ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
دعوى أن السيدة عائشة نقضت بيعة علي - رضي الله عنه - وخرجت لقتاله بدافع من الكراهية
دعوى أن السيدة عائشة نقضت بيعة علي - رضي الله عنه - وخرجت لقتاله بدافع من الكراهية (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض الطاعنين أن السيدة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - إنما كانت تكره عليا - رضي الله عنه - ولا ترى له أحقية في الخلافة، وأن كراهيتها له هي التي دفعتها إلى أن تخرج عليه وتنقض بيعته، متعللة هي ومن تابعها بدم عثمان والقصاص من قتلته. ويراد بذلك الطعن في عدالة ذلك الرعيل الأول الذي يكبره المسلمون ويأخذون عنه القرآن وشرائع الإسلام.
وجها إبطال الشبهة:
1) إن منزلة عائشة - رضي الله عنه - وفضائلها ومناقبها وتقواها ومكانتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الإسلام تنفي تماما أن تكون قد نقضت بيعة علي - رضي الله عنه - التي اجتمع عليها أهل الحل والعقد.
2) لم يكن خروج السيدة عائشة وطلحة والزبير على علي بن أبي طالب y بقصد الحرب, وإنما كان خروجهم بقصد الإصلاح.
التفصيل:
أولا. فضائل عائشة ومنزلتها في الإسلام تدفع عنها إرادة الفتنة:
عائشة - رضي الله عنها - الصديقة بنت الصديق أبي بكر, من خيار نساء الدنيا على الإطلاق, لما لها من مزايا عظيمة وفضائل كثيرة, وإيمان راسخ, وزهد وأدب, وفقه دقيق, وذكاء مفرط, وسيرة عطرة, وسلوك حسن, وعبادة وخشوع, وغيرة على الدين, وحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا حازت - رضي الله عنها - مكانة عظيمة ورتبة جليلة؛ فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»[1].
ومن فضائلها - رضي الله عنها - أنها زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ, وأنها أحب زوجاته إليه, وأنه لم ينزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه امرأة في لحاف إلا السيدة عائشة رضي الله عنها. ومن مناقبها تبرئة الله لها من فوق سبع سموات - من الإفك الذي طعنت به - في قرآن يتلى إلى يوم القيامة, وأعظم بها من منقبة.
ومن مناقبها - رضي الله عنها - سعة علمها؛ إذ إنها كانت فقيهة يشار إليها بالبنان, وقد قال عنها الإمام الزهري: "إنها أفقه نساء الأمة على الإطلاق", وكانت مرجعا في التفسير والحديث؛ إذ روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ألف حديث.
ومن مناقبها - رضي الله عنها - أنها كانت زاهدة في الحياة الدنيا, متقللة منها, ورضيت بعيشة الكفاف تطلعا إلى الآخرة وإلى ما عند الله, وكانت كما وصفها بعضهم: "للدنيا قالية، وعن سرورها لاهية، وعلى فقد أليفها باكية".
وكانت فوق ذلك كله العابدة السجادة, كثيرة النوافل والتضرع والدعاء؛ فقد جاء عن عبد الله بن أبي موسى أنه قال: أرسلني مدرك - أو ابن مدرك - إلى عائشة أسألها عن أشياء, قال: فأتيتها, فإذا هي تصلي الضحى, فقلت: أقعد حتى تفرغ, فقالوا: هيهات [2].
وإذا علمنا منزلة عائشة ومكانتها هذه, وفضائلها ومناقبها تلك, فهل مثل هذه النقية الورعة الزاهدة تنقض بيعة اجتمع عليها أهل الحل والعقد؟!
ثم إذا علمنا أن الشروط المعتبرة في أهل الإمامة سبعة شروط هي:
- العدالة على شروطها الجامعة.
- العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام.
- سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها.
- سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض.
- الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.
- الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.
- النسب, وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه [3].
ولا شك أن هذه الشروط جميعا قد توافرت في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ولذلك لم يجد أهل الحل والعقد أحدا أحق بالخلافة منه - رضي الله عنه - بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه ـ, وقد تمت بيعة علي - رضي الله عنه - بطريقة الاختيار, وذلك بعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين جاءوا من الآفاق من أمصار مختلفة وقبائل متباينة، لا سابقة لهم، ولا أثر خير في الدين, فبعد أن قتلوه ظلما وزورا وعدوانا, قام كل من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمبايعة علي - رضي الله عنه - بالخلافة؛ وذلك لأنه لم يكن أحد أفضل منه على الإطلاق في ذلك الوقت, فلم يدع الإمامة لنفسه أحد بعد عثمان - رضي الله عنه - ولم يكن أبو السبطين - رضي الله عنه - حريصا عليها؛ ولذلك لم يقبلها إلا بعد إلحاح شديد ممن بقي بالمدينة وخوفا من ازدياد الفتن وانتشارها [4].
إذا علمنا أن جميع شروط الإمامة توافرت في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأنه لا يوجد من هو أحق بالخلافة منه يومئذ, واجتماع أهل الحل والعقد عليه, فهل يعقل أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - العابدة الزاهدة, بل العالمة بأنه لا يجوز خرق بيعة أو نقضها وقد اتفق أهل الحل والعقد عليها - هل يعقل - بعد هذا أن تنقض مثل هذه البيعة؟!
لا بد إذن من سبب آخر وقف وراء خروجها غير ما تقوله هؤلاء وهذا ما سنتولى بيانه.
ثانيا. حول خروج عائشة - رضي الله عنها - في بعض صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى البصرة:
لقد أحدث قتل عثمان - رضي الله عنه - في بيته, وفي حرم نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفي الشهر الحرام - ذي الحجة - توجعا عند المسلمين, وكان لا بد من القصاص من قتلته. والذي يطالب بتنفيذ القصاص هو الخليفة بعد عثمان - رضي الله عنه - أي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي رآه كل واحد منهم - وقتذاك - أحق بالخلافة وأولى الخلق بها [5].
ولا ريب أن جميع الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا متفقين على ضرورة إقامة القصاص على قتلة عثمان - رضي الله عنه - فهم جميعا متفقون في أصل المسألة, وإنما كان اختلافهم في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية؛ إذ كان أمير المؤمنين على موافقا من حيث المبدأ على وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان رأيه أن يرجئ ذلك إلى حين استقرار الأوضاع وهدوء الأمور واجتماع الكلمة, وهذا يدل على أن منشأ الخلاف لم يكن القدح في خلافة علي - رضي الله عنه - وإنما اختلافهم في قضية الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه [6].
وإذا كان هذا موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقد رأت طائفة أخرى من الصحابة أن أول واجب على الأمة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقصاص من القتلة الآثمين.
وكان ممن رأى هذا الرأي: طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم. وكان موقف أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تعجيل القصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - وما خرجت إلى البصرة إلا لهذا الغرض؛ وقد روى الإمام الطبري أن عائشة - رضي الله عنها - بعد أن قضت عمرتها خرجت قاصدة المدينة، فلقيها رجل من أخوالها من بني ليث، فأخبرها بمقتل عثمان - رضي الله عنه - فرجعت إلى مكة، حتى إذا نزلت باب المسجد وقصدت حجر إسماعيل - عليه السلام - فتسترت فيه، واجتمع الناس إليها فأنبأتهم بسفك دم عثمان - رضي الله عنه - من غير حجة ولا عذر، وقالت: "والله، لأصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم".
وروي كذلك أن عائشة - رضي الله عنها - حين انصرفت راجعة إلى مكة أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي - أمير مكة - فقال لها: "ما ردك يا أم المؤمنين؟ قالت: ردني أن عثمان قتل مظلوما، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام".
ويروي الإمام الطبري كذلك أن عائشة - رضي الله عنها - عندما قدمت البصرة طالبت الناس بشيئين؛ أولهما: أخذ قتلة عثمان - رضي الله عنه - وثانيهما: إقامة كتاب الله عز وجل [7].
هذا - إذن - ما قصدت إليه أم المؤمنين عائشة، لكن الأمور جرت مجرى آخر؛ فلقد خرج عثمان بن حنيف - والي علي - رضي الله عنه - على البصرة - إلى عائشة - رضي الله عنها - ومن معها، فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد قتلة عثمان، فقال: حتى يأتي علي، وما إن وصل علي - رضي الله عنه - ونزل الناس منازلهم واطمأنوا حتى خرج علي وطلحة والزبير، فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرا أمثل من الصلح؛ لأنهم ما خرجوا للقتال أصلا، وكان علي بن أبي طالب قد أرسل إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - القعقاع بن عمرو، فقال لها القعقاع: ما أقدمك يا أماه إلى البصرة؟ قالت له: يا بني من أجل الإصلاح بين الناس، فطلب منها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا ويكلمهما على مسمع منها ومحضر.
وقد اتفقوا جميعا على الصلح وتم التفرق على الرضا بذلك، فخاف قتلة عثمان من التمكن منهم والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم اتفقت آراؤهم على أن يندسوا في المعسكرين ويختلطوا، وأن يصيح الفريق الذي في معسكر علي: غدر طلحة والزبير، ويصيح الفريق الذي في معسكر طلحة والزبير: غدر علي، فتم لهم ذلك على ما أرادوا ودبروا، ونشبت الحرب، فكان كل فريق منهم دافعا لمكروه عن نفسه، ومانعا من إشاطة دمه [8] [9].
وهكذا وقعت موقعة الجمل بفعل قتلة عثمان وخبث السبئية وما دبروه وكادوه للفريقين.
إن ما نؤمن به ونتيقنه بحقائق التاريخ وشواهد الواقع أن أحدا من الفريقين لم يرد قتالا، "وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا، ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإغارة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم، فدفع القوم عن أنفسهم حتى خالطوا عسكر علي فدفع أهله عن أنفسهم، كل طائفة تظن ولا شك أن الأخرى بدأتها القتال، واختلط الأمر اختلاطا" [10].
لا يشك أحد ممن قرأ التاريخ بعين الإنصاف أن خروج الصحابة إلى البصرة، سواء طلحة، والزبير، وعائشة، أم علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ما كان بقصد الحرب وإنما كان خروجهم بقصد الإصلاح كما جاءت بذلك الأخبار [11].
إن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وقد ظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها [12].
وقد أكد ذلك ابن العربي حين قال: "وأما خروجها - رضي الله عنها - إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها، ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح وطمعوا في الاستحياء منها، إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت ممتثلة لأمر الله - عز وجل - في قوله: )لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114)( (النساء)، والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد" [13].
وأما زعم أن عائشة كانت كارهة لبيعة علي - رضي الله عنه - وأنها كانت تدعو لنقضها، فهذا زعم باطل لا دليل عليه والصحيح خلافه؛ قال ابن حجر: "إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا لأحد منهم ليولوه الخلافة، وإنما أنكرت هي ومن معها على علي - رضي الله عنه - منع تأخير الاقتصاص من قتلة عثمان" [14].
ومما يدل على خلاف زعمهم هذا ما رواه الأحنف بن قيس أنه قدم المدينة فوجد عثمان - رضي الله عنه - محصورا، فلقي طلحة والزبير فقال لهما: "ما تأمراني به وترضيانه لي فإني لا أرى هذا الرجل - يقصد عثمان رضي الله عنه - إلا مقتولا؟ فقالا: علي، ثم قال - أي الأحنف -: أتأمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم، ثم انطلق حتى إذا أتى مكة جاء الخبر بقتل عثمان، فلقي أم المؤمنين عائشة، وكانت وقتذاك بمكة، فقال لها: من تأمريني أن أبايع؟ قالت: عليا، قال: تأمرينني به وترضينه لي؟ قالت: نعم، ثم قال الأحنف: فمررت على علي بالمدينة فبايعته، ثم رجعت إلى أهل البصرة، ولا أرى الأمر إلا قد استقام" [15].
وتأسيسا على ما سبق نجد عائشة - رضي الله عنها - تدعو المسلمين إلى بيعة علي - رضي الله عنه - وإلى اختياره خليفة لهم، فكيف تنقض بيعته، وكيف تكون له كارهة؟!
ثم إنها - رضي الله عنها - لو أرادت ذلك لتوجهت بمن معها إلى علي في المدينة مقاتلين له ناقضين بيعته، وإنما توجهوا إلى البصرة ولم يتوجهوا إلى المدينة مطالبة بدم عثمان ولرأب الصدع وجمع شتات المسلمين.
يقول ابن حزم: "فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها، أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافا عليه، ولا نقضا لبيعته، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، هذا مما لا يشك فيه أحد ولا ينكره أحد، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - ظلما" [16].
وإذا كان المسلمون قد اتفقوا على بيعة علي بعد عثمان - رضي الله عنهما - فإنه الإمام بحق، وما ظهر منه قط إلى أن مات - رضي الله عنه - شيء يوجب نقض بيعته، وما ظهر منه قط إلا العدل والجد، والبر والتقوى... وأما أم المؤمنين، والزبير، وطلحة - رضي الله عنهم - ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة على ولا طعنوا فيها، ولا أحدثوا إمامة أخرى، ولا جددوا بيعة لغيره، هذا ما لا يقدر أن يدعيه أحد بوجه من الوجوه، بل يقطع كل ذي علم على أن كل ذلك لم يكن [17].
وخلاصة القول أن سابقة علي - رضي الله عنه - وفضله، والتزامه بأحكام الكتاب والسنة، وتمسكه الشديد بالعمل، وتعهده في خطبه بتطبيق الأوامر والنواهي الشرعية، ما كان ليفتح لأحد باب الطعن في ولايته على المسلمين [18].
ولعل فيما حدث بعد موقعة الجمل ما يبطل ما ادعاه المزيفون من كراهية السيدة عائشة - رضي الله عنها - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أو العكس؛ فقد جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فاستأذن عليها ورحبت به، ثم أرسلها معززة مكرمة إلى المدينة مع أخيها محمد بن أبي بكر، واختار لها نسوة من نساء أهل البصرة المعروفات لصحبتها - رضي الله عنها - [19] ولم نسمع في هذا الوقت، أو لم يبدر منها ما يدل على كراهية منها له، أو أنها ادعت عدم أهليته للخلافة، فأين الكراهية إذن؟
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنها - رضي الله عنها - لو كانت كارهة له وخرجت لمقاتلته ونقض بيعته، لما قبلت الصلح، ولما كان ذهابها إلى البصرة، بل إلى المدينة، ولما دعت إلى بيعته، بل لنقضت بيعته ودعت الناس للخروج عليه، بل ودعت إلى قتله، بيد أن شيئا من هذا كله لم يكن وحاشاها أن يكون.
الخلاصة:
- المطالع لفضائل السيدة عائشة - رضي الله عنها - وعلمها وفقهها يعلم يقينا أن هذا العلم يأبى عليها أن تنقض بيعة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - التي أمضاها أهل الحل والعقد له؛ إذ لم يكن في وقته من هو أحق بالخلافة منه.
- كان مقتل عثمان - رضي الله عنه - مصيبة للأمة الإسلامية، وقد أحدث توجعا عند المسلمين، وقد رأوا جميعا إقامة القصاص على قتلته، بيد أنهم اختلفوا في التقديم والتأخير؛ فعلي - رضي الله عنه - كان يرى تأخير ذلك حتى يستتب الأمن، في حين رأي بعض المسلمين ضرورة التعجيل بإقامة الحد على القتلة وعدم تأخيره.
- كان خروج عائشة وطلحة والزبير - رضي الله عنهم - إلى البصرة، للمطالبة بحق إقامة القصاص على عثمان والمطالبة بدمه لإعزاز الإسلام.
- لم يرد أحد من صحابة النبي من الفريقين الحرب ألبتة، وإنما كانوا يريدون الإصلاح، ولم يكن ذلك في مصلحة قتلة عثمان - رضي الله عنه - فأوقعوا بين الفريقين؛ لأنهم علموا أن الدائرة سوف تكون عليهم، ولا يشك أحد ممن قرأ التاريخ بعين الإنصاف في هذا؛ إذ تجمع الفريقان على الصلح، ولم يحدث بينهما قتال حتى كان من أمر السبئية ما كان.
- لم تخرج عائشة - رضي الله عنها - لمقاتلة علي - رضي الله عنه - ولو كان ذلك لتوجهت إلى المدينة حيث موطن علي وليس إلى البصرة، وإن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا الخلافة، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، ولدعوا إلى نقض بيعة على وهذا ما لم يقل به أحد.
- ما زعمه المزيفون من نقض السيدة عائشة - رضي الله عنها - خلافة علي لا يستقيم و لا يثبت؛ فالصحيح خلافه، إذ كانت تدعو لخلافته؛ وقصة الأحنف بن قيس خير شاهد على هذا، وما زعم من كراهية عائشة لعلي أو العكس، ينقضها ما حدث بينهما بعد المعركة، من إرسال علي لها مكرمة إلى المدينة.
(*) الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر صديقي، ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م.
[1]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى ) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (11) ( (التحريم) (3230)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها (6452).
[2]. حديث الإفك، د. عامر حسين السلامي، دار الإيمان، مصر، 2005م، ص299: 307 بتصرف.
[3]. الأحكام السلطانية والولايات الدينية, الماوردي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1405هـ/ 1985م, ص6.
[4]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م, ص211 بتصرف يسير.
[5]. الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أم المؤمنين عائشة, د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي, أضواء السلف, الرياض, ط1, 1425هـ/ 2004م, ص201.
[6]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م, ص459 بتصرف.
[7]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص452 بتصرف.
[8]. إشاطة دمه: قتله أو إهلاكه.
[9]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص503: 507 بتصرف.
[10]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص508.
[11]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص435.
[12]. موقف الشيعة الاثنى عشرية من صحابة رسول الله، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1، 1426هـ/ 2006م، ج3، ص1413.
[13]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص487.
[14]. موقف الشيعة الاثنى عشرية من صحابة رسول الله، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1، 1426هـ/ 2006م، ج3، ص1411.
[15]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص414.
[16]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص458.
[17]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص414، 415 بتصرف.
[18]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص420.
[19]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص521.
-
الجمعة AM 12:15
2020-10-23 - 1799