المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416338
يتصفح الموقع حاليا : 369

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628858953908.jpg

تكفير المتصوفة

لقد كُفِّر المتصوفةُ وزُنْدِقوا، وقُتِل منهم مَن قُتِل على الزندقة، واستطاع الباقون التخلص من عقوبة الزندقة بالتستر بالفقه والصلاة والصيام وقراءة القرآن، وكان هذا هو المنطلق لإيجاد الطريقة البرهانية الغزالية التي مزجت الإسلام بالتصوف، واستطاع هذا السرطان القاتل أن يسري في جسم الأمة الإسلامية ليدمر دينها ودنياها.

وهذا كشف ببعض من كفر وزندق وقتل، منقول من كتبهم:

يقول عبد الوهاب الشعراني في طبقاته([1]):-

...ونقل الثقات (ويزيد في كتاب اليواقيت والجواهر قوله: منهم الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، وأحمد بن خلكان، والشيخ عبد الغفار القوصي، وغيرهم)([2])عن:

- أبي يزيد البسطامي أنهم نفوه من بلده سبع مرات.

- وكذلك وقع لذي النون المصري أنهم وشوا به إلى بعض الحكام، وحملوه من مصر إلى بغداد مغلولاً مقيداً، (ويضيف في اليواقيت والجواهر: سافر معه أهل مصر يشهدون عليه بالزندقة).

- وكذلك وقع لسمنون المحب محنة عظيمة... ثم إن الخليفة أمر بضرب عنق سمنون وأصحابه فمنهم من هرب، ومنهم من توارى سنين...

- وكذلك وقع أنهم رموا أبا سعيد الخراز وأفتى العلماء بتكفيره.

- وأخرجوا سهل بن عبد الله من بلده (تستر) إلى البصرة ونسبوه إلى قبائح وكفروه.

- وقتل حسين الحلاج... (وبعد صفحتين: ووقع الاختلاف أهو الذي صلب أم رفع كما وقع في عيسى عليه الصلاة والسلام).

- وشهدوا على الجنيد حين كان يقرر في علم التوحيد، ثم إنه تستر بالفقه...

 (ويقول صاحب اللمع: فكم من مرة قد طلب وأخذ، وشهدوا عليه بالكفر والزندقة)([3])، وصاحب اللمع قريب عهد بالجنيد.

- وأخرجوا محمد بن الفضيل البلخي بسبب المذهب.

- وعقدوا للشيخ عبد الله بن أبي جمرة مجلساً في الرد عليه...فلزم بيته، فلم يخرج إلا للجمعة حتى مات.

- وأخرجوا الحكيم الترمذي (من ترمذ)...حين صنف كتاب علل الشريعة وكتاب ختم الأولياء وأنكروا عليه..

- وأنكر زهاد الراز([4]) وصوفيتها على يوسف بن الحسين وتكلموا فيه ورموه بالعظائم.

- وأخرجوا أبا الحسن البوشنجي وأنكروا عليه وطردوه...

- وأخرجوا أبا عثمان المغربي من مكة.. وطاف به العلوية (أي: أحفاد علي بن أبي طالب) على جمل في أسواق مكة بعد ضربه على رأسه ومنكبيه...

- وشهدوا على السبكي بالكفر مراراً...

- وقال أهل المغرب على الإمام أبي بكر النابلسي...فأخرجوه من المغرب مقيداً إلى مصر وشهدوا عليه عند السلطان...فأخذ وسلخ وهو حي...أو قتل ثم سلخ. - وأخرجوا الشيخ أبا مدين المغربي من بجاية...(مات وهو في طريقه إلى القتل).

- وأخرجوا أبا القاسم النصراباذي من البصرة وأنكروا عليه..

- وأخرجوا أبا عبد الله الشجري صاحب أبي حفص الحداد...

- وشهدوا على أبي الحسن الحصري بالكفر...

- وتكلموا في ابن سمنون وغيره بالكلام الفاحش حتى مات فلم يحضروا له جنازة.

- وتكلموا في الإمام أبي القاسم بن جميل بالعظائم إلى أن مات...

- وأفتوا بتكفير الإمام الغزالي وأحرقوا كتابه (الإحياء)...وكان من جملة من أنكر على الغزالي وأفتى بتحريق كتابه القاضي عياض وابن رشد..

- وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي من بلاد المغرب بجماعته ثم كاتبوا نائب الإسكندرية بأنه سيقدم عليكم مغربي زنديق...

- ورموا الشيخ أحمد بن الرفاعي بالزندقة والإلحاد...

- وقتلوا الإمام أبا القاسم بن قسي...

- وقتلوا ابن برّجان (شيخ ابن عربي أو شيخ شيخه)، والخولي، والمرجاني...فشهدوا عليهم بالكفر...

- وأما الشيخ محيي الدين بن عربي وسيدي عمر بن الفارض فلم يزل المنكرون ينكرون عليهما إلى وقتنا هذا...

- وأنكروا على الشيخ عبد الحق بن سبعين وأخرجوه من بلاد المغرب وأرسلوا نجاباً بدرج مكتوب أمامه يحذرون أهل مصر منه.

- ومما أورده الشعراني أيضاً في نفس طبقاته متفرقاً في ترجماته للمذكورين.

- أبو نعيم الأصفهاني، أخرجه أهل أصفهان ومنعوه من الجلوس في الجامع.

- عبد السلام بن مشيش، شيخ أبي الحسن الشاذلي، قتل في بلاد المغرب.

- محمد الرويجل العريان قتله العثمانيون حين دخول مصر.

- أبو العباس أحمد الملثم كفروه.

- أبو الفتح الواسطي كان مبتلى بالإنكار عليه، مات في الإسكندرية حوالي سنة (580هـ).

- عبد الله بن محمد العرشي المرجاني، امتحن وأفتى العلماء بتكفيره، قتل في تونس سنة (669هـ).

- محمد القونوي (صدر الدين) صاحب ابن عربي وابن زوجته كان مبتلى بالإنكار عليه مات في قونية سنة (672هـ).

ومما أورده الشعراني أيضاً في اليواقيت والجواهر:

- وشهدوا على الشبلي بالكفر مراراً([5]).

- وأنكروا على سيدي إبراهيم الجعبري، وسيدي حسين الجاكي([6]).

* ملحوظة: شهادات التكفير هذه هي مما أورده الشعراني في طبقاته ويواقيته.

وقد أخذها من كتب التراجم المختلفة.

ومما لم يذكره الشعراني وذكره صاحب اللمع:

- أبو عبد الله الحسين بن مكي الصبيحي: كفره أبو عبد الله الزبيري وهيج عليه العامة.

- أبو العباس أحمد بن عطاء: رفع إلى السلطان ونسب إلى الكفر والزندقة، فقتل ضرباً بخفه.

- أبو حمزة الصوفي: كفروه، ويقول ابن الجوزي في (تلبيسه): إنهم قتلوه ونادوا على فرسه: هذا فرس الزنديق.

- محمد بن موسى الفرغاني: لأهل التعنت فيه مقال.

- أبو الحسين النوري: شهدوا عليه بالكفر.

هذا مما أورده أبو نصر الطوسي في كتابه اللمع (في ترجمته للمذكورين).

وأورد اليافعي في نشر المحاسن:

...لما سعي بالصوفية إلى بعض الخلفاء، أمر بضرب رقابهم، فأما الجنيد فتستر بالفقه، وكان يفتي على مذهب أبي ثور، وهو إمام القوم وسيدهم...وأما أبو الحسين النوري فقبض عليه، وكان أحد أركان المذهب وسادات القوم...وقبض معه أيضاً على أبي حمزة البغدادي، وكان أحد علماء القوم وساداتهم والمذكورين بالفتوة والتوكل...وقبض أيضاً على أبي بكر الزقاق، وكان أيضاً أحد سادات القوم والمتكلمين في المعاملات بأحسن الكلام...وقبض أيضاً على الشحام والرقام، وبسط النطع لضرب رقابهم...([7]).

- أقول: يظهر أن الوزير كان من القوم، وكان يتستر بالفقه، فأنقذهم من القتل بأسلوب ذكي.

- وعدي بن مسافر، شيخ الطريقة العدوية التي هي الآن اليزيدية، نبش قبره وأحرق ما فيه مرتين، مرة سنة (652هـ) على يد أمير الموصل، ومرة سنة (817هـ) على يد جماعات كبيرة من الأكراد([8]).

- وأبو حيان التوحيدي، نفي لسوء عقيدته، وكان من شيراز وهو شيخ الصوفية([9]).

- وشهاب الدين السهروردي المقتول (يحيى بن حبش) قتل في حلب على الزندقة سنة (587هـ).

- وعبد القادر الجيلاني، يقول المؤرخون: إن الوزير عبيد الله بن يونس أخرب بيته وشتت أولاده، ويقال: إنه بعث في الليل من نبش عليه (في قبره)، ورمى بعظامه في اللجة([10]).

- لسان الدين بن الخطيب (وزير غرناطة) قتل على الزندقة بسبب كتابه في التصوف روضة التعريف سنة (776هـ)([11]).

- إن كهان التصوف الذين ذكروا في كتبهم حوادث التكفير والتقتيل والتشريد إنما ذكروها ليخدعوا بها القارئ الغافل، وليقولوا له: إن الأولياء مبتلون دائماً بالأعداء. وهي خدعة فيها كثير من الذكاء والخبث؛ لأنهم بهذا الأسلوب يؤولون حقائق التاريخ التي لا يستطيعون طمسها تأويلاً يخدم أغراضهم ويخفي سوءاتهم ويكسبهم عطف الآخرين.

- كما إن إصرارهم العجيب على الالتزام المريب بالحفاظ على مسيرة الكهانة وعلى نموها في المجتمعات الإسلامية، رغم التكفير والتقتيل والتشريد، هو دليل جديد على أن الكهانة لم تمت بظهور الإسلام، وإنما لاذت في الظلام، وبقيت تعمل بصمت وتنفث سمومها بهدوء حتى تهيأت لها الظروف الاجتماعية والفكرية، فعادت إلى الظهور من جديد.

- كما تجدر الملحوظةأن كتب المتصوفة مشحونة بالكذب الذي لا يعرف الحدود، ولكن كل كذبهم هو في صالح التصوف، وفي موضوع التكفير هذا، لم يكذبوا بتقرير واقع الذي كفروا أو قتلوا؛ لأن هذا ثابت في كتب التاريخ، وإنما كذبوا بتفسير ذلك لمصلحتهم.

- كما أن هذا التكفير والتقتيل هو صورة من صور محاربة الإسلام للصوفية، منذ ظهوره وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

مع الظن الذي يكاد يقترب من الاعتقاد، أن القيامة ستقوم على الصوفية الممزوجة بشكل متطور عن الشيوعية، والذي يدعو إلى هذا الظن هو ملحوظة الخط البياني لمسيرة التصوف عبر التاريخ، وكون الإشراق (التحشيشي والرياضي) هو أحد شركي إبليس لإخراج بني آدم من الجنة، والذي نستطيع أن نسميه (الشرك الروحاني) مقابلة مع الشرك الأول (الشرك الجنسي).

- ولا يظن ظان أن هؤلاء المذكورين هم وحدهم الذين كفروا وشردوا وقتلوا بسبب كفرهم، بل هم كثير، وأي مسلم عندما يعرف أي حقيقة من حقائقهم يحكم عليها وعلى فاعلها بالكفر، إلا الذين عميت منهم البصائر واستجرهم إبليس إلى حظائره.

* للتسلية: حرق كتب الغزالي وتضليله:

يقول عبد القادر بن شيخ العيدروس في تعريف الأحياء بفضائل الإحياء:

...نقل ابن السمعاني من رؤيا بعضهم فيما يرى النائم كأن الشمس طلعت من مغربها، مع تعبير ثقات المعبرين ببدعة تحدث، فحدثت في جميع المغرب بدعة الأمر بإحراق كتبه([12])...(أي: كتب الغزالي).

ويقول الغزالي ذاته في كتابه (الإملاء في إشكالات الإحياء):

...سألتَ...عن بعض ما وقع في الإملاء الملقب بالإحياء مما أشكل على من حُجب فهمه وقصر علمه ولم يفز بشيء من الحظوظ الملكية قِدْحه وسهمه، وأظهرت التحزن لما شاش به شركاء الطعام وأمثال الأنعام وإجماع العوام وسفهاء الأحلام وذعار أهل الإسلام، حتى طعنوا عليه ونهوا عن قراءته ومطالعته، وأفتوا بمجرد الهوى على غير بصيرة بإطراحه ومنابذته، ونسبوا ممليه إلى ضلال وإضلال، ونبذوا قراءه ومنتحليه بزيغ في الشريعة واختلال([13])...

- يهمنا في هذه النصوص إحراق كتب الغزالي وتضليله، أما دفاعه عن نفسه ودفاع العيدروس عنه فهو أمر عادي، إذ كل إنسان يدافع عن نفسه وعن عقيدته بما يستطيع. - وهذه طائفة من العلماء الذين اعترضوا على الغزالي وكتبه، منهم:

- الإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري (من فقهاء المالكية توفي سنة 536 هـ في المهدية). له كتاب الكشف والإنباء في الرد على الإحياء، من أقواله في الغزالي: ...وعرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة...(إلى أن يذكر ابن سينا) ثم يقول: وقد رأيت جملاً من دواوينه (أي: ابن سينا)، ورأيت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من الفلسفة([14])...

- ابن الصلاح، تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن (المحدث المعروف، تنقل وتوفي في دمشق سنة 643 هـ): تكلم في الغزالي بكلام قادح فيه، وطعن على كتبه بأنها مشتملة على خرافات وأكاذيب وموضوعات([15]).

- عبد اللطيف الحنبلي([16]): يقول في رسالة لبعض أصحابه: ...بلغني أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب الإحياء للغزالي، وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ووسائل الكفر والشقاوة، وأسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة، والتأويلات الضالة الخاسرة، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين...قد حذر أهل العلم والبصيرة عن النظر فيها.. بل أفتى بتحريفها علماء المغرب ممن عرف بالسنة، وسماها كثير منهم إماتة علوم الدين، وجزم بأن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل([17]).

- والقاضي عياض([18]): من أقواله: الشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف الفظيعة...وساءت به ظنون الأمة([19])...

- والذهبي([20]): يقول: قد ألف الرجل (أي: الغزالي) في ذم الفلاسفة...ووافقهم في مواضع ظناً منه أن ذلك حق أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل إخوان الصفا، وهو داء عضال، وجَرَبٌ مُرْدٍ، وسُمٌّ قاتل...فالحذر الحذر من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل([21])...

- وأبو عبد الله القرطبي([22]) (صاحب التفسير) يقول: إن بعض من يعظ، ممن كان ينتحل رسم الفقه ثم تبرأ منه شغفاً بالشرعة الغزالية والنحلة الصوفية، قد أنشأ كراسة على معنى التعصب لكتاب أبي حامد، إمام بدعتهم، فأين هو من تشنيع مناكيره، وتضليل أساطيره المباينة للدين وشريعة سيد المرسلين([23])...

- وأبو بكر الطرطوشي([24]): يقول: شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما على بسيط الأرض أكثر كذباً منه، شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة مكتسبة([25]). وللطرطوشي كتاب كبير في الرد على إحياء علوم الدين.

- ابن رشد (الحفيد)، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد، أشهر من أن يعرف([26])، من أهل قرطبة له كتاب تهافت التهافت في الرد على الغزالي.

- وغيرهم كثير.

* وقفة مع آية قرآنية:

أليس من الجائز أن تكون الشجرة التي نُهيَ آدم وحواء عن أكلها هي من نوع القنب الهندي (الحشيش) أو الخشخاش (الأفيون) أو فطر المكسيك أو ما شابهها؟ مما يسبب الهلوسة؟

الدافع إلى قبول هذه الفكرة ما يلي:

1- ((.. قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، ((...مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف:20].

رأينا أن من آثار تناول المهلسات، شعور المجذوب بسببها أنه ملك من الملائكة، وشعوره باللحظات القصيرة وكأنها آلاف السنين، وشعوره بأنه أدرك الواقع الحقيقي للعالم، وأن كل الأسرار تتكشف أمامه، وشعوره بأن نظره يحيط بفراغات لا متناهية، ورؤيته قصوراً وباحات وأقواساً وحدائق، ورؤيته أنه يعيش في رؤى جنة.

هذه المشاهدات والإحساسات، أليست نفس ما وصف به إبليس الشجرة المحرمة: ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، ((أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف:20].

2- كذلك تقديس الأمم الوثنية لها، وتسميتهم الأفيون (حجر الخلود) و(شراب الآلهة)، وتسمية الحشيش (إكسير الخلود)...إلى آخر ما مر قبل صفحات.

أليس هو نفس معنى ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ)) [طه:120]، و((تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف:20]، مع العلم أن المصدر في الحالتين هو إبليس.

3- ((يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)) [الأعراف:27]، ((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا...)) [الأعراف:20]، ((....فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)) [طه:121].

أكلا منها، فنزع عنهما لباسهما، فبدت لهما سوآتهما: أليس هذا ما يحدث لمتعاطي المهلسات؟

إن الصحف والمجلات تحدثت كثيراً عن شباب وفتيات يتعرون في الطرقات أثناء جذبة المخدرات، كما رأينا أن التعري يكاد يكون من لازمات جذبة التصوف!

والمصدر هو إبليس في جميع الحالات.

أفلا يساعد هذا على قبول أن الشجرة المحرمة هي من أشجار الهلوسة؟

4- رأينا أن من هلاوس جذبة المخدرات (وجذبة التصوف)، رؤية الأطراف طويلة جداً، فعندما يتعرى المجذوب، يرى ما كان ذا امتداد من السوأة وقد غدا طويلاً، حتى قد يثير طوله الرعب! كما يرى ما كان ذا انخفاض منها خندقاً عميقاً، قد يثير الرعب أيضاً! كما يظهر الفرق بين سوأتي الرجل والمرأة مثيراً للدهشة! خاصة إن كانت الرؤية تحدث لأول مرة! الأمر الذي يثير الانتباه مهما كانت الغفلة! أفلا تسيطر علينا فكرة أن هذا ما حدث لآدم وحواء؟ أكلا من الشجرة، فنزع عنهما لباسهما، فبدت سوآتهما مختلفة الشكل مضخمة الأبعاد، مما أثار انتباههما؟

5- ((يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)) [الأعراف:27] أفلا تبين هذه الآية بوضوح أن إبليس يفتن بني آدم بنفس الخدعة التي أخرج بها أبويهم من الجنة؛ لأن الله سبحانه لم ينهنا أبداً عن شيء لا وجود له في الواقع، وهذه الآية لن تكون شاذة عن سائر الوحي.

وبدراسة الأديان الوثنية نرى الحشيش والأفيون وما شابههما، تلعب دوراً هاماً في عقائدها، وقد مر بعض هذا في فصل سابق.

كما أن كهانهم كانوا يقدمونها لمريديهم بنفس الحجة التي قدمها إبليس ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، وكانوا يستعملونها كذلك للحصول على الحكمة وللوصول إلى الحقيقة وبنفس الحجة.

أي: إن إبليس فتن بني آدم بشجر الهلوسة (الحشيش ورفاقه).

أفلا يحق لنا أن نعتقد أن هذه الفتنة هي نفس الفتنة التي أخرح بها أبويهم من الجنة من قبل؟ انطلاقاً من منطوق الآية: ((لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ...)) [الأعراف:27].

6- عند عدم وجود هذه الشجرة، بسبب عدم زرعها، أو بسبب تحريمها دينياً، نرى أن إبليس لم يتنازل عنها، بل فتش عما يقوم مقامها حتى وجده، فعلم بني آدم طريقة في الرياضة يستطيعون بها استغلال المخدر القوي الذي تفرزه بعض غددهم، واستعماله في غير ما خلق له، وأقنعهم كما أقنع أبويهم من قبل، أن هذا هو طريق الخلود والملك الذي لا يبلى والسير إلى الله...وسماها لهم أسماء خداعة كالحكمة والإشراق والمعرفة...

أي: إنه فتنهم بمادة من زمرة المادة الموجودة في شجرة الهلوسة، بل وأقوى منها.

أفلا نرى في هذا دليلاً مؤكداً على أن الشجرة المحرمة من شجر الهلوسة؟

7- في هذا التفسير القائل بأن الشجرة المحرمة هي شجرة هلوسة من زمرة الحشيش، نجد مكاناً لكل كلمة وفكرة واردة في الآيات الكريمة.

بينما في بقية التفاسير المعروضة حتى الآن (كالقول أنها الحنطة أو التفاح أو شجرة تسبب الغائط..) لا نجد مكاناً لأكثر كلمات الآيات، أو لبعضها على الأقل.

أفلا يصح هذا أن يكون دليلاً على أن الشجرة هي من زمرة الحشيش والأفيون؟

- بلى، إن قبولنا أن الشجرة المحرمة هي من زمرة الحشيش والأفيون، يعطي تفسيراً كاملاً للآيات، كما ينسجم مع أسلوب إبليس التاريخي والمستمر في إضلال بني آدم، ومع واقع الأديان الإنسانية.

وعندما يتعذر وجود الحشيش وزمرته، بسبب من الأسباب، فالمجاهدة الصوفية أو (الرياضة) تقوم بالواجب الكامل وتؤدي نفس الدور بدقة تامة ومظهر أكثر خداعاً وأشد مكراً وأقوى تأثيراً.

- ولنتذكر أن المخدرات والمهلسات مقدسة في الأديان الوثنية، وأنها مصدر رئيسي لعقائدهم.

وقد يقول قائل: إن أشجار الهلوسة من الخبائث، وليس في الجنة خبائث.

والجواب:

1- إن الله يفعل ما يريد، وهو سبحانه غير خاضع لمنطقنا الإنساني، ودور منطقنا وعقلنا في هذه الأمور الغيبية لا يتعدى العمل على فهم النص فهماً صحيحاً.

2- تحريم أكل تلك الشجرة على آدم لا يدل بالضرورة على أنها من الخبائث، فقد تكون خلقت لغاية أخرى غير الأكل، كأن تكون طيبة الرائحة أو اللون أو غير ذلك مما لا نعرفه، أو تكون من الأشجار التي تثمر بعض حاجيات أهل الجنة، كاللباس مثلاً، وقد تكون طعاماً طيباً لبعض مخلوقات الجنة، إلى غير ذلك.. فتكون من الطيبات. ويكون الخطأ هو استعمالها في غير ما خلقت له، ومثل ذلك شجرة العنب التي هي من الطيبات، حتى إذا استعملت للخمر أصبحت من الخبائث.

وأوضح من كل هذا، الإندورفين الذي يفرزه الدماغ في جسم الإنسان، فهو ليس من الخبائث، لكن سوء استعماله هو الخبيث.

* نماذج من دور (شجرة الخلد وملك لا يبلى) في الوثنيات:

يقول الدكتور نقولا فياض:

...وقد أبقت ألواح الآشوريين وورق البردي في مصر لألف وخمسمائة سنة قبل المسيح صوراً تمثل الرجال والنساء والبنات والشباب وهم يسيرون نحو الحقول تحت ستار الليل ليحصدوا رءوس الخشخاش الخضراء ويستخرجوا حصيدها المسكر، مستعملين في ذلك حركات وإشارات وطقوساً دينيه([27]).

- لعل القارئ انتبه أيضاً إلى أن قطاف الخشخاش بالليل بالذات هو طقس ديني، وطبعاً، الخشخاش هو النبات الذي يستخرج منه الأفيون.

ويقول أيضاً:

وكان كهان المجوس وعبدة الأوثان يعتبرون نوم الأفيون جسراً يربط النفس البشرية بمقر الآلهة. والدراويش يسمونه عطر الفردوس. وفيه يقول الشاعر:

يحيا من الأفيون في عالمٍ                    لا لُوَّمٌ فيه ولا حُسَّدُ

مِنْ ظلمة الأرض ومِنْ ظلمها                 إلى ذرى الخلد به يصعدُ

عطر من الفردوس مَن شمَّه                   كواكب الأفق له تسجد([28])

- يجدر بنا أن نلاحظ التشابه بين وصف الأفيون هنا وبين (شجرة الخلد وملك لا يبلى)، مع التذكر أن إبليس هو نفسه وراء الحالين أو (المقامين).

ومما يورده الدكتور صلاح يحياوي:

* المسكالينا (مهلس):-

يذهب هنود الهينشولا في شهر تشرين الأول من كل عام للبحث عن البِيّوته، وهي نبتة صغيرة من الفصيلة الصبارية، ليس لها أشواك، تنمو في السهول العليا من شمالي المكسيك.

ليس سهلاً على هنود الهينشولا بلوغ المناطق حيث تنمو البيوته، إذ إن عليهم أن يتسلقوا جبالاً ويتخطوا أفجاجاً ضيقة خطيرة، ويعرضوا حياتهم إلى مشاق هذا السفر الطويل؛ كانت كل تضحية تهون على الهندي المكسيكي، لأن هدف مسيرته هو البيوته، الهبة السماوية التي يمنحها له- حسب اعتقاده- الإله (بيولت). هذا وتوضح الطقوس الدينية لِجَنْيِ البيوته عند هنود الهينشولا اعتبارهم لها كهبةٍ إلهية، فبينما يتقدم الرجال نحو أعالي القمم حيث تنمو نبتة العقار، فإن النساء يبقين في القرى صائمات، معترفات بصورة علنية بخطاياهن، يعترفن بكل ما اقترفن في حياتهن، وكي لا ينسين شيئاً فإنهن يعقدن- بعد كل اعتراف على خطيئة- عقدة في حبل من مسد، ويَحذَرْن جداً من نسيان أية خطيئة عندما تأتي ساعة إعادة روايتها، إنهن يعرفن أنهن إذا لم يندمن على كل خطاياهن، أي على كل عقدة من عقد الحبل، فإنهن سيتعرضن إلى غضب الإله بيولت، والإله بيولت إله منتقم جبار، وأقل انتقام ينزله بهم هو حرمانهم من المخدر.

أما عندما يرضى الإله (بيولت) عن الهينشولا الأمناء فإنه يمنحهم الهبة السماوية من أوراق البيوتة.

وما إن يعود الهنود إلى قراهم محملين بأوراق المخدر الثمين، حتى يقوموا بتحضيره لتناوله. ويُضفى على أول حفلة سنوية لتناول البيوته كل صفات المشاركة العامة، ويتم ذلك بين الأناشيد وباتباع طقوس دينيه موروثة عن هنود الأستيك، وينتهي الأمر بهنود الهينشولا إلى الاستسلام إلى رؤى الخبل (الهلوسة) التي يهيؤها لهم المخدر.

إن سبب هذيان الجنون هذا هو المسكالينا، شبه القلوي الموجود في البيوتة...أما المسكالينا فهي...تجعل متعاطيها ينطوي على نفسه، فهو يعاني هذيانات الجنون التي يسببها الورع الصوفي([29]).

- الرجاء من القارئ أن يلاحظ وصف نوم الأفيون: (جسر يربط النفس البشرية بمقر الآلهة)، وبين عبارات: (الفناء في الله) و(العروج إلى الله)، التي يطلقونها على الجذبة. بل إن كلمة (الجذبة) ذاتها تعني (ربط النفس البشرية بالإله).

- والرجاء من القارئ أن يلاحظ الدور الذي تلعبه أشجار الهلوسة في ابن آدم وتديُّنه، وكيف يطلق عليها الصفات التي تشبه وصف إبليس للشجرة المحرمة.

كما يرجى أيضاً الرجوع إلى آخر فصل لمحة عن المخدرات لمراجعة نماذج أخرى من دور شجرة الخلد وملك لا يبلى في فتنة بني آدم.

 

 

 

([1]) الطبقات الكبرى: (1/15، 16، 17).

([2]) اليواقيت والجواهر: (1/13).

([3]) اللمع، (ص:500).

([4]) المدينة هي الري، وليست الراز، والنسبة إلى الري هي (الرازي)، ولعله عرف أن اسم المدينة هو الراز عن طريق الكشف والعلم اللدني. أما قوله: وصوفيتها، فيدل على أن الصوفية قد يشتركون أيضاً في تكفير الصوفي، لكن مجاراة للناس وتستراً على حقيقتهم.

([5]) اليواقيت والجواهر: (1/13).

([6]) اليواقيت والجواهر: (1/14).

([7]) نشر المحاسن الغالية، (ص:422).

([8]) اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، (ص:136، 138).

([9]) لسان الميزان للذهبي.

([10]) النجوم الزاهرة وشذرات الذهب وغيرها في حوادث سنة (593هـ).

([11]) روضة التعريف بالحب الشريف، (التقديم)، (ص:33).

([12]) هامش إحياء علوم الدين: (1/29).

([13]) هامش إحياء علوم الدين: (1/49).

([14]) غاية الأماني: (2/366) نقلاً عن طبقات السبكي.

([15]) غاية الأماني: (2/368).

([16]) لم أستطع معرفة هويته.

([17]) غاية الأماني: (2/369).

([18]) القاضي عياض (أشهر من أن يعرف) بن موسى بن عياض، عالم المغرب، وإمام أهل الحديث في وقته، توفي في مراكش سنة (544هـ-1149م).

([19]) غاية الأماني: (2/370).

([20]) الذهبي، أشهر من أن يعرف، هو محمد بن أحمد بن عثمان.. الحافظ المؤرخ العلامة، توفي في دمشق سنة (748هـ-1348م).

([21]) غاية الأماني: (2/370).

([22]) محمد بن أحمد بن أبي بكر الخزرجي الأندلسي، صاحب التفسير المشهور، رحل وتوفي في مصر سنة (671هـ)/1273م.

([23]) غاية الأماني: (2/372).

([24]) محمد بن الوليد الفهري الأندلسي الطرطوشي، رحل وتوفي في الإسكندرية سنة (520هـ-1126م).

([25]) غاية الأماني: (2/372).

([26]) توفي في مراكش سنة (595هـ-1198م)، ونقلت جثته إلى قرطبة.

([27]) قصة التغلب على الألم، (ص:142).

([28]) قصة التغلب على الألم، (ص:142).

([29]) المخدرات، (ص:148، وما بعدها).

  • الجمعة PM 03:49
    2021-08-13
  • 1917
Powered by: GateGold