ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
أسطورة عصافير داروين
عندما كان داروين في جزر جالاباغوس تمكن من جمع تسعة من الأنواع التي تحمل اسمه اليوم -من أصل ثلاثة عشر نوعا-، ثم صنَّف ستَّةً فقط منهم كعصافير Finches. فَشلَ داروين في ملاحظة أيِّ تغيُّر في نوع الطعام الذي تتناوله هذه العصافير باستثناء نوعين، وحتى في هذين النوعين فشلَ في أنْ يجدَ أيةَ علاقةٍ بين نوع الغذاء وشكل المنقار. لم يكنْ داروين مكترثًا بهذه العصافير لدرجة أنَّه لم يَبذُلْ أيَّ مجهودٍ خلال مكثه على الجزيرة ليقسمها حسب الجزر مثلًا.
بعد أنْ عادتْ رحلةُ بيجل إلى بريطانيا بدأَ عالم الطيور جون جولد في تصنيفها على حسب علاقتها الجغرافية، وبدا أنَّ معظم معلومات داروين حولها كانت خطأ، أو غيرَ دقيقة؛ فثمانيةٌ من أصل خمس عشرة عينة محلية من التي سجلها داروين كانت موضع شك إلى درجة كبيرة وكانت معظم هذه العينات بحاجة لتصحيح من خلال النظر في المجموعات المصنفة التي أعدها زملاء داروين في رحلته البحرية. بناءً على ما تقدم ومن وجهة نظر المؤرخ العلمي فرانك سولواي: "فإنَّ داروين امتلك تصوُّراتٍ محدودةً وخاطئة إلى حدٍّ كبيرٍ حول عادات تناول الطعام والتوزيع الجغرافي لهذه الطيور". وبخصوص الادِّعاء بأنَّ عصافيرَ هذه الجزر استهوت داروين أو أثَّرتْ عليه ليعتبرَها دليلًا على التطور كتب: "إنَّ هذا بعيدٌ جدًّا عن الحقيقة".
في الحقيقة لم يصبحْ داروين تطوريًّا إلَّا بعد أشهر من عودته إلى بريطانيا؛ حيث بدأ بعد سنوات عدة من عودته يَنظُرُ من جديد إلى تلك العصافير محاولًا فهمَها في ضوء نظريته الجديدة، وكتب في الطبعة الثانية عام 1845م من مجلته المسمَّاة (الباحثون): "إنَّ الحقيقة الأكثرَ إثارةً لفضولي هي التدرجُ التامُّ الدقيقُ في أحجام المناقير الخاصة بهذه الأنواع المختلفة من العصافير. فعند رؤية هذا التَّدَرُّج والتنوعِ في بنية مجموعة صغيرة مترابطة من الطيور أتَخَيَّلُ أنَّ هذه الأنواع المختلفة خرجت من مجموعةٍ أصلية صغيرة جدًّا من الطيور وصلت إلى هذا الأرخبيل؛ إنَّه نوعٌ واحد، انتقل وتَكيَّفَ حتى وصل بنا إلى نهاياتٍ مختلفة".
لكنّ هذه لم تكنْ سوى أفكارٍ تالية لآماله، وليست شيئًا مستنتجًا من دليل قام بجمعه بالفعل. إنَّ الارتباك المحيط بالتصنيف الجغرافي للعينات التي جمعها داروين جعلت من المستحيل عليه أنْ يستخدمَها كدليل على نظريته، كما أنَّ داروين لم تكنْ لديه فكرةٌ واضحةٌ حولَ (كيف كان هذا الأصل؟)، ونحن اليوم نعرف أنَّ هذه الأنواعَ الثلاثة عشر تشبه بعضها جدًّا أكثرَ مما تشبه أيَّ طائرٍ آخرَ في أمريكا الوسطى أو الجنوبية، مما يجعلنا نقترح أنَّها انحدرت من أصلٍ مشتركٍ قد استعمر هذه الجزر في الماضي السحيق.
لكن داروين لم يَزُرْ الساحلَ الغربيَّ لأمريكا الجنوبية شمال مدينة ليما في البيرو؛ لذا فإنَّ كلَّ ما عرفه عن هذه لعصافير كان مطابقًا للأنواع التي كانت ما تَزالُ تعيش على اليابسة.
لم ترتقِ هذه العصافيرُ إلى هذه الشهرة الحالية إلَّا بعد ظهور الداروينية الحديثة في عقد الثلاثينيات 1930م، وأوَّلَ مرةٍ يُطلَقُ عليها اسم (عصافير داروين) كانت بواسطة بيرسي لوي عام 1936م، إلَّا أنَّ شهْرَةَ الاسم لم تنتشر إلا بعْد ذلك بعقد من الزمن على يد عالم الطيور (ديفيد لاك).
ففي كتابه الذي صدر عام 1947م صرَّح لاك بأنَّ عصافيرَ داروين تُوضِّحُ لنا الدليلَ الرابطَ بين تنوع شكل المناقير بتنوع مصادر الغذاء، ثم حاول أن يبرهنَ بأنَّ هذه المناقيرَ ما هي إلَّا تكيفات سببها الانتقاء الطبيعي. وبعبارة أخرى فقد كان لاك -وليس داروين- هو من أعطى لهذه العصافير تلك الشهرة الواسعة كدليل على نظرية التطور، كما أنَّ لاك -وأكثر من أي شخص آخر- هو من أذاع بأنَّ لهذه العصافير الفضلَ الأكبرَ في تشكيل أفكار داروين.
عصافير داروين كأيقونة من أيقونات التطور
عندما رفع لاك من درجة هذه العصافير بحيثُ أصبحت أيقونة للتطور، ازدادت مساهمة داروين الهزيلة في معرفتنا كلما أُعيدَت هذه القصة علينا، لدرجة أنَّنا تخيلنا أنَّها من إنتاج داروين. فوفقًا لما صرَّح به (سولواي): "فإنَّ داروين حَظِيَ بشهرة واسعةٍ بعد عام 1947م من أجل عصافيرَ لم يرَها ومن أجل ملاحظاتٍ لم يصنعْها أبدًا". وبلغت الأسطورة أكبر حجم لها بادِّعاءُ أنَّ داروين قد جمع أنواعًا وراقب صفاتها السلوكية مثل عادة الحفر عند طائر نقار الخشب، والذي لم يَكُنْ أصلًا قد اُكْتُشِفَ أيام داروين، ومن ثم تحوَّلت الحجارة إلى مقدَّسات! وبالرغم من أنَّ سولواي قد دمَّرَ هذه الأسطورةَ منذُ عشرينَ سنة مضتْ فإنَّ الكثيرَ من كتب البيولوجيا الحديثة لاتزال تدَّعي أنَّ عصافير جزر الجالاباغوس قد ألهمت داروين بفكرة التطور مثل كتاب (العلم البيولوجي Biological Science) لصاحبيه (جولد وكيتون 1996م) الذي يُخبِرُ الطلابَ أنَّ العصافيرَ لعبت دورًا رئيسيًّا في توجيه داروين لصياغة نظريته حول التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي. وبناءً على كتاب البيولوجيا الذي كتبه (رافين وجونسون) عام 1999م "فإن التقارب بين مناقير هذه الأنواع الثلاثة عشر ومصادر الغذاء الخاصة بها اقترح فورًا على داروين أنَّ التطور وراء ذلك".
وكذلك كتاب جورج جونسون عالم الأحياء (البيولوجيا: تصوير الحياة Biology: Visualizing Life) والصادر عام 1998م أصرَّ فيه على أنَّ داروين أرجع الاختلافات في حجم مناقير هذه العصافير وطريقة تناولها الطعام إلى التطور الذي حدثَ بعد هجرة أسلافها إلى جزر الجالاباغوس، وهذا الكتاب يخبر الطلابَ أنَّ يتخيلوا أنفسهم مكان داروين ويكتبوا صفحات مجلة علمية مثل التي كتبها داروين واصفًا ما رآه.
فوق أنّه من المستبعد جدًّا مشاركة داروين تلك، فإنَّ وجودَ كلمة داروين في اسم (عصافير داروين) هو أسطورةٌ لم تظهرْ إلَّا بعد قرن من موته؛ عندما بدأوا يفترضونها كأيقونة للتطور. على أيِّة حال إنْ كانت هذه العصافيرُ دليلًا جيّدًا على نظرية داروين لربما تستحق هذه المكانة الأيقونية حقًا.
دليل على التطور!
لو كانت نظريةُ داروين صحيحةً فإنَّ من المفترض أن تكون أصولُ هذه العصافير التي استعمرت جزر الجالاباغوس في الماضي البعيد قد تَوزَّعت على جزرٍ مختلفة حيث تعرَّضت لظروفٍ بيئية مختلفة، ومن المُحتَملِ أنَّ هذه الطيور في الجزر المختلفة قد واجهت تغيُّراتٍ في إمدادات ونوعية الطعام الذي تتغذي عليه مؤدية إلى انتقاء طبيعي في مناقيرها التي تتناول بها الطعام. نظريًّا فإنَّ هذه العمليةَ ربما سمحت عبر الزمن بحدوث اختلافات في مناقيرها تجعلنا الآن نستطيع تمييز ثلاثة عشر نوعًا منها.
هذا السيناريو معقول جدًّا، لكن الدليلَ الذي اعتمد عليه (لاك) من أجل هذا السيناريو غير مباشر، فالاختلافات في مناقير هذه العصافير مرتبطة باختلاف أنواع الطعام، وتَوزّع الطيور في جزر مختلفة –رغم أنَّه ليس صحيحًا أنَّ كل جزيرة كان لها النوعُ الخاص بها–. يبدو هذا النموذج لائقًا ومناسبًا لنظرية داروين، لكن ربما كان موقفه سيكون أكثرَ قوةً لو وجدت بعض الأدلة المباشرة على هذه العملية.
من هذه الأدلة المباشرة الدليلُ الجيني، ولكن بعيدًا عن معرفة أنَّ مناقيرَ هذه العصافير موروثة بقوة "مناقيرُ هذه العصافير تبدو شبيهة جدًّا بمناقير آبائها البيولوجيين"، فنحن لا نعرفُ شيئًا بخصوص وراثة هذه المناقير، كما لم تُظهرْ دراساتُ الصبْغِيَّات اختلافًا بين الأنواع المختلفة من تلك العصافير، وكذلك كانت الدراسات التي أجريت على الدنا لتحديد تطور السلالات الجزيئي Molecular Phylogeny فقد اعتمدت على جينات لا تَمُتُّ بصلة لأشكال المناقير.
هناك نوع آخر من الأدلة المباشرة هو ملاحظة الانتقاء الطبيعي في البراري، وقد زودنا بهذا الدليل الزوجان (بيتر وروزماري جرانت) والَّذين ذهبا إلى جزر الجالاباغوس في السبعينيات لملاحظة آلية عمل التطور.
مناقير العصافير
قام الزوجان العالمان بأول رحلة لهما في جزر الجالاباغوس عام 1973م، وبمساعدة بيولوجيين آخرين بدءا باصطياد وتجميع العصافير من سبعة من هذه الجزر، كلُّ عصفور يتمُّ قياسُ وزنه وطول جناحيه ورجليه وأصابعه وطول واتساع وعمق منقاره. كانت هناك تنوعات واختلافات بين هذه العصافير في كل هذه الصفات، وبصفةٍ خاصة المناقير.
في عام 1975م ركَّزَ هؤلاء العلماءُ انتباهَهُم على واحدة من الجزر الصغيرة هي جزيرة (دافني الكبرى). مساحتها الصغيرة جعلت منها مختبرًا طبيعيًّا نموذجيًّا، حيث يستطيعون اصطياد الطيور وربْطِها بأشرطةٍ وقياسِ أفراد نوعٍ معين فيها، وهو العصافير التي تعيش في الأراضي المتوسطة (شكل 8–1 K)، وكذلك سجَّلوا التزاوج، وربطوا وقاسوا الأجيال الجديدة –الذرية أو الأبناء–، وتتبعوا سقوط الأمطار وعدد البذور التي تنتجها الأنواع النباتية في الجزيرة.
في أوائل السبعينات تعرضت جزيرة دافني الكبرى لأمطار معتدلة أدَّتْ لزيادة الطعام –النباتات وغيرها– مما نجم عنه زيادة في أعداد هذه العصافير بشكلٍ كبير. في المواسم الطبيعية من الأمطار –كالذي كان عام 1976م– تتعرض الجزيرة لخمسة إنْشاتٍ من الأمطار، لكن في عام 1977م هَطَلَ إنشٌ واحدٌ من المطر فقط، مما نتج عنه جفاف سبب نقصًا حاد في وفرة البذور، وكذلك في أعداد العصافير، خاصة تلك التي تعيش في الأراضي متوسطة الارتفاع، حيث نقص العدد إلى حوالي 15% من عددها السابق.
ثم لاحظ العلماءُ أنَّ من نجا من تلك العصافير من الجفاف يَميلُ لامتلاك أجسام كبيرة نوعًا ما ومناقيرَ أكبر، كما لاحظوا أيضًا أنَّ الإمداد بالبذور الصغيرة قد نقص بشكل ملحوظ هذا العام، فاستنتجوا من ذلك أنَّ الانتقاء الطبيعيَّ تمكَّنَ وبقوة من تفضيل تلك الطيور التي تَقْدِرُ على كسر البذور الكبيرة القاسية التي تبقت.
نتيجة للجفاف ازداد متوسطُ عمق المناقير وخاصة للعصافير التي تعيش في الأراضي المتوسطة بحوالي 5% من عمقه السابق –عمق المنقار هو المسافة بين قمة وأسفل المنقار عند قاعدته–، وهذا يساوي زيادةً مقدارُها نصفُ مليمتر –يعني سُمْك ظفر الإبْهام عند البشر–، قد لا يبدو هذا كبيرًا بالنسبة لنا، لكن بالنسبة للعصافير التي على جزيرة دافني الكبرى عام 1977م كان هذا يعني مسألةَ حياةٍ أو موت. كان هذا مثالًا مثيرًا للانتقاء الطبيعي في البرية. وقد سردت قصة هذين الزوجين والعلماء الذين كانوا معهم في كتاب (مناقير العصافير) لصاحبه جوناثان فينير المنشور عام 1994م، والذي سَمَّى التغيُّر الملحوظ في عمق المنقار بأنه: "البرهانُ الأفضلُ والأكثرُ وضوحًا حتى هذه اللحظة على قوة العملية التي اكتشفها داروين" يَقْصِدُ الانتقاء الطبيعي والتطور. ولهذا السبب فإنَّ هذه المناقير بالنسبة لــ(فينير) تُعَدُّ أيقونةً من أيقونات التطور.
أدرك الزوجان أيضًا ومن معهم من العلماء في ذلك الوقت أنه ربما تذبذب الانتقاء الطبيعي بين سنين جافة وأخرى رطبة ممطرة، صانعًا مناقير أطول عامًا ومناقير أقصر في العام التالي، لكن ماذا لو كان عمقُ المناقير مستمرًا في الزيادة؟ لربما حدث أمرٌ ممتعٌ ومثيرٌ في نفس الوقت.
إنَّ الاختلافَ في المناقير هو العاملُ الأساسيُّ المميزُ بين الأنواع المختلفة من عصافير داروين، وبناءً عليه اَقتَرَحَ الزوجان التفسيرَ التالي: إنْ كان الانتقاء الطبيعي قادر على إنتاج تغيرات في المناقير فربما يُفَسِّرُ لنا أيضًا أصلَ هذه الأنواع من العصافير. قدَّم بيتر جرانت في مجلة (Scientific American) للعام 1991م الشرحَ اللازمَ لكيفية حدوث هذا الأمر ولو نظريًّا على الأقل وذلك من خلال تسمية الزيادة في عمق المنقار أثناء الجفاف الشديد بــ (حادثة الانتقاء)، أعطى جرانت تقديرًا لعدد الحوادث المطلوبة لتغيير فصيلة من النوع الذي يعيش في الأراضي المتوسطة إلى نوع آخر بأنَّه عددٌ صغيرٌ بشكلٍ يُثيرُ الدهشة؛ حوالي 20 حدث انتقائي فقط كافٍ لإحداث مثل هذا التغير. إنَّ الانتقاءات المتتالية الموجهة بهذا المعدل، مع الأخذ في الاعتبار عدم حدوث انتقاء في فترة أخرى بين مواسم الجفاف، ستستغرق –في المتوسط– حوالي 200 عام لتحويل نوع إلى نوع آخر، وحتى لو افترضْنا أنَّ هذا العدد عشرةُ أضعاف الرقم المطروح أي حوالي 2000 عام لتكوين أنواع جديدة، فإنَّ هذا الوقت يعد صغيرًا جدًّا عند مقارنته بمئات آلاف السنين التي مرَّتْ بعد وصول العصافير لجزر الغالاباغوس هذه.
من الجدير بالذكر أنَّ استقراء جرانت اعتمد على فرضية أنَّ الزيادةَ في عمق المناقير تراكميةٌ من جفاف لآخر، لكن جرانت وزملاءهم علموا أنَّ القضية ليست كذلك.
عندما تعود الأمطار
من المعروف عند الشعوب التي تعيشُ على الساحل الغربي لأمريكا الشمالية والجنوبية أنَّهم يتوقعون حصول ظاهرة إلنينو El NINO كلّ عدة سنوات، وهي تغيُّر في نمط طقس الشتاء يسببه هواء دافئ غيرُ معتادٍ يمُرُّ عبر المحيط الهادي. في شتاء عام 1982م – 1983م تسبب إلنينو بقدوم أمطار غزيرة إلى جزر الغالاباغوس عشر مراتٍ أكثرَ من المعدل الطبيعي، وخمسين مرةً أكثرَ مما سقط أوقات الجفاف، تدمرت حياة النباتات وكذلك قلَّتْ أعدادُ العصافير جدًّا، وبعد انقضاء إلنينو عام 1983م عاد الغذاء ليتوفر من جديد وعاد متوسط حجم المناقير للعصافير التي تَعيشُ في الأراضي المتوسطة إلى حجمه السابق قبل الجفاف.
في عام 1987م كتب بيتر جرانت وتلميذُه المتخرج من الجامعة (ليزلي جيبس) في مجلة Nature أنَّهما لاحظا انعكاس اتجاه الانتقاء الطبيعي بسبب التغير في المناخ، وقالا: "إنَّ البالغين أصحاب الحجوم الكبيرة مفضلة عندما يَقلُّ الغذاء لأنَّ الإمدادَ من البذور الصغيرة الناعمة يَنفَذُ سريعًا، وفقط تلك الطيور صاحبة المناقير الكبيرة هي التي تستطيع كسر وفتح البذور الكبيرة والقاسية، وعلى النقيض فأنَّ الطيورَ صاحبة المناقير الصغيرة مفضلة في الظروف الرطبة، ربما بسبب توفر الغذاء، فالرطوبة جعلت البذور الصغيرة الناعمة منتشرة بشكل أكثر من غيرها".
لذا فإنَّ التغيُّرَ التطوريَّ الذي لاحظه الزوجان جرانت وزملاؤهما أثناء الجفاف عام 1977م قد انعكس من جديد بسبب الأمطار الغزيرة التي هبطت عام 1983م. وكما كتب فينير: "الانتقاء إذًا قد انقلب"، وكذلك كتب بيتر جرانت عام 1991م: "فالطيور اتخذت خطوةً عملاقةً للعودة للوراء، بعد خطوتها العملاقة للأمام، فالأعداد المعرضة للانتقاء الطبيعي تتذبذب ذهابًا وإيابًا مع كل تغيُّرٍ في المناخ". لكن وعلى الرغم من ذلك فإنَّ الانتقاء المتذبذبَ لا يستطيع إنتاجَ أي تغيير صاف نقي في عصافير داروين مهما طالت مدته.
بعض أنواع النزعات طويلة الأمد يجب أن تتراكب فوق بعضها البعض مسببةً تذبذبًا يتقدم حينًا ويتأخر إلى أنْ يحصلَ التغيير الدائم، لكن ليس هذا ما شهد عليه الزوجان وزملاؤهما. من الممكن لهذه النزعة في الحقيقة أنْ تستغرقَ أكثرَ بكثير من عقد أو اثنين لقياسها لو كانت موجودة. سيتغير المناخ في جزر جالاباغوس بالتأكيد في المستقبل وسيغير هذه الأنماط التي تشكلت، لكن كل هذه –النزعات غير المرئية والتغيرات المستقبلية– ستبقى في إطار التوقعات، وتبقى احتمالية نظرية فقط؛ وهي أنَّ الأنواع المختلفة من عصافير جالاباغوس قد نشأت عن طريق الانتقاء الطبيعي.
لم تقدمْ ملاحظاتُ الزوجين جرانت وزملائهما دليلًا مباشرًا على ذلك، بل اكتشفوا في مسار عملهم أنَّ عدة أنواع من عصافير داروين تندمج مع بعضها أكثر من كونها تتفرع وتتنوع.
الانقسام أم الاندماج
إنَّ من متطلبات نظرية داروين انقسامَ النوع الواحد إلى نوعين؛ لذا فالنقيض لها هو اندماجُ نوعين مختلفين بالتهجين لينتجا نوعًا واحدا (الشكل 8–4). إنَّ هذا النقيض –الاندماج– يَحدثُ الآن لأنواع متعددة من عصافير داروين، حيث لوحظ أنَّ نصف أنواع عصافير داروين على الأقل، والموجودة في جزر جالاباغوس، تقوم بالتهجين رغم ندرة حصوله.
لاحظ الزوجان جرانت وزملاؤهما أيضًا في السنين التي تلت إلنينو عام 1983م أنَّ عدَّةّ أنواع من العصافير على جزيرة واحدة تتزاوج لتنتج هجائن تنجح في البقاء على قيد الحياة وتتكاثر وتنتج أجيالًا ناجحة. تُمارِسُ هذه الهجائن الحياة بصورةٍ أفضل من أبويها الذين أنْتجاها في الحقيقة، حيثُ لاحظَ الزوجان جرانت: "أنَّ هذه العمليةَ إنْ لم تُمنعْ قد تُؤدِّي لاندماج الأنواع لتصبح نوعًا واحدًا"، وهذا لا يحدث بين عشية وضحاها، فعند استقراء معدلات التهجين الملاحظة قدر الزوجان جرانت أنَّ ذلك قد يستغرقُ مئةً إلى مئتي عام لنوعين كي يندمجا تمامًا. وعلى هذا، فلو استدللنا من العمليات الملحوظة في الحاضر فإنَّنا سنحصل على تنبؤين متناقضين:
– الانتقاء الطبيعي غير المقيد للمناقير الكبيرة سينتج لنا أنواعًا جديدةً في مدة من 200 إلى 2000 عام.
– التهجين الطبيعي غير المقيد يمكن أنْ ينتجَ لنا اندماج هذه الأنواع ضمن مدة تتراوح من مئة إلى مئتي عام.
بوضوح الشمس نلاحظُ أنَّ النزعة للاندماج تعدل وتكافئ تأثيرَ النزعة للانفصال، وسوف يقوم المناخ المتذبذب لجزر الجالاباغوس بإبقاء هذا التوازن قائمًا إلى ما لا نهاية، ولذا استنتج جرانت أنَّه يجب أنْ يكون هناك توازنٌ بين الانتقاء والتهجين على المدى البعيد. ووفْقًا لـ(فينير): "فإنَّ بندولَ الساعة الخفي يتأرجح بشكلٍ كبير جيئة وذهابًا في جزر داروين متذبذبًا بين هاتين المرحلتين اللتين تُجْبَرُ العصافيرُ فيهما دومًا على السير للأمام قليلًا، ثم تنجرف معًا للخلف من جديد". لذا لن تندمج عصافير داروين ولن تنفصل بل ستتذبذب ذهابًا وإيابًا. ونظرًا لنجاحها في عملية التهجين فلا بد لنا أن ْنطرح سؤالًا: هل هذه العصافير أنواعٌ مختلفة أم أنَّها نوعٌ واحد؟
أربعة عشر نوعًا.. أم ستة أنواع!
يبدو أنَّ معظمَ هذه الأنواع الأربعة عشر من عصافير داروين، أو على الأقل ثلاثة عشر منها والتي تعيش على جزر جالاباغوس، ما تَزالُ منفصلة بسبب سلوك التزاوج لديها بشكلٍ أساسي. ولكن الدليلَ يقترحُ أنَّ هذه الطيور تختار أزواجها بناء على شكل المنقار ونمط الأنغام. إنَّ شكلَ المنقار صفةٌ وراثيَّةٌ، بينما تتعلم الطيور الصغيرة نمط النغمات من آبائها. لكن ما هو متوقعٌ لحالة التنوع الصحيح يجب أنْ يكونَ أكثرَ انفصالًا وتميزًا من مجرد شكل منقار أو حتى نغمة صوت؛ حيث نلاحظ لدى البشر توارثَ الأعراق بينما تُنقل اللغات بالتعلم –تمامًا كالعصافير–، لكن لا ريب أنَّهم نوعٌ واحدٌ حتى لو كانت مثل هذه الاختلافات تجعل التزاوج بينهم أمرًا غير شائع.
مما كتبه الزوجان جرانت في مجلة (Science) عام 1992م: "إنَّ الهجائن بين العديد من أنواع داروين عالية اللياقة، وهذا ما يستدعي سؤالًا حول تصنيفها كأنواع منفصلة". اعترف بيتر جرانت في السنة التالية بأنَّنا إنْ عرّفنا النوع بطريقة حاسمة على أنَّه عدم القدرة على التزاوج إلا مع أبناء النوع فإننا سنحصل على نوعين فقط من عصافير داروين على جزيرة دافني بدلًا من أربع. ويتابع غرانت قائلًا: "إن مجموعات عصافير داروين الأرضية الثلاثة على جزيرة جينوفيزا ستصبح نوعًا واحدًا بنفس الأسلوب. وفي المحصلة سيصبح لدينا ستة أنواعٍ فقط من عصافير داروين بدلًا من أربعة عشر نوعًا، كما تشير دراسات أخرى إلى إمكانية خفض هذا العدد إلى أكثر من ذلك".
بعبارة أخرى فإنَّ عصافيرَ داروين قد لا تكون أربعةَ عشر نوعًا منفصلًا، وربما هم في طريقهم ليصبحوا كذلك، لكن عندها سندرك أنَّ ميلَهُم للانقسام عبر الانتقاء الطبيعي أقوى من قدرتهم على الاندماج عبر التهجين، وهذا ما لا يظهره الدليل. قد نكون اعتدنا على اعتبار عصافير جالاباغوس أنواعًا منفصلة، لكنها الآن في طريقها ليقل تنوعها، الأمر الذي سيكون مخالفًا للتطور الدارويني؛ والذي يتنبأ بانفصال النوع الواحد إلى أنواع.
إنَّ زيادةَ متوسط حجم المناقير في أنواع متعددة من عصافير جالاباغوس بعد الجفاف الحاد وعودتها إلى طبيعتها بعد انتهاء الجفاف يُعَدُّ دليلًا مباشرًا على الانتقاء الطبيعي في البرية. ضمن هذا الفهم المحدود فقط يمكن أنْ تقدمَ هذه العصافيرُ دليلًا على نظرية داروين، وعلى الرغم من افتقاد طيور داروين للكثير من الأسس المطلوبة لكي تكون مثالًا على التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي إلَّا أنَّ هذا لم يمنعْ أيَّ شخص من مناصري التطور من توظيف هذا الدليل على أي حال. إنَّ هذا لن يتحققَ دون المبالغة في الدليل.
المبالغة في الدليل
يعود الفضل لسنين البحث التي قضاها الزوجان جرانت وزملاؤهما، والتي جعلتنا نعرف الكثير عن الانتقاء الطبيعي وعن طرق التزاوج بين عصافير داروين، والدليل المتاح واضح:
أولا: يتذبذبُ الانتقاء الطبيعيُّ بناءً على التذبذبات المناخية، ولا يؤدي لتغيرات تطورية بعيدة المدى.
ثانيا: الهجائن عالية الكفاءة تعني أنَّ الأنواعَ المختلفةَ من عصافير جالاباغوس ربما في طريقها للاندماج لا الانقسام.
إنَّ العملَ المتميزَ والذي قام به الزوج جرانت زوَّدنا بإثبات للانتقاء الطبيعي في البرية أفضل بكثير من عث كتلويل المنقط. ولو وقف عمل جرانت عند هذا الحدِّ لاعتبر مثالًا للعمل العلمي الحقيقي. إلا أنَّهما ومن خلال عملهما أرادا إعطاء الكثير من النتائج التي تتجاوز الدليل الذي حصلا عليه. ففي المقالات المنشورة عام 1996م و1998م أوضح الزوج جرانت أنَّ النظرية الداروينية تُناسِبُ الحقائق التي يظهرها تطور عصافير داروين في جزر جالاباغوس وأنَّ القوة المحركة كانت الانتقاء الطبيعي.
رَدَّدَ هذا الادِّعاء مارك ريدلي في كتابه الجامعي (التطور Evolution) الصادر عام 1996م، حيث استقرأ ريدلي –مثلما فعل الزوج جرانت، من خلال الزيادة في حجم المناقير بعد جفاف عام 1977م– بالوقت الذي يستغرقه إنتاج أنواع جديدة قائلًا: "إنَّ هذا يوضح لنا كيف يمكن أنْ نستنتج من عملية الانتقاء الطبيعي في النوع الواحد تفسير التنوع في العصافير من سلف مشترك واحد". ثم لخص ريدلي قائلًا: "حجة من هذا النوع شائعة في نظرية التطور".
لكن حجة من هذا النوع ناتجة عن تضخيم للحقائق، وهذه المبالغات تبدو صفةً أساسيةً في الكثير من الدعاوى حول نظرية التطور؛ فقد كان الادّعاء بأن التغير في العث المنقط دليلٌ على الانتقاء الطبيعي رغم أنَّ العاملَ الانتقائيَّ لم يكنْ ظاهرًا، وبالمثل كان الادِّعاءَ على تذبذب الانتقاء الطبيعي دليلًا بالنسبة للتطوريين على النشأة الأولى لهذه العصافير! وكما يبدو فإنَّ بعض الداروينيين عرضة لاستنتاج دعاوى ضخمة بناء على أدلة هزيلة.
فهل تؤيد الأكاديمية الوطنية للعلوم الاستنتاجات المبنية على تضخيم الأدلَّة بهذا الشكل؟ صدر كتيب الأكاديمية عام 1999م وفيه وصف عصافير داروين بأنها "المثال الحاسم بامتياز" على أصل الأنواع، ثم استمر الكتيب في شرحه بأنَّ الزوج جرانت وزملاءهما أظهروا أنَّ سنةً واحدةً من الجفاف في الجزر يمكن أنْ تؤدي إلى تغيرات تطورية في العصافير لدرجه أنه لو حدث الجفاف مرة كل عشر سنوات على الجزيرة سيظهر لنا نوع جديد خلال مئتي عام فقط.
أهذا كل شيء! بدلًا من إرباك القارئ بذكر انعكاس الانتقاء الطبيعي بعد انتهاء موسم الجفاف منتجًا تغيرات تطورية ليست بعيدة المدى، قرر الكتيب بكل بساطة إغفال الحقيقة المحرجة. مثل الذي يروج لبيع الأسهم في البورصة وينادي بأعلى صوته مُدَّعيًا أنَّ سهمًا معينًا سوف يتضاعف خلال عشرين عام لأنَّه ازداد 5% في عام 1998م، ولكنه لم يَذْكُرْ أنَّه نقص 5% في العام التالي 1999م؛ ومن ثم فهذا الكتاب يخدع الجمهور بإخفاء جزء هام وحاسم من الدليل. وليس هذا هو البحث عن الحقيقة، وهذا ما يجعلني أتساءل عن وجود أدلة حقيقة على نظرية داروين أصلًا بدلًا من ذلك الخداع، وكما قال أستاذ القانون في جامعة بركلي والناقد لنظرية داروين (فيليب جونسون) في مقال له في مجلة (وول ستريت) عام 1999م: "عندما يضطر علماؤنا الأجلاء إلى اللجوء لهذا النوع من التشويه والتحريف للأدلة، والذي لا يفضي بمروجي أسهم البورصة إلَّا في السجن، حينها تعرف كم هم في ورطة".
المراجع:
Sulloway's quotations ate from Frank J. Sulloway, "Darwin and His Finches: The Evolution of a Legend," Journal of the History of Biology 15 (1982), pp. 1-53; Sulloway, "Darwin and the Galapagos," Biological Journal of the Linnean Society 21 (1984), pp. 29-59. See also Sulloway, "Darwin's Conversion: The Beagle Voyage and Its Aftermath,"Journal of the History of Biology 15 (1982), pp. 325-396; and Sulloway, "The legend of Darwin's finches," letter to Nature 303 (1983), p. 372.
The first edition of Darwin's journal mentions that "in the thirteen species of ground-finches, a nearly perfect gradation may be traced, from a beak extraordinarily thick, to one so fine, that it may be compared to that of a warbler. I very much suspect, that certain members of the series are confined to different islands; therefore, if the collection had been made on any one island, it would not have presented so perfect a gradation." Charles Darwin, Journal of Researches into the Geology and Natural History of the various countries visited by H. M. S. Beagle, (1839), Facsimile Reprint of the First Edition (New York: Hafner Publishing, 1952), p.475. The fact that Darwin referred to "thirteen" species, the number currently recognized, is mere coincidence; his thirteen "species" are not the modern thirteen. The expanded quotation from the second edition of the journal is from Charles Darwin, Journal of Researches into the Natural History and Geology of the Countries Visited during the Voyage of H. M. S. Beagle Round the World, under the Command of Capt. Fitz-Roy, R. N, Second Edition (London: John Murray, 1845), p.380.
The finches were first called "Darwin's" in Percy Lowe, "The Finches of the Galapagos in relation to Darwin's Conception of Species," Ibis 6 (1936), pp. 310-321. The name was popularized by David Lack, Darwin's Finches (Cambridge: Cambridge University Press, 1947).
عصافير داروين كأيقونة من أيقونات التطور
Sulloway's quotations are from Frank J. Sulloway; "Darwin and His Finches: The Evolution of a Legend," Journal of the History of Biology 15 (1982), pp. I-53.
Textbook selections are from James L. Gould and William T. Keeton, Biological Science, Sixth Edition (New York: W. W. Norton, 1996), p. 500; Peter H. Raven and George B. Johnson, Biology, Fifth Edition (Boston: WCB/McGraw-Hill, 1999), p. 410; George B. Johnson, Biology: Visualizing Life, Annotated Teacher's Edition (Orlando, FL: Holt, Rinehart & Winston, 1998), p. 174.
دليل على التطور!
On the genetics of finch beaks: There have been several studies on the heritability of beaks, meaning the likelihood that offspring will closely resemble their parents in this trait. Heritability of beak depth in Geospiza firth, the species most intensely studied by the Grants, is about 80 percent. Although this may point to a strong genetic (Le., DNA-encoded) component, it does not identify which genes might be involved. See Peter T. Boag, "The Heritability of External Morphology in Darwin's Ground Finches (Ceospiza) on Isla Daphne Major, Galipagos," Evolution 37 (1983), pp. 877-894; Peter R. Grant, Ecology and Evolution of Darwin's Finches (Princeton: Princeton University Press, 1986), pp. 180-182; Peter T. Boag and Arie J. van Noordwijk, "Quantitative Genetics," pp. 45-78 in E Cooke and P. A. Buckley (editors), Avian Genetics: A Population and Ecological Approach (London: Academic Press, 1987).
A 1984 genetic study of Darwin's finches found little or no genetic difference among several species; see James L. Patton, "Genetical processes in the Galapagos;' Biological Journal of the Lin-near' Society 21 (1984), pp. 91-111. A 1984 study which did not identify any genes involved in determining beak morphology was T. D. Price, P. R. Grant, and P. T. Boag, "Genetic Changes in the Morphological Differentiation of Darwin's Ground Finches," pp. 49-66 in K. Wolsrrnann and V. Loeschcke (editors), Population Biology and Evolution Springer-Verlag, 1984). See also Peter R. Grant, Ecology and Evolution of Darwin's Finches, pp. 177, 198-199, 281-283, 395, 399, 405-406.
On the lack of observable chromosome differences among the finches, see Nancy Jo, "Karyotypic Analysis of Darwin's Finches," pp. 201-217 in Robert L Bowman, Margaret Berson, and Alan E. Leviton (editors), Patterns of Evolution in Galapagos Organisms (San Francisco, CA: Pacific Division, AAAS, 1983).
There have been a number of molecular phylogenetic studies of Darwin's finches, but molecular phylogeny must, by its very nature, rely on genes that are not subject to natural selection—otherwise mutations would not accumulate merely as a function of time and DNA sequence differences would not reflect divergence times. For some recent studies, see Kenneth Petren, B. Rosemary Grant, and Peter R. Grant, "A phylogeny of Darwin's finches based on micnDsatelte DNA length variation," Proceedings of the Royal Society of London B 266 (1999), pp. 321-329; Aide Sato, Cohn O'hUigin, Felipe Figueroa, Peter R. Grant, B. Rosemary Grant, Herbert Tichy, and Jan Klein, "Phylogeny of Darwin's finches as revealed by mtDNA sequences," Proceedings of the National Academy of Sciences USA 96 (1999), pp. 5101-5106.
Peter and Rosemary Grant concluded in 1997: "The knowledge base from which to generalize about the genetics of bird speciation is precariously thin." Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Genetics and the origin of bird species," Proceedings of the National Academy of Sciences USA 94 (1997), pp. 7768-7775.
مناقير العصافير
For the details of this famous story see Jonathan Weiner, The Beak of the Finch (New York: Vintage Books, 1994); the quotations are from pp. 9, 112. The Grant quotation is from Peter R. Grant, "Natural Selection and Darwin's Finches," Scientific American 265 (October 1991), pp. 82-87. See also Peter T. Boag and Peter R. Grant, "Intense Natural Selection in a Population of Darwin's Finches (Geospizinae) in the Galapagos," Science 214 (1981), pp. 82-85; Peter R. Grant, Ecology and Evolution of Darwin's Finches (Princeton: Princeton University Press, 1986).
عندما تعود الأمطار
Quotations about the reversal of selection are from H. Lisle Gibbs and Peter R. Grant, "Oscillating selection on Darwin's finches," Nature 327 (1987), pp. 511-513; Weiner, The Beak of the Finch, pp. 104-105, 176; Peter R. Grant, "Natural Selection and Darwin's Finches," Scientific American 265 (October 1991), pp. 82-87. See also Peter R. Grant, Ecology and Evolution of Darwin's Finches, pp. 184, 375, 395; Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Predicting Microeyolutonary Responses to Directional Selection on Heritable Variation" Evolution 49 (1995), pp, 241-251.
A reversal of drought-induced selection after the rains returned was also observed in the large cactus finch on Isla Genovesa; see B. Rosemary Grant and Peter R. Grant, Evolutionary Dynamics of a Natural Population (Chicago: The University of Chicago Press, 1989).
According to paleobiologist Robert Carroll, oscillating natural selection is the rule rather than the exception. See Robert L. Carroll, "Towards a new evolutionary synthesis," Trends in Ecology and Evolution 15 (2000), pp. 27-32: "Over the duration of most species, the intensity and direction of selection change repeatedly, either in an oscillating manner or in what appears to be a random walk... for much of the duration of the majority of species there is relatively little net change, even over hundreds of thousands of years."
الانقسام أم الاندماج
The Grant quotations are from B. Rosemary Grant and Peter R. Grant, "Evolution of Darwin's finches caused by a rare climatic event," Proceedings of the Royal Society of London B 251 (1993), pp. 111-117; Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Hybridization of Bird Species," Science 256 (1992), pp. 193-197. Weiner's quotations are from his The Beak of the Finch, pp. 197,176. See also B. Rosemary Grant and Peter R. Grant, "High Survival of Darwin's Finch Hybrids: Effects of Beak Morphology and Diets," Ecology 77 (1996), pp. 500-509; B. Rosemary Grant and Peter R. Grant, "Hybridization and Speciation in Darwin's Finches," pp. 404-422, in Daniel J. Howard and Stewart H. Berlocher (editors), Endless Forms: Species and Speciation (New York: Oxford University Press, 1998); Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Speciation and hybridization of birds on islands," pp. 142-162, in Peter R. Grant (editor), Evolution on Islands (Oxford: Oxford University Press, 1998).
أربعة عشر نوعًا.. أم ستة أنواع!
The Grant quotations are from Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Hybridization of Bird Species," Science 256 (1992), pp. 193-197; Peter R. Grant, "Hybridization of Darwin's finches on Isla Daphne Major, Galapagos," Philosophical Transactions of the Royal Society of London B 340 (1993), pp. 127-139. See also P. Grant, Ecology and Evolution of Darwin's Pinches, p. 206; B. Rosemary Grant and Peter R. Grant, "Hybridization and Speciation in Darwin's Finches," pp. 404-422, in Daniel J. Howard and Stewart H. Berlocher (editors), Endless Forms: Species and Speciation (New York: Oxford University Peen, 1998).
المبالغة في الدليل
The Grant quotations are from Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Speciation and hybridization in island birds," Philosoph-ical Transactions of the Royal Society of London B 351 (1996), pp. 765-772; Peter R. Grant and B. Rosemary Grant, "Speciation and hybridization of birds on islands," pp. 142-162 in Peter P.. Grant (editor), Evolution on Islands (Oxford: Oxford University Press, 1998), p. 155. The Ridley quotation is from Mark Ridley, Evolution, Second Edition (Cambridge, MA: Blackwell Science, 1996), pp. 570-571. National Academy of Sciences, Science and Creationism: A View from the National Academy of Sciences, Second Edition (Washington, DC: National Academy of Sciences Press, 1999), Chapter on "Evidence Supporting Biological Evolution," p. 2; except for the "compelling example of speciation" hyperbole, the same story was presented in the National Academy's booklet, Teaching About Evolution and the Nature of Science (Washington, DC: National Academy Press, 1998), Chapter 2, p. 10. The Johnson quotation is from Phillip E. Johnson, "The Church of Darwin," The Wall Street Journal (August 16, 1999), pp. A14.
-
الثلاثاء PM 01:30
2021-11-16 - 1495