المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414259
يتصفح الموقع حاليا : 187

البحث

البحث

عرض المادة

ادِّعَاءُ لُقيَا الخَضِرِ والتَّلَقِّي عَنهُ

ادِّعَاءُ لُقيَا الخَضِرِ (1) والتَّلَقِّي عَنهُ

وهذه الدعوى مبنية على زعم الصوفية أن الْخَضِرَ -عليه السلام- حيٌّ، ويَبْدُو أن أول من افتراها مُحَمَّد بن علي بن الحسن الترمذي المُسَمَّى بالحكيم؛ حيث قال في كتابه "ختم الوَلاية" في سياق جوابه عن علامات الأولياء:

"وللْخَضِرِ -عليه السلام- قصة عجيبة في شأنهم -أي الأولياء- وقد كان عَايَنَ شأنهم في البدء، ومن وقت المقادير، فأحب أن يدركهم، فأُعطِيَ الحياة حتى بلغ من شأنه أنه يُحْشَرُ مع هذه الأمة، وفي زمرتهم، حتى يكون تَبعًا لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو رجل من قرن إبراهيم الخليل، وذي القرنين، وكان على مقدمة جنده؛ حيث طلب ذو القرنين عين الحياة (2)، ففاتته، وأصابها الْخَضِرُ، في قصة طويلة".

وهذه آياتهم وعلاماتهم، فأوضح علاماتهم ما ينطقون به من العلم من أصوله.

قال له قائل: وما ذلك العلم؟

قال: علم البدء، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف.


(1) الخَضِر: بفتح أوله وكسر ثانيه، أو الخِضْر: بكسر أوله وإسكان ثانيه، ثبتت بهما الرواية، وبإثبات الألف واللام فيه، وبحذفهما، وانظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 176)، "فتح الباري" (1/ 154).
ولُقِّبَ به لأنه "جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء". انظر: "فتح الباري" (6/ 309)، والفروة: وجه الأرض، أو الحشيش الأبيض، والهشيم اليابس.
(2) أي عين ماء الحياة؛ من شرب منها فلا يموت أبدًا في زعمهم.

فهذه أصول الحكمة، وهي الحكمة العليا، وإنما يظهر هذا العلم عن كُبَرَاءِ الأولياء، ويقبله عنهم من له حظ من الولاية (1).

وزعم الحكيم الترمذي أن من صفات أوليائه المزعومين أنه "تظهر على أيديهم الآيات؛ كطي الأرض، والمشي على الماء، ومحادثة الخضر -عليه السلام-"، الذي زعم -أيضًا- أن "الأرض تُطْوَى له برها وبحرها، سهلها وجبلها، يبحث عن الأولياء شوقًا إليهم" (2).


(1) "ختم الولاية" (ص 362)، نقلًا عن "الفكر الصوفي" (ص 134، 135)، وهذا الكتاب يُعَدُّ -بحق- أخطر كتب الصوفية على الإطلاق.
(2) السابق ص (361).

خُلاصَةُ التصور الصُّوفيِ للْخَضِرِ عليه السلام

1 - أنه حي إلى أبد الدهر.

2 - أنه صاحب شريعة، وعلم باطني يختلف عن علوم الشريعة الظاهرية.

3 - أنه ولي، وليس بنبي (1).

4 - أن علمه "لدني"، موهوب له من اللَّه بغير وحي الأنبياء -عليهم السلام- وأن هذه العلوم تُنَزَّلُ إلى جميع الأولياء في كل وقت، قبل بعثة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعد بعثته، وأن هذه العلوم أكبر وأعظم من العلوم التي مع الأنبياء، بل لا تدانيها، ولا تُضَاهِيهَا علوم الأنبياء (2).

وكما أن الْخَضِرَ -وهو ولي فقط في زعمهم- كان أعلم من موسى؛ فكذلك الأولياء من أمَّةِ محمد -صلى الله عليه وسلم- هم أعلم من محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- عالم بالشريعة الظاهرة فقط، والولي عالم بالحقيقة الصوفية، وعلماء الحقيقة أعلم من علماء الشريعة.


(1) راجع أدلة ترجيح نبوة الخضر عليه السلام، ص (200) وما بعدها.
(2) ويوصف صاحب هذا العلم عند الصوفية بأنه "ذو موهبة بالسر اللدني" أو أنه "ذو روح خضري" أو "خضري المقام"، وهو من كان علمه غير مستفاد من نقل أو صدر، انظر: "الطبقات الكبرى" للشعراني (1/ 175)، (2/ 56، 76، 152).
وقد شاع عند الصوفية إطلاق "العلم الباطن" أو "علم الحقيقة" على العلم اللدني.
واعلم أن ما زعمه بعضهم من أن أحكام العلم الباطن وعلم الحقيقة مخالفة لأحكام الظاهر وعلم الشريعة، هو زعم باطل عاطل، وخيال فاسد كاسد، كما في "روح المعاني" (15/ 330)، وفي "الإحياء" (1/ 100): "من قال: إن الحقيقة تخالف الشريعة، أو الباطن يناقض الظاهر، فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان".
ويقول فاروق السهرندي: "فكل من الطريقة والشريعة عين الآخر، لا مخالفة بينهما بقدر رأس الشعيرة، وكل ما خالف الشريعة مردود، وكل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة". انظر: "روح المعاني" (16/ 18).

5 - أن الْخَضِرَ يلتقي بالأولياء، ويُعَلِّمُهُمْ من هذه الحقائق، ويأخذ لهم العهود الصوفية.

6 - أن الحقائق تَخْتَلِفُ عن الشريعة المحمدية، فلكل ولي طريقته المستقلة، وكشفه الخاص، وعلمه اللدني الذي قد يختلف مع الوحي المحمدي (1).

يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -حفظه اللَّه تعالى-:

"باختصار لقد تَحَوَّلَ الْخَضِرُ إلى قصة خُرَافِيَّةٍ كبيرة أشبهَ بقصة ما يُسَمُّونَهُ "بالسوبرمان"، الذي يطير في كل مكان، ويلتقي بالأصدقاء والخِلان في كل البلدان، ويشرع للناس ما شاء من عبادات وقربان، ويلقن الأذكار، وينشئ الطرق الصوفية، ويُعَمِّدُ الأولياء والأقطاب، ويولِّي من يشاء، ويعزل من يشاء، وما عليك إذا أردت لقاء الْخَضِرَ إلا أن تذكر مجموعة من الأذكار، فيأتيك الْخَضِرُ في الحال، ويبشرك بما تشاء من البشارات، ويجعلك وليًّا من الأولياء، ويعطيك علومًا لدنية لم يعلمها الرسل أنفسهم، ولا خَطَرَتْ لهم على بال" (2).

نُقُولٌ عَنِ الصُّوفِيَّة فيِ لُقيَا الخَضِرِ والتَّلَقِّي عَنهُ

- قال أحمد بن إدريس الشاذلي:

"اجتمعْتُ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اجتماعًا صوريًّا، ومعه الْخَضِرُ -عليه السلام-، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الخَضِرَ أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية، فلقنني إياها بحضرته"، ويَسْتَطْرِدُ قائلًا: "ثم قال -صلى اللَّه عليه وسلم- للخَضِرِ -عليه السلام-: يا خَضِرُ، لَقِّنْهُ ما كان جامعًا لسائر الأذكار، والصلوات، والاستغفار" (3).


(1) انظر: "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة" ص (133).
(2) "نفس المصدر" ص (134).
(3) "مفاتيح كنوز السماوات والأرض"، لصالح محمد الجعفري، ص (8) نقلًا عن "الفكر الصوفي" ص (139).

- وقال الشيخ أحمد بن عمر الأنصاري، أبو العباس المُرْسِيُّ (1):

"وأما الخضر -عليه السلام- فهو حي، وقد صافحته بكفي هذه .. وعرَّفني بنفسه"، وقال بعد كلام: "فلو جاءني الآن ألف فقيه يجادلونني في ذلك، ويقولون بموت الخضر، ما رجعتُ إليهم" (2).

- وقال شيخهم ابن عربي:

"اعلم أَيَّدَكَ اللَّه -أيها الولي الحميم- أن هذا الوتد هو خضر صاحب موسى -عليه السلام-، أطال اللَّه عمره إلى الآن، وقد رأينا من رآه، واتفق لنا في شأنه أمر عجيب، وذلك أن شيخنا أبا العباس العريبي -رحمه اللَّه - تَعَالَى- جرت بيني وبينه مسألة في حق شخص كان قد بَشَّرَ بظهوره رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي: "هو فلان ابن فلان"، وَسَمَّى لي شخصًا أعرفه باسمه، وما رأيته، ولكن رأيت ابن عمته، فربما توقفت منه، ولم آخذ بالقبول؛ أعني قول الشيخ العريبي فيه؛ لكوني على بصيرة في أمره، ولاشك أن الشيخ رجع سهمه عليه، فتأذى في باطنه، ولم أشعر بذلك؛ فإني كنت في بادية الطريق.

فانصرفت عنه إلى منزلي، فنمت في الطريق، فلقيني شخص لا أعرفه، فسلَّم عليَّ ابتداءً سلامَ مُحِبٍّ مشفق، وقال لي: "يا محمد، صدِّق الشيخَ أبا العباس فيما ذكره لك عن فلان"، وسَمَّى لنا الشخص الذي ذكره أبو العباس العريبي، فقلت: "نعم"، وعلمت ما أراد، ورجعت من حيني إلى الشيخ لأُعَرِّفه بما جرى، فعندما دخلت عليه، قال لي: "يا أبا عبد اللَّه، أحتاج معك إذا ذكرت لك مسألة يقف خاطرك عن قبولها إلى الْخَضِرِ يتعرض إليك، يقول لك: صَدِّق فلانًا فيما ذكره لك؟! 


(1) فقيه متصوف، من أهل الإسكندرية، ومات فيها سنة (686 هـ)، أصله من مرسية في الأندلس.
(2) "جامع كرامات الأولياء" ليوسف النبهاني (1/ 521).

ومن أين يتفق لك هذا في كل مسألة تسمعها مني، فتتوقف؟ "،- فقلت: "إن باب التوبة مفتوح"، فقال: "وقبول التوبة واقع"، فعلمت أن ذلك الرجل كان الْخَضِرَ، ولا شَك أني استفهمت الشيخ عنه: أهو هو؟ قال: نعم، هو الْخَضِرُ" (1)

- وزعم ابن عربي أيضًا: "أنه اجتمع بالخضر، وأنه -أي الخضر- ألبسه خرقة الصوفية، وأن ذلك تم تجاه الحجر الأسود في مكة، وأنه أخذ عليه العهد بالتسليم لمقامات الشيوخ "أهل التصريف" وأنه كان مترددًا في لبس الخرقة من الخضر حتى أعلمه الخضر أنه لبسها من يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة المشرفة منبع الفيض الأتم" (2).

- وذكر الشعراني في "معارج الألباب" عن بعض شيوخه، ذكر له أن الْخَضِرَ -عليه السلام- كان يحضر مجلس فقه أبي حنيفة في كل يوم بعد صلاة الصبح يتعلم منه الشريعة، فلمَّا مات -أي أبو حنيفة- سأل الْخَضِرُ ربه أن يرد روح أبي حنيفة إلى قبره؛ حيث يتم له علم الشريعة، وأن الْخَضِرَ كان يأتي إليه كل يوم على عادته يسمع منه الشريعة داخل القبر، وأقام على ذلك خمس عشرة سنة؛ حتى أكمل علم الشريعة (3).


(1) "الفتوحات المكية" (3/ 180).
(2) "الكتاب التذكاري، لابن عربي" ص (304).
(3) "معارج الألباب" ص (44)، نقلًا عن "الفكر الصوفي" ص (137، 138)، وانظر: "الإنصاف" للصنعاني ص (52)، وقد أورد البرزنجي الحكاية كاملة في "الإشاعة لأشراط الساعة" ص (222 - 225)، وأبطلها من وجوه، وفيها ركاكة ولحن، ولا تروج إلا على ذوي العقول السخيفة.
والعجب أن القوم يثبتون حياة الخضر وأنه أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لم يتعلم منه شريعته -صلى الله عليه وسلم-، ولا من صحابته الكرام -رضي الله عنهم-، كعلي وزيد وأُبي ومعاذ، ولا من عظماء التابعين كالفقهاء السبعة، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، ومكحول، ثم يؤخر طلب العلم قرنًا ونصف قرن كي يتلقاه على يد إمام مجتهد يصيب ويخطئ، حتى خالفه صاحبه في أكثر من ثلث أقواله، ويُعرض عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك أن هذه الأكاذيب والافتراءات لا يرضاها أبو حنيفة نفسه -رحمه اللَّه تعالى-.

- وحلف الإمام عبد اللَّه بن أسعد اليافعي الشافعي اليماني على حياة الخضر، والتقائه بالناس، وقال: "وواللَّهِ لقد أخبرني غير واحد من الأولياء أنهم اجتمعوا به، بل واللَّهِ لقد أخبروني أنه اجتمع بي، وسألني عن شيء فأجبته، ولم أعرفه، لأنه لا يعرفه إلا صاحبُ نور" (1).

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه تعالى-:

قلت: وذكر لي الحافظ أبو الفضل العراقي بن الحسين شيخنا أن الشيخ عبد اللَّه بن أسعد اليافعي كان يعتقد أن الخضر حيٌّ، قال: فذكرتُ له ما نُقل عن البخاري والحربي وغيرهما من إنكار ذلك، فغضب، وقال: "من قال: إنه مات غضبت عليه"، قال: "فقلنا: رجعنا عن اعتقاد موته" (2). اهـ.

* * *


(1) "نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ الصوفية أصحاب المقامات العالية" ص (396).
(2) "الإصابة" (2/ 335)، وقد قال الحافظ العراقي -رحمه الله- في "المغني عن حمل الأسفار" -بهامش "الإحياء"-:
"ولم يصحَّ في حديث قطُّ اجتماع الخضِر بالنبيِ -صلى الله عليه وسلم- ولا عدم اجتماعه، ولا حياته، ولا موته" اهـ. (1/ 336)، وانظر: "إتحاف السادة المتقين" (5/ 181).

  • الثلاثاء AM 10:27
    2022-08-02
  • 996
Powered by: GateGold