الشيوعية والإسلام - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 443021
يتصفح الموقع حاليا : 203

البحث

البحث

عرض المادة

الشيوعية والإسلام

أولاً: دخول الشيوعية لبلاد المسلمين:

اليهود هم الذين أدْخلوا الشيوعية في الدول العربية والعالَم الإسلامي، فقد جاء "جوزيف برجر" اليهودي البولوني إلى لبنان سنة 1920م، عن طريق حيفا، وأخَذَ يدعو لوَحْدة الطبقة العاملة، والإخاء الإنساني، ومقاومة الاستعمار، وأسَّس حزبًا شيوعيًّا مرتبطًا بالحزب الشيوعي في فلسطين، ثم جاء بعدَه يهودي آخرُ من أصل ليتواني اسمه "إلياهو تيبر"، وكان قد تدرَّب على العمل في بلجيكا، حيث اعتنَق الشيوعية، وجاء يدعو لها في سوريا مِن قِبل "الكومنترن".

 

وفي هذه الأثناء عمِل أرتين مادونيان، وهيكازون بوياجيان، زعيمًا لحرَكة سبارناكوس الأرمينية اليسارية على تأسيسِ الحِزْب الشيوعي في سوريا في أوساط الأرْمن الأكراد.

 

ثم جاءَ مِن أوديسا في روسيا اليهودي: نخمان ليتفسكَى، ومعه زوجتُه؛ لاختيار الشباب العربي الذي يصلُح لتلقِّي التعاليم الماركسية في معهد الشيوعيِّين الشرقيِّين في موسكو، وكان في مقدِّمة المختارين الموفدين خالد بكداش سنة 1930، وكان في الخامسة والعشرين من عُمره.

 

وظهرتِ الأهداف الخبيثة من نشْر اليهود للشيوعية في بلاد المسلمين، عندما أُعْلن في سنة 1929م عن ارتباط الحِزْب الشيوعي اللبناني مع الحِزْب الشيوعي السوري، مع الحِزْب الشيوعي اليهودي في تل أبيب، تحتَ قيادة الحزب الشيوعي الفَرَنْسي في باريس، ومن المعروف أنَّ موسكو تستخدم الأحزابَ الشيوعية الأخرى للتدخُّل حتى تبدوَ بعيدةً عن الأحداث، مع أنها هي التي توجِّهها وتنميها، فقد كانتْ بلغاريا مثلاً[19]: تُشرِف على الأحزاب الشيوعية في "الشرق"، وتقوم برعايتها، كما تولَّت كوريا الشمالية بعضَ هذه المسؤولية بالنِّيابة عن موسكو.

 

وقد مهَّد للفكر الاشتراكي في مصر شبلي شميل اللبناني، وفرح أنطوان، الذي كان يدعو إلى دِين الإنسانية؛ ليحلَّ محلَّ الدين التقليدي، ويقصد به الإسلام، كما أخَذ سلامة موسى يبشِّر بالاشتراكية بعدَ زيارته لفرنسا، حيث مركزُ التوجيه الشيوعي للشرق في باريس، وقال هناك: "لقد عشقتُ صحيفة الأومانتية - وهي صحيفة الحِزْب الشيوعي الفرنسي - وإنَّ الاشتراكية طريقٌ جديد في رؤية الأشياء.

 

والمعروف أنَّ سلامة موسى كان يُطالِب بإباحة الخمور، ويهاجم اللغة العربية الفصحى؛ لُغةَ القرآن الكريم.

 

وقد أسَّس الحزبَ الشيوعي المصري اليهوديُّ روزنتال سنة 1922، وهو بائع مجوهرات، وساعدته في ذلك ابنتُه شارلوت، وخلَفَه في العمل الخواجة فاسيليف تحت سِتار تجارة القطن، ثم اليهودي هنري كوريل، الذي كان يُلقَّب بالملوينير الأحمر؛ لكثرة ما يُنفِق بلا حساب من مساعداتِ موسكو، ومِن مشاهير اليهود الشيوعيِّين أيضًا في مصر إيللي شواتز، ويوسف درويش، وريمون دويك، وأوديت وزوجها سلامون سدني.

 

وقد استوقَفني: كيف تخترق المجتمعاتِ الإسلاميةَ هذه الأفكارُ، حتى بأصحاب المهن التي تُعدُّ حقيرة، أو بعيدة كلَّ البعد على أن يتصوَّر مِن صانعيها خطورة؟!

 

يقول الدكتور عبدالبصير الحقرة: "وصاحب الفكر الشيوعي عندما يُريد أن يدخل مجتمعَ غيرِ الشيوعيين، يريد أن يُروِّج لفكره، فنقطة "امتهان المِهنة"، ستكون فرصةً لبثِّ الفكر؛ أولاً: لأنَّها تعطيه فرصةً للاتصال بالناس، ثانيًا: تعطيه فرصة وستارًا للتخفِّي - إذا لزِم الأمر - من الجهات الرِّقابية، مثل التيارات المعادية، أو تيارات أخرى"[20].

 

أمَّا في العِراق، فقدْ وفَد الخياط الروسي بيتروف من الأمميَّة السوفيتية سنة 1929، وأقام في مدينة الناصرية، وقد أطلق الشيوعيُّون على بتروف اسمَ "بطرس أبو ناصر"، وقد انتسب يوسف سلْمان إلى الحزب الشيوعي العراقي، وكان عميلاً للصِّهْيونيَّة في نفس الوقت، وأشهر قيادات الحِزب العراقي ناجي شميل، وكوهين وناجي شاؤول، وشالوم ميير، ويوسف ساسون، وناظِم يعقوب يونا، وداود دانيبل، وهارون زلحة، وكلهم يهود.

 

وقد أسَّس الحزبَ الشيوعي في سوريا الأرمني أرتين مادونيان، وما لبث أن انتزعَ منه الزعامةَ خالدٌ بكداش"[21].

 

ثانيًا: عداء الشيوعية للإسلام:

للشيوعية موقفٌ خاصٌّ من الإسلام يمثِّله قول مولوتوف: "لن تنتشرَ الشيوعية في الشَّرْق إلا إذا أبعدْنا أهله عن تلك الحِجارة التي يعبدونها في الحِجاز وفلسطين[22]!!

 

فالشيوعية قد تصبِر على النصرانية، ولا تُطيق الصبر على الإسلام إلا رَيْثما تتحفَّز له، وتغلُّ أيدي أتباعه عن المقاومة؛ لأن المسيحية دينُ العدد الأكبر مِن الروسيين، والشعوب الأوربية التي تدخل في حوزة الدولة الروسيَّة، ولأنَّ النصرانية من الجهة الأخرى تدعُ شؤون الدولة للدولة، ولا تتعرَّض للنظم الاجتماعية، أو لإقامة المجتمع على أساس جديد، وقد نشأتِ النصرانية كما هو معلومٌ في بلاد تخضع للسلطة "الرومانسية" في الشؤون الدنيوية، ولسلطة "الهيكل الإسرائيلي" في الشؤون الدينية، فاجتنتْ نقض الناموس، وأوصتْ بإعطاء ما لقيصر لله والعَكس!

 

ولأنَّ الإسلام أخطرُ الأديان على الشيوعية، كانتْ حرب الشيوعيِّين عليه شعواءَ، وأقسى وأعنف ما تكون، فأذاقوا المسلمين الهوان، وأصابوهم بمظالِمَ تقْشعِر منها الأبدان، فجرَّدوهم من أملاكهم وما لديهم مِن ثروات، وشرَعوا يهدِمون المساجدَ والمعاهد الدينية، وحوَّلوا والمساجد إلى أندية ومقاهٍ ودور لهْوٍ، وإصطبلات وحظائر للماشية[23].

 

وفي وجهة نظري أنَّ هناك سببًا آخرَ للموقف المحتد تجاه الإسلام، وهو: كون الشيوعية يهوديَّة الفِكرة لهدْم الأديان، فاليهود قد وجَدُوا نفوذهم على النصارى، ابتداءً بتحريف دِينهم على يدِ شاؤول اليهودي "بولس"، وانتهاءً إلى تبرئة بابا النصارى لليهود مِن الخطيئة المزعومة مؤخَّرًا، فهم يجدُون في النصرانية وغيرها متنفسَهم للتحريف والتبديل، وهذا ما لم يستطيعوه مع الدِّين الإسلامي، خاصَّة في أصوله وأحكامه، حتى وإنْ شابَ المسلمين ضعْفٌ، إلا أنَّ الأصول لا تزال ثابتة، بحفظ الله تعالى لكِتابه وسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يجدوا طريقَهم إلا من خلال الشُّبه التي يرمونها، ويتلقَّفها مَن غُسِلت أدمغتهم مِن أبناء الإسلام أو العرب، الذين يتحدَّثون بلُغتنا، أو أولئك الذين يتبنَّونَهم من المندسِّين، وهي مع ذلك مرفوضةٌ عند السواد الأعظم مِن المسلمين - بحمد الله.

 

يقول د. عبدالبصير الحقرة: "وكان مِن ضِمن الأسس التي جعلَتْ هذه التيارات عمومًا - وليس الشيوعية وحدَها - تحارب الإسلام: ما يتمتَّع به الإسلامُ من أمرين:

أولاً: القُوى الذاتية التي يحملها الإسلام مِن صِدق الأصول والمرتكزات، والسمو التشريعي وواقعيته، فالجانبان أعطيَا الإسلام قوةَ النشر والدخول، والسيطرة على القارئ، أو القريب منه؛ لِمَا يحمله من قوَّة الحق الذاتي، وسمو التشريع الإسلامي ذاته، فعندما نقرأ عن انتشار المدِّ الإسلامي في العالَم كله، سنجد أنَّ نسبةً كبيرة دخلَتِ الإسلام على يدِ نِسبة كبيرة من التجَّار الذين فعَلوا الإسلامَ كتطبيق عملي، وكخُلق ذاتي لهم.

 

فلمَّا وجَد الناس حُسْن التعامل، وسموَّ التشريع، وموضوعية الدين وواقعيته، دخلوا الإسلام، فهذا الجانب يؤرِّق أصحابَ المذاهب الفكرية المعاصرة، قديمًا وحديثًا، وليس الموجود الآن فقط!

 

ثانيًا: عالمية الدِّين الإسلامي، إحدى الفرائض الموجودة في الإسلام؛ قال - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28].

 

فهذه المضامين في الأصول: هي التي تدفع أهلَ الإسلام دفعًا نحوَ ضرورة الانتشار للدِّين، والعمل على نشْره، وأية ديانة أخرى هي ديانةٌ متقوقِعة، وما اكتسبت المسيحية أصولَ الانتشار إلا مِن خلال تحريف "بولس" لأصول المسيحيَّة، وإلا فالمسيح في النصوص الموجودة عندهم: ذُكِر عنه أنَّه قال: "ما جئتُ إلا لخِراف بني إسرائيل الضالَّة"، ويقصد بذلك: أنَّه جاء لليهود برِسالة مخصوصة لقوم مخصوصين، لكن الذي حوَّل وطوَّر المسيحية فأخرجها مِن هذه الخصوصية لبني إسرائيل وألْبسها رداءَ العالمية، هو "بولس"، عندما ادَّعى أنَّ عيسى - عليه السلام - أمَرَه أن ينشر تعاليمَ الإنجيل في الشعوب الأخرى، فكان موضوع النشر وغيره.

 

فالإسلام هو الدِّين الوحيد الذي يَحمِل في أصوله قوةً ذاتية، وفرضية النشر والتبليغ، فهو الوحيدُ الذي يُوجِب على أتباعه ضرورةَ الوصول للآخَر، وإبلاغه الإسلام.

 

فهاتان النقطتان أقْصى ما يؤرِّق أعداء الإسلام؛ ولذلك ما يزال هو العدوَّ الأول لأصحاب التيَّارات، والعدو الأول للمسيحية، والعدو الأول لليهودية؛ لِمَا يملك من هذين العاملين: قوته الذاتية، والعالمية التي فرَضها على أتباعه بضرورة تبليغه ونشره"[24].

 

ومِن جهودهم: أنَّهم جمعوا نُسَخَ القرآن والأحاديث النبويَّة، وأحرقوها في الميادين العامَّة، وبطَشوا بكلِّ مَن يتوقَّعون منه المقاومة، ونكلوا بالشبَّان الأقوياء، ونشروا الخوف والفَزَع بيْن العاملين والفلاَّحين، فأقفرتِ الديار، وأجدبت المزارع، وعمَّت المجاعة، واشتدَّت قسوة الجوع على الناس، حتى أكلت الأمُّ ولدَها، وهي تبكي عليه، ثم نظروا شزرًا إلى المحسنين الذين هبُّوا لإنقاذ المنكوبين، فاتَّهموهم بالوقوفِ من السلطة موقفَ التحدِّي الذي يأخذ بأيدي ضحاياها، فقتلوهم لأنَّهم يُطعمون الجياعَ، ويعطفون على الآدمية التي يمسخُها الجوع مسخَ الضواري والسِّباع[25].

 

وهكذا أباد الشيوعيُّون المسلمين، واستولوا على أملاكِهم وثرواتهم، وهدموا مساجدهم، واستباحوا حُرْمتهم، وأغلقوا معاهِدَ العلم الإسلامية، وقتَلوا رجال الدين، وحرقوا المصاحف الشريفة في الميادينِ العامَّة، ومنعوا المسلمين من التمتُّع بالنُّظمِ الإسلامية، حتى في دائرة الأحوالِ الشخصية بإلْغاء المحاكم الشرعية.

 

وحارَب النظامُ الشيوعي الصينيُّ الدينَ الإسلامي، ولقَّن أبناء المسلمين تربيةً إلحادية، وجمَع الكتب الدينية وأتْلفَها، ويَعتبر المسلمين خارجين على القانون، ويُغلِق المدارس الإسلامية والمساجد، ويحثُّ على إقامة الولائم ظهرًا في رمضان، ويُعلِن أنَّ الدين أفيون الشعوب، وأنَّ العادات والتقاليد الدِّينية تُفسِد الأنظمةَ الاقتصادية، فهُم يجبرون النِّساء على العمل في المصانع، وعلى خلْع الحجاب والالْتزام بالسفور.

 

ويتلخَّص عداؤها للإسلام مِن خلال استقرائي في النِّقاط التالية[26]:

1- أنَّ الشيوعية تَعتِبر الإسلام عدوَّها الأول؛ لأنها تجد فيه النظامَ الكامل من ناحية اجتماعية وسياسية، واقتصادية وعامة، والذي يمكن أن يقفَ أتباعُه ضدَّها وهم على أرْض من الصخر، فيفنِّدون بآرائهم آراءَها، وبنظامهم نظامَها الاجتماعي والسياسي، والفكري والاقتصادي، جملةً وتفصيلاً، ففي الوقت الذي خنَع فيه أتباعُ الديانات الأخرى، فإنَّ المسلمين لا تزال فيهم بقيةٌ باقية من عنصر الإيمان يُحرِّكهم للثورة، ويدفعهم للانقضاضِ على الشيوعية؛ لذلك فهي تحْذَر المسلمين أيَّما حذرَ، مشوبًا بكراهية شديدة، تحملهم على التنكيلِ بالمسلمين متى ما أُتيح لهم ذلك، وقد فَعلُوا.

 

2- ضمَّ الشيوعيُّون البلادَ الإسلامية التي تُقارِبهم قسْرًا، واحتوتِ السلطة والسكَّان، واعتبرتْهم وأرضَهم جزءًا مِن أرْضها، وحالتْ دون اتِّصالهم بالعالَم الإسلامي خاصَّة، وبالخارجي عامَّة، وبالطبع ما تمكَّنوا من ذلك إلا لقُرْب هذه البلاد منهم، وإلا لو كانت بعيدةً ما تجرَّؤوا ولا استطاعوا، ومع كلِّ تلك القوَّة التي مارَسوها على المسلمين الذين يجاورونهم إلا أنَّ المسلمين ضرَبوا أروعَ الأمثلة بالمقاومة؛ وما ذاك إلا للعقيدة التي لا تُقهَر تحت أيِّ ظرْف كان صاحبها.

 

3- نتيجةً لكراهيتها الشديدة للإسلام وأهله فهِي تضرِب بعُنف، وهي على استعدادٍ للقضاء على كلِّ مَن تُثار حوله الشكوك بأقلِّ الشبهات، ولو أدَّى ذلك إلى قتْل شعب كامِل من الشعوب التي تتألَّف منها الإمبراطوريةُ الرُّوسية، ولنسألِ التاريخ القريب عن جُرْأتها على المسلمين.

 

4- تُقلِّل مِن نسبة المسلمين، وذلك مِن خلال تهجير المسلمين الذين تكْره وجودَهم في منطقة لأقلِّ الأسباب، وتبعدهم إلى مجاهيلِ سيبيريا، وتنقل الروسَ إلى أرْضهم، فيقلُّ بذلك نسبة المسلمين، في المنطقة وتفقرهم، وتدَّعي أنَّ المنطقة روسيَّة بعد أن تنقل إليها الرُّوس الجُدد، "وهذه السياسة وجدْناها بعد سقوط الاتِّحاد السوفيتي، ووجدْنا مدَى المعاناة الشديدة، والذي لم يكنِ السواد الأعظم من البلدان الإسلامية على عِلْم بما يحدُث لهم، فكان من ضِمن الأساليب: إحْكام السيطرة والتعذيب، والتنكيل بالمسلمين، والتغطية الإعلاميَّة والتكتُّم عن هذه الدول، فنحن لَم نكن نعرفُ أساسًا أنَّ هناك دولاً بهذا العدد، وبهذا الكم من المسلمين في دول مثل: كوسوفو وألبانيا، فهذه الدول كانت تحتَ وطأة الاتحاد السوفيتي قبل أن ينقسم، وكانتْ من الوسائل التي اتَّخذتها بحقِّهم هو تعميةُ الإعلام العالمي عمَّا يحدُث داخل الدولة الشيوعيَّة، والتكتُّم على هذه الأعمال الإجراميَّة، لما يحدُث لإخوانٍ لنا في الإسلام.

 

فهذا يكشِف عنْ مدى شدَّة كراهيتهم للإسلام، وقد رأيْنا المآسي التي آسى منها إخوانُنا في الإسلام رجالاً ونساءً في عقد التسعينيَّات، واستمرَّ أكثر من ثمانِ أو عشر سنوات مِنْ شدَّة المعاناة، وللأسف الشديد لَم نرَ فاعليَّةَ الحكومات الإسلاميَّة؛ نتيجةَ عوامل كثيرة كان منها انشغالهم بالقوميَّات والوطنيات وغيره"[27].

 

5- تقوم بدرْس المساجد والمؤسَّسات الإسلامية، وتُخفِي معالمها تنكيلاً، وإذا ما بقِيَ شيءٌ منها حولَّتْه لحانة خمر أو مرْقص، أو حظيرة للاستهزاء بالدِّين، وجرْح مشاعر المسلمين.

 

6- تلغي ماضي المسلمين، وتبدِّل أسماءَهم، وتبني لهم تاريخًا جديدًا بعدَ دمْجِهم قسرًا في حُكمها.

 

7- تمنع صِلةَ المسلمين في المناطق التي تسيطر عليها مع العالَم الإسلامي عامَّة، ومع العرب خاصَّة.

 

وهنا ذكْر لبعض البلدان التي كانتْ تحت التنكيل والسيطرة الشيوعية، بمناسبة الحديث عن المكْر الشيوعي ضدَّ المسلمين:

1- تركستان الشرقية الصينية:

تركستان منطقةٌ واسعة في وسط آسيا، تجعل منها الجبالُ التي في وسطها منطقتين، إن لم يكنْ لعامل الأرض عظيمُ قيمته، ويسكنها شعبٌ واحد، وإن لم يكن لرابط الجنس كبيرُ أثر، عُرِفت بهذا الاسم نسبةً إلى القبائل التركية التي تنتقل في أرْجائها.

 

وصل إليها المسلمون منذ فتوحاتهم الأولى فدانت لهم، وأقاموا فيها حكم الله، حتى إذا غلبت عليهم الدنيا ضعف أمرُهم، فغلبتهم التفرقة، وهزمتْهم الجيوش، ثم تقاسمتْها الدول، فأخَذ الروس قِسمَها الغربي، حتى عُرِف باسم (تركستان الروسية)، وسيطرتِ الصين على جزئها الشرقي، حتى عُرِف باسم (تركستان الصينية)، رغمَ أنَّ المنطقة بكامِلها تُشَكِّل جزءًا من الأمَّة الإسلامية، وتتألَّف تركستان الشرقية من خمس مناطق.

2- تركستان الغربيَّة:

منطقة واقعةٌ تحت السيطرة الروسية، في أواسط آسيا، وبيْن المرتفعات، وفي هذه المناطق الصحراويَّة عاشتْ قبائل فَرَضت عليها طبيعةُ المكان الارتحال وأجبرها الكلاء على الانتقال، يعود معظمها إلى أصْل تركي، هذا الأصل أعْطَى المنطقة الاسم، وحصل في هذه المنطقة فيما بعدُ تطوُّر على جميع النواحي رغمَ صحراويتها: تطور زراعي، وتعليمي، واستثماري صناعي، كلها عواملُ جعلت من روسيا تتهافتُ على احتلالها.

 

وغيرها مِن البلدان الإسلامية الكثيرة؛ كسيبريا، وقفقاسا، وأذربيجان، وداغستان.

 

إضافةً إلى المسلمين في البلْقان، وما ذاقوه مِن ويلاتٍ نقلتْها شاشاتُ التلفاز عيانًا جهارًا، دون أن يحرِّك العالم بأكمله ساكنًا، ومن تلكم البِقاع: ألبانيا، ويوغسلافيا.

 

ثالثًا: أسباب انتشار الشيوعيَّة في العالم الإسلامي:

لقد دخلتِ الشيوعية الماركسيَّة كثيرًا من بلاد المسلمين، وما كان ذلك ليتمَّ لها؛ لأنَّ مسوغات انتشارها في أوربا وروسيا كثيرة؛ وأبرزها غيابُ المنهج الصحيح وهو الإسلام.

 

أمَّا بلاد المسلمين، فإنَّها تنعم بالدِّين الحق، فما حاجتها - إذًا - للشيوعيَّة؟!

وكيف تسمح لمثْل هذه المذاهب الباطِلة أنْ تنخر في جسم الأمَّة، وقد أغْناها الله - عزَّ وجلَّ - بوحيِ السماء عن نتَنِ أفكار أهل الأرض؟!

 

والجواب عن ذلك: أنَّ الشيوعيَّة دخلتْ بلاد الإسلام لأسباب عديدة، منها:

1- انحراف كثيرٍ من المسلمين، وجهْلِهم بعقيدتهم.

2- الهزيمة النفسيَّة الداخلية، التي أفقدتِ العزَّة، ومَكَّنتِ الشيوعية وغيرها مِن الدُّخول.

3- التأخُّر المادي والعسكري، الذي مكَّن الشيوعيِّين من التفوُّق علينا، والذي يصنع الهَيْبة في نفوس المتجرِّدين من هذه القوَّة.

4- الاستعمار وما خلَّفه مِن دمار، وامتصاص المستعمرين لخيرات المسلمين.

5- حال المسلمين المتردِّية المتمثِّلة في التفرُّق والشَّتَات، واختلافِ الكلمة، ومعلومٌ أنَّ قوَّتهم في اتِّحادهم.

6- جعْل واقع المسلمين في العصور المتأخِّرة هو الصورة التي تمثِّل الإسلام، فيروج الشيوعيُّون وأذنابهم من المنتسبين للإسلام أنَّ دين الإسلام دينُ تخلُّف، وانحطاط، وتأخُّر عن مُوَاكبةِ الأحْداث.

7- انتشار الخُرافات والبِدَع؛ حيث شاعتْ في بلاد الإسلام بِدعٌ وضلالات، تروِّج لها المذاهبُ الباطلة، والطُّرق الصوفية التي تقوم على الدَّجَل، وعبادة القبور، والمبالَغة في قصص الكرامات.

كل ذلك اغتنمه الشيوعيُّون، وسدَّدوا مِنْ خلاله سهامَهم نحوَ الدين؛ ليروِّجوا أن الدِّين خرافةٌ ودجَل.

8- سقوط الخِلافة الإسلاميَّة: فلقد كانتْ تجمع المسلمين، وتُرهِب أعداءَ الله، مع ما كانتْ عليه في أواخِر عهدها من انتشار البِدَع، ونخرها في جسَد الخِلافة.

9- التقْصير في الدعوة إلى الله تعالى: ذلك أنَّ كثيرًا من المنتسبين إلى علوم الشريعة، فقد فرَّطوا في جانبِ الغَيْرة على الحق؛ خشيةَ أن يُوصَفوا بالتشدُّد أو الانغلاق، أو رغبةً بأن يُوصفوا بالانفتاح وسَعة الأفق.

10- ترْك الجهاد في سبيل الله تعالى؛ حيث ركَن أكثرُ المسلمين إلى ملذَّات الحياة الدنيا، فدبَّت إلى الجفون غفوة، فلم تكدِ الأُمَّة تستفِق منها إلا ويدٌ أجنبية تقبض على زِمامها، وتُديرها كما تَشاء.

11- تركيز الغَرْب على إفساد التعليم والإعلام والمرأة، فشوَّه الإعلامُ صورةَ الإسلام وعلمائه.

12- الابتِعاث وما فيه مِن مفاسد؛ حيث يبتعث إلى بلادِ الكُفْر مَنْ هو خالي الوفاض - في الغالب - فلا علمَ لديه، ولا ورَع يزمُّه، ولا تقوى تردَعُه، ولا عزَّة تمنعه، فيعيش في تلك البلاد فترةً من الزمان، فيتأثَّر بما فيها مِن انحلال، وفساد، وكفر، وربَّما رجَع بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقدَ شهادة أن لا إله إلا الله، فيُصبح بذلك مِعْولَ هدْم لأمَّته، وربَّما تولَّى زِمام التأثير في المجالات المهمَّة؛ فيفرغ فيها كثبةً مِن سمومه، وفساده.

13- خيانات العُملاء والمنافِقين؛ فلهؤلاء دوْرٌ كبير في نشْر الشيوعية، والتمكين لها.

14- سوء التربية؛ وذلك بأنْ ينشأ الشخصُ في بيْتٍ خالٍ من آداب الإسلام ومبادِئ هدايته، فلا يرَى فيه مَن يقوم على أمْر تربيته، وغيرها[28].

 

رابعًا: أعمال الشيوعيِّين ضدَّ المسلمين:

لقد أدْرَك الشيوعيُّون أنَّ للإسلام أثرًا عجيبًا في نفوس أهْله؛ وأنَّه من الصعوبة بمكان أن يتخلَّوْا عنه، أو أن يَرْضَوْا به بدلاً، كما أدْركوا أنَّ قوة الإسلام كامنة فيه، وفي مناسبته للفِطَر القويمة، والعقول السليمة.

 

تقول إحدى الوثائق الصادرة من جهات رسمية في الاتحاد السوفيتي: برغم مرورِ خمسين سنة تقريبًا على الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وبرغمِ الضَّرَبات العنيفة التي وجَّهتْها أضخم قوة اشتراكية في العالَم إلى الإسلام، فإنَّ الرِّفاق الذين يراقبون حركةَ الدِّين في الاتحاد السوفيتي صرَّحوا - كما تذكر مجلَّة (العلم والدين) الروسية في عددها الصادر في أوَّل كانون الثاني من سنة 1961م - بما نصُّه:

إنَّنا نواجه في الاتِّحاد السوفييتي تَحدِّياتٍ داخليَّة في المناطِق الإسلامية، وكأنَّ مبادئ لينين لَم تتشرَّبْها دِماءُ المسلمين.

 

ولهذا جاء في الوثيقة المذكورة بيانٌ للبنود التي يجِب على الشيوعيِّين محاربةُ الإسلام من خلالها، أختارُ بعضًا منها:

1- مهادنة الإسلام؛ لتتمَّ الغلبةُ عليه، والمهادنة لأَجَل؛ حتى نضمنَ السيطرة، ونجتذبَ الشعوب العربية للاشتراكية.

2- تشْويه سُمعة رِجال الدِّين، والحكَّام المتدينين، واتِّهامهم بالعمالة للاستعمار والصِّهْيونيَّة.

3- تعميم دِراسة الاشتراكية في جميع المعاهِد، والكليات، والمدارس في جميع المراحِل، ومزاحمة الإسلام ومحاصرته؛ حتى لا يصبح قوَّة تهدِّد الاشتراكية.

4- الحيلولة دون قيام حرَكات دينيَّة في البلاد، مهما كان شأنُها ضعيفًا، والعمل الدائم بيقظة لمحوِ أيِّ انبعاث دِيني، والضَّرْب بعُنف لا رحمة فيه لكلِّ مَن يدعو إلى الدين، ولو أدَّى إلى الموت!

5- ومع هذا لا يغيب عنَّا أنَّ للدِّين دورَه الخطير في بناء المجتمعات؛ ولذا وجَب أن نحاصرَه من كلِّ الجهات، وفي كلِّ مكان، وإلْصاق التُّهم به، وتنفير الناس منه بالأسلوب الذي لا ينمُّ عن معاداة الإسلام.

6- تشجيع الكُتَّاب الملحدين، وإعطاؤهم الحريَّةَ كلها في مواجهة الدِّين، والشعور الدِّيني، والضمير الدِّيني، والعبقرية الدِّينية، والتركيز في الأذهان على أنَّ الإسلام انتهى عصرُه.

7- قطْع الروابط الدِّينية بيْن الشعوب قطعًا تامًّا، وإحلال الرابطة الاشتراكية محلَّ الرابطة الإسلامية، التي هي أكبرُ خطرٍ على اشتراكيتنا العلميَّة.

8- إنَّ فصم روابطِ الدِّين ومحو الدِّين لا يتمَّان بهدْم المساجد والكنائس؛ لأنَّ الدين يكمن في الضمير، والمعابِد مظهرٌ من مظاهر الدين الخارجية، والمطلوب هو هدْم الضمير الدِّيني.

9- مُزاحَمة الوعي الدِّيني بالوعي العِلمي، وطرْد الوعي الدِّيني بالوعي العِلمي.

10- خِداع الجماهير بأنْ نزعم لهم أنَّ المسيح اشتراكي، وإمام الاشتراكية؛ فهو فقير، ومِن أسرة فقيرة، وأتباعه فُقراء كادحون، ودعَا إلى محاربة الأغنياء، وهذا يُمَكِّننا من استخدام المسيح نفسِه؛ لتثبيت الاشتراكية لدَى المسيحيِّين.

 

ونقول عن محمَّد: إنَّه إمام الاشتراكيِّين؛ فهو فقير، وتَبِعَه فُقراء، وحارَب الأغنياء المحتكِرين، والإقطاعيِّين، والمرابين، والرأسماليين وثارَ عليهم[29].

 

هذا فضلاً عن المخطَّطات العَملية التي قام بها الشيوعيُّون إبَّان فترة حُكْمهم بأعمال وحشية، ومذابحَ رهيبة لَم يشهد لها التاريخُ مثيلاً في أحقابه المتطاولة، وسيتضِح شيء من ذلك مِن خلال ما يلي:

أولاً: نَكبات المسلمين ومذابحهم على أيدي الشيوعيِّين:

1- الإبادة الجماعية:

أ - أعمالُهم في التُّركستان: فقد قتَل الشيوعيون في التركستان وحْدها سنة 1934م مائةَ ألف مسلِم: من أعضاء الحكومة المحليَّة، والعلماء، والمثقفين، والتجار، والمزارعين.

 

وقد هرَب من التركستان منذ سنة 1919م حتى اليوم مليونان ونصف مليون من المسلمين.

 

ومِن سنة 1932م إلى 1934م مات ثلاثة ملايين تركستاني جُوعًا؛ نتيجةَ استيلاء الرُّوس على محاصيلِ البلاد، وتقديمها إلى الصينيِّين الذين أدْخلوهم إلى تُركستان.

 

2- هدْم المساجد، وتحويلها إلى دُور للهو، واستخدامها في غايات أخرى، وإقْفال المدارس الدِّينية:

أ - بلَغ مجموع المساجد التي هُدِّمت أو حُوِّلت إلى غايات أخرى في التُّركستان وحْدها 6682 جامعًا ومسجدًا، منها أعظمُ المساجد الأثرية، مثل: (منارة مسجد كالان) في مدينة بخارى، و(كته جامع) في مدينة قوقان، و(جامع ابن قُتَيبة) و(جامع الأمير فضْل بن يحيى) و(جامع خوجه أحرار) في مدينة طشقند.

 

ومجموع عددِ المدارس والكتاتيب التي أقْفلوها في التركستان يبلغ 7052 مدرسة، منها: (ديوان بيكي مدرسة) في مدينة بُخارى، و(بكلريك مدرسة)، و(بران حان مدرسة) في مدينة طشقند، وغيرِها مِن المدارس التاريخيَّة التي كانتْ منهلاً من مناهلِ العلم والعرفان.

 

ب - وفي (القرم) طمسوا معالِمَ الإسلام بما فيها الجوامع الأثريَّة في مدينة (باغجة سراي) عاصِمة (القرم) الجميلة؛ مثل: (جامع حان)، وجامع (طوزيازرا)، وجامع (أصماقويو) وغيرها.

 

ج - وهدموا في مدينة (زغرب) في يوغسلافيا جامعًا عظيمًا شُيِّد رَمزًا لوحدة عنصري الشَّعْب الكرواتي.

 

وأغْلقوا في مدينة (سراييفوا) الأكاديميةَ الإسلامية العليا للشريعة الإسلامية، وجميعَ المدارس الدِّينية، باستثناء واحدة فقط، أبقَوْها للدِّعاية!

 

3- قتْل علماء الدِّين أو نفْيهم، أو الحُكم عليهم بالأشغال الشاقَّة، أو منْعهم من الحقوق السياسية، بل والحقوق الإنسانيَّة، وإيجاد أيَّة عقَبة أخرى تَحُول بينهم وبيْن مزاولتهم لِمهْنتهم.

 

وممَّن قُتِل من العلماء في تركستان الشيخ برهان البخاري قاضي القُضاة، والشيخ خان مرْوان خان مفتي بُخارَى، والشيخ عبدالمطلب واملا، والشيخ محسوب متولي، والشيخ عبدالأحد وادخان، والشيخ ملا يعقوب، والشيخ ملا عبدالكريم، وغيرهم كثيرون.

 

4- قتْل الزُّعماء السياسيِّين أو نفيهم: ومِن أمثال ذلك أنَّ الشيوعيِّين قتلوا في التركستان الشرقية سنة 1934م الحاجَّ خوجه نياز رئيس الجمهورية، ومولانا ثابتًا رئيس مجلس الوزراء، وشريف حاج قائد مقاطعة (ألتاء)، وعثمان أوراز قائد مقاطَعة (كاشفر)، ويونس بك وزير الدولة، والحاج أبو الحسن وزير التِّجارة، وطاهر بك رئيس مجلس النوَّاب، وعبدالله داملا وزير الأشغال، وغيرهم كثير ممَّن لا يتَّسع المقام لذِكْرهم.

 

وكلَّما أحسَّ الشيوعيُّون ببوادر أيَّة حرَكة قوميَّة أو إسلامية بيْن التركستانيِّين قاموا بحملة التصْفية، وهي حملةٌ يراد بها القضاء على كلِّ مَن تُحدِّثه نفسه بما قد يخالِف تعاليم آلهة الشيوعيِّين: (ماركس)، و(لينين)، و(ستالين).

 

5- منْع المسلمين مِن التمتُّع بالنُّظم الإسلامية في دائرة الأحوال الشخصيَّة؛ فقد أُلغيتِ المحاكمُ الشرعيَّة في جميع أنحاء الاتِّحاد السوفيتي ويوغسلافيا.

 

ثانيًا: نماذج من صُور التعذيب للمسلمين:

ومِن جرائمِ الشيوعيِّين التي أنزلوها بالمسلمين صورُ التعذيب، وأفانينه العجيبة، فمِن ذلك ما حلَّ بمسلِمي تركستان الشرقية، عندما رفَضُوا إلحاديةَ ماركس، التي منها:

1- دقُّ مساميرَ طويلة في رأس المُعذَّب، حتى تصل إلى مُخِّه.

2- صبُّ البترول على المُعذَّب، ثم إشْعال النار فيه حتى يحترِق.

3- جعْل المسجون المعذَّب هدفًا لرَصاص الجنود الذين يتدرَّبون على تسديد الأهداف.

4- حبْس المعتقَلِين في سجون لا تدخل إليها الشمس، ولا ينفذ منها هواء، وتجويعهم حتى الموت.

5- وضْع خوذات معدنيَّة على رأس المعذَّب، وإمرار تيَّار كهربائي فيها؛ لاقْتلاع العيون.

6- ربْط رأس المعذَّب في طرْف آلة ميكانيكية، وربْط باقي الجسم في آلة أخرى، ثم تحريك كلٍّ مِن الآلتين في تباعُد وتقارب شدًّا وضغطًا على المُعذَّب، حتى يعترفَ على نفسه وغيره، أو يموت.

7- كيُّ كلِّ عضوٍ من الجِسْم بقطعة من الحديد المحْمِي إلى درجة الاحمرار[30].

 

وغيرها مِن الأساليب التي يَشيب مِن هولها رأس قارئها، فكيف بمَن عاينها وعاشها - ولا حولَ ولا قوة إلا بالله؟!

 

خامسًا: خطر الشيوعية على الإسلام:

وبالرغم مِن وضوحِ انتماء الشيوعية لليهود، وافتخارهم وتباهيهم بها، إلاَّ أنَّ العالَم - وخاصَّة المسلمين - لا يزالون في غفْلة عن هذا الخطر المحدِق بهم، وكأنهم لا يسمعون ولا يُبصرون، ولا يعلمون شيئًا مما يحدُث، وما أحداث أفغانستان عنا ببعيد[31].

 

وتكْمن خطورةُ الشيوعية على المسلمين من جميع النواحي، إلا أنَّ الأخلاق والثقافة الإسلامية أهمُّها على الإطلاق؛ لأنَّ الضعف الحقيقي - في رأيي - في الأمَّة لا يتأتَّى إلا مِن خلالها.

 

أولاً: أثر الشيوعية على الأخلاق:

لا ريبَ أنَّ عقيدة الإنسان ترسم له طريقَه، وتحدِّد له معالِم سلوكه ومعاملاته، فالناس توجِّههم عقائدهم وأفكارهم، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خَلَل في الاعتقاد.

 

ولهذا فلا غروَ أن تفسدَ أخلاق الشيوعيِّين؛ لأنَّ الأصل لديها منْهار، وإذا انهار الأصْل تداعتِ الأركان والفروع.

 

بل إنَّ عقائدهم أحطُّ العقائد، فلا تسَلْ - إذًا - عن فساد أخلاقهم، وما يتبع ذلك مِن انحطاط سلوكهم، فالشيوعيُّون على أتمِّ الاستعداد لعمل أيِّ شيء منافٍ للأخلاق، من غشٍّ وكذب وخِداع، في سبيل تحقيق مكاسبهم، والوصول إلى غاياتهم؛ فهم يأخذون بالمبدأ الميكافيلي: "الغاية تسوِّغ الوسيلة".

 

يقول إنجلز: إذا لم يكن المناضِل الشيوعي قادرًا على أن يغيِّر أخلاقه وسلوكه وَفقًا للظروف مهما تطلَّب منه ذلك من كذِب، وتضليل، وخداع - فإنَّه لن يكون مناضلاً ثوريًّا حقيقيًّا.

 

ولهذا؛ فالشيوعيون لا يُحجمون عن أيِّ عمل مهما كانتْ بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يُصبح العالَم شيوعيًّا تحت سيطرتهم، مُتَخَلِّقًا بأخلاقهم، مؤمنًا بها، يقول "لينين" في رسالة بعَث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إنَّ هلاك ثلاثة أرباع العالَم ليس بشيء، إنما الشيء المهمُّ هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا.

 

ولقد طبَّقوا هذه القاعدة في روسيا أيامَ الثورة، وكذلك في الصين، حيث أبيدت ملايين مِن البشر، كما أنَّ اكتساحهم للجمهوريات الإسلامية كبُخارى وغيرها، واكتساحهم لأفغانستان، ينضوي تحتَ هذه القاعدة.

 

وممَّا تؤمن به الشيوعية من أخلاق، العُنفُ والسعيُ في إثارة الحِقد والضغينة في نفوس العمَّال[32].

 

ولذلك ما لبِثوا أن ينشروا سمومَهم في المجتمع الإسلامي، على جميعِ المستويات الاجتماعية، وخطَّطوا ودبَّروا لكلِّ فرد ما يناسبه:

فقد استغلُّوا الشباب باللهو والإغراق في الملذَّات، والدعوة للرذائل بكافَّة السُّبل التي يستطيعون، خاصَّة الإعلامية منها.

 

وقد خطَّطوا للمرأة، واستطاعوا أن يجعلوا مِن البعض منهنَّ أُلعوبةً في أيديهم، رائدات للشيوعية في العالَم الإسلامي، داعيات إليها بطُرق مباشرة أو غير مباشرة، وتشربها الكثير من الغافلات والمغترَّات بتلك الدعوات باسمِ الحرية، فانسقْنَ خلفها، وضاعتْ هُويَّة المرأة المسلمة.

 

والحال ينطبِق على ناشئة الأمَّة، وما يبثونه من عقائدَ منحرِفة فيما يشاهدون.

 

2- الثقافة الإسلامية:

حينما نتكلَّم عن خطر الشيوعية على الهُويَّة والثقافة الإسلامية، فإنَّ هذا لا يَعني أنَّها هي العدوُّ الوحيد للإسلام والمسلمين، بل غالِب الملل إنْ لم تكن كلها، لها موقِف واحد من الإسلام، وإني لأعجَبُ كيف اجتمعتِ الأحقاد من الملَل والمذاهب المتعدِّدة على الإسلام خاصَّة حِقدًا لا يوازيه حقد!

 

إذًا فالشيوعيَّة بحِقدها على الأدْيان والأخلاق تَسْعى جادَّةً لسحْق المسلمين والقضاء على دِينهم؛ لأنَّ هذا من أهدافها الأساسية كما مرَّ معنا، وها هي الآن تزحف على البلاد الإسلامية يومًا بعدَ يوم، كما هي الحال في أفغانستان، واليمن الجنوبي والصومال، وغيرها، هذا بالإضافةِ إلى مُحاولة الشيوعيِّين إثارة الفتَن والشُّبهات، وتأسيس الأحزاب والاتجاهات الثوريَّة الموالية للشيوعية تحتَ شعارات اليسارية والاشتراكية، والبعثية والتقدمية والتحرير... إلخ، مِن الشعارات والألْقاب التي فرَّقتِ المسلمين ومزَّقت وحدتهم، ولا تزال إلى أن ينتبهَ المسلمون مِن غفلتهم، ويعودوا إلى ربِّهم، ويستمسكوا بدِينهم الذي فيه وحدتُهم، وعِصمة أمرهم.

 

ومِن مظاهر هذا التأثير على الثقافة الإسلامية:

1- أنَّ شباب المغْرب العربي، قد انجذب بسبب قرْبه من أوربا للتحلُّل الأوربي مِن الأخلاق وتقاليده المستمدَّة من الدِّين[33].

2- كما يخْضع العالَم الإسلامي تحتَ ألوان مختلفة مِن أنظمة الحُكم، وجميعها يقِف من الإسلام موقفًا واحدًا، وهي توجه بأيدٍ خفيَّة متحالِفة، ومِن ضمنها الشيوعيَّة.

 

سادسًا: من آثار الشيوعية على العالم الإسلامي:

1- أشْغلتِ العالَم الإسلامي فترة طويلة من الزمن لوهْمهم مقاومة الاستعمار الغربي، وفي حقيقتها تتبع بثِّ الصِّراع بين شعوب العالَم الإسلامي وحكوماتهم.

2- كان الصِّراع بيْن المسلمين والشيوعيِّين شديدًا؛ لأنَّ المسلمين يرفضون فكرة الإلْحاد والسخرية من الدِّين، فانشغل العالَم الإسلامي بهذا الصِّراع عن التنمية الاقتصادية والعِلمية والاجتماعية، وغفَل عن الكيان الإسرائيلي الذي كان يبني دولتَه بالدَّعْم الغربي.

3- ذُيوعها في مجتمعات المغْرِب العربي لدَى الأجيال الناشئة؛ وما ذاك إلا لهزالة الاتِّجاه الممثِّل لجذور الأمَّة الإسلامية.

4- صار الإسلام على يدِ الشيوعيِّين وأتباعهم اشتراكيًّا في الجزائر، واشتراكيًّا دستوريًّا في تونس، وملكيًّا دستوريًّا في المغرب.

 

سابعًا: كيفية مواجهة الشيوعية:

1- العمل كجَماعةٍ إسلامية متكامِلة، متوازنة الفِكْر تُعنَى بالتوحيد، وتَعْرف المخطَّطات العالمية ضدَّها، وتُربِّي أبناءها على التوحيد والعبادة، وتهتمُّ بالنوافل.

2- تبدأ الجماعة الإسلامية بالجِهاد، فتكون كالصَّاعق الذي يُفجِّر طاقاتِ الأمَّة، والجهاد يشمل: جهاد الفِكر، جهاد المقاومة في الدول المتضرِّرة، جهاد إعداد السِّلاح، وتقوية الأمَّة ماديًّا وعسكريًّا.

3- التربية الصحيحة، المؤصَّلة بالعقيدة السليمة؛ حتى يصحَّ البنيان في أنفس الأجيال المسلِمة، وتصمد أمامَ الأخطار التي تحدق بها.

4- اعتماد التدريس لموادَّ تتعلق بالمذاهب الفِكرية منذ مرحلة مبكِّرة، ولو بشكل ميسَّر، ولتكن المتوسطة مثلاً؛ حتى تتعلَّمَها الأجيال الصاعِدة منذ وقت مبكِّر.

5- توعية المبتعَثِين توعيةً تامَّة، وتأهيلهم فكريًّا لِمَا قد يصطدمون به في تلك المجتمعات مِن أفكار منحرِفة.

6- حوار مثقَّفينا مع رُموزهم الضالَّة "مفكريهم" حوارًا علنيًّا، هدفُه فضْحُ أفكارهم، وإلْجامهم بالأدلة الدامغة.

7- تفعيل الدَّوْر الإعلامي، في تسليط الضَّوْء على المذاهب المنحرِفة، وحتى وإن بدَا بعضها خاملَ النشاط، فالقوم يُخطِّطون ويجتمعون، ولا يعلنون دون كلَل ولا ملَل، ولا ندرك نتائجَ تخطيطهم إلا مع تقادُم الوقت، والدليل ما فيه دُولنا الإسلامية اليوم، وما كانت عليه.

 

ثامنًا: مِن شُبه الشيوعية العامة:

وهذه الشُّبه تتعلَّق بأصْل المذهب، والتي جعلت أساسًا يقوم عليه، لكنَّهم اجتهدوا في بثِّها للعالَم كمُسلَّمات ينبغي الأخْذُ بها، وهي كثيرة، مِن أبرزها:

1- إنكار وجود الله - تعالى وتقدَّس -:

يقول الشاعر:

وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ     تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ

 

فوجوده - سبحانه وتعالى - يتمثَّل بوضوح في كلِّ هذا الوجود من أصْغر مخلوق إلى أكْبره، بل الإنسان نفسه مِن أكْبر الأدلَّة على وجود الله الحكيم الخبير، وإلا فأي موجود يستطيع أن يزعمَ أنه هو الذي أوجد نفسَه، وعلى الصورة التي أرادها أو قدَّر لنفسه رِزقَها وأجَلَها، ومصيرها بعدَ ذلك.

 

لقد أقدمتْ فِئة شاذَّة استهواهم الشيطان، وماتتْ قلوبهم وإن كانوا أحياء يُرزقون، فذهبوا يعترِضون على وجود الله - تعالى - وهم الملاحِدة، وقد مهَّد لهم الطريقَ علماءُ الكلام الذين وصَفوا ربَّهم بأنه ليس فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا داخل العالَم ولا خارجَه، ولا يحسُّ ولا يشمُّ ولا يُشار إليه... إلخ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولقد كثرُتِ الردود على الملاحِدة، وعلى علماء الكلام الباطِل في هذه القضية الخطيرة، بما لا يكاد يحتاج إلى زِيادة.

 

ويعرِض سؤال: هل البشر في حاجةٍ إلى أدلَّة لإثبات وجود الله تعالى؟

لا يُمكن أن نجدَ إنسانًا سليمَ العقل والفطرة يعتقد أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يخفَى على عباده، فالعقل والكَوْن كله، وجميع المخلوقات مِن ناس وجماد، وساكِن ومتحرِّك، كلها تدلُّ على وجود الله - سبحانه وتعالى - وتشْهَد بقُدرته وحِكمته، ولطفه وعظمته، وجميع ذرَّات هذا الكون؛ ولهذا فلسْنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلَّة على وجوده، فهو أمْر فطري، وفي كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يَشْفي ويَكْفي لِمَن عنده أدْنى شك في وجود المولَى - عزَّ وجلَّ - ومِن العجيب أن يستدلَّ الملاحدة على إنْكار وجود الله تعالى بأدلَّة، هي أقوى الأدلَّة على وجوده وخلْقه لهذا الكون وتدبيره له.

 

ولعلَّ الذين تجرَّؤوا ونفَوْا وجود الله - عزَّ وجلَّ - إنما حملَهم على هذا ما وجدوه مِن أوصاف الإله - سبحانه - في التوراة والأناجيل، مِن أنه شاخَ وكبر وينسى، ويأكل ويشرب، ويمشي ويجلس، ويحزن ويندم، ويهمُّ بالشيء ثم لا يفعله، تعالى الملك، ولا عجب إذا تجرَّأ كتاب مقدَّس - بزعمهم - عن عدم التورُّعِ في تنزيه ربِّ الكتاب، كيف بعقول مَن يتلقَّفه من الضالِّين؟!

 

2- أن المجتمع قام على الشيوعية في بدايته:

وهذا ما هو إلا افتراض وظنون، لا يملكون على صحَّتها أي دليل صحيح، بل كل شيء يُكذِّبهم؛ قال - تعالى -: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾ [الكهف: 5].

 

فقد تصوَّروا في أخْيلتهم أنَّ البشر البدائيِّين: أقاموا فيما بينهم شراكةً في كلِّ شيء! قبل أن يتطوَّروا ويعرِفوا المِلْكية الفرديَّة، رادِّين بهذا كلَّ ما جاءت بذِكْره الشرائع، وخصوصًا الإسلام، وما شهِد به التاريخ، وما تواتر نقلُه في كلِّ الأجيال، وما شهِد به الواقع على مرِّ السنين، مِن أنَّ الله تعالى هو الذي رتَّب حياة الإنسان، وطريقة تعامله منذ أنْ أهبطه الله إلى الأرْض، وإلى أن يرثَ الله تعالى الأرض ومَن عليها، وأنَّ ما مِن أمَّة إلا خلا فيها نذير، وأنَّ الإنسان هو الإنسان مِن بدايته إلى نهايته لم يتغيَّرْ لا في هيئته، ولا في طبيعته، ولا في حبِّه للمِلْكية الفردية منذ وجوده على الأرْض، وما تصوَّره الملاحِدة من انعدام المِلْكية الفردية، وذوبان الشخْص في القبيلة إنَّما كان يصدُق على بعض عهود الجاهلية من التعصُّب الشديد للقبيلة، لكن في غير المِلْكية الفردية، مع أنَّ تصوُّر عدم ميْل كل شخص إلى المِلْكية الفردية افتراضيٌّ بعيدُ الوقوع ومحال.

 

نعم، وُجِد بيْن أفراد القبيلة الواحِدة تعاونٌ قوي، وتعاضُدٌ وشراكة، في السراء والضراء، وتلاحُم بيْن كل أفراد القبيلة إلى حدِّ أنَّ الفرْد لا يُتصوَّر وجوده وكيانه وانتماؤه، وما يأخذه وما يتركه، إلا مِن خلال قبيلته، يفعل كلَّ ما تفعله قبيلته، ويترك كل ما تتركه، دون أن يكونَ له أي رأي في مخالَفة عُرْف القبيلة، ولكن هذه الحال لا تصلح أن تكونَ دليلاً للملاحِدة على شيوعية البشَر على الطريقة التي قرَّرها (ماركس) وأتباعه.

 

3- اعتقاد أنَّ البشر كانوا بمنزلة البهائم في بدايتهم:

وهذا هو الظُّلم والكذِب على البشريَّة بعيْنه، وردٌّ صريح لكلِّ ما يثبت في الأديان السماوية مِن تكريم الله تعالى للبشَر، ورفْعهم عن منزلة الحيوانات البهيميَّة، التي تصورها الملاحدة في تفسيرهم لنشأة البشَر، وقيام أمورِهم على الناحية الاقتصادية والقَبليَّة، وإنَّ وَصفَ البشرية كلها بتلك الوصمة الشنيعة؛ لأجْل ما وجدوه هؤلاء عند تِلْك القبائل الهمجيَّة، ألا يُعتبر تطاولاً على تاريخ البشَر؟!

 

هذا إنْ صحَّ أنهم وجدوا بَشَرًا بتلك الحال!! مع أنَّ كذِبهم وافتراءَهم وارد، ذلك أنَّ ما مِن إنسان يرْضى بالفَوْضَى، فقد أخْبر الله - عزَّ وجلَّ - عن فِطرة الإنسان، وعن الغَيْرة الموجودة فيه منذ أنْ وُجِد أبناء آدَم على هذه الأرض، وقتل أحدُ ابني آدم أخاه.

 

4- زعَم الملاحدة أنَّ الناس في الشيوعية الأولى كانوا يعيشون عيشةً متساوية لا فرْق بينهم:

وهو افتراض ينقُصه الدليل، فمِن أين لهم أنَّهم ما كانوا يشعرون بالفوارقِ فيما بينهم؟! وأقل ما فيها فوارق في الذَّكاء، فوارق في إتْقان العمل، فوارق في القوَّة الجسديَّة والنفسية، وفوارق في الشجاعة، وفوارق في المال، إلى آخر الفوارق التي لا يجهلها أيُّ إنسان سليم العقْل.

 

وحتَّى الملاحدة لا يجهلونها لولاَ أنَّهم يريدون تحبيبَ الشيوعية إلى الناس، وخصوصًا الناسَ الذين يشعرون بانتقاص المجتمع لحقوقهم، أو أنهم مغلوبون على أمرِهم، ويتمنَّون أيَّ فرصة لإثبات وُجُودِهم الذي يحلُمون به.

 

فانتهز الملاحدةُ وجودَ هذه الفوارق الحتمية بيْن الناس للمناداة بالقضاء عليها، وأنَّى لهم أن يُطبِّقوا ذلك فعلاً، وهو مخالِف لما أراده الله تعالى في سُنَّته؟! ذلك أنَّ الله تعالى هو الذي أراد للناس أن يكونوا بهذه الحال، منهم الذكي ومنهم البليد، ومنهم الغني ومنهم الفقير، إلى آخِر الصفات المعلومة بالضرورة من أحوال البشر، فكيف يقْضُون على ما أراد الله بقاءَه؟!

 

والحاصل أنَّه لا دليلَ لهم على كلِّ ما زعموه مِن تلك المساواة المكذوبة، وكذلك زعْمهم أنَّ الناس كانوا يعيشون حياةً ملائكية في منتهى السعادة، إنْ هو إلا خيال فارِغ تُكذِّبه طبيعة البشر منذ وجودهم إلى اليوم، إضافةً إلى أنَّه لا دليل لهم إلا محْض أخيلتهم المنكوسة، وإلا فأيُّ زمن خلا عن الحرْب والتنافس بيْن القبائل على أمور كثيرة، أقلها المرْعى والحِمى والغنائم، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بدَّ من وقوعها ضرورةً في كل أجيال البشر[34]؟!

 

تاسعًا: موقف الإسلام من الشيوعية:

موقِف الإسلام من الشيوعيَّة موقفٌ واضح وصريح، وهو الرفْض التام لكلِّ الأسس الفكرية التي انبثقتْ عنها الشيوعية، مثل: إنكار وجود الله تعالى، وتفسير تاريخ البشريَّة من خلال مفهوم الصِّراع الطبقي، ومحاربة الأديان، ومحاربة المِلْكية الفردية، والمناداة بأزلية المادة، وأنَّ العوامل الاقتصادية هي المحرِّك الأوَّل للأفراد والجماعات، كما أنَّ العقيدة الإسلامية تحتِّمُ مواساة المسلمين، وعدم مظاهرة أعداء الدِّين عليهم، ولا يَخْفى مِن خلال ما سبَق تسليط الضوْء عليه في هذا البحْث المتواضع، أنَّ الشيوعية نكَّلت بالمسلمين شرَّ تنكيل، وأبادتْ بعضهم وقُراهم عن بكْرتهم، في منظرٍ يُثير الحَجر قبلَ البشر، وغيرها مِن المآسي التي أظهرتْها لنا وسائلُ الإعلام.

 

وواضحٌ وصريحٌ أنَّ الشيوعية حاقدةٌ على الإسلام، وكلِّ ما يمتُّ له بصلة، فمن المستغرب - بل والمستنكر - لكلِّ مَن له أدْني بصيرة، أن يكون موقف الإسلام منها غير الرفْض التام، لا سيَّما وأنها جاحدةٌ بالله تعالى وشريعته، وقد قال - تعالى -: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].

 

ويلخِّص هذا الرفْضَ التام للشيوعيَّة موقفُ الأمَّة من الشيوعيَّة في فتوى أصْدرها كبارُ علماء الأمَّة الإسلامية من خلال المجْمع الفقهي بتاريخ: 17/8/1398هـ،

ونصُّها كما يلي:

بعد أن تبيَّن لنا أنَّ الشيوعية مذهب كُفري باطل، بل يُعدُّ أحطَّ المذاهب الكفرية على مدار التاريخ، نأتي إلى حُكم الانتماء إلى ذلك المذهب مِن خلال فتوى المجمع الفقهي الإسلامي، فلقد عُرِض موضوع الشيوعيَّة على مجلس المجْمع في دورته الأولى المنعقدة في 10- 17/8/1398هـ، وبعد أنِ استعرض المجلس ذلك الموضوع، أصْدر فيه قرارًا بيَّن فيه حُكم الشيوعية والانتماء إليها، وهذا نصُّه:

الحمد لله، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وبعد:

فإنَّ مجلس المجمع الفِقهي درس فيما درسَه من أمور خطيرة (موضوع الشيوعيَّة والاشتراكية)، وما يتعرَّض له العالَم الإسلامي من مشكلات الغَزو الفِكري على صعيد كيان الدول، وعلى صعيدِ نشأة الأفراد وعقائدهم، وما تتعرَّض له تلك الدول والشعوب معًا، مِن أخطار تترتَّب على عدم التنبُّه إلى مخاطرِ هذا الغزو الخطير.

 

ولقدْ رأى المجمع الفقهي أنَّ كثيرًا من الدول في العالَم الإسلامي تُعاني فراغًا فكريًّا، وعقائديًّا، خاصَّة أنَّ هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أُعِدَّتْ بطريقة نفذت إلى المجتمعات الإسلامية، وأحْدثت فيها خللاً في العقائد، وانحلالاً في التفكير والسُّلوك، وتحطيمًا للقِيَم الإنسانية، وزعْزعة لكلِّ مقوِّمات الخير في المجتمع.

 

وإنه ليبدو واضحًا جليًّا أنَّ الدول الكبرى على اختلاف نُظُمها واتجاهها قد حاولتْ جاهدةً تمزيقَ شمل كل دولة تنتسب للإسلام؛ عداوةً له، وخوفًا من امتدادِه، ويقظةِ أهله.

 

لذا ركَّزت جميعُ الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمَّين: هما العقائد والأخلاق؛ ففي ميْدان العقائد شجَّعت كلَّ مَن يعتنق المبدأ الشيوعي المعبِّر عنه مبدئيًّا عند كثيرين بالاشتراكية، فجنَّدَتْ له الإذاعات والصحف، والدعايات البرَّاقة والكتَّاب المأجورين، وسمَّتْه حينًا بالحريَّة، وحينًا بالتقدميَّة، وحينًا بالديمقراطيَّة، وغير ذلك من الألفاظ.

 

وسَمَّتْ كلَّ ما يضاد ذلك من إصلاحات ومحافظة على القِيَم والمُثل السامية، والتعاليم الإسلامية: رجعيةً، وتأخُّرًا وانتهازية، ونحو ذلك.

 

وفي ميْدان الأخْلاق دعتْ إلى الإباحية، واختلاط الجِنسين، وسمَّت ذلك - أيضًا - تقدُّمًا وحريَّة، فهي تعرِف تمام المعرفة أنَّها متى قضَتْ على الدين والأخلاق، فقد تمكَّنت من السيطرة الفِكرية والمادية والسياسية.

 

وإذا ما تمَّ ذلك لها تمكَّنت مِن السيطرة التامَّة على جميعِ مقوِّمات الخير والإصلاح، وصرَّفتْها كما تشاء، فانبثق ذلك الصِّراعُ الفكري، والعقائدي والسياسي، وقامتْ بتقوية الجانبِ الموالي لها، وأمدَّتْه بالمال والسلاح، والدِّعاية؛ حتى يتمركزَ في مجتمعه، ويسيطرَ على الحُكْم، ثم لا تسأل عما يحدُث بعد ذلك من تقتيلٍ وتشريد، وكبْت للحريات، وسجْن لكلِّ ذي دِين، أو خُلُق كريم.

 

ولهذا لمَّا كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولاً إسلاميَّة لم تتحصَّن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تُجاهَه، وكان على المجْمع الفقهي في حدود اختصاصه العِلمي والدِّيني أن ينبَّه إلى المخاطِر، والتي تترتَّب على هذا الغزو الفكري، والعقائدي والسياسي الخطير الذي يتمُّ بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية، وغيرها، فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقِد في مكة المكرَّمة، يُقرِّر ما يلي:

يرى مجلس المجمع لفت نظر دول وشعوب العالم الإسلامي إلى أنه من المسلَّم به يقينًا أنَّ الشيوعية منافيةٌ للإسلام، وأنَّ اعتناقها كفْر بالدِّين الذي ارْتضاه الله لعباده، وهي هدْم للمُثل الإنسانية، والقِيَم الأخلاقية، وانحلال للمجتمعات البشريَّة.

 

والشريعة المحمديَّة هي خاتمةُ الأديان السماوية، وقد أُنزِلت من لدن حكيم حميد؛ لإخراجِ الناس من الظُّلمات إلى النور، وهي نظامٌ كامِل للدولة سياسيًّا واجتماعيًّا، وثقافيًّا واقتصاديًّا، وستظلُّ هي المعوَّلَ عليها - بإذن الله - للتخلُّص من جميع الشرور التي مزَّقتِ المسلمين، وفتَّت وحدتهم، وفرَّقت شملهم، لا سيَّما في المجتمعات التي عرَفت الإسلام، ثم جعلته وراءَها ظهريًّا.

 

لهذا وغيره كان الإسلامُ بالذات هو محلَّ هجوم عنيف مِن الغزو الشيوعي الاشتراكي الخطير؛ بقصْد القضاء على مبادئه ومُثله، ودُوله.

 

لذا فإنَّ المجلس يُوصِي الدول والشعوب الإسلامية أن تتنبَّه إلى وجوب مكافحةِ هذا الخطر الداهِم بالوسائل المختلفة، ومنها الأمور الآتية:

1- إعادة النظر بأقْصَى السُّرعة في جميع برامِج ومناهج التعليم المطبَّقة حاليًّا فيها بعد أن ثبت أنه قد تسرَّب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكارٌ إلحاديَّة وشيوعيَّة، مسمومة مدسوسة، تُحارِب الدول الإسلامية في عُقْر دارها، وعلى يدِ نفرٍ من أبنائها من معلِّمين، ومؤلِّفين، وغيرهم.

 

2- إعادة النظر بأقْصى السرعة في جميع الأجهزةِ في الدول الإسلامية، وبخاصَّة في دوائرِ الإعلام والاقتصاد، والتجارة الداخلية والخارجية، وأجْهزة الإدارات المحليَّة؛ من أجْل تنقيتها وتقويمها، ووضْع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة، التي تعمل على حفْظ كيان الدول والشعوب، وإنقاذ المجتمعات من الحِقْد، والبغضاء وتنشر بينهم رُوح الأُُخوَّة والتعاون، والصفاء.

 

3- الإهابة بالدول والشُّعوب الإسلامية أن تعملَ على إعداد مدارسَ متخصِّصة، وتكوين دُعاة أمناء؛ من أجْل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتَّى صُوره، ومقابلته بدِراسات عميقة ميسَّرة لكلِّ راغب في الاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطِرِه من جهة، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه مِن جهة أخرى. ومِن ثمَّ فإنَّ هذه المدارس، وأولئك الدعاة كلَّما تكاثروا في أيِّ بلد إسلامي يُرْجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرِفة الغريبة.

 

وبذلك يقوم صفٌّ عِلمي عملي منظَّم واقعي؛ من أجْل التحصُّن ضدَّ جميع التيَّارات التي تستهدف هذه البقية مِن مقومات الإسلام في نفوس الناس، كما يَهيب المجلس بعلماء المسلِمين في كلِّ مَكان، وبالمنظَّمات والهيئات الإسلامية في العالَم أنْ يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلْحادية الخطيرة التي تستهدِف دينَهم وعقائدهم، وشريعتهم، وتريد القضاءَ عليهم، وعلى أوطانهم، وأن يُوضِّحوا للناس حقيقةَ الاشتراكية والشيوعية، وأنها حرْب على الإسلام، والله يقول الحقَّ وهو يَهدي السبيل، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الرئيس/ عبدالله بن محمد بن حُمَيد.

نائب الرئيس/ محمد بن على الحركان.

الأعضاء:

1- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.

2- محمد محمود الصواف.

3- صالح بن عثيمين.

4- محمد بن عبدالله بن سبيل.

5- محمد رشيد قباني.

6- مصطفى الزرقا.

7- محمد رشيدي.

8- عبدالقدوس الهاشمي الندوي.

9- أبو بكر جومي.

 

 

  • الاحد PM 06:29
    2021-08-22
  • 3142
Powered by: GateGold