المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416559
يتصفح الموقع حاليا : 241

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628684019182.jpg

مدخل إلى فهم النصوص الصوفية

يا رب جوهر علم لو أبوح به                لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي                يرون أقبح ما يأتونه حسنًا

قبل الولوج في متاهات النصوص الصوفية، ودهاليزها الملتوية المتعرجة، وزحاليقها المتقنة الصنع، قبل ذلك يجب أن نأخذ فكرة واضحة عن الأساليب التي يتبعونها في بسط أفكارهم وعقائدهم، في أقوالهم وكتاباتهم، في تواليفهم ودعاياتهم، لنستطيع فهم كلامهم بوضوح تام، وأن نعرف أغراضه وأهدافه، وبدون ذلك لا نستطيع دراسة الصوفية دراسة صحيحة، وستكون دراستنا لأساليبهم من أساليبهم، ومن أقوالهم وتواصيهم فيما بينهم.

سنرى -في هذه الدراسة- بوضوح تام ما يلي:

1- هناك سر غريب يتواصون بكتمانه عن غير أهله.

2- أهل هذا السر هم الصوفية.

3- هذا السر هو كفر وزندقة، يُقتل من يبوح به على أنه مرتد عن الإسلام.

4- يقسّمون المجتمع الإسلامي إِلى صنفين:

أ- أهل الشريعة: ويسمونهم أهل الظاهر، أو أهل الرسوم، أو أهل الأوراق، أو العامة.

ب- أهل الحقيقة: وهم الصوفية، ويسمونهم أيضاً أهل الباطن، وأهل الأذواق، أو الخاصة، وخاصة الخاصة هم كبارهم.

5- يتواصون دائماً وفي كل زمان ومكان، أن يظهروا لأهل الشريعة ما يوافقهم من الأحكام الِإسلامية، وأن يكتموا عنهم ذلك السر لئلا تباح دماؤهم، إِلا في حالات معينة (ستمر بين ثنايا النصوص) حيث يعبرون عنه باللغز والرمز والإشارة والعبارة المنمقة.

6- لا يعرف هذا السر إِلا بالذوق، أي: أن يذوقه الِإنسان بنفسه، وضربوا لذلك مثلاً: اللذة الجنسية التي لا يعرفها إِلا من يذوقها.

7- في العادة، يرمزون إِلى الذات الِإلهية بأسماء مؤنثة مثل ليلى وبثينة وغيرها..

وهذه نصوص لأئمتهم وأقطابهم وعارفيهم أوردها حسب التسلسل التاريخي (بدون دقة):

مما ينسبونه لزين العابدين (وهو في الواقع لكلثوم بن عمرو العتّابي توفي عام: 220هـ):

يا رب جوهر علم لو أبوح به                لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي               يرون أقبح ما يأتونه حسناً([1])

فما هو هذا العلم الذي لو أباح به لرمي بالوثنية ولقتل على الردة؟

ويقول أبو بكر الكلاباذي (تاج الِإسلام)([2]):

قال الجنيد للشبلي([3]): نحن حبرنا هذا العلم تحبيراً، ثم خبأناه في السراديب، فجئت أنت فأظهرته على رءوس الملإ! فقال: أنا أقول، وأنا أسمع، فهل في الدارين غيري؟

يهمنا في هذا النص قول الجنيد فقط. إِنه يخبر عن علم حبره هو تحبيراً، (أي: وضع قواعده وأصوله)، ثم خبأه في السراديب! فما هو هذا العلم المخبأ؟! ولم خبأه في السراديب؟!

أما قول الشبلي فسنراه فيما بعد.

ويقول الجنيد أيضاً، مجيباً على رسالة أرسلها له أبو بكر الشبلي:

يا أبا بكر، الله الله في الخلق، كنا نأخذ الكلمة فننشقها، ونقرظها، ونتكلم بها في السراديب، وقد جئت أنت فخلعت العذار! بينك وبين أكابر الخلق ألف طبقة، في أول طبقة يذهب ما وصفت([4]).

عندما يتمرس القارىء بالأساليب الصوفية سيعرف أَن معنى قوله: (يذهب ما وصفت)، هو: تُقتل.

ويقول الجنيد أيضاً:

لا يكون الصدّيق صدِّيقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صدِّيقاً أنه زنديق، فهم يشهدون على ظاهره، مما ظهر من حاله؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر، ويعطي الباطن حكم الباطن، فلا يلبسون بالباطن على الظاهر ولا بالظاهر على الباطن، فهم يشهدون أنه زنديق ظاهراً، كما يعلمون أنه صديق باطناً، لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم([5]).

يا للعجب! ظاهراً -أي حسب الشريعة- زنديق، وباطناً صديق!! فهل الشريعة تخدعنا؟؟

وقال أيضاً (وقد أورده الغزالي في إحياء علوم الدين):

..أهل الأنس يقولون في كلامهم ومناجاتهم في خلواتهم أشياء هي كفر عند العامة([6]).

وقال مرة: لو سمعها العموم لكفروهم، وهم يجدون المزيد في أحوالهم بذلك، وذلك يحتمل منهم ويليق بهم([7]).

وقد كان الجنيد ينشد أبياتاً يشير بها إلى أسرار أحوال العارفين، وإن كان ذلك لا يجوز إِظهاره، وهي هذه الأبيات([8]):

سرت بأُناس في الغيوب قلوبهم             فحلّو بقرب الماجد المتفضل([9])

عراصاً بقرب الله في ظل قدسه              تجول بها أرواحهم وتنهل

مواردهم فيها على العز والنهي               ومصدرهم فيها لما هو أكمل

تروح بعز مفرد من صفاته           وما كتمه أولى لدين وأعدل

سأكتم من علمي به ما يصونه                وأبذل منه ما أرى الحق يبذل

وأعطي عباد الله منه حقوقهم                 وأمنع منه ما أرى المنع يفصل)

على أن للرحمن سراً يصونه                  إلى أهله في السر والصون أجمل

وقال سهل التستري([10]): (للعالم ثلاثة علوم، علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر، وعلم باطن لا يسعه إظهاره إلا لأهله، وعلم هو بينه وبين الله تعالى لا يظهره أحد)([11]).

- أما العلم الظاهر، فقد عرفناه، إنه علم الشريعة. فما هو علم الباطن؟! ولم هو باطن؟!

وبقول الحلاّج([12]): «المنكر في دائرة البراني، وأنكر حالي حين لم يران، (...وبالزندقة).. حملني...وبالسوء رماني»([13]).

- يعني بدائرة البراني: ما هو خارج دائرة الصوفية.

- فلم يسميه المنكر زنديقاً؟ ويرميه بالسوء؟! ما هو السر؟!

وقال: (يخاطب الناس في المسجد) ويروي القصة عبد الودود بن سعيد الزاهد: ...اسمعوا، إن الله أباح لكم دمي فاقتلوني، فبكى بعض القوم، فتقدمت من بين الجماعة، وقلت: يا شيخ، كيف نقتل رجلاً يصلي ويصوم ويقرأ القرآن؟ فقال: يا شيخ، المعنى الذي به تحقن الدماء خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن، فاقتلوني تؤجروا وأستريح، فبكى القوم، وذهب، وتبعته إلى داره، وقلت: يا شيخ، ما معنى هذا؟ قال: ليس في الدنيا للمسلمين شغل أهمّ من قتلي. فقلت له: كيف الطريق إِلى الله تعالى؟ قال: الطريق بين اثنين، وليس مع الله أحد. فقلت: بين. قال: من لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا([14]). إنه يقرر أن الشريعة تبيح قتله! فلِمَ؟

ويقرر أن المعنى الذي يباح قتله من أجله خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن! فما هو هذا المعنى؟

لننتبه إلى قوله: (ليس مع الله أحد)، وقوله: (من لم يقف على إِشارتنا لم ترشده عبارتنا).

ويقول:

كفرت بدين الله والكفر واجب              عليّ وعند المسلمين قبيح([15])

- يعني بقوله: (كفرت) أي: سترت، والكفر هو الستر، فهو يقول: سترت بالإسلام، والستر واجب عليّ. - فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟!

- فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟!

- من الممكن أن نعرف هذا السر من بعض أقواله وفلتات شعره، يقول:

رأيت ربي بعين قلب                   فقلت: من أنت؟ قال: أنت([16])

فالحقيقة، والحقيقة خليقة، دع الخليقة، لتكون أنت هو، أو هو أنت من حيث الحقيقة([17]).

- ولا أعلق على هذا القول بشيء، فهو واضح، وهو هو السر الذي يكتمونه.

وقال أبو الحسين النوري([18]) مخاطباً الجنيد:

يا أبا القاسم، غششتَهم فأجلسوك على المنابر، ونصحتُهم فرموني على المزابل([19]).

- وسنرى فيما يأتي من النصوص كيف غشهم الجنيد؟ إِنه كان يتكلم عليهم بالفقه.

ومما يورده الغزالي:

...قال بعضهم: للربوبية سر لو أظهر لبطلت النبوة، وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم، وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام([20]).

- أسرار!! تبطل بها النبوة، ويبطل بها العلم، وتبطل بها الأحكام؟! فما هي هذه الأسرار؟

وقال ابن عطاء([21]) في قوله تعالى: ((وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)) [النساء:63]، قال: على مقدار فهومهم ومبلغ عقولهم([22]).

- واضح أنه يعني: على مقدار فهوم أهل الظاهر (أهل الشريعة)، ومبلغ عقولهم.

وقال بعض المتكلمين لأبي العباس بن عطاء: ما لكم أيها المتصوفة! قد اشتققتم ألفاظاً أغربتم بها على السامعين؟ وخرجتم على اللسان المعتاد! هل هذا إِلا طلب للتمويه؟ أو ستر لعوار المذهب؟

فقال أبو العباس: ما فعلنا ذلك إِلا لغيرتنا عليه، لعزته علينا، كيلا يشريها غير طائفتنا. ثم اندفع يقول:

أحسن ما أظهره ونظهره              بادىء حق للقلوب نَشعره

يخبره عني وعنه أخبره                أكسوه من رونقه ما يستره

عن جاهل لا يستطيع ينشره                   يفسد معناه إِذا ما يعبره

فلا يطيق اللفظ بل لا يعشره                   ثم يوافي غيره فيخبره

فيظهر الجهل وتبدو زمره             ويدرس العلم ويعفو أثره([23])

وأنشدونا أيضاً له([24]):

إِذا أهل العبارة ساءلونا             أجبناهم بأعلام الِإشارة

نشير بها فنجعلها غموضاً                    تقصر عنه ترجمة العبارة

ونَشْهَدها وتُشْهِدُنا سروراً                    له في كل جارحة إِنارة

ترى الأقوال في الأحوال أسرى              كأسر العارفين ذوي الخسارة

- البادي: ويقال: بادي الحق، والباده([25])، وهو بداية الوارد([26])، والوارد: كل ما يرد على القلب من المعاني من غير تعمد من العبد([27]).

- وقوله: أكسوه من رونقه ما يستره عن جاهل...أي: يكسو الكلام الذي يظهره للناس من الرونق الذي يعجب السامع ما يستر حقيقة السر، لأنه لولم يفعل ذلك، لأخبر الجاهل (أي: غير الصوفي) به غيره، فكان ذلك سبباً لقتل صاحب هذا السر.. وبقتله وقتلهم يزول هذا العلم (الصوفي) ويظهر الجهل به.

- وفي الأبيات التي بعدها:

- أهل العبارة: يعني بها الناس غير الصوفيين الذين يحتاج في خطابهم إِلى العبارة ذات الرونق.

- الأحوال: جمع حال، وهو ما يرد على القلب من طرب وحزن أو بسط وقبض (وغيرها)، وتسمى أيضاً: الوارد([28]).

- في البيت الأول والثاني يخبرنا أنه يجيب على السؤال بالِإشارة، ويجعل هذه الِإشارة غامضة! فلِمَ؟!

- في البيت الثالث يخبر عن تلك التي يَشْهدها هو، وتُشهده هي سروراً تستنير له كل جارحة من جوارحه، فما هي هذه التي يَشْهدها، وتُشْهده كل هذا السرور؟؟

- في البيت الرابع يبين أنه عندما ترد عليه الأحوال- وعلى غيره- تكون الأقوال والكلمات لديهم أسيرة لا يطلقونها بحرية، ويشبهها بالعارفين (أي: الذين بلغوا الغاية من الصوفية) الذين خسروا حريتهم لأنهم باحوا بالسر، فأصبحوا أسرى مكبلين، وكذلك الأقوال.

- فلم كل هذا؟!

ويورد أبو بكر الكلاباذي قي (التعرف) ما يلي([29]):

.. وقال غيره في قوله تعالى: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ)) [الحاقة:44-45]، أي: لو نطق بالمواجيد على أهل الرسوم، يدل عليه قوله: ((بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) [المائدة:67]، ولم يقل: بلغ ما تعرفنا به إِليك.

- المواجيد: جمع وجد على غير قياس، وهي ثمرات الأوراد([30])، أو الوجد هو غلبة ما كان يبعثه (المتواجد) ويتواجد له على قلبه([31])، وهو يشبه الحال والوارد.

- إنه يفسر الآية كما يلي: (لو نطق بما يجده عندما يرد عليه الحال، على أهل الرسوم، -أي: أهل الشريعة- أو أهل الظاهر، لأخذنا منه باليمين..).

- وطبعاً هذا تفسير ما أنزل الله به من سلطان، ولا عرفه محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وهو هنا يفتري على الله سبحانه أنه يأمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يكتم سر المواجيد! فما هو هذا السر؟

ويقول الطوسي (صاحب اللمع):

...ولهم في حقيقة التوحيد لسان آخر، وهو لسان الواجدين، وإشاراتهم في ذلك تبعد عن الفهم، ونحن نذكر من ذلك طرقاً كما يمكن شرحه، وهذا العلم أكثره إِشارة لا تخفى على من يكون أهله([32]).

ويقول الطوسي نفسه في تعريف (التقية):

قال قوم: استعمال الأمر والنهي، وقال قوم: ترك الشبهات، وقال قوم: التقية حرم المؤمن كما أن الكعبة حرم مكة، وقال قوم: التقيه نور في القلب يفرق بها بين الحق والباطل([33])...

- هكذا جعلوا التقية مقدسة يتسترون بها. إِذاً: فنحن أمام فرقة باطنية.

ويقول أَبو طالب المكي([34]):

...فتفصيل معاني التوحيد من شواهد الناظرين اضيق الضيق، وشهادة الجمع في التفرقة والبقاء قي الفناء أخفى الخفي، وشرح غريب عن الأسماع يُنكر أكثره أكثر من سمعه، غير أَن من له نصيب منه يشهد ما رمزناه، فينكشف له ما غطيناه([35]).

- شواهد: جمع شاهد، وهو ما تعطيه المشاهدة([36]) من الأثر في قلب المشاهد([37]).

- الجمع: إِشارة إِلى حق بلا خلق([38]). [لننتبه جيداً إِلى معنى (حق بلا خلق)].

- التفرقة (أو الفرق): وهو إشارة إلى خلق بلا حق، وقيل: مشاهدة العبودية([39])، [هناك الفرق الأول، والفرق الثاني، ولها عندهم تعابير كثيرة، ولننتبه إلى عبارة (خلق بلا حق)].

- الفناء على ثلاث درجات: فناء الظاهر، وهو مسلوبية العبد عن إرادته واختياره بتجلي الحق عليه بصفة الفعالية، وتسمى (فناء الأفعال).

وفناء الباطن: وهو مغلوبية صفاته في سلطنة أنوار الصفات القديمة الأزلية، وتسمى (فناء الصفات).

وفناء سر الباطن، الذي هو ذات العبد، فإِن الأفعال هي حجاب الصفات، فالصفات باطنها؛ والصفات هي حجاب الذات، فالذات باطنها وسرها، ولذا يسمى (فناء الذات)، وهو كناية عن مغلوبية ذات العبد في إِشراق أنوار عظمة الذات وأحديتها([40]).

- البقاء: لا بد لصحة العبودية من التنزل عن عالم الجمع إِلى عالم التفرقة، ويقال لهذا: (البقاء)([41]).

* ملحوظة: يلاحظ القارىء هنا أن الألغاز تفسر بالألغاز، ويُشرح الغموض بالغموض؟! وذلك لأننا الآن وجهاً لوجه أمام السر الذي يكتمونه.

ويقول أيضاً (أبو طالب المكي):

...وقال الجنيد: (وهؤلاء -أي: الصوفية- هم المدلون على الله تبارك وتعالى، والمستأنسون بالله تعالى، هم جلساء الله تعالى، قد رفع الحشمة بينه وبينهم، وزالت الوحشة بينهم وبينه، فهم يتكلمون أشياء هي عند العامة كفر بالله تعالى، لما قد علموا أن الله تعالى يحبهم، وأن لهم عند الله جاهاً ومنزلة، ثم قال عن بعض العلماء: أما أهل الأنس بالله تعالى فليس إلى معرفتهم سبيل).. هذا من كلام الجنيد ونحو معناه، حدثني به الخاقاني المقري، ولولا أنا روينا عنه ما ذكرناه، ما كنا نشرح حال هؤلاء إِشفاقاً على الألباب([42])...

- يوهم أبو طالب المكي القارئ أنه لا يشرح حال هؤلاء القوم الذين يتكلمون بأشياء هي الكفر عند العامة- أي: عند أهل الشريعة- إشفاقاً على الألباب، وهذا غير صحيح، فهو لا يشرح خوفاً من السيف، وليس شيئاً آخر.

نعود إِلى ما مر من مصطلحاتهم وألغازهم، ولا بأس من وضع بعض الصور الصغيرة التي قد تساعد على فهم هذه الألغاز، على أن توضيحها الكامل سيأتي في ما يأتي إِن شاء الله.

فالفناء: ويسمى أيضاً: المحو، والسكر، والغيبة، والطي، والحضور بالحق، والجلوة، والإحسان، والجمع.. وكلها أسماء لمسمى واحد، وهو مقام الجمع (وهناك بعض الاختلاف بين مدلول الكلمات)، فالجمع هو الفناء، وضم تعريفيهما إِلى بعضهما يساعد- بعض الشيء- على فهم السر والألغاز.

أما البقاء: ويسمى أَيضاً: الفرق الثاني، أو الجمع في التفرقة، أو الفرق في الجمع، أو صحو الجمع، أو الِإطلاق.. فهو مقام أعلى من مقام الجمع، يجتمع فيه الفناء مع الصحو، أو الجمع مع الفرق، والاستغراق في مقام البقاء يسمى (جمع الجمع)، وبيت من تائية ابن الفارض قد يلقي أمام القارىء بعض النور، يقول:

ومن (أنا إِياها) إِلى (حيث لا إِلى)                    عرجت وعطرت الوجود برجعتي

في هذا البيت يخبرنا ابن الفارض أَنه بدأ عروجه إِلى الله (سبحانه وتعالى علوًّا كبيراً) من (أنا إِياها) الذي هو مقام الفناء، أو الجمع.. إِلخ، حتى وصل إِلى (حيث لا إِلى) ويكني بذلك عن مقام جمع الجمع.

- الرجاء من القارىء أن ينتبه إِلى كل عبارة، وخاصة (أنا إِياها)، وماذا يعني بـ(إِياها).

ويقول أبو حيان التوحيدي([43]) في (رسالة:1):

يا هذا! إِن كنت ثاكلًا فنح على ما أصبت به، وإن كنت مكروباً بالسر فبح، فلعلك تشفي غليلك فيه([44]).

* ملحوظة: في هذه الفقرة يذكر التوحيدي أحد الأسباب التي تدفع العارف بالسر إلى إفشائه.

ويقول أيضاً (رسالة كد):

...يا هذا! تجمع عن تفرقك، وتفرق في تجمعك! أتدري ما تفسير هذا اللغز؟

أي: احضر عن غيبتك، وتغيب عن حضورك، هذا أيضاً لغز آخر! أنا أكشف لك بما هو أبين، فتحل منه بما هو أزين؛ معنى ذلك: انف عن سرك الهموم كلها، حتى تنقى من كل دنس يكون في الإنس، ثم اخطب مجلسك من حضرة الحق بقبول ما يجود به لك([45]).

- أنبه إِلى ما يلي: إِنه يستعمل حرف الجر (عن) في العبارة الأولى (تجمع عن تفرقك) بينما يستعمل (في) في العبارة الثانية (تفرق في تجمعك) وذلك لأن- كلمة (تفرّق) تعني (الفرق الأول) الذي هو حالة المحجوبية التي نتخبط فيها نحن المحجوبون؛ فنحن نرى أن الخلق غير الحق! وهذا هو ما يسمونه (الفرق الأول) فهو يطلب الانخلاع عنه بالترقي إِلى مقام الجمع، فيقول: (تجمع عن تفرقك)، بينما في العبارة الثانية: (تفرق في تجمعك) يطلب من الواصل إِلى (الجمع) أن يتحقق بالتفرقة في جمعه، أي: يجمع التفرقة والجمع، وهذا -كما مر معنا- هو مقام (البقاء) أو (الفرق الثاني).

- والفرق الأول هو ما عبر عنه بعد ذلك بـ(الهمهوم كلها).، وبـ(كل دنس يكون فى الإنس)، فالهموم كلها وكل دنس يكون في الإنس: يعني بهما (الفرق الأول)، أو حالة المحجوبية التي نحن المحجوبون فيها.

- السر: في قوله: (انف عن سرك..)، هو حسب اصطلاحهم، لطيفة مودعة في القلب، كالروح في البدن، وهو محل المشاهدة([46]) (أَي: مشاهدة الألوهية).

- لاحظنا أنه عبر هنا عن (الفرق الأول) أو حالة المحجوبية التي هي عدم رؤية الحق في الخلق، عبر عنها بـ(الهموم والدنس)، وقد يعبرون عنها أيضاً بـ(الصفات الذميمة، أو الردية)، و(الأفعال الذميمة، أو الردية)، وما شابه هذه التعابير.

كما يعبرون عن (الجمع) بـ (الصفات الحميدة) أو (الأفعال الحميدة) أو الِإحسان) وما شابه ذلك.

ويقول أبو بكر الكلاباذي([47]):

إن للقوم عبارات تفردوا بها، واصطلاحات فيما بينهم، لا يكاد يستعملها غيرهم، نعبر ببعض ما يحضر، ونكشف معانيها بقول وجيز.

وإنما نقصد في ذلك إلى معنى العبارة دون ما تتضمنه العبارة، فإن مضمونها لا يدخل تحت الإشارة فضلاً عن الكشف، وأما كنه أحوالهم، فإن العبارة عنها مقصورة، وهي لأربابها مشهورة([48]).

- يعني بكلمة (الكشف) هنا: المعنى اللغوي المعروف، لا معناهم الاصطلاحي، أما عبارة (العبارة عنها مقصورة) فسنرى بعد التمرس بأسلوب القوم أنها مغالطة للإيهام، وأن المانع عن كشفها هو الحرف من عقوبة الردّة.

ويقول القشيري([49]) (صاحب الرسالة):

...وهذه الطائفة يستعملون ألفاظاً فيما بينهم، قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم، والإجمال والستر علي من باينهم في طريقتهم، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم أن يشيع استعمالها في غير أهلها، إِذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف، أو مجلوبة بضرب تصرف، بل هي معانٍ أودعها الله تعالى قلوب قوم، واستخلص لحقائقها أسرار قوم([50]).

- عبارة غيره منهم على أسرارهم) هي أَيضاً مغالطة، وسنرى أَمثالها كثيراً، إِنها ليست الغيرة، وإنما هو الخوف من السيف (سيف الردة).

ويقول أبو حامد الغزالي (الذي يسمونه حجة الِإسلام)([51]):

...ليس كل سر يكشف ويفشى، ولا كل حقيقة تعرض وتجلى، بل صدور الأحرار قبور الأسرار، ولقد قال بعض العارفين: (إِفشاء سر الربوبية كفر)، بل قال سيد الأولين والآخرين: (إِن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إِلا العلماء بالله، فإِذا نطقوا به لم ينكره إِلا أهل الغرّة بالله. ومهما كثر أهل الاغترار، وجب حفظ الأسرار على وجه الِإسرار، لكني أراك([52]) مشروح الصدر بالله بالنور، منزه السر عن ظلمات الغرور، فلا أشح عليك في هذا الفن بالِإشارة إِلى لوامع ولوائح، والرمز إِلى حقائق ودقائق، فليس الخوف في كف العلم عن أهله بأقل منه في بثه إِلى غير أهله.

فمن منح الجهال علماً أضاعه                 ومن منع المستوجبين فقد ظلم

فاقنع بإِشارات مختصرة، وتلويحات موجزة([53]).

* الملحوظات:

أ- يبين (حجة الِإسلام) متى يكتم هذا العلم المكنون؟ ومتى ينشر؟ ولمن؟

ب- يذكر (أهل الغرة بالله)، وأهل (الاغترار الذين يجب حفظ الأسرار عنهم)، و(الجهال...) فمن هم هؤلاء؟ من هم؟

ج- يقول لسائله: (أراك مشروح الصدر بالله بالنور) فما هو هذا النور؟

د- بالعودة إِلى ما سبق من نصوص، نعرف أن الجهال هم أهل الظاهر (أهل الشريعة) وهم هم أهل الغرة بالله؟!

هـ- يشير (حجة الِإسلام) إِلى أن ما سيذكره هو إِشارات إِلى لوامع ولوائح، هو رمز إِلى حقائق يخفيها، هو إشارات مختصرة وتلويحات موجزة؟! فما هي؟

ويقول:

...نعم، قد تختلف الأعصار في كثرة الحاجة وقلتها، فلا يبعد أن يختلف الحكم لذلك، فهذا حكم العقيدة التي تعبد الخلق بها، وحكم طريق النضال عنها وحفظها (يعني بذلك علم الكلام)، فأما إزالة الشبهة وكشف الحقائق، ومعرفة الأشياء على ما هي عليه، وإدراك الأسرار التي يترجمها ظاهر ألفاظ هذه العقيدة، فلا مفتاح له إلا المجاهدة وقمع الشهوات، والإقبال بالكلية على الله تعالى، وملازمة الفكر الصافي عن شوائب المحاولات، وهي رحمة من الله عز وجل تفيض على من يتعرض لنفحاتها بقدر الرزق، وبحسب التعرض، وبحسب قبول المحل، وطهارة القلب، وذلك البحر الذي لا يدرك غوره ولا يبلغ ساحله، فإن قلت: هذا الكلام يشير إلى أن هذه العلوم لها ظواهر وأسرار، وبعضها جلي يبدو أولاً وبعضها خفي يتضح بالمجاهدة والرياضة والطلب والحثيث والفكر الصافي والسر الخالي عن كل شيء من أشغال الدنيا سوى المطلوب، وهذا يكاد يكون مخالفاً للشرع، إذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن، بل الظاهر والباطن والسر والعلن واحد فيه، فاعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة، وإنما ينكرها القاصرون الذين تلقفوا في أوائل الصبا شيئاً وجمدوا عليه، فلم يكن لهم ترقّ إلى شأو العلاء، ومقامات العلماء والأولياء([54]).

* الملحوظات:

أ- يقول: إن معرفة حقائق الأمور وكشفها، ومعرفة الأشياء على ما هي عليه (لا كما يعرفها الناس) وإدراك الأسرار، كل هذا لا يعرف إلا بالمجاهدة وقمع الشهوات و..!

فهل يجيز لنا (حجة الإسلام) هنا أن نتساءل: ما هو دور الرسل؟ وما هو دور الشريعة؟

وما هو دور العلم؟! بل ما هي الفائدة من إرسال الرسل؟!

ب- ما الذي كان يمنع محمداً صلى الله عليه وسلم من أن يعلمنا أن الحقيقة لا تعرف إِلا بالمجاهدة وقمع

الشهوات و..، وما هو الخطر الذي كان يخشاهُ صلى الله عليه وسلم من ذلك حتى جاء هؤلاء العارفون ليعرفونا بهذا السر؟!

ج- تقريره وتأكيده على وجود الظاهر والباطن، والسر والعلن، وان هذا لا ينكره إلا من عميت بصيرته! فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمى البصيرة عندما قال لنا: {قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك...}([55]).

د- ما هي غاية (حجة الإسلام) من تعريضه بـ(الذين تلقفوا في أوائل الصبا شيئاً وجمدوا عليه..)، وماذا يعني بكلمة (شيئاً) التي تفيد التعميم بكونها اسماً نكرة؟! طبعاً إن من هذا الشيء الذي تلقفوه هو علوم القرآن والسنة (الشريعة).

ويقول أبضاً:

..فإن فلت:.. فإن الباطن إن كان مناقصاً للظاهر ففيه إِبطال الشرع، وهو قول من قال: (إِن الحقيقة خلاف الشريعة، وهو كفر؛ لأن الشريعة عبارة عن الظاهر، والحقيقة عبارة عن الباطن، وإِن كان لا يناقضه ولا يخالفه فهو هو، فيزول به الانقسام، ولا يكون للشرع سر لا يفشى، بل يكون الحفي والجلي واحداً؟ فاعلم أن هذا السؤال يحرك خطباً عظيماً، وينجر إِلى علوم المكاشفة، ويخرج عن مقصود علم المعاملة، وهو غرض هذه الكتب، فإن العقائد التي ذكرناها من أعمال القلب، وقد تعبدنا بتلقينها([56]) بالقبول والتصديق بعقد القلب عليها، لا بأَن يُتوصل إِلى أن ينكشف لنا حقائقها، فإِن ذلك لم يكلف به كافة الخلق...وإِنما الكشف الحقيقي هو صفة سر القلب وباطنه، ولكن إِذا أبحر الكلام إِلى تحريك خيال في مناقضة الظاهر الباطن، فلا بد من كلام وجيز في حله، فمن قال: إِن الحقيقة تخالف الشريعة، أَو الباطن يناقض الظاهر، فهو إِلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان! بل الأسرار التي يختص بها المقربون يدركها ولا يشاركهم الأكثرون في علمها، ويمتنعون عن إِفشائها إليهم، ترجع إِلى خمسة أقسام:

القسم الأول: أَن يكون الشيء في نفسه دقيقاً تكل أكثر الأفهام عن دركه! فيختص بدركه الخواص، وعليهم أن لا يفشوه إِلى غير أَهله، فيصير ذلك فتنة عليهم حيث تقصر أَفهامهم عن الدرك، وإِخفاء سر الروح([57])، وكفُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانه من هذا القسم، فإِن حقيقته تكل الأفهام عن دركه وتقصر الأوهام عن تصور كنهه.. بل في صفات الله عز وجل من الخفايا ما تقصر أفهام الجماهير عن دركه، ولم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إِلا الظواهر للأفهام من العلم والقدرة وغيرهما، حتى فهمها الخلق بنوع مناسبة توهموها إِلى علمهم وقدرتهم، إِذ كان لهم من الأوصاف ما يسمى علماً وقدرة، فيتوهمون ذلك بنوع مقايسة، ولو ذكر من صفاته ما ليس للخلق مما يناسبه بعض المناسبة شيء، لم يفهموه، بل لذة الجماع إِذا ذُكرت للصبي أَو العنين لم يفهمها إِلا بمناسبة إِلى لذة المطعوم الذي يدركه، ولا يكون ذلك فهماً على التحقيق([58]).

* الملحوظات:

أ- تقرير «حجة الإِسلام» أَن القول بأن «لا يكون للشرع سر لا يفشى، بل يكون الخفي والجلي وأحداً»، يحرك خطباً عظيماً! وينجر إِلى علوم المكاشفة.

- وقد عرفنا ما هو الخطب! وسنعرف أيضاً.

ب- تقريره أنهم (أي: الصوفية) تعبدوا الله بتلقيها بالقبول المباشر، قبل أَن ينكشف لهم؛ لأن الكشف لمِ يكلف به كافة الخلق، وهذا الكلام هو عرض فيه إِيحاء للقارئ أَن يتلقى هو أَيضاً هذه العلوم الكشفية بالقبول المباشر، لا بأَن يتوصل إلى أن تنكشف له!

ج- هذه الجملة (الأسرار التي يختص بها المقربون) وما فيها من إيهام وإيحاء مغري!

د- تقريرهُ أَن السر لا يمكن فهمه فهماً صحيحاً بالشرح، ولا يفهم إِلا بالذوق، ويشبهه بلذة الجماع.

ويقول: ...زاد الفلاسفة فأَولوا كل ما ورد في الآخرة، وردوه إِلى آلام عقلية وروحانية، ولذات عقلية، وأَنكروا حشر الأجساد، وقالوا ببقاء النفوس، وأَنها تكون إِما معذبة وإما منعمة بعذاب ونعيم لا يدرك بالحس؛ وهؤلاء هم المسرفون، وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنورها إلهي، لا بالسماع ثم إذا انكشف لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إِلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أَولوه- فأَما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد، فلا يستقر له فيها قدم، ولا يتعين موقف...والآن فكشف الغطاء عن حد الاقتصاد في هذه الأمور داخل في علم المكاشفة، والقول فيه يطول، فلا نخوض فيه، والغرض بيان موافقة الباطن الظاهر، وأنه غير مخالف له([59]).

* الملحوظات:

1- ماذا يعني بعبارة (جمود الحنابلة)؟ في حدود معرفتي، كان علماء الحنابلة يطلبون دائماً الدليل من القرآن والسنة ويتمسكون به، فهل هذا هو الجمود الذي يعنيه (حجة الِإسلام)؟!

2- تقرير «حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إِلى دار السلام» أن الحق الذي يسميه «حد الاقتصاد» لا يعرف بالسماع والسماع بدهيًّا، يكون من عالم بالقرآن أو عالم بالحديث أَو عالم بالفلسفة...وغيرها. وهؤلاء- طبعاً- أَخذوا علومهم بالسماع من علماء قبلهم، وهؤلاء- حسب قول الغزالي- لا يطلعون على حد الاقتصاد، ولا يمكن أن يعرفوه! إِذاً: فكيف يمكن معرفته؟!

الجواب يقدمه (حجة الِإسلام): لا يطلع عليه إِلا الموفقون الذين يدركون سر الأمور بنور إِلهي (أي: بالكشف)، لا بالسماع! فنسأله: ما هو دور القرآن والحديث؟ ولم أنزلا؟ ونسأل غيره: أليس هذا الكلام هو كفر من جهة، ومحاربة للعلم من جهة ثانية؟!

3- يقرر (حجة الِإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إِلى دار السلام) أن علم الكشف هو الحق، هو واقع الوجود وحقيقته، بقوله: (إِذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه)، وقوله: (ما شاهدوه بنور اليقين)! وسنرى فيما يأتي أنه مخدوع، وأن كشفه لا يمت إلى اليقين بأي صلة.

4- اعترافه بوضوح كامل وصراحة تامة أنهم لا يأخذون بغير الكشف، وأنهم لا يعترفون بشيء من الشريعة إِلا إِن وافق كشفهم! وما يخالف كشفهم يؤولونه! وهذا يعني بكل جلاء، أنهم يعتبرون الشريعة غير صحيحة، وأنها ليست هي الحق، وأَنها - على الأقل- فيها أخطاء يجب أن تؤوّل لتتفق مع كشفهم!

والسؤال: إِذا لم يكن هذا ضلالًا وزندقة..! فما هو الضلال والزندقة..؟

وقد يقول قائل -وما أكثرهم-: إِنه لا يعني الشريعة بقوله: (السمع والألفاظ الواردة)، فنجيبه:

أ- الفلسفة، لا يحتاجون تأويل نصوصها؛ لأن من أَسهل الأمور أَن يقولوا عنها: إِنها كذب وخطأ وضلال وكفر وأي شيء يريدون، دون أَن يخافوا أحداً أو يخشوا شيئاً، أَما الشريعة فهي التي لا يستطيعون أن يقولوا عنها: إِنها كذب أَو خطأ، أَو يقولوا: فيها شيء من ذلك؛ لأن وراء هذا القول حد الردة، لذلك يستعملون الِإشارة والرمز واللغز ليموّهوا علينا، فيقول قائلهم: (السمع والألفاظ الواردة) بدلًا من (الشريعة)!

ب- الغزالي نفسه يوضح لنا مراده من مثل هذا التعبير في مكان آخر من إِحيائه، يقول: (.. أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد، وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إِليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيده معتقده.. فصار نظره موقوفاً على مسموعه، فإن لمع برق على بعد وبدا له من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة([60])...

إِذن فالغزالي يعني بـ (السمع والألفاظ الواردة) الشريعة الِإسلامية.

5- وقد يأتي متحمس، وقد يحمل شارة علمية ذات اسم أو ذات شكل، ليفور ويثور، ويأتي بنصوص من هنا وهناك، يحاول أَن يثبت له بها الِإمامة والاستقامة! فنجيبه:

أ- هذا أسلوب معروف من أساليب المغالطة.

ب- الجواب عليه ورده واضح في هذه النصوص المنقولة عنهم.

ج- نحن هنا أمام نصوص محددة نناقشها، وموضوع معين ندرسه.

6- بما أن سيف التأويل (السحري) مسلط على رقاب النصوص (من قرآن وحديث)، إذن فلا مخالفة بين الشريعة والكشف! (هذا ما يقرره الحجة)!

- هنا نتقدم -بخشوع صوفي- لنسأل (الإمام، حجة الإسلام، ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام!) لنسأله: ما معنى قوله سبحانه: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) [النساء:59]؟

- وهل يا إمام عبارة ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ))، تعني: ردوه إلى الكشف!

- جوابنا لهذا الِإمام ولأتباع هذا الإمام، هو: أِن من يؤمن أن محمداً رسول الله، يقول: إذا خالف القرآن الكشف، ندوس الكشف تحت أقدامنا، ونتبع القرآن الكريم، هذا هو سبيل المسلم.

ويقول أيضاً:

...علم المكاشفة -وهو علم الباطن- وذلك غاية العلوم، فقد قال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة، وأدنى نصيب منه التصديق به والتسليم لأهله...وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئاً...وهو علم الصديقين والمقربين (أعني: علم المكاشفة) فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة([61])، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها، فيتوهم لها معانٍ مجملة، غير متضحة، فيتضح إِذ ذاك، حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه، وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله، وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة، ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان، ومعنى لفظ الملائكة والشياطين، وكيفية معاداة الشياطين للِإنسان، وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وكيفية وصول الوحي إِليهم، والمعرفة بملكوت السماوات والأرض، ومعرفة القلب، وكيف تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه، ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان، ومعرفة الآخرة والجنة والنار، وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب، ومعنى قوله تعالى: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)) [الإسراء:14]. ومعنى لقاء الله عز وجل، والنظر إِلى وجهه الكريم، ومعنى القرب منه والنزول في جواره...إِذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بها مقامات شتى، فبعضهم يرى أن جميع ذلك أمثلة.. وبعضهم يدعي أموراً عظيمة في المعرفة بالله عز وجل...فنعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور إيضاحاً يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه، وهذا ممكن في جوهر الإنسان لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا، وإنما نعني بعلم طريق الآخرة العلم بكيفية تصقيل هذه المرآة عن هذه الخبائث التي هي الحجاب عن الله سبحانه وتعالى وعن معرفة صفاته وأفعاله.. ولا سبيل إليه إلا بالرياضة التي يأتي تفصيلها([62])...

* الملحوظات:

أ- علم المكاشفة هو علم الباطن، وهو غاية العلوم.

ب- يجب التصديق به والتسليم لأهله.

ج- هو علم الصديقين والمقربين:

وعلينا أن نلاحظ ما في الفقرتين (ب، ج) من إيحاء براق وجذاب! كما علينا أن ننتبه إلى تزكيتهم أنفسهم (صديقون ومقربون) بالرغم من الآيات الكريمة: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49-50] و((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32] و((وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)) [الأحقاف:9].

د- يلقي الغزالي هنا بصيص نور على السر الذي يكتمونه (نور يظهر في القلب، تتضح به المعرفة بذات الله وبصفاته التامات، حتى أن (بعضهم يدعي أموراً عظيمة)، وتتضح أيضاً معرفة معنى النظر إلى وجهه الكريم)...

وعلينا أن ننتبه بشكل خاص إلى قوله: (المعرفة بذات الله)، وهي بقية العبارات جزء يسير من السر سمح لنفسه أن يسطره في هذه الفقرات، فهذا الخيط إذا أمسكناه فسنصل إِلى السر.

هـ- تسميته للحجاب عن الله سبحانه بـ(قاذورات الدنيا والخبائث)، ومر معنا في نص سابق تسميته له بـ(الصفات المذمومة)، وعرفنا من قول أبي حيان التوحيدي، أن هذه إِشارات ورموز يعنون بها (الفرق الأول) وسنعرف فيما بعد ما هو (الفرق الأول).

ويقول: ...وعبر ابن عباس رضي الله عنهما عن اختصاص الراسخين في العلم بعلوم لا تحتملها أفهام الخلق، حيث قرأ قوله تعالى: ((يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)) [الطلاق:12]، فقال: لو ذكرت ما أعرفه من معنى هذه الآية لرجمتموني، وفي لفظ آخر: لقلتم: إِنه كافر([63]).

- وطبعاً ابن عباس بريء من هذه الضلالات والهذيانات.

ويقول أَيضاً:

...فاعلم أَن هذا قرع باب من المعارف، وهي أعلى من علوم المعاملة، ولكنا نشير منها إِلى ملامح، ونقول: هاهنا نظران: نظر بعين التوحيد المحض، وهذا النظر يعرفك قطعاً أنه الشاكر وأَنه المشكور، وأنه المحب وأَنه المحبوب، وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره، وأن كل شيء هالك إِلا وجهه، وأن ذلك صدق في كل حال أزلاً وأبداً؛ لأن الغير هو الذي يتصور أن يكون له بنفسه قوام، ومثل هذا الغير لا وجود له، بل هو محال أن يوجد، إِذ الموجود المحقق هو القائم بنفسه، وما ليس له بنفسه قوام، فليس له بنفسه وجود، بل هو قائم بغيره، فهو موجود بغيره، فإِن اعتبر ذاته ولم يلتفت إِلى غيره لم يكن له وجود ألبتة، وإنما الموجود هو القائم بنفسه، والقائم بنفسه هو الذي لو قدر عدم غيره بقي موجوداً، فإِن كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره، فهو قيوم، ولا قيوم إِلا واحد، ولا يتصور أن يكون غير ذلك.. فإِذا ليس في الوجود غير الحي القيوم، وهو الواحد الصمد، فإِذا نظرت من هذا المقام، عرفت أن الكل منه مصدره، وإليه مرجعه، فهو الشاكر وهو المشكور، وهو المحب وهو المحبوب([64])...

* ما يجب أَن نلاحظه:

أ- في هذا النص كشف الغزالي حجاباً آخر عن السر المصون، ومع ذلك فهو يشير إِلى ملامح منه، وقد سمى السر هنا (التوحيد المحض) (وهذا النظر بعين التوحيد المحض يعرفك أنه الشاكر وأنه المشكور، وأنه المحب وأنه المحبوب بل وأنه ليس في الوجود غيره)، (وأخيراً صرح بالسر المصون، فغدا السر غير مصون)، ومع هذا التصريح فقد لا يكون القارىء قد عرف هذا السر بعد.

ب- بعد التصريح بالسر (ليس في الوجود غيره)، هذا التصريح الذي قد يجرد عليه السيوف، بدأ الغزالي يلوك بأُسلوب علم الكلام، ليبعد به شبح ما بعد التكفير، ثم يعي ليقرر من جديد: (فإِذاً ليس في الوجود غير الحي القيوم...الكل منه مصدره، وإِليه مرجعه..).

- وهكذا نكون الآن قاب قوسين أَو أَدنى من معرفة نور اليقين.

ويقول: ...الفريق الثاني ليس بهم عمى، ولكن بهم عور؛ لأنهم يبصرون بإِحدى العينين وجود الموجود الحق، فلا ينكرونه، والعين الأخرى إِن تم عماها لم يبصر بها فناء غير الموجود الحق، فأثبت موجوداً آخر مع الله تعالى، وهذا مشرك تحقيقاً...فإِن جاوز حد العمى إِلى العمش أدرك تفاوتاً بين الموجودين، فأَثبت عبداً وربًّا، فبهذا القدر من إِثبات التفاوت والنقص من الموجود الآخر دخل في حد التوحيد، ثم إِن كحل بصره بما يزيد في أنواره، فيقل عمشه، وبقدر ما يزيد في بصره يظهر له نقصان ما أَثبته سوى الله تعالى، فإِن بقي في سلوكه كذلك، فلا يزال يفضي به النقصان إِلى المحو، فينمحي عن رؤية ما سوى الله، فلا يرى إِلا اللّه، فيكون قد بلغ كمال التوحيد، وحيث ادرك نقصاً في وجود ما سوى اللّه تعالى دخل في أوائل التوحيد...وترجمته قول: (لا إِله إِلا الله)، ومعناه أن لا يرى إلا الواحد الحق، والواصلون إِلى كمال التوحيد هم الأقلون...إذ عبدة الأوثان ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر:3]، فكانوا داخلين في أوائل أَبواب التوحيد دخولاً ضعيفاً([65]).

* الملحوظات:

لا بأس الآن من إِضافة فقرة متممة للنص، أفردتها عنه لأن لها قيمة خاصة، يقول: (.. وفيهم من تنفتح بصيرته في بعض الأحوال، فتلوح له حقائق التوحيد، ولكن كالبرق الخاطف لا يثبت، وفيهم من يلوح له ذلك ويثبت زماناً ولكن لا يدوم، والدوام فيه عزيز).

- هذه صورة مما يحدث عندما يبلغ السالك إِلى ما يسمونه: (الفناء في الله أَو الجمع..)، ستفيدنا فيما بعد.

ويقول: ...فإِن قلت: كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحداً، وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة، وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً؟ فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات، وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب، فقد قال العارفون: إِفشاء سر الربوبية كفر، ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة، نعم ذكر ما يكسر سورة استعبادك ممكن، وهو أن الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهد والاعتبار، وهذا كما أن الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد، إذ نقول: إنه إنسان واحد، فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد، وكم من شخص يشاهد إنساناً ولا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه، وتفصيل روحه وجسده وأعضائه. والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق، وكأنه في عين الجمع، والملتفت إلى الكثرة في تفرقه، فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة، فهو باعتبار واحد من الاعتبارات واحدٌ، وباعتبارات أخر سواه كثيرٌ، وبعضها أشد كثرة من بعض، ومثاله الإنسان، وإن كان لا يطابق الغرض، ولكنه ينبه في الجملة على كيفية مصير الكثرة في حكم المشاهدة واحداً.

ويستبين بهذا الكلام ترك الإنكار والجحود لمقام لم تبلغه، وتؤمن به إيمان تصديق، فيكون لك من حيث إِنك مؤمن بهذا التوحيد نصيب، وإِن لم يكن ما آمنت به صفتك، كما أَنك إذا آمنت بالنبوة وإن لم تكن نبيًّا كان لك نصيب منه بقدر قوة إيمانك، وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إِلا الواحد الحق تارةً تدوم وتارةً تطرأ كالبرق الخاطف وهو الأكثر، والدوام نادر عزيز، وإِلى هذا أَشار الحسين بن منصور الحلاج حيث رأى الخواص يدور في الأسفار، فقال: في ماذا أَنت؟ فقال: أَدور في الأسفار لأصحح حالتي في التوكل، وقد كان من المتوكلين، فقال الحسين: قد أَفنيت عمرك في عمران باطنك، فأين الفناء في التوحيد؟ فكأن الخوّاص كان في تصحيح المقام الثالث في التوحيد، فطالبه بالمقام الرابع، فهذه مقامات الموحدين في التوحيد على سبيل الِإجمال...أَما الرابع فلا يجوز الخوض في بيانه، وليس التوكل أيضاً مبنيًّا عليه([66])...

* الملحوظات على النصين الأخيرين:

أ- في النص الأول، قوله: (فأَثبت موجوداً مع الله تعالى وهذا مشرك تحقيقاً)، يقرر فيه بأسلوب فيه رونق، أَن من يرى أَن هذه المخلوقات هي شيء غير الله تعالى فهو مشرك تحقيقاً.

- أي إنه -آخر الأمر- شرح لنا ما هو السر، ولكن بأسلوب فيه شيء من الزحلقة للقارىء.

- وفي النص الثاني يرد على شبهة من يقول: كيف لا يشاهد إلا واحداً مع وجود السماوات والأرض؟.. ويقرر أَن هذا هو علم الكشف، وبالتالي هو السر الذي لا يجوز أَن يسطر في كتاب.

- ومع ذلك فقد سطر ما يفشي هذا السر إلى غير أَهله! ثم يقدم مثلاً يعين على فهم هذا الأمر (أي: رؤية الواحد في الكثرة).

ب- قوله: (فلا يرى إلا الله، أَي: لا يرى في هذا الكون في كل ما يراه من المرئيات إِلا الله، فيكون قد بلغ كمال التوحيد.

- وفي النص الثاني، يوضح أَكثر فأَكثر، فيقول: (وكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات...فهو باعتبار واحد من الاعتبارات واحد..).

- إِذاً: فالخالق والمخلوق هما واحد، أو هما وحدة... وهكذا، وضح لنا السر أخيراً، إِنه (وحدة الوجود)، وما أدراك ما وحدة الوجود؟!

ج- في النص الأول يقرر أن عبدة الأوثان داخلون في أوائل التوحيد دخولاً ضعيفاً.

- فأسال: إِن لم يكن هذا هو الكفر والزندفة، فما هو الكفر والزندقة؟

- وأُنبه إِلى أن القارىء الكريم عندما يمتلك ناصية العبارة الصوفية سيعرف أن معنى جملة الغزالي هو أن عبدة الأوثان دخلوا في التوحيد عندما عبدوا الوثن (لأنه جزء من الله) وكان دخولهم ضعيفاً عندما قالوا: ((...لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) ؛ لأن هذا القول هو تفريق بين الخالق والمخلوق، وهو عكس التوحيد، ولو كانوا داخلين في التوحيد دخولاً كاملاً لقالوا- عن إِيمان وعقيدة-: إِنهم يعبدون الله بعبادتهم للصنم؛ لأنه جزء من الله.

د- أطلب من القارىء الكريم أن يقرأ النصين الأخيرين بتعمق ويكرر قراءتهما حتى يستوعبهما جيّداً، ففي هذا تسهيل كبير لفهم كل نصوصهم، وفهم سرهم.

وهذه نصوص إضافية لـ(حجة الإسلام) أوردها دون تعليق:

يقول: ...والرابعة أن لا يرى في الوجود إِلا واحداً، وهي مشاهدة الصديقين، وتسميه الصوفية الفناء في التوحيد؛ لأنه من حيث لا يرى إِلا واحداً، فلا يرى نفسه أيضاً، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً في التوحيد، كان فانياً عن نفسه في توحيده، بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق([67]).

ويقول: من هنا ترقى العارفون من حضيض المجاز إِلى يفاع الحقيقة، واستكملوا معراجهم، فرأوا بالمشاهدة العيانية أن ليس في الوجود إِلا الله تعالى، وأن ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) [القصص:88] لا أنه يصير هالكاً في وقت من الأوقات، بل هو هالك أزلاً وأبداً، ولا يتصور إلا كذلك...فإذن لا موجود إِلا الله تعالى ووجهه، فإذن كل شيء هالك إِلا وجهه أزلاً وأبداً...ولم يفهموا من معنى قوله: (الله أَكبر) أَنه أَكبر من غيره، حاشا لله، إِذ ليس في الوجود معه غيره حتى يكون أكبر منه([68])...

ويقول: العارفون بعد العروج إِلى سماء الحقيقة اتفقوا على أَنهم لم يروا في الوجود إِلا الواحد الحق([69])...

- وأختم هذه الجرعة الضئيلة من بحر أقوال الغزالي في هذا الموضوع بنتف من تائيته؛ يقول:

إِذا كان قد صح الخلاف فواجب             على كل ذي عقل لزوم التقية([70])

وهل أنا إِلا أنت ذاتاً ووحدة                   وهل أَنت إِلا نفسي عين هويتي

كأني لم أحجب بها وكأنما هي                احتجبت بي فازدهى الناس عشقتي

فدِِنْتُ بأمر حرمته شريعتي                    وأَحييتُ حكماً قد أَماتته سنتي([71])

تسترتُ جهدي في هواك وطاقتي              فلما مُنِعْتُ الصبر أَبديت صفحتي

فأعلنتُ ما أسررتَ فيّ فلم يكن               بقولٍ ولا فعلٍ سواك فضيحتي

وقد كان لي في الصبر ستر على الهوى                بهتكك ستر الصبر أَبديت عورتي([72])

يكِلُّ لساني عن صفاتي وإِنما                  يُعبر عني أَنني ذاتُ وحدة([73])

- لا بأس من التنبيه إِلى فكرة (لزوم التقية) في البيت الأول، حيث نعرف أَننا أَمام (فرقة باطنية) ترى لزوم التقية، وقد مر هذا، وهي ملحوظة هامة جدًّا جدًّا.

ويجب أَن أَعود فأنبه في أقوال الغزالي إلى ما يلي:

1- اعتبار الغزالي أَن كشفهم ومشاهدتهم هو الحق والحقيقة والصدق، وإليه يجب أَن يرجع في كل الأمور، حتى القرآن الكريم والسنة يجب أن يعرضا عليه ليحكم في صحتهما، فهذا إِن لم يكن كفراً وزندقة، فما هو الكفر والزندقة؟!

2- نفهم من هذا أَنه- وأَنهم- لا يرون القرآن حقًّا؛ لأنهم يؤولون منه ما خالف الكشف.

مع العلم أَن الِإيمان بالقرآن يقتضي نبذ كل ما يخالفه؛ لأنه كفر وزندقة، وهذا واضح.

3- علم المكاشفة عنده هو علم الصديقين والمقربين!! فأين ذهب القرآن وصحيح السنة؟!

4- ليس في الوجود غير الله، وكما يعلم كل من في بصيرته ذرة من عقل أو إيمان أن الكون موجود أوجده الله، ولكن عند الغزالي -وعندهم- الكون هو الله، (ما الكون إِلا القيوم الحي) وهي وحدة الوجود.

5- يقرر (حجة الإسلام) أن من يثبت موجوداً آخر مع الله، أي: (من يقول: إِن المخلوقات هي غير الله) هو مشرك تحقيقاً!!

- سبحان الله! ما هو هذا الكشف القريب العجيب!!! إِننا نقرأ في كتاب الله مثلاً: ((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)) [البقرة:173]، وواضح حتى للأغبياء أن عبارة (غير الله) تعني: الأوثان والقبور والأولياء وغيرهم، وكل هؤلاء مخلوقات. إِذاً: فالقرآن يقرر بوضوح كامل أن المخلوق غير الخالق، فنسأل (الحجة)، وأتباع الحجة، والمخدوعين بالحجة: هل القرآن شرك؟ أم الذين يخالفون القرآن هم المشركون؟ والضالون المضلون؟ والزنادقة الكفرة المارقون؟

6- كلمة (التوحيد) يعني - ويعنون - بها (وحدة الوجود) وحيثما وردت في كلامهم فهذا هو معناها.

7- يقرر أن عابد الأصنام داخل في أوائل التوحيد.

8- تقريره أن وحدة الوجود هي مشاهدة الصديقين (والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي مشاهدة الصديقين)!!

9- تقريره لزوم التقية! فلِمَ؟؟ وعلامَ؟؟ وفيم؟؟

10- حكم وحدة الوجود في القرآن الكريم سنراه فيما يأتي.

11- هذه الأقوال للغزالي، وهي جزء صغير جدًّا من فيضه، هي من كتابه المشهور، بل المقدس، والمسمى (إِحياء علوم الدين)، كلها عنه إلا نصين، ومع ذلك فيسمى صاحبه (حجة الإسلام) ويتخذ الكتاب مرجعاً رئيسياً عند غالبية المسلمين؟! فإنا لله وإنا إِليه راجعون.

12- للغزالي كتب كثيرة يذكر فيها العلم (المضنون به على غير أهله) لم أتطرق إليها؟ لأن كتاب الِإحياء فيه الكفاية والشهرة، وهو ثقة عند القوم، وعند غير القوم.

13- أنبه بشكل خاص إلى قوله في تائيته: (فدنت بأمر حرمته شريعتي وأحييت حكماً قد أماتته سنتي)، الذي نفهم منها أنهم يعرفون تماماً أن الصوفية تناقض الإسلام، كما يعترف بالشطر الثاني أن الِإسلام أماتها، فجاء هو وأحياها؟! كما يُفهم من هذا الكلام أنها كانت موجودة قبل الِإسلام.

- وننتقل إِلى غيره، لنعود إِلى التواصي بالكتمان، ونرى صوراً من العبارة التي يستعملونها:

يقول عبد القادر الجيلاني([74]) (قطب الأولياء الكرام):

...هم (أي: الواصلون) أبداً في سرادق القرب، فإِذا جاءتْ نوبة الحكم كانوا في صحن الحكم، إِذا جاءت نوبة الخروج كانوا على الباب يأخذون القصص من الخلق يصيرون وسائط بينهم وبين الحق عز وجل، هذه أحوالهم، ولكن من الحال ما يكتم([75]).

* ما يجب الانتباه إليه:

1- الواصلون (في سرادق القرب): واضح أنه القرب من الله، و(كانوا في صحن الحكم): واضح أنه الحكم في الكون، أو التصرف! وهذا هو مقام الغوثية وهو- كما يعرف كل من قرأ القرآن وفهمه- أنه (أي: القول بالتصرف) من الشرك الأعظم؛ لأنه سبحانه يقول: ((..وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) [الكهف:26].

2- في نوبة الخروج يكونون على الباب وسائط بين الخلق والحق، وهذا أسلوب آخر في التعبير عن مقام (الفرق الثاني) أترك تحليله للقارىء.

3- مع ما في قوله من الشرك العظيم، فهو يقول: (ولكن من الحال ما يكتم)، فما هو هذا الحال الذي يكتم؟! وهل هناك ما هو أعظم من الشرك (كانوا في صحن الحكم)؟!

- في الواقع نحن الآن نعرف الجواب ومع ذلك نكرر السؤال! ما هو؟

- كما يحق لنا -منذ الآن- أن نعرف أن سيف التأويل صقيل صقيل، طويل طويل، لفاف دوار!

ويقول أيضاً (سلطان الأولياء):

...فهكذا العارف، الخلق جميعهم كالأولاد، يخاطب الخلق بلسان الحكم، ثم يرحمهم لاطلاعهم على العلم، فيرى أفعال الحق عز وجل فيهم، ينظر إِلى خروج الأقضية والأقدار من باب الحكم والعلم، ولكنه يكتم ذلك ويخاطب الخلق بالحكم الذي هو الأمر والنهي، ولا يخاطبهم بالعلم الذي هو السر([76]).

ويقول: ...حتى إِذا رأيت موارد الحق إِلى قلبك، غمض عينيك وأخبت، لا تفش إِلى الغير سره، وارد الحق يأتي قلوبهم، على اختلاف أحوالهم ومقاماتهم تتغير ظواهرهم لتغير بواطنهم، ويحتاج المريد المطلع على أسرارهم أن يكون أعمى أصم سكران، حتى إِذا ظهرت نجابته عنده، وتحقق أدبه، يكتم سره، لعله يكسو قلبه ببعض ثيابه، يدعو الله بظاهره([77]).

- نكرر السؤال رغم معرفة الجواب: ماهو السر الذي يكتمه؟؟

ويقول: ...ليس الخبر كالمعاينة، فحينئذٍ تكون من أمرك على بيضاء نقية لاغبار عليها ولا تلبيس ولاتخليط ولا شك ولا ارتياب، فالصبر الصبر، والرضا الرضا، حفظ الحال حفظ الحال، الخمول الخمول، الخمود الخمود، السكوت السكوت، الصموت الصموت، الحذر الحذر، النجا النجا، الوحا الوحا، الله الله ثم الله، الإطراق الإطراق، الإغماض الإغماض، الحياء الحياء، إلى أن يبلغ الكتاب أجله، فيؤخذ بيدك، فتقدم وينزع عنك ما عليك، ثم تغوص في بحار الفضائل والمنن والرحمة، ثم تخرج منها فتخلع عليك خلع الأنوار والأسرار والعلوم والغرائب اللدنية، ثم تقرب وتحدث فيه بإعلام وإلهام وتكلم وتعطي([78])...

* ملحوظة: نحن -مع عبد القادر الجيلاني- أمام القمة في الأسلوب الإشاري الرمزي.

ففي هذا النص الأخير مثلاً، يريد أن يقول: الكشف هو الحقيقة التي لا شك فيها، ويحتاج إلى الصبر على المجاهدة مع الرضا وحفظ السر، حتى إذا وصل السالك تخلع عليه الأنوار ويعطى العلوم اللدنية، ويرى أشياء كثيرة ويسمع.

وللقارئ أن يحلل النص بنفسه.

ومما ينسب إليه (وهي في الحقيقة لابن عربي):

أنا القرآن والسبعُ المثاني             وروحُ الروحِ لا روح الأواني

وغُصْ في بحر ذات الذات تنظرْ              معاني ما تبدّتْ للعيانِ

وأسراري قراءةٌ مبهماتٍ               مسترةٌ بأرواح المعــاني

فمن فهِمَ الإشارةَ فلْيَصُنْها            وإلا سوف يُقتل بالسّنان

كحلاج المحبة إذا تبدَّت            له شمسُ الحقيقة بالتّداني

وقال أنا هو الحقُّ الذي لا                    يُغير ذاتَه مرُّ الزمان([79])

- ما أنبه إِليه هو قوله: (كحلاج المحبة) الذي يدل على أن قائل القصيدة يؤمن بعقيدة الحلاج، وكذلك أهل الطريقة القادرية؛ لأنهم يتبنون هذه القصيدة، وكذلك توضيحه لسبب الكتمان (وإلا سوف يقتل بالسنان).

ويقول أحمد الرفاعي الغوث([80]):

...أي علي! كل القوم شربوها فحكمت عليهم، فعربدوا وباحوا، وخالك شربها فحكم عليها، فكتم حبه، وأخفى وجده، فظهر بكتمانه على أقرانه، وارتفع بكتمان حُبه عند حبه على صحبه. أي: علي! عليك بكتمان الأسرار، تنال الفخار([81]).

- يريد بقوله: (شربوها)، أي: شربوا الخمرة الإلهية، وهي إِشارة إِلى التحقق بالألوهية وما يصاحبه من لذة.

ويقول: أي سادة! من أراد أن يتكلم بلسان أهل المعرفة، فينبغي أن يحفظ أدب كلامه، فلا يكشف وثائقه إلا عند أهله، وأن لا يحفل المريد فوق طاقته، ولا يمنع كلامه من كان من أهله، ويكون كلامه مع أهل المعرفة بلسان المعرفة، ومع أهل الصفاء بلسان المحبة، ومع أهل الزهد بلسانهم، ومع كل صنف على قدر مراتبهم ومنازلهم وقدر عقولهم، فإن الله تعالى جعل للعارف هذه الألسن، نعم كلها تتلاشى عند ظهور سلطان الحق، وينبغي ألا يتحدث بحديث لا يبلغ عقل المستمع إِليه، فيكون ذلك فتنة، فإِن أكثر الناس جاهلون، اشتغلوا بعلوم الظواهر، وتركوا علم تصحيح الضمائر، فلا يحتملون دقائق كلام العارفين؛ لأن كلماتهم لاهوتية، وإشاراتهم قدسية، وعباراتهم أزلية...وأي دهشة أشد من دهشة العارف، إِن تكلم عن حاله هلك، وإن سكت احترق([82])...

- أقول: الكلام واضح جدًّا، لا يحتاج إِلى شرح (الكتمان عن غير أهله، والبوح به لأهله.. مع وصف إِشاري للسر).

ويقول:

ومستخبر عن سر ليلى تركتُه                   بعمياءَ من ليلى بغير يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينُها             وما أنا إِن أخبرتهُم بأمينِ([83])

- نلاحظ أنه يشير إِلى ما يكتمه بالاسم المؤنث (ليلى).

ويقول:

ولما شربناها ودبّ دبيبُها             إِلى معدنِ الأسرارِ قلت لها قفي

مخافةً أن يسطو عليَّ مدامها                  فتظهرَ جُلاسي على سريَ الخفي([84])

- إِذن هناك سر خفي يكتمه، ويتحدث بكتمانه تعليماً لمريديه، ويرمز بالمدامة التي شربها إِلى الجذبة ولذتها.

ويقول:

يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتُه                 عن النديم ولا يلهيو عن الكاسِ

أطاعهُ سكرُه حتى تمكَّنَ من                   حال الصّحاة وهذا أعظمُ الناس([85])

ونعرف طبعاً أن السكر هو مقام الفناء، أو هو لذة الشعور بالألوهية.

ويقول: ...فإِذا أتقن السالك معرفة هذه الآداب اللازمة المطلوبة منه في حق مرشده علماً وعملاً، فحينئذ يلزم عليه أن يدخل باب القوم -رضي الله عنهم- بفناء النفس والِإعراض عن الدنيا بالكلية، والِإعراض عن الخلق-.. وعدم التفاخر وترك الدعوى وستر الأحوال وكتمان الأسرار([86])...

وطبعاً، نعرف الآن ماذا يعني بقوله: (بفناء النفس والأعراض عن الدنيا...).

ويقول: ...أعلم أن المدَّاح الذي يمدح بمجلس الفقراء بغير طمع...يكون له من الفقر سبعة قراريط، بشرط أن يكون مداحاً بالحقيقة...ولهذا الشرط في المعنى شروطاً: الأول: أن يكون فقير اً...السادس: أن يكون أمين الخزائن السرية، أي: أميناً على الأسرار فلا يكون مبيحاً بالسر([87]).

- ولا أظننا -منذُ الآن- بحاجة للتعليق على النصوص، فقد أصبحت واضحة المعاني لمن درس النصوص السابقة بإِمعان.

- ويقول أبو مدين المغربي([88]) (الغوث):

وفي السر أسرار دِقاق لطيفةٌ                   تُراقُ دِمانا جَهْرة لو بها بُحنا([89])

ويورد عبد الحليم محمود (الدكتور، شيخ الجامع الأزهر)([90]):

قيل له: (أي: لأبي مدين) مرة في المنام: حقيقة سرك في توحيدك؟

فقال: سري مسرور بأسرار تستمد من البحار الإلهية التي لا ينبغي بثها لغير أهلها، إِذ الِإشارة تعجز عن وصفها، وأبت الغيرة الِإلهية إِلا أن تسترها، وهي أسرار محيطة بالوجود لا يدركها إِلا من كان وطنه مفقوداً، وكان في عالم الحقيقة بسره موجوداً، يتقلب في الحياة الأبدية، وهو بسره طائر في فضاء الملكوت، وشرح في سرادقات الجبروت، وقد تخلق بالأسماء والصفات، وفني عنها بمشاهدة الذات...وكشف لي عن مكنون التحقيق، فحياتي قائمة بالوحدانية، وإشاراتي إِلى الفردانية([91])...

- يلاحظ هنا أن الكلام منامي! رؤيا رآها أحدهم!! ولكن نحن ماذا علينا؟ فقد رواه في كتابه الشيخ الأكبر شيخ الجامع الأزهر!! كما يجب أن ننتبه إلى عبارة: (وإشاراتي إلى الفردانية).

ويورد أيضاً أن ابن عربي يقول:

شيخنا أَبو مدين، من الثمانية عشرنفساً الظاهرين بأمر الله عن أمر الله، لا يرون سوى الله في الأكوان([92]).

ويورد أيضاً ما يلي (على لسان ابن عربي أيضاً):

ذهبت (المتكلم هو ابن عربي) أنا وبعض الأبدال إِلى جبل قاف، فمررنا بالحية المحدقة به، فقال لي البدل: سلم عليها فإِنها سترد عليك السلام، فسلمنا عليها فردت، ثم قالت: من أي البلاد؟

فقلنا: من بجاية([93]).

فقالت: ما حال أبي مدين مع أهلها؟

فقلنا لها: يرمونه بالزندقة.

فقالت: عجباً والله لبني آدم([94])!

- ويقول عمر بن الفارض([95]):

فلاحٍ وواشٍ ذاك يُهدي لعزةٍ                 ضلالًا وذا بي ظل يَهذي لِغرةِ

أخالف ذا في لومه عن تقىً                  كما أخالف ذا في لؤمه عن تقية([96])

- يجب أن ننتبه في البيت الثاني إِلى فكرة (التقية) ومع من يستعملها؟

ويقول:

ولي في الهوى علم تجل صفاته             ومن لم يفقَهْ الهوى فهو في جهل

ومن لم يكن في عزة النفس تائهاً            بحبِّ الذي يهوى فبَشِّرْهُ بالذُّلّ

إذا جادَ أقوامٌ بمال رأيتهم                    يجودون بالأرواح منهم بلا بخل

وإن أودِعوا سراً رأيت صدورهم             قبوراً لأسرار تُنزه عن نقل([97])

ويقول:

وثَم أمورٌ تمّ لي كشفُ سرْها                بصحو مفيقٍ عن سواي تغطّتِ

وعنيَ بالتلويح يفهم ذائقٌ                    غنيٌّ عن التصريحِ للمتعنت

بها لم يبح من لم يُبح دمه                   وفي الإشارة معنى ما العبارة حدت([98])

- ما يجب أن ننتبه إليه في أقوال ابن الفارض هنا، هو كلمة (الهوى) في قوله: ولي في الهوى علم تجل صفاته...وإلى ماذا تشير؟

إِن تحليلاً لهذه العبارة (الإشارية) يقدم مساعدة جديدة في فهم إِشاراتهم ورموزهم، نحن نعلم أن الهوى أو العشق -كائناً ما كان- ليس فيه علم ولا فقه، فما هو هذا الهوى الذي يعلِّم ويفقّه؟!

من البدهي أنه يعني بالهوى هنا، هوى الذات الإلهية، ونريد أن نقفز فوق فصول الكتاب، لنوضح هذه الِإشارة، رغم أن مكان التوضيح هو في ما يأتي من الفصول.

في الحقيقة والواقع أن هذا الهوى هو هوىً لتلك اللذة العارمة التي يذوقونها في (الجلوة) أو (الجذبة)، ففي الجذبة يغدون في حالة لا يرون فيها الأجسام كما هي، فقد يرونها أشباحاً شاحبة يتخللها نور قد يكون باهتاً وقد يكون قوًّيا طاغياً، وقد تضمحل هذه الأشباح والرؤى فلا يرى أَمامه إِلا أبعاداً شفافة، وقد يرى مناظر مختلفة، وقد يرى نفسه شفافاً مندمجاً في وجود شفاف، ويفسر هذا حسب الِإيحاءات الشيخية أنه فناءً في الله (جل وعلا) وما شابه ذلك.

وهم يظنون أَن هذا النور الذي يشاهدونه في كل شيء، وفي ذواتهم، هو الله ((سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))، والحق أن هذه الحالة تشبه بدقة حالة التحشيش والأفينة! وفي هذه المشاهدة قد يسمعون كلاماً، أو يرون أشياء، يظنونها علماً، وهو ما يسمونه (العلم اللدني) وسنرى فيما بعد أمثلة من هذا العلم (اللدني).

إِن الهوى أَو العشق، للخمرة الِإلهية -كما يسمونها- هو الذي يدفعهم إِلى الرياضة والمجاهدة من أَجل (الوصول إِلى الجذبة)، ويسمون ذلك (الوصول إِلى الله، أَو العروج إِلى الله) حيث يتلقون العلم اللدني.

- إِذن: فهذا الهوى هو الذي قادهم إِلى الجذبة فالعلم، ومن هنا كانت إِشارة ابن الفارض.

فهو يرمز بكلمة (الهرى) إِلى ما يقود إِليه الهوىَ، وهو الجذبة، أَو الفناء في الله (بل الصحيح هو اللذة التي يجدونها والتي تستغرقهم حتى الإمناء).

ويقول السّهروردي المقتول([99]):

بالسرّ إن باحوا تباح دماؤهم                 وكذا دماء البائحين تباح([100])

ويقول شهاب الدين السهروردي البغدادي([101]):

.. فصار لهم بمقتضى ذلك علوم يعرفونها وإشارات يتعاهدونها، فحرروا لنفوسهم اصطلاحات تشير إلى معانٍ يعرفونها وتعرب عن أحوال يجدونها، فأخذ ذلك الخلف عن السلف، حتى صار ذلك رسماً مستمراً وخبراً مستقراً في كل عصر وزمان([102]).

ويقول:.. وربما يتراءى له أنه بالله يصول وبالله يقول وبالله يتحرك، فقد ابتلى بنهضة النفس ووثوبها، ولا يقع هذا الاشتباه إلا لأرباب القلوب وأرباب الأحوال، وغير أرباب القلب والحال عن هذا بمعزل، وهذه مزلة قدم مختصة بالخواص دون العوام فاعلم ذلك([103]).

* ملحوظة:

- الأسلوب الِإشاري في القمة، يشبه أسلوب عبد القادر الجيلاني، أو يفوقه، ولا غرو فقد تخرج في مدرسته، انظر إِلى قوله: (بالله يصول، وبالله يقول، وبالله يتحرك) حيث يمكن تفسيره بتفسير ظاهر لا غبار عليه، وآخر باطن هو ما يريده ويرمز إِليه، ومن السهل معرفته بشيء من التامل، كما يمكن التعرف أيضاً بشيء من التامل إِلى ماذا ترمز العبارة: (ابتلي بنهضة النفس ووثوبها) والجملة: (وهذه مزلة قدم مختصة بالخواص..)، توضح الإشارة، وتشرح العبارة، وتحل الرمز.

ويقول محيي الدين بن عربي([104]):

وهذا الفن من الكشف والعلم يجب ستره عن أكثر الخلق لما فيه من العلو، فغوره بعيد، والتلف فيه قريب، فإن من لا معرفة له بالحقائق ولا بامتداد الرقائق، ويقف على هذا المشهد من لسان صاحبه المتحقق به، وهو لم يذقه، ربما قال: أنا من أهوى ومن أهوى أنا، فلهذا نستره ونكتمه.

وقد كان الحسن البصري -رحمه الله- إِذا أراد أن يتكلم في مثل هذه الأسرار التي لا ينبغي لمن ليس من طريقها أن يقف عليها، دعا بفرقد السبخي ومالك بن دينار ومن حضر من أهل هذا الذوق، وأغلق بابه دون الناس، وقعد يتحدث معهم في مثل هذا الفن، فلولا وجوب كتمه ما فعل هذا([105]) !..

ويقول: فالساترون لهذه الأسرار في ألفاظ اصطلحوا عليها غيرة من الأجانب، والقائلون بوجود الآثار بالهمم لا يزالون مقيمين على مناهجهم حتى يلوح لهم أعلام بأيدي الروحانيات العلى، القائمين بالمرتبة الزلفى من مقام الفهوانية، فيها كتب مرقومة مقدسة، تقوم لهم شواهد على تحقيق ما هم عليه وتعظيم الانتقال عن هذا الوصف إِلى وصف آخر ميزها، فينهتك ستر الساتر، فيكشف ما سُتر ويفك معماه، ويحل قفله، ويفتح مغالقه، ويتحد همم ذلك الآخر بمطالعة الحقيقة الأحدية، فلا يرى إِلا همًّا واحداً لا غير، عنه تكون الآثار على الحقيقة، فتارةً تكون عنه تحويراً، وتارة تكون عنه عند تكون هذه الهمم عنه([106]).

الفهوانية: خطاب الحق بطريق المكافحة في عالم المثال([107]).

- رجعنا إِلى تفسير الألغاز بالألغاز!! ولكن سنعرف معناها بالضبط فيما يأتي.

* ما يجب ملاحظته:

في النص الأول يقدم سببين للستر:

أ- علو هذا الفن، وبعد غوره، وأظن الِإشارة فيه مفهومة.

2- التلف (أي: الموت أو القتل) القريب لمن لا يستر.

والعبارة (امتداد الرقائق) فيها بعض الوضوح لمن قرأ النصوص السابقة، وفي نص لاحق في هذا الكتاب سيرى القارىء كلمة (رقيقة) بمعناها الواضح تماماً.

وفي النص الثاني، قوله: (بوجود الآثار بالهمم) يعني الهمم على المجاهدات والرياضات، وآثارها مشروحة فيما سبق.

كما أن لها معنى آخر، فالآثار، أو سرائر الآثار: يعنون بها الأسماء الِإلهية([108])، ومنها نعرف معنى الآثار. والهمم: الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ورد هذا التفسير في كتاب (معالم الطريق إِلى الله) في فصل (معجم مصطلحات الصوفية). مع الملحوظةأنها وردت في (باب الميم) بعد كلمة (مالك الملك) وقبل (المناصفة)، ومع العلم أن محلّها يجب أن يكون (باب الهاء). والمعنيان مدلولهما واحد.

وهناك العبارة: (.. بمطالعة الحقيقة الأحدية، فلا يرى إِلا همًّا واحداً لا غير، عنه تكون الآثار على الحقيقة...). وما أظن إِلا أن القارىء أصبح الآن يدرك معناها بسهولة، أوْلاً، ففي النصوص المقبلة المعين اللازم الكافي.

ويقول: أما تهمته في دينه، فهو أن يكون من أهل الكشف والوجود، فيلحق بأهل السحر والزندقة، وربما يكفر، فهو يتكلم على الأسرار التي أودعها الله في موجوداته وجعلها أمناء عليها، والناس ينسبونه إِلى أنه يقول بنسبة الأفعال إِليها، فيكفرونه بذلك([109]).

- الوجود: وجدان الحق ذاته بذاته، ولهذا تسمى حضرة الجمع حضرة الوجود([110]).

أو: وجدان أحق في الوجد([111]).

- ألغاز تفسر بألغاز، ولكن ابن سبعين يوضح فيقول: ومن اسمه (الوجود) كيف يخصص بأسماء([112])؟

ويقول: ...وكنت أريد أن أذكر الخلوة وشروطها وما يتجلى فيها على الترتيب، شيئاً بعد شيء، لكن منعني من ذلك الوقت، وأعني بالوقت علماء السوء الذين أنكروا ما جهلوا، وقيدهم التعصب وحب الظهور والرياسة عن الإذعان للحق، والتسليم له إن لم يكن الإيمان([113]).

* ما يلاحظ:

1- الخلوة.. وما يتجلى فيها، هو ما يجب كتمانه: (ونعرف الآن ما الذي يتجلى فيها).

2- تسميته علماء الشريعة بـ (علماء السوء)؟!

3- أسلوبه في مهاجمة الشريعة والدعاية للتصوف.

ويقول: إشارة- لا راحة مع الخلق- فارجع إلى الحق، فهو أولى بك، إن عاشرتهم على ما هم عليه بعدت عن الحق، وإن عاشرتهم على ما أنت عليه قتلوك، فالستر أولى، وأيسر أن تكون كائناً بائناً([114]).

الملحوظةالهامة جدًّا: (إِن عاشرتهم على ما هم عليه بعدت من الحق)!! فما هو هذا الذي هم عليه والذي يبعده من الحق؟! إِنه الشريعة الِإسلامية بلا ريب! ويقول: ...وامتطيت متون الرفارف، وطرت في جو المعارف.

فعايَنْتُ من علمِ الغيوب عَجائباً             تُصانُ عن التذكار في رأيِ من وعى

ومن واصلٍ سرّ الحقيقَةِ صامتٍ              ولو نطقَ المسكينُ عجَّزه الـورى

ومن كاتمٍ للسر يُظهِر ضدَّه                  عليه لطلابِ المشاهد للبقا([115])

- لننتبه إِلى قوله: (يظهر ضده).

ويقول:

وغُصْ في بحر ذات الذات  تبصر                   عجائبَ ما تبدَّتْ للعيانِ

وأشواراً تراءت مبهماتٍ             مسترة بأرواح المعاني

فمَنْ فهِمَ الإشارةَ فلْيَصُنْها                   وإلا سوف يُقتل بالسِّنان

كحلاج المحبة إِذ تبدَّت                    له شمسُ الحقيقة بالتَّداني

فقال: أنا هو الحقُ الذي لا                 يُغير ذاتَه مرُّ الزمان([116])

- مرت معنا هذه الأبيات قبل صفحات على أنها لعبد القادر الجيلاني، وأوردها ها هنا على أَنها لمحيي الدين بن عربي! وهي له في الحقيقة.

وللقارئ أن يتساءل: إِذن لماذا أوردتها باسم الجيلاني ما دامت في حقيقتها لابن عربي؟!

الجواب: إِن جميع السالكين والواصلين والعارفين والكمل من أصحاب الطريقة الجيلانية، يقرءونها في كتبهم وفي خلواتهم ومناجاتهم، يتقربون بها إِلى الله، على أنها من قول شيخهم الجيلاني، ولا بد أن العارفين الكمل عرفوا ذلك- إِخباراً أو إِقراراً- عن طريق الكشف الذي هو (نور اليقين وحق اليقين وعين اليقين)؟

لذلك، وتأدباً مع الكشف والكاشفين والعارفين، ولئلا أتهم هؤلاء الأشياخ الكمل، فقد أوردتها هناك على أنها للجيلاني.

والتزاماً بالبحث العلمي، وبالحقيقة الحقيقة، أوردها هنا على أنها لابن عربي، لأنها له.

ويقول ابن عربي أيضاً:

...إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة؛ ومن غيرته حرم الفواحش، وليس الفحش إلا ما ظهر، وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له، فلما حرم الفواحش، أي: منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة، وهو أنت من الغير، فالغير يقول: السمع سمع زيد، والعارف يقول: السمع عين الحق([117])..

ويشرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني هذا القول، فيقول: «إلا أنه تعالى قد وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته حرم الفواحش، وليس الفحش إلا ما ظهراً مما يجب ستره، ومن جملته سر الربوبية، فقد قيل: إفشاؤه كفر، وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له» وهو الحق، ومن أظهره الله عليه، وذلك أن الحق هو الظاهر والباطن، «فلما حرم الفواحش: أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة» أي: ستر هذه الحقيقة بالتعينات المختلفة التي يطلق عليها اسم الغير، فحدث السوى والغير، حيث يقال: أنت غيري وأنا غيرك، فاعتبرها، وأوجب الغيرة من الغير، فلهذا قال: (وهو أنت) أي: إلى الغيرة أنت، يعني أنانيتك إِذا اعتبرتها، إذ لولم تعتبرها ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر([118])...نرى أن المتن مفهوم أكثر من الشرح، ونستطيع بكل ثقة واطمئنان أن نسمي الشروح الصوفية بـ(الشروح الباطنية)، أو (شروح المتاقاة)؛ لأن أكثرها من هذا النوع!

ولكن يهمنا أن نلاحظ أنه قد باح بالسر، حيث يقول: (حرم الفواحش، أي: منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء).

إِذن فالحقيقة هي أن الله هو الكون (جل الله وعلا) وهذا ما يُسمى (وحدة الوجود)، وهو السر الذي يجب ستره، والفحشاء المحرمة هي إِفشاؤه.

ويقول ابن هود([119]):

علمُ قومي بيَ جَهْلُ                 إن شأني لأجَلُّ

أنا عبدٌ أنا رب                      أنا عز أنا ذُل

أنا دنيا أنا أخرى           أنا بعضٌ أنا كُلُّ

أنا معشوقٌ لِذاتي                   لستُ عنه الدهر أسلو([120])

- ولا حاجة للتعليق فالكلام واضح.

ويقول أبو الحسن الشاذلي([121]):

ليكن الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً([122]).

- التصريح هنا جيد الوضوح، إِنه يقول: خاطب الناس بالفرق، واكتم الجمع في قلبك، والفرق والجمع معروفان، عرفناهما في نص سابق.

ويقول ابن سبعين([123]) مخاطباً أحد تلامذته:

...وشرطي عليك ألا يقف عليه (أي: على الكلام في الحقيقة الموجه في الرسالة إِلى التلميذ) إلا من هو من خواص خواص الخواص، وأن تكف عن السؤال فيه على أمر هو من الأمور التي ليست من جنس ما يكتسب، وهو من الغرابة بحيث لا يفهمه إِلا السعداء والأخيار، والكلام بما ليس من شأنه أَن يلفظ به خبر، وكأني بمن يقف عليه من الجهلة الخفافيش الذين تظلم الشمس والكواكب والأنوار الطبيعية وغير الطبيعية في أعينهم داخل الذهن وخارج الذهن([124]).

- العبارة (الجهلة الخفافيش...) استعملها قبله الغزالي في (إِحياء علوم الدين).

ويقول: (بد العارف): كتمانه بد سعادتك، وإفشاؤه فسادها([125]).

بد العارف: البد في اللغة هو الصنم. ويفسر أبو الوفاء التفتازاني (بد العارف) بـ(المعبود الذي يتوجه إليه العارف)([126]).

ويقول: وفي ذلك (أي: في التوحيد) يقول الحلاج رضي الله عنه: (أنا الحق) بمعنى لا آنية إلا واحدة، فإذا وقع الاتصاف ونطق بها، وقع في ذلك معنى متشابه عند العامة، وقتل القائل له، والذي حمله على ذلك محض الإفراد والإخلاص، حتى إن بعض الصوفية رضي الله عنهم أنشدوا له في ذلك.

بذكر الله تنفتحُ القلوب             وتتضحُ المعارفُ والغيوبُ

وترك الذكر أفضل كل شيء                 فإن الحق ليس لهُ مغيب

وهذه هي (الدقيقة) عند القوم تارة، وهي (الحقيقة) أخرى، والذي يتكلم بها على حقيقتها من حيث هي، يقطع رأسه في عالم الشهادة، ويقتل في عالم الكون([127]).

ويقول: أعلم أن الحروف خزانة الله، وفيها أسراره وأسماؤه وعلمه وأمره وصفاته وقدرته ومراده، فإذا اطلعت علي شيء منها، فأنت من خزانة الله، فلا تخبر أحداً بما فيها من المستودعات، فمن هتك الأسرار عذب بالنار([128]).

* ملحوظة: قوله: (الحروف خزانة الله، وفيها أسراره 000)، نرى مثل هذا الكلام تماماً في كتب السحر وأقوال علمائه!

ويقول أَبو العباس المرسي([129]):

قد يكون الولي مشحوناً بالعلوم والمعارف، والحقائق لديه مشهورة، حتى إِذا أُعطي العبارة، كان كالِإذن من الله تعالى في الكلام، ويجب أن نفهم أَن من أُذن له في التعبير، جلت في مسامع الخلق إِشاراته([130]).

وكان يقول أيضاً:

كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة، وكلام الذي لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار([131]).

- في كلامه هذا يبين- شأنه شأن غيره- أَن هناك أسلوباً معيناً يسميه (العبارة) - وقد رأينا هذا سابقاً- لا يجوز للولي أَن يتكلم إِن لم يتقن هذا الأسلوب.

وقد مر معنا صورٌ كثيرة منه، في قمتها أُسلوب الجيلاني ثم تلميذه السهروردي البغدادي (شهاب الدين) الذي سبق أستاذه.

وقال ابن عطاء الله السكندري([132]) من قصيدة:

فالله أَعنيه اسم الذات منفرداً فاعرفْ حقيقَته يا خير مؤتَمَنِ، وارفع به حُجباً واشفِ به عللاً، واكشِفْ به كرَباً عن كل ممتحنِ، وابذل له نفساً في كل موهنةٍ، واحفظ سرائرَه من كل مفتَتِنِ([133]).

ويقول عبد الله اليافعي (الغوث)([134]):

وروي أنه لما سعي بالصوفية إِلى بعض الخلفاء، أمر بضرب رقابهم، فأما الجنيد فتستر بالفقه، وكان يفتي على مذهب أبي ثور([135])...

- يفهمنا اليافعي في هذا النص أن الصوفية كان يحكم عليهم بالقتل على الزندقة، وأن الجنيد كان يتستر بالفقه.

ويقول:..وكشف لهم (أي: للواصلين) الغطاء، فانكشف لهم من العالم العلوي والسفلي ما أطلعهم عليه من علم الحال والماضي والمآل، فأخبروا بما جاز لهم كشفه من علم الغيوب، ونطقوا بما جاز النطق به مما في ضمائر القلوب...وعرفوا العلم الأعظم المقصود الأهم، وهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته علم مشاهدة وعيان، لا علم نظر واستدلال...وأودع قلوبهم أسراراً من كل مصونٍ لديهم مستور([136])...ويقول:

بها هام بعض في البراري وبعضهم             به وله ظنوا جنوناً فقيّدا

وبعض عن الأكوان بان وبعضهم              به جاوز الِإسكارُ حدًّا فعربدا

فسلَّ عليه الشرع سيفاً حمى به               حدوداً فرى الحلاجَ ماضٍ محدداً

فمات شهيداً عندكَم مِن مُحقق                ولَمْ عندهم يخرج عن القوم ملحداً([137])

ويقول لسان الدين بن الخطيب([138]):

...وثالثها خاصة الخاصة، ويختص به من علوم الشريعة علم الحد...وهو علم الِإلهام، والعلم اللدني، والموهبي، والِإلهي. ويحتوي على معانٍ لا يقدر أن يعبر عنها من أطلع عليها، إِنما هو استشراف واطلاع على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهو بحر لا يوصف بطول ولا عمق ولا عرض ولا نقطة ولا خط، إِنما هو ذوق تتلون لذاته في الطعمة الواحدة إِلى ما لا ينحصر عدده ولا ينتهي أمده، وهو علم النبوة...وهذا العلم هو الذي لا يجوز كشفه ولا إِذاعته ولا ادعاؤه، ومن كشفه وأذاعه وجب قتله واستحل دمه...وهو المراد بقوله تعالى: ((ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ))([139])[الملك:4]..

- كلام ابن الخطيب واضح، ونرى كيف يفسرون الآية الكريمة حسب التفسير الإشاري.

ويقول عبد الكريم الجيلي([140])، (وهو غوث أيضاً):

أنا الموجود والمعدوم               والمنفي والباقي

ولا تثبت وجوداً لي                 ولا تنفيه يا باقي

ولا تجعلك غيراً لي                 ولا عيناً لآماقي

وقل أنا ذا ولست بذا              بأوصافي وأخلاقي([141])

إِنه يقول: لا تثبث وجوداً لي (في نفسك باعتباري مخلوقاً)، ولا تنفيه (بلسانك).

وقوله: (يا باقي) أي: (يا من وصل إِلى مقام البقاء) ومثل هذا ما يريده في البيتين الآخرين.

ويقول:

رمزي الذي لي في الهوى                    أعيا قراءة كل كاتب

أظهرته بعبارة               دقت فلم تفهم لصائب

عرضته لوحته               صرحته بين الحبائب

فزويت عنه عينهم                   ورويت منه كل شارب

أبديته وكتمته               والله عن كل الحبائب

عذل العذول فعندما                ظهروا فشا بين الأجانب([142])

يقول: إِنه رمز إِلى السر ثم أظهره بعبارة دقيقة...ولكن عندما عذل العذول أظهره ففشا بين الأجانب، وعذل العذول هو سبب جديد لِإفشاء السر يُعرّفنا به.

ويقول:

واشرب من الثغر المدا               م فخمر فيها فيها

وأدر كئوسك راشداً                  رغم الذي يطويها

أبدت محاسنها سعا                   د فلا تكن مخفيها

ودع اغترارك بالسوى                  ليس السوى يدريها([143])

أظن أن القارىء أضحى الآن يعرف أنه يرمز بـ(سعاد) للذات الِإلهية، كما يرمز إِلى اللذة العارمة التي يشعر بها عندما يتحقق بالألوهية في خلوته، بـ(مدام الثغر، وخمر فيها، والكئوس، والمحاسن). كما أظن أن كلمة (السوى) أضحت مفهومة، أو سهلَاً فهمها.

والملحوظةهي أنه يدعو إِلى إِعلان السر وعدم إِخفائه (فلا تكن مخفيها) وإلى عدم الالتفات إِلى السوى (ودع اغترارك بالسوى) وهذا يعني أننا سنرى عنده كل التصريح بالسر، رغم استعماله الرموز في كثير من الأحيان. فنراه يقول مثلاً:

وما الخلق في التمثال إِلا كثلجة            وأنت بها الماء الذي هو نابع

وما الثلج في تحقيقنا غير مائه               وغير أن في حكمٍ دعته الشرائع

ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه              ويوضع حكم الماء والأمر واقع([144])

في هذه الأبيات تصريح ومغالطة:

فهو يصرح أن الخلق من الخالق كالثلجة من الماء، فكما أن الثلجة هي جزء من ماء تغير مظهرهُ فقط، كذلك الخلق هو جزء من الحق، تغير مظهره فقط.

والمغالطة هي تقريره أن الثلج هو الماء في تحقيقهم، بينما هو في حكم الشرائع غير الماء، ونتيجةً هذه المغالطة هي انطباع لدى القارىء أن الشرائع مخطئة، وتحقيقهم هو الصحيح.

- ولا أدري! هل لم يجد من يقول له: إِن حكمه خطأ وقياسه فاسد؟

ويقول من نفس القصيدة:

وها أنا ذا أخفي وأظهر تارةً                  رموز الهوى ما السر عندي ذائع

وإياك أعني واسمعي جارتي وما              يصرح إِلا جاهل أو مخادع

ولكنني آتيك بالبدر أبلجاً                   وأخفيه أخرى كي تصان الودائع([145])

فلننظر إِليه كيف يأتينا بالبدر أبلجاً، يقول:

خبتني فكانت فيّ عني نيابة                  أجل عوضاً بل عين ما أنا واقع

فكنت أنا هي وهي كانت أنا وما            لها في وجوِد مفردٍ مَن ينازع

بقيتُ بها فيها ولا تاء بيننا          وحالي بها ماض كذا ومضارع

ولكن رفعت النفس فارتفع الحجا           ونُبهتُ من نومي فما أَنا ضاجع

وشاهدتُني حقًّا بعين حقيقتي                 فلي في جبين الحسن تلك الطلائع

جلوتُ جمالي فاجتليتُ مرائياً               ليطبع فيها للكمال مطابع

فأوصافها وصفي وذاتي ذاتها                وأخلاقها لي في الجمال مطالع

واسمي حقًا اسمها واسم ذاتها                        لي اسم ولي تلك النعوت توابع([146])

قوله: (ولا تاء بيننا) يعني بها تاء المخاطب، أَي: إِنهما صارا ذاتاً واحدة.

ولننتبه إلى أَنه يشير إِلى الذات الإلهية بضمير المؤنث، حيث يظهر للغافل وكأَنه يتغزل بمحبوبته، ويقول في مكان آخر:

...لأن الكلام عن الحقائق بالِإشارة، ولا يفهم إِشارتنا ويعرف آفة ما فيها من عباراتنا إِلا من هو نحن ونحن هو، فافهم. وإليه الِإشارة، نقول شعراً:

وغني لي منى قلبي                  فغنيت كما غنى

وكنا حيث ما كانوا                  وكانوا حيث ما كنا

وقد أَردف سيدنا الشيخ العالم الرباني، شهاب الدين أَحمد بن أَبى بكر الرداد هذه الأبيات ثالثاً، فقال:

فحاسبنا وما بانوا                    ولا بانوا ولا بنّا

ولعمري أَشار إلى معنى غريب، لولا المقام -مقام الإشارة- لأنعمنا عنه العبارة([147]).

* ملحوظة: منى قلبي: يعني به اللّه سبحانه، والضمير في (كانوا) عائد على الله سبحانه وتعالى، وعلى القارئ التحليل.

ويقول ابن البنا السرقسطي([148]):

وهذه مسأَلة معتاصة                لم يجد الحبر لها خلاصة

لأنها مسأَلة غريبة                    حقيقة الجواب عنها ريبة

وقلِّ ما تلقى لها مساعداً           بل منكراً أَو ناقداً أو جاحداً([149])

ويقول:

وهذه حقيقة الإنسان                 حيث لها أنموذج رباني

متى ارتقيت عن قبيل الحس                   أَدركت في نفسك معنى النفس

يا من على القشر غدا يحوم                   حتى عن اللب متى تصوم

ووضعه في الكتب لا يجوز                    بل هو كنز في النهى مكنوز([150])

 ويقول منها:

واستشعروا شيئاً سوى الأبدان                يدعونه بالعالم الروحاني

ثم أمام العالم المعقول             معارف تُلغز في المنقول([151])

ويقول منها:

ثم امتحى في غيبة الشهود                   فأَطلق القول أنا معبودي

حتى إِذا رُدَّ عليه منه                أَثبت فرقاً حيث لم يكنه

فَرُدَّ تحو عالم التحويل             وعبَّروا عن ذاك بالنزول

ورده بالحق نحو الخلق             كي ما يؤدي واجبات الرق

فكلم الناس بكل رمز               والغز التعبير أَي لغز([152])

وقال ابن خلدون([153]):

قُتل الحلاج بفتوى أهل الظاهر وأَهل الباطن، أَهل الشريعة وأهل الحقيقة؛ لأنه باح بالسر فوجبت عقوبته([154]).

ويقول عبد الوهاب الشعراني([155]):

...ونور بصائرهم بفضله، وطهر سرائرهم، وأطلعهم على السر المصون، وصانهم عن الأغيار، وسترهم عن أعين الفجار؛ لأنهم عرائس، ولا يرى العرائس المجرمون، فإِذا مر عليهم ولي من أولياء الله ينسبونه إِلى الزندقة والجنون، وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، فمنهم المنكر لكراماتهم، ومنهم المنقص لمقاماتهم، ومنهم الثالب لأعراضهم، ومنهم المعترضون يعترضون على أحوالهم([156])...

ويقول: ومن الأولياء من سد باب الكلام في دقائق كلام القوم حتى مات، وأحال ذلك على السلوك، وقال: من سلك طريقهم اطلع على ما اطلعوا عليه، وذاق كما ذاقوا، واستغنى عن كلام الناس، وسيأتي في ترجمة عبد الله القرشي رضي الله عنه أن أصحابه طلبوا مكة أن يسمعهم شيئاً من علم الحقائق، فقال لهم: كم أصحابي اليوم؟

قالوا: ستمائة رجل. فقال الشيخ: اختاروا لكم منهم مائة. فاختاروا، فقال: اختاروا من المائة عشرين، فاختاروا، فقال: اختاروا من العشرين أربعة. فاختاروا، (قلت): وكان هؤلاء الأربعة أصحاب كشوفات ومعارف. فقال الشيخ: لو تكلمت عليكم في علم الحقائق والأسرار، لكان أول من يفتي بكفري هؤلاء الأربعة([157]).

- ما يجب أن ننتبه إليه بشدة في هذا النص، هو قوله: (لكان أول من يفتي بكفري هؤلاء الأربعة)، مع العلم أنهم أصحاب كشوف ومعارف، فهم متحققون بمثل ما تحقق به شيخهم، مما لو نطق به لكفروه! إذن فلم يكفرونه وهم على مثل عقيدته؟!

الجواب فيما مر معنا من نصوص، وخاصة قول الجنيد في أوائل هذا الفصل؛ أي: يكفرونه لأنه يبوح بالسر.

ويقول الشعراني أيضاً:

قال سيدي يوسف العجمي -رحمه الله-: (وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغلق الباب لما أَراد أَن يلقن جماعةً من أصحابه، كما تقدم، وقال: هل فيكم غريب...؟ لينبه على أَن طريق القوم مبنية على السحر، بخلاف الشريعة المطهرة، فلا ينبغي لأحد من أهل الطريق أَن يتكلم بالحقيقة عند من لايؤمن بها خوفاً أن ينكرها فيمقت([158]).

وكان يقول:

إِياك أيها المريد أن تجادل أصحاب الطقوس بما تجده في نفسك من الأمور الذوقيات، فربما شنوا عليك الغارات ولم يرجعوا عما هم عليه، وربما سبوا الطريق وأهلها([159]).

ويقول شيخ الشيوخ عبد الرحمن المجذوب([160]) زجلاً:

احفر لسرك ودكوا في الأرض سبعين قامة            وخلّ الخلائق يشكّو إلى يوم القيامة([161])

ويقول أحمد بن عبد الأحد السرهندي([162]) (مجدد الألف الثاني):

...والمنع من إظهار حقائق عالم الأمر إنما هو بسبب دقة تلك المعاني المكنونة...وليس في بثي الأسرار وإِن ظهر لنا كالشمس في فلك.. وبقية الجواهر العليا التي فوق الصفات الحقيقية داخلة في دائرة حضرة الذات تعالت وتقدست، ولهذا يقال لتجليات هذه المراتب الثلاثة: تجليات ذاتية، ولا مصلحة في التكلم وراء ذلك، بلغ اليراع إِلى هنا فتكسرا([163]). ا هـ.

أظن أن القارئ يعرف الآن أن عبارة (بسبب دقة تلك المعاني المكنونة): هي للمغالطة، وأن السبب الحقيقي هو خوف التكفير.

- ويقول ابن عجيبة([164]):

...فإذا انفرد القلب بالله، وتخلص مما سواه، فهم دقائق التوحيد وغوامضه التي لا يمكن التعبير عنها، وإنما هي رموز وإشارات لا يفهمها إلا أهلها، ولا تفشى إلا لهم، وقليل ما هم.

ومن أفشى شيئاً من أسرارها مع غير أهلها فقد أباح دمه، وتعرض لقتل نفسه، كما قال أبو مدين رضي الله عنه:

وفي السر أسرار دقاق لطيفة                 تراق دمانا جهرة لو بها بحنا

وهذهِ الأسرار هي أسرار الذات وأنوار الصفات التي تجلّى الحق بها في مظهر الأكوان، وإلى ذلك إشارة (ابن عطاء الله السكندري) بقوله: (الكون كله ظلمة، وإنما أَناره ظهور الحق فيه)([165]).

- هنا يصرح ابن عجيبة بالسر، فيقول: (وهذه الأسرار هي أَسرار الذات...التي تجلِّى الحق بها في مظهر الأكوان)، وأظن أَن الجملة واضحة.

ويقول: ...فلأن هذه الأمور أذواق باطنية، وأَسرار ربانية...وأَيضاً هي أمانات وسر من أسرار الملك، وسر الملك لا يحل إِفشاؤه، فمن أفشاه كان خائناً واستحق الطرد والعقوبة، ولا يصلح أن يكون أميناً بعد ذلك، فكتم الأسرارمن شأْن الأخيار، وهتك الأسرار من شأْن الأشرار. وقد قالوا: قلوب الأحرار قبور الأسرار.

وقال الشاعر:

لا يكتُمُ السر إِلا كلّ ذي ثقة                  فالسر عند خيار الناس مكتوم([166])

ويقول أيضاً: (وقال الحلاج -رضي الله عنه-: أنا أنت بلا شك فسبحانك سبحاني، وتوحيدك توحيدي، وعصيانك عصياني.

وقال أيضاً (أي: الحلاج):

سبحان من أظهر ناسوته            سرّ سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا في خلقه ظاهراً              في صورة الآكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه                كلحظة الحاجب بالحاجب

وبإِظهار هذا وأمثاله قُتل -رضي الله عنه- فمن لطف الله تعالى ورحمته أن ستر ذلك السر بظهور نقائضه، صوناً لذلك السر أن يظهر لغير أهله، ومن أفشاه لغير أهله قُتل كما فُعل بالحلاح...([167]).

* ملحوظة: هم يكتمون السر خوفاً من السيف، وتجرءوا على الله سبحانه فجعلوه مثلهم! فهل يخاف سبحانه من السيف؟؟!

ويقول: ...قد يرخص للمعارف الماهر إِلقاء الحقائق مع من لا يعرفها، بعبارة رقيقة وشارةً لطيفة، وغزل رقيق، بحيث لا يأخذ السامع منها شيئاً. فقد كان الجنيد رضي الله عنه يلقي الحقائق على رءوس الأشهاد، فقيل له في ذلك، فقال: جانب العلم (أي: علم الحقائق الصوفية) حمى من أن يأخذه غير أَهله([168]).

ويقول ابن عجيبة أيضاً في شرح قول ابن البنا السرقسطي:

ثم امتحى في غيبة الشهود                   فأَطلق القول أَنا معبودي

حتى إِذا رد عليه منه                أَثبت فرقاً حيث لم يكنه

يقول: العبد في حال غفلته يكون مبتلى برؤية نفسه، واقفاً مع شهود حسّه، مسجوناً بمحيطاته، محصوراً في هيكل ذاته. فإِذا أراد الله تعالى أن يرفع عنه الحجاب ويدخله في حضرة الأحباب، ألقاه إِلى ولي كل أوليائه، وعرفه سر خصوصيته واصطفائه، فلا يزال يسير به ويحاذيه ويخرق عليه عوائد نفسه ويغيبه عنها، ويزهدهُ في فلسه وجنسه، فإذا رآه الشيخ قد رق في حقه الحجاب، واستحق الانخراط في سلك الأحباب، فتح له الباب وقال له: ها أنت وربك، فإِذا زج في حضرة النور، ورفعت عنه الستور، أنكر الوجود بأسره، وأنكر وجود نفسه، فامتحق وجودُه في محبوبه، وانطوى شهوده في شهود معبوده، فأنشأ يقول: (أنا من أهوى ومن أهوى أنا، أنا المحب والحبيب، ليس ثم ثان)، فإِذا تمكن في الشهود، وتحقق برؤية نور الملك المعبود، رُدَّ عليه صحوه ورجع إِليه سلوكه، فأثبت فرقاً في عين الجمع، قياماً بوظائف الحكمة في عين شهود القدرة، فيكون الجمع في باطنه مشهوداً، والفرق على ظاهره موجوداً، فرقاً لفظيًّا لا حقيقيّا؛ أدباً مع الربوبية وقياماً بوظائف العبودية...(إِلى أن يقول): ...وقوله: (فأطلق القول: أنا معبودي). إِطلاق هذا القول لا يسلم له إِلا في حالة القوة والجذبة، وإلا فقد علمت ما وقع للحلاج وهو ولي الله حقّا، وفي معنى ذلك قيل:

ومن شهد الحقيقة فليصنها                  وإلا سوف يقتل بالسنان

كحلاج المحبة إذ تبدت                    له شمس الحقيقة بالتداني

وقال آخر:

بالسر إِن باحوا تباح دماؤهم                 وكذا دماء البائحين تباح

وقال ابن خلدون: (قتل الحلاج بفتوى أهل الظاهر والباطن، أهل الشريعة وأهل الحقيقة؛ لأنه باح بالسر، فوجبت عقوبته). وممن أفتى بقتله الجنيد والشلبي، غيرة على السر أن يفشى لغير أهله، فالواجب كتم الأسرار، وإظهار شريعة النبي المختار([169]).

* ملحوظة:

قوله: (.. كتم الأسرار وإظهار شريعة النبي...) واضح الدلالة على أن الأسرار تناقض شريعة المختار.

ويقول أيضاً: ...ثم هؤلاء الجهال (أي: أهل الشريعة) لم يقنعوا بالإنكار، حتى كفروا من قال بشيء من ذلك (أي: من ذلك السر) كما قال: (أي: ابن البنا السرقسطي):

وكفَّروا وزندقوا وبدَّعوا              إذا دعاهم اللبيب الأروع

قلت: هذا من الحرمان، وعلامة الخذلان، إذا دعاهم أحد إلى التحقيق، قالوا: إنه زنديق. وإذا خرق عوائد نفسه في دواء قلبه، قالوا: إنه صاحب بدعة. وهذا كله حجاب وستر لأوليائه، فإذا سمع المريد شيئاً من ذلك فليطب نفساً، فتلك عناية به، نعم، ينبغي أن يجزم نفسه في ستر السر الذي عنده، فإن أفشى شيئاً من ذلك فسيف الحلاج فوق رأسه([170]).

ويقول: إذا قال الفقير: (أنا من أهوى ومن أهوى أنا) قبل تحقق فنائه، فما أبعده عن الصواب، وإذا تحقق فناؤه، فلا يقول ذلك إلا مع من يصدّقه في حاله، وإلا تعرض لقتله([171])...

- نرى أن ابن عجيبة واضح، ونصوصه واضحة، إنه- فى الواقع- يفشي السر رغم دعوته إلى كتمانه، ثم يشرح لنا بوضوح سبب الدعوة إلى الكتمان.

وفي النص الأخير يبين لنا معنى كلمة (الفناء) بحيث لا نحتاج معه إلى الرجوع إلى غيره، ومن الواضح جدًّا أنه يعني بقوله: (أنا من أهوى) أي: أنا الله! وقد مر في نص قبله، قوله: (أنا معبودي) ومتى تسلم لقائلها؟

ويقول أيضاً:

إياك أن تقول أناه            واحذر أن تكون سواه([172])

واضح أن عبارة (أناه) تعني: (أنا هو) أو (أنا الله)، وهذه الجملة لابن عجيبة هي الموضوع الذي دارت حوله كل ما مر معنا من نصوص حول هذا الموضوِع، فهو يقول: إياك أن تقول (بلسانك للناس): أنا الله، ولكن احذر أن تكون (عقيدةً) سواه، أي: أن تعتقد أنك سواه (أي: سوى الله!) - وهو نفس قول الشاذلي: (ليكن الفرق في لسانك..).

ويقول محمد مهدي الرواس([173]):

وبويعت في الحضرة على كتم أسرار الحضرة إلا عن أهلها، وقد قال إمامنا الشافعي -رضي الله عنه-:

ومن منَحَ الجهال علماً أضاعهُ               ومَن مَنَعَ المستوجبين فقد ظلمْ([174])

وبويعت في الحضرة، على خفاء في ظهور، وظهور في خفاء، وطلسمية في مجلى، ومجلى في طلسمية، وانقباض في انبساط، وانبساط في انقباض، وتعين في استتار، واستتار في تعين([175])...

ويقول: وبويعت في الحضرة على الوقوف على قدم الاهتمام، مع حكم الطي في الزمان، يإعلاء أحكام شريعة سيد الأكوان- عليه صلوات الرحمن- وها أنا والحمد لله على العهد، تجردت لِإعلام أحكامها، برقائق يفهمها من فهمه الله بنوره المبين، وفقهه في الدين، مع طي في منشور الزمان، على منوال قول القائل:

تسترتُ من دهري بظل جناحه               فصرتُ أرى دهري وليس يراني

فإِن تسألِ الأيام عنيَ ما درتُ                وأين مكاني ما عرفن مكاني([176])

ويقول (من قصيدة):

طريقتُنا أنّا نمرُّ زماننا                 ونحن على مهدِ التَّكتُّم قُوّم

طريقتُنا أن نجعلَ السر رقعةً                  وفيها سطورُ الصدقِ لله نَرْقُمُ([177])

ومنها:

طريقتُنا أن نحفظَ الشرعَ ظاهراً     وهذا هو السرّ الخفيّ المطلسم([178])

ويقول محمود أبو الفيض المنوفي([179]) (من قصيدة):

وأبصرتُ أسرار تسامت بذاتها               وإني أرى شرحي لها فوق طاقتي

فإني إذا ما بحت يوماً بسرها                لقيت حمامي بعد تمزيق مهجتي

ولست على سر أميناً إذن ولا                حظيت بقرب عند أهل مودتي([180])

* * *

وكن كاتماً للسر عن غير أهله               ولا تفشه إِلا لأهل البصيرة([181])

ويقول أيضاً:

ومن أعظم مواهب الله لأوليائه وجود العبارة، وهي (الفتوح بالتعبير عن المقاصد).

قال([182]): وسمعت شيخنا أبا العباس يقول: يكون الولي مشحوناً بالعلوم والمعارف، والحقائق لديه مشهودة، حتى إذا أعطي العبارة، كانت كالِإذن من الله له في الكلام.

وقال: من أذن له في التعبير حسنت في مسامع الخلق عباراته، وحليت لديهم إشاراته.

وقال: سمعت شيخنا أبا العباس يقول: كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة من نور قلبه، وكلام الذي لم يؤذن له يكون مكسوف الأنوار، حتى إن الرجلين ليتكلمان بالحقيقة الواحدة، فيقبل من أحدهما ويرد على الآخر، واعلم أن من أراد الله أن يكون داعياً إليه من أوليائه فلا بد من إظهاره إلى العباد ولو لخاصتهم، إذ لا تكون الدعوة إلى الله إلا كذلك([183]).

- لقد مرت أقوال أبي العباس المرسي في صفحات سابقة، وأكررها هنا، لأن السيد المنوفي يتبناها.

- وعن الشيخ محمد أمين الكردي([184]) يقول الشيخ سلامة العزامي([185]):

...وكان يرى أن القول بوحدة الوجود من سكر الوقت وغلبة الحال، يعذر صاحبه إذا كان مغلوباً، ولا يصح تقليد غيره له، وكان يرى الخوض فيه حراماً إلا لمن ثبتت قدمه فى عقيدة أهل السنة والجماعة، وعرف ذلك من بقايا السكر ولم يتأثر بما يسمعه من الشطحات([186])...

- الوقت: ما هو غالب على العبد([187])، أو ما كان هو الغالب على الِإنسان([188])، فيقال: (وقتك الحزن، أو وقتك السرور، أو وقتك الجذبة، أو وقتك الغيبة...) وهذا النص أكثر وضوحاً من أن يحتاج إلى تعليق، ولكنه مع ذلك بحاجة إلى تأمل.

ويقول الشيخ عبد القادر الحمصي([189]):

احذر نفس الله في كل آن                   واكتم سر الله ضمن الجنان

واعلم أن الله عين العيان            واجمع خلق الله في الوحدة([190])

ومن قوله:

اكتم الأسرار عن ذوي الأغيار               واهدم الأسوار واهجر بيعك([191])

- ذوو الأغيار أو أصحاب الأغيار: أي الذين يتوهمون أن في الوجود غير الله، أو الذين يتوهمون أن المخلوق غير الخالق.

 ويقول ابن أنبوجة([192]): ...والغير عبارة عن التلبس بالرسوم، والكتم عن السر، والِإشارة دون تصريح صيانةً للأسرار، واتساعاً لمحل الأمانة، فيرقى عن ضيق الحمل، ومطاوعة البوح([193]).

- الرسوم: جمع رسم، وهو الخلق وصفاته؛ لأن الرسوم هي الآثار، وكل ما سوى الله هي آثاره الناشئة من أفعاله([194]). ومعنى هذا الكلام هو أن الرسوم هي المخلوقات إذا توهمناها غير الخالق، ويكون معنى قوله: (التلبيس بالرسوم) هو: التظاهر بأن الخلق غير الخالق!

- يبين ابن أنبوجةَ لمَ يستعملون الإشارة في العبارة دون التصريح، إنها من أجل أن ترقى بهم عن ضيق الحمل (أي: حمل السر) وعن مطاوعة البوح به، فيفرّجون عن صدورهم بعبارات مموهة على أهل الرسوم.

ولعل في هذا القدر من أقوال الكبار من أئمة الصوفية في كتمان السر عن غير أهله، والتلبيس على أهل الشريعة بالشريعة، وتنبيه السالكين أن التصريح بالسر يقودهم إلى السيف؛ لأن السر كفر وزندقة!! لعل في هذا القدركفاية.

بل فيه أكثر من الكفاية، بل وأكثر بكثير! فقد كانت الكفاية في نص أو نصين من (إحياء علوم الدين) الكتاب العظيم الشأن! عظيم الوقع! كثير النفع! جليل المقدار! ليس له نظير في بابه! ولم ينسج على منواله! ولا سمحت قريحة بمثاله! كاشفاً عن الغوامض الخفية...إلخ، لمؤلفه (حجة الِإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام! الِإمام! بل أكثر من عشرين ألف إمام! جامع أشتات العلوم! الضرغام! والبدر التمام! كاشف غياهب الشبهات...إلخ) أبي حامد الغزالي.

لقد كان في نص أو نصين منه كفاية؛ إذ لا كلام في هذا الكلام مع كلام حجة الِإسلام؛ لأن حجة الكلام كلام حجة الِإسلام! وليس بعد كلامه كلام! وإلا فما معنى كونه (حجة الِإسلام)؟!!

- هذه الفقرة هي من عدوى الكشف والعلوم اللدنية فالمعذرهّ!!

قد يقول قائل: ما دام نص أو نصان يكفيان! فلِمَ كل هذا الركام؟!

الجواب: هو محاولة- قد تكون فاشلة وقد تكون ناجحة- للوقوف أمام الثعلبيات الزئبقية التي نسمعها دائماً وأبداً من الصوفية وأنصارهم، ومن السذج الذين خدعوا بالعبارات المنمقة التي تسمي الليل ظهراً والجهل علماً!

فلو أتيناهم مثلاً بمثل من (الِإحياء) لسمعنا أقوالًا مختلفة، فقد يقول قائل منهم: (هذا كلام مدسوس على الكتاب)، وهى الجملة الظالمة التي كررت وتكرر دون حياء، وقد يقول آخر: (هذا قول انْتُهِيَ منه، ولم يبق له رصيد الآن. هذا كان عند بعضهم فقط). وقد يقول آخر: (التعميم لا يجوز)، وقد يقولون: هذا له تأْويل (وما أدراك ما التأْويل، له ذنب طويل، وخرطوم طويل، وناب طويل، وظفر طويل، وشعر طويل...).

من أجل هذا أوردت هذا الركام، ولولا الخوف من الِإطالة، وأن يبلغ الكتاب حجماً أكبر من حجمه؛ لأوردت من أقوال من أوردت أسماءهم، ومن أقوال غيرهم في هذا الموضوع ما قد يحتاج إلى مئات الصفحات، إن لم يكن ألوفها!!

واستكمالاً للفائدة، أعيد عرض بعض النصوص السابقة ذات الأهمية الخاصة الواضحة مع بعض الِإضافات.

يقول الجنيد:

لا يكون الصدِّيق صدِّيقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صديقاً أنه زنديق!! وفي رواية: (ألف صديق أنه زنديق).

ويقول ابن عجيبة:

...وإلا فقد علمت ما وقع للحلاج، وهو ولي الله حقّا...وممن أفتى بقتله الجنيد والشبلي...(طبعاً لأنه باح بالسر).

ويقول ابن عربي:

ومن كاتمٍ للسر يظهر ضده                  عليه لطلاب المشاهد للبقا

ويقول اليافعي:

...لما سعي بالصوفية إلى بعض الخلفاء، أمر بضرب رقابهم، فأما الجنيد فتستر بالفقه، وكان يفتي على مذهب أبي ثور.

ويقول أبو الحسن الشاذلي:

ليكن الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً.

ويقول ابن عجيبة أيضاً:

إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه.

وهو نفس المعنى تماماً الذي يقوله أبو الحسن الشاذلي. (الفرق: هو أن تفرق بين الخالق والمخلوق، والجمع أن تجمعهما في ذاتٍ واحدة)، وقد مر هذا الشرح سابقاً، وأعيده هنا.

وأعيد قول الحلاج لأهميته الخاصة الخاصة، يقول:

المعنى الذي به تُحقن الدماء، خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن.

ولا أعلق بشيء، فهي واضحة جدّاً، ولذلك أعدت كتابتها، ولكني أورد قولاً آخر له أهميته الخاصة جداً.

يقول الشعراني:

..قال عبد الله القرشي: ..لو تكلمت عليكم في علم الحقائق والأسرار، كان أول من يفتي بكفري هؤلاء الأربعة([195])!

- وطبعاً! يفتون بكفره ظاهراً بألسنتهم، أما في الباطن فهم يعتقدون عقيدة جازمة أنه صدّيق ولي لله، وأن إفتاءهم- في الظاهر بكفره هو للتمويه والنجاة من السيف! أو لكتمان السر!! أو لإعطاء الظاهر حكم الظاهر، ويبقى للباطن حكم الباطن!

ويقول أحمد الشرباصي معلقاً على قولٍ للغزالي:

فأنت ترى معي، من غير شك، أن الغزالي بعد أن أبان الصعوبة في وضع تعريف جامع مانع للتصوف بسبب سريته وباطنيته.. إلى أن يقول: ولعل هذه السرية أو الباطنية المستكنة في حقيقة التصوف، كانت المدخل لادعاء الكثيرين التصوف([196]).

ومما يورده أحمد زيني الدحلان: (وسئل والد الشيخ محمد الرملي عن القائل بوحدة الوجود، فقال: يقتل هذا المرتد وترمى جيفته للكلاب؛ لأن قوله هذا لا يقبل تأويلاً، وكفره أشد من كفر اليهود والنصارى، واستحسن الشيخ ابن حجر منه هذهِ الفتوى...فمن زعم أن وحدة الوجود غير وحدة الشهود لم يشم رائحة معنى الوحدة، فوحدة الوجود ترجع إلى وحدة الشهود من غير حلول ولا اتصال، هذا هو القول الحق([197]). انتهى).

- لنلاحظ أن الكفر عندهم هو التصريح بوحدة الوجود بعبارة لا تقبل التاويل (لأن قوله هذا لا يقبل تأويلاً) كما يجب أن نلاحظ أن وحدة الشهود هي وحدة الوجود.

ويقول عبد القادر الجيلاني:

أشد الأشياء على من عرف الله عز وجل، النطق مع الخلق والقعود معهم، ولهذا يكون ألف عارف والمتكلم فيهم واحد؛ إلا أنه يحتاج إلى قوة الأنبياء عليهم السلام، وكيف لا يحتاج إلى قوتهم وهو يريد أن يقعد بين أجناس الخلق، يخالط من يعقل ومن لا يعقل، يقعد مع منافق ومؤمن، فهو على مقاساة عظيمة، صابر على ما يكره، ومع ذلك فهو محفوظ فيما هو فيه، معان عليه؛ لأنه ممتثل لأمر الحق عز وجل في كلامه على الخلق، لم يتكلم بنفسه وهواه واختياره وإرادته، إنما أجبر على الكلام، فلا جرم يحفظ فيه([198]).

- والآن..

نختم هذا الفصل، بفصل من كتاب (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر) للِإمام العارف الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني..

يقول: (الفصل الثالث) في بيان إقامة العذر لأهل الطريق في تكلمهم في العبارات المغلقة على غيرهم رضي الله عنهم([199]): اعلم رحمك الله، أن أصل دليل القوم في رمزهم الأمور، ما روي في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأبي بكر الصديق: أتدري يومَ يوم؟ فقال أبو بكر: نعم يا رسول اللّه، لقد سألتني عن يوم المقادير، وروي أيضاً أنه قال له يوماً: يا أبا بكر، أتدري ما أريد أن أقول؟ فقال: نعم، هو ذاك هو ذاك، حكاه الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في بعض كتبه.

* نقف قليلاً لنورد قوله صلى الله عليه وسلم: {إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}([200]) جواباً على هذه الأحاديث المكذوبة.

وذكر الشيخ محيي الدين في الباب الرابع والخمسين من الفتوحات ما نصه: اعلم أن أهل الله لم يضعوا الِإشارات التي اصطلحوا عليها فيما بينهم لأنفسهم، فإنهم يعلمون الحق الصريح في ذلك، وإنما وضعوها منعاً للدخيل بينهم، حتى لا يعرف ما هم فيه، شفقة عليه أن يسمع شيئاً لم يصل إليه، فينكره على أهل الله، فيعاقب على حرمانه، فلا يناله بعد ذلك أبداً، قال: ومن أعجب الأشياء في هذه الطريق، بل لا يوجد إلا فيها، أنه ما من طائفة تحمل علماً من المنطقيين والنحاة وأهل الهندسة والحساب والمتكلمين والفلاسفة، إلا ولهم اصطلاح لا يعلمه الدخيل فيهم إلا بتوقيف منهم؛ لا بد من ذلك، إلا أهل هذه الطريق خاصة، فإن المريد الصادق إذا دخل طريقهم، وما عنده خبر بما اصطلحوه، وجلس معهم، وسمع منهم ما يتكلمون به من الِإشارات، فهم جميع ما تكلموا به، حتى كأنه الواضع لذلك الاصطلاح، ويشاركهم في الخوض في ذلك العلم، ولا يستغرب هو ذلك من نفسه، بل يجد علم ذلك ضروريًّا لا يقدر على دفعه، فكأنه ما زال يعلمه، ولا يدري كيف حصل له ذلك، هذا شأْن المريد الصادق، وأما الكاذب فلا يعرف ذلك إلا بتوقيف، ولا يسمح له قبل إخلاصه في الِإرادة وطلبه لها أحد من القوم؛ ولم يزل علماء الظاهر في كل عصر يتوقفون في فهم كلام القوم، وناهيك بالِإمام أحمد بن سريج، حضر يوماً مجلس الجنيد، فقيل له: ما فهمت من كلامه؟ فقال: لا أدري ما يقول، ولكن أجد لكلامه صولة...ثم إن القوم لا يتكلمون بالِإشارة إلا عند حضور من ليس منهم، أو في تأْليفهم لا غير. ثم قال: ولا يخفى أن أصل الِإنكار من الأعداء المبطلين إنما ينشأ من الحسد، ولو أن أولئك المنكرين تركوا الحسد وسلكوا طريق أهل الله لم يظهر منهم إنكار ولا حسد، وازدادوا علماً إلى علمهم. ولكن هكذا كان الأمر، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...وأشد الناس عداوة لأصحاب علوم الوهب الِإلهي في كل زمان أهل الجدال بلا أدب، فهم لهم من أشد المنكرين؛ ولما علم العارفون ذلك عدلوا إلى الِإشارات، كما عدلت مريم عليها السلام، من أجل أهل الِإفك والِإلحاد إلى الِإشارة، فلكل آية أو حديث عندهم وجهان: وجه يرونه في نفوسهم، ووجه يرونه فيما خرج عنهم، قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)) [فصلت:53] فيسمون ما يرونه في نفوسهم إشارة ليأنس المنكرون عليهم، ولا يقولوا: إن ذلك تفسير لتلك الآية أو الحديث، وقاية لشرهم ورميهم لهم بالكفر، جهلاً من الرامين معرفة مواقع خطاب الحق تعالى، واقتدوا في ذلك بسنن من قبلهم، وإن الله تعالى كان قادراً أن ينص ما تأوله أهل الله وغيرهم في كتابه، كالآيات المتشابهات، والحروف أوائل السور، ومع ذلك فما فعل، بل أدرج في تلك الكلمات ألِإلهية والحروف أوائل السور، علوماً اختصاصية لا يعلمها إلا عباده الخُلَّص...ومع هذا التفاضل المشهور فيما بينهم ينكرون على أهل الله تعالى،.. فإن القوم لما عملوا بما علموا، أعطاهم الله تعالى علماً من لدنه، بإعلام رباني أنزله في قلوبهم مطابقاً لما جاءت به الشريعة لا يخرج عنها ذرة!!

* وقفة قصيرة ثانية: بما أننا الآن نعيش لحظات في التفسير الِإشاري، فنريد أن نفهم النصوص فهماً (إشاريًّا). وعليه يكون المعنى (الإشاري) لعبارة (مطابقاً لما جاءت به الشريعة) هو: مطابق (أي: يشكل طبقة مقابلة) لما جاءت به الشريعة، وواضح أن هذا يعني أنهما منفصلان عن بعضهما. أما قوله: (لا يخرج عنها ذرة) فتحتمل معنيين (إشاريين):

المعنى الأول: لا يخرج عنها (أي: عن الشريعة) ذرة، أي: واحدة، لتلتحق بالعلم اللدنِي، فلا يوجد في العلم اللدني ذرة واحدة خرجت إليه من الشريعة، فهما مختلفان جملة وتفصيلاً.

المعنى الثاني: (بالكشف) نشاهد أن كلمة (ذرة) تعني في لغة (الحقيقة) المسافة بين الجنة وجهنم، فيكون المعنى: لا يخرج عنها ذرة؛ أي: لا يخرج عنها المسافة بين الجنة وجهنم، فالمسافة بين الجنة وجهنم موجودة بين الشريعة وبين حقيقتهم.

نعود لمتابعة النص، بعد القفز عن تفسيرات إشارية:

...ولكن هؤلاء المنكرون، لما تركوا الزهد في الدنيا وآثروها على الآخرة، وعلى ما يقرب إلى الله تعالى...

* وقفة قصيرة ثالثة: أين قوله هنا: (وآثروها على الآخرة) من أقوالهم: (إلى متى الدنيا؟ إلى متى الآخرة؟)، و(اخلع نعليك)، و(اخرج من الكونين).. إلخ؟! والتي سنراها في نصوص مقبلة...نتابع.

...وتعوّدوا أخذ العلم من الكتب، ومن أفواه الرجال، حجبهم ذلك عن أن يعلموا أن لله عباداً تولى تعليمهم في سرائرهم، إذ هو المعلم الحقيقي للوجود كله، وعلمه هو العلم الصحيح الذي لا يشك مؤمن ولا غير مؤمن في كماله...فعلم أن من كان معلمه الله تعالى، كان أحق بالاتباع ممن كان معلمه فكره، ولكن أين الِإنصاف؟

فصان الله نفوسهم بتسميتهم الحقائق إشارات، لكون المنكرين لا يردون الِإشارات، وأين تكذيب هؤلاء المنكرين لأهل الله في دعواهم العلم من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لو تكلمت لكم في تفسير سورة الفاتحة لحمّلت لكم منها سبعين وقراً)، فهل ذلك إلا من العلم اللدني الذي آتاه الله تعالى له.

* وقفة قصيرة رابعة: الكذب على علي بن أبي طالب أهون من الكذب على الله أو على رسوله. ونتابع.

.. وقد كان الشيخ أبو يزيد البسطامي يقول لعلماء زمانه: أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علومنا عن الحي الذي لا يموت، وكان الشيخ أبو مدين إذا سمع أحداً من أصحابه يقول في حكاية: (أخبرني بها فلان عن فلان) يقول: لا تطعمونا القديد، يريد بذلك رفع همة أصحابه، يعني: لا تحدثوا إلا بفتوحكم الجديد الذي فتح الله تعالى به على قلوبكم في كلام الله تعالى أوكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الواهب للعلم الِإلهي حي لا يموت، وليس له محل في كل عصر إلا قلوب الرجال.

* وقفة قصيرة أيضاً: يقول: (الذي فتح الله تعالى به.. في كلام الله تعالى أو كلام رسوله)!! فهل قول أبي يزيد، وقول أبي مدين يوافق كلام الله أو كلام رسوله من قريب أو من بعيد؟! أو من أبعد من بعيد؟! إلا عن طريق التأويل، فسيفه صقيل، ومفعوله سحري، بل يعجز السحر والسحرة والفجرة عن تحقيق ما يحققه التأْويل!.. نتابع.

.. وسئل الأستاذ علي بن وفا رضي الله عنه من بعض العارفين، على لسان بعض المعترضين: لمَ دوّن هؤلاء العارفون معارفهم وأسرارهم التي تضر بالقاصرين من الفقهاء وغيرهم؟ أما كان عندهم من الحكمة وحسن الظن والنظر والرحمة بالخلق ما يمنعهم عن تدوينها؟ فإن كان عندهم ذلك فمخالفتهم له نقص! وإن لم يكن عندهم حكمة ولا حسن ظن فكفاهم ذلك نقصاً؟! فأجاب بقوله: يقال لهذا السائل: أليس الذي أطلع شمس الظهيرة، ونشر ناصع شعاعها مع إضراره بأبصار الخفافيش ونحوها من أصحاب الأمزجة الضعيفة، عليم حكيم؟ فلا يسعه إلا أن يقول: نعم هو تعالى عليم حكيم، فإن قال: صحيح ذلك، ولكن عارض ذلك مصالح أخر تربو على هذه المفاسد، قلت: وكذلك الجواب عن مسألتك، فكما أن الحق تعالى لم يترك إظهار أنوار شمس الظهيرة مراعاة لأبصار من ضعف بصره! فكذلك العارفون لا ينبغي لهم أن يراعوا أفهام هؤلاء المحجوبين عن طريقهم، بل الزاهدين فيها، بل المنكرين عليها.. وحسبك جواباً أن من دوّن المعارف والأسرار، لم يدونها للجمهور، بل لو رأى من يطالع فيها ممن ليس هو بأهلها لنهاه عنها.

* ملحوظة:

هذا سبب من أسباب تدوين هذياناتهم التي يسمونها (علماً) ظلماً للعلم، ويسمونها (حقيقة) ظلماً للحقيقة! ونتابع:

.. وكان بعض العارفين يقول: نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقتنا؛ وكذلك لا يجوز أن ينقل كلامنا إلا لمن يؤمن به، فمن نقله إلى من لا يؤمن به، دخل هو والمنقول إليه جهنم الِإنكار، وقد صرح بذلك أهل الله تعالى على رءوس الأشهاد، وقالوا: من باح بالسر استحق القتل، ومع ذلك فلم يسمع أهل الغفلة والحجاب، بل تعدوا حدود القوم، وأظهروا كلامهم لغير أهله...

* وقفة قصيرة: هذا الكلام كله مغالطات، سيأْتي تفصيلها إن شاء الله تعالى بين ثنايا النصوص.. نتابع.

.. فكما أوجب المجتهدون وحرّموا وكرهوا واستحبوا أموراً لم تصرح بها الشريعة في دولة الظاهر؛ فكذلك العارفون أوجبوا أموراً وحرموا وكرهوا واستحبوا أموراً في دولة الأعمال الباطنة؛ فالاجتهاد واقع في الدولتين...

* وقفة يجب أن تكون- هنا- طويلة جدًّا، ولكن لا مناص من تقصيرها: فالمجتهدون استنبطوا أحكاماً من النصوص؛ وهي موافقة لها ولكليات الشريعة الِإسلامية، بينما هؤلاء (العارفون) أوجدوا- عن طريق الكشف- عقائد لا تمت إلى الِإسلام بصلة، بل جاء الِإسلام وكل الأنبياء لمكافحة هذه العقائد.

أكرر القول: إن هؤلاء (العارفين) جاءوا بعقائد غريبة، وبنوا عليها أحكاماً غريبة!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نتابع.

.. فإن قيل: فلمَ رمّز القوم كلامهم في طريقهم بالاصطلاح الذي لا يعرفه غيرهم، إلا بتوقيف منهم كما مر؟ ولم لم يظهروا معارفهم للناس- إن كانت حقاً كما يزعمون- ويتكلموا بها على رءوس الأشهاد كما يفعل علماء الشريعة فى دروسهم، فإن في إخفاء العارفين معارفهم عن كل الناس رائحة ريبة، وفتحاً لباب رمي الناس لهم بسوء العقيدة وخبث الطوية؟

فالجواب: إنما رمَّزوا ذلك رفقاً بالخلق ورحمة بهم، وشفقة عليهم - (كذب ومغالطة، بل رمَّزوا خوفاً من سيف الحلاج) - وقد كان الحسن البصري! وكذلك الجنيد والشبلي وغيرهم، لا يقررون علم التوحيد إلا في قعور بيوتهم، بعد غلق أبوابهم، وجعل مفاتيحها تحت وركهم! ويقولون: أتحبون أن ترمى الصحابة والتابعون الذين أخذنا عنهم هذا العلم بالزندقة بهتاناً وظلماً.

* وقفة: هذا الكلام- أي: اتهام الحسن البصري والصحابة والتابعين بهذا الاتهام- هو البهتان والظلم، فقد كان الصحابة والتابعون والحسن البصري بريئين من هذه الزندقة، وفي كلامهم واتهامهم هذا مغالطة جريئة جدًّا جدًّا جدًّا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نتابع.

..وما ذلك إلا لدقة مداركهم (أي: الصوفية) حين صفت قلوبهم وخلصت من شوائب الكدورات الحاصلة بارتكاب الشهوات والآثام! ولا يجوز لأحد أن يعتقد في هذه السادة! أنهم ما يخفون كلامهم إلا لكونهم فيه على ضلال، حاشاهم من ذلك!! فهذا سبب رمز من جاء بعدهم للعبارات التي دونت، وكان من حقها أن لا تذكر إلا مشافهة، ولا توضع في الطروس، ولكن لما كان العلم يموت بموت أهله إن لم يدوّن، دوّنوا علمهم ورمزوه مصلحة للناس، وغيرةً على أسرار الله أن تذاع بين المحجوبين.

وأنشدوا في ذلك:

ألا إن الرموز دليل صدقٍ           على المعنى المغيّب في الفؤاد

وكل العارفين لها رموزٌ               وألغازٌ تدق على الأعادي

ولولا اللغز كان القولُ كفراً                  وأدّى العالمين إلى الفسادِ

* والآن.. ليست وقفة، بل مشية! إذا قال الشاعر: (الرموز دليل صدق) فقد كذب الشاعر وكذب شعره؛ لأن الرموز عكاكيز الدجاجلة، والشعراء يتبعهم الغاوون، أما اصطلاحهم فقد غدا معروفاً لدى الباحث، ولننتبه بشكل خاص إلى قوله: (ولولا اللغز كان القول كفراً). نتابع.

فقد بان لك أنه ليس للإنسان مقابلة الوحوش والسباع الكواسر والظهور لهم، إلا إن علم قدرته على دفع أذيتهم له بتهيؤ أسباب القهر لهم بالقوة والمكنة والأنصار، فإن قيل: فلمَ لم يترك هذا العارف إظهار معارفه وأسراره بالكلية ويدخل فيما فيه الجمهور حتى يتمكن ويقوى فيكون ذلك أسلم له؟

* نعود إلى الوقفة، هنا أراد بقوله: (بتهيؤ أسباب القهر لهم بالقوة..) أن تكون (عبارة إشارية) فكانت أقرب إلى الإفصاح! لقد أشارت هذه العبارة إلى الكيد الذي يكيدونه للإسلام، وأفصحت عن الخطة التي وضعوها لذلك! أو بالأصح: الخطة الذي وضعها الشيطان ليكيد للإسلام باستخدامهم واستغلالهم! وفي قوله: (ويدخل فيما فيه المجهور حتى يتمكن..) إفصاح كامل عن أن ما هم فيه يختلف كل الاختلاف عما فيه الجمهور، أي: عن الإسلام. نتابع.

...ونقل الإمام الغزالي في (الإحياء) وغيره عن الإمام زين العابدين بن علي بن الحسين -رضي الله عنه- أنه كان يقول:

يا ربّ جوهر علمً لو أبوحُ به                لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا

ولاستحلّ رجالٌ مسلمونَ دمي               يروْن أقبحَ ما يأتونهُ حسنًا

قال الغزالي: والمراد بهذا العلم الذي يستحلون به دمه: هو العلم اللدني، الذي هو علم الأسرار، لا من يتولى من الخلفاء ومن يعزل، كما قاله بعضهم؛ لأن ذلك لا يستحل علماء الشريعة دم صاحبه، ولا يقولون له: أنت ممن يعبد الوثن([201]).اهـ.

* تعليق: هذا الشعر مفترى على زين العابدين، من قبل العارفين الصادقين الصديقين الأولياء.

ويقول محمد العربي السائح التجاني([202]):

..قال الشيخ علي الروذباري: (علمنا هذا إشارة فإذا صار عبارة خفي). ومن هنا احتاج أهل الله تعالى إلى وضع الِإشارات المصطلح عليها فيما بينهم، فيتكلمون بها عند حضور الغير وفي تآليفهم ومصنفاتهم لا غير، ولم يضعوها لأنفسهم؛ لأنهم يعرفون الحق الصريح في ذلك، والحامل لهم على وضعها الشفقة على الدخيل بينهم، خشية أن يسمع منهم أو يرى في تأليفهم شيئاً لا يصل إليه فهمه، فينكره، فيعاقب بحرمان علمه، فلا يعلمه بعد، والعياذ بالله تعالى...وكان بعض العارفين يقول: (نحن قومٌ يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقتنا، وكذلك لا يجوز أن يُنقل كلامنا إلا لمن يؤمن به، فمن نقله لمن لا يؤمن به دخل هو والمنقول إليه إلى جهنم، وقد صرح بذلك أهل الله تعالى على رءوس الأشهاد، وقالوا: من باح بالسر استحق القتل). فإن قيل: هلّا طوى العلماء من أهل الطريق بساط التأليف والتصنيف في مثل هذه العلوم وأمسكوا عن الخوض في رقائق الِإشارات ودقائق السر المكتوم؟ لأن الكلام في ذلك ربما ضر بالقاصرين من الفقهاء، فضلًا عمن عداهم، وربما خفيت وجوه المخرج فيه عن بعض النبلاء فضلاً عمن سواهم! أما كان عندهم من الحكمة والنظر للخلق بعين الشفقة والرحمة ما يمنعهم من الخوض في ذلك والتقحم لمضايق هاتيك المسالك؟! قلنا: قد ذُكر في (اليواقيت والجواهر) عن العارف بالله تعالى سيدي علي بن وفا رضي الله عنه، أنه قيل له مثل هذا فأجاب بقوله -رضي الله عنه-: يقال لهذا القائل: أليس الذي أطلع شمس الظهيرة ونشر ناصع شعاعها مع إضراره بأبصار الخفافيش ونحوها من أصحاب الأمزجة الضعيفة عليماً حكيماً؟ فإن قال: صحيح ذلك، ولكن عارض ذلك مصالح تربو على هذه المفاسد. قلنا له: وكذلك الجواب عن مسألتك! فكما أن الحق سبحانه وتعالى لم يترك إظهار أنوار شمس الظهر مراعاة لأبصار من ضعف بصره، فكذلك العارفون، لا ينبغي لهم أن يراعوا أفهام هؤلاء المحجوبين عن طريقهم؛ بل الزاهدين فيها، بل المنكرين عليها.. وكان تدوين معارفهم وأسرارهم من أحق الحقوق عليهم، لكون غيرهم لا يقوم مقامهم في تدوين أدوية أمراض القلوب وآداب حضرات الحق تعالى في جميع الأمور المشروعة؛ فإن لكل مقام حضوراً وآداباً تخصه...)([203]).

- ولتخليص ما مضى وتثبيته؛ يجب أن نتذكر دائماً وألا ننسى أبداً أن غاية الصوفية واحدة وهدفها الذي يسعون إليه واحد، رغم اختلاف عباراتهم وأسماء طرقهم، وكل ما مضى براهين، ونزيده قولاً آخر لعبد الحليم محمود، يقول:

إن لكل صوفي طابعاً معيناً، ولكلامه مذاقاً خاصًّا، والصوفية وإن كانوا جميعاً يسيرون إلى هدف واحد، وغاية لا مذاهب فيها، هي التوحيد- فإنهم يختلفون في الشكل، ويتفاوتون في الطريق، ومن هنا كانت الكلمة المأثورة: (التوحيد واحد- والتوحيد هو الغاية- والطريق إلى الله كنفوس بني آدم.. إنها تتعدد وتتفاوت)([204]).

- وهكذا عرفناً أن الغاية هي (وحدة الوجود)، وأنها غاية الصوفية وهدف جميع طرقها؛ ولا هدف ولا غايهّ لهم غيرها، والوصول إلى ذوقها هو ما يسمونه: (الِإحسان). وإن التقية واجبة، وهي التظاهر بالإسلام وشرعه، وإخفاء العقيدة الصوفية إلا لأهلها.

كما عرفنا متى يصرحون بعقيدتهم ولمن.. لكننا، وكما قلنا سابقاً، أمام مراوغات زئبقية لا تعرف معنى للخجل؛ فأحدهم يكذب عليك أمامك دون أي شعور بالحياء، كما حدث ويحدث دائماً.

ووقوفاً أمام مراوغاتهم ومكرهم نورد أيضاً أقوالاً لعدد كبير من أئمتهم، تثبت كلها أنهم كلهم يؤمنون بوحدة الوجود، لكن بعد أخذ فكرة عن معاجمهم، وما يسمونه شروحاً لمصطلحاتهم.

* المعاجم الصوفية:

أَلف بعض علماء التصوف معاجم للمصطلحات الصوفية، واكتفى بعضهم بإدراج بعض المصطلحات، أو جملة منها في ثنايا تواليفهم مع ما يسمونه (شروحها).

وفي الواقع، ليست معاجمهم معاجم شروح وتفاسير، فالقارىء العادي لا يرى فيها إلا تفسير الألغاز بالألغاز، ولا يخرج منها بأي طائل؛ وذلك لأنها في حقيقة الأمر معاجم عبارات، فهي مصنوعة من أجل هدف واحد، هو أَن تقدم للسالك عبارات إشارية مرموزة جاهزة ليستعملها في كتاباته وفي حواره مع أهل الشريعة، وكذلك ما يقدمونه في ثنايا تواليفهم مما يسمونه (شروحاً) لمصطلحاتهم.

وفيما يلي مجموعة من مصطلحاتهم، مع شيء من العبارات التي تشير إلى معانيها الحقيقية بأسلوب رمزي، مأخوذة من معاجمهم ومن كتبهم، ولن أذكر اسم المرجع الذي آخذ منه العبارة، لئلا أزيد في حجم الكتاب من جهة؛ ولأن ذلك لا ضرورة له من جهة ثانية، إلا في حالات خاصة.

وأترك للقارىء الكريم أن يتسلى باستخراج معانيها الحقيقية ليتمرس باللغة الصوفية، وقد أوضّح بعض المعاني عندما أظن ذلك ضروريًّا، وأضع التوضيح بين قوسين، إن كان في درج كلامهم، أو أجعله بعد كلامهم بشكل تعليق أو ملحوظة..

* الجمع والفرق:

الجمع شهود الأغيار بالله، والفرق شهود الأغيار لله، الجمع إشارة إلى حق بلا خلق، والفرق إِشارة إِلى خلق بلا حق، وقيل: مشاهدة العبودية، الجمع شهود الحق بلا خلق، والفرق (الأول) هو الاحتجاب بالخلق عن الحق، وبقاء الرسوم الخلقية بحالها، الجمع إزالة الشعث والتفرقة بين القدم والحدث، (أي: بين الخالق والمخلوق) ؛ لأنه لما انجذبت بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات، استتر نور العقل الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة، وارتفع التمييز بين القدم والحدث لزهوق الباطل عند مجيء الحق...والجمع الصرف يورث الزندقة والِإلحاد، ويحكم برفع الأحكام الظاهرية (أي: الشريعة).. ولصاحب الجمع أن يضيف إلى نفسه كل أثر ظهر في الوجود (أي: يقول: أنا الخالق، أنا البارىء، أنا العرش) وكل فعل وصفة وأثر، لانحصار الكل عنده في ذات واحدة...والفرق: ما نسب إليك.. ومعناه أن ما يكون كسباً للعبد من إقامة العبودية وما يليق بأحوال البشرية فهو فرق، فإثبات الخلق من باب التفرقة، وإثبات الحق من نعت الجمع، وشهود الحكمة والنظر إلى الأسباب فرق.

ومن العبارات المرموزة التي يقدمها الطوسي في (اللمع):

...الجمع والتفرقة اسمان، فالجمع جمع المتفرقات، والتفرقة تفرقة المجموعات، فإذا جمعت قلت: الله ولا سواه، وإذا فرقت قلت: الدنيا والآخرة والكون؛ وهو قوله: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) [آل عمران:18] فقد جمع، ثم فرق، فقال: ((وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ)) [آل عمران:18]، كذلك قوله: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ)) [البقرة:136]، وقد جمع؛ ثم فرق، فقال: ((وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ)) [البقرة:136].

* ملحوظة:

من الواضح جيداً أن في الكلام كثيراً من الوضوح؛ بل ومن التصريح، ولنلاحظ كيف يفسرون الآيات الكريمة تفسيراً ما أنزل الله به من سلطان.

ومنها:

قال قوم: الجمع ما جمع البشرية في شهود الربوبية، والتفرقة ما فرقها عن تقسيم الرسوم، وقد ذهب الجنيد إلى أن قربه بالوجد جمع، وغيبته في البشرية تفرقة (أي: قرب الله في الوجد، وغيبة الله في البشرية). وقال أبو بكر الواسطي: إذا نظرت إلى نفسك فرقت، وإذا نظرت إلى ربك جمعت.. يضيف الطوسي قوله: وهذه أحرف مختصرة في معنى الجمع والتفرقة ولمن يتدبر في فهمه إِن شاء الله.

ومن شروح ابن عجيبة في (الفتوحات): ...قال شيخ شيوخنا علي العمراني رضي الله عنه في كتابه: اعلم أن الكلف (أي: القيام بالتكاليف) صفة من أوصاف الفرق، وعدم الكلف صفة من أوصاف الجمع، والفرق عبودية، وهو حق؛ والجمع ربوبية، وهو حق أيضاً، صار الحق هو القائل وهو المستمع لما قال؛ لأجل هذا المعنى تجد هؤلاء المتوجهين إلى الله تعالى، من غلب عليه شهود الجمع، تجده في غاية البسط والراحة من الكلف، ومن غلب عليه شهود الفرق تجده في غاية القبض والتعب والكلف.. اهـ.

* المعنى الصريح:

الجمع: هو جمع الخالق والمخلوق في وحدة، وشهود أن الله سبحانه هو كل الأشياء والموجودات، (ما الكون إلا القيوم الحي)، أو أنها جزء منه.

والفرق: هو التفريق بين الخالق والمخلوق، والظن أن المخلوق غير الخالق، والمؤمن بهذا سماه الغزالي في إحيائه (مشرك تحقيقاً) ؛ لأنه يجعل مع الله شريكاً له في الوجود.

* الحق بالحق للحق:

يقول الطوسي: وأما معنى قولهم: (الحق بالحق للحق) فالحق هو الله عز وجل. قال أبو سعيد الخراز: عبد موقوف مع الحق بالحق للحق، يعني: موقوف مع الله بالله لله، وكذلك: (منه له به) يعني: من الله لله بالله([205])...

أقول: يتوضح معنى العبارة إذا عرفنا أنها تشير إلى وحدة الوجود وإلى تحقق المعْنيِّ بها بالألوهية.

* التوحيد:

محو آثار البشرية وتجريد الألوهية (والمعنى الصريح هو: توحيد كل الموجودات في وجود واحد، أي: لا موجود إلا الله، وقد خانتهم العبارة في هذا القول الذي يجب أن يكون (محو آثار الخلقية وتجريد الألوهية).

* الِإحسان:

أن تعبد الله كأنك تراه.. وذلك منهم مع كمال توكلهم على ربهم وصفاء توحيدهم وقطعهم النظر إلى الأغيار ورؤيتهم النعم من المنعم (معجم مصطلحات الصوفية).

وهو التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة، أي: رؤية الحق موصوفاً بصفاته بعين صفته...لأنه تعالى هو الرائي وصفه، وهو دون مقام المشاهدة في مقام الروح (اصطلاحات الصوفية للكاشاني).

* الفناء:

الطوسي في (اللمع) عن جعفر الخلدي: سمعت الجنيد يقول: وسئل عن الفناء فقال: إذا فني الفناء عن أوصافه وأدرك البقاء بتمامه.

قال: وسمعت الجنيد يقول وقد سئل عن الفناء؟ فقال: استعجام كلك عن أوصافه، واستعمال الكل منك بكليتك.

وقال ابن عطاء: من لم يفن عن شاهد نفسه بشاهد الحق، ولم يفن عن الحق بالحق، ولم يغب في حضوره عن حضوره، لم يقع بشاهد الحق.

وقال الشبلي: من فني عن الحق بالحق لقيام الحق بالحق، فني عن الربوبية فضلاً عن العبودية.

الخلاصة: الفناء هو الجذبة، أو ما يحصل أثناء الجذبة من غيبوبة عن الخلق، وهذا هو الفناء عن الخلق، أو ما يحصل من غيبوبة يتوهمونها أنها في الحق، ويسمونها: الفناء في الله، وهي شعور المجذوب بالألوهية.

* ملحوظة:

بدأت بالمصطلحات السابقة لأهميتها، والباقية ستكون حسب الترتيب الأبجدي.

* الاتحاد: هو شهود وجود الحق الواحد المطلق، الذي الكل به موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجوداً به معدوماً بنفسه، لا من حيث أن له وجوداً خاصاً اتحد به، فإنه محال. [أي: أنهم يعنون بالاتحاد (وحدة الوجود). ولننتبه إلى الجملة (لا من حيث إن له وجوداً خاصاً اتحد به، فإنه محال)].

* الأحد: هو اسم الذات، باعتبار انتفاء تعدد الصفات والأسماء والنسب والتعينات عنها.

* انصداع الجمع: هو الفرق بعد الجمع، بظهور الكثرة في الوحدة، واعتبارها فيها. (ويسمى أيضاً: الفرق الثاني، وصحو الجمع،..).

* البارقة: هي لائحة ترد من الجناب الأقدس (هكذا يتوهمون) وتنطفىء سريعاً، وهي من أوائل الكشف ومبادئه.

* الباطل: ما سوى الحق، وهو العدم، إذ لا وجود في الحقيقة إلا للحق؛ لقوله عليه السلام: {أصدق بيت قاله العرب قول لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل                 وكل نعيم لا محالة زائل }

* البرزخ: هو الحائل بين الشيئين، ويعبر به عندنا (عالم المثال) أعني الحاجز بين الأجساد الكثيفة وعالم الأرواح المجرد، (أعني: الدنيا والآخرة) ومنه الكشف الصوري. (المعنى الصريح: البرزخ هو عالم الجذبة، ويسمونها (البرزخ الأول) والبرزخ الثاني هو البرزخ بالمعنى الشرعي المعروف).

* البواده: جمع بادهة، وهي ما يفجأ القلب من الغيب، فيوجب بسطاً أو قبضاً.

* الجلاء: هو ظهور الذات المقدسة لذاتها في ذاتها، والاستجلاء: ظهورها لذاته في تعيناته.

- لننتبه جيداً إلى الجملة الأخيرة: (ظهورها لذاته في تعيناته).

* الهواجم: ما يرد على العبد بقوة الوقت من غير تعمق من العبد، وهي البواده المذكورة.

* الواحدية: اعتبار الذات (أي: الإلهية) من حيث انتشاء الأسماء منها، وأحديتها بها، مع تكثرها بالصفات.

* الوارد: كل ما يرد على القلب من المعاني من فحص مواهبه، من غير تعمل من العبد.

* واسطة الفيض وواسطة المد: وهوالِإنسان الكامل الذي هو الرابطة بين الحق والخلق بمناسبة للطرفين، كما قال تعالى: لولاك لما خلقت الأفلاك!

* ملحوظة:

هذا كذب على الله سبحانه، إذ لا أصل لهذا القول إلا في اختراعاتهم.

* الوجود: وجدان الحق ذاته بذاته، ولهذا تسمى حضرة الجمع حضرة الوجود، وجهان لعناية، هما: الجذبة والسكون، اللذان هما جهتا الهداية، وجهان للِإطلاق والتقييد، وهما جهتا اعتبار الذات بحسب سقوط جميع الاعتبارات، وبحسب إثباتها..

* ملحوظة:

ليس الفرق كبيراً بين قراءة هذا الهراء وبين علك اللباد. والمعنى بدون ثرثرة هو: الوجود هو الحالة التي يجد بها المجذوب أنه هو الله، وأن كل شيء هو الله (جل الله)، أو أنه يجد أن الله موجود به، أو أنه هو موجود في الله (تعالى الله)، ولذلك يطلقون على الله سبحانه اسم (الوجود)، وللهراء تتمة حذفناها رحمة بأعصاب القارىء.

* الحال: ما يرد على القلب بمحض الموهبة، من غير تعمل أو اجتناب كحزن أو خوف أو بسط أو قبض أو شوق أو ذوق (يجب الانتباه إلى معنى كلمة ذوق). ويزول بظهور صفات النفس، سواء يعقبه الميل أو لا، فإذا قام وصار ملكاً سمي مقاماً.

* الحجاب: انطباع الصور الكونية في القلب، المانعة لقبول تجلي الحقائق.

* حقيقة الحقائق: هي الذات الأحدية الجامعة، بجميع الحقائق وتسمى حضرهّ الجمع، وحضرة الوجود.

* الحقيقة المحمدية: هي الذات (أي: الِإلهية) مع التعين الأولى، فله (أي: لمحمد) الأسماء الحسنى كلها وهو الاسم الأعظم.

* الطالع: أول ما يبدو من تجليات الأسماء الِإلهية على باطن العبد، فيحسن أخلاقه وصفاته بتنوير باطنه.

- لعل القارىء يذكر ما هو معنى «يحسن أخلاقه وصفاته» وإن كان قد نسي فليرجع إِلى صفحات سابقة.

* الطمس: هو ذهاب رسوم السيار (أي: السالك) بالكلية في صفاء نور الأنوار.

* يوم الجمعة: وقت اللقاء والوصول إلى عين الجمع: (أي: وقت التحقق بالألوهية).

* الكل: اسم للحق تعالى، باعتبار الحضرة الواحدية الإلهية الجامعة للأسماء كلها، ولهذا يقال: أحد بالذات كلٌّ بالأسماء [وواضح أن (الكل) تعني كل شيء في الوجود].

* اللائحة: هي ما يلوح من نور التجلي، ثم يروح، وتسمى أيضاً بارقة وحضرة.

* اللطيفة: كل إشارة رقيقة المعنى، يلوح منها في الفهم معنى لا تسعه العبارة.

* اللوامع: أنوار ساطعة تلمع لأهل البدايات من أرباب النفوس الصافية الطاهرة، فتنعكس من الخيال إلى الحس المشترك، فتصير مشاهدة بالحواس الظاهرة، فتتراءى لهم كأنوار الشهب والقمر والشمس فتضيء ما حولهم. وهي إما من غلبة أنوار القهر والوعيد على النفس، فتضرب إلى الحمرة، وإما من غلبة أنوار اللطف والوعد، فتضرب إلى الخضرة والفقوع.

* المحو: رفع أوصاف العادة، بحيث يغيب العبد عندها عن عقله (أي: الجذبة)، ويحصل منه أفعال وأقوال لا مدخل لعقله فيها كالسكر من الخمر.

* محو الجمع والمحو الحقيقي: هو فناء الكثرة في الوحدة: (أي: استشعار وحدة الوجود).

* المفتاح الأول: هو اندراج الأشياء كلها على ما هي عليه في غيب الغيوب، الذي هو أحدية الذات: كالشجرة في النواة، ويسمى بالحروف الأصلية.

* ممد الهمم: هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه الواسطة في إفاضة الحق والهداية على من يشاء من عباده.

* المنقطع الوحداني: هو حضرة الجمع التي ليس للغير فيها عين ولا أثر، فهي محل انقطاع الأغيار، وعين الجمع الأحدية، ويسمى منقطع الِإشارة، وحضرة الوجود، وحضرة الجمع.

* نهاية السفر الأول: هو رفع حجاب، الكثرة عن وجه الوحدة.

* نهاية السفر الثاني: رفع حجاب الوحدة عن وجوه الكثرة العلية الباطنية.

* نهاية السفر الثالث: هو زوال التقيد بالضدين (أي: الجمع والفرق) ظاهراً وباطناً، بالحصول في أحدية عين الجمع.

* نهاية السفر الرابع: شهود اضمحلال الخلق في الحق، واندراج الحق في الخلق، حتى يرى العين الواحدة (أي: الله سبحانه) في الصور الكثيرة، والصور الكثيرة في عين الوحدة.

* السالك: هو السائر إلى الله (بل إلى الجذبة) المتوسط بين المريد والمنتهي، ما دام في السير (أي: يقوم بالذكر والخلوة).

* الستائر: صور الأكوان؛ لأنها مظاهر الأسماء الِإلهية، تعرف من خلقها.

* سر التجليات: هو شهود كل شيء في كل شيء، وذلك بانكشاف التجلي الأول للقلب، فيشهد الأحدية الجمعية بين الأسماء كلها، لاتصاف كل اسم بجميع الأسماء، لاتحادها بالذات الأحدية، وامتيازها بالتعينات التي تظهر في الأكوان التي هي صورها، فيشهدكل شيء.

* سر الربوبية: هو ظهور الرب بصور الأعيان، فهي من حيث مظهريتها للرب القائم بذاته الظاهر بتعيناته قائمة به موجودة بوجوده.

* العالم: هو الظل الثاني، وليس إلا وجود الحق الظاهر بصور الممكنات كلها، فلظهوره بتعيناتها سمي باسم السوى والغير...وإلا فالوجود عين الحق.. فالعالم صورة الحق، والحق هوية العالم وروحه، وهذه التعينات في الوجود الواحد أحكام اسم الظاهر الذي هو مجلى لاسمه الباطن.

* العارف: من أشهدهُ الله تعالى ذاته وصفاته وأسماءه وأفعاله، فالمعرفة حال تحدث عن شهود (انظر معنى كلمة شهود فيما بعد).

* عين الجمع: اسم من أسماء التوحيد (أي: توحيد الخالق والمخلوق في وحدة واحدة).

* عين الحياة: مظهر الحقيقة الذاتية من هذا الوجود، أو: هو باطن الاسم الحي الذي من تحقق به شرب من ماء عين الحياة الذي من شرب منه لا يموت أبداً؛ لكونه حيًّا بحياة الحق، وكل حي في العالم يحيا بحياة هذا الِإنسان لكونه حياتُه حياةُ الحق.

* الري: مزج الأوصاف بالأوصاف، والأخلاق بالأخلاق، والأنوار بالأنوار، والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت، والأفعال بالأفعال (هذا التعريف لأبي الحسن الشاذلي من طبقات الشعراني).

* العيد: ما يعود على القلب من التجلي، أو وقت التجلي كيف كان.

* الفرق الأول: هو الاحتجاب بالخلق عن الحق، وبقاء الرسوم الخلقية بحالها. (أي: هي حالة المحجوبين- مثلنا- الذين يظنون أن الخلق هم غير الحق).

* الفرق الثاني: هو شهود قيام الخلق بالحق، ورؤية الوحدة فى الكثرة، والكثرة في الوحدة، من غير احتجاب صاحبه بإحداهما عن الأخرى.

 (أي: هو كما يقول ابن عجيبة: إياك أن تقول أنا الله، واحذر أن تكون سواه).

* الفرقان: فرق.

* القرآن: جمع.

* فرق الجمع: هو الفرق الثاني، ومثله: صحو الجمع، والفرق في الجمع.

* الفهوانية: خطاب الحق بطريق المكافحة في عالم المثال. (كلمات كلها غموض ولكن عرفنا ما هو عالم المثال، إنه في الواقع عالم الجذبة عندما يكون المجذوب غائباً عن شعوره بالمخلوقية، وعندما يشعر أنه الله، ويكون معنى (الفهوانية) هو الكلام الذي يسمعه المجذوب من نفسه باعتباره هو الله، أثناء الجذبة).

* صاحب الزمان، وصاحب الوقت، وصاحب الحال: هو المتحقق بجمعية البرزخية الأولى، المطلع على حقائق الأشياء، الخارج عن حكم الزمان وتصرفات ماضية ومستقبلة، إلى (الآن) الدائم، فهو ظرف لأحواله وصفاته وأفعاله، فلذلك يتصرف في الزمان بالطي والنشر، وفي المكان بالقبض والبسط؛ لأنه المتحقق بالحقائق والطبائع، والحقائقُ في القليل والكثير، والطويل والقصير، والعظيم والصغير سواء، إذ الوحدة والكثرة والمقادير كلها عوارض، فكما يتصرف في الوهم فيها، كذلك في العقل فصدّق، وافهم تصرفه فيها في الشهود والكشف الصريح، فإن المتحقق بالحق المتصرف بالحقائق، يفعل ما يفعل في طوروراء أطوار الحس والوهم والعقل، ويتسلط على العوارض بالتغيير والتبديل.

* الصعق: هو الفناء في الحق بالتجلي الذاتي: (أي: التحقق بالألوهية وذوقها).

* صورة الحق: هو محمد صلى الله عليه وسلم، لتحققه بالحقيقة الأحدية والواحدية، ويعبر عنه بـ (صاد) كما لوح إليه ابن عباس رضي الله عنه، حين سئل عن معنى (ص) فقال: جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن.

* الرداء: هو ظهور صفات الرب على العبد.

* الرسم: هو الخلق وصفاته.

* الرعونة: الوقوف مع حظوظ النفس ومقتضى طباعها. (أي: هي الركون إلى الشعور بالمخلوقية، أو هي الركون إلى الفرق الأول).

* الشاهد: ما يحضر القلب من آثار المشاهدة (أي: مشاهدة الألوهية) وهو الذي يشهد له بصحة كونه محتظياً من مشاهدة شهوده، إما بعلم لدني لم يكن له فكان، أو وجد، أو حال، أو تجل وشهود.

* شعب الصدع: هو جمع الفرق بالترقي عن حضرة الواحدية إلى حضرة الأحدية، ويقابله صدع الشعب، هو النزول عن الأحدية إلى الواحدية.

* الشهود: رؤية الحق بالخلق (أي: رؤية الله في المخلوقات، يعني رؤية أن كل شيء هو الله).

* شهود المفصل في المجمل: رؤية الكثرة في الذات.

* شهود المجمل في المفصل: رؤية الأحدية في الكثرة.

* شواهد الحق: هي حقائق الأكوان، فإنها تشهد بالكون.

* الشئون الذاتية: اعتبار النفوس والأعيان والحقائق في الذات الأحدية، كالشجرة وأغصانها وأوراقها وأزهارها وأثمارها في النواة.

* التحقيق: شهود الحق في صور أسمائه التي هي الأكوان، فلا يحتجب بالحق عن الخلق، ولا بالخلق عن الحق (أي: هو مقام البقاء).

* الذوق: هو أول درجات شهود الحق بالحق في أثناء البوارق المتوالية، عن أدنى لبثة من التجلي البرقي، فإذا زاد وبلغ أوسط مقام الشهود، سمي شرباً، فإذا بلغ النهاية سمي ريًّا.

* ذو العقل والعين: هو الذي يرى الحق في الخلق، والخلق في الحق، ولا يحتجب بأحدهما عن الآخر، بل يرى الوجود الواحد بعينه حقًّا من وجه، وخلقاً من وجه، فلا يحتجب بالكثرة عن شهود الوجه الواحد الأحد، ولا يزاحم في شهود كثرة المظاهر أحدية الذات التي يتجلى فيها، ولا يحتجب بأحدية وجه الحق عن شهود الكثرة الخلقية.

* ظاهر الممكنات: هو تجلي الحق بصور أعيانها وصفاتها، وهو المسمى بالوجود الِإضافي، وقد يطلق عليه (ظاهر الوجود).

* ظل الإله: هو الِإنسان الكامل المتحقق بالحضرة الواحدية.

* الغوث: هو القطب حينما يلتجأ إليه.

* غيب الهوية: هو الذات (الإلهية) باعتبار اللاتعين.

* العبارة والِإشارة والرمز: الِإشارة أرق وأدق من العبارة، والرمز أدق من الِإشارة، فالأمور ثلاثة: عبارات وإشارات ورموز، وكل واحدة أدق مما قبلها، فالعبارة توضح، والِإشارة تلوح، والرمز يفرح، أي: يفرح القلوب بإقبال المحبوب.

- أقول: هكذا يعرف ابن عجيبة العبارة والِإشارة والرمز في كتابه (إيقاظ الهمم) ص (118)، لكن أقوال القوم واستعمالاتهم تجعل المعنى خلاف ذلك.

فالعبارة: هي الجملة التي يستعملها المتصوفة فيتفاهمون بها فيما بينهم، ولا يفهم الآخرون من حقيقة معانيها شيئاً، إلا معان يتوهمونها لجهلهم، والعبارة تكون إشارة أو رمزاً أو لغزاً، وهذه الثلاثة متقاربة المعاني، ولا فائدة من تفصيلها هنا([206]).

* عالم المثال: الجذبة ورؤاها.

* طريق المكافحة: هو معاملة السالك (أي: مشاهدته ومخاطبته وسمعه) لله بالله (أي: لله الكائن فى السالك، بالله الذي استشعره السالك. فهو مثلاً: يسمع من الله بالله، أي: يسمع من الله الباطن فيه بالله الذي هو نفسه حين استشعار الألوهية، أو يسمع من نفسه بنفسه، أي: من نفسه التي هي الله الباطن فيه، بنفسه التي وصلت إلى الشعور بالألوهية وذوقها وذوق معانيها).

* الحضور: النفس حين تتحد بالواحد في حال الجذب (هذا التعريف هو لأفلوطين، من المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية)، وإذا أردنا أن نصيغ هذه الجملة بالعبارة الصوفية، نقول: الحضور هو الفناء في الذات.

- قبل الانتقال إلى الفصل الثاني، نورد هذا النص للتذكير والتوكيد.

- يقول الدكتور سيد حسين نصر (صوفي شديد التحمس للصوفية):

..والأدب الصوفي الضخم الوارد فى جميع اللغات الِإسلامية.. هذا الأدب أشبه بمحيط يزخر بأمواج تندفع في جهات مختلفة، وتتخذ صوراً متباينة لكنها تعود دوماً إلى المنشأ الذي انطلقت منه.. لقد كان أقطاب التصوف على اتفاق في لباب ما قالوه عبر العصور وإن تباينت تعابيرهم([207])..

- يفهمنا هذا النص أن كل العبارات الصوفية المختلفة التي مرت والتي ستمر والتي لن تمر معنا، كلها تشير إلى معنى واحد، (وقد عرفناه، إنه وحدة الوجود).

يقول سيد حسين نصر مؤكداً:

..وكل ما نستطيعه هو التشديد على أن التعاليم الصوفية تدور حول عقيدتين أساسيتين هما: (وحدة الوجود)، و(الإنسان الكامل). إن جميع الأشياء تجليات للأسماء الحسنى والصفات الِإلهية، فبالِإنسان الكامل يتصور الله بذاته، ويتأمل جميع الأشياء التي جاء بها إلى- حيز الوجود([208]).

لننتبه إلى تعريفه للِإنسان الكامل، وقد عرفنا مما سبق أن الِإنسان الكامل عندهم هو الذي وصل إلى مقام الفرق الثاني، وقد يضيفون المقدرة على كسب ثقة الآخرين، ويجعلونَ محمداً صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى للِإنسان الكامل، ولذلك، كثيراً ما يطلقون هذه العبارة (الِإنسان الكامل) وهم يعنونه بها.

في ختام هذا الفصل أعود فأذكر أن كتّاب الصوفية وشعراءها ومتكلميها يتفاوتون فيما بينهم بالمقدرة الفنية على سبك العبارة الصوفية بإشاراتها ورموزها وألغازها التي تطوي دائماً في ثناياها معنى وحدة الوجود، ويأتي في مقدمتهم: الجنيد، وعبد القادر الجيلاني، وأحمد الرفاعي، وشهاب الدين السهروردي البغدادي.. وآخرون.

وكان من الممكن أن يكون محيي الدين بن عربي منهم، لولا كثرة تواليفه مع كثرة ما يورد فيها من عبارات شعرية ونثرية، جعلت قسماً منها يخونه بوضوحه؛ لأن من كثر لغطه كثر غلطه، وللزيادة في التبيين والمساعدة على التمرس باللغة الصوفية، أُورد مثلاً من عبارات الجنيد:

جاء في كتاب (دقائق التفسير الجامع لتفسير الِإمام ابن تيمية) قول ابن تيمية رحمهُ الله:

(...وبين لهم الجنيد الفرق الثاني، وهو أنهم مع مشاهدة المشيئة العامة، لا بد لهم من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه، وهو الفرق بين ما يحبهُ وما يبغضه، وبين ذلك لهم الجنيد، كما قال في التوحيد: هو إفراد الحدوث عن القدم)([209]).. إلخ.

أقول: رحم الله ابن تيمية، لم يكلف نفسه دراسة اللغة الصوفية وعباراتها، فانزلق مثل هذا الانزلاق.

وأظن أن عبارة الجنيد (مشاهدة المشيئة العامة) هي الآن واضحة المدلول، أما العبارتان: (ما يأمر الله به، وما ينهى عنه) فقد تغيب الإشارة فيهما عن القارئ الذي لم يتمرس بعد باللغة الصوفية، فإلى ماذا تشيران؟

مر معنا في صفحات سابقة، وسيمر فيما يأتي من فصول أنهم يقولون بالِإسلام والِإيمان والِإحسان الذي جاء في الحديث الشريف، وأنهم يفسرون (الِإحسان) أنه الفناء في الذات، أو استشعار الألوهية وتذوقها، وبالتالي معرفة وحدة الوجود استشعاراً وذوقاً وتحققاً.

ومر معنا- وسيمر- أنهم يجعلون معنى كلمة (الفاحشة، أو الفواحش) الواردة في القرآن الكريم هو البوح بالسر، ولنتذكر أيضاً تفسيرهم للآية الكريمة: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ)) [الحاقة:44]، وغيرها.

من هنا تتوضح الِإشارة في قول الجنيد (ما يأمر الله به) التي تشير إلى الآية الكريمة: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ...)) [النحل:90]، وكذلك الِإشارة في قوله: (وما ينهى عنه) التي تشير إلى الآية الكريمة: ((وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ...)) [النحل:90].

أي إن عبارة الجنيد: (ما أمر الله به) تشير إلى (الِإحسان) الذي يأْمر الله به، والذي هو عندهم معرفة وحدة الوجود؛ وعبارته: (وما ينهى عنه) تشير إلى (الفحشاء) التي ينهى الله سبحانه عنها، والتي هي عندهم البوح بالسر.

وبذلك تكون العبارة: (لا بد لهم من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه) لها نفس معنى عبارة الشاذلي: (اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً) ونفس معنى عبارة الجيلاني (فبظاهره ينظر إلى ما في السوق، وبقلبه ينظر إلى ربه عز وجل، إلى جلاله تارة وإلى جماله تارةً أخرى)، ونفس معنى عبارة ابن عجيبة: (إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه)..

وكذلك العبارة: (الفرق بين ما يحبه وما يبغضه) تشير إلى نفس المعنى.

أما عبارة: (إفراد الحدوث عن القدم) فتحمل نفس معنى (اجعل الفرق في لسانك موجوداً).

- ومثل آخر من عبارات أحمد الفاروقي السرهندي([210])، يقول:

...مثلاً، قالت طائفة، من السكر، بالِإحاطة الذاتية، ورأوا أن الحق محيط بالعالم بالذات تعالى وتقدس، وهذا الحكم مخالف لآراء علماء أهل الحق، فإنهم قائلون بإحاطة علمية، وآراء العلماء أقرب إلى الصواب في الحقيقة([211])...ا هـ. إنه يقول: إن القائلين: إن الله سبحانه محيط بالعالم إحاطة علمية (أي: بعلمه سبحانه)، هم أقرب إلى الصواب من القائلين بأنه محيط بالعالم بذاته، ولعل القارىء انتبه إلى أن القول بالإحاطة الذاتية يقتضي الاثنينية: محيط ومحاط به، بينما القول بالإحاطة العلمية لا يقتفي لا الوحدة ولا الاثنينية، أَي: إن القول بأن الله سبحانه محيط بالعالم بعلمه لا يتنافى مع وحدة الوجود، كما أنه لا يتنافى مع التفريق بين الخالق والمخلوق، ولذلك كان هذا القول أقرب إلى الصواب. (ولننتبه إلى عبارة (أقرب إلى الصواب) التي تعني أنه ليس الصواب بعينه، وإنما هو أقرب إليه من ذلك القول). وبعبارة أوضح: إن مقولة (الإحاطة الذاتية) يمكن أن تحمل معنى الاثنينية أكثر من مقولة (الإحاطة العلمية) ولذلك كانت مقوله (الإحاطة العلمية) أقرب إلى الصواب الذي هو وحدة الوجود.

 

 

 

([1]) الأنوار القدسية في بيان الآداب للشعراني، هامش الطبقات: (1/134)، والمناظر الإلهية، (ص:44)، والفتوحات الإلهية، (ص:44) وغيرها.

([2]) التعرف لمذهب أهل التصوف، [باب: 65، (ص:145)].

([3]) الشبلي من أصحاب الجنيد وأقرانه مات في بغداد عام (334هـ).

([4]) اللمع، (ص:306).

([5]) المناظر الإلهية، (ص:44)، وكشف الحجاب، (ص:373) وغيرها.

([6]) إحياء علوم الدين: (4/292)، ولعل الفقرة (وهم يجدون المزيد.. إلخ) هي من تعليق الغزالي.

([7]) إحياء علوم الدين: (4/292)، ولعل الفقرة (وهم يجدون المزيد.. إلخ) هي من تعليق الغزالي.

([8]) إحياء علوم الدين: (4/288).

([9]) في البيت إقواء.

([10]) سهل التستري، من تستر، بلد من الأهواز، من أئمة القوم، توفي عام: (283هـ) أو (273هـ).

([11]) إحياء علوم الدين: (1/89).

([12]) قتل صلباً عام: (309هـ).

([13]) الطواسين، طايسين النقطة.

([14]) أخبار الحلاج، (ص:57).

([15]) ديوان الحلاج، (ص:28).

([16]) الطواسين (طاسين النقطة).

([17]) الطواسبن (طاسين الصفاء).

([18]) أحمد بن محمد النوري، بغدادي من أقران الجنيد مات سنة: (295هـ)، وترد كنيته في كتبهم أحياناً (أبو الحسن) وأحياناً (أبو الحسين)، وقد اعتمدت الثانية (أبو الحسين) دون تحقق، إذ لا يهمنا ذلك في هذا الكتاب.

([19]) التعرف لمذهب أهل التصوف، (ص:146).

([20]) إحياء علوم الدين: (1/88).

([21]) أبو العباس بن محمد بن عطاء الأدمي البغدادي، من أقران الجنيد، مات سنة: (309هـ).

([22]) التعرف، [باب: 65 (ص:146)].

([23]) التعرف، [باب: 31 (ص:89)].

([24]) عبارة: (وأنشدونا أيضاً له) هي لأبي بكر الكلاباذي مؤلف (التعرف).

([25]) الباده وردت في الرسالة القشيرية، حاشية العروسي (2/84).

([26]) تعريف البادي من معجم مصطلحات الصوفية مادة (وارد).

([27]) تعريف الوارد من معالم الطريق إلى الله: (ص:428).

([28]) تعريف الأحوال من معجم مصطلحات الصوفية، مادة (حال).

([29]) التعرف، (باب:65).

([30]) حاشية العروسي: (2/46)، الهامش.

([31]) حاشية العروسي: (2/43)، ويعرف ابن عربي في (كتاب اصطلاح الصوفية) الوجد بأنه: ما يصادف القلب من الأحوال المغيّبة له عن شهوده.

([32]) اللمع، (ص:51).

([33]) اللمع، (ص:303).

([34]) محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، نشأ في مكة ومات في بغداد سنة: (386هـ).

([35]) قوت القلوب: (2/81).

([36]) أي: مشاهدة الحق (الله).

([37]) رسائل ابن عربي (اصطلاح الصوفية).

([38]) رسائل ابن عربي.

([39]) رسائل ابن عربي.

([40]) حاشية العروسي: (2/61).

([41]) حاشية العروسي: (2/61).

([42]) قوت القلوب: (2/77).

([43]) علي بن محمد بن العباس، نزيل فارس، بقي إلى سنة: (400هـ) ويمكن أن تكون وفاته سنة: (407هـ).

([44]) الإشارات الإلهية، (ص:48).

([45]) الإشارات الإلهية، (ص:195).

([46]) معجم مصطلحات الصوفية باختصار.

([47]) محمد بن إبراهيم، فارسي، مات سنة: (380هـ) أو (390هـ).

([48]) التعرف، (ص:111).

([49]) أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن، مات سنة: (465هـ) في نيسابور.

([50]) الرسالة القشيريه، (ص:31).

([51]) محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي مات في طوس سنة: (505هـ).

([52]) هذا الكلام، بل الكتاب (مشكاة الأنوار) كله هو جواب لسائل سأله.

([53]) مقدمة كتاب مشكاة الأنوار.

([54]) إحياء علوم الدين: (1/88).

([55]) سنن ابن ماجة، المقدمة، حديث: (43).

([56]) بتلقينها، هكذا في الِإحياء، ولعلها غلطة في النسخ أو الطباعة، ولعل الصحيح هو (بتلقيها).

([57]) إشارة إلى حديث ابن مسعود حين سأله اليهود عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم حتى نزلت الآية، واستعماله في هذا الموضوع هو مغالطة صريحة.

([58]) الإحياء: (1/89).

([59]) إحياء علوم الدين: (1/92).

([60]) إحياء علوم الدين: (1/255).

([61]) مرّ معنا قبل صفحات معنى عبارة: (صفاته المذمومة).

([62]) الإحياء: (1/18).

([63]) الإحياء: (4/85).

([64]) الإحياء: (4/74).

([65]) الإحياء: (4/75).

([66]) الإِحياء: (4/213).

([67]) الإحياء: (4/212).

([68]) مشكاة الأنوار (حقيقة الحقائق)، (ص:55).

([69]) مشكاة الأنوار (إشارة) (ص:57).

([70]) النفحات الغزالية، (ص:149).

([71]) النفحات الغزالية، (ص:173)، والأبيات ليست متتابعة في القصيدة.

([72]) النفحات الغزالية، (ص:169).

([73]) النفحات الغزالية، (ص:170).

([74]) أبو محمد محيي الدين عبد القادر بن أبي صالح موسى جنكي دوست، ولد في جيلان عام (470)، وعاش في بغداد، وتوفي فيها عام (561هـ).

([75]) الفتح الرباني، (ص:200).

([76]) الفتح الرباني، (ص:225).

([77]) الفتح الرباني، (ص:362).

([78]) فتوح الغيب، (ص:63، 64).

([79]) فتوح الغيب، (ص:230)، وقد أورد ابن عربي هذه القصيدة في (كتاب الإسرا) في (باب سفر القلب) كما أورد أبياتاً منها في مقدمة الفتوحات المكية مع التصريح بأنها له، وقد أورد البيت (وأسراراً تراءت مبهمات) بدلاً من (وأسراري قراءة مبهمات)..

([80]) أحمد محيي الدين أبو العباس الرفاعي ولد وعاش في أم عبيدة (كسفينة) من أعمال واسط بالعراق، وتوفي فيها عام (578هـ).

([81]) قلادة الجواهر (ص:83)، وعلي هذا هو علي بن عثمان ابن أخت الشيخ أحمد، وهو صاحب كتاب (السر الجلالي والمقامات والمعالي).

([82]) أعلام التصوف الإسلامي لأحمد أبو كف (ص:26، 27).

([83]) قلادة الجواهر، (ص:226).

([84]) قلادة الجواهر، (ص:227).

([85]) قلادة الجواهر، (ص:227). في كتاب (بهجة الأسرار ومعدن الأنوار)، (ص:117) يعزى البيتان للشيخ سيف الدين قاضي القضاة أبي صالح؟؟.

([86]) قلادة الجواهر، (ص:279).

([87]) قلادة الجواهر، (ص:279).

([88]) أبو مدين شعيب بن حسين الأنصاري، أصله من (حصن قطنيانة) قرية تابعة لِإشبيلية في الأندلس، هاجر إلى

بجاية صغيراً، وعاش فيها، وتوفي في (العباد) خارج تلمسان عام: (594هـ) وقيل قبل ذلك.

([89]) الفتوحات الِإلهية، (ص:45)، وهي من قصيدة أولها:

تضيق بنا الدنيا إذا غبتمو عنا                  وتزهق بالأشواق أرواحنا منا

أوردها عبد الحليم محمود في كتابه (أبو مدين الغوث) حاذفاً منها هذا البيت؟؟!!.

([90]) من أكبر مشايخ الصوفية في مصر، توفي منذ سنوات قليلة.

([91]) كتاب (أبو مدين الغوث)، (ص:130).

([92]) أبو مدين الغوث، (ص:124).

([93]) مدينة جزائرية على ساحل البحر الأبيض.

([94]) أبو مدين الغوث، (ص:123).

([95]) ولد وعاشر في القاهرة ثم هاجر إلى مكة وبقي فيها (15) عاماً، ثم عاد إلى القاهرة وتوفي فيها عام: (632هـ).

([96]) التائية الكبرى، الديوان، (ص:23).

([97]) ديوان ابن الفارض، (ص:91).

([98]) التائية الكبرى.

([99]) شهاب الدين، يحيى بن حبش، قتل بحلب عام: (587هـ).

([100]) التصوف في الإسلام لعمر فروخ، (ص:115)..

([101]) أبو حفص، شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عموية، صحب عمه أبا النجيب السهروردي والشيخ عبد القادر الجيلاني، من سهرورد، توفي في بغداد عام: (632هـ).

([102]) عوارف المعارف، هامش إحياء علوم الدين: (1/303).

([103]) عوارف المعارف، هامش الإحياء: (2/99)..

([104]) ولد في مرسية في الأندلس، ثم انتقل منها إلى إشبيلية حيث اتصل بابن برجان وأخذ عنه الطريقة العريفية (وفي إمكانية هذا الاتصال نظر)، ثم ذهب إلى المغرب وأتصل بأبي مدين، وكثر تنقله في المشرق حتى استقر في دمشق ومات فيها عام: (638).

([105]) رسائل ابن عربي، كتاب الفناء، (ص:3).

([106]) رسائل ابن عربي، كتاب الفناء، (ص:4).

([107]) معجم المصطلحات الصوفية. [عبارة (عالم المثال) هي مصطلح إسماعيلي].

([108]) معجم مصطلحات الصوفية.

([109]) رسائل ابن عربي (الميم والواو والنون)، (ص:7).

([110]) معالم الطريق إلى الله (معجم مصطلحات الصوفية).

([111]) رسائل ابن عربي (اصطلاح الصوفية)، (ص:5).

([112]) ابن سبعين وفلسفته الصوفية.

([113]) رسالة الشيخ إلى الإمام الرازي، (ص:7).

([114]) رسائل ابن عربي (كتاب التراجم)، (ص:47).

([115]) رسائل ابن عربي (كتاب الإسرا)، (ص:47).

([116]) رسائل ابن عربي (كتاب الإسرا)، (ص:4).

([117]) فصوص الحكم (عفيفي) حكمة أحدية في كلمة هودية، (ص:110).

([118]) شرح القاشاني على الفصوص، (ص:157).

([119]) الحسن بن عضد الدولة علي، أخي المتوكل على الله ملك الأندلس، ابن يوسف بن هود الجذامي المرسي، مات في دمشق سنة: (699هـ).

([120]) أعلام الزركلي، (ج:2).

([121]) علي بن عبد الله بن عبد الجبار الضرير الزاهد، ولد في قرية (غمارة) قرب سبتة فى المغرب، واتصل بابن مشيش وأخذ عنه الطريقة، وبناءً على توجيهاته ذهب إلى شاذلة في تونس، حيث نسب إليها، أقام في الِإسكندرية، توفي وهو في طريقه إلى الحج في صحراء عيذاب سنة: (656هـ).

([122]) بداية الطريق إلى ناهج التحقيق، (ص:65).

([123]) قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد...ابن سبعين من بلدة رقوطة تابعة لمرسية في الأندلس، ويعرف أيضاً بابن دارة، مؤسس الطريقة السبعينية، تنقل في المغرب ومصر وأقام في مكة وفيها مات سنة: (669هـ).

([124]) رسائل ابن سبعين (الرسالة الفقيرية).

([125]) رسائل ابن سبعين (ملاحظات على بد العارفين)..

([126]) ابن سبعين وفلسفته الصوفية، (ص:100).

([127]) ابن سبعين وفلسفته الصوفية، (79).

([128]) ابن سبعين وفلسفته الصوفية، (ص:85).

([129]) أحمد أبو العباس المرسي، من أكابر العارفين، ومن السلسلة الشاذلية، صحب أبا الحسن الشاذلي، مات عام (768هـ).

([130]) طبقات الشعراني: (2/12).

([131]) طبقات الشعراني: (2/12).

([132]) تاج الدين بن عطاء الله السكندري، صحب ياقوت العرشي وأبا العباس المرسي، مات في القاهرة سنة (707هـ).

([133]) القصد المجرد، (ص:66، 67)، والأبيات ليست متتابعة.

([134]) أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعي، من عدن، انتقل منها حتى استقر في مكة ومات فيها عام: (768هـ).

([135]) نشر المحاسن الغالية، (ص:422).

([136]) نشر المحاسن، (ص:90).

([137]) نشر المحاسن: (ص:283).

([138]) لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد...السلماني، وزير الأندلس، وهو المخصوص في (نفح الطيب)، مات قتلاً بسبب كتابه (روضة التعريف) الصوفي، وذلك سنة: (776هـ).

([139]) روضة التعريف في الحب الشريف، (ص:431، 432).

([140]) عبد الكريم بن إبراهيم ابن سبط عبد القادر الجيلاني، غوث، مات سنة: (832هـ).

([141]) الإنسان الكامل، (ص:11).

([142]) الإنسان الكامل، من قصيدة مطلعها (لي في الغرام عجائب وأنا وربك ذو العجائب)، (ص:16).

([143]) الإنسان الكامل، (ص:45).

([144]) الإنسان الكامل، (ص:46). والأبيات من قصيدته المسماة (البوادر الغيبية في النوادر العينية)، وهي طويلة ومشهورة.

([145]) فتوح الغيب، (ص:202).

([146]) الإِنسان الكامل، (ص:61).

([147]) المناظر الإلهية، (ص:77).

([148]) أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف التجيبي المعروف بابن البنا السرقسطي، من سرقسطة في الأندلس، انتقل إلى فاس ومات فيها في النصف الأول من القرن التاسع الهجري.

([149]) الفتوحات الإلهية (ص:27)، والأبيات من قصيدته المشهورة (المباحث الأصلية).

([150]) الفتوحات الالهية، (ص:43) وما قبلها.

([151]) الفتوحات الإلهية، (ص:112).

([152]) الفتوحات الإلهية، (ص:351) وما قبلها.

([153]) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، ولد في تونس عام: (1334م)، تقلب في البلاد، وتوفي في القاهرة عام (1406م)، الموافق لسنة: (808هـ).

([154]) الفتوحات الإلهية، (ص:347).

([155]) أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري المعروف بالشعراني، توفي في القاهرة سنة: (973هـ).

([156]) الطبقات الكبرى: (1/2).

([157]) الطبقات الكبرى: (1/12).

([158]) الأنوار القدسية: (1/29).

([159]) الأنوار القدسية: (163).

([160]) سيدي عبد الرحمن المجذوب من الأولياء الأكابر!

كان مقطوع الذكر، قطعه بنفسه في أوائل جذبته، مات في القاهرة عام: (944هـ).

([161]) إيقاظ الهمم، (ص:112).

([162]) مؤسس الطريقة المجدية، مات في الهند سنة: (1034هـ/1625م).

([163]) المنتخبات من المكتوبات، (ص:7).

([164]) العارف بالله أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني مغربي من كبار صوفية القرن الثالث عشر الهجري، مات سنة: (1224هـ).

([165]) إيقاظ الهمم، (ص:39)، وجملة (الكون كله...) من الحكم العطائية.

([166]) إيقاظ الهمم، (ص:112).

([167]) إيقاظ الهمم، (ص:156).

([168]) إيقاظ الهمم، (ص:113).

([169]) الفتوحات الإلهية، حاشية الإيقاظ، (ص:346، 347).

([170]) الفتوحات الإلهية، (ص:427).

([171]) الفتوحات الإلهية، (ص:456).

([172]) الفتوحات الإلهية، (ص:347).

([173]) القطب الغوث الفرد المتمكن...السيد بهاء الدين محمد مهدي الشيوخي الشهير بالرواس، ابن علي الرفاعي الصيادي الحسيني الحسني، من بلدة سوق الشيوخ من أعمال البصرة، تجول كثيراً ومات في بغداد عام (1287هـ).

([174]) بوارق الحقائق، (ص:292).

([175]) بوارق الحقائق، (ص:273).

([176]) بوارق الحقائق، (ص:274).

([177]) المجموعة النادرة، (ص:287).

([178]) المجموعة النادرة، (ص:288).

([179]) محمود أبو الفيض بن علي بن عمر بن إبراهيم أبو ماضي...ولد في مدينة منوف من مديريات مصر عام (1312هـ)، وهو مؤسس الطريقة الفيضية، وصاحب مجلة العالم الِإسلامي، ورئيس تحريرها، ولعله يكون متمتعاً بالصحة أثناء كتابة هذه الكلمات.

([180]) بداية الطريق إلى مناهج التحقيق، (ص:66).

([181]) معالم الطريق إلى الله، (ص:444).

([182]) معالم الطريق إلى الله، (ص:257).

([183]) معالم الطريق إلى الله، (ص:257).

([184]) شيخ شيوخ العصر...القطب الكبير محمد أمين الكردي الِإربلي ابن الشيخ فتح الله زاده، أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ عمر النقشبندي، رحل إلى الحجاز ثم إلى القاهرة ومات فيها عام: (1332هـ).

([185]) الشيخ سلامة العزامي، أحد أكابر علماء الأزهر وتلميذ الشيخ الكردي.

([186]) ترجمة الشيخ الكردي في مقدمة كتاب تنوير القلوب، (ص:42).

([187]) معجم المصطلحات الصوفية.

([188]) شرح حاشية العروسي: (2/22).

([189]) الشيخ عبد القادر الحمصي، أخذ الطريقة عن الشيخ علي اليشرطي وهو قريب العهد.

([190]) اللطائف الروحية، (ص:42).

([191]) اللطائفة الروحية، (ص:82).

([192]) الشيخ العلامة العارف بالله سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن أنبوجة الشنقيطي التيشيتي، من أفراد أعلام الطريقة التجانية.. توفي عام: (1284هـ).

([193]) ميزاب الرحمة الربانية، (ص:113).

([194]) معجم مصطلحات الصوفية.

([195]) طبقات الشعراني: (1/12).

([196]) التصوف عند المستشرقين، (ص:14).

([197]) تقريب الأصول لتسهيل الوصول، (ص:51).

([198]) الفتح الرباني، (ص:216).

([199]) اليواقيت والجواهر: (1/14).

([200]) صحيح مسلم (كتاب العلم).

([201]) اليواقيت والجواهر، (ص:14- 19)، وقد حذفت منه كثيراً مما لا فائدة منه للبحث.

([202]) محمد العربي بن السائح الشرقي العمري نسبة، التجاني مشرباً، مغربي توفي سنة: (1309هـ)، وهو تلميذ أحمد التجاني وأحد خلفائه.

([203]) بغية المستفيد، (ص:18، 19، 20).

([204]) أبو بكر الشبلي حياته وآراؤه، (ص:5).

([205]) اللمع، (ص:411).

([206]) من يريد التفصيل يمكنه الرجوع إلى كتبهم، مثل: (إيقاظ الهمم) لابن عجيبة، (ص:118، 119)، وغيره من كتبهم.

([207]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:22).

([208]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:42).

([209]) دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية، جمع وتحقيق د. محمد السيد الجليد: (1/426).

([210]) أحمد بن عبد الأحد، يلقبونه بـ (مجدد الألف الثاني)، وهو مؤسس الطريقة المجددية، مات سنة (1034هـ/1625) في الهند.

([211]) المنتخبات من المكتوبات، (ص:10).

  • الاربعاء PM 03:13
    2021-08-11
  • 5371
Powered by: GateGold