ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الرَّدُّ على من طعن في زواج النَّبِيِّ ﷺ من عائشةَ ابْنَةِ الصِّدِّيق
أ. عبد المجيد فاضل
لقد طعن بعضُ الناس في زواج النَّبِيِّ ﷺ من عائشةَ ابْنَةِ الصِّدِّيق، ويُرَدُّ عليهم بما يأتي:
أوَّلًا- إنّ زواجَ النَّبِيِّ ﷺ من عائِشَةَ رضي الله عنها، تمَّ بِعِنايةِ اللَّهِ وحفظه منذ الخطوات المباركة الأولى، فلقد بدأ الأمْرُ برُؤيَةِ النَّبِيِّ ﷺ عائِشَةَ في المنام، فعنْ عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ لها: "أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ له: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُنْ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ". [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن الأثير (ت 606هـ): "فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَ لَهَا: رأيتُكِ يحْمِلُك المَلَك فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرير» أَيْ فِي قِطْعة مِنْ جَيِّد الْحَرِيرِ، وَجَمْعُهَا سَرَقٌ". [النهاية في غريب الحديث والأثر/ مادة (سَرَقَ)، ابن الأثير، المكتبة العلمية - بيروت، 1399هـ - 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، ج2 ص 362].
إنّ هذا الزواجَ المباركَ كان في علمِ الله تعالى، واللهُ تعالى كان يراقبُ نبِيَّه في جميع أمورِه مراقبةً تامّة، وأيُّ هفوَةِ يقعُ فيها يُنَبَّهُ عليها، ويُعاتَبُ بسبَبِها، فلقد عاتبه – مثلاً – على إعراضِه عن الأعمى الذي جاءه يطلبُ العلم، وعاتبه على تحريمِه ما أُحِلَّ له – كما رأينا سابقاً –، ولكنه تعالى لمْ يعاتبه على زواجه من عائشةَ لِصِغَر سنّها؛ فلو كان في زواجه مِنها عيْبٌ أو مَذَمَّة، لما سمح له به.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يجوز بعد ذلك لأحدٍ أنْ يعترض على زواجٍ سكتَ عنه القرآن الكريم؛ إذْ لا صوتَ يعلُو على حُكْم الله العلي الكبير.
ولا داعيَ أيضاً لمُحاولَةِ تبْرِئةِ النَّبِيِّ ﷺ من هذا الزواج، وإنكارِ ما صحَّ من الروايات التي وردَ فيه زواجه من عائشةَ وهي صغيرة، وإنكارِ أمرٍ لم يَقَعْ خلافٌ فيه بين المسلمين؛ إرضاءً لأعداء نَبِيِّ الْأُمَّةِ الإسلامية أو لِمُنكِري السُّنَّةِ النّبَوِيَّةِ. قال ابن كثير (774هـ): "قَوْلُه – أي: عُرْوَةَ –: «تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ»، مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وغيرِها". [البداية والنهاية، ابن كثير، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر: دار هجر، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م، ج4 ص327].
ثانياً- في بداية الوحي كانت خديجةُ – رضي الله عنها – هي الزوجةَ المناسبةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ؛ وتوضيحُ ذلك أنّ جبريل عليه السلام لمّا جاء بالوحي (فزع منه رسول الله ﷺ، فإنّه لم يعهده ولم يسمع به، وقد طالت الفترة، وعهدُ العرب بالنبوّة والأنبياء بعيد، وخاف على نفسه، ورجع إلى بيته ترتعد فرائصه، وقال: زمّلوني، زمّلوني، لقد خشيت على نفسي.
وسألت خديجة – رضي الله عنها – عن السّبب، فقصّ عليها القصّة، وكانت عاقلة فاضلة، سمعَتْ بالنبوّة والأنبياء والملائكة، وكانت تزور ابن عمّها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصّر، وقرأ الكتب، وسمع من أهل (التوراة) و (الإنجيل)، وكانت تنكر من أهل مكّة ما ينكره أهل الفطرة السليمة والأذهان المستقيمة.
وكانت مِن أعرَف الناس بأخلاق رسول الله ﷺ لمكانها منه، وعِشْرتها له، واطّلاعها على السرّ والعلانية، وقد رأت من أخلاق رسول الله ﷺ وشمائله ما يؤكّد أنّه الرّجلُ الموفَّقُ والمؤيَّدُ من الله، المصطفى من خَلْقِه، المَرضِيُّ في سيرته وسلوكه، وأنّ من كانت هذه أخلاقه وسيرته، لا يُخاف عليه لَمّةٌ من الشيطان، أو أن يكون به مسٌّ من الجنّ، وأنّ ذلك يتنافى مع ما عرفته من حكمة الله ورأفته في خلقه، فقالت في ثقة وإيمان وفي قوّة وتأكيد: "كلّا! والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
وقد قالت ذلك خديجة، اعتماداً على العقل السليم، والفطرة الصحيحة، وعلى تجاربها في الحياة، ومعرفتها للنّاس.
ولكنّ الأمر كان أعظم من هذا، وكان يحتاج إلى رجل له خبرة بالدّيانات وتاريخها، والنبوّات وسننها، ومعرفة بأهل الكتاب الذين عندهم أخبار الأنبياء وعلمهم.
فرأت أن تستعين في ذلك بابن عمّها العالم «ورقة بن نوفل» فانطلقت برسول الله ﷺ إليه...). [السيرة النبوية، علي أبو الحسن الندوي، دار ابن كثير – دمشق، الطبعة الثانية عشرة، 1425 هـ، ص181-183].
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: "مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ". [رواه أحمد، حديث رقم 24864، وقال محققو المسند: حديث صحيح/ انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2001 م، ج41 ص356].
وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: "وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ؛ فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالى". [السيرة النبوية، ابن هشام، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، ج1 ص224].
وبعدَ وفاةِ خديجة – رضي الله عنها –، التي قامت بدورها الكامل في تثْبِيتِ النَّبِيِّ ﷺ في تلك المرحلة الهامّة التي بدأ فيها الوحيُ، جاءت عائشة رضي الله عنها؛ لتقومَ بدورٍ آخر بعد وفاة رسول الله ﷺ، ألا وهو نشر مجموعة كبيرة من السُّنَّةِ النبوية التي أضاءتْ بها الساحة العلمية، فلقد بلغتْ – رضي الله عنها – مرتبة عالية في العلم بالسنة النبوية والفقه، جعلت أكابرَ الصحابةِ يرجعون إليها إذا الْتَبَسَتْ عليهم بعضُ المسائل، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا». [رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ].
وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُحْسِنُ الْفَرَائِضَ؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مَشْيَخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَسْأَلُونَهَا عَنِ الْفَرَائِضُ. [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وإِسْنَادُهُ حَسَنٌ/ انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين الهيثمي، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1414 هـ، 1994م، ج9 ص242].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: "كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ يَحْفَظْنَ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ كَثِيرًا وَلَا مِثْلًا لِعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ إِلَى أَنْ مَاتَتْ، يَرْحَمُهَا اللَّهُ، وَكَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عُمَرُ وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ يُرْسِلَانِ إِلَيْهَا فَيَسْأَلَانِهَا عَنِ السُّنَنِ". [الطبقات الكبرى، ابن سعد (ت 230هـ)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى، 1968 م، ج2 ص375].
إنّ اللهَ تعالى كان يعلمُ أنّ عائشةَ الصَّبيةَ لها مواهبُ وقُدراتٌ عاليةٌ في الحفظ والفهم، وعلم أنها تصلحُ أن تكون من أفضل الورثة لِلنَّبِيِّ ﷺ، التي ترثُ العلم النّبَوي، فقدَّر لها أن تكون زوجةً لرسوله ﷺ رغم صِغَر سنّها.
إنّ مكانةَ الإنسان عند الله لا تُقاسُ بالسِّنِّ، وإنَّما تُقاسُ بما يعلمه الله في قلوب عباده قبل أن يخلقَهم؛ إنّ يَحْيَى عليه السلام أعطاه الله العلم والفهم والحكم وهو صبِيٌّ، قالَ تعالى: {یَـٰیَحۡیَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَـٰبَ بِقُوَّةࣲۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِیࣰّا. وَحَنَانࣰا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةࣰۖ وَكَانَ تَقِیࣰّا} [مريم: 12-13].
-
الخميس PM 03:36
2022-10-20 - 1913