المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417492
يتصفح الموقع حاليا : 215

البحث

البحث

عرض المادة

قراءة في استراتيجية نشر التشيع (4)

قراءة في استراتيجية نشر التشيع(4)

منطلقات الاستراتيجية «الإيرانية - الشيعية»

د. حمدي عبيد

تركز هذه الورقة على استقراء، وفهم استراتيجية نشر التشيع - حصان طروادة لاختراق المجتمعات المسلمة-، وأيضًا فهم الوضع الاستراتيجي للصراع الجاري ضد الأمة، والدور المحوري لظاهرة التبشير الشيعي داخل استراتيجيات هذا الصراع، فتحدد رؤية وفهم لطبيعة ومخاطر وخريطة هذا الدور، وعوامل الضعف والقوة، وأهم ما تحقق من نتائج المرحلة الماضية، وأيضًا الدور الوظيفي لإيران في خدمة استراتيجيات أعداء الأمة؛ كدولة مركزية راعية للتشيع في العالم. وتنطلق هذه الاستراتيجية من أربعة منطلقات رئيسة هي: التاريخي، والقومي،  والمذهبي، والاقتصادي، نشرنا في العدد السابق "التاريخي والقومي" ونواصل في هذا العدد نشر "المذهبي".

3- المذهبي:

لم يختلف الأمر كثيرًا ففي مرحلة الشاه حاول إبراز إيران بقوميتها الفارسية ونهجها العلماني كدولة عظمى، بينما في مرحلة خميني ودولته استُخدم التشيع كنهج سياسي يُخفي تاجه تحت عمامة ملالي الشيعة؛ لترسيخ نظرية جديدة قوامها أنها ليست دولة عظمى فقط تنافس غيرها في المنطقة، ولكن بوصفها دولة ولاية الفقيه النائب عن المهدي، الممهدة لدولته العالمية التي تمثل فيها إيران أم القرى التي تتبعها باقي الدول الإسلامية التي وضع لها محمد جواد لاريجاني (أحد أبرز العقول السياسية الإيرانية..عضو ومستشار في مجلس الأمن القومي الإيراني وعضو مجلس الشورى ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية التابع له) نظريته تحت عنوان "مقولات في الاستراتيجية الوطنية" التي تقوم على:

أ- أولوية الحفاظ على أم القرى دار الإسلام على أيّ أمر آخر، يشير إلى ذلك بقوله: "في القرآن الكريم أم القرى يعني مكة، ولذا ينبغي أن تكون قم هي مكة"، ولإضفاء المشروعية والقداسة على نظريته يدعي أنها تنبع من الكتاب والسنة مستدلاً بقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى الآية 7] ، وبالتالي تقوم أم القرى مقام دار الإسلام في العصر الحديث، فانتصارها هو انتصار الإسلام، وهزيمتها هزيمة الإسلام يقول: "لب الموضوع في نظرية أم القرى أنه إذا أصبحت دولة من بين البلاد الإسلامية أم القرى دار الإسلام، على نحو تعد فيه هزيمتها أو انتصارها هزيمةً، أو انتصارًا للإسلام كله؛ فإن الحفاظ عليها يأخذ أولوية على أيّ أمر آخر".

مما يستوجب على كل فرد مسلم المحافظة عليها فيقول: "إيران الإسلامية ليست إحدى الدول الإسلامية فحسب، فهذا تجاهل للوضع التاريخي للشعب الإيراني، وفي الحقيقة هو تنازل (الإنسان) إلى الإقليم الجغرافي، والواقع أن إيران -يقصد التي عاصمتها الدينية قم- هي أم القرى/ دار الإسلام، انتصار أو هزيمة إيران هما انتصار وهزيمة الإسلام ومن ناحية أخرى، إيران هي مهد الإسلام الحقيقي والخالص....".

وقال: "أصبحت إيران أم القرى دار الإسلام، وأصبح عليها واجب أن تقود العالم الإسلامي، وعلى واجب ولايتها، أي: أن إيران أصبحت لها القيادة لكل الأمة. بناءً على ذلك فإن الإمام كان له مقامان في نفس الوقت: الأول مقام القيادة القانونية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تم تعريفها طبقًا للدستور، وقد حددت واجباتها وصلاحيتها، والمقام الآخر ولاية العالم الإسلامي التي أقرها الواجب الشرعي" (1)، إن كانت إيران هي أم القرى وفق هذه النظرية، فإن قم تكون عاصمتها المقدسة؟!

ب- تصدير الثورة: وبناء على نظرية أم القرى تلك كان مبدأ تصدير الثورة الخمينية أبرز واجباتها للتمهيد للدولة المهدوية التي سبق الإشارة إليها يقول خميني: "كلمتي الأخيرة التي أوجهها إليكم هي أن تبقوا أوفياء للجمهورية الإسلامية.. وأن تعملوا على إعداد الأرضية لظهور منقذ البشرية وخاتم الأوصياء ومفخرة الأولياء.. وذلك من خلال تجليكم بالاستعداد الدائم للتضحية وتصدير الثورة...".

مع الحرص على تصدير أن جناحي الحكم في إيران؛ الحمائم والصقور، أو الإصلاحيون والمحافظون لا يختلفان في ذلك، يقول آية الله محمد علي تسخيري مستشار آية الله علي خامنئي مرشد الدولة: "إن كلا الخطين يؤمنان بالثورة الإسلامية، ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني، ويؤمنان بمبادئ الدستور، ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور، وهي لزوم أن يكون القائد فقيهًا أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه، وأنهما معًا يؤمنان بهذه المبادئ، ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته".(2)

وأعتقد أن هذا الكلام من تسخيري فيه قدر من المبالغة والتهويل على حسب مبدأهم لتصدير صورة للرأي العام الداخلي والخارجي بوحدتهم وقوة تماسكهم؛ وذلك بسبب وجود اختلاف وتباين بين الأجنحة السياسية والفكرية، وما يرتبط بها من روابط وأحزاب ومؤسسات ونقابات حول عدد من المسائل الحيوية، ومن أهمها: مبدأ ولاية الفقيه، بين مَن يرى أن منصبه منصب إلهي معصوم، عبارة عن امتداد لمنصب الأنبياء وأئمتهم المعصومين عندهم، ولا رأي للشعب في اختياره، ولذلك فإن صلاحياته فوق الدستور، وأنه غير مسئول عن أعماله وقراراته أمام الشعب، ويمثل هذه الآراء: تيار الزعامة الدينية والتكتلات ذات الاتجاه الواحد المرتبطة به.. (3)، وجمعية الدفاع عن القيم(4)، وأنصار حزب الله (5)، وعلى الطرف المقابل نرى مجمع علماء الدين وأنصاره (6)، وجماعة كوادر البناء "تيار العمال" (7)، والحركة الطلابية (8)، على العكس من ذلك؛ إذ تنزع عن منصب الولي الفقيه القداسةَ، وتدعو لانتخابه من الشعب مباشرة الذي له حق محاسبته، وأن صلاحياته يحددها الدستور.

وانطلاقًا من العقيدة المهدوية، وعصر الظهور؛ فإن أحد أهم واجبات الدولة الإيرانية التمهيد لدول المهدي "التخلص من الطغاة، وإحلال العدل والمساواة"، وبوصفها راعية التشيع في العالم مما أعطاها مسوغًا ومبررًا للتدخل في شئون الدول الإسلامية؛ بحجة دعم المستضعفين ومحور المقاومة. وهو ما تم النص عليه في الدستور الإيراني بأشكال متعددة فتشير المادة (9) إلى أن مسئولية الجيش وقوات حرس الثورة لا تنحصر في حماية الحدود، بل إنها تتحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم.

وفي المادة (154) تعتبر إيران أن "سعادة الإنسانية في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها"، وعليه فإنها "تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية منطقة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشئون الداخلية للشعوب الأخرى".

وبالفعل فهي لا تتدخل في الشئون الداخلية للشعوب غير الإيرانية؛ لأنها لا تعترف أصلاً بدولها؛ انطلاقًا من نظريتها تلك، وإن استخدمت التقية السياسية – الدبلوماسية - وتبادل الأدوار بين رئاسة الدولة ومرشدها الأعلى، وهو الأمر الذي لم ينتبه له الكثير من الساسة العرب؛ لتنحيتهم وفصلهم للجانب العقدي وتأثيراته السياسية، انطلاقًا من نهجهم العلماني في التصور والممارسة.

وقد اختلف أسلوب وتكتيك تصدير الثورة بعد الهزيمة المنكرة للمشروع الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية، وبخاصة بعد تولي خامنئي مقام الولي الفقيه إلى التصدير الناعم الذي يهدف إلى التغيير التدريجي في المنطقة؛ بما يضمن لها النفوذ الأكبر، فانتقلت الاستراتيجية من تصدير الثورة المسلحة، وما أحدثته من محاولة الانقلاب على نظام الحكم في البحرين عام 1981م إلى تصدير الثورة الثقافية على ما ستأتي الإشارة إليه لاحقًا بإذن الله تعالى. (9)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سعيد لبيب المنور، إيران والإمبراطورية الشيعية الموعودة، ص76، 77، 102-106.

(2) صحيفة اللواء الأردنية 25/4/2001م.

(3) تيار الزعامة الدينية أحد أجنحة التيارات السياسية الفاعلة في السياسة الإيرانية، والتي تشكلت بعد نجاح ثورة خميني في عام 1979م، وشكلت مع غيرها ائتلافًا تحت زعامة حزب جمهوري إسلامي في مواجهات المناوئين للثورة وتوجهاتها، وتضم عددًا من الجمعيات الفاعلة، ومن أشهر رموزها مرتضى مطهري ومحمد رضا مهدوي أمين عام الرابطة السابق، وعلي أكبر ناطق نوري رئيس الرابطة، وسيد محسن بهشتي وأكبر هاشمي رفسنجاني، ومن أبرز وسائله الإعلامية نشرتا: شما ، وجام.. وتعد صحيفة الرسالة قريبة من توجهات الرابطة. للمزيد انظر: حجت مرتضى، التيارات السياسية في إيران المعاصرة، ترجمة محمود علاوي، ص47-52.

(4) جمعية الدفاع عن القيم تأسست عام 1995م للحفاظ على قيم الثورة الخمينية التي رأى مؤسسوها -وعلى رأسهم محمدي ري شهر أمين عام الجمعية- أنه تم الابتعاد التدريجي عنها بدعوى الانفتاح والتعايش الدولي، وتعبر صحيفة (آرزشها) عن وجهة نظر الجمعية. المرجع السابق، ص59-69.

(5) أنصار حزب الله: تشكل هذا الجناح من اللجان المختلفة التي شكّلها المحاربون بعد عودتهم من الحرب العراقي الإيرانية في عام 1993م؛ حيث تبدل الاسم من حزب الله طهران الذي تصدى لأنصار بني صدر، وطارد غير المحجبات سابقًا إلى أنصار حزب الله لينشط في مواجهة المفاسد الاجتماعية والمنكرات.. وتعتبر المجلة الشهرية (يا لثارات الحسين) ومجلة (شلمجة) النصف شهرية صوتا الحزب، وتعتبر صحيفتا: (صبح)، و(كيهان) قريبتين من توجهات الحزب. للمزيد انظر: المرجع السابق، ص72-73.

(6) مجمع علماء الدين المجاهدين: وتشكل في أوائل عام 1988م خلال الإعداد لانتخابات الدورة الثالثة لمجلس الشورى بعد أن انشقوا عن رابطة علماء الدين المناضلين، وأمين عام المجمع مهدي كروبي، ومن أبرز أعضائه علي أكبر محتشمي، وبها يرتبط عدد من المنظمات الفاعلة، ومن أبرزها منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وتعتبر صحيفتا (سلام)، و(عصرما) ناطقتين بلسان المنظمة، وكذلك تعد صحيفة (مبين) قريبة من توجهات المجمع. للمزيد انظر المرجع السابق، ص52-59.

(7) جماعة كوادر بناء إيران (تيار العمال): أعلنت هذه االجماعة وجودها رسميًّا تحت هذا المسمى في عام 1995م، رغم أن وجودها غير الرسمي بدأ قبل هذا في عام 1989م من مجموعة من التكنوقراطيين الذين درسوا في الغرب برئاسة عطا الله مهاجراني، وغلام حسين كرباسجي الأمين العام، وعضوية فايزة رفسنجاني، وعلي رفسنجاني، وغيرهما.. وتقوم على الدعوة لتوخي المصلحة في السياسة الخارجية والاهتمام بالبناء الداخلي، وتعتبر صحيفة (همشري) وصحيفة (إيران) من الصحف المؤيدة لهذا التيار. للمزيد انظر المرجع السابق، ص73-75.

(8) الحركة الطلابية: تأسس تحت مسمى الجمعية الإسلامية لطلاب خريجي الجامعات ومراكز التعليم العالي عام 1983م، وقد شاركت في انتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهوري عام 1987،1983م، ومن أبرز مؤسسيها:

حشمت الله طبروزي، ومحمد مسعود سلامتي.. وتعتبر نشرة (بيام ونشجو) صوت الحركة. للمزيد انظر المرجع السابق، ص69-72.

(9) مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (الشئون الدولية)، تصدير الثورة كما يراه الإمام الخميني، ص 39.

  • الاثنين PM 05:54
    2021-03-29
  • 1362
Powered by: GateGold