ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الطعن في أحاديث حد الردة
الطعن في أحاديث حد الردة(*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المشككين في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه عن عكرمة أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«من بدل دينه فاقتلوه».
مستدلين على ذلك بأن في سنده عكرمة مولى ابن عباس وهو ضعيف، بالإضافة إلى أن هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تأمر بقتل المرتد تتعارض مع ما ثبت من نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن قتل المنافقين، مع علمه بكفرهم؛ إذ قال لما طلب منه قتلهم: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي». وأنه لما ارتد عبد الله بن جحش لم يرسل إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يقتله.
وتتعارض كذلك مع الآيات القرآنية التي تدعو إلى الحرية الدينية كقوله عز وجل: )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( (الكهف: ٢٩)، وقوله عز وجل: )لا إكراه في الدين( (البقرة: ٢٥٦)، ويرون أن هذه الأحاديث باطلة مردودة. رامين من وراء ذلك إلى إنكار حد الردة الثابت في الصحيح من أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- والدعوة إلى حرية الكفر لا حرية الفكر.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن حديث «من بدل دينه فاقتلوه» حديث صحيح، رواه البخاري في صحيحه عن عكرمة مولى ابن عباس، وعكرمة ثقة ثبت لم يضعفه أحد، بالإضافة إلى أن الحديث لم يرو عن عكرمة وحده، وإنما رواه الطبراني عن أبي هريرة، ومالك عن زيد بن أسلم بسند صحيح.
2) إن حد الردة - وهو القتل - ثابت في الشرع، ومقطوع به في السنة النبوية الشريفة، وعليه إجماع أهل العلم، وليس هناك دليل قاطع على نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تطبيق هذا الحكم لمن ثبت في حقه الردة.
3) لا تعارض بين حد الردة والآيات التي تتحدث عن الحرية الدينية؛ لأن الحرية في اختيار الدين إنما تكون قبل قبوله، أما إذا ارتضاه المرء بكامل حريته فعليه أن يلتزمه؛ لأن الأمر في الدين جد لا عبث فيه، وذلك حفاظا على وحدة الأمة
التفصيل:
أولا. الحديث صحيح سندا، وعكرمة لم يضعفه أحد:
إن حديث «من بدل دينه فاقتلوه»حديث صحيح، رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أيوب عن عكرمة «أن عليا -رضي الله عنه- حرق قوما، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه»([1]).
أما القول بضعف الحديث لوجود عكرمة في سنده فهو مردود من وجهين:
الأول: إجماع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة فقال الحافظ ابن حجر في (التقريب) عنه: ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة([2])، وقال الحافظ العجلي: ثقة، وهو بريء مما يرميه الناس به من الحرورية، وهو تابعي([3]).
الثاني: الحديث لم ينفرد به عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنه- بل له شواهد عن جماعة من الصحابة تصل بالحديث إلى درجة الشهرة وليس درجة الآحاد كما زعم بعضهم، فهو في الأوسط للطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه([4])بإسناد حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد.
وكذلك عن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- بإسناد رجاله ثقات. وأخرجه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم -رضي الله عنه- مرفوعا بلفظ «من غير دينه فاضربوا عنقه»([5]).
أما طعن بعضهم في صحة الحديث بحجة أن عمومه يشمل من انتقل من الكفر إلى الإسلام فإنه يدخل في عموم الخبر، فلا تخصيص في الحديث للإسلام.
فجواب هذا: بأن العموم ليس هو المراد من الحديث؛ لأن الكفر ملة واحدة، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر، وكذا لو تهود الوثني؛ فهو في ذلك ينتقل من باطل إلى آخر؛ إذ لا فرق بين الظلمة والعتمة. فوضح من ذلك أن المراد من بدل دين الإسلام "وهو الحق" بدين غيره؛ لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام، قال تعالى: )إن الدين عند الله الإسلام( (آل عمران) وما عداه فهو بزعم المدعي([6]).
يقول الدكتور المطعني: وليس لمنكري حد الردة أي دليل في قول من قال: إن عموم الحديث يشمل اليهودي والنصراني إذا تنصر اليهودي أو تهود النصراني؛ لأن هذا القول يمنع عموم الدلالة ولا ينازع في أصل العقوبة التي هي قتل المرتد، وهذا الحديث: "من بدل دينه فاقتلوه" تدل قرائن الأحوال على أنه خاص بالمسلم إذا ترك الإسلام واعتنق دينا آخر، ولم يعتنق أي دين.
فصاحب الدعوة يخاطب بهذا مسلمين، والدين الذي يعنيه هو الإسلام، لا محالة، وذلك لقوله تعالى: )إن الدين عند الله الإسلام( (آل عمران: ١٩)، وقوله: )ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)( (آل عمران).
فالحديث وإن كان في صياغته عاما فهو خاص في معناه قطعا، فلا دليل فيه لمنكري حد الردة مهما تحمسوا وتعسفوا([7]).
وفي النهاية فالحديث صحيح سندا لا مطعن فيه أبدا.
ثانيا. إن ثبوت حد الردة مقطوع به في السنة النبوية، وعند علماء المسلمين وفقهائهم، ولا دليل على نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تطبيق هذا الحكم في السنة مطلقا:
الأمر الذي لا يمكن للناظر في الكتاب والسنة أن يغفله بحال من الأحوال - هو حكم الردة فقد جاء بصيغة بينة قطعية لا مجال للشك فيها، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وعلماء المسلمين، فحكم الردة ثابت في شرعنا الحنيف، وجاء في السنة بقول قاطع لا خلاف عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه». ولا وجود في السنة لأمر يتعارض مع هذا الحكم، ولم يرد نهي من النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الحكم، أو عدم تطبيق له، وهذا ما سنبينه في هذا الوجه.
والردة في معناها اللغوي هي الرجوع عن الشيء إلى غيره، وهي أفحش الكفر. وأغلظه حكما، ومحبطة للعمل إن اتصلت بالموت عند الشافعية، وبنفس الردة عند الحنفية، قال الله تعالى: )ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (217)( (البقرة).
وهي شرعا: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر، سواء بالنية أو بالفعل المكفر، أو بالقول، وسواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا.
وعلى هذا "فإن المرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر؛ مثل من أنكر وجود الخالق، أو نفى الرسل، أو كذب رسولا، أو حلل حراما بالإجماع كالزنا واللواط، وشرب الخمر، والظلم، أو حرم حلالا بالإجماع؛ كالبيع والنكاح. أو نفى وجوبا مجمعا عليه؛ كنفي ركعة من الصلوات الخمس المفروضة... إلخ"([8]).
أما عن حكم المرتد فهو القتل، وقد اتفق العلماء على وجوب قتل المرتد لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه»([9])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([10]).
وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وكذا قتل المرأة المرتدة عند جمهور العلماء غير الحنفية([11]).
ثم ذهب أهل العلم إلى وجوب استتابة المرتد قبل قتله، ومنهم من جعل ذلك على الاستحباب، ومنهم من جعل مدتها ثلاثة أيام وبعضهم ذهب إلى أنه يستتاب، ويؤجل ما رجيت توبته.
وهذا كما جاء عند الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه "الصارم المسلول" حيث يقول فيه: "فإن الذي عليه جماهير أهل العلم أن المرتد يستتاب ومذهب مالك وأحمد أنه يستتاب، ويؤجل بعد الاستتابة ثلاثة أيام وهل ذلك واجب أو مستحب؟ على روايتين عنهما، أشهرهما عنهما: أن الاستتابة واجبة، وهذا قول إسحاق بن راهويه. وكذلك مذهب الشافعي، هل الاستتابة واجبة أو مستحبة على قولين، لكن عنده في أحد القولين يستتاب، فإن تاب في الحال. وإلا قتل وهو قول ابن المنذر والمزني. وفي القول الآخر يستتاب كمذهب مالك وأحمد. وقال الزهري وابن القاسم في رواية: يستتاب ثلاث مرات ومذهب أبي حنيفة أنه يستتاب - أيضا - فإن تاب وإلا قتل، والمشهور عندهم أن الاستتابة مستحبة... وقال الثوري: يؤجل ما رجيت توبته، وكذلك معنى قول النخعي"([12]).
هذا ما اتفق عليه أهل العلم والفقهاء في تعريف الردة وثبوت حكمها. وهذا ما جاءت به الأحاديث الصحيحة الثابتة.
والمهم أن حكم الردة ثابت في السنة. وقد طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وطبقه الصحابة -رضي الله عنهم- من بعده، ولا دليل على أن الردة وقعت أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يطبق فيها الحد، والأدلة التي استدل بها الواهمون في هذا الأمر لا تصلح أن تكون حجة على ذلك؛ لأن الردة لم تكن فيها صريحة، ولم يكن فيها الكفر جهرا.
ثالثا. حرية العقيدة ثابتة بالقرآن والسنة، أما الدخول في الإسلام ثم الارتداد عنه - أمر يرفضه العقل، لما في ذلك من المفاسدالتي تثير الفتن بين المسلمين، فكان قتل المرتد حدا من الحكمة لحماية الدين:
إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلى الحد الذي لا يجوز العدوان عليها، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه: )لا إكراه في الدين( (البقرة: ٢٥٦)، ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيدا لا يقبل التأويل في قوله عز وجل: )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( (الكهف: ٢٩)، وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الاعتقاد للحرية الكاملة في قوله عز وجل: )قل يا أيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين (6)( (الكافرون)، هكذا بالإعلان الصريح، أنتم أحرار في اختياركم وأنا حر في اختياري أفبعد هذه حرية؟!
وقد أكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلك الحرية عمليا، عندما هاجر إلى المدينة المنورة، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحدة.
جاء هذا في سيرة ابن هشام قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم «بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس.... إلى أن قال: وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم"([13]).
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلمته المشهورة: "مذ كم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ "([14]).
إذن فالقرآن والسنة وكذلك أفعال الخلفاء الراشدين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - كل هذا - قد تقرر عند كل منهم مبدأ الحرية.
وبالرجوع إلى القرآن - ثانية - نجد أنه لم يبح أن يكره الناس على اعتناقه أو اعتناق سواه من الأديان، قال عز وجل: )أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (99)( (يونس)، هذا في العهد المكي، وفي العهد المدني قال عز وجل: )لا إكراه في الدين(، وسبب نزول هذه الآية أن الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية إذا اقتنعت المرأة من الحمل نذروا إذا ولدت ولدا هودته (أي جعلته يهوديا)، وهكذا نشأ بعض أولاد الأوس والخزرج يهودا فلما جاء الإسلام أراد بعض الآباء أن يعيدوا أبناءهم إلى الإسلام (دينهم الجديد، ودين الأمة في ذلك الحين) وأن يخرجوهم من اليهودية وذلك كرها بدون رضاهم، ورغم الظروف التي دخلوا بها اليهودية، ورغم العداء والحرب بين اليهود والمسلمين فإن الإسلام لم يبح ذلك الإكراه، أن يخرج أحد من دينه ليدخل دينا آخر ولو كان الإسلام، فقال عز وجل: )لا إكراه في الدين(، ولم يكن هذا مطلبا شعبيا، أو نتيجة التطور، أو بثورة، أو نضج الناس في ذلك الوقت، وإنما جاء مبدأ أعلى من المجتمع والناس جاء مبدأ من السماء ليرتفع به أهل الأرض، جاء الإسلام ليرتقي بالبشرية بتقرير هذا المبدأ "حرية الاعتقاد".
ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة، إلا أن هذه الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقه.
فقتل المرتد عن الإسلام ليس لأنه ارتد فقط، ولكن لإثارته الفتن والبلبلة، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية!
أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ويثير الشكوك في نفوسهم ولم يطلع أحدا على ذلك - فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور، ولن تخسر الأمة أبدا بارتداده شيئا، بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال عز وجل: )ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (217)( (البقرة). فإن الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق، لا يجبر أحدا على اعتناقه، فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه، فعليه أن يلتزمه؛ لأن الأمر في الدين جد لا عبث فيه؛ لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضوا في جماعة المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وكأنه بهذا دخل مع جماعة المسلمين في عقد اجتماعي يقرر الانتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد والأمة التي ينتمي إليها، وبهذا العقد الاجتماعي يصبح الفرد كأنه جزء من جسد الأمة، على النحو الذي أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى» ([15]).
فإذا عن لأحدهم بعد ذلك أن يرتد - أعني أن يفارق الأمة التي كان عضوا فيها وجزءا منها تمنحه ولاءها وحمايتها، ويسعى إلى تمزيق وحدتها، إنه بذلك قد مارس ما يشبه الخيانة الوطنية على المستوى السياسي، وخيانة الوطن جزاؤها الإعدام، ولن تكون أقل من خيانة الدين!
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: "ولكن هذا المبدأ الذي أقره الإسلام مشروط ومقيد - أيضا - بألا يصبح الدين ألعوبة في أيدي الناس كما قالت اليهود فيما حكاه القرآن عنهم: )وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون (72)( (آل عمران)؛ أي: آمنوا الصبح وفي آخر النهار تولوا وقولوا: لقد وجدنا دين محمد صفته كذا وكذا فتركناه، أو آمنوا اليوم واكفروا غدا أو بعد أسبوع ثم شنعوا على هذا الدين الجديد.
فأراد الله ألا يكون هذا الدين ألعوبة في أيدي الناس، فمن دخل هذا الإسلام بعد اقتناع ووعي وبصيرة فليلزمه، وإلا تعرض لعقوبة الردة([16]).
ولقد أصدرت المجامع الفقهية العديد من الفتاوى في موضوع الردة، مزيلة ببيان عدم مخالفتها للحرية الدينية، وفي الفتاوى المصرية تكررت هذه العبارة عند الحكم بقتل المرتد حدا: يقضي الحكم الشرعي بقتل المسلم الذي بدل دينه إذا أصر على ردته ولم يتب ولم يرجع إلى الإسلام متبرئا مما فعل، وهذا لا يتنافى مع الحرية الشخصية([17]).
فهل ترضى جماعة تحترم دينها بهذا العبث أو أن ينجح هذا التلاعب مثل الذي أرادته اليهود؟ فتستغل هذه الحرية لضرب الإسلام وصرف الناس عنه، إن الردة شيء والحرية شيء آخر، فحد الردة إنما هو سد لذريعة أن يتخذ الدين ألعوبة، أو لدفع المفاسد التي يمكن أن تنجم عن المرتد، ومن باب الحفاظ على الكيان الإسلامي، وهذا لا يتعارض مع الحرية.
الخلاصة:
- إنحديث«منبدلدينهفاقتلوه»متفقعلىصحتهبينعلماءالإسلام،وأما طعنهم في الحديث لرواية عكرمة له فهو مردود؛ لإجماع العلماء على توثيقه وصلاحه، بالإضافة إلى أن الحديث روي عن غيره مثل أبي هريرة وزيد بن أسلم، فلا مطعن في الحديث بوجه من الوجوه.
- حكمالردةوهوالقتلمقطوعبهفيشرعناالحنيفوثابتبالأدلةالصريحةفيالسنة النبوية المشرفة، وقد اتفق عامة أهل العلم على ذلك.
- إنالنبي -صلىاللهعليهوسلم- أمربتطبيقهذاالحكمعلىالمرتدولميثبتأنهناكردةصريحةوقعتأمامهولمينفذفيهاالحكم،وكذلكشأنالصحابةمنبعده.
- إنالأحاديثالتيجاءفيهاالنهيعنقتلالمنافقينمع أن ظاهر فعلهم الردة لا تصلح دليلا على عدم تطبيق حد الردة؛ لأن أصحابها - أي المنافقين - كان ظاهرهم الإسلام، وكانوا يصلون ويقرؤون القرآن، ولم يصرحوا علانية بردتهم.
- إنحريةالعقيدةمكفولةومقدسةفيالإسلام،وجاءذلكصريحافيغيرآيةمنكتابالله -عزوجل- وأكدتها السنة النبوية عمليا، وقد عمل الصحابة في سبيل تحقيق هذه الحرية، فالإنسان حر، له أن يعتقد ما يشاء، لكنه عندما يدخل الإسلام يصبح جزءا من كيانه، ملتزما بواجباته وحقوقه، ومن ثم يصبح محاطا بحمايته، وذلك من خلال تشريعاته النبيلة، التي تكفل له الحقوق تكريما لآدميته، وتحرم كل ما يعارض هذه الآدمية.
- إنالمرتدعنالإسلامبعدانتفاعهبحمايتهيعدبمثابةالخائنالجاحدالمنكر،فلايستحقإلاالقتلجزاءهذاالجحود،وجزاءماجرهمنمفاسدعلىعقيدةالمسلمين،ولإثارتهالفتنةعنطريقنشرأفكارهالتيتؤثرعلىالنظام الذي ارتضاه الله لعباده، وليس في هذا تعارض مع حرية العقيدة.
(*) لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 1995م. السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م. حديث حد الردة في ضوء أصول التحديث رواية ودراية، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1421هـ/ 2000م. الردة والحرية الدينية، د. أكرم رضا، دار الوفاء، مصر، ط1، 1426هـ/ 2006م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: لايعذب بعذاب الله، (6/ 173)، رقم (3017).
[2]. تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد الباكستاني، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص 687، 688.
[3]. تاريخ الثقات، أحمد العجلي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1450هـ / 1984م، ص 339.
[4]. حسن، أخرجه الطبراني في الأوسط، باب: من اسمه مسعود، (8/ 275)، رقم (8623). وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد برقم (10572).
[5]. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب: الأقضية، باب: القضاء فيمن ارتد عن الإسلام، ص 282، رقم (1419).
[6]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 284، 285).
[7]. عقوبة الارتداد عن الدين، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1414هـ / 1993م، ص31، 32.
[8]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 1989م، (6/ 183).
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: لا يعذب بعذاب الله، (6/ 173)، رقم (3017).
[10]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: ما يباح به دم المسلم، (6/ 2608)، رقم (4296).
[11]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 1989م، (6/ 186).
[12]. الصارم المسلول على شاتم الرسول، ابن تيمية، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ / 1978م، ص 321.
[13]. السيرة النبوية، ابن هشام، تحقيق: محمد بيومي، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/ 1995م، (2/ 96، 97).
[14] . فتوح مصر وأخبارها، ابن عبد الحكم، تحقيق: محمد الحجيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1416هـ/1996م، (1/183).
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، (10/ 452)، رقم (6011). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة، باب: تراحم المسلمين وتعاطفهم، (9/ 3711)، رقم (6463).
[16]. الجريمة، د. القرضاوي، نقلا عن: الردة والحرية الدينية، د. أكرم رضا، دار الوفاء، مصر، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص 184.
[17]. فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام رقم (1228)، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، نقلا عن: الردة والحرية الدينية، د. أكرم رضا، دار الوفاء، مصر، ط1، 1426هـ/ 2006م،بتصرف.
-
الاثنين AM 01:29
2020-10-19 - 2284