ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
ظاهرة الإلحاد المعاصر في العالم العربي أسبابها .. معالمها .. سبل مقاومتها
الدكتور / عماد الدين عبده العجيلي
أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد
بجامعة الأزهر وجامعة جازان
مقدمة
الحمد لله ذي القدرة ،والجلال والعظمة والكمال، أحمده على سوابغ الإنعام وجزيل الثواب، وأصلي على سيدنا محمد ) المختار وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار.
أما بعد
فقد خلق الله الإنسان، وجعله خليفة له في الأرض، وبين سبحانه الغاية من خلق الإنسان وهي عبادته سبحانه وتفضل عليه بالفطرة السليمة وكرمه بالعقل ومن عليه بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين، ليكون الإنسان بعد ذلك أهلاً للتكليف.
ومعرفة الله تعالي والإقرار بوجوده والاحتياج إليه أمر فطري مغروس في النفس البشرية يخلق في النفس السكينة ويركن ذلك المخلوق إلى قوة عليا فاعلة مؤثرة تحوطه بالعناية والرعاية في خطواته، ولولا هذه القوة القادرة لأصبحت الحياة خواء بلا معني ولبقيت كثير من التساؤلات والاستفسارات المتعلقة بحقائق الحياة والإنسان والكون والمبدأ والمآل بلا جواب.
غير أن نفراً من بني آدم اغتروا بعقولهم فضلوا، وعميت بصيرتهم، وانتكست فطرتهم، إلي حد انكارهم لوجود الخالق تعالي مدعيين أن الوسيلة الوحيدة للمعرفة المنهج العقلي أو المنهج التجريبي، مع أن معرفة الله أسبق من هذه المناهج التي يستندون إليها.
وإذا كانت الحكمة الإلهية أن يكون هناك حق وباطل كان هناك إيمان وكفر. والعالم العربي أغلبه مسلمون، ولكن في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة بعد انتشارها دخيل عليه، ألا وهي ظاهرة الإلحاد.
هذه الظاهرة لها جذور في العالم الغربي ولها أسبابها، لكن وجودها بل وانتشارها في العالم العربي والإسلامي يهدد أمن عالمنا الفكري والعقدي، وهي من الحرب الممنهجة على الدين الإسلامي، والتشكيك في عقيدته وافتئات الشبهات حوله، لذا يجب المسارعة إلى الوقوف في وجه هذه الظاهرة وضرورة تنبيه المسلمين إلي فداحتها وذلك بالتصدي لبوادرها وطرقها ورموزها. لذا عقدت العزم علي تناول هذه الظاهرة في بحث بعنوان (ظاهرة الإلحاد المعاصر في العالم العربي. أسبابها .. معالمها ..سبل مقاومتها ) .
أحاول في هذا البحث بيان أهمية الموضوع وأسباب اختياره ثم توضيح مفهوم الإلحاد وجذوره، ثم بيان أسباب ظاهرة انتشار الإلحاد في عالمنا العربي والتي بدأت بالدعوة إلى التحررية من مبادئ الإسلام، ثم محاكمة بعض نصوص الشرع، ومحاولة انشاء صراع وهمي بين نصوص الوحي الإلهي والعقل ، أو بين الوحي الإلهي والعلم ودعاة هذا هم من انهروا ببعض الأفكار والفلسفات المادية، وتأثروا ببعض المذاهب الغربية الهدامة، فنقل هؤلاء الصراع بين الدين والعقل، أو الصراع بين الدين والعلم في الغرب، وأسقطوه علي الإسلام والعالم العربي، وهؤلاء لنفوسهم الضعيفة وجدوا في الإلحاد ضالتهم في عدم التقيد بأوامر الدين وأخلاق الإسلام.
هذا ولا يهدف البحث إلى استعراض شبه دعاة الإلحاد في حقيقة الدين خاصة (مسألة وجود الله، ولا أدلتهم العقلية أو العلمية ولا النظريات التي يستندون إليها، ولا تفصيل الأدلة على وجود الله وإنما الإجابة على تساؤلات إشكالية البحث.
إشكالية البحث:
تكمن في الإجابة عن التساؤلات الآتية: هل يوجد الحاد في العالم العربي؟ هل يعد ظاهرة تمثل خطورة على شباب الأمة؟ هل هناك جهات وراء انتشار الالحاد في العالم العربي؟ ما أسباب وجوده، ووسائل انتشاره، ومعالمه، وكيفية التصدي له؟ هذه التساؤلات وغيرها ما نحاول – قدر استطاعتنا - الإجابة عليها في هذا البحث.
أسباب اختيار الموضوع
1- ما وقفت عليه من وجود ظاهرة الإلحاد المعاصر والمجاهرة به في البيئة العربية، والمجتمعات الإسلامية بصورة لم تكن موجودة من قبل متخذين وسائل التواصل الاجتماعي منابر لهم لبث سمومهم من خلالها. وساعد في انتشارها شبكة المعلومات الالكترونية
٢- ما لاحظته من اختراق الفكر الالحادي الغربي لعقول بعض شباب الأمة الإسلامية خاصة الطبقة المتعلمة منهم.
3- خداع مروجي الالحاد في العالم الإسلامي باسم المنهج العقلي في صورة فلسفات ونظريات قائمة على انكار وجود الله تارة، وباسم المنهج التجريبي القائم على الملاحظة والتجربة وأن وجود الله لا يثبت بالتجربة تارة أخري. فأردت كشف اللثام عن واحدة من الحملات التي تهاجم المجتمع العربي والتي تعمل بشكل منظم.
٤- رأيت من واجبي في تخصص العقيدة الإسلامية البحث في الأسباب والدواعي لظاهرة الإلحاد وسبل الوقاية منها؛ لتحذير الأجيال الحالية والقادمة من خطورة الالحاد على الإنسانية في عقيدتها، وشريعتها وأخلاقها، ومنهج حياتها، فهذا البحث لبنة من لبنات الحركة المضادة في وجه الالحاد المعاصر فهو راصد لها، مبيناً خطورتها.
منهج البحث: اتبعت عدة مناهج علمية في هذا البحث منها:
المنهج التاريخي : ويستخدم في تتبع أسباب الإلحاد في العالم العربي، ووسائل انتشاره، والجهات وراء ذلك في الوقت الحاضر.
المنهج التحليلي : ويستخدم في تحليل هذه الظاهرة ومعالمها.
المنهج النقدي : ويستخدم في نقد هذه الظاهرة وسبل مقاومتها.
خطة البحث:
جاء البحث في مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة
المقدمة: تشتمل على أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ومنهج البحث، وخطته.
المبحث الأول: يحتوي على التعريف بالإلحاد وجذوره.
المبحث الثاني: يحتوي على أسباب وجود و انتشار الإلحاد المعاصر في العالم العربي.
المبحث الثالث: يحتوي على أهم وسائل الإلحاد الحديث ومن يقف وراءه.
المبحث الرابع: ويحتوي على معالم الإلحاد المعاصر و آثاره المدمرة. المبحث الخامس: يحتوي على سبل مقاومة الإلحاد المعاصر في العالم العربي.
الخاتمة وتحتوي علي أهم نتائج البحث.
هذا والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يحفظني من الزلل في القول والعمل ، إنه سميع قريب مجيب
وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحابته أجمعين
تعريف الإلحاد
المبحث الأول: التعريف بالإلحاد وجذوره
أولاً: الإلحاد في اللغة:
بالرجوع إلى المعاجم اللغوية نجد أن أصل كلمة الإلحاد هو الميل والعدول عن الشيء المستقيم، والانحراف عنه، والميل والازورار عن الوسط حساً أو معنى.
فلقد ورد في لسان العرب: (لَحَدَ اللَّحْدُ واللُّحْدُ: الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت، لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه .. والجمع أَلْحادُ ولحود ... قال أبو عبيدة: لحدت له، وألحدت له، ولحد إلى الشيء يلحد والتحد: مال ولحد في الدين يلحد وألحد: مال وعدل، وقيل: مال وجار. قال ابن السكيت: الملحد العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس فيه. يقال قد ألحد في الدين ولحد أي حاد عنه .. الملتحدة الملتجأ؛ لأن اللاجئ يميل إليه، قال الفراء في قوله ( وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ) أي ملجأ ولا سراباً ألجأ إليه ).
وتكاد معظم المعاجم اللغوية تتفق على المعاني التي أوردها ابن منظور لكلمة الإلحاد. ونجد المعجم الوسيط يضيف معنى آخر للإلحاد وهو الطعن في الدين والملحد: الطاعن
في الدين المائل عنه. الجمع ملحدون وملاحدة)
ويتضح لنا من خلال تناول أهل اللغة للفظ الإلحاد أنه يستعمل حقيقة في الشق الذي يكون
في جانب القبر، ويستعمل مجازاً في غيره ومنه الإلحاد في الدين،
مما سبق يلاحظ أن المعاجم اللغوية تتفق في أن أصل الإلحاد هو الميل والعدول عن الشيء، وحقيقة ذلك هو الشق الذي يكون في جانب القبر أنه مال عن وسطه، وإذا كان الإلحاد هو الميل والعدول نجد أن الملحد هو الذي يميل عن الدين الحق، ذلك لأن طبيعة التدين هي الاستقامة،
والملحد هو الذي يميل ويحيد عن هذه الاستقامة.
ثانياً: معنى الإلحاد اصطلاحاً:
عُرف معنى الالحاد اصطلاحا ً بتعريفات عدة، نذكر بعضها، ثم يختار الباحث المعنى الذي يراه شاملا ً لمدلول الكلمة.
ورد في الموسوعة الفلسفية د. عبدالمنعم حفني ان محنى مذهب إلحادي: وجهة النظر التي تنكر وجود الله والبعث والحساب والخلوك، وتقول بإمكان وجود أخلاق بدون أساس ديني، والملحد: هو الشخص الذي لا يرى في عبارة " اللا موجود " أي معنى).
وعرف الأستاذ أنور الجندي الإلحاد بمعنى قريب من التعريف السابق فقال: (مصطلح الإلحاد: يعني نفي وجود المبدع الأول لهذه الكائنات).
وفى المعجم الفلسفي النسخة العربية نجد هذا التعريف لكلمة إلحاد إلحاد يعنى بالنسبة لنا کمفهوم انکار وجود الله فمن ناحية يطلق الناس هذا المفهوم على من ينكرون وجود الله، ومن ناحية أخرى على من ينكرون علمه أو قوته أو إرادته. فإنه قد يكفي أن ينكر المرء مبدأ من مبادئ الدين أو اعتقاد واسع منتشر أو رأي معروف حتى يتهم المرء بالإلحاد وأفضل تحديد لهذا المعنى هو عندما نعنى به وجهة النظر القائلة بإنكار وجود الله وليس وجهة النظر تلك المتمثلة في انكار بعض صفاته أو أي اعتقاد ديني أو رأى اجتماعي. فالفلاسفة الماديون كانوا ملاحدة لأنهم كانوا يقولون إن المادة قديمة أزلا، لأنها أصل الحياة والتفكير".
فعرف الإلحاد في الاصطلاح بأنه مذهب من ينكرون الألوهية والملحد "غير مؤله"، وهذا معنى شائع في تاريخ الفكر الإنساني، ويتضمن رفض أدلة المفكرين على وجود الله تعالى وقد أطلق هذا المذهب:" على أولئك الذين يحيون وكأن الله غير موجود. كما أطلق على أولئك الذين يفسرون العالم تفسيراً مادياً من غير حاجة لإله"
فالإلحاد يعنى إنكار وجود الله تعالى، وهو مفهوم قائم على أساس المذهب المادي الذي يحصر الموجود في المحسوس فقط وحصر الحياة كلها في الوجود المادي.
ومن التعريفات السابقة لمفهوم الإلحاد يمكن أن نخلص إلى أن التعريف المختار لمعنى الإلحاد هو: انكار وجود قوي فعالة خارج المادة المحددة التي يراها الناس، ويطلق على من ينكر وجود قوي أعلي من الطبيعة البشرية وأن الكون وجد بلا خالق (صانع) والنبوات.
أنواع الالحاد: قسم البعض الإلحاد إلى قسمين:
1 - الالحاد الصلب أو الالحاد الإيجابي وهو الذي يؤمن صاحبه بعدم وجود خالق وينكر الوحي
٢ - الالحاد السلبي أو اللأدري وهو الالحاد الذي لا يؤمن صاحبه بوجود خالق لكنه لا يؤمن بعدم وجوده بل يقول ليس عندي دليل على وجوده فلست مؤمنا ً بوجوده، وليس عندي دليل على عدمه فلست مؤمنا ً بعدمه.
وهناك مصطلح الربوبية
وهو موقف عقدي يؤمن صاحبه بوجود خالق لهذا الكون لكنه ينكر صلة هذا الخالق لهذا
الكون عبر الوحي والرسالة فالخالق خلق العالم ثم تركه (۱).
أسباب الإلحاد الغربي
لما كان لوجود الإلحاد في الغرب وانتشاره في القرنين الماضيين الأثر الأكبر في الإلحاد في البيئة العربية، كان لزاماً علينا أن نذكر أهم أسبابه في الغرب لنجيب على سؤال هام جداً وهو: هل الأسباب التي من أجلها وجد وانتشر الإلحاد في الغرب موجودة في البيئة الإسلامية؟ أو أن وجود و انتشار الإلحاد الغربي له أسبابه وبيئته التي نشأ فيها فهو غربي النشأة والمضمون؟ قبل أن نجيب علي هذا السؤال نحاول أن نطوف حول أسباب نشأة الإلحاد وانتشاره في الغرب، وهاك أهم هذه الأسباب:
۱- تحريف الدين النصراني وطغيان الكنيسة
لقد حكى القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل سيدنا عيسى عليه السلام رسولاً بالحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.
قال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنصار ).
ومع هذا البيان الواضح إلا أن الكنيسة بحماقتها ساعدت على نشر الإلحاد من خلال المجامع التي أنشأتها الكنيسة الأوربية لتقرير أمور العقيدة، وأعطت لنفسها حقوقاً خاصة بها واعتبرت نفسها المسئولة عن كل أمور الدين وأدخلوا في الدين ما ليس منه عن طريق القائمين على أمر العقيدة فجعلوا الله ثالث ثلاثة وألهوا عيسى وادعو بنوته لله، كما ألهوا الروح القدس وصار معروفاً عنهم الإيمان بالأب والابن والروح القدس.
هذا واعتقاد الكنيسة بصلب وموت عيسى وفي الوقت ذاته يؤمنون بألوهيته جعل أحد فلاسفة الوجودية (نيتشه) يعلن فكرتين هما فكرة موت الإله واشكالية وجود الإله.
لم يمثل مبدأ موت الإله من وجهة نظر نتشة فقط نقطة تحول في الثقافة الغربية ولكن كان يعنى أكثر من ذلك ألا وهو أن موت الإله يعنى مولداً جديداً للإنسان.
وظهرت العبارات الإلحادية مثل (لا إله والحياة مادة فلا بعث ولا حساب "وليس صحيحاً أن الله هو الذي ينظم الأكوان؛ إنما الصحيح هو أن الله فكرة خرافية اختلقها الإنسان ليبرر بها عجزه ولهذا فإن كل شخص يدافع عن فكرة الله إنما هو شخص جاهل وعاجز"
وبناء على ما سبق عرضه ننتهي إلى أن تحريف الدين النصراني وطغيان الكنيسة كانا سبباً مباشراً في نشر الإلحاد، وصرف الناس عن الدين وتطاولهم عليه، واستبداله بعقيدة باطلة أعني الإلحاد
٢ - الصراع بين الكنيسة والعلم
لقد احتلت الكنيسة مكاناً كبيراً في النفوس الأمر الذي أعطاها هيبة وقداسة، ساعد على ذلك أن كان في القرن الثالث عشر باباوات أقوياء رفعوا مقام الكنيسة مدى قرن كامل إلى أعلى درجات النظام والقانون في جميع البلاد الأوربية.
ونظراً لهذه المكانة التي أتيحت لها إبان العصور الوسطى، فقد رأت أن أي مصدر من مصادر المعرفة لا يصدر عن سواها، وأي خروج عليها خروج عن الدين يجب مقاومته.
فظهر" التناقض الشديد بين كثير من دعاوي الدين الذي ورثوه والعلم التجريبي الذي اكتشفوه فقد وجدوا وما زالوا يجدون كثيراً من دعاوي دينهم مخالفة لما أثبتته علومهم التجريبية ".
فقد كانت الكنيسة في محاربتها للعلماء ووصفهم لهم بالهرطقة سبباً رئيساً لوجود علماء ملحدين لتصادم الحقائق العلمية بما هو محرف في الكتاب المقدس. وبدأت تنتشر الفلسفات المادية والملحدة في الغرب فقد جاء في كتاب " أصول الفلسفة الماركسية " لقد فقدت فكرة ( الله ) كل محتواها ، ولم يعد النقاش حول وجود الله أو عدم وجوده يثار كما أثير سابقاً لقد أصبح الله كما قال ( بلاس ) فرضية لا نفع فيها . ... يجب القول بأن ( الله ) و ( الدين ( هما ظاهرتان إنسانيتان لأن العنصر الإلهي هو من إبداع الإنسان ، وليس الإنسان هو من إبداع الله "
ونأتي إلى إجابة السؤال الذي طرحناه آنفاً هل أسباب نشأة الالحاد وانتشاره في الغرب موجودة في العالم الإسلامي والعربي ؟ الإجابة بالنفي؛ ذلك أن الدين الإسلامي (قرآن وسنة صحيحة) لم يتطرق إليهما تحريف، فعقيدة الإسلام واضحة قائمة على التوحيد وأيضا ليس هناك رجال دين في الإسلام يحللون ويحرمون ويزيدون في العقيدة أو ينقصون منها من تلقاء أنفسهم، وليس في الإسلام تناقض بين الدين والفطرة، وليس هناك تعارض بين الإسلام وبين العقل السليم، وليس هناك تصادم بين صحيح الدين وحقائق العلم، وبالتالي فإن الإلحاد الغربي نشأ في بيئة غير البيئة العربية والإسلامية، فمن يستعيره بأسبابه كمن قلع شجرة نبتت وترعرعت في بيئة غير بيئتها.
هذا ولم يكن إنكار وجود الله هو الغالب علي البشر قديما إلا في فئة قليلة في كل عصر لوجود الفطرة النقية والعقل السليم وبعث الله الرسل في كل أمة.
لكن هناك من فسدت فطرته، وضل عقله، ولم يتبع الرسل فأنكر وجود خالقه، وهذه الطائفة التي أنكرت وجوده تعالى ما هي إلا شرذمة قليلة آثرت الضلال على الهدى والظلام على النور وجدت في كل عصر، وسميت بأسماء متعددة فقد سموا بالماديين، كما سموا كذلك بالحسيين، وسموا كذلك بالطبيعيين، وسموا كذلك بالملحدين ، وقبل هذا كله أطلق القرآن عليهم اسم الدهريين لقولهم بأن الدهرهو المحي والمميت قال تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّون).
يقول الغزالي أيضاً: "إن الملحدين الذين أنكروا وجود الله وأنكروا البعث شرذمة يسيرة من ذوي العقول المنكوسة والآراء المعكوسة الذين لا يؤبه لهم، ولا يعبأ بهم فيما بين النظار".
كان الناس في العصور الماضية يعتقدون اعتقاداً جازما بوجود خالق مدبر للكون وكانوا يعدون هذا من البداءة العقلية، وكان الالحاد بمعناه الحديث الذي هو انكار وجود هذا الخالق أمراً شاذاً لا يقول به الأفراد فرد بعد فرد من الناس وظل هكذا حتى القرن الثامن عشر الميلادي ثم بدأ الالحاد يحل محل الأديان عند كثير من قادة الفكر الأوربي وصار الدين الرسمي للشيوعية ".
وإذا نظرنا إلي الإلحاد علي أنه ظاهرة معاصرة فقد بدأت بعد واقعة سبتمبر ٢٠٠١م فبدأ الاتجاه الغربي في محاربة فكرة التدين عامة وخاصة الإسلام، ففي عام ٢٠٠٤م صدر كتاب الملحد سام هاريس Sam Harris نهاية (الإيمان و كان من أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا، وقد صب فيه الهجوم على الاسلام، وفي عام 2006م عرض ريتشارد دو كيز “Richard Daw k ins” كتاب وهم الاله، الذي ظل شهورا ً طويلة على قائمة الكتب الاكثر مبيعا ً في العالم، وطبع منه ملايين النسخ وترجم الى العديد من اللغات.
أدي ذلك إلى موجة إلحاد ضربت المجتمعات الغربية في الوقت الحاضر. وامتدت لقرع أبواب العالم الإسلامي وأخذت طابع العلانية والدعوة إليها. سيما وقد ركزت معظم هذه الكتب علي تشويه صورة الدين عامة والإسلام خاصة، وأنه العدو الأول لهم وظهر فيها عداوتهم الشديدة للإسلام فقد قال سام هارس في كتابه " نهاية الإيمان تحت عنوان قصف أوهامنا " إننا في القرن الواحد والعشرين جميع الكتب بما فيها القرآن ينبغي أن تكون مباحة لنا بحيث يمكن أن نلقيها في المرحاض دون خوف من رد الفعل العنيفة ".
وذكر أيضاً: " بأن فكرة الحرب علي الإرهاب لا معني لها وأنه حان الوقت للاعتراف بأننا لسنا في حرب مع الإرهاب وإنما في حرب مع الإسلام " .
والإسلام بعقيدته ومبادئه وتعاليمه لم يكن ليسلم من شبهات الحاقدين، وطعن الملحدين، وكيد أعداء الدين في كل زمان ومكان لهذا كان من الطبيعي أن يكون استهداف للعالم الإسلامي بغية الحد من انتشاره في العالم كله، فخططوا للحد من المد الإسلامي بداية من أرضه وعالمه العربي. وبالرغم من أن العالم العربي ما يزال يتمسك بالإسلام ويقر بالتوحيد إلا أنه لم يسلم من موجة الإلحاد والتي تستهدف تشكيك المسلم في دينه وعقيدته.
وهدفنا كشف اللثام عن ظاهرة الإلحاد التي امتد أثرها في العالم الاسلامي
المبحث الثاني: أسباب انتشار الإلحاد في العالم العربي
يظن بعض الناس أن الإلحاد يمثل استثناء في المشهد العقدي ويعتنقه شرذمة قلية من العالم العربي في الوقت الحاضر، وأنه لا يكاد يوجد من الملاحدة العرب إلا الفرد بعد الفرد، وأن نسبتهم إلى مجموع المجتمع العربي لا يرقي لأن يكون ظاهرة؛ لكن يقال لهؤلاء إن مثل هذا التوصيف يمكن أن مقبولاً فعلاً لمرحلة تاريخية ماضية؛ لكنه لا يمثل مطلقاً الواقع العقدي الذي نعيشه اليوم، فالملاحدة العرب اليوم لهم وجود حقيقي في الساحة الفكرية والاعلامية ، وحجمهم ليس بالضالة التي يتصورها البعض ؛ بل يمثلون رقعة واسعة من الناس فلا يمكن تسطيح هذه الظاهرة وأنها غير موجودة أو نادرة.
ولابد من الاعتراف أن ظاهرة الإلحاد المعاصر في العالم العربي والإسلامي موجودة وفي تزايد، فأصبح هناك من يجاهر به عبر وسائل الاعلام والانترنت وأضحت حركة فكرية ممنهجة لها رؤوس ولهم تبع، " فالإلحاد استشري في المجتمعات الإسلامية، وباض وفرخ مجموعة تدعو له وتدافع عنه وتناصره، وللأسف من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ويخالطوننا في اليوم والليلة" .
يقول د. ناصر العقل: " أما حركة الإلحاد فإنها لا تزال تزيد وأصحابها يعلنون الحادهم بكل جرأة وصراحة متحدين بذلك مشاعر الأمة وقيمها وتسندها بعض الأحيان قوي كثيرة من الداخل والخارج ففي بعض الدول نجد الالحاد له أحزاب وهيئات ومنظمات فالشيوعيون وهم طليعة الملحدين يعملون بنشاط وتشجيع في بعض الدول ".
فأصبح الإلحاد المعاصر ظاهرة وبانية في العالم ككل وامتد إلى المجتمع العربي، وأضحي ظاهرة خطيرة وافدة عليه. إنه اليوم قد أصبح سمة من سمات العصر، فصار لزاماً على علماء المسلمين أن ينهضوا ويشحذوا هممهم و أقلامهم ويتصدوا لهذه الحركة الإلحادية، فيجب التصدي لهذه الظاهرة بكل شجاعة وحكمة في آن واحد ونحاول في هذه السطور أن نشير إلى بعض أسباب وجوده و انتشار الإلحاد في عالمنا العربي والإسلامي.
أولاً: أسباب معرفية المعرفة هي المكون الفكري للإنسان والموجه لسلوكه وأخلاقه والإسلام هو الحصن والمكون الرئيس للمعرفة وللثقافة لدي المسلم ومن ثم كان فقدان الثقافة الصحيحة للمسلم سببا لتسلل الإلحاد إليه فتعد الأمية الدينية وتعني عدم المعرفة الصحيحة بالدين إما لقلة المعلومة أو الفهم الخاطئ عدم وجود حضانة ومناعة ضد الافكار المخالفة بما فيها الالحاد، وانخفاض مستوي العلم بالدين، وفهمه كما ينبغي أن يكون إذا وجد كل ذلك في البعض كان عرضة للوقوع في براثن الإلحاد والثقة الزائدة بالنفس والغرور المعرفي " بعض الشباب عنده ثقة زائدة بإيمانه وصحة اعتقاده، وفي كثير من الأحيان يكون هذا الإيمان مجرد إيمان قلب وعاطفي ليس مؤسساً علمياً بشكل صحيح ، فهو إيمان بالقلب دون معرفة أو علم سليم بالدين وأدلته ، وأسباب اليقين به، وعندما يتعرض هذا الصنف لتحديات واشكاليات وتساؤلات الإلحاد لا يجد ما لديه من العلم والمعرفة ما يدفع به هذه التساؤلات والشكوك ، وهو في نفس الوقت غير معترف بجهله بدينه وبأن أجوبة هذه التساؤلات موجوده ولكنه يجهلها فتكزن النتيجة وقوعه في الإلحاد".
أيضاً من الأسباب المعرفية لنشر الإلحاد المعاصر في العالم العربي ضعف المكتبة الإسلامية في نقض الإلحاد مع " وفرة المواد الإلحادية وانتشارها في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يجعل المعادلة تميل بشدة لصالح الإلحاد ".
ف" قراءة بعض من تسلل إلهم الالحاد مؤلفات الملحدين وقد دسوا فيها سموماً من الشبه تحت ألفاظ منمقة فيجد نفسه أمام هذه الألفاظ المنمقة والشبه المهرجة فلا يلبث أن يدخل في زمرة الملاحدة".
ومن الأسباب المعرفية الشيات والأسئلة باسم العلم، لذا يطلق عليه الإلحاد العلمي وهو الناشئ عن قناعة علمية ببعض النظريات العلمية التي يدعي أصحابها أنها تتناقض مع الدين.
فمن يقوم بالحركة الإلحادية ويدعو إليا يعمل على أن يلبس ثوب المعرفة والعلم، فيخدع من يقع تحت يديه ويجره إلي انكار وجود الله باسم العلم. أيضاً عدم المعرفة الكافية للتساؤلات التي تطرح نفسها على ذهن الانسان، أو توجه إليه، والسطحية الفكرية لمن يتسلل إليهم الإلحاد وقراءة بعض الشباب لكتب وشيهات الملحدين والانهار بها دون أن تكون لدية قدرة على التفنيد " فبعض الشباب يقرأ بعض الكتب أو المقالات أو الفيديوهات التي تروج للإلحاد قد ينير بما تعرضه نظراً لافتقاره الحاسة النقدية، أو لعدم قدرته علي التمحيص والنقد لما يعرض أمامه من أطروحات فيكون باباً للوقوع في الإلحاد يقول فرانسيس بيكون: " قليل من الفلسفة يؤدي إلي الإلحاد والتعمق فيها يؤدي إلي الإيمان ".
ونجد العديد من الملحدين ينتهجون فلسفات علمانية أساسها التشكيك في الدين، ويضعون الإنسان مكان الإله والعقل مكان الوحي ويحاولون تبرير إلحادهم بمبررات علمية وأخري عقلية فالعديد منهم يتبنون فلسفات الحادية مختلفة وقد ظهرت مذاهب وفلسفات تحارب الدين، وما يرتبط به من ایمان بالغيب وترفض رفضاً تاما كل المعتقدات الدينية من ايمان بالله والملائكة والرسالات الإلهية والآخرة والجنة والنار ولا تؤمن إلا بما هو مادي؛ لأن المادة هي الحقيقة الوحيدة الملموسة، وقد بلغت موجة الالحاد قمتها خلال القرن التاسع عشر الذي كان مسرحاً لكثير من تلك الفلسفات والنظريات والمذاهب التي تتميز بالإلحاد والعداء للدين وتفسير الكون تفسيراً مادياً ، وارجاعه إلي عوامل داخلية ذاتية، وتنفي أي تدبير أو غاية أو قصد من وراء خلقه ".
ومن الأسباب أيضاً موجة الإلحاد في الغرب على المستوي السياسي، وأثرها على الشرق بسبب التبعية الفكرية للغرب، وترجمة الفكر الغربي للعالم الإسلامي مثل تبني بعض الدول الشيوعية القائمة على الالحاد.
ويُرجع وولتر اوسكار ليندبرج " إنكار وجود الله في بعض الأحيان إلي ما تتبعه بعض الجماعات أو المنظمات الإلحادية أو الدولة من سياسة معينة ترمي إلي شيوع الإلحاد ومحاربة الإيمان بالله بسبب تعارض مصالح هذه الجماعة أو مبادئها ".
وعلى هذا النهج صارت بعض السياسات في العديد من الدول الإسلامية فعملوا على " إقصاء المنهاج الإسلامي في الشريعة والتعليم وإحلال منهاج علماني بدلاً عنه ".
فـ " الإلحاد يكون على المستوي الفردي والعلمانية على مستوي الدولة فالإلحاد موقف محدد رافض للعقيدة ".
ومن الأسباب أيضاً وجود الهوة الحضارية بيننا وبين العالم المتقدم في العلوم التجريبية، وأنها ارتبطت في عقول الملحدين بالثورة على الكنيسة والدين في العصور الوسطى، واستطاعت أوروبا بعدها التقدم، فأراد البعض من مدعي الثقافة والعلم من بني جلدتنا أن يقتفي أثر الغرب بغية التقدم فظنوا أن ذلك يكون بالبعد عن الدين وانكار وجحود إله.
فعمل البعض على الترويج للنظريات العلمية الغربية الإلحادية مثل نظرية التطور على أنها من حقائق العلم الذي لا اختلاف فيه، وهذا التيار الذي لبس ثوب العلم، فنجدهم يثيرون الشبهات حول انكار وجود الخالق وانكار الغيبيات.
أيضاً من أسباب نشر الإلحاد في العالم العربي المذاهب الفلسفية التي تقوم على فكرة عدم وجود خالق، وأن الكون وجد بلا خالق وأن المادة أزلية أبدية.
ومن أسباب انتشار الإلحاد في العالم العربي في الوقت الحاضر الانفتاح الأعمى على الثقافة الغربية المادية والانهار بها، والتي تميل إلى الإلحاد والانهار بالتقدم المادي الغربي و أنه وحده سبب سعادة الانسان في الدنيا.
وهذا الانفتاح على مختلف الثقافات والحضارات وأقصد به التمسك بالأفكار السلبية منه فقط، فكان من الممكن أن يكون إيجابياً إذا أخذنا منه مالا يخالف عقيدتنا الإسلامية، وإذا كنا فى وضع مستقر من فهم للدين الصحيح واتخاذه وسيلة للدعوة إلي الله، ولكن انتشار الأفكار الغربية مع وجود هذه الهوة الحضارية، ساعد في نشر الإلحاد. زعم من يدعي الثقافة أن أوربا تقدمت بدون دين، ويتحتم علينا أن ننبذ الدين لتلحق بركب الحضارة والتقدم فهذه حالة الانهار بالفكر والحضارة الغربية المادية الحديثة.
ومن أسباب انتشار الإلحاد المعاصر في العالم العربي أيضا وسائل الإعلام التي تعمل علي التشكيك في ثوابت الدين وتشويه الدين عبر وسائل الإعلام المختلفة، والوسائل الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وقراءة كتب الإلحاد والمواقع الالكترونية الالحادية دون وجود أسس عقدية إسلامية صحيحة لدي من يقرأ ويتتبع هذه المواقع مما جعل هؤلاء الشباب لقمة سائغة للوقوع في فخ الإلحاد الضعف المعرفي لمن يتسلل إليهم الإلحاد والمناهج الدراسية لا تضع الأسس الكافية للعقيدة الراسخة الصحيحة " وأن يتصل الإنسان الضعيف النفس بملحد يكون أقوي منه نفساً وأبرع لسانا فيأخذه ببراعة إلى سوء العقيدة .. ويفسد عليه أمر دينه.
ثانيا: أسباب دعوية
عدم قدرة الخطاب الإسلامي المعاصر لدي بعض الدعاة على التصدي العقلي والعلمي لظاهرة الإلحاد، والخطاب المنفر لغوياً وعلمياً وسلوكياً وأخلاقياً جعل الكثيرين يبتعدون عن الدين، فبعض من يتصدى للدعوة يتعسف ويتشدد في مجال الاختلاف والفروع مما يؤدي إلي تشويه صورة الإسلام وعدم اقناع الناس بالأدلة النقلية والعقيلة الكافية، بل رأت في أحد البرامج التليفزيونية مناظرة بين أحد الملحدين وبين أحد المشايخ أن الشيخ بدلاً من الرد العقلي والعلمي علي الملحد ظل يصفه بأنه كافر وضال ، ويبعد عن فكرة الموضوع وكان رده باهتاً وضعيفاً.
وأيضاً التيارات والجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين ستاراً لممارسة إجرامها في حق البلاد والعباد فاستغلال الدين من قبل هؤلاء كاستغلال كل شيء حسن استغلالاً سيئاً أمر وارد بل واقع والدين الحق يقرر هذا ويحذرنا منه قال صلي الله عليه وسلم عن الخوارج " يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهمم قتل عاد ".
أدي ذلك إلى ظهور نوع آخر من التطرف، تطرف يرمي بعرض الحائط كل الثوابت الدينية والعقائدية، ويدعي أن لا وجود للإله الحق ويدعو لعدم التقيد بدين من الأديان لممارسة الحياة العامة والخاصة وإنكار الذات الإلهية والإيمان بعدم وجود قوي أعظم وأكبر تدير العالم بكل مخلوقاته، فبسبب التيارات المتشددة باتت نسبة الملحدين في عالمنا الإسلامي تزداد يوما بعد يوم، فهم أحد أسباب تنامي هذه الظاهرة، كما أنهم من أهم أسباب تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الوقت الحاضر.
ومن أسباب انتشار الإلحاد أيضا عدم احتواء الشباب ومخاطبة عقولهم بما تمليه عليه أسئلتهم مما ولد شكاً ونفور أ وأخذ رويداً رويد من الشك إلى الإلحاد.
أيضاً اعتماد بعض علماء المسلمين في الرد على الأسلوب الجاف القديم. وهناك من يتصدى لموجة الإلحادي دون تسلح قوي بالبرهان والأدلة المعرفية والعلمية يقول الدكتور عمرو شريف في كتابة خرافة الإلحاد لا شك ان شبكة المعلومات (الانترنت) قد يسرت إطلاع الشباب على ما يموج به العالم من أفكار إلحادية، كما سمحت شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة بتبادل هذه الأفكار بينهم وقد تزايد هذا المد الإلحادي بعد ثورات الربيع العربي ويرجع ذلك إلى نجاح الشباب في تحديهم لرموز السلطة في هذه البلاد، مما شجع بعضهم على تحدى الرمز الأكبر متمثلا في منظومة الألوهية والدين، كما سمح جو الحرية الذي أتاحته الثورات بالبوح بهذه الأفكار.
ولا شك أن فشل تجربة الإسلام السياسي (خاصة في مصر) سيؤدى الى انعكاسات سلبية في هذا المجال. في الجانب الأخر، عجز الخطاب الديني التقليدي عن مجاراة ما تموج به الأوساط الإلحادية من أفكار وحجج علمية وفلسفية، بسبب اكتفائه بالطرح التراثي وانقطاعه عن المستجدات العلمية والحضارية، وتشير دراسات عديدة إلى أن الفكر الديني القاصر هو أهم أسباب المد الإلحادي المعاصر في بلادنا العربية " .
فالمزاج الثوري لدى البعض الذي يدعوا للثورة على كل الثوابت ومن أهم هذه الثوابت الدين كان من أسباب انتشار الإلحاد في هذه الآونة الأخيرة في العالم العربي.
ثالثاً: أسباب أخلاقية ونفسية
أ - دافع الانحلال الأخلاقي ممن يدعون الإلحاد كان إلحادهم في حقيقة الأمر ذريعة ووسيلة لإراحة ضمائرهم المتأزمة بسبب انحلالهم الأخلاقي؛ لأن إنكار وجود الله وعدم الإيمان بثواب أو عقاب من قبل الله يقنع الأنسان نفسه أنه في حل من الالتزامات الأخلاقية فالدين يلزم الانسان بأوامره ونواهيه فالعديد ممن يعبدون شهواتهم يشعرون أن وجود الله عقبة أمام غاياتهم الدنيئة فيجدون في الإلحاد ضالتهم بعدم لومة الضمير" من أسباب الإلحاد أن تغلب الشهوات علي نفس الرجل فتربه أن المصلحة في اباحتها وأن تحريم الشارع لها خال من الحكمة فيخرج من هذا الباب إلي إباحية وجحود. وسيطرة الشهوات وتمكنها من أنفسهم فعملوا على انتشار الزني والمثلية بحجة الحرية الشخصية.
وهناك من يلحد في سبيل مصلحة مادية إذ يمول مادياً من بعض الحركات التي هدفها نشر الالحاد في العالم العربي والإسلامي بالدافع العاطفي أو النفسي: دفع الابتلاء وعدم تحمله بعض الناس الي اليأس من رحمة الله واللجوء الي الإلحاد بدل القرب من الله " يقع الشخص في أزمة أو ابتلاء أو محنة ؛ لكن الابتلاء قد يؤدى إلى الإيمان أو الإلحاد علي السواء، فهناك من الناس تدفعه المحن والابتلاءات للجوء إلي الله والتقرب منه ، ومنهم من تدفعه إلي اليأس من روح الله ".
هذا الدافع النفسي الذي تكون لدى أناس تعرضوا لأزمة أو موقف عاصف في حياتهم سيطر علیم مشاعر الرفض لوجود إله.
ومن الدوافع النفسية أيضاً هناك من يلجأ إلى الشهرة بما يخالف السائد في المجتمع المسلم فيلجأ إلى الإلحاد ويتمرد على المجتمع. وتذبذب النفس البشرية لدي البعض فيترك نفسه لتغلب الشيطان عليه.
وهناك سبب اجتماعي:
وهو الأسرة ودورها في تربية ومتابعة الأولاد في التربية والتعليم الديني القائم علي التوحيد فإن عدم تربية الأولاد تربية دينية صحيحة ، ومتابعة شؤونهم ، وتركهم ألعوبة في يدي المنحلين فكريا وأخلاقياً يؤدي إلي أن يكونوا لقمة سائغة في أيدي الملحدين و ينشأ الشخص في بيت خال من آداب الإسلام، ومبادئ هدايته فلا يري من يقوم علي أمر تربيته من نحو والد أو أم أو أخ، فأقل شية تمس هذا الناشئ تنحدربه في هاوية الضلال بسبب الفراغ الروحي الذى عنده إذ البعد عن الله والصلة به يجعل في الإنسان جفافاً روحياً فيسهل اختراق الإلحاد إليه .
هذا ويلخص مركز الأزهر العالمي للفتوي أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإلحاد خاصة بين الشباب، في المجتمع العربي عامة والمصري بصفة خاصة الذي بطبيعته ومكوناته مجتمعاً متديناً بطبعه، ويمثل الدين فيه دوراً هاماً في حياة أفراده. وقد قام فريق من الباحثين التابعين لهذا المركز في عام ۲۰۱۷ بحسب الدراسة الميدانية المركز الأزهر العالمي للفتوي ، فهذا المركز لديه العديد من الباحثين التابعين له يجيبون على فتاوي السائلين من بقاع الأرض المختلفة بلغات عديدة. وهي كالتالي:
1- غياب القدوة الصالحة في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام فينشأ الشاب وهو لا يعرف دينه ولا يحبه كما يجب فيسهل عليه تركه لأي سبب.
2- تعرض الشاب وخاصة في بدايات تكوينه الفكري وقبل نضجه لموجات من الفكر الإلحادي من خلال قراءاته الكتب الفلسفية واتصاله بمفكرين ملاحدة وإعجابه بأدبهم وأطروحاتهم وخاصة من كان له أسلوب عرض جميل كأدباءهم.
3- تغلب الشهوات على بعض الشباب الذين يرون أن الدين يمنعهم منها ويشكل حاجزاً بينهم وبين رغبتهم في الاستمتاع بالحياة وعدم معرفتهم لحكمة تحريمها مع غلبة الشهوة عليم تجعلهم يرغبون في الإلحاد.
4- انفتاح الإعلام الفضائي بشقيه القنوات والانترنت وما يبث فيما من شهوات وشبهات تأخذ كل واحدة منها بنصيها من شبابنا مع عدم وجود حملة تحصين مضادة لأثارها السلبية.
5- الجهل وما يسببه من تخبط في معرفة الحق من الباطل عدم القدرة على التمييز بين الغث والثمين.
6- عدم قيام مؤسسات التربية من تعليم ومعاهد وجامعات بأنشطة تذكر للوقوف في وجه موجة الإلحاد الجديدة؛ وبطء استجابتها للمستجدات العالمية والحراك الاجتماعي والشبابي.
7- دور النشر والمقاهي الثقافية ووسائل الإعلام والمواقع الالكترونية التي تروج للفكر الإلحادي دون وجود بدائل منافسة لها يلجأ اليها الشباب.
8- وجود فنات من المجتمع التي خلطت بين الدين والعادات وأساءت للدين من خلال حماسها غير المنضبط وجهلها العريض ليتحول الدين إلى مظاهر لا يصاحيها في كثير من الأحيان جواهر نقية فتسببت في حدوث رد فعل معاكس عند بعض الشباب.
9- إشكالات الحضارة وأزمة الهوية السائدة بين الشباب مع عدم وجود المحاضن التربوية المقنعة التي تحوي الفكر والايمان إضافة إلى السلوك.
۱۰ - انتشار الظلم وعدم قدرة الضعفاء على الوصول إلى حقهم حتى مع اللجوء إلى المؤسسات الحكومية في العالم الإسلامي بشكل عام.
11 - كثرة الحروب والفتن التي تهز قناعات الشباب في عقيدة القضاء والقدر واختلال فهمهم لقيم الحياة ومعاني الألوهية والربوبية والجزاء والحساب.
المبحث الثالث: أهم وسائل الإلحاد الحديث ومن يقف وراءه
اشتهر الإلحاد في الدوائر الفكرية والثقافية والعقدية والحوارية وأضحي له سمات ورموز ومؤلفات ووسائل لنشره وتميز هؤلاء بالحماسة والحرص الشديد على الدعوة للإلحاد. واستخدموا التأليف والكتابة والبرامج الثقافية والإذاعية ومواقع على شبكة الانترنت لنشر أفكارهم الإلحادية وتقف من ورائهم مؤسسات الحادية عالمية.
وسائل الإلحاد الالكترونية
إن ما تقوم به مواقع الإلحاد الالكترونية من تأثير على بعض المسلمين خاصة الشباب منهم، وإخراجهم من نور الإسلام إلي ظلمات الشك والإلحاد يفرض علينا أن نسلط الضوء ملياً على تلك المواقع المنحرفة.
كان أول انطلاق للمنتديات الإلحادية العربية على أيدي عراقيين من أصول شيعية فتكونت أول مجموعة الحادية منهم عام ٢٠٠٤م ثم افتتحت مواقع أخري منها :
العلمانيون العرب ومنتدي اللا دينيين العرب ثم منتدى الملحدين العرب ومنتدى الطبيعيين الوجوديين ومنتدى طبيعي وموقعه الالكتروني https:// www.tabee3i.com والملحدين المصريين.
حيث تقوم هذه الصفحة بنقد الأديان وبالأخص الدين الإسلامي وحركة الإخوان الملحدين وتهتم هذه الصفحة بالمناقشات بين الملحدين والمؤمنين وبعض هذه المناقشات تدور حول الإعجاز العلمي للقرآن الكريم. العلم هو الحل.
وتهتم هذه الصفحة بمسألة وجود الله حيث يحاول المشاركون فيها سوق الأدلة على عدم وجود الله ونفى وجوده هذا لا يعني عدم وجود الإلحاد من قبل فالبعض الحد عن طريق الكتب والتأثر بالفلسفات المادية الغربية، والبعض عن طريق السفر للخارج، والبعض تأثر من أشخاص موجودين في الداخل؛ لكن الانتشاربات ملحوظاً مع ظهور الإنترنت وخصوصاً برامج التواصل الاجتماعي فأصبح للملحدين قنوات ينفذون وينشرون فكرهم فيها بنشاط وتوسع أكبر بصورة ملحوظة ليس فقط في المواقع الالكترونية بل في أرض الواقع وليس أفراد يستهان بهم بل بالعشرات وربما المئات، هذا يدل على أن الإلحاد أصبح خطراً حقيقياً وملموساً يجب التصدي له ومواجهته.
قنوات اليوتيوب:
يوجد قنوات تهتم بنشر الفكر الإلحادي وتشكيك الناس في عقيدتهم. وطرح مسألة الإيمان على أنها فكرة قديمة استطاع العلم الحديث نفيها والتغلب عليها. وتجدر الإشارة إلى بعض هذه القنوات التي تبث في المجتمع العربي هذه الأفكار الإلحادية وكان الأساس الأول في الاختيار هو عدد المتابعين لهذه القنوات
مثل قناة الملحدين العرب وهي بمثابة الوعاء لأهم برامج ونشاطات الملحدين عبر اليوتيوب بالإضافة الي مجلة الملحدين العرب اذ يحتوي الموقع علي إذاعة الملحدين العربي وبرنامج البط الأسود الداعي للإلحاد من اعداد وتقديم إسماعيل مأخوذ من قناته علي اليوتيوب والذي يلتقي فيه مع ملحدين عرب ويسألهم عن تجربتهم في الالحاد وعرض آرائهم ( 1 ) .
وبرنامج (عقلانيون) مأخوذ من اليوتيوب من تقديم بسام البغدادي ويعرض فيه كتابات الحادية ومقاطع تساند الإلحاد.
ومن الداعين لنشر الإلحاد عبر المواقع الإلكترونية (بسام البغدادي) وهو من يعمل بقوة لنشر الالحاد في العالم العربي عبر توتير والفيس واليوتيوب وللأسف يتبع نشاطه الالحادي الالف من العرب B Assam. ALbaghdady
ومن قنوات اليوتيوب : Aly Aly يبلغ عدد المشتركين في هذه القناة حوالي ٤,٣٦٩ وسجل المشاهدة لهذه المقاطع وصل إلى ۹۱۲,۸۳۰
.(T) Chakooch1- يبلغ سجل المشاهدة في هذه القناة ٢,٦۰۸,۰۲۸ ويبلغ عدد المشتركين نحو ٢,٦٩٩ مشتركا. .-Free Mind (العقل الحر)
ويبلغ عدد المشاركين في هذه القناة حوالي ۸,۷۸۳ ويبلغ سجل المشاهدة حوالي ٨٣٨,٤٦٠ الفيس بوك ونشر الإلحاد العربي.
من وسائل نشر الإلحاد في العالم العربي في الوقت الحاضر وسيلة التواصل الاجتماعي الفيس بوك حيث يكون النشاط فيه عن طريق مجموعات وصفحات جماعية وتوجد مئات الصفحات الالحادية لدرجة ان صفحة واحدة تحت اسم الله لشخص يدعي الألوهية وصل عدد المشتركين فيها الي ١٧ الف مشترك .
وتحتوي هذه الصفح على العديد من المناقشات حول كثير من المواضيع الإسلامية مثل وجود الله والأحاديث النبوية وكذلك الآيات القرآنية ولكنها تتناول هذه الموضوعات بسخرية شديدة.
- تأملات لا دينية:
- ملحد متحرر من خزعبلات وأكاذيب الإسلام وكافة الأديان مسلم متدين سابقا. وهذه هي بعض الصفحات فقط ويوجد على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير ممكن يروجون الفكر الإلحادي داخل المجتمع العربي ويجملونه ويجعلونه روح العصر.
استغل مرجوا الإلحاد مواقع التواصل الاجتماعي وذلك لعدم وجود الرقابة فيستطيع الملحدون أن يدعون إلى أفكارهم ونشر ثقافتهم من غير خوف فنجدهم يقولون على صفحات الفيس بوك وعلى قنوات اليوتيوب ما لا يستطيع كاتب أن يكتبه في كتاب أو ينشره في صحافة.
ومن متابعة ورصد هذه الظاهرة في العالم من خلال الكتب والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي نستطيع أن نقول: إنه لا يمكن إعطاء رقم محدد عن أعداد الملحدين في العالم العربي. لكن نقول: إن أعداد الملحدين فيه غير قليله.
من يقف وراء انتشار الإلحاد المعاصر في العالم العربي لقد بذل الهود وما زالوا يبذلون ما في وسعهم لهدم الأديان وإشاعة الإلحاد ولقد أحسن اليهود استغلال الأحداث التي قدمتها لهم الكنيسة نتيجة لحماقة القائمين على أمرها، وقد جاء في البروتوكولات.
ويجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، وأن تكون النتيجة المؤقتة هي إثمار ملحدين، فلن يدخل هذا في موضوعنا ولكن سيضرب مثلاً للأجيال القادمة التي تصغى إلى تعاليمنا على دين موسى الذي وكل إلينا بعقيدته الصارمة وأوجب إخضاع كل الأمم تحت أقدامنا".
فاليهود هدفهم الأول هو نشر الإلحاد لإثمار ملحدين لهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن تنشأ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بطابعها الإلحادي الموجودة عليه فقد نشأت في ظل ثلاثة من رواد الفكر اليهودي وهم "ماركس وفرويد وسارتر" الذين روجوا بفلسفاتهم للإلحاد، والانحلال الأخلاقي السائد في العالم".
فمن ناحية دعا ماركس إلى الشيوعية وهو صاحب المقولة الشهيرة: "لا إله والحياة مادة" ، أما فرويد فهو أيضاً يهودي عمل على نشر الإباحية من خلال نظريته المعروفة بنظرية التحليل النفسي، وأما سارتر فهو الآخر عمل على نشر الإلحاد من خلال تفسيره للوجود تفسيراً يصادم ولابد من العمل على ابراز الأدلة الآتية على وجود الله تعالي والقضاء على الإلحاد:
١- الدليل الفطري : إن الفطرة السوية التي نتكلم عنها كعلاج من الإلحاد، يمكن أن تقبل الإسلام وتهتدي إليه سبحانه وتعالى، وتترك الإلحاد الذي تلوثت به، بما أودع الله فيها وفي كل الخلائق من قوانين كلية، تظهر آثارها في الطفل الناشئ الذي لم يتعلم أو يتكلم ، فهو يدرك أن الحادث لابد له من محدث، وأن الجزء دون الكل، وأنه يستحيل الجمع بين المتناقضين .
هو دليل الفطرة أحد الأدلة التي استدل بها السلف وله ما يؤيده في نصوص الشرع. قال تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون....) الروم: 30.
وفي الحديث الشريف الذى يرويه الرسول عن رب العزة .... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم...) .
فهذا الدليل مغروز في النفوس لدى العقول ولذا قيل عنه " بأن دليل الفطرة يؤثره كثيراً على غيره من الأدلة، ويجعله أولاها، وأولها".
- اللجوء إلى العقل الذي لا يمكن أن يخالف الفطرة: فالعقل والفطرة في توافق تام، فلا العقل يخالف الفطرة، ولا الفطرة تنافي العقل، ولذلك كانت دعوة القرآن الكريم للإنسان باستخدام العقل الفطري للوصول إلى التوحيد والإيمان بالله تعالى، مع بيان أن كل من خالف التوحيد والإيمان الله تعالى، فقد خالف العقل الفطري الذي وهبه الله لهذا الإنسان . قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" الروم: 30.
اتباع وسيلة القرآن الكريم الحوارية مع الفطرة الإنسانية، تلك الوسيلة التي خاطب الله بها الكافرين والمنكرين لوجوده سبحانه وتعالى، كما خاطب بها أولئك الذين يجعلون مع الله إلها آخر، من المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكرهم بفطرتهم التي لا بد أن يلجؤوا إليها ويعودوا لظلها في أوقات الشدة والكرب والمصيبة من دون آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، كوسيلة لمعالجتهم من شركهم وكفرهم بالله تعالى وبوجوده ووحدانيته.
قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُسَيَرُكُمْ فِي الْبَرَ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرْيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الَّذِينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَتَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَعْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَتُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) يونس: 22.
وقال القرطبي: وَفي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ جُبِلُوا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ فِي الشَّدَائِدِ، وَأَنَّ الْمُصْطَرَيُجَابُ دُعَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ، لِانْقِطَاعِ الْأَسْبَابِ وَرُجُوعِهِ إِلَى الْوَاحِدِ رَبِّ الْأَرْبَابِ ، فَقَد أَجَابَهُمْ الله تعالى عِندَ ضَرُورَتِهِمْ وَوُقُوعِ إِخْلَاصِهِمْ ، مَعَ عِلْمِهِ سبحانه أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ .
فهذه الآيات وأمثالها في القرآن الكريم كثير ، يمكن أن تكون علاجا للمسلم الذي وقع في براثن الإلحاد.
٢ - الدليل النقلي :
لقد استند السلف إلى عدة أدلة نقلية جعلوا منها دليلاً على وجود الله تعالى ومن بينها قول الله تعالى ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون) الطور: 35. فهذه الآية مما يستدل بها على وجود الله، وأنه محدث هذا العالم وخالقه".
مما لا شك فيه أن وجود الله تعالى حقيقة واقعة فقد دل عليها النقل والعقل وأقرها أصحاب الفطر النقية والعقول السليمة فمن أمعن النظر في هذا العالم وما حواه من أجناس مختلفة، من سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وجبال راسيات شامخات، وغير ذلك من المخلوقات التي تشهد بوجود إله قادر أوجد هذه الأشياء، ولئن خفت هذه الآيات على بعض العقول فذلك لضعفها.
وهذه الأدلة واضحة لكل ذي لب سليم، عدا أصحاب الهوى وأتباع الشيطان الذين يلحدون في آياته ويجادلون في وجوده بالباطل.
الأدلة العلمية:
ومن سبل مقاومة الالحاد الرد العلمي علي شيات الملحدين ولكل زمن رجاله وأدواته وما يصلح للرد علي الملحدين المتقدمين لا يصلح للرد علي أمثالهم من المعاصرين.
ونبين للناس أن الدين الإسلامي قائم علي التأمل والنظر في آيات الله في الأنفس والافاق فلا جفوة بين الدين الإسلامي والعلم الصحيح المؤدي إلى معرفة الله عن طريق آياته في الأنفس والآفاق المبثوثة في الكون وعدم الربط بين الوحي الإلهي وبين العلم التجريبي، فالربط يدفع وهم التعارض بين النقل والعلم.
وعلينا أن نبين الخطورة التي تأتي من أن نستمد من الفكر الغربي التصور عن الله والإنسان فلنا ديننا القائم على التوحيد فنسير على ضوئه.
لذا فإذا كانت أوربا مضطرة لتنحية الدين عن حياتها فلسنا بمضطرين أن نجاريها في هذا الطريق؛ لأن طبيعة دينهم ليست كطبيعة ديننا، ولا تاريخهم كتاريخنا.
ومن سبل مقاومة الالحاد تجديد الخطاب الشرعي الذي يواكب الأطروحات الثقافية أو العلمية الجديدة والتحديات التي يفرضها العصر والأوضاع، وليس المقصود تبديل الدين أو تغييره بل استخدام وسائل لبلاغ الدين بما يواءم العصر الذي نعيش فيه، وعدم التهرب من الأسئلة التي تواجه العلماء أو أولياء الأمور من قبل الشباب أو السخرية منها مما يدفعه إلى اللجوء إلى مكان آخر أو يعتقد أن الإسلام لا يملك الإجابة على هذه الأسئلة.
ولا يفوتني قبل الختام أن ننوه على أن الأزهر وعلمائه بداية من شيخ الأزهر قد تنبهوا إلي هذا الخطر العقدي الذي اخترق الأمة العربية في الأونة الأخيرة نشرت في الصحف المصرية ابتداء من الفترة ما بعد ثورة يناير حتى عام ٢٠١٦ مقالات علماء متخصصون في مختلف المجالات عن ظاهرة الإلحاد في مصر.
وقد ابتدأت هذه المقابلات الصحفية بالشيخ احمد الطيب شيخ الأزهر الحالي تحدث فيها مطولا عن ظاهرة الإلحاد وأسبابها وكيفية الحد من انتشارها ووقاية الشباب المصري منها.
١- شيخ الأزهر: الإلحاد مرض يحتاج علاج بالحوار مع الشباب المثقف.
۲ - شيخ الأزهر: الإلحاد موضة العصر وتدعمه مؤسسات بأموال "لا تأكلها النار.
3- الدين متعمق بشعور الناس بالفطرة والملحدون لا ينكرونه كظاهرة ومقالات أخرى لعلماء وكتاب آخرون مثل
٤ - أحمد عمر هاشم ضعف المؤسسات الدينية أحد أسباب ظاهرة الإلحاد.
مازال الصراع قائماً بين الدين الإسلامي وموجة الإلحاد لأن الدين مازال في نفوس جمهرة الناس كعقيدة وفكر رغم ما يبذله مدعوا الثقافة لتفتيت هذه العقيدة وتحطيمها ليقودوا الناس على الجماهير المسلمة إلى سوق الإلحاد؛ لذا لابد من عدم تسطيح الظاهرة الإلحادية لخطورتها على العقيدة والشريعة والاخلاق بل على الانسان وسعادته في حال ومآله.
الخاتمة
وتشتمل على أهم ما تمخض عنه البحث من نتائج:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات أتوجه في خاتمة بحثي بشكره سبحانه على إتمامه فهذا من مننه وإحسانه وأخلص إلى أهم نتائج البحث فيما يأتي:
١- تبين من خلال البحث أن الإلحاد يدور حول انكار الألوهية، وأن هذ الكون خلق بغير خالق.
2- ظهر لنا أن الالحاد لم يكن ظاهرة في المجتمعات الإنسانية من قبل بل كان لبعض الافراد؛ لكنه أصبح ظاهرة في العصر الحديث في الغرب لأسباب ترجع إلى تحريف الدين النصراني، واضطهاد الكنيسة للعلم والعلماء لما وجد من تصادم بين العلم والكتاب المقدس، وأيضاً دور المخططات اليهودية في نشر الإلحاد في العالم العربي فهم من يقف وراء انتشار الإلحاد فيه.
3- بأن تسلل الفكر الالحادي الغربي في البيئة العربية والإسلامية من خلال انبهار البعض بالتقدم والحضارة الغربية الذي حصر المعرفة على الجانب العقلي والتجريبي فقط مع أن مصادر المعرفة متعددة فالأمور الغيبية في الإسلام لها مصدر الوحي الذي لا يتصادم مع الفطرة والعقل والعلم.
٤- ظهر لنا أسباب تفشي ظاهرة الإلحاد في العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث من خلال بيان الأسباب المعرفية التي ترتكز علي عدم معرفة الدين الإسلامي معرفة حقة، وأسباب دعوية من خلال الأثر السيء الذي تركته الجماعات الإرهابية والتكفيرية في تشويه الإسلام، وأسباب أخلاقية فوجد البعض في الإلحاد مناخاً للانحلال الأخلاقي.
5- وجدنا أن معالم الإلحاد المعاصر من خلال الاستهزاء بالدين وعقيدته، ومصادره، وعلمائه، ورفض الغيبيات والمعجزات والاعتماد على الجانب الحسي فقط.
6- وجوب التصدي لحركة الإلحاد وذلك بإيقاظ الفطرة الإنسانية، وبيان الأدلة النقلية والعقلية والعلمية، واستخدام الوسائل المتطورة في التصدي للفكر الإلحادي وبيان آثاره المدمرة سواء على مستوي الفرد او الدولة.
7- بيان مكانة العقل والعلم في الإسلام وكيف أن الإسلام يقدر العقل حسب قدراته، ويقدر حقائق العلم، وأن العقل السليم والحقائق العلمية لا يتصادمان مع الإسلام فدعوي الملحدين بالتخلي عن الإسلام؛ لأنه يتعارض مع العقل والعلم دعوي واهمة وباطلة.
8- يجب على علماء ومؤسسات الأمة الإسلامية اتخاذ إجراءات علاجية ووقائية لمنع اختراق تلك الأفكار في مجتمعاتنا الإسلامية.
من التوصيات:
- تجديد الخطاب العقدي للاستجابة لمثل هذه النازلة العقدية (ظاهرة الإلحاد).
- لا يكتفي بالدفاع، بل المبادرة بالتحذير منه.
والحمد لله في الأولى والآخرة
-
الاحد PM 04:33
2022-12-04 - 3241