ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الرد على مزاعم الشيوعية، وحكم الانتماء إليها
أولا: الرد على مزاعم الشيوعية:
لقد اتضح من خلال ما مضى أن الشيوعية الماركسية مذهب إلحادي، لا يؤمن إلا بالمادة، ولا يعترف إلا بالمحسوس.
ومر بنا كيف كان الشيوعيون ينظرون إلى الحياة من خلال المنظور المادي، وكيف كانوا يفسرون التاريخ تفسيرا ماديا، إلى غير ذلك من مبادئ الشيوعية وأعمالها.
والرد على مبادئ الشيوعية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كاف في الرد عليها، وأدلة الشرع والعقل، والفطرة والواقع تنقض مبادئ الشيوعية.
ولقد مر شئ من الرد على مبادئ الشيوعية من خلال عرضها، وفيما يلي ذكر لبعض التفصيل في الرد على مزاعم الشيوعية، ومبادئها، يتبين من خلاله بطلان هذا المذهب.
1 – الشرع: فأدلة الشرع أكبر برهان على بطلان الشيوعية، فهي تدل على وحدانية الله _ عز وجل _ وعلى صدق رسله _ عليهم السلام_ .
فالله _ عز وجل _ أرسل الرسل من لدن نوح إلى محمد _ عليهم السلام _ بالتوحيد الخالص فكلهم يدعون إلى عبادة الله وحده، وإفراده بالعبادة دون من سواه.
قال _ تعالى_: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) <النحل: 36> وهذه الدعوة التي جاء بها الرسل الكرام _ عليهم السلام _ توضح العلاقة بين العبد وربه، وتكفل للبشرية أن تعيش بسعادة وهناء.
ثم إن عبادة الله _ عز وجل _ هي الغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56) <الذاريات:56>.
ثم إن القرآن بإعجازه وببلاغة أسلوبه، وشدة تأثيره، وإخباره عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وتضمنه لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وصلاحه لكل زمان ومكان وأمة _ لأكبر برهان على بطلان الشيوعية التي تدعو إلى الإلحاد، وتكفر بكل دين.
إضافة إلى ذلك فالحقائق العلمية تشهد للقرآن والسنة بالصحة؛ فمع اتساع علوم الطبيعة وما استجد من العلوم العصرية لم يأت علم صحيح ينقض شيئا مما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، مع أن الذي جاء بتلك الحقائق نبينا محمد الأمي _ صلى الله عليه وسلم _. (1)
فالعلم الصحيح لا يناقض النقل الصحيح، بل يتفق معه تمام الاتفاق، كما لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبدا، وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة _ فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما يكون القرآن الكريم غير صريح في
(1) انظر الأدلة والقواطع والبراهين للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ص350.
معارضته؛ لأن صريح القرآن وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبدا (1) .
وهذا ما قرره العلماء في القديم والحديث ولقد بني شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ كتابه العظيم _ درء تعارض العقل والنقل _ على هذه القاعدة.
بل لقد صرح كثير من الكتاب الغربيين بهذه الحقيقة، ومنهم الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم).
حيث قرر في ذلك الكتاب أن التوراة والإنجيل المحرفين الموجودين اليوم _ يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكاتب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآن العلم الحديث.
وأثبت من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبدا مع الحقائق العلمية، بل يتفق معها تمام الاتفاق. (2)
وبالجملة فالكتاب والسنة كلاهما رد على الشيوعية والمقام لا يستدعي الإكثار من ذكر الآيات والأحاديث؛ فالحديث مع من يعظم الكتاب والسنة شئ، ومع من لا يراهما شئ آخر. (3)
أما ما يروج له الشيوعيون من عزو التخلف الذي حل بالمسلمين
(1) انظر مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين 3/77 .
(2) انظر التوراة والإنجيل والقرآن والعلم لموريس بو كاي ترجمة الشيخ حسن خالد.
(3) انظر تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله ص 474 .
إلى تمسكهم بالدين، ومن نسبة انحرافات المنتسبين للإسلام إلى نفسه؛ إرادة الطعن فيه، والتنفير عنه _ فتلك فرية عظمى، ويرد عليها بما يلي:
أ – أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل الإسلام حقيقة: فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف _ أن ينظر إلى دين الإسلام نفسه، وما هو عليه من الإحكام والحسن، وما فيه من الهداية إلى كل خير، والتحذير من كل شر.
ب – أن انحرافات المنتسبين للإسلام لا يعاب بها الإسلام، ولا تحسب عليه: فالشيوعيون يطعنون بالدين من خلال ما يرونه من انحرافات بعض المنتسبين للإسلام، كبدع الرافضة، وشطحات المتصوفة، وغيرهم ممن ينحرف به المسار، وينسب انحرافه إلى الدين.
ولا ريب أن الدين براء من هذه التهم، فمن أراد الإسلام الحق فليطلبه من مصادره الصحيحة.
ج – النظر في حال القائمين بالدين الحق: فالعدل يقتضي بأن ينظر في حال القائمين بالدين حق القيام، المنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم كما كان الصدر الأول ومن تبعهم بإحسان.
فإن ذلك النظر يملأ القلب إجلالا، والعين هيبة ووقارا لهذا الدين وأهله المتمسكين به، العاملين بتعاليمه، مما يسر الناظرين، وتقوم به الحجة على المعاندين.
أما مجرد النظر إلى حال المسلمين التاركين لدينهم، الناكبين عن صراته، الناكثين عهده فليس من العدل في شئ، بل هو الظلم بعينه؛ فالدين برئ من تبعة المنتسبين إليه دون أن يعملوا بما جاء به.
د – أن تأخر المسلمين ليس بسبب التمسك بالدين: بل إن العكس هو الصحيح؛ فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة إلا عندما فرطوا في دينهم، ونسوا حظا مما ذكروابه؛ فهبطوا من عليائهم، ولقوا ذلا بعد عز، وضعة بعد رفعة وهبوطا بعد شمم، وجهلا بعد علم، وخمولا بعد نباهة؛ فمن له أدنى بصيرة يعلم أن الإسلام يدعو إلى الصلاح والإصلاح في أمور الدين والدنيا، ويحث على الاستعداد في تعلم العلوم النافعة، ويدعو إلى كل ما من شأنه تقوية العزائم، وإنهاض الهمم؛ كي تقوم الأمة، وتتبوأ مكانها اللائق بها.
وإنه لمن الظلم، والتعصب المقيت، وقصور النظر أن ينظر إلى حال المسلمين في هذه الأوقات، فيظن أنها هي الصورة التي تمثل الإسلام.
فإذا أراد المرأ أن ينظر بعدل فلينظر إلى الصدر الأول وما يليه من عصور العز؛ عندما دانت أمم الأرض للمسلمين، فنشروا فيها الرحمة، ورفعوا في سواحها لواء العدل والحكمة، فهفت إليهم القلوب قبل الأبدان، وخضعت لهم الدنيا من مشارقها إلى مغاربها.
وهل رقت أمم الغرب الآن، وبزت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقولهم بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية؟
ألم تكن تلك الأمم في غابر الأزمان، وفي القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل والوحشية والهمجية؟
ألم يكن المسلمون وقت قيامهم بهذا الدين هم سادات الخلق؟
ألم تكن مدينة الإسلام هي المدينة الزاهرة الحقيقية؟ حيث كان روحها الدين، والعدل والرحمة والحكمة وقد شملت بظلها الظليل وإحسانها المتدفق الموافق والمخالف والعدو والصديق؟
فهل أخرهم دينهم، وهل منعهم الرقي الحقيقي؟ وهل نفع الآخرين كفرهم بالله في تلك القرون الطويلة؛ إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟
ثم لما قصر المسلمون في الاستمساك بدينهم، وتفرقوا شيعا، وارتقى الكفار في علوم المادة وفنون الصناعات، ووصلوا إلى شأن لم يسبق له مثيل _ هل أغنت عنهم تلك المدينة، وذلك الترقي فتيلا؟ ألم تكن حضارتهم قائمة على الظلم، والجشع، والاستبداد، والاستعباد، والقتل، والنفي، والتشريد؟
فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضررا إذا خلا من الدين الحق؛ لأن من انفرطت عليه مصالح دينه انفرطت عليه مصالح دنياه تبعا لذلك.
ثم إن الملاحدة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الرقي بسبب نبذهم للدين، وإنما أوصلهم إلى ذلك جدهم، واجتهادهم، وأخذهم بالأسباب التي من أخذ بها وصل إلى غايته.
وبهذا يرد على من زعم أن نبذ الدين سبب للترقي.
2 – العقل الصحيح: فالعقل الصحيح يدل دلالة قاطعة على بطلان الشيوعية؛ فأهل العقول الصحيحة متفقون على أن أفضل المغانم والمكاسب ما اكتسبته القلوب، واستنارت به العقول من العلوم الصحيحة، والمعارف النافعة والإيمان الصادق، والأخلاق العالية، التي من اتصف بها كمل سؤدده وتناهي فضله إن كان فردا والتي تسعد بها الأمة، ويرتفع شأنها، ويهاب جنابها.
ومعلوم أن الشيوعية تناقض العقل الصحيح في أعظم القضايا، ألا وهي قولها بالإلحاد، وإنكار الخالق، ودعوى أن الطبيعة موجدة لنفسها، وأنها وجدت صدفة.
ومن نظر إلى هذا العالم، وما أودع الله فيه من المخلوقات المتنوعة، والحوادث المتجددة أدرك أن لهذا الكون خالقا محدثا وهو الله _ عز وجل _.
فالقسمة العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة أمور:
أ – إما أن توجد هذه المخلوقات صدفة من غير محدث ولا خالق.
وهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلانه؛ لأن كل من له عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شئ من غير محدث، ولا موجد، ولأن وجودها على هذا النظام المتسق البديع المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات، وبين الكائنات بعضها مع بعض _ يمنع منعا باتا أن يكون وجودها صدفة.
ب – وإما أن تكون هي المحدثة لنفسها الخالقة لها.
وهذا محال ممتنع _ أيضا _ فكل عاقل يجزم أن الشئ لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم؛ فكيف يكون خالقا؟!
وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث:
ج – وهو أن هذه المخلوقات لها خالق خلقها، ومحدث أحدثها، وهو الرب العظيم الخالق لكل شئ، المدبر للأمور كلها.
وقد ذكر الله هذا التقسيم العقلي القاطع في سورة الطور، قال _ تعالى _: (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون 35) <الطور: 35>.
يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله _ تبارك وتعالى _.
فالمخلوق لابد له من خالق، والأثر لابد له من مؤثر، والمحدث لابد له من محدث، والموجد لابد له من موجد، والمصنوع لابد له من صانع، والمفعول لابد له من فاعل.
هذه قضايا واضحة تعرف في بداهة العقول، ويشترك في العلم بها جميع العقلاء، وهي أعظم القضايا العقلية؛ فمن ارتاب بها فقد دل على اختلال عقله، وبرهن على سفهه وفساد تصوره. (1)
ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) الذي كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه الأمور، وكتاب (الإنسان لا يقوم وحده) لكريسي موريسون رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك، وترجم إلى العربية بعنوان: (العلم يدعو إلى الإيمان) _ يدرك أن العالم الحقيقي لا يكون إلا مؤمنا، وأن العامي لا يكون إلا مؤمنا، وأن الإلحاد والكفر لا يكون إلا من المكابرين المعاندين، ومن بعض أنصاف العلماء وأرباع العلماء، ممن تعلم قليلا من العلم المادي
(1) انظر الرياض الناضرة لابن سعودي ص194 ، ونبذة في العقيدة الإسلامية للشيخ محمد بن عثيمين ص 11 – 15 ، ورسائل في العقيدة ص15 – 20 .
وخسر بذلك الفطرة المؤمنة ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان. (1)
وبهذا يتبين لنا أن العقل يدل على وحدانية الله، وعلى بطلان دعاوى الشيوعية، وسفاهة عقولهم.
إن الشيوعية خرافة، وشرط الخرافة أن تلغي عقلك تماما، وتستسلم لتعاليم سادتها.
يقول ريتشارد كروسمان في مقدمة كتاب (الصنم الذي هوى)(2) : "فإن من يدخل الشيوعية يخضع روحه لشريعة الكريملين (3) ويحس في ذلك شيئا من الخلاص.
وإذا تم هذا فإن العقل _ بدلا من أن يعمل ويفكر بحرية _ يصبح عبدا للغاية التي لا تناقش، ولا تعارض، ويصبح إنكار الحقائق الواضحة شعيرة وعبادة" . (4)
(1) انظر إلى كتاب: (الله يتجلى في عصر العلم) تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعات الأرض، أشرف على تحريره، جون كلوفر مونسيما ترجمة د. الدمرداش عبد المجيد سرحان، راجعه وعلق عليه د. محمد جمال الدين الفندي.
وانظر إلى كاتب: (العلم يدعو للإيمان) تأليف كريسي موريسون، ترجمة محمد صالح الفلكي. والكتابان من منشورات دار القلم بيروت.
(2) سيأتي تعريف بالكتاب بالكامل بعد قليل.
(3) الكرملين: يطلق على قصر الحزب الشيوعي الحاكم، ويطلق على الحكومة الروسية.
(4) الصنم الذي هوى ص9 .
3 – الفطرة: فالفطرة تدل على بطلان الشيوعية؛ فكل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه.
فالفطرة تدل على أن البشر جميعا فطروا على عقيدة التوحيد، والاتجاه إلى الله _ سبحانه وتعالى _ ولم يفطروا على ماركسية، أو رأسمالية، أو داروينية، أو غيرها.
ثم إن الله _ عز وجل _ بعث الرسل، وأنزل الكتب لتقرير الفطرة؛ فصلاح العباد وقواهم بالفطرة المكملة بالشرعة المنزلة. (1)
قال النبي _ صلى الله عليه وسلم _: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه".(2)
وفي حديث عياض بن حمار _ رضي الله عنه _ يقول _ تعالى _: في الحديث القدسي: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" . (3)
ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه _ تبارك وتعالى _ عند الشدائد؛ فإذا ما وقع الإنسان _ أي إنسان حتى الكافر الملحد _ في شدة أو أحدق به خطر _ فإن الخيالات تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فطر عليه؛ ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه مناديا
(1) انظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 8/ 371 ، وشفاء العليل لابن القيم ص 57 – 75 ، ونبذة في العقيدة الإسلامية ص 11 .
(2) رواه البخاري 2/ 97 ، ومسلم (2658) .
(3) رواه مسلم (2865) .
ربه؛ ليفرج كربته.
وصدق الله إذ يقول: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون 65) <العنكبوت:65> .
ثم إنه لو قدر لأي إنسان أن يتجرد من كل عقيدة، ويصير قلبه خاليا من كل حق وباطل، ثم ينظر في العقائد بحق وعدل وإنصاف _ لعلم علم اليقين أن عقائد الشيوعيين أحط العقائد وأخسها، ولاتضح له الفرق العظيم، والبون البعيد بين عقائد الإسلام الصحيحة وبين سا~ر العقائد وخصوصا عقائد الملاحدة الشيوعيين، فمتى علم المنصف ذلك عرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال.
وهكذا تشهد الفطرة على بطلان الشيوعية في أعظم القضايا وهي مسألة الإيمان بالله.
إضافة إلى ذلك فإن بقية دعاوى الشيوعية تنافي الفطرة، ومن ذلك _ على سبيل المثال _ قولهم بإلغاء الملكية الفردية.
يقول الشيخ عبد االعزيز البدري _ رحمه الله _: "وأما إلغاء الملكية الفردية جزئيا وبعبارة _ كما يقولون _ تحديد التملك الفردي _ فإن الدارس لهذا القول يجد أنه يعني تحديد التملك الفردي بالكمية والمقدار.
وهذا _ أيضا _ مناقض للفطرة البشرية، ومخالف للأحكام الشرعية كما تفهم من نصوص الشرع؛ حيث إن هذا التحديد والإلغاء الجزئي يحد من نشاط الفرد، ويعطل جهوده، ويقتل عبقريته ومواهبه في حسن الإنتاج والإبداع فيه، وبالتالي يقلل من إنتاجه ويوقفه عند نشاط معين لا يتجاوزه.
وبذلك يحرم من مواصلة نشاطه الذهني والجسمي، وعند ذاك تخسر الأمة بمجموعها كفاءة الأفراد المجدين" (1) .
وقال الدكتور محمد محمد حسين _ رحمه الله _ بعد أن ذكر شيئا من مساوئ الشيوعية: "وليس هاهنا مجال الرد على دعاواهم، ويكفي أن نقول في إيجاز: إن دعوتهم تنزل بالنوع البشري إلى الحيوانية؛ لأنها تهمل الجانب الروحي في الإنسان؛ الذي هو به إنسان؛ فهي خرافة لا سبيل إلى تحقيقها؛ لأنها مخالفة للناموس؛ فالناس متباينون: قوة بدن، وذكاء، وخلقا، وفطرة.
والله _ سبحانه وتعالى _ يقول في محكم كتابه: ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) <الأنعام: 165> .
ويقول _ جلت قدرته _ : (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون) <النحل: 71> .
ويقول: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32 ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون 33 ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون 34 وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين) <الزخرف: 32 – 35>. (2)
(1) حكم الاشتراكية في الإسلام ص82.
(2) الإسلام والحضارة الغربية د. محمد محمد حسين ص183-184 .
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي _ رحمه الله _: "دلت هذه الآيات الكريمة المذكورة هنا كقوله _ تعالى _ (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) الآية، وقوله: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) الآية، ونحو ذلك من الآيات _ على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه، (فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا 43 ) <فاطر: 43> . (1)
قال _ رحمه الله _: "وبذلك تحقق أن ما يتذرع به الآن الملاحدة المنكرون لوجود الله ولجميع النبوات، والرسائل السماوية إلى ابتزاز ثروات الناس ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم _ أمر باطل، لا يمكن بحال من الأحوال.
مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون، وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس؛ ليتمتعوا بها ويتصرفوا فيها كيف شاءوا تحت ستار كثير من أنواع الكذب والغرور والخداع، كما يتحققه كل عاقل مطلع على سيرتهم، وأحوالهم مع المجتمع في بلادهم.
فالطغمة القليلة الحاكمة ومن ينضم إليها هم المتمتعون بجميع خيرات البلاد، وغيرهم من عامة الشعب محرومون من كل خير مظلومون في كل شئ، حتى ما كسبوه بأيديهم يعلفون ببطاقة كما تعلف الحمير.
وقد علم الله _ جل وعلا _ في سابق علمه أنه يأتي ناس يغتصبون
(1) أضواء البيان في إيضاح القرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي 7/ 246 .
أموال الناس بدعوى أن هذا فقير، وهذا غني، وقد نهى _ جل وعلا _ عن اتباع الهوى بتلك الدعوى، وأوعد من لم ينته عن ذلك يقوله _ تعالى _ (يا أيها الذين آمنوا مونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 135 ) <النساء: 135> . (1)
4 – أن الأمور المدركة لا تحصر بالمادة وحدها: فالملاحدة لما آمنوا بالمادة وحدها حصروا الأمور المدركة في دائرة ضيقة؛ فما أدركوه في حواسهم وتجاربهم أثبتوه، ومالم يدركوه نفوه وأنكروه.
ومن أجل ذلك أنكروا علوم الغيب، وما جاءت به الرسل، وما أنزلت به الكتب.
وهذا الزعم باطل، شرعا وعقلا، وتجربة؛ ذلك أن الأمور المدركة لا تقتصر على ما أثبته الحس؛ فهناك مدارك أخرى؛ فهناك الأخبار الصادقة، وأعلاها وأحقها خبر الله ورسله؛ ففي ذلك تبيان لكل شئ.
وإذا نسبت العلوم المدركة بالحس إلى ما جاءت به الرسل من العلوم _ كانت كقطرة في بحر لجي.
ثم إن هناك أشياء يؤمن بها الناس وإن لم يشاهدوها كالروح مثلا؛ فهي لا ترى ومع ذلك لو خرجت لأصبح الإنسان جمادا؛ فهل ينكر الروح أحد بحجة أنها لا تدخل في المحسوس؟
وكذلك الكهرباء؛ فهل شاهدها أحد؛ إنما يشاهد الناس أثرها،
(1) أضواء البيان 7/246 – 247 .
أتكون الكهرباء أيسر أن نؤمن بها وأقرب إلى أن نصدق بها من أن نؤمن بالله الذي أبدعها ضمن ما أبدع من أسرار هذا الكون؟
ثم إن الملاحدة ينقضون مبدأهم في حصر الإدراك بالمحسوس، والتجربة؛ فهم يثبتون تجارب ونظريات ثم تحصل تجارب ونظريات أخرى لهم تنفي ما أثبتوه، وتثبت ما نفوه. (1)
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي _ رحمه الله _ ضمن ردوده على الملاحدة: "أن يقال لهؤلاء الملحدين المنكرين لأمور الغيب التي أخبر بها الله ورسوله: لم أنكرتموها؟
فيجيبون بأنها لم تدخل تحت علومنا التي بنيناها على إدراكات الحواس والتجارب، فيقال لهم: قدروا أنها لم تدخل في ذلك؛ فإن طرق العلم اليقينية كثيرة، وأكثرها لا تدخل تحت إدراكاتكم؛ فإن إدراكاتكم قاصرة حتى باعترافكم؛ فإنكم تعترفون أن مدركاتكم خاصة ببعض المواد الأرضية وأسبابها وعللها، ومع ذلك لم تدركوها كلها باعترافكم وأعمالكم؛ فإنكم لا تزالون تبحثون وتعملون التجارب التي تنجح مرة، وتخفق مرات؛ فإذا كانت هذه حالكم في الأسباب والمواد الأرضية التي يشترك بنو آدم في إدراكها، ويفترقون في مقدار الإدراك _ فكيف تنفون بقية العوالم عوالم السموات وعوالم الغيب؟ وما هو أعظم من ذلك من أوصاف الرب وعظمته.
(1) انظر المذاهب المعاصرة ص142 .
وأنتم لم يتصل شئ من علومكم بذلك؟ فإن هذا النفي باطل بإجماع العقلاء، وإنما هذا مكابرة" (1)
5 – كثرة التناقض: فالتناقض عند الشيوعيين لا يكاد يحصر وذلك أمر لابد منه؛ فالمبدأ باطل من أساسه؛ فلا بد من التناقض؛ فإذا تهاوى الأساس تداعت الأركان.
فالحق يشبه بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض
أما الباطل فيتناقض، ويهدم بعضه بعضا، وتجد أهله متناقضين مختلفين، بل تجد الواحد منهم متناقضا مع نفسه، متهافتا في أقواله. (2)
ومن الأمثلة على تناقضهم دعواهم محاربة الدين، وقولهم: إن الدين أفيون الشعوب.
ومع ذلك فإن روسيا أول من اعترف بدولة دينية تحكمها التوراة المحرفة، وقامت على أساس ديني، وهي دولة إسرائيل.
كذلك لما اشتد ضغط هتلر على روسيا إبان الحرب العالمية الثانية دعا ستالين إلى فتح المساجد والمعابد للصلاة، والعبادة (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون 65 ) <العنكبوت: 65> .
ومن أمثلة تناقضهم قولهم بالحتميات، وأن الأشياء تتطور ثم تزول سواء كانت فكرة أو مبدأ، أو غير ذلك.
(1) الأدلة والقواطع والبراهين ص 322 .
(2) انظر الأدلة والقواطع والبراهين ص348 .
وفي الوقت نفسه يزعمون بأن الشيوعية هي نهاية المطاف والفردوس المنتظر.
فإذا كانوا يقولون بالحتميات فإن الشيوعية داخلة فيما يقولون؛ لأنها مبدأ وفكرة، ومصيرها الحتمي الزوال، وهو ما حدث بالفعل؛ فأين الفردوس المنتظر؟
ومن الأمثلة على تناقضهم زعمهم أن يحاربوا الطبقية، ومع ذلك فإن الطبقية في المجتمع الشيوعي قائمة على أشدها، وقد مر بنا كيف كان العمال وعامة الناس في المجتمع الشيوعي يعيشون عيشة الشظف في الوقت الذي يتمتع أعضاء الحزب الشيوعي بأقصى درجات الترف والنعيم.
6 – الإخفاق في التطبيق: فهذا دليل على بطلانها، ولقد مر بنا كيف كان المجتمع الشيوعي بعد تطبيق الشيوعية.
لقد عجز الشيوعيون عن تطبيق المساواة، وعجزوا عن إسعاد المجتمع، وحل مشكلاته؛ فكلما خرجوا من نفق دخلوا في نفق آخر أشد حلوكة، وكلما حلوا مشكلة نتج عنها مشكلات، وكلما ولوا وجوههم وجهة تبين فيها النقص والخلل والاضطراب.
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا 82 ) <النساء: 82> .
أين هذا من دين الإسلام، الذي هو الطريق الوحيد لحل جميع المشكلات، سواء مشكلات العلم، أو مشكلات الفقر، أو مشكلات السياسة أو غيرها من المشكلات.
فمن المشكلات التي اضطرب فيها الخلق مشكلة العلم؛ فإنه إذا صح صحت العقائد والأفكار، وصلحت الأعمال المبنية عليه.
وشريعة الإسلام حضت على العلم، بل فرضت على العباد أن يتعلموا جميع العلوم النافعة في أمور دينهم ودنياهم، وتكلفت مع ذلك ببيان العلوم وتفصيلاتها.
أما علوم الدين فقد فصلتها تفصيلا بعد ما أصلتها تأصيلا، أما العلوم الدنيوية فقد أسست لها الأصول والقواعد.
وبهذا يسير العلم الصحيح على الطريق المستقيم؛ فيجتمع علم الدين إلى علم الدنيا، وما يتعلق بالروح إلى ما يتعلق بالجسد.
قال _ تعالى _ : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) <الإسراء: 9>، وقال: (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل 4 ) <الأحزاب: 4> .
فجمع _ عز وجل _ في هاتين الآيتين بين علم المسائل الصحيحة وهو الحق النافع، وبين علم البراهين وهو هداية السبيل الموصلة إلى كل علم، المبرهنة على جميع المعارف.
وكذلك مشكلات الغنى والفقر؛ فالدين قد حلها حلا تتم به الأمور، وتحصل الحياة الطيبة؛ فكلما أمر بسلوك الطرق المشروعة في أسباب الرزق المناسبة لكل زمان ومكان وشخص _ فكذلك أمر بالاستعانة بالله في تحصيلها، وأن تجتنب الطرق المحرمة، وأن يقوم العباد بواجبات الغنى المتنوعة من زكاة وصدقة، ونحوها.
وكذلك عند حلول الفقر أمر بالصبر، وترك التسخط، مع السعي في طلب الرزق بأنواع المكاسب والأعمال ونهى عن الكسل المضر بالدين والدنيا.
ومع أمره بالصبر وفعل الأسباب الدافعة للفقر _ نهى عن ظلم الخلق في دمائهم وأعراضهم، وأخذ حقوقهم بغير حق كما هو دأب الفقراء الذين لا دين لهم.
ومن ذلك مشكلات السياسات الكبار والصغار؛ فالشيوعية تقوم على البطش والاستبداد.
أما الإسلام فقد أمر بحلها، وذكر الطرق الموصلة إلى ذلك بفعل ما توضحت مصلحته، وترك ما تبينت مفسدته، والمشاورة في الأمور المشكلة والمشتبهة.
وبالجملة فما من مشكلة دقت أوجلت إلا وفي الشريعة الإسلامية المحضة حلها بما تصلح به الأحوال، وتستقيم في جميع الوجوه. (1)
7 – قواعد الأخلاق العامة: فهي ترد على دعاوى الشيوعية وتبطلها؛ فأين الشيوعية من الصدق في الأقوال والأفعال؟ وأين هي من النصيحة والأمانة، والبر، والصلة، والقيام بحقوق الجيران، والأصحاب والمعاملين،، ومن يتصل الإنسان بهم على اختلاف طبقاتهم؟ .
وأين هي من العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء، والبغي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؟ .
وأين هي من الوفاء بالعهود، والحقوق، والعقود؟ .
(1) انظر الأدلة والقواطع والبراهين ص 346
إنها دعوة تقوم على العداوات بين الطبقات وتأليب بعضهم على بعض.
والمجتمع الإنساني المطمئن لا يقوم إلا على التوادد والتراحم، والتآخي. (1)
ومن هنا يستحيل أن تتزكى النفوس، وتتهذب الأخلاق بعلوم المادة؛ فكل إناء بما فيه ينضح، والتجارب أكبر شاهد على ذلك؛ فمع تطور علوم الملاحدة عجزوا كل العجز عن تهذيب النفوس وإصلاحها.
8 – سيرة أرباب الشيوعية: فلقد مر بنا شئ من سيرة أرباب الشيوعية وأساطينها، وما كانوا عليه من الشذوذ والفساد، والتسلط والطغيان، فكم هدموا من فضائل، وكم أقاموا من شرور ورذائل، حتى هبطوا بالبشرية إلى أسفل سافلين، فشقوا وأشقوا، وضلوا وأضلوا؛ فلماذا يرجى من مذهب هؤلاء أربابه ومنظروه؟
ثم إن أكبر الدلائل على رشد الرشيد، وسفه السفيه تصرفاته، ونتائج أعماله.
وهذه آثار الشيوعيين تدل عليهم؛ فأين سير هؤلاء من سير الأنبياء _ عليهم السلام _ وأتباعهم؛ حيث هددوا البشرية إلى كل عقيدة صالحة، وإلى كل خلق جميل، ونهوا عن ضد ذلك؛ فانتشرت الرحمة، وعم الصلاح بسبب ما جاءوا به، بعكس الشيوعيين تماما بتمام.
(1) انظر الأدلة والقواطع والبراهين ص 337 والإسلام والحضارة الغربية ص 184 .
9 – كثرة الخلافات بين الشيوعيين: سواء بين أرباب الشيوعية أو بين دول المعسكر الشيوعي، مما يدل على بطلانها، وزيفها وقد مر شئ من ذلك فيما سبق.
10 – رجوع كثير من كتاب الشيوعية عنها، واعترافهم ببطلانها: ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب (الصنم الذي(1) هوى) ذلك الكتاب الذي اجتمع على تأليفه _ دون موعد _ ستة من كبار كتاب الغرب، آمنوا بالشيوعية، ثم نفضوا أيديهم منها يوم أن انكشفت لهم حقيقتها.
وإليك نماذج من بعض ما قالوه عن الشيوعية:
أ – يقول آرثر كستلر (2) بعد تجربته مع الشيوعية ودخوله فيها بعد خروجه من السجن: "إن الدرس الذي يتعلمه الإنسان من خبرة كهذه لا يكاد الإنسان يضعه في كلمات حتى يبدو أمرا عاديا؛ لقد تعلمت أن الإنسان هو الحقيقة، أما الإنسانية فتجريد، وأن الناس لا يمكن أن يعاملوا على أنهم وحدات في عملية حساب سياسية؛ لأنهم يتصرفون كرموز الصقر، واللانهائي التي تعطل كل العمليات الرياضية، وأن الغاية لا تبرر الواسطة إلا في حدود ضيقة إلى أبعد الحدود، وأن علم الأخلاق ليس شيئا تابعا للمنفعة الاجتماعية، وأن البر ليس عاطفة
(1) نقل الكتاب إلى العربية الأستاذ فؤاد حمودة المدرس بجامعة دمشق، والكتاب من منشورات المكتب الإسلامي ط1 1380ه – 1960م
(2) مرت ترجمته ص104 .
بورجوازية تافهة، بل هو القوة الجاذبة التي تمسك المدينة في مدارها.
لقد كان كل ما تعلمته يتناقض مع العقيدة الشيوعية التي آمن بها" . (1)
ب – ويقول لويس فيشر (2) بعد تجربته مع الشيوعية: " إن تأييدي السابق للنظام السوفيتي قادني إلى خطأ آخر حين ظننت أن نظاما يقوم على ٌاعدة (الغاية تبرر الواسطة) يمكن أن يخلق عالما أفضل، أو إنسانا أفضل؛ إن الواسطة الفاجرة لا تؤدي إلا إلى غاية فاجرة، وأفراد فجرة سواء في النظام البلشفي أو الرأسمالي" إلى أن قال "إن الدكتاتورية ترتكز على نهر من الدماء، وبحر من الدموع، وعالم من الآلام.
وكلها نتائج لوسائلها القاسية؛ فكيف تستطيع _ إذا _ أن تجلب الفرح، أو الحرية، أو السلام الداخلي أو الخارجي؟
كيف يمكن للخوف، والسطوة، والأكاذيب والبؤس أن تخلق إنسانا أفضل.
(1) الصنم الذي هوى ص 82.
(2) لويس فيشر : ولد في فيلادلفيا عام 1896م واشتغل بالتدريس بضع سنوات واحترف الصحافة، وأرسلته الـ (نيويورك بوست) إلى برلين عام 1921م وبعدها قضى خمسة وعشرين عاما متنقلا في مهمات بين أوروبا وآسيا، ورغم أنه لم ينضم إلى الحزب الشيوعي أبدا إلا أنه أصبح نصيرا للاتحاد السوفيتي، ثم أصبح نصيرا لأسبانيا الجمهورية التي دافع عنها خلال الحرب الأهلية، ومن بين مؤلفاته (السوفيتون في الشؤون العالمية) و(الناس والسياسة) و(الخطر العظيم) و(غاندي وستالين) انظر الصنم الذي هوى ص 238
إن السنوات التي قضيتها مؤيدا للنظام السوفيتي علمتني أنه لا ينبغي لرجل يحب البشرية ويحب السلام أن يؤيد الدكتاتورية" . (1)
ج – وهذا ستيفن (2) سبندر يقول بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي: "إن الشيوعية هي الإيمان بأن في الإمكان تغيير المجتمع عن طريق تحويل الرجال إلى آلات تقوم هي بتغيير المجتمع" . (3)
وهذا تبين لنا بطلان الشيوعية جملة وتفصيلا.
ثانيا: حكم الانتماء إلى الشيوعية _ فتوى المجمع الفقهي _:
وبعد أن تبين لنا أن الشيوعية مذهب كفري باطل، بل يعد أحط المذاهب الكفرية على مدار التاريخ _ نأتي إلى حكم الانتماء إلى ذلك المذهب من خلال فتوى المجمع الفقهي الإسلامي، فلقد عرض موضوع الشيوعية على مجلس المجمع في دورته الأولى المنعقدة في 10-17/8/1398هز
وبعد أن استعرض المجلس ذلك الموضوع أصدر فيه قرارا بين فيه حكم الشيوعية والانتماء إليها، وهذا نصه(4):
(1) الصنم الذي هوى ص 277 .
(2) ستيفن سبندر ولد في عام 1909م وأبوه إدوارد هارولد سبندر، وقد تعلم في سويسرا فترة ثم في أكسفورد، حيث بدأ بالاشتراك مع (ديا ليسو) و(أودن) بكتابة الشعر، وبعد ذلك اشتغل بالحركة السياسية، ونشر كتاب خطوة وراء مذهب الأحرار في عام 1937م ثم انظم بعد ذلك إلى الحزب الشيوعي لفترة قصيرة، انظر الصنم الذي هوى ص282 .
(3) الصنم الذي هوى ص333 .
(4) قرارات مجلس المجمع الفقهي ص33 .
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي درس فيما درسه من أمور خطيرة (موضوع الشيوعية والاشتراكية) وما يتعرض له العالم الإسلامي من مشكلات الغزو الفكري على صعيد كيان الدول، وعلى صعيد نشأة الأفراد وعقائدهم، وما تتعرض له تلك الدول والشعوب معا من أخطار تترتب على عدم التنبه إلى مخاطر هذا الغزو الخطير.
ولقد رأى المجمع الفقهي أن كثيرا من الدول في العالم الإسلامي تعاني فراغا فكريا، وعقائديا خاصة أن هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أعدت بطريقة نفذت إلى المجتمعات الإسلامية، وأحدثت فيها خللا في العقائد، وانحلالا في التفكير والسلوك، وتحطيما للقيم الإنسانية، وزعزعة لكل مقومات الخير في المجتمع.
وإنه ليبدو واضحا جليا أن الدول الكبرى على اختلاف نظمها واتجاهها قد حاولت جاهدة تمزيق شمل كل دولة تنتسب للإسلام؛ عداوة له، وخوفا من امتداده، ويقظة أهله.
لذا ركزت جميع الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمين: هما العقائد والأخلاق؛ ففي ميدان العقائد شجعت كل من يعتنق المبدأ الشيوعي المعبر عنه مبدئيا عند كثيرين بالاشتراكية، فجندت له الإذاعات والصحف، والدعايات البراقة والكتاب المأجورين، وسمته حينا بالحرية، وحينا بالتقدمية، وحينا بالديمقراطية، وغير ذلك من الألفاظ.
وسمت كل ما يضاد ذلك من إصلاحات ومحافظة على القيم والمثل السامية والتعاليم الإسلامية _ رجعية، وتأخرا وانتهازية، ونحو ذلك.
وفي ميدان الأخلاق دعت إلى الإباحية، واختلاط الجنسين، وسمت ذلك _ أيضا _ تقدما، وحرية، فهي تعرف تمام المعرفة أنها متى قضت على الدين والأخلاق فقد تمكنت من السيطرة الفكرية والمادية والسياسية.
وإذا ما تم ذلك لها تمكنت من السيطرة التامة على جميع مقومات الخير والإصلاح، وصرفتها كما تشاء، فانبثق ذلك الصراع الفكري، والعقائدي والسياسي، وقامت بتقوية الجانب الموالي لها، وأمدته بالمال، والسلاح والدعاية؛ حتى يتمركز في مجتمعه، ويسيطر على الحكم، ثم لا تسأل عما يحدث بعد ذلك من تقتيل وتشريد، وكبت للحريات، وسجن لكل ذي دين، أو خلق كريم.
ولهذا لما كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولا إسلامية لم تتحصن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تجاهه، وكان على المجتمع الفقهي في حدود اختصاصه العلمي والديني أن ينبه إلى المخاطر، والتي تترتب على هذا الغزو الفكري، والعقائدي والسياسي الخطير الذي يتم بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية وغيرها _ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة يقرر ما يلي:
يرى مجلس المجمع لفت نظر دول وشعوب العالم الإسلامي إلى أنه من الملم به أن الشيوعية منافية للإسلام، وأن اعتناقها كفر بالدين الذي ارتضاه الله لعباده، وهي هدم للمثل الإنسانية، والقيم الأخلاقية، وانحلال للمجتمعات البشرية.
والشريعة المحمدية هي خاتمة الأديان السماوية، وقد أنزلت من لدن حكيم حميد؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهي نظام كامل للدولة سياسيا، واجتماعيا، وثقافيا، واقتصاديا، وستظل هي المعول عليها _ بإذن الله _ للتخلص من جميع الشرور التي مزقت المسلمين، وفتت وحدتهم، وفرقت شملهم، سيما في المجتمعات التي عرفت الإسلام، ثم جعلته ورائها ظهريا.
لهذا وغيره كان الإسلام بالذات هو محل هجوم عنيف من الغزو الشيوعي الاشتراكي الخطير؛ بقصد القضاء على مبادئه، ومثله، ودوله.
لذا فإن المجلس يوصي الدول والشعوب الإسلامية أن تنتبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر الداهم بالوسائل المختلفة، ومنها الأمور الآتية:
1 – إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع برامج ومناهج التعليم المطبقة حاليا فيها بعد أن ثبت أنه قد تسرب إلى بعض هذه البرامج والناهج أفكار إلحادية وشيوعية مسمومة مدسوسة تحارب الدول الإسلامية في عقر دارها، وعلى يد نفر من أبنائها من معلمين، ومؤلفين، وغيرهم.
2 – إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع الأجهزة في الدول الإسلامية، وبخاصة في دوائر الإعلام والاقتصاد والتجارة الداخلية، والخارجية وأجهزة الإدارات المحلية من أجل تنقيتها وتقويمها، ووضع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة التي تعمل على حفظ كيان الدول والشعوب، وإنقاذ المجتمعات من الحقد، والبغضاء وتنشر بينهم روح الأخوة، والتعاون، والصفاء.
3 – الإهابة بالدول والشعوب الإسلامية أن تعمل على إعداد مدارس متخصصة، وتكوين دعاة أمناء؛ من أجل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتى صوره، ومقابلته بدراسات عميقة ميسرة لكل راغب بالاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطره من جهة، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه من جهة أخرى.
ومن ثم فإن هذه المدارس، وأولئك الدعاة كلما تكاثروا في أي بلد إسلامي يرجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرفة الغريبة.
وبذلك يقوم صف علمي عملي منظم واقعي؛ من أجل التحصن ضد جميع التيارات التي تستهدف هذه البقية من مقومات الإسلام في نفوس الناس.
كما يهيب المجلس بعلماء المسلمين في كل مكان، وبالمنظمات والهيئات الإسلامية في العالم أن يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلحادية الخطيرة التي تستهدف دينهم، وعقائدهم، وشريعتهم، وتريد القضاء عليهم وعلى أوطانهم، وأن يوضحوا للناس حقيقة الاشتراكية، والشيوعية، وأنها حرب على الإسلام.
والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
-
الجمعة PM 06:15
2021-02-12 - 2326