ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
البحث عن بديل
من الأجدر بنا أن ندرس قضية المرأة داخل إطارها التاريخي والإنساني ، فندرك أن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية لها سماتها الخاصة .
كما يجب أن ننفض عن أنفسنا غبار التبعية الإدراكية ونبحث عن حلول لمشاكلنا نولدها من نماذجنا المعرفية ومنظوماتنا القيمية والأخلاقية ومن إيماننا بإنسانيتنا المشتركة ، وهي منظومات تؤكد أن المجتمع الإنساني يسبق الفرد (تماما كما يسبق الإنسان الطبيعة / المادة) .
ولذا بدلا من الحديث عن «حقوق الإنسان» ، إنسان روسو الطبيعي الذي يعيش حسب قوانين الطبيعة ، مما يضطرنا إلى الحديث عن «حقوق المرأة» الفرد ، ثم أخيرا عن «حقوق الطفل» الفرد ، قد يكون من الأجدر بنا أن نتحدث عن «حقوق الأسرة» كنقطة بدء ثم يتفرع عنها وبعدها «حقوق الأفراد الذين يكونون هذه الأسرة ، أي أننا سنبدأ بالكل (الإنساني الاجتماعي) ثم نتبعه بالأجزاء (الفردية) .
ولو اتبعنا هذا النموذج ، واتخذنا الأسرة نقطة بدء ووحدة تحليلية ، فإن الحديث عن تحقيق الذات بشكل مطلق» يصبح أمرا ممجوجة ومرفوضأ ولابد أن يحل محله الحديث عن تحقيق الذات داخل إطار الأسرة» .
وبدلا من الحديث عن تحرير المرأة» کی «تحقق ذاتها، ولذتها ومتعتها ، قد يكون من المفيد أن ندرس ما حولنا لنكتشف أن أزمة المرأة هي في واقع الأمر ، جزء من أزمة الإنسان في العصر الحديث والتي تنبع من هذه الحركية الهائلة المرتبطة بتزايد معدلات الاستهلاك ، التي تسم إيقاع حياتنا الحديثة ، ومن وجود هذه الاختيارات الاستهلاكية التي لا حصر لها ولا عدد والتي تحاصرنا وتحد من حركتنا . إن الدراسة المتأنية ستبين لنا أن المشكلة تنبع من أن الرجل قد تم تحديثه» بشكل متطرف وتم استيعابه في هذه الحركية الاستهلاكية العمياء بحيث أصبحت البدائل المطروحة أمامه تفوق بكثير البدائل المطروحة أمام المرأة . ولكن بما أن هذه الحركية الاستهلاكية المتطرفة هي أحد أسباب أزمة الإنسان الحديث قد يكون من الأكثر رشدأ وعقلانية ألا نطالب با «تحرير المرأة» وألا نحاول أن نقذف بها هي الأخرى في عالم السوق والحركية الاستهلاكية ، وأن نطالب بدلا من ذلك بتقييد الرجل أو وضع قليل من الحدود عليه وعلى حركيته بحيث نبطئ من حركته فينسلخ قليلا عن عالم السوق والاستهلاك وبذلك يتناسب إيقاعه مع إيقاع المرأة والأسرة وحدود إنسانيتنا المشتركة .
وانطلاقا من هذه الرؤية لابد أن يُعاد تعليم الرجل بحيث يكتسب بعض خبرات الأبوة والعيش داخل الأسرة والجماعة ، وهي خبرات فقدها الإنسان الحديث مع تأكل الأسرة ومع تحركه المتطرف في رقعة الحياة العامة . وبهذه الطريقة سيكون بوسع الرجل أن يشارك في اي تنشئة الأطفال ، وأن يعرف عن قرب الجهد الذي تبذله المرأة/ الأم ، ومن ثم يمكن لإنسانيتنا المشتركة أن تؤكد نفسها مرة أخرى ..
وهذه استراتيجية لا تختلف كثيرا عن استراتيجية جماعات الدفاع عن البيئة (الخضر). فهم يطالبون الإنسان الغربي بأن يخفض من حرارة المجتمعات الغربية وأن ينسلخ قليلا عن أيديولوجية التقدم والغزو والإنجاز والإنتاجية على أن يحل محلها أيديولوجية الاتزان والتوازن مع الطبيعة والذات وإشباع الحاجات الإنسانية الأساسية بحيث يتناسب إيقاع المجتمع مع إيقاع الإنسان .
ولعله قد يكون من المفيد ألا نتحدث عن «حق المرأة في العمل» (أي أن تعمل في رقعة الحياة العامة نظير أجر) ، أي العمل المنتج مادية الذي يؤدي إلى منتج مادی (سلع - خدمات). ونعيد صياغة رؤية الناس بحيث يعاد تعريف العمل فيصبح «العمل الإنسانی»، أي العمل المنتج إنسانية (وبذلك نؤكد أسبقية الإنساني على المادي والطبيعي. وهنا تصبح الأمومة أهم الأعمال المنتجة» (وماذا يمكن أن يكون أكثر أهمية من تحويل الطفل الطبيعي إلى إنسان اجتماعي؟) . ومن ثم يقل إحساس المرأة العاملة في المنزل بالغربة وعدم الجدوى ، ويزداد احترام الرجل الها ويكف الجميع عن القول بأن المرأة العاملة في المنزل لا تعمل، وكأن عمل سكرتيرة في إحدى شركات التصدير والاستيراد أو إحدى شركات السياحة أكثر أهمية وجدوى من تنشئة الأطفال !
ولعلنا قد نكتشف طرق جديدة لإعادة إنتاج الأسرة الممتدة بما توفره للإنسان من طمأنينة داخل المدينة الحديثة ذات الطرق القاسية والإيقاع المرعب، كأن نطور طرزة معمارية فعل الجيرة كمؤسسة وسيطة تشبه في وظيفتها الأسرة الممتدة .
وقد يمكننا التوصل ليوم عمل يمكن تقطيعه وتقسيمه ليتناسب مع مؤسسة الأسرة ولا يتعارض مع محاولة المرأة أن تقوم بدورها كأم وكزوجة ، بل إنه يمكن تعديل رقعة الحياة العامة ذاتها ومكان العمل بحيث يخلق داخله حيز إنساني .
ويمكننا أن نعيد بعث الاقتصاد العائلي (بالإنجليزية : فامیلی إيكونومی family economy) الذي أثبت كفاءته ومقدرته على الاستمرار وإنتاجيته العالية في المجتمعات الحديثة والتي يقال لها متقدمة» (سواء في اليابان أو الولايات المتحدة). ولكن ما يهمنا هنا أنه شكل من أشكال علاقات الإنتاج التي لا تقوض الأسرة وتفككها، ويمكن للمرأة أن تشارك فيه دون أن تفقد هويتها كأم وزوجة. ويمكن أيضا تطوير نظم تعليمية جديدة بحيث يمكن للمرأة أن تتعلم وتستمر في تعليمها دون أن نولد داخلها التوترات بين الرغبة المحمودة في التعلم والنزعة الكونية نحو الأمومة.
وهذه الاقتراحات الأولية تهدف إلى تقليل الأعباء النفسية الناجمة عن الأمومة ، وتحرير المرأة بعض الشيء من الأعباء المنزلية البدنية ، بحيث نخلق حيزة خاصة بها يمكنها أن تمارس فيه إنسانيتها دون أن تضطر إلى تحطيم الأسرة ودون أن تجعل تحقيق ذاتها مشروطة بتخليها عن الأسرة وعن دورها الاجتماعي .
ويجب أن يواكب هذا دراسة جادة ومتعمقة، نقدية وخلاقة، الظاهرة تحرير المرأة في الغرب داخل إطار الترشيد المادي وإطار الفكر المادي الصراعى الواحدى المتمرکز حول الأنثى. فعلى سبيل المثال و يمكن أن ندرس المشاكل الناجمة عن تأكل الأسرة وتكلفتها والاجتماعية والمادية. وقد قرأت في إحدى الدراسات أن انسحاب المرأة من الأسرة واستيعابها في اليات السوق والحركية الاستهلاكية وتحولها إلى «طاقة عاملة» في رقعة الحياة العامة و «وحدة إنتاجية» في سوق العمل يؤدي إلى غربة شديدة عند الأطفال مما يحولهم إلى عناصر مدمرة. وقد رأى الباحث صاحب الدراسة أن عمليات التخريب المتعمد في المدارس (school vandalism) تكلف البلايين من الدولارات وأنها مرتبطة تمام الارتباط بظاهرة اختفاء الأم. كما يمكن أيضأ حساب الخسارة النفسية للطفل والتي يمكن ترجمتها مادية إلى أرقام . وهل يمكن أيضا ربط ارتفاع معدلات الطلاق بمعدلات انسحاب المرأة من الأسرة ومن دور الأمومة؟ يكلف الطلاق في الولايات المتحدة بلايين الدولارات أيضأ) . ومن المعروف أن شركات التأمين ترفع أقساط التأمين على كل من يطلق لأنه يرتكب عددا أكبر من الحوادث .
ويمكن الإشارة هنا إلى ما يسمى ظاهرة «تأنيث الفقر» (fminization of poverty) التي أصبحت ظاهرة اجتماعية معروفة في الولايات المتحدة ، إذ يبدو أنه في إطار حرية المرأة وحرية الرجل ، يتعایش رجل مع امرأة تنجب منه طفلا أو طفلين عادة دون أن يرتبطا بعقد زواج. وبعد فترة قصيرة أو طويلة يتملك الرجل الملل وتنشب المعارك بين الطرفين فيقرر الرجل أن «يحقق ذاته» خارج إطار الأسرة فيحمل متاعه ويذهب ، تاركة الأم المهجورة وحدها ، ترعى الطفلين . فتزيد أعباءها النفسية والاجتماعية والاقتصادية (مهما دفع الرجل من نفقة) وازداد الرجال منعة وحركية استهلاكية، أي أنه تم تأنيث الفقر، ويمكن أن نضيف أنه تم كذلك تأنيث الجهد النفسي والإرهاق البدني .
ولعل هذا من أهم الأسباب السوسيولوجية لزيادة معدلات السحاق في المجتمعات الغربية فهو يحل مشكلة ضرورة تفريغ الطاقة الجنسية للأنثى دون أن يدخلها في دوامة العلاقة مع الرجل التي توردها موارد التهلكة والفقر والألم والهجران .
كما يمكن أن ندرس إنتاجية المجتمع ككل في إطار خروج المرأة للعمل في حقل الحياة العامة بدلا ً من العمل في حقل الحياة الخاصة. فهناك من الدراسات ما يشير إلى إنتاجية المجتمع على مستوى الماكرو تتزايد مع اضطلاع المرأة بدور الزوجة والأم، إذ أنها تقوم بتربية الأطفال تربية صالحة، فيصبحون أعضاء منتجين في المجتمع، كما أنها تهدئ من روع الجميع: الزوج والأبناء عند عودتهم من رقعة الحياة العامة، فيستعيد الجميع توازنهم وتتزايد إنتاجيتهم .
وثمة دراسات تشير إلى أن قلق المرأة بخصوص هویتها وذاتها قد تزايد مع فقدانها وظيفتها ومكانتها كأم وزوجة ، وأن هذا القلق له مردود سلبي للغاية على صحتها النفسية وعلى محاولتها تحقیق ذاتها، وأنه هو الذي يؤدي إلى محاولة المرأة التشبه الشرس بالرجل ، وظهور ال uni – sex.
كما يجب أن نضع نصب أعيننا أثر كل مشروع اقتصادی إنتاج على بناء الأسرة وعلى دور المرأة كأم فهناك حديث «عالمی» عن «الخصخصة» ، ولم يدرس أحد أثر الخصخصة علينا كبشر ، وتكلفتها المعنوية والمادية (مع العلم بأن التكلفة المعنوية تترجم نفسها بعد قليل إلى تكلفة مادية يمكن حسابها كمية بشيء من الجهد). وأعتقد أن الخصخصة بلا ضابط سيكون لها أثر مدمر على الأسرة وعلى المرأة ، فالخصخصة هي في واقع الأمر توسيع رقعة السوق ، واليات العرض والطلب ، لتبتلع كل شيء .
كما يجب ألا يفوتنا أن نتصدى لكثير من المشاريع التي يقال لها تنموية والتي يفرضها البنك الدولي والتي تهدف في واقع الأمر إلى تحطيم الدول القومية ومؤسسة الأسرة التي يرون أنها من أكبر معوقات «التنمية» (أي التقدم المادي بغض النظر عن الثمن الإنساني مهما كانت فداحته) .
والشيء نفسه ينطبق على بعض التشريعات التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، والتي تدور في إطار عقلية السوق الحر والخصخصة الكاملة لكل شيء بما في ذلك جسد الإنسان وروحه وضميره . ونحن لابد أن نستفيد من الخبرات والمعونات الدولية شريطة ألا تتحول إلى معاول هدم تقوض أساس مجتمعاتنا .
وهناك العديد من الدراسات الأخرى التي تبين أن خصائص المرأة التشريحية ووظائفها البيولوجية له علاقة بتكوين شخصيتها وهويتها وطموحها (وهذه من المفارقات التي تستحق التسجيل، فحركة التمركز حول الأنثى التي تؤكد مرکزية جسد الأنثى في تحديد هويتها ينتهي بها الأمر إلى إنكار أي أهمية للجسد وللخصائص التشريحية والوظائف البيولوجية ، تماما مثل الحركة الصهيونية التي تؤكد يهودية اليهودي ثم تحاول تخليصه منها).
ونحن لا نذهب مذهب الماديين الذين يقولون بأن جسد المرأة هو قدرها وأن خصائصها التشريحية هي مصيرها المحتوم ، ولكن نقول إن هذا الجسد وهذه الخصائص تفرض عليها حدودة معينة ، وهذه الحدود تخلق لها حيزا أنثويا خاصا يفصلها عن الرجل دون أن يعزلها عنه. وقد هاج كثير من دعاة التمرکز حول الأنثى حينما نشر أحد العلماء دراسة تبين أن كثيرا من البطلات الرياضيات من احترفن الرياضة لا يحملن إلا إذا توقفن عن ممارسة الرياضة لعدة سنوات . وقد نشر أحد العلماء دراسة طريفة تبين أن ثمة علاقة ما ، لم يتمكن الباحث من تحديدها بدقة، بين العادة الشهرية عند المرأة والعرق الذي يفرزه الرجل تحت إبطه. ورغم أن هذه الدراسة دراسة أولية للغاية إلا أن حركات التمركز حول الأنثى حاولت منع نشرها وغيرها من الدراسات ، أي أن التوجه الأيديولوجي يصل من الحدة إلى محاولة إنكار الحقائق العلمية التي قد تقوض من النظرية ، وكأننا في المرحلة الستالينية حين كان على العلماء أن يثبتوا ، بكل ما أتوا من قوة ، صدق مقولات المادية الجدلية !
كما يجب أن ندرس الدور المدمر لبعض الشركات «العالمية» التي تشكل ماسميته في دراسة سابقة (الفردوس الأرضي [۱۹۷۹) «الإمبريالية النفسية». وإذا كانت الإمبريالية التقليدية تبحث دائما عن أسواق لسلعها وعمالة رخيصة ، فالإمبريالية النفسية لا تختلف كثيرا عنها ، إلا أنها جعلت من وعى الإنسان ووجدانه مجال حركتها ونشاطها ، أي أنها لا تتحرك في رقعة الحياة العامة البرانية ، بل في رقعة الحياة الخاصة الجوانية ، وهي سوق يمكن توسيع حدوده إلى ما لا نهاية ، عن طريق توسيع شهوة الإنسان وتولید حالة من القلق وعدم الاتزان والرضا داخله ، يتصور أنه لا يمكنه تجاوزها إلا من خلال اقتناء سلع بعينها .
وقد نشأت عدة صناعات (رؤوس أموالها بلايين الدولارات) ركزت بالذات على المرأة. فشركات مستحضرات التجميل وأدواته جعلت المرأة هدفة أساسية لها. فمن خلال آلاف الإعلانات، يولد في المرأة إحساس بأنها إن لم تستخدم آلاف المساحيق والعطور والكريمات وخلافه تفقد جاذبيتها (عادة الجنسية) وتصبح قبيحة. وبعد ترسيخ هذه القناعة تماما في وجدان الإناث يتم تغيير المساحيق كل عام، ويطلب من المرأة أن تغير وجهها لتصبح جديدة دائما» ، «مرغوبة أبدا» ، وهكذا تصبح المرأة سوق متجددة بشكل لا ينتهی .
ولا تقل صناعة الأزياء شراسة عن صناعة مستحضرات التجميل فهي صناعة أصبح لها قنوات فضائية ونجوم وأبطال (معظمهم من الشواذ جنسيا ، مات منهم خمسة في عام واحد بمرض الإيدز ، ونجحت صناعة الأزياء في التكتم على الخبر حتى لا تؤثر على مبيعاتها) . وفي كثير من الأحيان تقترب عروض و الأزياء من الإباحية الصريحة، فهي تتفنن في طمس الشخصية الإنسانية والإجتماعية للمرأة وإبراز مفاتنها الجسدية لتتحول إلى جسم طبیعی/ مادی، سوق عام لا خصوصية له يمكن هزيمته وتوظيفه وحوسلته (تحويله إلى وسيلة). وهكذا يتم ترشيد جسد المرأة ووجهها في الإطار المادي ويتم سحبها من عالم الحياة الخاصة والطمأنينة إلى عالم الحياة العامة والسوق والهرولة والقلق .
وما يزيد الطين بلة أن كلا من صناعة مساحيق التجميل وأدواته والأزياء تفرض مقاییس جمالية يستحيل الالتزام بها إلا لمجموعة محدودة من الإناث المتفرغات لجسدهن (مثل الممثلات أو عارضات الأزياء أو فتيات الإعلانات) وقد تسبب هذا في انتشار الأمراض النفسية مثل مرض أنارکسیا فورموزا ، وهو إحساس يتملك المرأة مهما بلغت من جمال ورشاقة أنها قبيحة وبدينة ، فتمتنع عن الأكل بسبب قلقها الشديد بخصوص وزنها وجمالها ، وفي بعض الأحيان تقضى نحبها. ويبدو أن المرض منتشر على نطاق واسع (يقال إن الأميرة ديانا كانت مصابة به بعض الوقت) . ومثل هذه القضايا تتناولها فروع جديدة في علم الاجتماع مثل سوسيولوجيا الوجه وسوسيولوجيا الجسد .
ويساند عملیات حوسلة المرأة (أي تحويلها إلى وسيلة) هذه وتوسيع نطاق الإمبريالية النفسية صناعة الإعلانات التي تستخدم المرأة التصعيد الرغبات الاستهلاكية عند كل من الرجل والمرأة ، وتعيد إنتاج صورة المرأة باعتبارها جسدة مادية محضة ، موضوعة للرغبة المادية المباشرة . ثم تأتي أخبرة صناعة السينما في الولايات المتحدة هوليود) التي تعيد صياغة صورة المرأة في وجداننا جميعا فهي تنزع عن المرأة كل قداسة وتعريها لا من ملابسها وحسب وانما من إنسانيتها وكينونتها الحضارية والاجتماعية وخصوصيتها الثقافية بحيث تصبح مثل الإنسان المقترح من قبل النظام العالمي الجديد : إنسان بلا ذاكرة ولا وعى ، إنسان عصر ما بعد الحداثة والعالم الذي الا مرکزله (استخدم أحد الظرفاء اصطلاح «ما بعد البيکینی» بالإنجليزية: بوست بیکینی - post bikini على منوال ما بعد الحداثة [بالإنجليزية: بوست مودرنست post – modernist ] اليشير إلى هذا الاتجاه نحو التعرية الشاملة ، وليوجه أنظارنا نحو العلاقة بين تعرية المرأة من ملابسها وتعرية الإنسان من منظوماته القيمية وخصوصيته القومية) .
ولعله قد يكون من المفيد أن نرى علاقة حركة التمرکز حول الأنثى والمفاهيم الكامنة فيها بمشروع السوق الشرق أوسطية ، فكلاهما معاد للتاريخ ، وكلاهما يطالب الإنسان العربي أن ينسی ماضيه ووعيه وأن يبدأ من جديد . .
ولعله قد يكون من المفيد أن ندرك العلاقة بين حركة التمرکز حول الأنثى وظواهر جديدة في مجتمعنا مثل الاهتمام المحموم من قبل بعض الصحف والمجلات المصرية بالجنس ، واستخدام العامية المصرية في هذه الصحف وفي الإعلانات . إن الجنس الذي تتناوله هذه الصحف ليس شأنا إنسانية مركبة وليس ظاهرة اجتماعية وتاريخية ، وإنما هو تسلية وفضائح ، أي أنه عملية نزع القداسة عن الإنسان ليصبح موضوعة بسيطة طريفة لا كائنا مركبة عظيمة . وفي هذا الإطار تصبح فضائح نجوم السينما وسيرهم الذاتية غير العطرة هي أهم الأخبار والصور المجازية الأساسية، ومن ثم يتم تذويب الإنسان في سيرة فلانة الراقصة التي لم تنجز شيئا في حياتها سوى سلسلة من الزيجات وعددا من الفضائح .
واستخدام العامية لا يختلف كثيرا عن ذلك ، فلو أصبحت العامية وحدها هي مستودع ذاكرتنا التاريخية لفقدنا أمرأ القيس والبحتري وابن خلدون وابن سينا ، أي فقدنا كل شيء ، وتصبح كلاسيكياتنا هي أغانی شکوکو وأقوال إسماعيل ياسين .
وأعتقد أن الإنسان الذي يقتدى بالراقصة فلانة ولا يتذكر إلا بعض الأفلام والأغاني المصرية هو إنسان تم تفريغه تماما وتفکیکه تماما، ومن ثم يمكنه التحرك بكفاءة عالية في السوق الشرق أوسطية ، لأن السوق العربية تتطلب إنسانا آخر له هوية وذاكرة ويحمل منظومة قيمية . إن حركة التمرکز حول الأنثى هي جزء من هذه الهجمة الشاملة ضد قيمنا وذاكرتنا ووعينا وخصوصيتنا ويجب أن ندرك هذا ونعيه ، حتى لا تكون معركتنا جزئية وغير واعية بذاتها .
-
الخميس PM 05:21
2022-08-18 - 1355