المساواة والتسوية - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 443021
يتصفح الموقع حاليا : 212

البحث

البحث

عرض المادة

المساواة والتسوية

يمكن القول بأن حركات التحرر القديمة كانت تنطلق من الواحدية الإنسانية (الهيومانية) ومن الإيمان يتميز الإنسان عن الطبيعة وبتفوقه عليها ومرکزیته فيها ومقدرته على تجاوزها وعلى صياغتها وصياغة ذاته . وكانت تتم المطالبة بالمساواة بين البشر داخل هذا الإطار حيث يقف الإنسان على قمة الهرم الكونی ، کائنا حرة مبدعة فريدة .

أما حركات التحرر الجديدة فهى لا تنطلق من هذه الافتراضات الفلسفية الإنسانية ، بل ترفضها بشكل واع أو غير واع فهی حرکات تقبل بالواحدية الإمبريالية (الإنسان في صراع مع أخيه الإنسان وتدور في إطار الثنائية الصلبة (حرب الإنسان ضد أخيه الإنسان وضد الطبيعة) والواحدية الصلبة (سيادة الطبيعة على الإنسان وإزاحة الإنسان من مركز الكون) والواحدية السائلة رفض فكرة المرجعية والمركز وأي ثوابت وأية كليات ، بما في ذلك مفهوم الإنسانية المشتركة القادرة على تجاوز الطبيعة / المادة) .

فهذه الحركات الجديدة تؤكد فكرة الصراع بشكل متطرف ، فكل شيء إن هو إلا تعبير عن موازين القوى وثمرة الصراع المستمر، والإنسان هو مجرد كائن طبيعی يمكن رده إلى الطبيعة / المادة ويمكن تسويته بالكائنات الطبيعية ، وبالفعل يتم تسوية الإنسان بالحيوان ای والنباتات والأشياء إلى أن يتم تسوية كل شيء بكل شيء آخر، فتتعدد المراكز ویتهاوى اليقين ويسقط كل شيء في قبضة الصيرورة ، ومن ثم تظهر حالة من عدم التحدد والسيولة والتعددية المفرطة .

وفي هذا الإطار يمكن أن يخضع كل شيء للتجريب المستمر خارج أي حدود أو مفاهیم مسبقة (حتى لو كانت إنسانيتنا المشتركة التي تحققت تاریخيا) ويبدأ البحث عن «أشكال جديدة للعلاقات بين البشر لا تهتدی بتجارب الإنسان التاريخية ، وكأن عقل الإنسان بالفعل صفحة مادية بيضاء ، وكأنه لا يحمل عبء وعيه الإنساني التاريخي، وكأنه آدم قبل لحظة الخلق ، قبل أن ينفخ الله فيه من روحه، فهو قطعة من الطين التي يمكن أن تصاغ بأي شكل لا فارق بينها وبين أي عنصر طبیعی/ مادی آخر.

ولذا نجد جماعات التحرر الجديدة (المتحررة من مفاهیم الإنسانية المشتركة ومن عبء التاريخ ، والمدافعة عن التجريب المنفتح المستمر) تدافع عن الفقراء والسود والشواذ جنسية والأشجار وحقوق الحيوانات والأطفال والعراة والمخدرات وفقدان الوعي وحق الانتحار ، وعن كل ما يطرأ وما لا يطرأ على بال .

ولعل شيوع الواحدية المادية الصلبة والسائلة في العصر الحديث التي ترى أن العالم مكون من جوهر واحد، وأنه لا يوجد فرق بين الإنسان والطبيعة) هو الذي يفسر سر انتشار الديانات الطبيعية والعبادات الجديدة بما في ذلك عبادة الشيطان والنزعات الكونية ، فكلها دعوات تؤكد أسبقية الطبيعة على الإنسان والفرد على المجتمع ، وتدعو الإنسان إلى الذوبان في الطبيعة ، وتلغی کیانه كمقولة لها حدودها المستقلة ، وتفكك مقولة الإنسان وتقوضها، ثم ينتهي الأمر بهذه الدعوات إلى رفض فكرة العالم المتماسك الذي يدور حول مركز ما ليحل محله عالم سائل لا مرکز له .

ويعد رفض الإنسان تأييد هذه الدعوة للإيمان بأسبقية الفرد على المجتمع وللتسوية بين الإنسان والطبيعة فعلا رجعية ورفضا للتقدم (من منظور نظرية الحقوق الجديدة) ، مع أن موقف الرفض هذا هو في واقع الأمر محاولة للعودة إلى فكرة الإنسان الاجتماعي الحضاري، المستقل عن الطبيعة ، القادر على تجاوزها ، صاحب الإرادة والوعي؛ هو رفض للحالة الطبيعة المادية (البهيمية)، ومساواة الإنسان وتسويته بالحيوان ، ودفاع عن أسبقية المجتمع على الفرد وعن مركزية الإنسان في الكون .

في هذا الإطار، يمكننا أن نعيد النظر في هذا الدفاع الشرس عن الشذوذ الجنسي ، فهو في جوهره ليس دعوة للتسامح أو لتفهم وضع الشواذ جنسيا ( كما قد يتراءى للبعض لأول وهلة) ، بل هو دعوة التطبيع الشذوذ الجنسي ، أي جعله أمرا طبيعيا عادية ، الأمر الذي يشكل هجوما على طبيعة الإنسان الاجتماعية وعلى إنسانيتنا المشتركة كمرجعية نهائية وكمعيار ثابت يمكن الوقوف على أرضه الإصدار أحكام إنسانية ولتحديد ما هو إنساني وما هو غير إنساني ، أي أن الشذوذ الجنسي لم يعد مجرد تعبير عن مزاج (أو انحراف) شخصی ، وإنما تحول إلى أيديولوجية تهدف إلى إلغاء ثنائية إنسانية أساسية هي ثنائية الذكر الأنثى التي يستند إليها العمران الإنساني والمعيارية الإنسانية .

والحديث المتواتر والمتوتر عن «حقوق الإنسان» ، والذي تقوده وتموله وتدعمه أكثر الدول إمبريالية في العالم ، أي الولايات المتحدة ، هو في جوهره هجوم على مفهوم الإنسانية المشتركة . فالإنسان الذي يتحدثون عن حقوقه هو وحدة مستقلة بسيطة كمية، أحادية البعد، غير اجتماعية وغير حضارية، لا علاقة لها بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية؛ هو مجموعة من الحاجات المادية البسيطة المجردة التي تحددها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعات اللذة والإباحية (وفي نهاية الأمر صناعة السلاح أهم الصناعات في العصر الحديث وأكثرها فتكا وتفكیكأ).

والفرد حسب هذا التصور يقف وحيدة يتلقى عديدة من الإشارات الحسية البسيطة الكثيفة من مؤسسات عامة لا خصوصية لها ولا تحمل أي قيم ، إلا فكرة تعظيم لذة المستهلك وزيادة أرباح الشركات .

فالفرد إن هو إلانسان طبیعی، شیء طبیعی/ مادی بين الأشياء الطبيعية المادية ، إفراز مباشر لمفهوم العقد الاجتماعي البورجوازي ، الذي يرى أسبقية الفرد الطبيعي على المجتمع غیر الطبيعي، وهو العقد الذي تحول في منتصف القرن التاسع عشر إلى العقد غير الاجتماعي الداروینی ، الذي يفترض حرب الجميع ضد الجميع (كما تنبأ فيلسوف البورجوازية الأكبر ، توماس هوبز في عصر «النهضة» في الغرب).

ولذا ، لا يتحدث أحد عن حق الإنسان (اجتماعی) والمجتمعات الإنسانية في البقاء داخل منظوماتها القيمية وخصوصياتها القومية . ولم يطرح أحد قضية صناعة الإباحية وسلعها المختلفة التي تصدر من الغرب ، والتي تهدر أبسط الحقوق الإنسانية وتحول الإنسان إلى کم مادي لا قداسة له . وكذلك لم يناقش أحد قضية حقوق الشعوب التي تنهب ثرواتها وتسرق أموالها ، ثم تودع في بنوك غربية من قبل شخصيات تساندها نفس الحكومات التي تصرخ ليل نهار مطالبة بالحفاظ على حقوق الإنسان الفرد .

ولم يطالب أحد بوقف صناعة أسلحة الفتك والدمار التي تطور ويصنع معظمها في العالم الغربي والتي تمتص ميزانيات الشعوب وتلوث البيئة وتدمر آلاف الأنفس كل عام . فالحديث دائما يجری عن إنسان مجرد بسيط لا يوجد داخل المجتمع ، والتاريخ والحضارة والأسرة . ومن ثم ينصب الحديث على الحقوق المطلقة لهذا الفرد ؛ أي حقوق تتجاوز حقوق المجتمع ومنظوماته الأخلاقية والمعرفية ، ولكن هذا الفرد الحر من الناحية النظرية ، يسقط بالفعل في قبضة الصيرورة ، التي تتحكم فيها أجهزة الإعلام الغربية والشركات عابرة القارات وصناعة اللذة .

ويظهر الهجوم على فكرة المجتمع الإنساني ومفهوم الإنسانية المشتركة (الإنسانية جمعاء) في المفهوم الجديد للأقليات الذي يروّجه النظام العالمي الجديد وهيئة الأمم المتحدة وبعض الجماعات التي تدور في فلكها ودعاة نظرية الحقوق الجديدة . فالجماعات الدينية أقلية، والجماعات الإثنية أقلية، والشواذ جنسيا أقلية، والمعوّقون أقلية، والمسنون أقلية، والبدينون أقلية، والأطفال أقلية، والنساء أقلية.

وفكرة أن كل الناس أقليات ، تعنى أنه لا يوجد أغلبية ، أي لا يوجد معیارية إنسانية ولا ثوابت ، ومن ثم تصبح كل الأمور نسبية متساوية وتسود الفوضى المعرفية والأخلاقية . وإذا كان لكل أقلية حقوق «مطلقة» ، فإن هذا يؤدي في واقع الأمر إلى أن فكرة المجتمع الذي يستند إلى عقد اجتماعی وإلى إيمان بإنسانيتنا المشتركة تصبح مستحيلة ، إذ أن الحقوق المطلقة التي لا تستند إلى أي إطار مشترك لا يمكنها التعايش .. وهذا ما حدث في فلسطين المحتلة حين جاء الصهاينة بحقوق يهودية مطلقة لا تعرف الإنسانية المشتركة فقاموا بطرد الفلسطينيين من أرضهم وهدم وطنهم ) .

  • الخميس PM 05:14
    2022-08-18
  • 1277
Powered by: GateGold