المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416646
يتصفح الموقع حاليا : 292

البحث

البحث

عرض المادة

تخرصات في الشمس والرد عليها

قال: الصواف في صفحة 57 ما نصه

(الشمس) تنتقل الآن إلى الآية الكبرى من آيات عظمة الله وقدرته وجلاله وهي الشمس التي جعلها الله آية النهار كما جعل القمر آية الليل وقدره منازل لنعلم عدد السنين والحساب. قال: الله عز وجل {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. هذه الشمس التي ما زالت أسرارها في الخفاء والتي ما زالت موضع حدس وتخمين، هذا الشمس التي ليست مصدر نورنا ونارنا فقط؛ بل هي محور نظامنا السياري ومصدر حياتنا أيضا.

هذه الشمس التي كانت ما يكتشف عنها يزيدها غموضا ولم تزح يد العلم بعد النقاب عن كل ما يجب أن نعلمه عن الواحدة من احتراقها، ولم تزل تجدد وزنها وحجمها، هذه الشمس هي آية من آيات الخالق وإن هي إلا آية صغيرة تزخر السماء بملايين من النجوم أضخم منها حجما وأكبر سرعة وأكثر تألقا، وقد قال علماء الفلك إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة، قطرها يزيد عن مليون وثلث مليون كيلوا متر، ومحيطها مثل محيط الأرض 325 مرة، ويبلغ ثقلها 332 ألف ضعف ثقل الأرض، وحرارة سطحها نحو 6000 درجة سنتجراد، وهذا السطح تندلع منه ألسنة اللهب إلى ارتفاع نصف مليون كيلوا متر، وهي تنثر في الفضاء باستمرار طاقة قدرها 167400 حصان من كل متر مربع، ولا يحصل للأرض منها إلا جزء من مليوني جزء، وهي لا تعتبر إلا نجمة، ولكنها ليست في عداد النجوم الكبرى، وسطحها به عواصف وزوابع كهربائية ومغناطيسية شديدة، والمشكلة التي حيرت العلماء هي أن الشمس كما يؤخذ من علم طبقات الأرض لم تزل تشع نفس المقدار من الحرارة منذ ملايين السنين، فإن كانت الحرارة الناتجة عنها نتيجة احتراقها فكيف لم تفن مادتها على توالي العصور، فلا شك أن طريقة الاحتراق الجارية فيها غير ما نعهد ونألف، وإلا لكفاها ستة آلاف سنة لتحترق وتنفد حرارتها، وقد زعم البعض أن النيازك والشهب التي تسقط على سطحها تعوض الحرارة التي تفقدها بطريق الإشعاع.

والجواب أن يقال هذا الكلام يدور على التناقض واتباع الظنون الكاذبة، ومع ذلك فقد أدخله الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وذلك من أكبر الخطأ وأعظم الفرية على المسلمين.

فأما التناقض فالأول منه أنه قرر في أول كلامه أن الشمس هي الآية الكبرى من آيات عظمة الله وقدرته، ثم نقض ذلك بقوله وإن هي إلا آية صغيرة تزخر السماء بملايين من النجوم أضخم منها حجما وأكبر سرعة وأكثر تألقا - أي إضاءة - وبقوله وهي لا تعتبر إلا نجمة ولكنها ليست في عداد النجوم الكبرى، وبما ذكره في صفحة 98 - 99 عن الفلكيين أن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة، وأن نورها خمسون ضعف نور الشمس، وأن ثلاثا من بنات نعش يفقن الشمس نورا واحدة منهن أربعمائة ضعف، والثانية أربعمائة وثمانين والثالثة ألف ضعف، وأن سهيلا أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة، وأن السماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس.

والصواب أن الشمس أكبر من سائر النجوم حجما وأشد إضاءة وإنها من أعظم الآيات السماوية، وليس شيء من النجوم يقاربها في كبر الحجم وشدة الإضاءة. والدليل على ذلك قول الله تعالى مخبرا عن مناظرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}، وفي هذه الآيات دليل على أن الشمس أكبر من الكواكب.

وأيضا فقد قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} والبروج هي الكواكب العظام قاله مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة وغيرهم، وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}، وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا}، وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}.

وروى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين وحفظا من كل شيطان رجيم».

وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال (خلق الله سبع سموات، وخلق فوق السابعة الماء وجعل فوق الماء العرش، وجعل في السماء الدنيا الشمس والقمر والنجوم والرجوم).

وإذا علم ما في الآية الأولى من النص على أن الشمس والبروج في السماء وما في الآيات بعدها من النص على أن الكواكب في السماء الدنيا، وما في حديثي ابن مسعود وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم من النص على أن الشمس والنجوم كلها في السماء الدنيا، فلا ريب أنه ليس شيء من الكواكب يقارب عشر عشر الشمس في كبر الحجم وشدة الضياء، فضلا عن أن تكون الملايين منها أضخم من الشمس حجما وأكثر تألقا - أي أشد إضاءة - ولو كان الأمر على ما يزعمه الصواف وأشباهه من أتباع أهل الهيئة الجديدة لكانت السماء الدنيا مملوءة من الشموس العظام ولكان ضوؤها يطمس ضوء الشمس ونور القمر؛ بل لو كان الأمر على ما زعموه لاحترق ما بين الخافقين ولم يمكن أن يعيش على الأرض شيء من شدة حرارة الشموس المزعومة. ولم يكن عند أهل الأرض ليل أبدا؛ بل يكون النهار دائما سرمدا من كثرة الشموس التي تعد عندهم بالملايين.

وفساد قول أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في تعدد الشموس لا يخفى إلا على من ختم الله على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك.

وأيضا فقد قال الله تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} قال: البغوي في تفسيره {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا} يعني الشمس {وَهَّاجًا} مضيئا منيرا. قال: الزجاج الوهاج الوقاد، وقال: مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع النور والحرارة.

وقال: ابن كثير على قوله تعالى {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم. انتهى.

وقال: الراغب الأصفهاني الوهج حصول الضوء والحر من النار، والوهجان كذلك {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} وتوهج الجوهر تلألأ.

وقال: ابن منظور في لسان العرب والوهج والوهج والوهجان والتوهج حرارة الشمس والنار من بعيد، والوهج بالتسكين مصدر وهجت النار تهج وهجا ووهجانا إذا اتقدت. انتهى.

وقال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}.

قال: البغوي في قوله {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}، قال: الحسن يعني في السماء الدنيا {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} مصباحا مضيئا.

وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}، قال: أبو الفرج بن الجوزي في تفسيره المراد بالسراج الشمس. قال وقال: الماوردي لما اقترن بضوء الشمس وهج حرها جعلها لأجل الحرارة سراجا ولما عدم ذلك في القمر جعله نورا.

وقال: ابن كثير على قوله {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} وهي الشمس المنيرة التي هي كالسراج في الوجود كما قال تعالى {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا}. انتهى.

وفي التفسير المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله {وَجَعَلَ فِيهَا} في السماء {سِرَاجًا} شمسا مضيئة لبني آدم بالنهار {وَقَمَرًا مُنِيرًا} مضيئا لبني آدم بالليل. انتهى وفي هذه الآية والآيتين قبلها أوضح دليل على أنه ليس في الوجود سوى شمس واحدة جعلها الله سراجا للعالم.

وفي هذه الآيات أبلغ رد على ما يهذو به أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من وجود الملايين من النجوم التي يزعمون أنها أكبر من الشمس حجما وأشد إضاءة.

وقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سوراه لطمس ضوؤه ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم».

وهذا الحديث يدل على أن ضوء الكواكب كلها لا يقاوم ضوء الشمس فضلا عن أن يكون فيها ما هو أكبر من الشمس وأعظم منها ضوأ بكثير.

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».

وروى الدارمي في سننه ولفظه «وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب»

ورواه أبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».

وفي هذين الحديثين النص على تفضيل القمر على سائر الكواكب، وفي هذا النص أبلغ رد على ما يهذو به أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من وجود الملايين من النجوم التي يزعمون أنها أكبر من الشمس حجما وأشد إضاءة.

وأما الأدلة على أن الشمس من أعظم الآيات السماوية لا من أصغرها ففي عدة آيات من القرآن منها قول الله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، وقوله تعالى {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} الآية. قال: مجاهد الشمس آية النهار والقمر آية الليل، وقوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة أحاديث صحيحة أنه قال «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته».

وفي الآيات التي ذكرنا مع هذه الأحاديث دليل على أن الشمس والقمر من أعظم الآيات السماوية، ولهذا نص الله عليهما دون سائر الأجرام السماوية، وفيها أيضا الرد على من زعم خلاف ذلك.

الثاني من تناقض الصواف أنه ذكر الآية من سورة الرعد وفيها النص على جريان الشمس، ثم عارض الآية بقوله في الشمس؛ بل هي محور نظامنا السياري: يعني أنها المركز الثابت الذي تدور عليه الأفلاك والكواكب ومنها الأرض بزعمه وزعم أسلافه أهل الهيئة الجديدة.

ونحو هذا ما ذكره في آخر كلامه عن البعض أن النيازك والشهب التي تسقط على سطح تعوض الحرارة التي تفتقدها بطريق الإشعاع، يعني أن الشمس هي المركز والمستقر الذي يقع عليه ما يسقط من الأجرام العلوية.

والحق ما أخبر الله به في كتابه من جريان الشمس وسحبها في الفلك ودؤبها في السير.

وقد نص النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا على جريان الشمس واستمرارها في ذلك وقد ذكرت الأحاديث بذلك في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك.

وما كان جاريا وسابحا في الفلك على الدوام فإنه لا يكون محورا ثابتا تدور عليه الأفلاك والكواكب.

وكل قول خالف كتاب الله تعالى أو ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضروب به عرض الحائط ومردود على قائله.

وأما زعمهم أن النيازك والشهب تسقط على ظهر الشمس، فهو مردود بقول الله تعالى {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}.

والشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}، وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}، وما كان في السماء فهو مما أمسكه الله تعالى مع السماء عن الوقوع على الأرض، وهذا يدل على أن الأرض هي المركز للأثقال والمستقر لما ينزل من السماء، ويدل على ذلك أيضا آيات وأحاديث ذكرتها في الصواعق الشديدة في آخر الأدلة من القرآن على ثبات الأرض واستقرارها فلتراجع هناك.

وإذا كانت الأرض مركزا للأثقال ومستقرا لما ينزل من السماء، فالنيازك والشهب التي تسقط من السماء إنما تسقط على الأرض لا على الشمس.

وقد ذكر فريد وجدي في دائرة المعارف عدة نيازك سقطت على الأرض وصار لها آثار باقية، وذكر الصواف ثلاثة منها في صفحة 82 من رسالته.

الثالث: من تناقض الصواف زعمه أن الشمس تفقد أربعة ملايين طن من وزنها في الثانية الواحدة، ثم نقض ذلك بقوله ولم تزل تجدد وزنها وحجمها.

وهذا كله تخرص لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح، وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}، وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

الرابع: من تناقض الصواف أنه ذكر في صفحة 41 أنه بتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة عناصر الشمس، فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض، ثم نقض ذلك بما ذكره في هذا الموضع عن الفلكيين أن الشمس إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة.

وكل من هذين القولين باطل وضلال، ويلزم على القول الأول أن تكون الشمس ترابا وأحجارا وماء مثل الأرض، ولو كانت كذلك لما كانت سراجا وهاجا كما وصفها الله بذلك وإنما تكون باردة مضيئة، وهذا معلوم البطلان بالضرورة، ويلزم على القول الثاني أن تكون الأرض كرة من الغازات الملتهبة، وهذا أيضا معلوم البطلان بالضرورة.

وأما ما في كلامه من التخرص واتباع الظن الكاذب فكثير، ومنه قوله في الشمس أنها مصدر نارنا.

وهذا خطأ مردود بقوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}، وقوله تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَاتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ}.

وكما تكون النار من الشجر فكذلك تكون من الشمس بواسطة بعض الزجاج، وتكون أيضا من الكهرباء، ومن الكبريت، ومن الأحجار الصلبة، وغير ذلك مما تتولد منه النار بواسطة الاحتكاك.

ومن قال: أن النار مصدرها الشمس وحدها فهو من أجهل الناس.

ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا قوله في الشمس؛ بل هي محور نظامنا السياري ومصدر حياتنا، وقد تقدم التنبيه على قوله؛ بل هي محور نظامنا السياري قريبا.

وأما قوله ومصدر حياتنا.

فجوابه من وجهين:

أحدهما: أن يقال أن الحياة مصدرها من الله وحده لا شريك له في ذلك، فهو الذي أوجد الخلق من العدم وهيأ الأسباب لحياتهم في دار الدنيا وفي الدار الآخرة.

ومن قال: أن الشمس هي مصدر الحياة فقد جعلها ندا لله تعالى.

والقرآن مملوء من تقرير التوحيد والرد على من جعل لله ندا من خلقه. قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، وقال تعالى {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}، وقال تعالى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ}، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، وقال تعالى {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}، وقال تعالى {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.

والآيات الدالة على تفرد الرب تبارك وتعالى بالخلق والإيجاد كثيرة جدا وفيما ذكرته ههنا كفاية.

وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه» الحديث.

وروى الإمام أحمد أيضا والشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة قال «فيقول الناس بعضهم لبعض عليكم بآدم، فيأتون آدم، فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه» الحديث.

وروى الإمام أحمد والشيخان أيضا وأبو داود الطيالسي وأهل السنن إلا النسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقه مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» الحديث.

فقد دلت النصوص من القرآن والأحاديث الصحيحة على أن الله تعالى نفخ في آدم من روحه، ودل حديث ابن مسعود رضي الله عنه على أن الله تعالى يرسل إلى بني آدم ملكا ينفخ فيهم الروح وهم في بطون أمهاتهم، وفي هذا أبلغ رد على من قال أن الشمس هي مصدر حياتنا.

وقد جعل الله تبارك وتعالى لقيام المعايش في الدنيا أسبابا كثيرة، ومن أعظمها الماء والليل والنهار والشمس والقمر قال الله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، قال: البغوي أي أحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء حي أي من الحيوان، ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كل شيء. انتهى.

وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} الآيات إلى قوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، والآيات في هذا المعنى كثيرة وفيما ذكرته ههنا كفاية في الرد على من زعم أن الشمس هي مصدر الحياة.

الوجه الثاني: أن تعظيم الشمس بغير ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - شعبة من المجوسية لأن المجوس كانوا يعظمون النار والنور والشمس والقمر، وقد قال عبيد الله بن الحسين القيرواني جد العبيديين في رسالته إلى سليمان بن الحسن بن سعيد الجنابي القرمطي (ومن وجدت مجوسيا اتفقت معه في الأصل في الدرجة الرابعة من تعظيم النار والنور والشمس والقمر) ذكر ذلك عنهم القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، ونقله عنه شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الرافضي.

ورسالة عبيد الله إلى القرمطي هي التي تسمي عندهم بالبلاغ الأكبر والناموس الأعظم، أوصاه فيها بدعاء جميع الطوائف إلى مذهبهم الخبيث وأمره أن يتقرب إلى كل قوم بما هو معظم عندهم، وما تميل أنفسهم إليه من العقائد وغيرها.

وإذا أضيف إلى تعظيم الشمس ما زعموه من كونها مصدر الحياة فذلك زيادة شر إلى شر وضم مجوسية إلى مجوسية أخرى، وكما أن تعظيم الشمس من شعب المجوسية فهو أيضا من دين اليونان المتقدمين وغيرهم من الصائبين الذين يعبدون الشمس والقمر والنجوم، ويزعمون أنها تدبر أمر العالم.

فينبغي للمسلم أن يبعد غاية البعد عن عقائد المشركين، ولا يتعلق بشيء منها فيكون منهم وهو لا يشعر، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصححه ابن حبان، وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى إسناده جيد، وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح، وقال ابن حجر العسقلاني إسناده حسن، وقد احتج الإمام أحمد بهذا الحديث وذلك يقتضي صحته عنده.

ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا زعمه أن الشمس تفقد أربعة ملايين طن من وزنها في الثانية الواحدة من احتراقها:

والجواب أن يقال لو كان الأمر على ما زعمه الصواف لكانت الشمس قد ذهبت منذ دهر طويل وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}.

ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا قوله في الشمس ولم تزل تجدد وزنها وحجمها.

والجواب أن يقال أن الشمس مخلوقة مسخرة بأمر الله تعالى، وليس لها تصرف في نفسها بزيادة ولا نقص، وكذلك ليس لها تصرف في غيرها من المخلوقات، ومن زعم أنها تجدد وزنها وحجمها فقد جعل لها تصرفا في نفسها وذلك من الشرك في الربوبية.

ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا قولهم أن الشمس كرة من الغازات الملتهبة، وما زعموه من تحديد قطرها، وتحديد محيطها وثقلها وحرارة سطحها، وما زعموه من نثرها للطاقات الكثيرة في الفضاء، وأن سطحها به عواصف وزوابع كهربائية ومغناطيسية شديدة، وأنها لم تزل تشع في نفس المقدار من الحرارة منذ ملايين السنين، وأن النيازك والشهب التي تسقط على سطحها تعوض الحرارة التي تفقدها بطريق الإشعاع.

فكل هذه تخرصات وظنون كاذبة، وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}، وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.

  • الثلاثاء AM 06:47
    2022-05-24
  • 1220
Powered by: GateGold