المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415320
يتصفح الموقع حاليا : 216

البحث

البحث

عرض المادة

الكذبة 378: الافتراء على اللغة العربية فجورا في الخصومة

الميرزا نموذج المناقش المماحك الذي يكيل بمكيالين ولا دين له ولا مبدأ ولا هَمّ له سوى نقض ما يقوله الخصم حتى لو هدم ما عنده، فلا يتورّع عن الكذب في هذا السبيل.

يقول الميرزا:

"والآن نقول بكل أسف إن أحد المسيحيين الإنجليز الجاهلين قد قال في كتابه أنّ مِن فضل المسيحية على الإسلام أنها ذكرت أنَّ مِن أسماء الله الأبَ". (منن الرحمن، ص 39)

فأخذ الميرزا باحتقار "الأب" قائلا أنه مجردُ قاذفِ نطفة. ثم وصف كلمة الأب بأنها "كلمة رديئة وحقيرة وسخيفة". (منن الرحمن، ص 41)

وعدّد نماذج ممن ينطبق عليهم وصف الأب، فقال:

"الكبش الذي يقفز على الشاة ويقذف فيها النطفة، أو الثور الفحل الذي يقع على البقرة ويشبع غُلْمته، ثم ينفصل عنها دون أن يذهب أن يفكر في إنجاب الأولاد، أو الخنـزير الذي يندفع من جراء الشهوة العارمة ويظل مشغولا بإشباعها ولا يقصد من وراء ثورة شهوته المتكررة أن يولد له أولاد". (منن الرحمن، ص 41-42)

كل هذا الإسفاف والتفاهة لمجرد أن يردّ على مسيحي!! مع أنه كان يكفي أن يشرح أن كلمة "الربّ" أفضل من كلمة "الأب" في هذا السياق من دون أن يسيء إلى كلمة الأب الجميلة الرائعة. ما المشكلة أن يكون زيد أفضل من عمرو؟ هل يجب أن يكون عمرو أحقر الناس؟ ألا يمكن أن يكون عمرو جيدا، وأنّ زيدا أفضل منه؟

ليت الميرزا وقف عند هذا الحدّ، بل تابع يقول:

"استُمِدّت كلمة الأب من حيث اللغة من أربعة جذور كالآتي.

"1: إباء: الإباء هو الماء الذي لا ينضب. فبما أن ماء النطفة يظل يتكون في الرجل إلى مدة طويلة، ومن هذا الماء نفسه يخلق الله الحكيم ذو الجلال "الطفل"، لذلك سمي مصدر هذا الماء بـ "أب". ومن هذا المنطلق يطلق العرب على فرْج المرأة "أبو دارس"، والدارس يعني الحيض، فبما أن الحيض أيضا لا ينقطع إلى مدة طويلة فقد عُدَّ ماءً على سبيل المجاز وسُمِّي الفرج أبا دارس، وكأنه بئر لا ينقطع ماؤها". (منن الرحمن، ص 43)

والحقيقةُ أنّ هذه الفقرة توضّح شخصية الميرزا التي يعميها الحقدُ والضغينة، وإلا فكلمةُ "الإباء" مِن أجمل الكلمات وأروعها؛ فقد جاء في أسرار البلاغة:

"في قولهم فلان عاشَ حين مات، يُرادُ الرجلُ تحمِلُهُ الأبيّةُ وكرَمُ النفس والأنَفَةُ مِن العار، على أن يسخو بنفسه في الجود والبأْس، فيفعل ما فعل كعبُ بن مامة في الإيثار على نفسه، أو ما يفعله الشجاع المذكور من القتال دون حَرِيمه، والصبر في مواطن الإباء". (أسرار البلاغة 1 / 48)

ثم يتابع الميرزا قائلا:

"2: استُمِدَّت كلمة الأب مِن "أبى"، لأن "أبى" في العربية يعني امتنع وتوقف أيضا، فبما أن الذَكر الذي يُسمَّى الأب يتوقف بعد قذف النطفة ولا يقوم بعد ذلك بأي شيء آخر، بل "الأم" -التي هي أوسعُ معنى من "الأب"- تتلقى في رحمها نطفة "الأب" التي تتغذى على دمها، الأمر الذي رُوعيَ أيضا في تسمية الأب". (منن الرحمن، ص 43)

أقول: هذا منطق تافه وكاذب وغير منضبط، ويمكن به أن نقول ما نشاء. ثم إنّ معنى "أبى" امتنع، وليس توقَّفَ. إلا إذا قصد بكلمة "توقَّف عن الشيء" أي امتَنَع عنه، وليس أنه قَبِله ثم توقَّف عن قبوله. ثم إنّه هرأ في قوله: " الذَكر يُسمَّى الأب"!!

ويتابع الميرزا في هرائه قائلا:

"3: إن كلمة الأب مشتقة من "الأَباء" التي تعني القصب، وذلك لمشابهة ذَكَر الرجل بالقصب". (منن الرحمن، ص 43)

قلتُ: هنا تبلغ السماجةُ ذروتها. صحيح أنّ الأباء يعني القَصَبُ، ولكن ليس للسبب السمج الذي ذكره، بل كما قال "ابن جني: كان أَبو بكر يشتقُّ الأَباءَةَ مِن أَبَيْت، وذلك أَنَّ الأَجمة تَمْتَنع وتَأْبَى على سالِكها". (لسان العرب)

فالأباء هو غابةُ القَصَب، وسُمّي بذلك لأن هذه من القصب تأبى أن يمرّ بها الناس وتمنعهم، فهي أَباء. فهذه كذبة أخرى، لكننا سنعُدّ كل كذبات هذه القضية كذبة واحدة.

ويتابع الميرزا:

"4: إنها مشتقة من "أبى"، ومعناه زوال الاشتهاء، ولما كانت شهوة الرجل تزول بعد الجماع، فرُوعِيَ هذا المعنى أيضا في سبب تسمية "الأب".(منن الرحمن، ص 43)

أقول: جاء في لسان العرب: "يقال أَخذه أُباءٌ إِذا كان يَأْبى الطعام فلا يَشْتهيه". ولم يقُل إن معناه زوال الشهوة الجنسية، بل تتحدث عن رفض الطعام لأنه لا يشتهيه.

ثم إنّ الميرزا لم يأخذ بالعبارة السابقة لهذه في لسان العرب، وهي قوله: " ورجل أَبَّاء إِذا أَبى أَن يُضامَ". وهذا المعنى جميل ويخالف كل ما هرأ به الميرزا.

قد يقال إنّ هذه مواضيع لغوية صعبة فما لنا ولها. فأقول: القضية في هذا المقال إثبات سواد قلب الميرزا وإصراره على قلب الحقيقة لمجرد مناكفة الخصم، مع أنه يمكنه أن يقبل بأنّ هذه الكلمة جميلة، ولكن الكلمة الإسلامية أجمل وأفضل وأنسب. فغاية المقال أن يثبت فجوره في الخصومة وإسفافه وجرأته على الكذب، وإلا فقد استخدم القرآن الكريم كلمة "أبوين" بمعنى الأب والأم، فقال تعالى:

{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } (النساء 11)، {لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} (الأعراف 27)، {آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} (يوسف 99)، {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} (الكهف 80)، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (الحج 78)

  • الثلاثاء AM 11:22
    2022-10-25
  • 564
Powered by: GateGold