المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414825
يتصفح الموقع حاليا : 249

البحث

البحث

عرض المادة

دور الجماعات اليهودية الاقتصادي في مصر في العصـر الحديث

Economic Role of the Jewish Communities in Egypt in Modern Times
ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، كان لعدد من العائلات والشخصيات اليهودية المصرية شأن كبير في أحوال مصر الاقتصادية وفي شئونها المالية والتجارية والصناعية. وكانت أغلب هذه العائلات من اليهود السفارد الذين وفدوا إلى مصر خلال القرن التاسع عشر وانضووا تحت الرعويات الأجنبية حتى يستفيدوا من الامتيازات القانونية والاقتصادية الممنوحة للأقليات الأجنبية في مصر خلال تلك الفترة، والتي أتاحت لهذه الأقليات، في ظل الوجود الاستعماري البريطاني، احتلال مكانة داخل الاقتصاد المصري لا تناسب حجمها الحقيقي. وقد قامت هذه العائلات اليهودية بتمثيل المصالح الأوربية المختلفة داخل مصر، سواء كانت فرنسية أو بريطانية أو إيطالية أو غيرها، وقامت بدور الوسيط لرأس المال الأوربي الباحث عن فرص الاستثمار داخل البلاد، أي أنها لعبت دور الجماعة الوظيفية المرتبطة بالاستعمار الغربي (ومما يجدر ملاحظته أن هذا الدور نفسه قامت به بعض الجماعات الأوربية وشبه الأوربية الأخرى، خصوصاً اليونانيين الذين حققوا قوة اقتصادية ومكانة اجتماعية مماثلة تقريباً لما حققته طبقة كبار الأثرياء من اليهود).


وتركَّز نشاط هذه العائلات اليهودية في الأنشطة المالية الربوية والائتمانية والتجارية، واندمجت بيوتات المال اليهودية في علاقات ووساطة مع البنوك الأوربية وارتبط نشاطها بالدرجة الأولى باقتصاديات زراعة وتجارة القطن وخدمة المصالح الاقتصادية الاستعمارية البريطانية التي كانت تخطِّط لتحويل مصر إلى مزرعة للأقطان. ولعبت مجموعة عائلات قطاوي وسوارس ورولو ومنَسَّى وموصيري الدور الأكبر في هذا المجال وفي الاقتصاد المصري بشكل عام.

لقد ساهمت الجماعات المصرفية اليهودية في عملية التوسع الزراعي في مصر، واشتركت في عملية تصفية الدائرة السنية عام 1880 وبيعها لكبار الملاك الجدد ثم في تأسيس البنك العقاري المصري في العام نفسه بالتعاون مع رأس المال الفرنسي، للقيام بعمليات إقراض القطاع الزراعي الخاص الجديد وتمويل أعمال الزارعة وشراء الأقطان. وفي عام 1897، قامت هذه الجماعات المصرفية، بالتعاون مع رأس المال البريطاني، بتأسيس البنك الأهلي المصري بهدف تمويل المشروعات الخاصة بالتوسع الاقتصادي والاستعماري البريطاني في مصر مثل مشروع بناء خزان أسوان وقناطر أسيوط أو تنظيم شـبكة الري في حوض النيل إلى جانب تمويل عمليات شراء ما تبقَّى من أراضي الدائرة السنية من قبل كبار الملاك.

واشتركت العائلات اليهودية أيضاً في تأسيس الشركات العقارية العديدة التي أقيمت في إطار مبيعات أراضي الدائرة السنية ثم في إطار الحجوزات العقارية بعد تَراكُم الديون على كبار وصغار الملاك المصريين نتيجة انخفاض الطلب على القطن المصري. وقد تأسَّس أكثر هذه الشركات في الفترة ما بين عامي 1880 و1905، وقامت بامتلاك الأراضي واستغلالها وبإقامة المشروعات العقارية والصناعية عليها وكذلك المضاربة فيها لتحقيق تَراكُم سريع لرأس المال. ومن أهم هذه الشركات شركة أراضي الشيخ فضل، وشركة وادي كوم أمبو. ومن أهم المشاريع الصناعية الزراعية التي أقامها اليهود على أراضي الدائرة السنية شركة عموم مصانع السكر والتكرير المصرية التي أُقيمت عام 1897 بالتعاون مع رأس المال الفرنسي واحتكرت لفترة طويلة إنتاج السكر في مصر.

وساهم أعضاء الجماعات اليهودية أيضاً في إقامة الهياكل الأساسية اللازمة للتوسع الزراعي، وخصوصاً اللازمة لنقل وتجارة القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية، فاهتموا بإنشاء خطوط النقل الحديدية مثل شركة سكك حديد قنا ـ أسوان (1895)، وشركة سكك حديد الدلتا المصرية المحدودة وهما أهم شركتين لنقل الأقطان والسكر من الأراضي ومعامل التكرير. كما ساهموا في تأسيس شركة ترام الإسكندرية (عام 1896) التي كانت تقوم بنقل الأقطان إلى البورصة، واشتركوا أيضاً في إدارة بعض الشركات الملاحية مثل شركة الملاحة الفرعونية التي سُجلت عام 1937 وكانت تحتكر تقريباً نقل البضائع المصرية بحرياً. وإلى جانب مساهمتهم في تأسيس كثير من شركات النقل البري والبحري، ساهم أعضاء الجماعات اليهودية في مصر في عملية التوسع العمراني التي صاحبت التوسع الزراعي. فساهموا، على سبيل المثال، في تأسيس حي سموحة بالإسكندرية وحي المعادي بالقاهرة، وفي إدارة العديد من شركات تقسيم وبيع الأراضي وشركات صناعة البناء.

كما لعب المموِّلون اليهود من أعضاء الجماعات اليهودية دوراً أساسياً في مجال تصدير القطن والمحاصيل الزراعية، وكان أكثر من 50%من الشركات المصدرة للقطن في الإسكندرية (قبل التأميم) مملوكة لهم. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يحتلون مواقع إدارية مهمة في الشركات الأخرى، كما تركزوا في القطاعات الخاصة وفي تصدير بعض المحاصيل الزراعية المهمة مثل البصل والأرز. ونشطوا في عمليات استيراد السلع والوكالة التجارية للشركات الأجنبية، وبخاصة مع بداية العشرينيات، لاستغلال وفرة الأموال في أيدي أغنياء الحرب والرواج الذي جاء في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى. وقد قامت المحلات التجارية الكبيرة المملوكة للعائلات اليهودية، مثل محلات شيكوريل وشملا وبنزيون وعدس وغيرها، بتسويق هذه الواردات السلعية، خصوصاً المنسوجات البريطانية.

وقد ارتبطت العائلات اليهودية، سواء من خلال المؤسسات المالية والائتمانية أو من خلال المؤسسات التجارية التي كانت تمتلكها والتي كان أفرادها يحتلون فيها مواقع إدارية مهمة، بشبكة من علاقات العمل المتداخلة تدعمها علاقات المصاهرة.

ويمكن تقدير مدى مساهمة أعضاء الجماعات اليهودية في مصر في الشركات والقطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال عضويتهم في مجالس إدارة الشركات المساهمة التي سيطرت على أهم قطاعات الأعمال في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن اليهود احتلوا 15,4% من المناصب الرئاسية و16% من المناصب الإدارية عام 1943، وانخفضت هذه النسبة إلى 12,7% و12,6% عامي 1947 و1948، وإلى 8,9% و9,6% عام 1951. وتشير إحصاءات أخرى إلى أن نسبة اليهود في مجالس إدارة الشركات المساهمة كانت 18% عام 1951. والواقع أن هذه نسب مرتفعة إذا ما قـورنت بنسـبتهم لإجمالي السكان والتي بلغت عام 1950 نحو 0,4% فقط.

وكان معظم رأس المال اليهودي متمركزاً عام 1956، وقبل قرارات التأميم، في الشركات العقارية يليه قطاع حلج وغزل ونسج القطن ثم التأمين والبنوك. وكانت هذه القطاعات هي أكثر القطاعات ربحية في الاقتصاد المصري، وبخاصة خلال الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى وحتى بداية الخمسينيات.

وفي شأن دور أعضاء الجماعات اليهودية في اقتصاد مصر، منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى عمليات التأميم عام 1956، يمكننا أن نلاحظ ما يلي :

1 ـ لعب أعضاء الجماعات اليهودية دوراً مهماً لا باعتبارهم يهوداً وإنما باعتبارهم أعضاء في التشكيل الاستعماري الغربي الذي أتوا معه (وقد جاءت معهم أيضاً الأقليات الغربية الأخرى مثل اليونانيين والإيطاليين والإنجليز... إلخ) واستقروا ضمن إطار الامتيازات الأجنبية وأسسوا علاقات مع المجتمع هي في جوهرها علاقات اسـتعمارية. ولذا، يُلاحَظ بشـكل ملموس غياب يهود مصر المحليين، خصوصاً القرّائين، عن هذا القطاع الاقتصادي النشيط، فلم يكن عندهم رأس المال ولا الكفاءات ولا الاتصالات للاضطلاع بمثل هذا الدور.
2 ـ يُلاحَظ أن كبار المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية لعبوا دور الجماعة الوظيفية الوسيطة بين الاقتصاد العالمي الغربي والاقتصاد المحلي. وقام أعضاء الجماعات اليهودية بدور ريادي نشيط في عدد من الصناعات والقطاعات الاقتصادية الجديدة التي يتطلب ارتيادها كفاءة غير عادية وجسارة، وهو الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات الوظيفية، وقد اشترك فيه معهم المموِّلون من أعضاء الجاليات الأجنبية الأخرى.

3 ـ تركَّز هؤلاء المموّلون في صناعات وقطاعات مالية قريبة من المستهلك (حلج القطن ـ المصارف ـ تسويق السلع ـ العقارات...إلخ) وهي قطاعات بعيدة عن الصناعات الثقيلة. ويعزى نشاط أعضاء الجماعات اليهودية في قطاع الزراعة إلى نظام ملكية الأراضي في مصر الذي فتح الباب على مصراعيه للأجانب (اليهود وغيرهم(.

4 ـ ومع تزايُد فاعلية القوى الوطنية ونشاطها في القطاع الاقتصادي، بدأ نشاط الطوائف الأجنبية يتراجع بما في ذلك نشاط المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية.

5 ـ وحينما تم التأميم عام 1956، كان ذلك تتويجاً لتصاعُد هذه الحركة واختزالاً لبقية المرحلة. وقد كان قرار التأميم موجَّهاً ضد المموِّلين الأجانب والمصريين ممن كان الحكم المصري يرى أن نشاطهم يربط الاقتصاد الوطني بعجلة الاستعمار الغربي ويعوق عمليات التنمية من خلال الدولة والتي تبناها هذا النظام الوطني. ولذا، فقد هاجر كثير من هؤلاء المموِّلين وغيرهم من المموِّلين الأجانب والمصريين.

لكل ما تقدَّم، يكون من الصعب جداً الحديث عن «رأسمالية يهودية في مصر» أو «مخطَّط يهودي للهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الوطني في مصر». فقدوم أعضاء الجماعات اليهودية إلى مصر ونشاطهم الاقتصادي فيها وخروجهم منها تم داخل إطار الاستعمار الغربي، ولم يكن هناك بُعد يهودي يعطي خصوصية يهودية لنشاط الجماعة اليهودية في مصر. وإذا كان هناك 10% من المناصب الإدارية الرئاسية في أيد يهودية، فإن نحو 90% من هذه المناصب تظل في أيد غير يهودية، ونسبة كبيرة منها في أيدي اليونانيين والإيطاليين وغيرهم. وإذا كان ثمة تعاطُف مع الحركة الصهيونية، فإنه لم يأخذ شكل ظاهرة عامة أو نمط متكرر وإنما كان اتجاهاً فردياً يمكن تفسيره هو الآخر في إطار انتماء المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية إلى التشكيل الاستعماري الغربي. وتجب الإشارة إلى أن تأييد بعض الأثرياء اليهود للنشاط الصهيوني يمكن أن نضعه في إطار ما يُسمَّى «الصهيونية التوطينية»، فقد شهدت مصر خلال أواخر القرن التاسع عشر هجرة أعداد من يهود شرق أوربا (الإشكناز) إليها، كان أغلبهم من الشباب الفقير وكانوا يختلفون ثقافياً وعقائدياً وطبقياً عن الأرستقراطية السفاردية المصرية. كما تورَّط كثير منهم في الأنشطة المشبوهة، خصوصاً الدعارة، وهو ما دفع السفارد لإطلاق لقب «شلخت»، أي الأشرار، عليهم. وكان وجودهم يهدد بخلق أعباء مادية ومشاكل اجتماعية محرجة لأثرياء اليهود. ولذلك، فقد كان دعم بعض أعضاء الأرستقراطية السفاردية للأنشطة الصهيونية في مصر يهدف إلى تحويل هذه الهجرة إلى فلسطين بعيداً عن مصر. كما سعى بعضهم لدى السلطات المصرية لوقف الهجرة اليهودية القادمة إلى مصر كليةً.

هذا، ويمكن القول بأن وضع يهود مصر والدور الذي اضطلعوا به هو نمط متكرر بين أعضاء الجماعات اليهودية وأعضاء الجماعات الوظيفية الغربية الأخرى في العالم العربي ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر.

  • الاحد PM 01:30
    2021-04-04
  • 862
Powered by: GateGold