من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المعاملات - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 443016
يتصفح الموقع حاليا : 224

البحث

البحث

عرض المادة

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المعاملات

(في ضوء كتاب السيرة النبوية الصحيحة –د أكرم ضياء العمري)

الكاتبة: فاطمة محب

مقدمة:

نبيٌّ كامل الأوصافِ تَمَّتْ     محاسِنُه فقيل له الحبيبُ

 مدائحُه تَزيدُ القَلْبَ شَوْقاً       إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ

 وَصَفْتُ شمائلاً منه حِسَاناً    فما أدري أمدحٌ أمْ نَسيبُ

هكذا وصف  البوصيري -رحمه الله- خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلّم- وأثر سيرته العطرة، وإن عِظَم الوصف من عِظَم الموصوف، والقلم إذ يُكَلَّف بأن يخطّ أحرفا حول من أوتي جوامع الكلم، يكاد يأبى ويمتنع هيبةً وإجلالًا، لكن سرعان ما ينصاع للأمر حبًّا وطلبًا للشرف.

ووجدت هذا حاضرًا في قلم (د أكرم ضياء العمري) خلال كتابته ل(السيرة النبوية الصحيحة-محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية). ذلك المرجع المميز المنصِف لسيرة خير وَلَد آدم، محمد صلى الله عليه وسلّم. ومن أهم ما امتاز به الكتاب أنه راعى تنوع المصادر لينقل إلى القارئ تصورًا أوسع عن السيرة النبوية، فإلى جانب القرآن الكريم والحديث الشريف وكتب السيرة المختصة، استعان الكاتب بكتب أدبية وكتب جغرافية تاريخية وغيرها. وفي السطور القليلة القادمة نحاول إلقاء الضوء على جوانب محدودة من الفوائد المستقاة من هدي النبي في معاملاته كما نقلها لنا هذا الكتاب القيّم، علّنا نزكّي أنفسنا بالتأسي بذلك المنهج القويم والفهم السليم لنصوص الوحي وأوامر الشارع عز وجل. ويجدر بنا التنويه إلى أن ما نتعرض له في مقالنا ماهو إلا غيض من فيض، فقط غمسة على عجالة في محبرة هدي النبيّ في معاملاته، فلا نحصي هديه في معاملاته فضلًا عن إحصاء هديه في غير باب المعاملات.

تقسيم باب "معاملات الرسول صلى الله عليه وسلم" في كتاب "السيرة النبوية الصحيحة":

إذا نظرنا في باب معاملات الرسول صلى الله عليه وسلّم كما نقله د أكرم في كتابه، جاز لنا تقسيمه باعتبارات ثلاث:
1-اعتبار الزمن: قبل البعثة وبعدها

2-اعتبار مساحات وضّاءة من المعاملات النبوية داخل أخلاق بعينها، وهي كثر مثل:العدل، الصدق، الرحمة، وغيرها.

3-اعتبار المعامَل، ونذكر منهم معاملات الرسول مع: قومه،وغير المسلمين، وصحبته، وزوجاته وأهل بيته، وضيفه، وغيرهم.

وفيما يلي نتناول جانبا من معاملات الرسول باعتبار المعامَل مع مراعاة تضمين الاعتبارين الآخرين في حديثنا.

من إضاءات هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملاته:

أ-مع قومه: -الثبات على الحق وإن خالف قومه: على الرغم من حب قريش له إلا أن استمساكه بالإرث الإبراهيمي من المناسك  كان يحثه على مخالفتهم في أمور عدّة قبل البعثة، مثل: وقوفه بعرفة وطوافه بالبيت العتيق وعدم أكل ما يذبح على النصب وغيرها، ونستفيد من هذا الاتزان في المعاملات مع أقوامنا، بغير مداهنة ولا اتباع أعمى، مع الشجاعة في الجهر بما نؤمن به قولًا وتفعيله عملًا وسعيًا.

-الصدق: في جميع المعاملات بدليل قول قومه له حين بدأت مرحلة الدعوة الجهرية: ما جرّبنا عليك كذبًا:

"… فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( يا بني عبدِ المُطَّلبِ يا بني فِهْرٍ يا بني عبدِ مَنافٍ يا بني يا بني أرأَيْتُم لو أخبَرْتُكم أنَّ خَيلًا بسَفْحِ هذا الجبلِ تُريدُ أنْ تُغِيرَ عليكم أصدَّقْتُموني ) ؟ قالوا : نَعم قال : فإنِّي ( {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] ) فقال أبو لَهَبٍ : تبًّا لك سائرَ اليومِ أمَا دعَوْتُمونا إلَّا لهذا ثمَّ قام فنزَلت : ( {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وقد تَبَّ وقالوا : ما جرَّبْنا عليك كذِبًا" (1)

-معاملة الله فيهم: فعلى الرغم من شدة إيذاء قريش للرسول بعد البعثة إلا أنه كان يعامل الله فيهم، فصبر عليهم ودعا لهم وأحسن إليهم، حتى إذا أساؤوا لله ورسوله وكتابه وكذّبوا دعوته دعا عليهم لتكذيبهم الحق لا لأمر شخصي، وهو درس في المعاملات أن تكون مركزية معاملاتنا ومعيارها دائما الله تعالى وحق ديننا علينا وتعظيمه في أنفسنا لا تعظيم أنفسنا  واتخاذها معيارًا.

-عدم خذلانهم حين ظنوا به خيرا بعد الفتح: "لمَّا كانَ يومُ أُحُدٍ قُتِلَ منَ الأنصارِ أربعةٌ وستُّونَ رجلًا ومنَ المُهاجرينَ ستَّةٌ فقالَ أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لئِن كانَ لَنا يومٌ مثلُ هذا منَ المشرِكينَ لنُرْبيَنَّ علَيهم فلمَّا كانَ يومُ الفتحِ قالَ رجلٌ لا يُعرَفُ لا قُرَيشَ بعدَ اليومِ فَنادَى مُنادي رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أمِنَ الأسوَدُ والأبيضُ إلَّا فلانًا وفلانًا ناسًا سمَّاهم فأنزلَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ نصبِرُ ولا نعاقِبُ" (2)

-الحلم: كان الرسول صلى الله عليه وسلّم حليمًا غير مندفع، ففي حنين مثلا رُويَ: "أنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَومَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا، فَكانَ معهَا، فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هذِه أُمُّ سُلَيْمٍ معهَا خِنْجَرٌ، فَقالَ لَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا الخِنْجَرُ؟ قالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، بَقَرْتُ به بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ

---
(1) الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 6550 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه

(2) الراوي : أبي بن كعب | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 5/491 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن

 يَضْحَكُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، اقْتُلْ مَن بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بكَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: يا أُمَّ سُلَيْمٍ، إنَّ اللَّهَ قدْ كَفَى وَأَحْسَنَ." (3)

-العدل: مشاركة الرسول في حلف الفضول وكان في العشرين من عمره لتعزيز مبدأ العدل حتى قبل بعثته بعقدين فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة بها حتى لو صدرت من أهل الجاهلية.

-حسن الخلق: والخلق الحسن بشكل عام في التجارة وأثناء رحلات التجارة كان سببا في رغبة خديجة رضي الله عنها في الزواج منه صلى الله عليه وسلم.

ب-مع غير المسلمين: -العدل: كما حدث في تقدير الثمار ومن ثمّ تحديد حصّة المسلمين وحصة اليهود بعد فتح خيبر، حتى قال اليهود على ابن رواحة حين أرسله الرسول لتقدير

الثمار: هذا الحق وبه تقوم السماوات والأرض. قد رضينا أن نأخذه بما قلت. (4)

-الانتصار للقيم في أحلك الظروف: فرغم قلة عدد المسلمين في غزوة بدر إلا أن الرسول لم يتنازل عن القيَم العليا طلبًا للزيادة العددية كما قد يفعل أي قائد جيش، بل تمسك بالحق وجهر به: "أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خرجَ إلى بدرٍ حتَّى إذا كانَ بحرَّةِ الوبرَ لَحِقَهُ رجلٌ منَ المشرِكينَ يذكرُ منهُ جَرأةً ونجدةً فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: تُؤمنُ باللَّهِ ورسولِهِ ؟ قالَ: لا قالَ: ارجِعْ ، فلَن أستَعينَ بمشرِكٍ" (5)

---

(3) الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1809 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

(4) (الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد 21\125 – حديث صحيح)

(5) الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 1558 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

 

 

ج-مع صحبته رضوان الله عليهم: -الانتصار لقيمة الوفاء بالعهد: إذ أذن الرسول لحذيفة بن اليمان وأبيه بعدم شهود بدر لأنهما كانا قد وعدا كفار قريش بعدم القتال. (6)

-التواضع والإحسان: وفي نفس الغزوة  -بدر- كان يتعاقب الرسول مع أبي لبابة وعلي بن أبي طالب على بعير واحد محسنًا إليهما متواضعًا لهما وهو رسول رب العالمين مخلصا لله طالبا الأجر.

-الشورى: كان الرسول يستشير الصحابة فيما لا وحي فيه ويأخذ بمشورتهم، وعوّدهم على التصريح بآرائهم وإن خالفت رأيه، ولم يحدث أن لام الرسول أحدا لأنه أخطأ في اجتهاده، وهذا من أهم قواعد بناء الوعي السياسي.

-مشاركتهم مشاعره –صلى الله عليه وسلم- واستبشاره: كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يشارك صحبته مشاعره وفرحه واستبشاره بما نزّل الله عليه من الوحي كما حدث حين نزلت سورة الفتح في طريقهم إلى المدينة حين عبر الرسول عن فرحته قائلا: "أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس" فقرأ عليهم" "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" فقال رجل: يا رسول الله،أفتح هو؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه لفتح" (7) فانقلبت كآبة المسلمين وحزنهم إلى فرح غامر.

د-زوجاته رضوان الله عليهن: كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يحب أهل بيته ويحب زوجاته وبناته بعاطفة عميقة ومشاعر رقيقة ويحسن معاشرتهن ويظهر احتياجه لهنّ ورفقه بهنّ  وكذلك يحترم عقولهنّ ومن مظاهر ذلك:

---

(6) صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 144 (ط. دار الفكر ببيروت).

(7) سنن أبي داود، معالم السنن، كتاب الجهاد رقم 2736. 

-الشورى: كما حدث مع أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية والأخذ بمشورتها

-مشاركتهنّ مشاعره: أظهر  الرسول صلى الله عليه وسلم اضطرابه وخشيته لخديجة رضي الله عنها ورضي بأن تصطحبه هي إلى ورقة بن نوفل.

-الإحسان والحنوّ: ".. ثُمَّ خَرَجْنَا إلى المَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَوِّي لَهَا ورَاءَهُ بعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا علَى رُكْبَتِهِ حتَّى تَرْكَبَ." (8)

-الحكمة والفقه عن طبائع المرأة: كان يقدّر غيرة الضرائر من بعضهنّ بغير غضب وبغير حتى أن تتغير ملامحه: " كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند بعضِ نسائهِ فأرسلتْ إحدى أمهاتُ المؤمنين بقصعةٍ فيها طعامٌ فضربتُ يدَ الخادمِ فسقطتْ القصعة فانْفلقتْ فأخذَ النبي صلى الله عليه وسلم فضمّ الكسرتين وجمعَ فيها الطعامُ ويقولُ غارتْ أمكُم غارتْ أمكُم وقال للقومِ كُلُوا وحبسَ الرسولُ حتى جاءتْ الأخرى بقصعتِها فدفعَ القصعةَ الصحيحةَ إلى رسولِ التي كُسرتْ قصعتُها وتركَ المنكسرةِ للتي كسرتْ" (9)

-مراعاة الفروق وإدخال السرور على قلب زوجه: ففي غزوة بني المصطلق يوقف الجيش كله لأن عقدا لعائشة انفرط منها وتجمع حباته بين الرمال: "خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، حتَّى إذَا كُنَّا بالبَيْدَاءِ، أوْ بذَاتِ الجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فأقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى التِمَاسِهِ.. الحديث" (10)

---

(8) الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4211 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

(9) الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الطحاوي | المصدر : شرح مشكل الآثار، الصفحة أو الرقم: 8/424 | خلاصة حكم المحدث : مقبول
(10) لراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4607 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وكان يراعي صغر سنها واحتياجها للعب والتسلية، وكان يستجيب لإدلالها واعتزازها بأنها البكر الوحيدة التي تزوجها ويدخل بذلك السرور على قلبها.
-الوفاء: وعلى الرغم من ذلك فإن كل هذا لم يمنعه من إظهار وفائه لزوجته الأولى خديجة رضي الله عنها وبر صديقاتها بعد وفاتها: " كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا ذبَح الشَّاةَ يقولُ : ( اذهَبوا بذي إلى أصدقاءِ خديجةَ ) قالت : فأغضَبْتُه يومًا فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إنِّي رُزِقْتُ حُبَّها )" (11)
وقضى الرسول صلى الله عليه وسلم  عند عائشة  رضي الله عنها وكانت تمسح بيدها على وجهه.
-البشرى: وبشّر صلى الله عليه وسلّم ابنته فاطمة رضي الله عنها بأنها أول من يلحق به من أهل بيته تلطّفا بها وحبا لها.
" أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ دَعَا فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فَسَارَّهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ فَقالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ لِفَاطِمَةَ: ما هذا الذي سَارَّكِ به رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَبَكَيْتِ، ثُمَّ سَارَّكِ فَضَحِكْتِ؟ قالَتْ: سَارَّنِي فأخْبَرَنِي بمَوْتِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي، فأخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَن يَتْبَعُهُ مِن أَهْلِهِ فَضَحِكْتُ." (12)

- ومع كل هذه المشاعر الطيبة وحسن المعاشرة إلا أنه خيرهن يومًا بين الحياة معه بزهد وبين الطلاق مع إعطائهن حقوقهن وتكريمهن، مما يدل على ألا تعارض بين الشعور الطيب

---

(11) الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 7006 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه

(12) الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2450 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

 

واللجوء إلى الطلاق الذي أحلّ الله أحيانا.
" ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ (13)

ه-ضيفه: كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يكرم ضيفه ويقدّم له أجود ما عنده، ومع هذا كان يواسي ضيفه إذا لم يقدّم له طعامًا جيّدا أو فخمًا كما قال صلى الله عليه وسلم لأهل الصفة يومًا حين قدّم لهم صنيعًا من شعير: "والذي نفس محمد بيده ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئا ترونه"  (14)، وهذا اتزان عزيز بين الحرص على تقديم أجود شيء للضيف، وعدم التكلّف أو الإسراف في مضايفته، مع الشعور بهم ومواساتهم بطيب الكلم.

و-كبار الأقوام وقادة الرأي: -الجمع بين احترامهم والتمسك برسالة الإسلام: كان الرسول إذا خاطبهم جمع بين احترامهم والحفاظ على ألقابهم والاعتراف بمكانتهم وبين التمسك التام برسالة الوحي والاعتزاز بالإسلام، كما جاء في خطابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام…"  (15)

-المرونة في المعاملات: كذلك نلحظ مرونة النبي صلى الله عليه وسلّم في استخدام الوسائل السياسية المعاصرة آنذاك مثل استخدامه خاتما من فضة منقوش عليه "محمد رسول الله" عندما علم أن الروم لن يقرأوا كتابه إذا لم يكن مختوما.
---
(13) سورة الأحزاب آية 28،29

(14) (ابن سعد – الطبقات 1\256)
(15) الراوي : أبو سفيان بن حرب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6260 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

ز-الأسرى: -كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بهم خيرا حتى كان الآسرون يخصون الأسير بالخبز وأكلوا هم التمر لوصية الرسول.

- لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل أيٍّ من نساء بني قريظة إلا امرأة كانت قد قتلت الصحابي خلّاد بن سويد، وأطلق سراح الغلمان غير البالغين كلهم

ح-الجماد والحيوان: كان للرسول علاقة طيبة حتى مع الحجر والشجر والجماد: " إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُبْعَثَ إنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ." (16)
وعلى الرغم من رفقه بالناس إلا أنه أنّب رجلًا بلهجة شديدة إذ أذى جملًا: "من ربُّ هذا الجملِ ؟ لمن هذا الجملُ ؟ فجاء فتًى من الأنصارِ ، فقال : لي يا رسولَ اللهِ ! فقال : أفلا تتَّقى اللهَ في هذه البهيمةِ التي ملَّكَك اللهُ إياها ؟ ! فإنَّهُ شكا إليَّ أنك تُجيعُه وتُدْئِبُه " (17)

ط_سائر أمته: -الصبر ومخاطبة الناس قدر عقولها: كما صبر على جفاء الأعراب وطمعهم وحرصهم على المكاسب وتطاول بعضهم أحيانا، مع توضيح طبيعتهم تلك للأنصار ليتفهموها ولا يغضبوا منهم وفي الوقت ذاته يتواسون بتواجد الرسول بينهم، وثم حكمة بالغة في إدارة الأمر  ومراعاة الفروق النفسية والاجتماعية والإيمانية بين البشر.

-الرحمة: هو رحمة بالمؤمنين في حياته ومماته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: حياتي خير لكم: تحدثون ويحدَث لكم، ووفاتي خير لكم: تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم. (18) وهو رحمة للعالمين: "وما

---
(16) الراوي : جابر بن سمرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2277 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

(17) لراوي : عبدالله بن جعفر بن أبي طالب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم: 2269 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

(18) (حديث ضعّفه أهل العلم، ورواه البزار كما في كشف الأستار 1\397)

أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (19)

-الاهتمام بالجميع: كاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلّم بالفقراء من المؤمنين الذين تخلفوا عن الجهاد وهم محزونون من أجل هذا، وعدم انشغاله بحال المجاهدين فقط وهذا من لطف معاملاته وحرصه على الناس كافة، بل حدّث عنهم الصحابة: " أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ أقْوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وادِيًا إلَّا كانُوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وهُمْ بالمَدِينَةِ؟ قالَ: وهُمْ بالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ." (20)

-التواضع والتبسط: كان الرسول متواضعا متبسطا، لباسه لا يمتاز عن أهله وأصحابه فكان الداخل إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم لا يميزه عن أصحابه هيئةً ولا جلسةً  وكان يقول لأصحابه أنه مثلهم، وهو أرفع البشر: " يْنما رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمْشي مع أصحابِه، إذ أخَذَ رجُلٌ مِن أصحابِه ثوبًا فظلَّلَه، فكشَطَه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال: إنَّما أنا بشَرٌ مِثلُكم." (21)

-عدم حب مدح الذات: كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يحرص على سلامة القلب وتزكية النفس والتأكيد على بشريته كسائر البشر في معاملاته حتى أنه نهى الصحابة عن المبالغة في تعظيمه ونهى كذلك عن مدح الرجل في وجهه كي لا يناله العجب.

---

(19) سورة الأنبياء آية 107

(20) الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4423 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

(21) الراوي : عبدالله بن جبير | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة، الصفحة أو الرقم: 4/ 486 | خلاصة حكم المحدث : إسناده مرسل رجاله ثقات

ك-حديثو العهد بالإسلام: كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يشعر بهم ويقدم حاجة المحتاج منهم على حاجته الشخصية ويؤثر المستضعفين منهم على نفسه، كما عامل الرسول صلى الله عليه وسلّم أهل الصفة وكان يرسل لهم الصدقات ويتعهدهم بنفسه ويرشدهم ويواسيهم ويذكّرهم بالله ويشجّعهم على تحقير الدنيا في قلوبهم. (22)

---

وهكذا نرى كيف كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم سلسلة متضافرة من الإحسان الذي يسلّم إلى إحسان وكيف أن حسن خلقه كان عاملا مشتركا مشهودا له به في معاملاته كافة، فكان يعاون الإنسان ويرفق بالحيوان ويحافظ على أنعم الله، وينظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحربية وفق الدستور الإلهي الذي نزل به له الروح الأمين من رب العالمين، علّمنا كيف يكون الحياء شجاعًا، وكيف تكون الرحمة حاسمةً، وكيف تتزين الفطرة بعباءة الحكمة ويعتلي رأسَها تاجُ الفقه، حتى حقّ له أن يصف العظيمُ خلقَه بالعظمة وكفى بها شهادة ووصفا جامعًا: "وإنك لعلى خلق عظيم" (23).  صلى الله عليه وآله وسلّم ورزقنا حسن اتباعه ورزقنا به شفاعته.

---

(22) الحلية 1\375 ، أحمد: المسند 4\8، وأبو نعيم: الحلية 1\340،341، والسمهودي: وفاء الوفا 1\322

(23) سورة القلم – آية 4
---

  • السبت AM 07:37
    2022-12-03
  • 1860
Powered by: GateGold