مجمع البيان " ، ثم ألف كتاباً آخر أصغر منه أسماه " جوامع الجامع " ، وله كتاب ثالث ([19][338]).

       وقد سلك مسلك الشيخ الطوسى ، وتأثر به إلى حد كبير ، فهما يمثلان جانب الاعتدال النسبى عند مفسرى الجعفرية في القديم كما أشرنا من قبل . ومع أنهما يمثلان شيئا من الاعتدال ، إلاَّ أن تناولهما لكتاب الله تعالى لم يسلم من التأثر بعقيدتهما في الإمامة ، وأهم مظاهر التأثر نراها فيما يأتى :

   أولاً : اللجوء لتأويل بعض آيات الكتاب المجيد للاستدلال على عقيدة الإمامة :

       فالذين ذهبوا إلى القول بنحريف القرآن المجيد لم يضطروا للاستدلال على عقيدتهم عن طريق التأويل ما دام هؤلاء الغلاة قد زعموا أن القرآن الكريم نص على الإمامة التي يعتقدونها ، أما هما فقد وقفا طويلاً أمام بعض آيات الله تعالى : يؤولان ويجادلان لإثبات عقيدتهم ، مثال هذا ما نقلناه عنهما في الجزء الأول، وذلك عند الحديث عن آية الولاية والتطهير وعصمة الأئمة .

ثانياً  : ذكرهما لبعض القراءات الموضوعة والشاذة ذات الصلة بالمذهب :

      مثال هذا ما جاء في تفسير سورة آل عمران عند قوله تعالى :

] إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ[ ([20][339]) ، فإنهما يذكران أن قراءة أهل البيت " وآل محمد على العالمين " ([21][340]).

      وفى سورة الفرقان عند قوله تعالى : ] وَاجْعَلْنَا للْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ ([22][341]) ، يفسرها الطوسى بقوله : " بأن يجعلهم ممن يقتدى بأفعالهم الطاعات " ، ولكنه يذكر أن قراءة أئمتهم ]  وَاجْعَلْ لنَا  من الْمُتَّقِينَ إِمَامًا [  ([23][342]) .

     والطبرسى يذكر للإمام الصادق أقوالاً في هذه الآية الكريمة يجعلها خاصة بأئمة الجعفرية . كقول الإمام فيها : " إيانا عنى " وقوله  : " هذه فينا " . ولا يكتفى بهذا بل يذكر ما يتفق مع الغلاة القائلين بالتحريف ، فيخطئ ما جاء بالمصحف الشريف ليصل إلى القراءة التي ذكرها الطوسى ، والرواية هي :  " عن أبى بصير قال : قلت : واجعلنا للمتقين إماماً ، فقال :- أي الإمام الصادق: " سألت ربك عظيماً ، إنما هي : واجعل لنا من المتقين إماماً " ([24][343]).

      وفى قوله تعالى : ]وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [ ([25][344]) ، يقول الطوسى : " بالريح والملائكة " ، وقيل بعلى ، وهى قراءة ابن مسعود ، وكذلك هو في    مصحفه " ([26][345]) .

     وقال الطبرسي : " وكفى الله المؤمنين القتال بالريح والجند ، وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ : وكفى الله المؤمنين القتال بعلى " ([27][346]).

     وفى قوله تعالى : ]فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [([28][347]) ، يذكران قراءة لتأييد رأى فقهى ارتبط بالمذهب الجعفرى ، وهو إباحتهم لزواج المتعة ، هذه القراءة هي زيادة " إلى أجل مسمى " بعد " فما استمعتم به منهن " ([29][348]) .

ثالثاً  : أسباب النزول :

       في ذكرهما لبعض أسباب النزول يبدو أثر الإمامة واضحاً ، فمثلاً عند قوله تعالى : ] وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ[([30][349]) ، يذكر الطوسى سبب النزول فيقول : روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لعلى  : " لولا إني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلاَّ أخذوا التراب من تحت قدميك ، أنكر ذلك جماعة من المنافقين وقالوا : لم يرض أن يضرب له مثلاً إلاَّ بالمسيح ، فأنزل الله الآية " ([31][350]) .

     أما الطبرسي فيذكر سبباً آخر ، قال : " المروى عن أهل البيت أن أمير المؤمنين قال : جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فوجدته في ملأ من قريش ، فنظر إلى ثم قال : يا على ، إنما مثلك في هذه الأمة مثل عيسي ابن مريم ، أحبه قوم وأفرطوا في حبه فهلكوا ، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم وضحكوا ، فنزلت الآية " ([32][351])

      وفى سورة النحل " الآية 91 " : ] وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[  قال الطبرسي بأن الإملم الصادق قال : " نزلت هذه الآية في ولاية على والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه وسلم سلموا على علىّ بإمرة المؤمنين ([33][352])

        وفى سورة القلم قال الطبرسي : " لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه وسلم عليـاً قالوا : افتتن به محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ] ن وَالْقَلَمِ [ إلى قوله : ]  بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ[ ، وهم النفر الذين قالوا ما قالوا ، ] وَهُوَ أَعلَمُ بِالْمُهْتَدِين[ ، على بن أبى طالب " ([34][353])

      وسورة عبس سبب نزولها معروف مشهور ، ولكن الطوسى يرفض ما ذكره المفسرون ([35][354]) ،ويذهب إلى أنها " نزلت في رجل من بنى أمية كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أقبل ابن مكتوم تنفر منه وجمع نفسه وعبس في وجهه ، وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله تعالى ذلك وأنكر معاقبة على ذلك " ([36][355])

      وإذا وجدنا بين أسباب النزول ما يتصل بالإمام على وبيعته ، وهو لم يصح من طريق ، ويقطع برفضه كون النزول في مكة ، وسياق الآيات الكريمة كذلك ، إلاَّ أنا نجد الأمر يختلف بالنسبة لغير أبى الحسن ، مثال هذا ما جاء في سورة الليل: فالطبرسى يورد رواية تبين أن أبا الدحداح هو المراد من قوله تعالى :     ] فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى[ ثم يقول ... " وعن ابن الزبير قال : إن الآية نزلت في أبى بكر، لأنه اشترى المماليك الذين أسلموا مثل بلال وعامر بن فهيرة وغيرهما ، وأعنقهم ، والأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطى حق الله من ماله " ([37][356]) أما الطوسى فإنه لا يذكر سبباً للنزول([38][357]).

رابعاً : جعل الأئمة هم المراد من كلمات الله :

      ذكرنا من قبل أن أولئك الغلاة الذين عز عليهم خلو القرآن من ذكر الأئمة ووجوب ولايتهم ، ذهبوا إلى القول بالتحريف وإسقاط أسماء الأئمة وآيات الولاية . وهنا نجد الدافع نفسه يدفع الطوسى والطبرسى إلى شئ آخر هو اللجوء إلى تأويل كثير من أي القرآن الكريم حتى يكون للأئمة والولاية ذكر ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة التي ما أكثرها !

  في سورة النساء " الآية 83 " ] وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً[ ، يروى الطبرسي عن أئمته أن " فضل الله ورحمته النبي وعلى عليهما السلام " ([39][358]) .

  وفى نفس السورة " الآية 159 " ] وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بهِ قَبْلَ مَوْتِه [ ، يروى الطبرسي عن الإمامين الباقر والصادق : " حرام على روح امرئ أن تفارق جسدها حتى ترى محمداً وعلياً بحيث تقر عينها أو تسخن " ([40][359]) .

  وفى سورة الأعراف " الآية 44 " ] وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[ ، فينقل الطبرسي عن تفسير القمي ، عن الإمام الرضا أنه قال : المؤذن أمير المؤمنين على . ويذكر كذلك أن الإمام عليا قال : أنا ذلك المؤذن ، وعن ابن عباس : إن لعلى في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس . ويقول الطبرسي أيضاً : فهو المؤذن بينهم يقول : ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتى واستخفوا بحقى ([41][360]).

    وعند الحديث عن أصحاب الأعراف في الآيات التالية يقول الطوسى بأن علياً قسيم الجنة والنار ، ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا على ، كأنى بك يوم القيامة وبيدك عصا موسى ، تسوق قوماً إلى الجنة وآخرين إلى النار " ([42][361]) .

    ويروى الطبرسي عن أمير المؤمنين قال : " نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار ، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار " ([43][362]).

   وفى سورة النمل " الآية 82 "  : ]وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [ ، يذكر الطبرسي أن الإمام علياً هوهذه الدابة ، وينقل عن تفسير العياشى ما يفيد هذا ([44][363])

  وفى سورة محمد " الآية 30 " : ] وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [ يروى الطبرسي أن لحن القول بغضهم على بن أبى طالب ([45][364])   

  وفى سورة ق " الآية 24 " :] أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ[، يزعم الطبرسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلى : " ألقيا في النار من أبغضكما ، وأدخلا في الجنة من أحبكما " . وذلك قوله عز اسمه :   ] أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ[ ([46][365]).   

     ونجد الطوسى والطبرسى لا يقتصران في التأويل على ذكر الإمام على ، فقد جعلا لغيره من الأئمة نصيباً ، ومن أمثلة هذا ما نقرؤه عند تأويلهما لقوله تعالى في سورة البقرة " الآية 37 " : ] فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ[، فالطوسى بعد أن ذكر الروايات المختلفة في تأويل الكلمات يقول : " في أخبارنا توسله - أي آدم- بالنبى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، وكل ذلك جائز " ([47][366]) .

   والطبرسى بعد ذكره لتلك الروايات يقول : " قيل - وهى رواية تختص بأهل البيت عليهم السلام - إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها ، فقيل له : هذه الأسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى ، والأسماء : محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، فتوسل آدم عليه السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته " ([48][367]) .

  ونجد الزعم كذلك بأن الأئمة هم حبل الله ([49][368])  في قوله تعالى في سورة آل عمران " الآية 103 " : ]  وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [ .

  وهم المخاطبون في قوله تعالى : ] إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [ ([50][369]) فيرويان عن أئمتهما أن هذا أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى ولى الأمر بعده ([51][370]).

  وهم أولو الأمر في الآية التي تلتها ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [ ([52][371])

  وفى الآية الثالثة والثمانين من نفس السورة : ]  وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ [ ([53][372]).

  وهـم أهل الذكــر([54][373])] فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [ " الأنبياء : 7 ".وهـم المصطفـون ([55][374]) ] ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا[  " فاطر : 32 " .

         وهـم من أذن له الرحمن ([56][375]) ] يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا[ " النبأ : 38 " .

      والأئمة الذين ورد ذكرهم كثيراً في هذين التفسيرين نجد لولايتهم حظاً من التأويل ، فعند قوله تعالى في سورة البقرة " الآية 208 " : ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [ ، يرويان عن أصحابهما أن السلم الدخول في الولاية ([57][376]).

     وفى الآية السابعة من سورة المائدة : ] وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [ . يرويان دخول الولاية في المراد بالميثاق ([58][377]) .

     وفى سورة طه " الآية 82 " : ] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[ ، يرويان أن الاهتداء إلى الولاية ([59][378]).

      وسورة محمد " الآية 26 " : ] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ [ ، روى الطبرسي أن ما نزل الله في الولاية ([60][379]).

      وإمامهم الثاني عشر - الإمام المهدى - نجد له ذكراً خاصاً .

      فعند قوله تعالى في سورة البقرة " الآية الثالثة " : ] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[ ، نراهما يدخلان في الإيمان بالغيب ما رواه أصحابهما من زمان غيبة المهدى ووقت خروجه ([61][380]).

      وفى سورة الأنبياء " الآية : 105 " : ] وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[ ، يروى الطبرسي عن الإمام الباقر ، أن هؤلاء الوارثين هم أصحاب المهدى في آخر الزمان ([62][381]).

 

       وفى سورة النور " الآية 55 " : ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [ ، يرويان عن أئمتهم " هم والله شيعتنا أهل البيت ، يفعل ذلك بهم على يد رجل منا ، وهو مهدى هذه الأمة "([63][382]). وفى سورة الفتح " الآية 28 " : ] هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ ، يذكر " أنه إذا خرج المهدى صارالإسلام في جميع البشر ، وتبطل الأديان كلها " ([64][383]).

         وبعد : فهذه أهم آثار الإمامة في تفسير هذين الشيخين : الطوسى والطبرسى ، وإن كان الثاني - كما يظهر - أكثر تأثراً من شيخ الطائفة ، وهما وإن لم يجنبا كتاب الله تعالى هذه الناحية الطائفية -التي  ليس لها مستند من كتاب ولا سنة كما أثبتنا - إلاَّ أنهما مع هذا من أكثر الشيعة اعتدالاً ، أو أقلهم غلواً . ويبدو البون شاسعاً عند المقارنة بينهما وبين من سبقهما من الغلاة .ولذلك جاء القول بالاعتدال النسبى أو إلى حد ما نتيجة المقارنة بغلاتهم الضالين ، وإلا فجانب الغلو والتطرف فيهم ، وفى أمثالهم ، واضح بين !

 

 

  ([1][320])  ولد الطوسى سنة 385 هـ ، وهاجر إلى العراق فهبط بغداد ، ثم انتقل إلى الكوفة والنجف، كان ينتمى أولاً إلى مذهب الشافعى ، ثم أخذ الكلام والأصول عن الشيخ المفيد رأس الإمامية . له كثير من الكتب . توفى سنة 460.

    راجع ترجمته في هدية العارفين 2 / 72 " جعل له تفسيري الطبرسي ! " ومعجم المؤلفين 9/202 .

  ([2][321]) الزخرف : 3 .

  ([3][322]) الشعراء : 195 .

  ([4][323]) إبراهيم : 4 .

  ([5][324]) نص الآية  ] وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ[ " النحل : 89 " .

   ([6][325]) الأنعام : 38 .

   ([7][326]) النساء : 83 .

  ([8][327]) محمد : 24 .

  ([9][328])  الأعراف : 187 .

  ([10][329])   لقمان    : 34 .

  ([11][330])  النعام    : 151 .

  ([12][331])  أول سورة الإخلاص .

  ([13][332])  البقرة    : 43 .

  ([14][333])  آل عمران : 97 .

  ([15][334])  الأنعام     : 141 .

   ([16][335])  المعارج   : 24 .

   ([17][336])  التبيان 9 / 325 - 326 .

   ([18][337])  توفى سنة 548 هـ .

  ([19][338])  قال صاحب الذريعة " 4 / 310 " : تفسير الكاف الشاف من كتاب الكشاف ، أو الوجيز، هو ثالث تفاسير الطبرسي . والكتاب المذكور وجدته في مكتبة لندن . 

   ([20][339])  الآية 33 .

   ([21][340])  انظر التبيان 2 / 441 ، ومجمع البيان 2 / 433 .

  ([22][341])  الآية 74 .

   ([23][342])  انظر التبيان 7 /512 .

   ([24][343])  انظر جوامع الجامع ص 326 .

   ([25][344])  سورة الأحزاب الآية 25 .

   ([26][345])  التبيان 8 / 331 .

   ([27][346])  جوامع الجامع ص 370.

   ([28][347])  النساء : الآية 24 .

   ([29][348])  انظر التبيان 6 / 166 ، وجوامع الجامع ص 83 – 84 وراجع تحريف القمي لها الذي ذكرناه في ص 188.

    وقد روى الشيعة – وغيرهم – أن حمزة أحد القراء السبعة ، قرأ على الإمام جعفر الصادق  " انظر مجمع البيان 1 /12 " . وفى غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزرى ذكر أن جعفر ابن محمد لم يخالف حمزة في شىء من قراءته إلاَّ في عشرة أحرف . وبمراجعة هذه الأحرف لا نجد قراءة مما ذكره معتدلو الشيعة فضلاً عن غلاتهم ، ولا نجد فيها أي أثر للإمامة . ونجد بعد الأحرف قول الإمام جعفر : " هكذا قراءة على بن أبى طالب ". " انظر الكتاب المذكور         1 / 196 " .

  ([30][349])  57 : الزخرف ، والسورة الكريمة مكية ، فكيف غاب هذا عن الطوسى وهو يذكر هذه الرواية ، ويتحدث عن المنافقين ! أوجدت جماعات المنافقين في العهد المكى !!

  ([31][350])  التبيان 9 / 209 –210 .

  ([32][351])  جوامع الجامع ص 436 ، وانظر مجمع البيان 9 / 53 .

  ([33][352])  جوامع الجامع ص 249 ، وسورة النحل نزلت في العهد المكى كذلك ، والبيعة المزعومة قالوا إنها كانت بعد حجة الوداع ! 

  ([34][353])  المرجع السابق ص 504 ، وسورة القلم ليست مكية فحسب ، بل من أوائل ما نزل ، فهى بعد العلق : أول سور القرآن الكريم نزولاً ، وقت أن كان على بن أبى طالب – رضي الله تعالى عنه – صبياً !

  ([35][354])  انظر التبيان 10 /268 .

  ([36][355])  المرجع السابق 10 / 269 .

  ([37][356])  انظر مجمع البيان 10 / 501 - 502 .

  ([38][357])  انظر التبيان 10 / 363 وما بعدها ، وحمل الآيات على عمومها لا ينفى سبب النزول ، فكما هو معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وشتان بين موقفهما هنا وموقفهما من الآيات التي وضع المفترون أسباباً لنزولها تتصل بأئمتهم . 

   ([39][358])  جوامع الجامع ص 92 ، ولكن الطوسى لم يشر لعلى . انظر التبيان 3 / 274 .

   ([40][359])   نفس المرجع ص 101 ، وأنكر الطوسى هذا قائلاً " لم يجر لمحمد r ذكر فيما تقدم ، ولا ها هنا ضرورة موجبة لرد الكناية عليه ، وما هذه صورته لا تجوز الكناية عنه " التبيان    3  /387 .  

   ([41][360])   انظر مجمع البيان ط مكتبة الحياة 8 / 63 ، والآية الكريمة التالية التي تحدثت عن أولئك الظالمين هي " الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالأخرة كافرون " . ولا ندرى أين على وولايته هنا ؟ على أن الطوسى لم يذكر علياً هنا . انظر التبيان 4 / 406.

  ([42][361])  التبيان 4 / 411 ، ومن المعلوم – كما نص القرآن الكريم في أكثر من موضع – أن مثل هذا الأمر يكلف به الملائكة .

  ([43][362]) جوامع الجامع ص 146 .

  ([44][363]) انظر مجمع البيان ط مكتبة الحياة 20 / 251 ، والطوسى أشار إلى أنها من الإنس ولكنه لم يذكر علياً و لا غيره . انظر التبيان 8 / 119 -120 .

  ([45][364])  انظر مجمع البيان 9 / 106 ولكن الطوسى لم يشر لهذا ، انظر التبيان 9 / 305 .

  ([46][365]) مجمع البيان 9 / 147 ولكن الطوسى أيضاً لم يذكر هذا – انظر التبيان 9 / 366 – 367 .  

  ([47][366])  التبيان 1 / 169 .

  ([48][367])  مجمع البيان 1 / 89 .

  ([49][368])  ذكر الطبرسي في المراد بحبل الله ثلاثة أقوال : أحدها بأنه القرآن ، وثانيها أنه دين الإسلام ، وثالثها أنه أئمة الجعفرية ، ثم قال : والأولى حمله على الجميع ، وأيد قوله بإحدى روايات الغدير التي أثبتنا عدم صحتها في أكثر من كتاب – انظر مجمع البيان 2 / 482 . أما الطوسى فلم يذكر القول الثالث : انظر التبيان 2 / 545 – 546 .

  ([50][369]) 58   : النساء .

  ([51][370])  انظر التبيان 3 / 234 ، جوامع الجامع ص 89 .

  ([52][371]) راجع التبيان 3 / 236-237 ، وجوامع الجامع ص 89 .

  ([53][372]) راجع التبيان 3 / 273 ، وجوامع الجامع ص 89  .

  ([54][373]) انظر التبيان 7 / 232 ، وجوامع الجامع ص 289 .

  ([55][374]) انظر التبيان 8 / 243 ، وجوامع الجامع ص 389.

  ([56][375]) انظر مجمع البيان 9 / 427 ، والطوسى لم يشر لهذا – انظر التبيان 10 / 249.

  ([57][376])  راجع التبيان 2 / 185 ، ومجمع البيان 2 / 302 .

  ([58][377])  راجع التبيان 3 / 459 – 460 ، وجوامع الجامع ص 106.

  ([59][378])  انظر التبيان 7 / 196 ، وجوامع الجامع ص 284.  

  ([60][379])  انظر مجمع البيان 1 / 105 ، والطوسى لم يشر للولاية " انظر التبيان  9 / 304 – 305 ".

  ([61][380])  انظر التبيان 9 / 255 ، ومجمع البيان 1 / 38.

  ([62][381])  جوامع الجامع ص 296 ، وروى الطوسى عن الإمام نفسه قال : " إن ذلك وعد للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض " " التبيان 7 / 284 " .

  ([63][382])  جوامع الجامع ص 318 ، وانظر التبيان 7 / 457 .

  ([64][383])  التبيان 9 / 336 ، وانظر مجمع البيان 9 / 127 .

  • الاثنين PM 06:03
    2021-04-26
  • 1279
Powered by: GateGold