ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الفهم الخاطئ لأحاديث إعفاء اللحية
الفهم الخاطئ لأحاديث إعفاء اللحية(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن الأوامر النبوية التي جاءت في الأحاديث بإعفاء اللحية لا تعني الوجوب ولا تعدو الاستحباب.
كما أنه لو صح القول بوجوب إعفاء اللحية، فإنما ذلك كان تجنبا لمشابهة المشركين أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم إن مشابهة المخالفين في الدين إنما تحرم فيما يقصد به التشبيه بهم فيما يكون من خصائصهم، لا في غيرها مما تجري به العادة والعرف؛ فهذا لا بأس فيه ولا كراهة ولا حرمة؛ مستدلين على ذلك بأنه قيل لأبي يوسف - وقد لبس نعلين مخصوفين بمسامير -: إن فلانا وفلانا من الفقهاء كرها ذلك؛ لأن فيه تشبها بالرهبان، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس النعال التي لها شعر، وإنها من لباس الرهبان، ويزعمون - أيضا - أن أمر اللباس والهيئات - ومنه حلق اللحية - ينبغي أن يساير المرء فيه بيئته؛ فإن الخروج عما ألفه الناس شذوذ؛ وإن المخالفة لو تعلق بها تحريم لوجب علينا حلق اللحى؛ لأن إعفاءها شأن الرهبان ورجال الكهنوت المخالفين لنا في الدين، فحلق اللحية عرف عام لا يتصل بالتدين. رامين من وراء ذلك إلى التشكيك في الأحكام الشرعية الثابتة بصحيح السنة النبوية.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد جاء في إعفاء اللحية أكثر من عشرين حديثا، معظمها في الصحيحين، وقد دلت تلك الأحاديث على وجوب إعفاء اللحية، والنهي عن حلقها، وقد أجمع على ذلك جل فقهاء الأمة المتقدمين، وجمهور العلماء المعاصرين، وليس هناك قرينة في الأمر الصريح بإعفاء اللحية، مما تجعله يفيد الندب أو الاستحباب؛ بل إن القرينة اللفظية قائمة وشاهدة على أن الأمر للوجوب، كما جاء في أحاديث هذا الشأن.
2) إن الأمر بإعفاء اللحية ليس قاصرا على عهد محدد أو سبب معين، وإنما هو حكم شرعي، ثابت بالنص الصحيح، والأصل فيه الأبدية؛ إذ إن العبرة عند الفقهاء والأصوليين بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
3) لقد أثبت العلم الحديث العديد من الفوائد الطبية لإعفاء اللحية؛ فهي تمثل خط دفاع ميكانيكي ضد أي عدوى خارجية، وتحمي العصب الوجهي من التعرض المباشر للبرد؛ بالإضافة إلى أنها زينة للرجل، وكل ذلك يؤكد مشروعيتها.
التفصيل:
أولا. لقد تواترت الأحاديث النبوية الواردة في الأمر بإعفاء اللحية، واتفق جل العلماء على أنها دالة على الوجوب وقاطعة به:
إن قضية اللحية تمثل شعيرة ثابتة من شعائر الدين الإسلامي في الذكور من المسلمين، وهي من سنن الله تعالى في خلقه، حيث ميز بها الرجال عن النساء، وجعلها فطرة ثابتة في نفوسهم، وهيبة ووقارا لذاتهم، كما أكد الشرع على ضرورة إعفاء اللحية، وجاء الأمر بها صريحا صحيحا لا نسخ فيه ولا تأويل، "وهو للوجوب ولم يصرفه صارف إلى الندب، وكاذب من يترخص فيها ضعفا منه أو جهلا، ويقول: إنها عادة عربية لا عبادة، وهذا كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»([1])، وإذا كان التشبه من الرجال بالنساء يجلب لهم اللعنة، لحديث: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»([2])؛ فحلق اللحية أليس هو داخلا في هذا الوعيد؟ إن مصيبتنا أننا اتبعنا سنن من قبلنا من اليهود والنصارى والفرنجة شأن الضعيف دائما في تقليد القوي، ثم ذهبنا نلتمس مبررات لهذا التقليد بدل أن نعود لديننا ونستقل بشخصيتنا ونعتز بكرامتنا، ولا نكون إمعة، وكثيرا ما نسمع (هل فرغنا من كل شيء ولم يبق إلا اللحية؟!) كما هو دأبهم أمام كل ناصح أمين، هدى الله الجميع إلى الصواب وتاب عليهم من التحلل والانحراف"([3]).
لقد أصبحت اللحية في عصرنا هذا تثير نوعا من الخلاف والجدل لم تعهده الأمة الإسلامية في سالف عهدها - حيث التسليم المطلق بأوامر الله ورسوله، واجتناب تحذيرهما - كما أصبحت مثار تساؤلات عديدة واستفسارات ملحة تسأل عن حكم اللحية؛ هل هي واجبة أم مستحبة؟ وهل يقع حالقها في الإثم والحرام؟ هذا، رغم أن الأوامر النبوية جاءت صريحة واضحة في الأمر بإعفاء اللحية، وجاءت الأحاديث بشأنها متواترة بألفاظ مختلفة.
ومما لا شك فيه أن أمر الله ورسوله واجب الاتباع، فمجرد سماع المسلم لأي أمر يأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فما عليه إلا أن يقول: سمعا وطاعة.
قال تعالى: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم( (النساء: ٦٥)، وقال تعالى: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧).
فقد وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة في وجوب إعفاء اللحية، وتحريم حلقها، حتى إننا إذا نظرنا نظرة عابرة في أصح كتب الحديث لوجدناها مليئة بتلك الأحاديث في هذا الشأن.
وجاء في إعفاء اللحية أكثر من عشرين حديثا، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، ومجموع تلك الأحاديث يدل على وجوب إعفاء اللحية([4]).
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، وأحفوا الشوارب»([5]).
ورواه أيضا البخاري بلفظ آخر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى» ([6]).
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس»([7]).
كما روى الإمام مسلم من حديث نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى»([8]).
وروى أيضا عن ابن عمر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية»([9]).
وقد روى الترمذي من طريق مالك عن أبي بكر بن نافع عن ابن عمر، أنه قال:«أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى»([10]).
وروى الإمام أحمد في مسنده، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعفوا اللحى، وخذوا الشوارب، وغيروا شيبكم، ولا تشبهوا باليهود والنصارى»([11]).
وبهذا، فالأحاديث السابقة كلها جاءت بصيغة الأمر في إعفاء اللحية وجز الشوارب، وجاءت بألفاظ مختلفة، وبروايات متعددة كلها تؤكد ثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقطع بوجوبه.
قال الإمام النووي: "وأما «أوفوا»: فهو بمعنى أعفوا؛ أي: اتركوها كاملة لا تقصوها... وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأرخوا" فهو - أيضا - بقطع الهمزة وبالخاء المعجمة، ومعناه: اتركوها، ولا تتعرضوا لها بتغيير... وجاء في رواية البخاري:«وفروا اللحى» فحصل خمس روايات: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه، وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا، وغيرهم من العلماء"([12]).
وذكر الإمام الشوكاني: "قوله: «وفروا اللحى»، وهي إحدى الروايات، وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات: أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها"([13]).
وهذه الأحاديث جاءت قاطعة في الأمر بإعفاء اللحية وتركها على حالها دون الأخذ منها، وأشارت بوضوح إلى مخالفة المشركين والمجوس، وعدم التشبه باليهود والنصارى، وجاء واضحا في هذا الشأن - أيضا - ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن فطرة الإسلام الغسل يوم الجمعة، والاستنان، وأخذ الشارب، وإعفاء اللحى، فإن المجوس تعفي شواربها، وتحفي لحاها، فخالفوهم حذوا شواربكم وأعفوا لحاكم»([14]).
وروي - أيضا - عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- المجوس، فقال: «إنهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم»([15]).
ومما لا شك فيه أن مخالفة المشركين وأصحاب الديانات الأخرى من مقصود الشارع ومن أهم أهدافه، فلا يجوز بحال التشبيه بهم والتودد إليهم ومحبتهم؛ فمن تشبه بقوم فهو منهم، فالمشابهة في الظاهر تورث مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.
قال الإمام ابن تيمية: "وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة، سواء كان ذلك عاما في جميع الأنواع المخالفة، أو خاصا ببعضها، وسواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب"([16]).
وقال - أيضا -: "ثم إن الصراط المستقيم: هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال وأفعال، قد تكون عبادات، وقد تكون - أيضا - عادات: في الطعام، واللباس، والنكاح، والمسكن، والاجتماع، والافتراق، والسفر، والإقامة، والركوب، وغير ذلك، وهذه الأمور الباطنة و الظاهرة بينهما - ولا بد - ارتباط ومناسبة؛ فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورا وأحوالا، وقد بعث الله عبده ورسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة: أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة"([17]).
وعلى هذا يجب مخالفة أهل الشرك في كل أمورهم، فإن كان من شأنهم حلق اللحى وتطويل الشوارب، كان من مقصود شرعنا إطالة اللحى وإعفائها وقص الشوارب، وكان الأمر بهذا على سبيل الوجوب، وإن لم يكن مخالفة أهل الشرك هو السبب الوحيد من تحريم حلق اللحى - كما سيأتي بيانه.
وقد جاءت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تؤكد أن اللحية - أيضا - من سنن الفطرة، وأهم حديث في هذا الباب، حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشرة من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء»([18]). قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
كما جاءت الأخبار في وصفه -صلى الله عليه وسلم- بأنه كان كث اللحية، عظيمها، تزين وجهه الشريف وتملأه، فقد روى ابن حبان من حديث شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أنه كان إذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان عظيم الهامة، أبيض مشربا حمرة، عظيم اللحية، طويل المسربة...» الحديث ([19]).
وروى الإمام النسائي في سننه عن البراء بن عازب، قال: «... وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا مربوعا عريض ما بين المنكبين، كث اللحية تعلوه حمرة...»([20]).
كما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث محمد بن عقيل عن محمد بن علي -رضي الله عنه- عن أبيه، قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضخم الرأس، عظيم العينين، هدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كث اللحية، أزهر اللون...»الحديث ([21]).
وكذلك روى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة، وجاء فيه أنه قال: «... وكان كثير شعر اللحية...» الحديث ([22]).
فهذه الأخبار وغيرها تثبت ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من حفاظ تام على إعفاء لحيته وعدم الأخذ منها، حتى صارت سمة له ولأصحابه من بعده، فكان -صلى الله عليه وسلم- كث اللحية، عظيمها، تملأ وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا يثبت أن الأحاديث النبوية قد جاءت متواترة، بألفاظ مختلفة في الأمر بإعفاء اللحية، مما يؤكد وجوبها، دون صارف لهذا الأمر عن الوجوب، ولا ناسخ ولا تأويل.
- أقوالأهلالعلم،والفقهاءفيحكماللحية:
ذهب جمهور أهل العلم وفقهاؤهم إلى وجوب ترك اللحية على حالها وعدم الأخذ منها، بل ذهب بعض العلماء إلى القول بفرضيتها.
قال الإمام النووي: "والمختار ترك اللحية على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا، والمختار في الشارب ترك الاستئصال، والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة، والله أعلم"([23]).
وذكر الحافظ ابن حجر هذا القول تعليقا على قول القاضي عياض في حكم اللحية، فقال: "وقال عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها، كذا قال، وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصيرها ولا غيره"([24]).
وذكر الحافظ العراقي هذه الآراء، فقال: "واستدل به - أي بقوله: اعفوا - الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيء، وهو قول الشافعي وأصحابه، وقال القاضي عياض: يكره حلقها وقصها وتحريقها، وقال أبو العباس القرطبي في المفهم: لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها([25]).
وقال الإمام ابن حزم: "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز، وكذلك الخليفة والفاضل والعالم"([26]).
وقد ذهب الإمام ابن حزم - أيضا - إلى القول بفرضية قص الشارب وإعفاء اللحية في كتابه المحلى، واستدل بالأحاديث السابقة التي جاء الأمر صريحا فيها بإعفاء اللحية([27]).
وقال الإمام ابن تيمية: "ويحرم حلق اللحية"([28])، وقال - أيضا: "فحلق اللحية منهي عنه، ومثلة كرهها الله ورسوله"([29]).
فهذه أقوال أهل العلم، تتفق جميعها على حرمة حلق اللحية، ووجوب توفيرها، وتركها على حالها، وإنما وقع الخلاف بين أهل العلم في الأخذ منها، ومقدار هذا الأخذ، وكان الراجح في هذا جواز الأخذ فيما لا يزيد عن القبضة لفعل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- ونقل ذلك الحافظ ابن حجر، فقال: "الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث، فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك... ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة وأسنده عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به"([30]).
كما أن المذاهب الأربعة قد اتفقت على وجوب توفير اللحية، وحرمة حلقها، كما هو مقرر في كتب هذه المذاهب، وتفصيل القول فيها كالتالي:
- مذهب الحنفية: تذهب الحنفية إلى حرمة حلق اللحية، وعدم الأخذ منها إلا فيما زاد عن القبضة.
فجاء في "الدر المختار": "ويحرم على الرجل قطع لحيته"([31])، وقال - أيضا -: "وأما الأخذ منها وهي دون ذلك - أي: دون القبضة - كما يفعله بعض المغاربة، ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد، وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم"([32]).
وقال صاحب "درر الأحكام": "ولا يفعل لتطويل اللحية إذا كانت بقدر المسنون وهو القبضة"([33]).
وقال صاحب "فتح القدير": "وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة، ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد"([34]).
ومثل ذلك في أكثر كتب الحنابلة، فهم يذهبون إلى حرمة حلق اللحية.
- مذهب المالكية: تذهب المالكية إلى حرمة حلق اللحية، حتى إنهم ليكادون يجمعون على حرمة حلق اللحية، إلا ما نقل عن القاضي عياض بالقول بالكراهة، كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في القول السابق.
قال علي أبو الحسن المالكي: "«قوله: لأن حلقها بدعة»؛ أي: بدعة محرمة في اللحية في حق الرجل..."([35]).
وقال صاحب "حاشية الدسوقي": "ويحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه، ويؤدب فاعل ذلك..."([36]).
وقال صاحب "الفواكه الدواني": وفي قص الشوارب وإعفاء اللحى مخالفة لفعل الأعاجم فإنهم كانوا يحلقون لحاهم ويعفون الشوارب، وآل كسرى أيضا كانت تحلق لحاها وتبقى الشوارب، فما عليه الجند في زماننا من أمر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم لا شك في حرمته عند جميع الأئمة لمخالفته لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولموافقته لفعل الأعاجم والمجوس والعوائد لا يجوز العمل بها إلا عند عدم نص عن الشارع مخالف لها، وإلا كانت فاسدة يحرم العمل بها، ألا ترى لو اعتاد الناس فعل الزنا أو شرب الخمر لم يقل أحد بجواز العمل بها([37]).
وقال صاحب "مواهب الجليل": "وحلق اللحية لا يجوز وكذلك الشارب وهو مثلة وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه"([38]).
وقال صاحب "الرسالة": "وأمر النبي أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص، قال مالك: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين"([39]).
فكل هذه النقول من كتب المالكية تثبت أن مذهبهم على حرمة حلق اللحية، أو تقصيرها عن القبضة.
- مذهب الشافعية: تذهب الشافعية إلى القول بالكراهة التحريمية في حلق اللحية، ويقولون: إن الأولى تركها على حالها وعدم الأخذ منها، فقال صاحب "المجموع": "والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقا بل يتركها على حالها كيف كانت؛ للحديث الصحيح: وأعفوا اللحى"([40]).
وقال صاحب "إعانة الطالبين": "(قوله: ويحرم حلق الحية) المعتمد عند الغزالي وشيخ الاسلام وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب وغيرهم: الكراهة... قال الشيخان: يكره حلق اللحية، واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي -رضي الله عنه- نص في الأم على التحريم، قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان، وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة.
وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها، كما يفعله القلندرية([41]).
فهذه الآراء تؤكد أن مذهب الشافعية على الكراهة التحريمية، والأولى عندهم ترك اللحية على حالها دون الأخذ منها.
- مذهب الحنابلة: تذهب الحنابلة إلى حرمة حلق اللحية، وقالوا باستحباب تركها على حالها وعدم الأخذ منها، وحرمة أخذ ما نقص عن القبضة، فقال صاحب الفروع: "ويعفي لحيته، وفي المذهب ما لم يستهجن طولها، ويحرم حلقها ذكره شيخنا، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، ونصه لا بأس بأخذه، وما تحت حلقه لفعل ابن عمر، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر، رواه البخاري، وفي المستوعب وتركه أولى، وقيل يكره"([42]).
وقال صاحب "مطالب أولي النهى" وهو يتحدث عن اللحية: "بأن لا يأخذ منها شيئا، وقال في المذهب: ما لم يستهجن طولها، وحرم الشيخ تقي الدين حلقها؛ لما فيه من التمرد، ولا يكره أخذ ما زاد عن قبضته"([43]).
وقال صاحب "شرح منتهى الإرادات": "ويعفي لحيته، ويحرم حلقها، ذكره الشيخ تقي الدين، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، وما تحت حلقه"([44]).
وقال صاحب "الشرح الكبير": "ويستحب إعفاء اللحية لما ذكرنا من الحديث"([45]).
فها هي أقوال أهل العلم، وآراء أصحاب المذاهب الأربعة، تثبت جميعها أن حلق اللحية حرام لا يجوز بحال، ويجب تركها على حالها ولا بأس في أخذ ما زاد عن القبضة.
وهذا ما ترجحه جميع الأدلة، ويوافق عليه كل صاحب قلب مطمئن يؤمن بالله ورسوله، فهذا هو الحق المبين، الذي لا جدال فيه ولا مراء، ومما يدل على ذلك:
- أنالأصلفيالأمرالوجوب،ولايصرفإلىالندبإلالقرينة،وليستقرينةهنا،بلالقرائنالموجودةعلىشدةالأمرووجوبه.
- أنهذافهمجمهورسلفالأمةفيأنالأمرهناللوجوب،كماتبينمنخلالالنقولاتالسابقة،ممادفعبعضهمإلىحكايةالأمرإجماعا.
- المفاسدالكثيرةمنحلقاللحية،كالتشبهبالنسوانوالمردان،والقضاءعلىتلكالشعيرةالعظيمة،والتشبهباليهودوالنصارىوالمجوس.
فيتبين لنا أن الصحيح الراجح هو القول بالحرمة، والله الموفق والمعين.
هذا، وقد ذهب العلماء المعاصرون - أيضا - إلى القول بوجوب إعفاء اللحية، وعدم أخذ ما نقص عن القبضة منها.
فقد أصدرت اللجنة الدائمة فتوى لها بتحريم حلق اللحية، وجاء في هذه الفتوى: "من المستقر في الشرع المطهر وجوب إعفاء اللحية بدلالة الفطرة، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتوفير اللحية، والأصل في الأمر أنه للوجوب، والأمر بمخالفة المشركين من المجوس وغيرهم، والأصل في النهي أنه للتحريم"([46]).
وقد صرح الشيخ ابن باز بوجوب إعفاء اللحية بقوله: "وهذا اللفظ في الأحاديث المذكورة يقتضي وجوب إعفاء اللحى وإرخائها، وتحريم حلقها وقصها؛ لأن الأصل في الأوامر هو الوجوب والأصل في النواهي هو التحريم، ما لم يرد ما يدل على خلاف ذلك، وهذا هو المعتمد عند أهل العلم، وقد قال سبحانه وتعالى: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7)( (الحشر)، وقال عز وجل: )فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (63)( (النور)، ولا شك أن الحلق أشد في الإثم؛ لأنه استئصال للحية بالكلية ومبالغة في فعل المنكر، والتشبه بالنساء، أما القص والتخفيف فلا شك أن ذلك منكر، ومخالف للأحاديث الصحيحة، ولكنه دون الحلق، أما حكم من فعل ذلك فهو عاص وليس بكافر ولو اعتقد الحل بناء على فهم خاطئ أو تقليد لبعض العلماء، والواجب أن ينصح ويحذر من هذا المنكر; لأن حكم اللحية في الجملة فيه خلاف بين أهل العلم هل يجب توفيرها أو يجوز قصها؟ أما الحلق فلا أعلم أحدا من أهل العلم قال بجوازه، ولكن لا يلزم من ذلك كفر من ظن جوازه لجهل أو تقليد, بخلاف الأمور المحرمة المعلومة من الدين بالضرورة لظهور أدلتها، فإن استباحتها كفر أكبر إذا كان المستبيح ممن عاش بين المسلمين, فإن كان ممن عاش بين الكفرة أو في بادية بعيدة عن أهل العلم فإن مثله توضح له الأدلة، فإذا أصر على الاستباحة كفر, ومن أمثلة ذلك: الزنا، والخمر، ولحم الخنزير، وأشباهها، فإن هذه الأمور وأمثالها معلوم تحريمها من الدين بالضرورة، وأدلتها ظاهرة في الكتاب والسنة فلا يلتفت إلى دعوى الجهل بها إذا كان من استحلها مثله لا يجهل ذلك كما تقدم"([47]).
مما سبق يتضح أن إعفاء اللحية أمر واجب، اتفق على ذلك جمهور علماء الأمة المتأخرين منهم والمتقدمين، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة الصريحة الصحيحة في هذا الشأن. والنقول الفقهية التي تكفي لكل منصف ومتحر للحقيقة الدينية، وملتمس للمعرفة الصحيحة.
ورغم هذا نجد من يدعي أن الأمر في كثير مما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكون لمجرد الإشارة إلى ما هو أفضل، وهذا رأي فاسد؛ فالأصل في صيغة الأمر ليس لما هو أفضل، وإنما هي للفرض والإيجاب، وقد تخرج عنه إلى الندب والاستحباب، لقرينة تدل على ذلك، وليست هذه القرينة موجودة، في الأمر بإعفاء اللحية، فيتعين كونه للإيجاب دون مزاحم؛ بل إن القرينة اللفظية القاطعة قائمة شاهدة على أن الأمر هنا للوجوب، كما سبق أن ذكرنا.
ثانيا. إعفاء اللحية ليس قاصرا على عهد محدد أو سبب معين، وإنما هو على التأبيد؛ إذ إن العبرة عند الفقهاء بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
إنه لا يسوغ لنا رفض ما شرعه الله لنا وفطرنا عليه لمجرد أن يتلبس به بعض المخالفين لنا في الدين، ولو كانت القاعدة أن ما يفعله اليهود أو المشركين هو واجب التحرز، لوجب علينا ترك الاختتان؛ لأن اليهود يختتنون!! ولوجب علينا ترك الصوم؛ لأن النصارى واليهود يصومون!!
فإعفاء اللحية وحلقها كان كلاهما أمرا موجودا في زمنه -صلى الله عليه وسلم- فاختار ما كان موافقا للفطرة وهو إعفاء اللحية؛ وهو خصلة من خصال الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وذلك لما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشرة من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء»([48]).
كما أن الأمر بإعفاء اللحية قد ورد في أحاديث كثيرة؛ منها ما هو غير معلل بعلة المخالفة، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية»([49]).
ومن ثم؛ فإن إعفاء اللحية أمر واجب مطلقا، لا لمخالفة المشركين فحسب، ولكن اتساقا وتماشيا مع الفطرة، كما أنه قد أصدرت فتوى بشأن حكم إعفاء اللحية، وجاء فيها: " ويتبين من هذه الأجوبة أدلة وجوب إعفاء اللحية، ولتعلم أن النص الشرعي إذا أثبت حكما، فإن العمل به يستمر إلى يوم القيامة على نفس الصورة دون إسقاط أو تخفيف أو زيادة؛ إلا إذا نسخ في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا يتصور النسخ أصلا، قال تعالى: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: ٣).
وما يزعمه بعض من لا حظ له من العلم من أن بعض الأحكام نزلت لأسباب معينة، والحكم يوجد حيث يوجد سببه، أما إذا زالت الأسباب، فلا يجب العمل بالحكم حينئذ، فنقول له: زعمك هذا باطل؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر عند علماء الملة. قال النووي في "المجموع": فالتمسك بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على المختار عند أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول([50]).
وقال ابن الشاط في "إدرار الشروق على أنواء الفروق": العبرة عند الفقهاء والأصوليين بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيستدلون أبدا بظاهر العموم، وإن كان في غير مورد سببه([51]).
وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند عامة العلماء.
ويمثل العلماء لهذا بسنية الرمل([52]) والاضطباع([53]) في الطواف، مع أنه ورد على سبب، وهو إغاظة مشركي مكة، حينما يظهر لهم النشاط من الصحابة -رضي الله عنهم- في الطواف متمثلا في هذين الفعلين، ورغم زوال السبب، فقد بقي الحكم إلى يوم القيامة، قال الزركشي في "البحر المحيط": وترجيحهم الميل إلى تعميم الحكم كما في الرمل والاضطباع في الطواف([54])، وجعل الرافعي منه أن العرايا لا يختص بالمحاويج على الصحيح، وإن كان سبب الرخصة ورد في المحاويج تمسكا بعموم الأحاديث، وليعلم أن من قال مثل المقال المذكور مع علمه بالحكم الشرعي دون شبهة يكون كافرا، لإنكاره أمرا واجبا بالشرع جحودا منه لذلك؛ إذ الأحكام الواردة في شريعة الإسلام الأصل فيها الأبدية؛ لأنه لا نبي بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا شريعة تعقب شريعته"([55]).
كما "أن ذلك الرأي جعل الحكم الوارد في توفير اللحى حكما معللا مبنيا على المصلحة؛ لأنه ورد في لفظ الحديث قوله: «خالفوا المشركين»، وهذا استنتاج ينقضه ما سار عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من علماء الأمة، الذين تمسكوا بتوفير اللحى، دون أن يربطوا ذلك بمخالفة المشركين، ولو كان الحكم معللا بمخالفة المشركين لتوخوا هذه المخالفة"([56]).
ومن خلال هذا يتبين أن إعفاء اللحى ليس قاصرا على وقت محدد، مثل عهد النبوة، أو بداية الإسلام، ولا مرهونا بسبب معين، كمخالفة المشركين، وإنما هو أمر واجب بالشرع للأبد، دلت عليه الأحاديث النبوية وكذلك فعله -صلى الله عليه وسلم- وما سار عليه الصحابة والتابعون، ومن تبعهم من علماء الأمة وعامتها، أما من قال بتخصيص الأمر بعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومخالفة المشركين، فقول باطل مردود، يرده دلالة ألفاظ الأحاديث على العموم؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند جمهور الفقهاء والأصوليين
ثالثا. بيان ما كشف عنه العلم الحديث من الفوائد الطبية لإعفاء اللحية:
كما "أن إعفاء اللحية من مطلوبات الإسلام وأعماله التي أمر بها، ولو أنعم المرء النظر لرأى أن جمال الرجولة وكمالها في إعفائها، فإن الله تعالى زين الرجال باللحى، فحلقها تشويه وإطاعة للشيطان في أمره أتباعه في تغيير خلق الحكيم المتنزه عن اللهو واللعب... ألست ترى أيها المنصف أن الهيبة والوقار هما وشاح الملتحي، وأن المحلوق ليس له منهما نصيب، على أن هناك فوائد صحية في إعفائها؛ فإن هذا الشعر تجري فيه مفرزات دهنية من الجسد يلين بها الجلد ليبقى نضرا فيه حيوية الحياة وطراوتها، كالأرض المخضلة المبتلة النابتة بالعشب الأخضر الذي يعاوده الماء بالسقي فهي به حية، وحلق اللحية يفوت هذه الوظائف الإفرازية على الوجه فيبدو قاحلا يابسا، زيادة عما في حلقها من تخريش لجلدة الوجه، بحيث يكون علوق الجراثيم بها سهلا ميسورا، وجلدة الوجه أكثر تعرضا لهذا العلوق من جلدة العانة التي نحن مأمورون بحلقها إذ هي مستورة باللباس... وفي إعفاء اللحية فائدة أخرى هي حماية لثة الأسنان من العوارض الطبيعية فهي لها وقاء منها، كشعر الرأس للرأس"([57]).
"ومن أقبح العادات ما اعتاده الناس اليوم من حلق اللحية وتوفير الشارب، وهذه بدعة سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم، حتى استقبحوا محاسن دينهم، وهجروا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم"([58]).
"والواقع أن هناك شعورا مشتركة، وشعورا خاصة، حتى قص الأظافر مشترك بين الذكر والأنثى، وشعر الإبط والعانة فهو مشترك بين الذكر والأنثى، ولكن المرأة ليس في بدنها شعر، والذكر في بدنه شعر، وسواء كانت اللحية تمنع بعض نزلات البرد، كما يقول البعض، أو لا تمنع، فنحن لا نتلمس الفوائد الصحية لتنفيذ أوامر الله، ولكنها الطاعة التامة المجردة لرسول الله "صلى الله عليه وسلم([59]).
وهناك - أيضا - من الفوائد الطبية لإعفاء اللحية الكثير، يكشف عنه العلم الحديث، نذكر منها ما نقل عن الدكتور نظمي خليل أبو العطا حيث يشير إليها قائلا:
أولا: إطلاق اللحية زينة للرجل، وبنظرة علمية في العديد من الكائنات الحية نجد أن الله -سبحانه وتعالى- قد خص الذكر ببعض الصفات التي تجمله وتحسنه، ومنها الشعر المحيط بالرأس كالأسد، ومعظم ذكور الطيور الجميلة.
ثانيا: حلق اللحية يفقد الرجل العديد من المميزات الصحية التي يتمتع بها مطلق اللحية: فعند الحلاقة يزيل الإنسان الطبقة الخارجية من الجلد، وهذه الطبقة تمثل خط دفاع ميكانيكي ضد العدوى بالعديد من الأمراض، والذي يحلق لحيته يصبح عرضة للعدوى بالكائنات الحية الدقيقة المحرضة؛ خاصة الأمراض الفيروسية والبكتيرية والفطرية مثل الثعلبة وغيرها.
وإذا علمنا أن جرح الجلد أثناء الحلاقة وسيل الدم من الأمور الشائعة، وكما أن عادة التقبيل في الوجه انتشرت بين الرجال هذه الأيام، وأن اختلاط الدم وارد بين أصحاب هذه العادة في السلام، إذن فالذي يحلق لحيته عرضة للإصابة بالإيدز والالتهاب الكبدي إذا اختلط دمه بدم المريض الذي يقبله، فالذي يحلق لحيته فتح منافذ العدوى الجلدية على مصارعه، وأفقد وجهه ميزة خط الدفاع الجلدي الذي من الله به عليه.
ثالثا: شعر اللحية في الشتاء يدفئ الوجه، ويحمي العصب الوجهي من التعرض المباشر للبرد؛ خاصة عند قيادة السيارة بسرعة في الصباح الباكر البارد، وهذا يحمي المسلم من بعض أنواع الشلل الوجهي النصفي.
رابعا: شعر اللحية في الصيف يلطف الوجه بنظام التبريد بالتبخير بنظام أواني المياه المحاطة بالأقمشة المبللة عند تعرضها لتيار الهواء، وهذا يضفي على المسلم الراحة أيام الصيف الحارة.
كما أن اللحية تغطي تجاعيد الوجه المبكرة، وكذلك ترهل جلد الرقبة الذي عادة ما يعاني منه العديد من الرجال مبكرا.
فإذا كانت هذه بعض الفوائد العلمية في هذا الأمر، الذي يعتبره البعض الآن غير جوهري، فما هي الحكم والفوائد العلمية في عظائم الأوامر الإسلامية؟!([60])
الخلاصة:
- لقدصحعنالنبي -صلىاللهعليهوسلم- أحاديثعديدةفيإعفاءاللحية، حيث جاء في هذا الشأن أكثر من عشرين حديثا، كما صحت الأخبار في صفة لحية النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباع الصحابة له في ذلك.
- اتفقتالمذاهبالأربعةعلىوجوبتوفيراللحية،وحرمةحلقها،وعلىذلك - أيضا - دلتفتوىاللجنةالدائمة،وهوالمستقرفيالشرعبدلالة الفطرة، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمره بذلك الدال على الوجوب.
- لايخرجالأمرمنالدلالةعلىالوجوبإلىالندبوالاستحبابإلابقرينةتدلعليه،ولاتوجدقرينةتدلعلىالندبأوالاستحباب،بلإنالقرينةقائمةوقاطعةبأنالأمرعلىالوجوب.
- إنإعفاءاللحية أمر واجب مطلقا، ليس لمخالفة المشركين فحسب، وإنما اتباعا لأوامر النبي -صلى الله عليه وسلم- والتوافق مع الفطرة، وليس كل ما يفعله المشركون تجب مخالفته، ولو كان الأمر كذلك لوجب علينا ترك الصوم والاختتان وغيره مما يوافقنا فيه اليهود والنصارى.
- إنالحكمالفقهي إذا ما ثبت بالنص الصحيح وجب العمل به واستمر إلى يوم القيامة، دون إسقاط أو تزييف؛ إذ إنه لا ناسخ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعده.
- إنربطبعضالأحكامالشرعيةبأسبابمعينة،والقولبوجودالحكمحيثيوجدسببه،وزوالهبزوالسببه،فهذازعمباطلوقول مردود؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو معلوم لدى جمهور الفقهاء والأصوليين.
- إنالأحكامالشرعيةفيالإسلامالأصلفيهاالأبدية؛إذلانبيبعدالنبيمحمد -صلىاللهعليهوسلم- وجعلحكمإعفاءاللحىمعللابمخالفةالمشركيناستنتاجينقصهمااتبعه سلف الأمة من الصحابة وساروا عليه، وكذلك التابعون، ومن تبعهم من علماء الأمة الذين لم يربطوا الحكم بمخالفة المشركين حين فعلوه.
- وقدقالبعضعلماءفيالأثر: "الهيبةفياللحيةوالعمامة" فهي؛أي: اللحيةزينةالرجال.
- لقدكشفالعلمالحديثعنفوائدعديدة في إعفاء اللحية منها: أنها تساعد على إفراز مفرزات دهنية يلين بها الجلد، ويحافظ على نضارته، أما حلق اللحية فإنه يفوت هذه الوظائف الإفرازية على الوجه، مما يجعله يابسا خشنا وسهلا لتعلق الجراثيم به.
- كماأنجرحالجلدأثناءالحلاقةيجعلالفرصةأكبرللإصابة بالفيروسات والأمراض المعدية.
- إنشعراللحيةيدفئالوجهفيالشتاء،ويلطفهفيالصيفبنظامالتبريدبالتبخيربأوانيالمياهالمحاطةبالأقمشةالمبللةعندتعرضهاللهواء،كماأناللحيةتغطيتجاعيدالوجهالمبكرة.
- ليسالحديثهناعنفوائداللحيةالطبيةلكييدفعنا إلى تنفيذ أوامر الله، ولكن يجب أن تحركنا الطاعة التامة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليعلم أن ما من أمر فيه خير للعباد إلا وقد بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- وما من شر إلا وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
(*) السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م. السنة تشريع لازم ودائم، د. فتحي عبد الكريم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1405هـ/ 1985م. مجموعة رسائل العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد، المطبعة العلمية، سوريا، ط3، 1414هـ/ 1994م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت، (3/ 191)، رقم (1291). صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، (1/ 169).
[2]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، (5/ 56)، رقم (3151). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[3]. هذه دعوتنا، عبد اللطيف مشتهري، مطابع المختار الإسلامي، القاهرة، ط1، 1399هـ/ 1979م، ص243.
[4]. انظر: السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م، ص331.
[5]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: تقليم الأظافر، (10/ 361)، رقم (5892). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (589).
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: إعفاء اللحى، (10/ 363)، رقم (5893).
[7]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (592).
[8]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (591).
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (590).
[10]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في إعفاء اللحية، (8/ 40)، رقم (2914). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2764).
[11]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (16/ 274، 275)، رقم (8657). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[12]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (2/ 784).
[13]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (1/ 323).
[14]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الطهارة، باب: غسل الجمعة، (4/ 23)، رقم (1221). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (3123).
[15]. إسناده حسن: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الزينة والتطيب، (12/ 289)، رقم (5476). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده حسن.
[16]. اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ابن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، المغرب، طبعة خاصة، د. ت، ص12.
[17]. اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ابن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، المغرب، طبعة خاصة، د. ت، ص11.
[18]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779، 780)، رقم (593).
[19]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: التاريخ، باب: من صفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخباره، (14/ 216)، برقم (6311). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.
[20]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الزينة، باب: اتخاذ الجمة، (2/ 841)، رقم (5249). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (5232).
[21]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (2/ 80، 81)، رقم (684). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[22]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: شيبه صلى الله عليه وسلم، (8/ 3466)، رقم (5969).
[23]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (2/ 784).
[24]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 363).
[25]. طرح التثريب، الحافظ العراقي، (2/ 49).
[26]. مراتب الإجماع، ابن حزم، دار زاهد القدسي، مصر، د. ت، ص157.
[27]. انظر: المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (2/ 220).
[28]. الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفي عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ/ 1987م، (5/ 302).
[29]. الاستقامة، ابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، السعودية، ط1، 1403هـ، (2/ 16).
[30]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 362، 363).
[31]. حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، د. ت، (5/ 727).
[32]. حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، د. ت، (2/ 460).
[33]. درر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فراموز (ملا خسرو)، (2/ 488).
[34]. فتح القدير، كمال الدين بن عبد الواحد (ابن الهمام الحنفي)، (4/ 470).
[35]. حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، علي أبو الحسن المالكي، (8/ 84).
[36]. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن عرفة الدسوقي المالكي، (1/ 29).
[37]. الفواكه الدواني على رسالة ابن زيد القيرواني، أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي، (8/ 183).
[38]. مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، أبو عبد الله محمد الطرابلسي (الحطاب الرعيني)، تحقيق: زكريا عميرات، دار عالم الكتب، السعودية، ط1، 1423هـ/ 2003م، (1/ 313).
[39]. الرسالة، ابن أبي زيد القيرواني، دار الفكر، بيروت، د. ت، ص156.
[40]. المجموع، النووي، دار الفكر، بيروت، د. ت، (1/ 290).
[41]. إعانة الطالبين، البكري الدمياطي، (2/ 386).
[42]. الفروع، ابن مفلح المقدسي، (1/ 92).
[43]. مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني، (1/ 184).
[44]. شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس البهوتي، (1/ 78).
[45]. الشرح الكبير، ابن قدامة المقدسي، (1/ 105).
[46]. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع: أحمد بن عبد الرازق الدويش، (4/ 54).
[47]. مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز، أشرف على جمعه: محمد بن سعد الشويعر، (3/ 372: 374).
[48]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (593).
[49]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 779)، رقم (590).
[50]. المجموع، النووي، دار الفكر، بيروت، د. ت، (2/ 319).
[51]. أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي ومعه إدرار الشروق على أنواء الفروق لابن الشاط المالكي، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ/ 1998م، (1/ 189).
[52]. الرمل: الهرولة.
[53]. الاضطباع في اللغة: افتعال من الضبع، ومعناه شرعا: أن يدخل الرجل رداءه الذي يلبسه تحت منكبه الأيمن فيلقيه على عاتقه الأيسر، وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة. ويطلق عليه التأبط والتوشح.
[54]. البحر المحيط، الزركشي، (4/ 42).
[55]. فتاوى الشبكة الإسلامية، إشراف: د. عبد الله الفقيه، بعنوان: الرد على من زعم أن اللحية شرعت لمخالفة غير المسلمين، (5/ 1576، 1577).
[56]. السنة تشريع لازم ودائم، د. فتحي عبد الكريم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1405هـ/ 1985م، ص63.
[57]. مجموعة رسائل العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد، المطبعة العلمية، سوريا، ط3، 1414هـ/ 1994م، ص96، 97.
[58]. الإبداع في مضار الابتداع، علي محفوظ، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص409.
[59]. هذه دعوتنا، عبد اللطيف مشتهري، مطابع المختار الإسلامي، القاهرة، ط1، 1399هـ/ 1979م، ص244.
[60]. مقال بعنوان: "فوائد اللحية الصحية"، د. نظمي خليل أبو العطا، موقع www. startimes.
-
الاثنين AM 03:45
2020-10-19 - 2965