المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417496
يتصفح الموقع حاليا : 213

البحث

البحث

عرض المادة

نكاحُ المُتعة، وكشْفُ الأَغْطِيةِ عن الحقائقِ المَخفيَة.

 

الحمدُ لِلّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على محمّد أشرفِ المرسلين، وخاتَمِ النبيّين، وبعد:

فلقد انتشرت ظاهرةُ العُنوسَةِ في العالم العربي؛ لأسبابٍ اقتصادية واجتماعية، فاستغلّت بعضُ المنابرِ حاجةَ الشبابِ والفتياتِ لإشباع غريزتهم الجنسية، وجهلَهُم بدينهم، وضُعفَ إيمانهم؛ وبدا لها أنّ هذه هي فرصتهم الذهبية، لدعوتهم إلى الارتباط عن طريق زواج المتعة؛ لإطفاء رغبتهم الجنسية، ومِنْ ثَمَّ جرّهم إلى الدخول في مِلّتهم!

والهدفُ من هذا البحثُ هو الرّدُّ على شبهات المُبيحين لنكاح المتعة، بالأدلة الدامغة؛ (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ، وَيَحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ).

الفصل الأول: تعريف زواج المتعة ومكان انتشاره.

 - 1تعريف: زواج المتعة هو أن يتزوج الرجل المرأة، بِمال معلومٍ، مدةً معيَّنةً -ساعة أو ساعتين، أو ليلةً أو ليلتين، أو أسبوعاً أو أكثر-، ويقضي منها وطراً؛ وينتهي النكاح بانتهاء مدّته من غير طلاق.

وهذا الزواج ليس فيه وجوب نفقة ولا سُكنى، ولا توارثَ يجري بينهما، إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة النكاح.

وحسب هذا التعريف، فيمكن لأيّ رجل أن يمارس الجنس -وبكلّ سهولة- مع أي امرأة أو فتاة -ليست من المحرّمات عليه- رآها فأعجبته؛ إذ يكفي أن يذهبَ إليها، ويُعبِّرَ لها عن رغبته في التمتع بها مقابل بعض المال ولمدة معينة، وليس مطلوباً منه أن يسألها -كما يُفتي بذلك بعضُ علماء مَن يبيحونه-: هل هي متزوجة أم لا؟ ويمكن له أن يتمتع بعدة نسوة في نفس اليوم أو في نفس الأسبوع!

ومن كانت له ابنة أو أخت، وذهبت عند صديقتها وكان لها أخ، فيمكن لها -عوض أنْ تتمتع بالحديث معها- أن تتمتع معه، إذا رغب في ذلك وقَبِلَتْ!

ولهذا الزواج عدةُ مصطلحاتٍ -عند مَن يُبيحونه-، منها: المُتعة، وزواج المتعة، والزواج المؤقت، والزواج المنقطع، والنكاح المنقطع، والعقد المنقطع، والصيغة.

 - 2مكان انتشاره.

زواجُ المتعة منتشرٌ بشكل واسع في دولة إيران، حيث تتواجد فيها أكبرُ نسبة من الشيعة الإثني عشرية (وتُسمّى أيضا بالجعفرية، أو الرّافضة عند البعض).

وينتشر أيضا في العراق ولبنان، وفي بعض المناطق التي يتواجد فيها الشيعة الإثنا عشرية بكثرة.

وبدأ ينتشر في بعض البلدان العربية الأخرى -خصوصاً في الجامعات- بين الطلبة والطالبات؛ بعضُهم اتخذه ورقةً لاقتراف الزنا، وآخرون عندهم حبٌّ لخالِقهم وخوفٌ من غضبِه، ولكنْ نفوسُهم الأمّارةُ بالسوءِ تُنازِعُهم وتُرغِّبهم في تلبية غريزتهم، فيبحثون عن فتوى تُبيحُ لهم زواج المتعة حتى يريحوا ضمائرهم؛ فإذا وجدوها تمسّكوا بها دون أنْ يتأكّدوا مِن صحّتها أو شذوذها، ودون أنْ يسألوا عن القائل بها: هل هو من أهل الفُتْيا والتقوى، أمْ أنه من أهل الضلال والهوى؟

ولقد حذرنا النبيُّ -صلّى اللّهُ عليه وسلم- من دعاة الضلال، الذين يُضِلّون الناسَ بفتاواهم الباطلة، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ) [رواه ابن حبان، وصحّحه الألباني].

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحذِّراً هؤلاء الدُعاة المُضلّين: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) [جزء من حديث رواه مسلم].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أُمنائِهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" [رواه البيهقي، والبغدادي في «النصيحة»].

وقال ابن سيرين: "إنّ هذا العلم دِينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم" [أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه].

 - 3سبب انتشار نكاح المتعة في إيران.

ولقد تساءل بعضُ الباحثين عن السّر الحقيقي، في الانتشار الواسع لظاهرة المتعة في إيران؛ فتوصّلوا إلى أنّ هذا النوعَ من الزواج كان منتشرا فيها في عهد الفرس، الذين كان موطنهم إيران، وبقي منتشرا فيها بعد دخولهم في الإسلام إلى يومنا هذا!

ويُهيمن الفرس على السكان الإيرانيين في الوقت الحالي، حيث يُشكِّلون نسبةَ 51% من العدد الكلي للسكان -حسب بعض الإحصائيات-، ويحتلون مناطق حضرية كبرى مثل أصفهان، وطهران، وشيراز، ومشهد، ويزد؛ ودولة إيران تعترفُ رسمياً بنكاحِ المتعة!

ويرى (Yanna Richard) في كتابه «الإسلام الشيعي» (L'ISLAM CHIITE) أن زواج المتعة: "أشبه بقصص ألف ليلة وليلة حيكت لإشباع رغبة الرجال الجنسية، وإنه ينحدر من أصل فارسي سابق للإسلام، ويبدو أنه لا يمارس حاليا إلا في إيران لاسيما في المزارات الدينية".

ودعم المؤرخ (س. ج. بنيامين) هذا الرأي في كتابه (بلاد فارس والفرس) حيث قال: "كان للمسلمين الشيعة الحق في عقد زواج مؤقت مع المجوسيات مما يدل بشكل مؤكد بأن أصلَ هذا الزواجِ الديانةُ الزرادشتية، وهو سابق للإسلام".

والثقافة الفارسية، قامت على الفساد والإباحية الجنسية؛ ف"عند الزرادشتيين يحق للزوج أو ربِّ العائلة إعطاء زوجته أو ابنته، من خلال إجراءات رسمية، رداً على طلب رسمي إلى أي رجل من قومه يطلبها كزوجة مؤقتة لفترة محددة. وفي هذه الحالة تبقى المرأة زوجة دائمة لزوجها الأصلي وفي الوقت نفسه تصبح زوجة مؤقتة لرجل آخر..." [انظر كتاب «المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة»، ص 40، د. شهلا حائري، حفيدة المرجع الديني الإيراني آية الله حائري -وهي شاهدٌ من أهلها-؛ والكتاب رسالة دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كالفورنيا في لوس أنجيلوس].

ويرى المؤرخُ (Rivers) في كتابه (Sociology and Psychology) أن "البشر -كما هو دارج- يمارسون ما يقومون به؛ لأنهم وجدوا آباءهم على ذلك".

وكلُّهم يقولون مثلَ قولِ الذين من قبلهم، الذين قال اللهُ فيهم: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) [الزخرف: 22].

قال البيضاوي في تفسيره: "(بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أُمَّة وإنا على آثارهم مهتدون)، أي: لا حُجّةَ لهم على ذلك عقلية ولا نقلية، وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة؛ وال(أُمَّة) الطريقة".

ولذلك قال الشيخ الدكتور محمد أبوزهرة: "وهكذا نرى الشيعة كانت ظِلاًّ لكثير من أهواء وملل وأهواء قديمة، دخلت على المسلمين لإفساد الإسلام، أو تحت تأثير التربية والإلف، فدخلوا -أي:الفرس- الإسلام، ولم يستطيعوا نزع القديم." [محمد أبو زهرة، تاريخ الجدل، ص104 طبع دار الكتاب العربي].

وقال في كتابه «تاريخ المذاهب الإسلامية»، في مبحث (أسباب اختلاف المسلمين/ ص 13): "دخل كثير من أهل الديانات القديمة في الإسلام، فدخل الإسلامَ يهودُ ونصارى ومجوسُ؛ وكلّ هؤلاء في رؤوسهم أفكارُهم الدينيةُ الباقية من دياناتهم القديمة، وقد استولت على مشاعرهم، فكانوا يفكرون في الحقائق الإسلامية على ضوء اعتقاداتهم القديمة".

ويرى الدكتور طه حامد الدليمي أنّ الخلاف حول حكم نكاح المتعة، بين الشيعة الإمامية والسنة ليس -في حقيقته- خلافاً فقهياً، بل هو خلاف بين ثقافتين، وصورةٌ من صور الصراع بين حضارتين: الحضارة العربية والحضارة الفارسية! [الدكتور طه حامد الدليمي، «نكاح المتعة: نظرة قرآنية جديدة» ص74].

والحضارة الفارسية، كانت تُغلِّف زواج المتعة بالدين، وتزعم أنّ من يمارسه سيكسب رضا الآلهة، والمزيد من الحسنات. وكان يُطلق على هذا النوع من المتعة "البغاء المقدس". حيث يذكر المؤرخ Adward Westermarck في موسوعته (History of Marriage) بأن "البغاء المقدس كنوع من فساد الاخلاق كان يمارس تحت عَباءَة الدين، إنه تكفير عن الزواج من أجل إرضاء الآلهة".

ويضيف: "إن البِغاءَ المقدس وإقامة علاقة جنسية مع رجل دين، يُبَرَّر بأنه ذو مردود خير، ويشكل عنصرا مهما من طقوس العبادة لدى الشعوب القديمة وتعتبر المرأة فيه ملهمة ومقدسة"!

وللحفاظ على القدسية الدينية الفارسية لزواج المتعة، وضع الشيعة الإثنا عشرية أخباراً غيرَ ثابتةٍ في ميزان النقد العلمي، وصبغوها بصبغة إسلامية؛ فروَوا عن أبي عبد الله عليه السلام في قول اللّه عز وجل: ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) [ فاطر:2] قال: "والمتعة من ذلك" [وسائل الشيعة، 14/439].

وجعلوا المتعة من أركان الإيمان؛ فيذكرون أن جعفراً الصادق قال: "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا -أي: الرجعة- ولم يستحل متعتنا" [وسائل الشيعة: 4/438].

وروَوا حديثاً عن الصادق أنّه قال: "إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا ومَن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغيرِ ديننا" [مَن لا يحضره الفقيه» 3/366].

ورائحةُ الكذب تَفُوحُ من هذه الرواية؛ لأنّ المتعةَ هي دينُ الفُرْسِ وليست دِينَ العربِ!

ولكنْ، هَبْ أنّ المتعة كانت دينَ العرب، فهل هذه حُجّةٌ ودليلٌ على مشروعيتها؟ ألم يكن الخمر الذي حرّمه الشّرعُ من دين العرب؟

لا شكّ أنّ الذي وضع هذه الرواية، كان يتكلم بلسان دولة الفُرْس للحفاظ على المتعة المقدسة عندهم! 

ولتشجيع النساء على المتعة رووا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً جاء فيه: (قال الله عز وجل: إني غفرت للمتمتعين من النساء)! [مستدرك الوسائل، الجزء 14 ص 452].

وهذا يُفسّرُ استِماتةَ الشيعةِ الإثني عشرية في ردّ كلّ الأدلة، التي تأتي بها جميعُ الفرق الأخرى التي تُحرم زواج المتعة؛ بل إنهم يُحاولون نشره في أوساط المجتمعات غير الشيعية، بكلّ ما أوتوا من وسائل إعلامية وغيرها؛ وهذا ما جعل الشيخَ الدكتورَ يوسف القرضاوي يُحذِّرُ منهم، قائلاً في بيان له بعنوان «بيان للناس حول موقفي من الشيعة، وما قالته وكالة أنباء مهر الإيرانية، والرد على الشيخين فضل الله والتسخيري»: "كما حذَّرت من أمرين خطيرين يقع فيهما كثير من الشيعة، أولهما: سبُّ الصحابة، والآخر: غزو المجتمع السني بنشر المذهب الشيعي فيه. ولا سيما أن لديهم ثروة ضخمة يرصدون منها الملايين بل البلايين، وكوادر مدرَّبة على نشر المذهب، وليس لدى السنة أيّ حصانة ثقافية ضدَّ هذا الغزو. فنحن علماء السنة لم نسلِّحهم بأيِّ ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفا من إثارة الفتنة، وسعيا إلى وحدة الأمة"!

وذكر موقع أخبار مصر، أن "فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أكد استعداد الأزهر لعقد لقاء مشترك بين علماء السنة والشيعة، شريطةَ صدور فتاوى صريحة من المراجع الكبرى في العراق وإيران، تُحرِّم بشكل قاطع سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين، وتُوَقّف محاولات نشر المذهب الشيعي في البلاد السنية".

الفصل الثاني: حكمُ زواجِ المتعةِ في الإسلام.

 - 1حكم زواج المتعة عند مختلف الفرق  الإسلامية.

زواجُ المتعةِ هو نوعٌ من الأنكحة الباطلة، التي عرفها العرب في العصر الجاهلي؛ ويذهب روبرتسون سميث في كتابه (الأنساب والزواج عند العرب القدامى) إلى أن "زواجَ المتعة عادةٌ قديمة مارستها بعض القبائل العربية أيام الجاهلية".

ويرى بعضُ الباحثين أنه انتقل إلى بعض القبائل العربية -كَتمِيم- من الفرس المجوس عن طريق التجارة والسفر.

وهذا الزواج حُرِّمَ في أوّل الإسلام بمكةَ المكرمة بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 5-7]؛ ثُمّ حُرِّمَ تحريماً أبدياً بالمدينة، بعد أن رخّص فيه النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلم لظروف طارئة ومؤقتة؛ وقد بَيَّن الحازمي سبب إباحته أولا: فبعد أن روى بسنده عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله: "كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء" [حديث صحيح: وهو بلفظ قريب من هذا في البخاري].

قال الحازمي: "وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما كان ذلك في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباحه لهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم" [ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، الحازمي، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص331].

ولقد اتّفق على تحريم نكاح المتعة الفرقُ الإسلامية الآتية:

  • أهلُ السُّنة: وهم جمهور المسلمين المنتشرين في الأرض؛ وهناك إجماعٌ عند فقهائِهِم على تحريمها.

قال ابن المنذر: "جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم أحداً يجيزها، إلاّ بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب اللّهِ وسنة رسوله صلّى اللهُ عليه وسلم" [فتح الباري ج 9 ص 173].

وقال ابن العربي: "وقد كان ابن عباس يقول بجوازها، ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها" [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (ج5 ص132-133)].

وقال الجصاص: "وقد دلّلْنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف ... ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بيَّنّا، وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون." [تفسير الجصاص: 2/153].

وقال المازري: "انعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها" [المعلم 2/ 131].

وقال الإمام القرطبي: "الروايات كلُّها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يُلتفت إليه من الروافض".

وقال القاضي عياض: "ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض." [صحيح مسلم بشرح النووي 9/181، وفتح الباري 9 / 173].

  • والزيدية: و هي فرقة من فرق الشيعة، وأكثرُهم موجودون في اليمن، وهم قريبون من أهل السنة؛ وهي غيرُ فرقةِ اليزيدية أو الإيزيدية الضّالة، التي انحرفت عن الإسلام، وتُقدس يزيد بن معاوية وإبليس وعزرائيل! [انظر: حكم نكاح المتعة عند الزيدية في كتاب «الأحكام في الحلال والحرام» للهادي (1/444)].
  • والإباضية -ويوجدون في سلطنة عمان-. [انظر: «كتاب فتاوى النكاح» للشيخ أحمد بن حمد الخليلي الإباضي].
  • والشيعة الإمامية الإسماعيلية. [انظر: القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، ج 2، ص 181].

فهؤلاء كلُّهم يعتقدون أنّ زواج المتعة قد نُسخَ، وحُرِّم تحريماً مُؤبّداً؛ والفرقةُ الوحيدةُ التي أَحَلَّتْ هذا الزواجَ ولم تحرّمْه، وخرجت عن إجماع الأمة، هي الشيعة الإثنا عشرية، وهي تخالف بذلك الزيدية والإمامية الإسماعيلية، وهما فرقتان شيعِيَتان، كما ذكرنا سابقا. ومِن هنا، يتبيّنُ لنا خطأ مَن يظنّ أنّ جميعَ الشيعةِ يُحِلّون زواج المتعة!

 - 2لماذا خالف الشيعةُ الإثنا عشرية إجماعَ الأمّة الإسلامية.

إنّ الاتفاقَ الذي وقَع على تحريم نكاح المتعة، ليس اتفاقاً بين علماء السُّنة فقط، بل هو اتفاقٌ بين أهل السنة والزيدية والإباضية والإسماعيلية -كما رأينا سابقاً-؛ ولذلك فيمكن أنْ نَعُدَّ هذا الاتفاقَ بِمَثابةِ إجماعٍ للأُمّةِ الإسلامية على تحريم نكاح المتعة. ولكن لماذا الشيعةُ الإثنا عشرية لا يعترفون بهذا الإجماع؟ الجواب هو: أنّهم يعتبرون أنّ الإجماعَ ليس حجةً بنفسه، بل إنه كاشف عن رأي المعصوم! أي: أن إجماع العلماء -عندهم- ناشئ بسبب وصول الدليل اليهم عن طريق الإمام! أمّا كيف يصلهم هذا الدليل؟ وما معنى كون الإجماع كاشف عن رأي المعصوم؟ فهذا له تفسيرات مختلفة، لا يفهمها إلاّ منْ يؤمن بما يؤمنون به!

ولقد علّق العلاّمةُ الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني على إجماع الإثني عشرية بقوله: "ولست أدري كيف استساغ علماء الإمامية وأذكياؤهم هذا التناقض الواضح، إذ يعتبرون الإجماع كاشفا عن قول المعصوم، ثم يشترطون دخول هذا المعصوم؟! وإذا دخل المعصوم في الإجماع -بحيث كان قوله معروفا وثابتا- فأي كشف بقي للإجماع أن يقوم به؟! ثم إذا كان قول المعصوم حجة في ذاته فأي حاجة وأي قيمة للإجماع مع ثبوت قول المعصوم؟!"، انظر: «أصول الفقه عند الشيعة الإمامية: تقديم وتقويم»/ الدكتور أحمد الريسوني: جامعة محمد الخامس، الرباط، بموقع :

http://www.edhh.org/wadiha/index.php/origines-de-la-jurisprudence-dans-les-chiites-imamates-presentation-et-evaluation

والغريبُ في الأمر هو أنّ تحريمَ المتعة مسطّرٌ -أيضاً- في كتب الشيعة الإمامية - بروايات صحيحة -عندهم- عن ائمتهم المعصومين:

  • فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر" [الأستبصار للطوسي ج 2 ص 142 وكتاب وسائل الشيعة للعاملي ج 21 ص 12].

قال الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، بعد إيراده هذه الرواية: "فإن هذه الرواية وردت مورد التّقِية وعلى ما يذهب إليه مخالفو الشيعة، والعلم حاصل لكل من سمع الأخبار أن من دين أئمتنا عليهم السلام إباحة المتعة، فلا يحتاج إلى الإطناب فيه"! [انظر: تهذيب الأحكام 7/251].

وهل يُعقلُ أنْ يوصفَ الإمامُ علي -رضي اللهُ عنه- بإخفاء الحق وبالجبن والخوف، وهو المعروف بالشجاعة، وتروي عنه الشيعة أنّه قال: "اتق الله وقل الحق، وإن كان فيه هلاكُك"؟

  • وسئل جعفر بن محمد (الأمام الصادق) عن المتعة فقال: "ماتفعله عندنا إلا الفواجر" [بحار الأنوار للمجلسي -الشيعي- ج 100 ص 318].
  • وقال علي بن يقطين: "سألت أبا الحسن(ع) (موسى الكاظم) عن المتعة فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها." [خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57، والوسائل 14/449- ونوادر أحمد ص 87 ح199، والكافي ج5 ص 452].
  • وعن المفضل قال: "سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في المتعة: دعوها، أما يستحي أحدكم أن يُرَى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟! [الكافي 5/453، البحار 110، وكذلك 103/311، والعاملي في وسائله 14/450، والنوري في المستدرك 14/455].
  • وعن عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال: لا تدنس بها نفسك!" [مستدرك الوسائل ج 14 ص 455].
  • وعن عمّار قال: "قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد: قد حرّمت عليكما المتعة" [الفروع من الكافي 2 / 48 ، وسائل الشيعة  14/450].

* انظر هذه الروايات في (أدلة تحريم المتعة من كتب الشيعة)؛ للدكتور حسين الحسيني.

والغرابةُ تشتدُّ إذا علمنا أنّ أئمةَ أهلِ البيت -رضوانُ اللّهِ عليهم- كانوا مجمعين على تحريمها؛ نقل هذا الإجماع السياغي -وهو أحد كبار علمائهم- في كتابه «الروض النظير» ج4 ص217 فجاء فيه: "وأمّا الباقر وولد الصادق فنقل في «الجامع الكافي» عن الحسن بن يحيى فقيه العراق أنه قال: "أجمع آل رسول اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلم على كراهية المتعة، والنهي عنها".

كما نقل إجماع جمهور الصحابة على تحريمها، وكذا إجماع فقهاء الأمصار بعد الخلاف.

ولا ندري سببَ تجاهلِ الشيعة الجعفرية لهذا الإجماع المذكور في مراجعهم، والذي لا شكّ أنّه -حسب تعريفهم للإجماع المقبول عندهم- إمّا كاشِفٌ عن قول المعصوم، وإمّا أنّ المعصوم كان داخلاً فيه!

ويبدو من خلال تناقضاتهم، أنّهم لا يريدون الاعتراف بأي إجماع -مهما كان مصدره- يُحرّم نكاحاً كان مقدّسا عند أسلافهم الفرس!

وإذا كان الإمام مالك يقول: "شَرُّ العلمِ الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس"، [ترتيب المدارك 184/1]؛ فإنّ الشيعة الإثني عشرية يقولون: "شرُّ العلمِ الظَّاهرُ الذي أجمع عليه المسلمون، وخيرُ العلم الذي يخرقُ إجماع المسلمين!"

وإذا عرفنا سبب خروج الشيعة الإثني عشرية عن إجماع الأمّة، وكيف يجادلون لدفع الحق، فهمنا السبب الذي يجعل علماءَ السُّنّةِ لا يأخذون مخالفةَ الشيعة الإمامية للإجماع بِعيْنِ الاعتبار.

إنّ مخالفتهم لأهل السنة سببُها عميق يصعب تجاوزه؛ فهُم يعتقدون أن الإمام علي -رضي اللهُ عنه- أولى بالخلافة من غيره من الخلفاء الراشدين -رضي اللهُ عنهم-، وهذا جعلهم يطعنون في عدالة الصحابة و يُكفِّرونهم -إلا نفراً قليلاً منهم- ويقولون: إن أبا بكر وعمر ونحوهما مازالوا منافقين، وقد يقولون: بل آمنوا ثم كفروا؛ ولا يأخذون بما روَوْا مِن أحاديث، ويطعنون في أئمة الأحاديث (البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم)، ويطعنون في الأئمة الأربعة المشهورين(أبي حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد)، ويدّعون لأئمتهم العصمة، ويعتبرون أقوالهم كنصوص القرآن والسنة، ويعتقدون أنهم معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر!

يقول الدكتور أحمد الريسوني: "يختلف مفهوم السنة عند الإمامية اختلافا غير يسير عن نظيره عند أهل السنة، وأعني بذلك كونهم يُدخِلون في مفهوم السنة سُنّةَ الأئمة «المعصومين». فإذا كان أهل السنة يقصرون مفهومها على قول النبي وفعله وتقريره، فإن الإمامية يعتبرون من السنة جميع ما صدر عن الأئمة الإثني عشر من أقوال وأفعال وتقارير، إلا أن يثبت عندهم ما يقتضي التحفظ في بعض الأفعال والتقريرات التي قد تصدر عن الإمام إما تقية وإما لسبب خاص اقتضاها، بحيث لم يقصد بها التشريع وبيان الحكم. يقول الشيخ المظفر: «أما فقهاء الإمامية بالخصوص فلما ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد واجب الاتباع، فقد توسعوا في اصطلاح السنة إلى ما يشمل قول كل واحد من المعصومين، أو فعله، أو تقريره. فكانت السنة باصطلاحهم (قول المعصوم أو فعله أو تقريره)».

وهم يعتقدون أن الأئمة يتَلَقَّوْن عن الله بواسطة الإلهام، مثلما يتَلَقَّى النبيُّ عن طريق الوحي، وعلى هذا فالأئمة «هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولُهم سنةٌ، لا حكايةٌ للسُّنة»." اھ. [انظر: المرجع السابق (أصول الفقه عند الشيعة الإمامية: تقديم وتقويم)/ الدكتور أحمد الريسوني: جامعة محمد الخامس، الرباط، نفس الموقع السابق].

ويقول أ.د. عَبد السَّلام بن محمَّد الشُّويعر -أستاذ الفقه المقارن في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض-: "وقد تكون المخالفةُ في الاستدلال، ومصادر التلقي والتشريع؛ كحال مَن ينكر الاحتجاج بأحاديث الآحاد مطلقاً، أو يقدح في عدالةِ الصحابة الرّاوِين للسنة والنّاقِلِين لها، أو يمنع مِن الاحتجاج بالإجماعِ مطلقاً. أو تكون المخالفة في طرق الاستنباط من النصوص ودلالات الألفاظ المتفق عليها؛ كمَن يعتقد في المعنى الإشاري الباطني، ونحو ذلك ... فمخالفةُ هؤلاء لا يُعتبر بها؛ للإجماع على عدم صحة المُستند في قولِهم، فإذا بطل الأصلُ وهو الدليلُ، بطل فرعُهُ وهو الحُكم ... قال أبو بكر الصَّيرفي (ت 330 ھ): "لا يُلتفَت إلى هؤلاء في الفقه؛ لأنهم ليسوا من أهله"؛ البحر المحيط للزركشي 4/468... ومِن تطبيقات هذه المسألة القولُ بجواز جمع الصلوات في الحَضَر، وجواز نكاح المتعة. فلا يجوز الأخذ بهذه الأقوال؛ لأنها غيرُ صحيحةٍ دليلاً، والخلافُ فيها غيرُ معتبر". اھ. انظر: 

 http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=6411

ويرى الشيخ محمد علي السايس أنّه "كان لانفراد الشيعة في نزعتهم، وفي سوء ظنهم بمن يخالفهم في التشيع أثر في الفقه الإسلامي بينهم، وذلك أن الفقه عندهم وإن كان يعتمد على الكتاب والسنة، إلاّ أنهم كانوا يفسرون القرآن تفسيراً يتفق ومبادئهم؛ ولا يقبلون من الأحاديث، ولا من الأصول، أو الفروع شيئاً من قِبَل أهل السنة مهما كانت درجته من الصحة؛ ولا يأخذون بالإجماع كأصلٍ من أصول التشريع، ولا يقولون بالقياس: أمّا الإجماع فلأنّ الأخذ به يستلزم الاعتراف ضمناً بأقوال غير الشيعة من الصحابة والتابعين وهم لا يعتدون بأولئك في الدين. وأمّا القياس فلأنّه رأيٌ، والدين لا يؤخذ بالرأي، وإنما يؤخذ عن الله، ورسوله، وأئمتهم المعصومين." [نقلاً عن كتابه «تاريخ الفقه الإسلامي»: ص 120 بتصرف يسير/ دار الفكر، ط 1419ھ-1999م].

والشيعةُ الإثنا عشرية يرون عدمَ جوازِ العمل بما يُوافقُ أهلَ السُّنة ويُسمّونهم (العامة)؛ فعن محمد بن عبد الله قال: قلت للرضا عليه السلام: كيف نصنع بالخَبَرَيْن المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه! [انظر: «وسائل الشيعة» للحر العاملي» الجزء 18 ص85 - 86].

ولذلك فإنّ الأصوليّين الشيعةَ يلْجؤون عند تعارض الأخبار والروايات، وعدم إمكانية الجمع بينها، إلى تقديم الأرجح، من حيث السند أو اشتهاره بين العلماء، أو مخالفته لأهل السنة (ويسمونهم بأبناء العامة)، [انظر: مطهري، الأصول، ص41].

وتعمّدُهم مخالفة أهل السنةِ، مسلكٌ يسلكونه لردّ كل النصوص التي لا تخدم مصالحَهم؛ وهذا قد يدفعُهم إلى التّمَسُّك بالأحاديث المَنْسوخَة، وعدم العمل بالأحاديث النّاسِخَة التي نسختها! وهذا من بين  الأسباب التي حَمَلَتهم على القول بحِلِّية نكاح المتعة، الذي نُسِخَ حُكمُ إباحتِه وحُرِّمَ إلى يوم القيامة، باتفاق جميع الفرق الإسلامية الأخرى؛ وهو الذي حملهم -أيضاً- على الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء عوض غسلهما، مخالفين بذلك جميع الفرق الإسلامية الأخرى (أهل السنة، والزيدية، والإباضية): ذلك بأنهم لمّا وجدوا اختلافاً حول غسل الرجلين في الوضوء بين الصحابة، أخذوا بفتوى عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس، التي تقول بمسح الرجلين -رغم أنّه قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ-، ولم يأخذوا بفرضية غسل القدمين؛ لأنّ أهل السنة يعملون بها!

قال الحافظ ابن حجر: "وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه، وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ، قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ، رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور" [فتح الباري (1/320)].

وأمّا طريقةُ أهلِ السنّة في أخْذِ الحديث والأخبار عن الفرق الإسلامية الأخرى، فإنهم معتدِلون في ذلك، ويأخذون عنهم بشروط، ولا يأخذون من الشيعة الإثني عشرية، ويسمّونهم (الرافضة)؛ لأنّ تشيُّعَهم فيه غُلُوٌّ، عكس تشيُّع الزيدية -مثلاً- الذي ليس فيه غُلُو؛ ولقد بَيَّن ذلك الإمامُ الذهبي في «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» (1|118) فقال: "لِقائِلٍ أن يقول: كيف ساغ توثيق مُبتدع، وَ حَـدُّ الثقةِ العدالةُ والإتقان. فكيف يكون عَدلاً من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صُغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّف. فهذا كثيرٌ في التابعين وتابعيهم، مع الدِّين والورَعِ والصِّدق. فلو رُدَّ حديثُ هؤلاء، لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدةٌ بيِّـنة؛ ثم بدعةٌ كبرى كالرفض الكامل، والغلوّ فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يُحتجّ بهم ولا كرامة. وأيضاً فما أستَحضِرُ الآن في هذا الضّربِ رجُلاً صادِقاً ولا مأموناً، بل الكذِبُ شعارُهم، والتقيّة والنّفاق دثارُهم؛ فكيف يُقبلُ نقلُ من هذا حاله؟ حاشا وكلاّ، فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرفِهِم: هو من تكلَّم في عُثمان والزّبير وطلحة ومعاوية وطائفةٍ ممن حارب علياً -رضي اللهُ عنه- وتعرَّض لسبِّهم، والغالي في زماننا وعُرفنا، هو الذي يُكفِّر هؤلاء السادة، ويتبرَّأ من الشيخين أيضاً؛ فهذا ضالٌّ مُعَثّر".

ومن القواعد المشهورة عند علماء أدب البحث والمناظرة، القاعدةُ التي تقول: "إنْ كنت ناقلاً فالصِّحَةُ، أو مدعياً فالدليلُ"؛ [انظر: «ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة» لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (ص: 368، 381) دار القلم الطبعة الأولى 1395هـ - 1975م دمشق – بيروت].

ولقد شرح بعضُ أهل العلم هذه القاعدة، فقال: "كلُّ دعوى، لا بد من إقامة الدليل عليها، وإلا كانت مجردَ دعوى خَلِيَّةً عن البرهان، والدليل إمّا أن يكون نقلياً أو عقلياً، والمطلوب في النقلي تحريرُ صحته، وفي العقلي إظهارُ صراحتِه وبيانُ حُجّته: قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111]".

والشيعة الإثنا عشرية يختلفون عن السُّنة في مصدر التّلَقِّي -كما رأينا سابقا-؛ لأنهم لا يعتمدون على الأحاديث التي يعتمد عليها السُّنة (والغريب أنهم يرجعون إلى بعضها لتقوية حُججهم على حِلّيَة نكاح المتعة؛ وذلك لكي تلقى القبول لدى شباب أهل السُّنة!)، ويختلفون معهم -كما رأينا سابقا- في أصول الاستدلال أيضاً؛ ولذلك فلا يمكن إقناعهم بتحريم نكاح المتعة، بل لا فائدة من مناظرتهم حول هذا النكاح؛ ولذلك فالمطلوبُ من علماء أهل السنة هو التركيزُ على دفعِ الشُّبُهات التي تُلقيها الشيعة الجعفرية حول تحريم المتعة؛ لإقناع شباب أهل السُّنة، بِحِلِّية هذا النكاح، ومِن ثَمّ جرّهم إلى التّشيُّع الجعفري؛ لأنّ تحليلَ المتعة لا يمكن أنْ يتمّ إلاّ عن طريق هدم الأصول والقواعد الأساسية، التي بُنِيَ عليها الفقه السُّني!

 - 3قواعد كلية لدفع شبهات الشيعة.

وهناك قواعدُ كلّية، مُستمدّةٌ من الكتاب والسُّنّة النبويّة، لا بدّ أنْ يتسلّح بها الباحث في المسائل الفقهية، قبلَ خوضِ غمار الترجيح بين الأقوال التي وقع فيها جدال ونزاع بين المذاهب الإسلامية؛ وهي المصباحُ المُنيرُ لِمن اختلطت عليهم الأمور، ولا يستطيعون الترجيح بين الأقوال؛ لضيق وقتهم أو لنقصِ ثقافتهم الدينية. وأهم هذه القواعد هي:

القاعدة1 : (الدينُ يُحْتاطُ له).

(فقد تعترض الإنسانَ المسلمَ أمورٌ متشابهة، لم تتبيّن حِلِّيَتُها أو حرمتُها، أو لم تتبين درجات تحريمها، ... ، فإذا اعترضت المسلم هذه الأمور غير الواضحة، فإنه يلزمه فعل الأسلم والأفضل) [انظر: الميسّرُ في علم القواعد الفقهية؛ للأستاذ الدكتور نور الدين مختار الخادمي، ص 97].

والاحتياطُ حُجّة عند الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ قال السرخسي: "والأخذ بالاحتياط أصل في الشرع".

وقال الجصاص: "واعتبار الاحتياط والأخذ بالثقة أصل كبير من أصول الفقه، فقد استعمله الفقهاء كلهم".

وقال الشاطبي: "والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم والتحرز مما عسى أن يكون طريقاً إلى مفسدةٍ، فإذا كان هذا معلوماً على الجملة والتفصيل، فليس العمل عليه ببدع في الشريعة، بل هو أصل من أصولها."[الموافقات (6/119)].

وقال ابن تيمية: "وتمام الورع أن يعلم الإنسانُ خيرَ الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها" [الفتاوى لابن تيمية (10/215)].

ورغم أن ابن حزم الظاهري يُعَدُّ من المعارضين لقاعدة (الأخذ بالاحتياط)، فإنه يرى أنه مشـروعٌ في حال تعارض الأدلة والأَمارات، وعدمِ ظهور أثر الرجحان، فـإنه تعـدّ هـذه الحـالة شُبْـهَة ينبغي اجتنابُهـا. [انظر: الإحكام لابن حزم: 3/6-4].

وقاعدة الاحتياط هاته، يُعملُ بها عند الشيعة الإثني عشرية أيضاً؛ فهم يرون أنّ "الاحتياط عند المكلّف المقلِّد هو: موقف يتخذه في حالتين:

الحالة الأولى هي: عندما يشك في حكم مسألة، ويتردّد شكّه بين الأحكام الشرعية الخمسة ک(الحرمة، و الوجوب...)، فلا يعلم أي الأحكام تتعلّق بمسألته، ويكون غير قادر على الوصول للعلم بذالك، ففي هذه الحالة يحتاط المكلّف ويأتي بما يبرئ ذمّته أمام المولى تعالى، فإن كان شكه بين الوجوب والإباحة مثلا، يأتي بالفعل، وإنّ كان شكّه بين حرمة الفعل وإباحته، فيتجنب الفعل". [اكتفينا بذكر الحالة الأولى فقط]

وتحريمُ نكاحِ المتعة من المسائل الفقهية التي اتفقت عليها جميع الفرق الإسلامية، باستثناء الشيعة الإمامية؛ ولكن لكثرة الشبهات التي أثارتها الشيعة الإمامية حول تحريمها، تحوّلَت عند بعض شباب السُّنّة إلى أمور متشابهة، لم تتبيّن لهم حِلِّيَتُها أو حرمتُها؛ ففي هذه الحالة؛ فإنه يلزمهم العمل بقاعدة (الدين يُحتاط له)، وفعل الأسلم والأفضل.

ومن فروع هذه القاعدة، القاعدةُ الآتية.

القاعدة2: (يُتشَدَّد في الفُروج ما لا يُتَشدّد في غيرها).

وتوضيحها: (أنه يُحْتاطُ في فروج النساء أكثر من غيرها؛ لأنها حدود الله، ولأنها ذريعة إلى شرٍّ مستطير أكثر من غيرها، لما يُخشى منها من اختلاط الأنساب، والانتساب للغير، وما يترتب عليه من دخوله على الأجانب، والميراث بغير حق ونحو ذلك.

فالأصل في الفروج التحريم، فلا يحِلّ إلاّ ما جاء دليلٌ قطعيٌ بحلِّه وجوازه).

والمتعةُ -كما يرى المتتبّعون-(يحصل منها مفاسدُ كثيرة؛ لأنه ربما تمتع الغريبُ بامرأةٍ فتحملُ ثم يأتي رجل آخر فيتمتع بها، ويختلط النسل؛ وربما تمتع بها بعده أبوه أو ابنه وهما لا يعرفانها، وربما وُلِدَ للرجل من المتعة ابنٌ أو ابْنةٌ، ولا يدري ولا يعرفهما ولا يعرفانه إذا كان غريباً، وربما تزوّجت البنت بأبيها أو بأخيها أو بابن أخيها، وكذا الابن ربما تزوج بأخته أو مَنْ تَحْرُم عليه، وقد يُحْرَم الولد من ميراث أبيه، ويَظلِمُ الورثةُ بعضُهم بعضاً؛ وهذه العلل التي حُرِّم الزنا لأجلها، وهي موجودة في المتعة).

القاعدة3: (الضررُ لا يُزال بالضرر).

ومعنى هذه القاعدة: أنّ الضّررَ لا يُزالُ بمثله، ولا بأكثرَ منه بالأولى.

والشيعةُ الإثنا عشرية يرون أنّ عدمَ إمكانيةِ كثيرٍ من الشباب والفتيات من الزواج في سن مبكرة لبعض الظروف، يضرّ بالصحة الجنسية، والمتعةُحلٌّ لهذه المشكلة، وتسمح لهم بتلبية رغباتهم الجنسية بكل سهولة، ريثما تتوفر لهم إمكانية الزواج الدائم!

ويرون أنّ المتعة حَلٌّ -أيضا- للجنود عندما يبتعدون عن أوطانهم، وللمُتزوِّجِين الذين قد يحتاجون إلى هذا النكاح، لبعض الظروف الطارئة!

وهذه الحُجَجُ مردودةٌ، لسببين:

السبب الأول: هذا النكاحُ له أضرارٌ كثيرة، وتفوق الأضرارَ المترتبةَ عن عدم تلبية النداء الجنسي. فمِن مفاسدِه الإعراضُ عن الزواج الدائم؛ ابتغاءَ اللذةِ العاجلة، وهروباً من تحمّل مسؤولية الزواج الشرعي، المبني على السكينة والمودّة والرحمة، وطلبِ الذرية الصالحة، والسليمةِ من الأمراض النفسية والبدنية؛ فلماذا يتزوج الرجل ويتحمل أعباء الزواج، وأبوابُ الاستمتاعِ مفتحة لديه؟

إنّ فتحَ هذا الباب، سيدفعُ -لا محالةَ- أكثر الشباب إلى عدم الإسراع والمبادرة إلى الزواج الدائم، وربما إلى العزوف عنه مُتذَرِّعين بشتى الأعذار والتبريرات الواهية!

والمتعةُ ذريعةٌ إلى مشاكلَ اجتماعيةٍ كثيرةٍ وخطيرة، لما يُخشى منها من اختلاط الأنساب، والانتساب للغير، والميراث بغير حق ونحو ذلك، كما رأينا سابقاً.

وزواجُ المتعةِ، فيه إهانةٌ للمرأة، التي تُصبح لُعبةً بين أيدي الرجال، وظيفتُها هي إمتاعُ رغباتهم الجنسية الحيوانية فقط. وهذا فيه تضييعٌ لإنسانيتها، ولحقوقها وكرامتها، وهو يفتح الباب للزانيات والزُّناة؛ لمارسة الرذيلة ونشر الإباحية، دونَ خوفٍ من متابعةٍ من طرف السُّلطات؛ إذْ لا يمكن التفريق بين الزنا والمتعة، فيكفي أن يقول المتلبّسان بالزنا بأنهما يتمتعان؛ لإخلاء سبيلهما. وهذا النكاح يشجّع -أيضا- النساء والفتيات العفيفات على الانحراف والفساد.

ونكاح المتعة ينتج عنه ضياعٌ للأطفال الأبرياء وتشريدهم؛ ولقد كتبتْ مجلةُ (الشراع) اللبنانية، العدد 684، السنة الرابعة، الصفحة الرابعة: أن رفسنجاني أشار إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعـة! وقد وُصِفَتْ مدينةُ (مشهد) الإيرانية -حيث شاعت ممارسة المتعـة- بأنها (المدينة الأكثر انحلالاً على الصعيد الأخلاقي في آسيا).

فالأضرارُ المترتبة على نكاح المتعة، أكبرُ من الأضرار المترتبة عن التحكم في الرغبة الجنسية والتّعفف؛ وحسب القاعدة السابقة، فإنه لا يجوز إزالة الضرر الناتج عن عدم تلبية الرغبة الجنسية، باللجوء إلى نكاح المتعة.

وهذه القاعدة مسطَّرةٌ -أيضا- في كتب الشيعة الإثني عشرية! ولا ندري كيف يفهمونها؟

ولقد قال الله تعالى عن الخمر قبل أنْ تُحَرَّم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة: 219].

فلمّا كانت أضرارُ الخمرِ أكبرَ من منافعها؛ حُرِّمت بعد ذلك تحريما نهائيا.

السبب الثاني: لقد وضع الإسلامُ الحلَّ المناسبَ لِمن عَدِم القُدرةَ على الزواج؛ فلقد قال سبحانه: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)، [النور: جزء من الآية 33].

قال البيضاوي في تفسيره: "(وليستعفف) وليجتهد في العفة وقمع الشهوة."

وقال الشيخ العلاّمة الدكتور أبو زهرة في تفسيره «زهرة التفاسير»: "والمعنى: لِيَطلُب العفة ولا يتجافى سبيلها والوصول إليها؛ والحصول عليها؛ إنما يسلك كل المسالك لطلبها؛ فهي طلب للجهاد في العفة والحصول عليها؛ الذين لا يجدون نكاحا ؛ أي: مهيئات النكاح؛ من مهر ونفقة ومسكن؛ إلى آخر ما يكون سببا للنكاح؛ أو تمهيدا له؛ فالتعبير بالنكاح ذكر للمسبب؛ وإرادة للسبب؛ ومن لم يجد مهيئات النكاح لا يجد النكاح؛ وأسباب الاستعفاف كثيرة؛ منها ضبط النفس؛ ومنها الصيام؛ ومنها الانشغال بالعبادة وتلاوة القرآن؛ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" [رواه البخاري ومسلم]؛ (الباءة): تكاليف الزواج؛ التي يمكنه أن يبوء بها في هذه العقدة المباركة؛ والصوم يتضمن معاني روحانية؛ والتجرد من الملاذ والأهواء؛ ويتضمن الصبو؛ وضبط النفس؛ وقرع الشهوات؛ و (الوجاء): قطع الشهوات؛ ودفع سيطرتها؛ فتكون الشهوة أَمَةً ذلولاً؛ ولا تكون سيداً مطاعا؛ تخضع له النفوس وتتطامن؛ وتخنع. وإنّ الاستعفاف يستمر حتى يغنيهم الله من فضله؛ فهو يستمر ضابطا نفسه؛ مسيطرا عليها؛ حتى يغنيه الله (تعالى) من فضله؛ أي: بفضله؛ ورحمته؛ وهو ذو الفضل العظيم." انتهى كلامُ الشيخِ أبي زهرة.

فاللهُ -سبحانه وتعالى- أمر غيرَ القادرين على الزواج بالعفافِ، ولم يرشدهم إلى نكاح المتعة.

ولقد قال جلال الدين السيوطي في تفسيره (الإكليل في استنباط التنزيل): "واستدل بعضهم بهذه الآية على بطلان نكاح المتعة قال: ولا يُفْهَم منه تحريم ملك اليمين؛ لأنّ مَن لا يقدر على النكاح لعدم المال، لا يقدر على شراء الجارية غالبا؛ ذكره الكيا." اھ. كلام السيوطي.

وهذه الآية التي ورد فيها الأمرُ بالاستعفاف -عند عدم القدرة على تكاليف الزواج الدائم- جاءت في سورة النور، وهي سورة مدنية، ونزلت بعد سورة النساء، التي توجد فيها الآية التي يحتج بها الشيعة على نكاح المتعة، وهي قوله تعالى:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)؛ [النساء: 24].

فلو كان الاستمتاعُ في هذه الآية يعني المتعة -كما يتمسّك به الشيعة الجعفرية-، لما غفل اللهُ -سبحانه- عن ذكره، كَحَلٍّ لعدم القدرة على الزواج الدائم الذي يتطلب القدرة على تكاليفه؛ سبحانه، (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) [طه: 52].

ويرى السيد جعفر علم الهدى -وهو من علماء الشيعة الإثني عشرية المعاصرين- أن الذي لا يتمكّن من نكاح المتعة مخاطبٌ بالآية السابقة (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) أيضاً؛ بحُجّة أنِّ كثيراً من الناس لا يتمكّنون منه، كما لا يتمكّنون من النكاح الدائم. بل زعم أن نكاح المتعة قد يكون أصعبَ وأشقّ من النكاح الدائم؛ لأن العرف لا يتقبله بقبول حسن!

وهذا كلامٌ مردودٌ، يَرُدُّه موقف الشيعةِ أنفسِهِم من زواج المتعة: فهم يرون أنه حلٌّ سهلٌ وسريعٌ لتلبية الرغبة الجنسية؛ لمن لا تتوفر لديهم القدرة المادية على النكاح الدائم، ويمكن أن يمارسه -عادةً- حتى الفقراء، والواقع يشهد لذلك، ولهذا السبب فهو منتشرٌ بكثرة في بعض المدن الإيرانية، وبعض المناطق الأخرى التي يتواجد فيها الشيعة الجعفرية بكثرة. ولهذا السبب -أيضا- كَثُرَ الأطفالُ اللُّقطاءُ، المُتخلّى عنهم بسبب المتعة! ولا يمكن أنْ نتصورَ أنّ جميع هؤلاء الذين يتمتعون أغنياء، علماً أنّ بعضهم قد لا يتمتع إلاّ في بعض الأحيان. فهؤلاء الذين يلجؤون إلى المتعة لتلبية حاجتهم الجنسية، قد وجدوا بديلاً عن الزواج الدائم، ريثما تتوفر لهم الاستطاعة المادية عليه، فكيف يُوَجَّه إليهم الخطابُ بالتّعَفُّف؟

وأمّا قوله: "بل قد يكون نكاح المتعة أصعب وأشقّ من النكاح الدائم حيث إنّ العرف لا يتقبله بقبول حسن"؛ فهذا كلامٌ مردود أيضا؛ لأنّ اللهَ سبحانه وتعالى أمر غيرَ القادرين على النكاح بالتّعفُّف ريثما يغنيهم من فضله، مُخاطِباً إيّاهم بقوله:(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )؛ فهل الغنى والقدرة المادية ستنفع من كان خائفاً من العُرف الذي لا يتقبل نكاح المتعة؟

وقول هذا العالم الشيعي المعاصر في تفسيره للآية السابقة، يخالف تفسير شيخِ الطائفة الشيعية وأحدِ كبار مفسريهم، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 -460هـ/ 995 - 1050 م) حيث جاء في تفسيره «التبيان في تفسير القرآن»: "وقوله (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) أمرٌ من الله تعالى لمن لا يجد السبيل إلى أن يتزوج، بأن لا يجد طولا من المهر، ولا يقدر على القيام بما يلزمها من النفقة والكسوة، أن يتعفف، ولا يدخل في الفاحشة، ويصبر حتى يغنيه الله من فضله"؛ ومعلوم أن زواج المتعة لا يتطلب النفقة والكسوة، وهو موافق لتفسير أهل السنة لهذه للآية.

وقال الشيخ محمد جواد مغنية -وهو من علماء الشيعة المعاصرين- في (التفسير المبين): "أما المقصود بهذه الآية فهو الفقير بالذات، وأن الناس إذا ردوه ولم يزوجوه، فعليه أن يصبر عن الحرام، ويسعى متكلاً على الله حتى يتهيأ له أسباب الزواج"؛ وقوله واضح في أنّ الاستعفاف هنا هو عند عدم القدرة على تكاليف الزواج الدائم؛ لأن زواج المتعة لا يحتاج دائما إلى إذن الولي.

والنبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- أمرَ الشبابَ الذين لا يستطيعون النكاح بالصيام -كما ورد في الحديث السابق- ولم يرشدهم إلى المتعة التي لا تتطلب تكاليف كثيرة؛ وهي ميسورة -غالباً- لكل الشباب: الأغنياء منهم والفقراء، إلاّ من كان مُعْدِماً.

ولقد جاء في حديثٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي اللهُ عنه- أنه قَالَ: "إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لأمِّكَ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأمَّهَاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأخْتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ؛ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ." [رواه أحمد، وصححه الألباني].

ففي هذا الحديث لم يُرشِد النبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- هذا الشابَّ إلى المتعة، التي يرى الشيعةُ الجعفرية أنها تُؤَمِّن للفرد نفسَ الوظيفة الجنسية التي تُؤمّنها الدّعارة!

الفصل الثالث: إضاءات وتحقيقات.

* الإضاءة1: الصحابةُ غيرُ معصومين من الخطأ في الفتوى.

قال ابن تيمية: "اتفق أهل العلم -أهل الكتاب والسنة- على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يُؤخذ من قوله ويُترك" [منهاج السنة (ج6/ 190–191)].

وأمّا دُعاءُ النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- لابْنِ عَبَّاس رضي الله عنه، بقوله: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) [متفق عليه].

وبقوله -في حديث آخر رواه البخاري-: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ).

فإنه ليس بدليلٍ على عصمته من الأخطاء؛ جاء في موقع (الإسلام سؤال وجواب) : 

https://www.google.com/amp/s/islamqa.info/amp/ar/answers/228565

"لا يلزم من إثبات الفقه للعالم، الصحابي أو غيره، أن يصيب في جميع أقواله، فالفقهاء ما زالوا يصيبون ويخطئون، ولكن لا شك أن لابن عباس مَزِيّة بهذا الدعاء، فهو أقرب إلى الصواب من غيره، وإن كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من هو أولى بالفقه والصواب منه، كأبي بكر، وعمر، بل وسائر الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم جميعا .

وقد ورد في شأن أبي بكرٍ مِن الفضل، وفي شأن عمر -رضي الله عنه- وعلمِه وأن الحق ينطق على لسانه، وفي شأن علي، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل ... إلخ، ما هو أعظم مما ورد في شأن ابن عباس، ولم يلزم من ذلك كله أن يكون الواحدُ منهم معصوما، أو أنّ اتِّباعَه فرضٌ لازمٌ على الأمة في كل حال. ولم يَحْتَجّ لا عمرُ ولا ابنُ عباس، ولا غيرُهما من فقهاء الصحابة وفضلائهم، على أحد من الصحابة، بل ولا التابعين: بما ورد في فضلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أنهم لم يفهموا من هذا أن قولهم صار صوابا في جميع الأحوال".

ومِنْ هنا يتبيّنُ لنا خطأُ الشيعةِ الإماميةِ الإثني عشرية، الذين يظنون أنّ فتوى ابن عباس في تحليل المتعة، حجّةٌ على أهل السُّنة!

وإذا كانوا يعتقدون أنه معصوم من الأخطاء، فلِمَ لمْ يأخذوا بقوله، الذي ذهب فيه إلى أن الاستمتاع المذكور في قوله تعالى -الذي يستدلون به على المتعة-: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) يعني: النكاح الصحيح الدائم؟ وهو القول الذي يوافق الحق.

قال القاضي أبو بكر بن العربي في «أحكام القرآن»: "فيه (أي: قوله تعالى:فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ الآية) قولان:

أحدهما: أنه أراد استمتاع النكاح المطلق، قاله جماعةٌ، منهم: الحسن ومجاهد، وإحدى روايتي ابن عباس".

وروى أبو جعفر النحاس في (الناسخ والمنسوخ) عن ابن عباس -رضي اللهُ عنه- أنّه قال: "وقوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)، يقول: إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة، وجب لها الصداق كله. والاستمتاع: النكاح، قال: وهو قوله عز وجل: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)".

ثُم قال أبو جعفر النحاس: "فبيّن ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان".

* الإضاءة2: التحذير من الفتاوى الشاذة وزلات العلماء.

والفتوى الشاذة هي: الفتوى المخالفة للدليل الشرعي، والمضيعة لمصالح العباد.

* انظر بحث للدكتور بن يحي أم كلثوم ، بموقع:    

 http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=10310

ولقد صدَرت بعضُ الآراء الشاذة عن بعض الصحابة؛ كفتوى ابن عباس بجواز ربا الفضل، وإباحة زواج المتعة، كما ذكر ذلك ابن رشد في «بداية المجتهد».

ومن ذلك -أيضا- إدخال ابن عمر الماء في عينيه أثناء الوضوء، قال الحافظ ابن عبد البر تعقيبا على ذلك: وهذا شيءٌ لم يُتابَع عليه، وله -رحمه الله- أشياءٌ شَذ فيها، حملَهُ عليها الورعُ. [انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر،(1/254)].

ولذلك قال الخليفة أبو جعفر المنصور للإمام مالك -حين أشار عليه بتأليف الموطإ-: "يا أبا عبد الله، إنه لم يبق على وجه الأرض أعلمُ مني ومنك، وإني قد شغلتني الخلافة، فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به، تجَنَّبْ فيه رُخص ابن عباس وشدائد ابن عمر وشواذ ابن مسعود، ووطّئه للناس توطئة". [انظر: «تاريخ ابن خلدون» (1/18)].

وقال ابن قيم الجوزية في «إعلام الموقعين عن رب العالمين»: "وأنّ العالِمَ قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، وينزل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذمّه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ -ولا بد- فيُحِلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك، إذ كانت العصمةُ منتفيةً عمّن قلدوه، والخطأ واقع منه ولا بد ... ؛ وذكر من حديث مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطع أعناقكم) .

ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره.

وذكر البيهقي من حديث حماد بن زيد عن المثنى بن سعيد عن أبي العالية قال: قال ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل: وكيف ذاك يا أبا العباس؟ قال: يقول العالم من قِبَل رأيه، ثم يسمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه، وفي لفظ: فيلقى من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع ويقضي الأتباع بما حكم". اھ. كلام ابن قيم.

وهذه نصيحة غالية من ابن عباس، لِمن اتَّبَعه في القول بِحِلّية نكاح المتعة!

وقال ابن قيم في نفس الكتاب: "قال أبو عمر: وتُشبِهُ زَلَّةُ العالم بانكسار السفينة؛ لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير .

قال أبو عمر: "وإذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ، لم يَجُز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه".

* الإضاءة3: موقف العلماء من النص الذي ورد فيه حُكْمٌ، ودلّ بصيغته على التأبيد.

اتفق العلماءُ على أنّ النصوصَ الواردة في القرآن أو السنة، والتي تضمنت أحكاماً، ودلت بصيغتها على تأبيدِها؛ لا تقبل النسخ في عهد الرسالة وفترة التنزيل، ولا بعدهاّ؛ لأنّ تأبيدها يقتضي عدم نسخها. [انظر: (دلالات الألفاظ من حيث الظهور و الخفاء) في كتب أصول الفقه السني].

وذلك كالحديث الذي قال فيه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة) [رواه مسلم].

فقوله -صلّى اللهُ عليه وسلم-: (إلى يوم القيامة) يدل على تأبيد التحريم؛ ولذلك فإنّ ابن حزم الظاهري استدل بهذا الحديث المُحْكَم على تحريم نكاح المتعة، رغم ظنِّه أنّ بعض الصحابة أباحها، جاء في كتابه «المحلى بالآثار»: "1858- مسألة: قال أبو محمد: ولا يجوز نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نسخا باتا إلى يوم القيامة".

ثم قال بعد نقله لبعض الأقوال: "ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت -وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث وفيه (فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب ويقول: (مَن كان تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها، ولا يسترجع مما أعطاها شيئا، ويفارقها، فإن الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة). قال أبو محمد -يعني ابن حزم-: ما حُرِّمَ إلى يوم القيامة، فقد أَمِنَّا نَسْخَه."

فابنُ حزم لم يلتفت إلى بعض الأقوال المنسوبة إلى بعض الصحابة، التي تبيح المتعة؛ لأنّ نصَّ الحديث السابق يُحَرِّم المتعة إلى يوم القيامة؛ وهذا يدل على تأبيد التحريم، فهو نصٌّ محكمٌ، والنصُّ المحكم غيرُ قابل للنّسخ، وهو مقدّمٌ على جميعِ النصوصِ غيرِ المُحكمة، وعلى جميع الفتاوى التي تعارضه، مهما كان قائلُها.

وقال ابن حجر مبيِّناً اعتراف ابن حزم بتحريم نكاح المتعة؛ لِوُرُود التأبيد في الحديث السابق، ومُبيِّناً في نفس الوقت الموقف الحقيقي للصحابة، الذين زعم ابن حزم أنهم ثبتوا على نكاح المتعة: "وقال ابن حزم : ثبت على إباحتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية ...؛ قلتُ [القائل هو ابن حجر]: وفي جميع ما أطلقه نظر، أمّا ابن مسعود فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح، وقد بيَّنْتُ فيه ما نقله الإسماعيلي من الزيادة فيه المصرحة عنه بالتحريم...؛ وقد اعترف ابن حزم مع ذلك بتحريمها لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم (إنها حرام إلى يوم القيامة)، قال:فأَمِنَّا بهذا القول نسخ التحريم." [فتح الباري].

وقال الإمام النووي: "وفي هذا الحديث: التصريح بالمَنْسُوخ والنَّاسِخ، في حديث واحد من كلام رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلم- كحديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها). وفيه: التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة".

وهذا الحديث -الذي يطعن فيه الشيعة الإثنا عشرية- لمْ يروه مسلم وحده، بل رواه معه جيشٌ عَرَمْرَمٌ من المُحدِّثين، لا قِبَلَ للشيعة الإثني عشرية بمُواجهتهم؛ إنهم: أبو داود في سننه (1571 , 1811 , 1812) والنسائي في الصغرى (3351) وابن ماجه في سننه (1967) وأحمد في المسند (15111 , 15112 , 15118 , 15119 , 15120 , 15121 , 15122 , 15124 , 15125 , 15126) وابن حبان في صحيحه (4218 , 4220 , 4221 , 4222 , 4224) والدارمي في سننه (1857 , 2177 , 2178) والنسائي في الكبرى (4435 , 4436 , 4437 , 4438 , 4439 , 4443) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2772 ، 2774) والطبراني في الأوسط (1378 , 1861 , 6354 , 6870 , 7174) والطبراني في الكبير (6394 , 6395 , 6396 , 6397 , 6398 , 6399 , 6400 , 6401 , 6402 , 6403 , 6404 , 6405 , 6406 , 6407 , 6408 , 6409 , 6410 , 6413 , 6414 , 6415) وابن المقرئ في معجمه (734) وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (423 , 424 , 425 , 426 , 427 , 428 , 429 , 430 , 444 , 445 , 446 , 447 , 448 , 449) والحاكم في معرفة علوم الحديث (361) وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (7709) وأبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان (40231) وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (3169) والبيهقي في السنن الكبير (13259 , 13260 , 13261 , 13262 , 13263 , 13264 , 13266 , 13267 , 13268 , 13269) والبيهقي في السنن الصغير (1953) وأبو حنيفة في مسنده برواية أبي نعيم (23 , 24 , 27 , 360) وعبدالرزاق في مصنفه (13576 , 13583) والحميدي في مسنده (818 , 819) وسعيد بن منصور في سننه (813 , 814) و (101 , 102) وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1291) و (1651) وابن أبي شيبة في مصنفه (13088 , 13089) والفاكهي في أخبار مكة (1730) والترمذي في العلل الكبير (168) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2263) وأبو يعلى الموصلي في مسنده (901 , 902) وابن جارود في المنتقى (680 , 681) والروياني في مسنده (1528) والباغندي في مسند عمر بن عبدالعزيز (71 , 72 , 73)؛ انظر تخريج الحديث في موقع «جامع السنة وشروحها»:  http://www.hadithportal.com/index.php

وروى الحديث -أيضاً- أبو عوانة في مُسْتَخْرَجِه على صحيح مسلم (الحديث رقم 3296 - من كتاب مستخرج أبي عوانة - مُبْتَدَأُ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَا يُشَاكِلُهُ).

ومِنَ المعلوم عند علماءِ الحديث أنّ مِنْ فوائد كتاب مُسْتَخْرج أبي عوانة على صحيح مسلم، بل وكل الكتب المستخرجة على أحد الصحيحين (البخاري أو مسلم):

- ما يقع فيها من زيادات في الأحاديث لم تكن بالأصل، وإنما وقعت لهم تلك الزيادات.

- تقوية الحديث بكثرة الطرق، وربما ساق له طرقـًا أخرى إلى الصحابي بعد فراغه من استخراجه كما يصنع أبو عوانة.

وقال ابن حجر العسقلاني: "وكل علة أُعِلَّ بها الحديث في أحد الصحيحين، وجاءت رواية المستخرَج سالمة منها فهي من فوائده وذلك كثير جدًا".

* الإضاءة4: النصُّ المُحْكمُ يجب العملُ بما دلّ عليه، ولا يَقْوى أيُّ نصٍّ آخر على مُعارضَتِه. [انظر: دلالة الألفاظ من حيث مراتب وضوحها وخفائها في «تقريبُ الوصول إلى علم الأصول»، تأليف: محمد إبراهيم عويدات، ص199].

أمّا الشيعةُ الإثنا عشرية، فقد ردّوا الحديث الصحيح المُحْكَم السابق، الذي رواه مسلم؛ لأنّه -حسب زعمهم- :

أ- يخالف نصّاً في القرآن الكريم يبيح المتعة، وهو قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:24].

قال ابن تيمية في «منهاج السنة»: "وأمّا متعةُ النساء المتنازع فيها فليس في الآية نص صريح بحلها".

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: "قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فيه قولان:

أحدهما: أنه الاستمتاع في النكاح بالمهور، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور.

والثاني: أنه الاستمتاع إلى أجل مُسمىً من غير عقد نكاح، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يفتي بجواز المتعة ثم رجع عن ذلك.

وقد تكلف قوم من مفسّري القرّاء (أي: العلماء)، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نُسِخت بما رُوي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى عن متعة النساء؛ وهذا تكلُّف لا يُحتاج إليه؛ لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجاز المتعة، ثم منع منها، فكان قوله منسوخاً بقوله، وأما الآية فإنها لم تتضمّن جواز المتعة؛ لأنه تعالى قال فيها: (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ)، فدل ذلك على النّكاح الصحيح؛ قال الزجّاج: ومعنى قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ)، أي: عاقدين التزويج: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، أي: مهورهن، ومن ذهب في الآية إلى غير هذا، فقد أخطأ وجهل اللغة." اهـ.

وقال بعض العلماء : "ولو كانت هذه الآية في نكاح المتعة، لما صح أن يقال بعدها: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ...) [ النساء: 25]؛ لأن نكاح الإماء لا يجوز إلا عند تعسُّر مهر الحرائر، ولو كانت المتعة في النكاح المؤقت جائزة لما تعذرت أجرتها إلا نادرا".

وقال إمام المفسّرين الطبري في تفسيره: "وأما ما رُوِيَ عن أُبَيِّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)، فقراءةٌ بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين. وغير جائزٍ لأحدٍ أن يُلحِقَ في كتاب الله تعالى شيئاً لم يأتِ به الخبرُ القاطعُ الْعُذْرِ عَمَّنْ لَا يَجُوز خِلَافه".

وقال الجصاص في (أحكام القرآن): «فكان الذي شهر عنه إباحة المتعة من الصحابة عبد الله بن عباس. واختلفت الروايات عنه مع ذلك! فرُوِيَ عنه إباحتُها بتأويل الآية له، قد بينا أنه لا دلالة في الآية على إباحتها. بل دلالات الآية ظاهرة في حظرها وتحريمها من الوجوه التي ذكرنا. ثم رُوِيَ عنه أنه جعلها بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورةَ المبيحةَ للمحرمات، لا توجد في المتعة: وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم، هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل، وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه، ولا على شيء من أعضائه التلفَ بترك الجماع وفقده. وإذا لم تحل في حال الرفاهية -والضرورة لا تقع إليها- فقد ثبت حظرها واستحال قول القائل: إنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم؛ فهذا قول متناقض مستحيل، وَأَخْلِقْ بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس وهماً من رواتها؛ لأنه كان -رحمه الله- أَفْقَهَ مِن أنْ يخفى عليه مثله. فالصحيح إذاً: ما روي عنه من حظرُها وتحريمُها، وحكايةُ من حكى عنه الرجوع عنها".

وقال أيضاً: "وأيضاً قد قال ابن عباس (عن المتعة): إنها ليست بنكاح ولا سفاح. فإذا كان ابن عباس قد نفى عنها اسم النكاح، وجب أن لا تكون نكاحاً؛ لأن ابن عباس لم يكن ممن يخفى عليه أحكام الأسماء في الشرع واللغة. فإذا كان هو القائل بالمتعة من الصحابة، ولم يرها نكاحاً ونفى عنها الاسم، ثبت أنها ليست بنكاح".

وقال ابن خويز منداد المالكي: "ولا يجوز أن تُحْمَلَ الآيةُ على جواز المتعة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمه؛ ولأن الله تعالى قال: (فانكحوهن بإذن أهلهن) [النساء:25]، ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك".

وهكذا، يتبينُ لنا أنّ الآيةَ التي تعلّقوا بها لتحليل المُتعةِ، ليست نصّاً مُحكما؛ لأنّ لفظة (استمتعتم) الواردة في الآية ليست قطعية الدلالة على معنى نكاح المتعة، فلا يمكن أنْ تعارضَ الحديث المحكم السابق، الذي جاء فيه التحريم الأبدي للمتعة!

وأمّا لفظة (أجورهن) -التي جعلوها قرينة تُؤَكِّدُ أن المراد بقوله تعالى (استمتعتم) هو المتعة- فإنّها تعني (مهورهن)، لغةً وشرعاً:

جاء في (لسان العرب) لابن منظور وفي (القاموس المحيط) -أيضاً- في مادة (أَجْر): وأجرُ المرأة مهرُها.

وجاء في (المفردات في غريب القرآن) للراغب الأصفهاني في تفسيره للفظة (أجورهن) التي في سورة النساء الآية 24: وقوله: (آتوهن أجورهن) كناية عن المهور.

وجاء في (مجاز القرآن) لأبي عبيدة: (وآتوهن أجورهن)، أي: مهورهن.

فلقد عبَّر القرآن عن المهر هنا بالأجر، وليس المراد به المال الذي يُدفع للمتمتَّع بها في عقد المتعة، ولقد جاء تسمية المهر أجراً في مواضع أخرى من القرآن، وهي:

قوله تعالى: (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) [المائدة:5].

وقوله تعالى: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) [الأحزاب 50].

وقوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) [الممتحنة: 10].

والمهرُ لا يكون إلاّ للمتزوجةِ الزواجَ الدائم؛ فتبيَّن بهذا أنه ليس في الآية دليل على إباحة المتعة؛ فكيف سَوَّغوا لأنفسهم رَدّ حديث محكم يُحرِّمُ نكاح المتعة، بآية ليس فيه التصرح بِحِلِّيَتِها؟

ب- وردّوا الحديث بسببٍ آخرَ، لَمْ يُسْبَقوا إليه، وهو اختلاف الروايات الواردة في بيان أول وقت لتحريم المتعة، ورأوا أنّ هذا دليلٌ على ضعف الحديث السابق!

ولكن هل هناك دليل على أن اختلاف روايات زمن ورود تحريمِ أمرٍ ما، أو إباحته يُعَدُّ سبباً لعدم التحريم أو عدم الإباحة؟

قال الإمام النووي في «شرح مسلم» في (باب نكاح المتعة): "قال المازري: واختلفت الرواية في «صحيح مسلم» في النهي عن المتعة، ففيه: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وفيه: أنه نهى عنها يوم فتح مكة، فإنْ تعلق بهذا من أجاز نكاح المتعة، وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها، قلنا: هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضا؛ لأنه يصح أن ينهى عنه في زمن ثم ينهى عنه في زمن آخر، توكيداً أو ليشتهر النهيُ ويسمعه من لم يكن سمعه أولا، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقلَ كلٌّ منهم ما سمعه وأضافه إلى زمان سماعه".

* الإضاءة5: لقد حُرِّمت المتعةُ وجميعُ الأنكحة الباطلة في مكّة، وقبل الهجرة، بقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ )؛ [المؤمنون /5-7، المعارج/29-31].

قال الكاتب محمد فريد الزهيرى: "يتبين من هذا النص المكي أن «الأصل في الفروج الحرمة»، وأما التحليل فاستثناء لابد من ذكره، فما سكت عنه فهو حرام، فقوله تعالى (لفروجهم حافظون) هذا هو الأصلُ، أي الحرمةُ ( إلا ) هذا هو الاستثناء ومحله: (أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) هذا هو المستثنى من التحريم، وهو نوعان من النكاح ما عداهما حرام، وحتى لا يدع الله مجالاً للاشتباه أو الالتباس نص على حرمة ما عداهما بقوله الصريح (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) فكل فرج دونهما حرام سواء استبيح بالزنا أو المتعة أو الاستبضاع .. الخ.

هذا في مكة، أي أن المسلمين لم يمارسوا هذا النكاح في العهد المكي لحرمته. ولما هاجروا إلى المدينة لم تذكر الآيات النازلة فيها بخصوص النكاح إلا النوعين الأولين، الزواج الدائمي ونكاح المملوكة باليمين (الأمة)."

انظر: «الردّ الشافي على الشيعة في المتعة»؛ بالموقع:

http://farid2012.yoo7.com/t122-topic

ومن الأدلة القاطعة على أنّ زواجَ المتعة كان من الأنواع الفاسدة التي حُرّمَت في مكة، بنصّ الآيات السابقة، هو أنّه جاءت الرخصةُ فيه -للضرورة- في المدينة، بعد الهجرة من مكة؛ ولو كان زواج المتعة يُعدّ زواجاً مشروعاً مثل الزواج الدائم، لما احتاج النبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- إلى إعطاء الرخصة للصحابة لكي يستمتعوا خارج المدينة.

والآيات بخصوص النكاح، التي نزلت بالمدينة، لم تَذكر -كما قال الكاتب سابقا- إلاّ الزواج الدائمي ونكاح المملوكة باليمين (الأمة).

ففي قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) [النساء: 3]؛ نجد أنّ الراغب في النكاح له خياران فقط، وهما:

- الخيار الأول: أنْ يعدِّد، على ألاّ يزيدَ عن أربع زوجات.

الخيار الثاني: أنْ يقتصرَ على زوجة واحدة من الحرائر -عند الخوف من العدل-، والتمتع بمن يشاء من السراري لعدم وجوب العدل بينهن.

وفي نكاح المتعة يمكن للرجل أنْ يتمتع بأكثرَ من أربع نسوة في نفس اليوم أو الأسبوع، ف(ليس هناك حد لعدد النساء المتمتع بهن، فيجوز للرجل أن يتمتع بمن شاء من النساء ولو ألف امرأة أو أكثر)! [انظر: الاستبصار للطوسي 3:143 وتهذيب الأحكام 7:259، وهما مرجعان من مراجع الشيعة].

وليس فيه خوف من العدل حتى يقتصر على واحدة فقط؛ والمُتمَتَّعُ بها ليست مِمّا يملكه الرجل الذي يتمتع بها؛ وهذا يدلّ على أنّ النكاحَ المذكورَ في هذه الآية نوْعان لا ثالث لهما، وهما: الزواج الدائم وملك اليمين.

* الإضاءة6: طرق الشيعة الإثني عشرية لتحليل المتعة.

لقد جادل الشيعة الجعفرية من أجل القول بتحليل نكاح المتعة، الذي كان منتشراً في فارس، وحاولوا استعمال شتى الطرق للدفاع عن موقفهم، وكان من بينها:

  • الاستدلال بآية من كتاب الله، وردت فيها كلمة (استمتعتم)، وزعموا أنها تعني نكاح المتعة.

و(الاستمتاع) في اللغة: الانتفاع، وكل ما انتفع به فهو متاع، و(السين) و(التاء) فيه للمبالغة، وتفسير الاستمتاع بنكاح المتعة يحتاج إلى قرينة تدلّ على ذلك؛ وأمّا القول بأن هذه الكلمة تعني نكاح المتعة عُرْفاً، فهذا يحتاج إلى دليل أيضاً، وهو بعيدٌ جدّا، إذْ لو كان معناها نكاح المتعة، لما خفي ذلك على الصحابة، ولا على المفسرين؛ ويبدو أ نّ الشيعة الجعفرية فقط، هم الذين تَحَوّل عندهم معنى (الاستمتاع) إلى نكاح المتعة عُرْفاً!

ولهذا قال الدكتور علي حسب الله -أستاذ الشريعة الإسلامية- : "يُعبِّرُ القرآنُ الكريم عن إنشاء العلاقة الزوجية بأحد لفظين: النكاح وهو الكثير، والزواج أحياناً، ودلالة اللفظين على هذا المعنى لُغوية وشرعية. أمّا الاستمتاع فلم يُستعمل في عقد الزواج، فيبقى على معناه الحقيقي حتى يدل دليل على صرفه عنه إلى غيره؛ وقبول تفسيرهم (أي:الشيعة الجعفرية) للاستمتاع في الآية بعقد زواج مؤقت -من غير دليل- هو أول خطأ يقع فيه الباحث في هذا الموضوع، وإذا سلّم به تعذر عليه التخلص منه" [انظر كتابه: «الزواج في الشريعة الإسلامية» ص52، في الهامش، طبع دار الفكر العربي].

ويؤكد الشيخُ عبدُ اللهِ بن يوسف الجديع، في كتابه«المقدمات الأساسية في علوم القرآن» (ص403): "أنّ تتبُّعَ اللفظةِ في مواردها في القرآن بمختلف اشتقاقاتها، يُعدّ من أحسن الطرق في التفسير؛ لأنه تفسيرٌ للقرآن بالقرآن".

  • استغلال التشابه اللفظي: استغلوا التشابه اللفظي، بين متعة الحج التي أباحها جمهور العلماء ونكاح المتعة؛ فيأتون بأحاديث صحيحة ذُكِرت فيها متعة الحج والتي لم تُذكر فيها لفظة (الحج)، ويحتجون بها على إباحة المتعة!

ومثال ذلك: الحديث الذي رواه عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ قَالَ : " أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ".

فيقولون: هذا الحديث حجة على إباحة نكاح المتعة! والمتعة في هذا الحديث هي متعة الحج باتفاق العلماء؛ فلقد أخرج البخاري (4518) ، ومسلم (1226) من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنّه قَالَ: "نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ، فِي كِتَابِ اللهِ -يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ- وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ".

والحديث أخرجه البخاري في «كتاب الحج» لا في «كتاب النكاح»، وأطبق شُرّاح (صحيح البخاري) كالعسقلاني والعيني و القسطلاني وشُرّاح (صحيح مسلم) كالنووي والمازري وغيرهم على تفسير المتعة هنا «بمتعة الحج».

  • الاستدلالُ بالأحاديث المنسوخة، التي وردت فيها إباحة المتعة، ورَدُّ الأحاديث الصحيحة الناسخة.
  • عدم الاعتراف بإجماع المسلمين.
  • التمسك بفتوى ابن عباس.
  • الكذب على النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- وبعض الصحابة:

فكذبوا على النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- وقالوا:"إنّه تمتّع بامرأة سِرّاً"!

وكذبوا على إمامهم علي -رضي اللهُ عنه- الشجاع الذي لا يهاب أحدا، ولا يخشى في اللهِ لوْمَة لائم؛ فقالوا: "إنّما صرّح بتحريم نكاح المتعة تَقِيّةً"!

وكذبوا على عمر بن الخطاب، فقالوا: "إنّ عُمَر هو الذي حرّم المتعة التي أحلّها اللهُ ورسوله"!

ولقد ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: "لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها؛ والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها". [رواه ابن ماجه 1611، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير 3/1171، والصنعاني في سبل السلام 3/198، وصححه الألباني].

وهذا نص صحيح وصريح في أن عمر -رضي الله عنه- لم ينه عن المتعة مِن عنده، وإنما نقل تحريمها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر- أيام خلافته، وأقره الصحابةرضي الله عنهم وما كانوا لِيُقِرّوه على خطأ لو كان مخطئاً!

قال الطحاوي: "فهذا عمر رضى الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر ذلك عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك دليلٌ على نسخها وحجةٌ" [انظر: شرح معاني الآثار: 3/27].

ونقل ابن حجر عن الحازمي قولَه: "وأما ما رُوِي أنهم كانوا يستمتعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى نهى عنها عمر رضي الله عنه، فمحمول على أن الذي استمتع، لم يكن بلغه النسخ، ونَهْيُ عمرَ كان لإظهار ذلك، حيث شاعت المتعة ممن لم يبلغه النهي عنها. ومعنى (أنا محرمها) في كلامه إن صح، أي: مُظْهِرٌ تحريمها، لا مُنْشِئه، كما يزعم بعض من لا خلاق له".

  • الكذب على كبار الفقهاء:

فكذبوا على الأئمة أبي حنيفة، ومالك، وأحمد بن حنبل، وابن تيمية؛ وقالوا:"إنّهم أبَاحُوا المتعة"!

ويستدلون ببعض الأقوال غير الثابتة عنهم، أو ببعض التعابير، التي تُوهِمُ أنّ فيها القولَ بالكراهة فقط أو الإباحة؛ وهذا يدل على عدم الأمانة العلمية!

ولقد قال ابن قدامة في «المغني» رقم (5488): "مسألة؛ قال: (ولا يجوز نكاح المتعة ) معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج. وشبهه، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة. فهذا نكاح باطل. نص عليه أحمد، فقال: نكاح المتعة حرام. وقال أبو بكر: فيها رواية أخرى، أنها مكروهة غير حرام؛ لأن ابن منصور سأل أحمد عنها، فقال: يجتنبها أحب إلي. وقال: فظاهر هذا الكراهة دون التحريم. وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا، ويقول: في المسألة رواية واحدة في تحريمها. وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء. وممن رُوِي عنه تحريمها عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن الزبير. قال ابن عبد البر: وعلى تحريم المتعة مالك، وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل العراق، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي، وسائر أصحاب الآثار" اھ. كلام ابن قدامة.

ومعلوم أنّ الإمام أحمد كان يستعمل مصطلح (الكراهة) أو مصطلح (يجتنبها أحب إلي)، ويعني بهما التحريم، وهذا قد غاب حتى عن بعض الفقهاء؛ ولهذا قال ابن قيم الجوزية في كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين»: "[لفظ الكراهة يطلق على المحرم]: قلت: وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدا في تصرفاتهم؛ فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة، وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول هو حرام؛ ومذهبه تحريمه، ... فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استُعمِلت فيه في كلام الله ورسوله، ولكنْ المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركُه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلط في ذلك؛ وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ (لا ينبغي) في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث، وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال (لا ينبغي) في المحظور شرعا وقدرا، وفي المستحيل الممتنع".

ولقد قال ابن قدامة الحنبلي في المغني (6/644 ): "معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرًا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحج وشبهه، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة، فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام" اهـــ.

فالباحث في الفقه الإسلامي، عليه أنْ يرجعَ إلى معاجم المصطلحات الفقهية؛ لفهم المراد منها  عند الأئمة المشهورين، ولفهم المصطلحات المستعملة في مذاهبهم؛ لأنّ الألفاظ قد يختلف معناها في الشرع عن المعنى اللغوي، بل قد تختلف هذه المعاني بين الأئمة المتقدّمين المشهورين وأتباعهم. [انظر كتاب «البحث الفقهي: طبيعته - خصائصه - أصوله - مصادره، مع المصطلحات الفقهية في المذاهب الأربعة»، للدكتور: إسماعيل سالم عبدالعال. الناشر: مكتبة الزهراء-مصر، ط 1992].

وأمّا فتوى إباحة المتعة المنسوبة للإمام مالك فهذه -كما قال أهل العلم- "تهمة افتراها عليه خصومه من الأحناف المتأخرين تشنيعاً عليه وتشويهاً لصورته. وقد أنكرها المالكية كلهم، وهم أدرى به. بل إنه قد نص على تحريمها في (المدونة) و (الموطأ)".

ولقد جاء في المدونة (2/160) للإمام مالك: أنه سُئِل: "أرايت إن قال: أتزوجك شهرًا يبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحًا ويبطل الشرط؟ قال مالك: النكاح باطل يُفسخ، وهذه المتعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمها".

وأمّا موقف ابن تيمية من نكاح المتعة، فيتبين من قوله: "فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه صلى الله عليه وسلم حرّم المتعة بعد إحلالها"؛ [انظر: منهاج السنة النبوية: 4/ 190].

وتحدث ابن تيمية عن شناعة نكاح التحليل، فقال: "يوجد في نكاح التحليل من الفساد أعظم مما يوجد في نكاح المتعة"؛ [انظر: إغاثة اللهفان: 1/ 417 - 421. وانظر -أيضا- (أحكام النكاح) لابن تيمية؛ حيث يُبَيِّنُ تحريم نكاح المتعة].

ومن عجيب أمر الجعفرية، أنهم زعموا أنّ كلام ابن تيمية الأخير، الذي قارن فيه بين نكاح المتعة ونكاح التحليل، يدل على أنّه يبيح نكاح المتعة!

  • الكذب على المفسرين الطبري والرازي والزمخشري والشوكاني؛ وقالوا عنهم: "إنهم فسروا (فما استمتعتم) بالمتعة"!

وبالرجوع إلى تفسيرهم للآية 24 من سورة النساء، يتبين كذبهم عليهم!

  • شبّهوا المتعة ببعض الأنكحة الموجودة عند أهل السُّنة: الزواج المؤقت، الزواج المسيار، الزواج العرفي.

أمّا (الزواج المؤقت فإن كان التأقيت مذكورا في صلب العقد فلا فرق حينئذ بينه وبين المتعة، وأما إذا كان مجرد نية في قلب العاقد لم يتلفظ بها، فهذا ما يعرف بالزواج بنية الطلاق، وهذا قد اختلف العلماء في حكمه؛ والراجح عدم جوازه وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة).

وأمّا الزواج المسيار، ف( هو زواج مستوفي الشروط والأركان، ولكن تتنازل الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها، مثل النفقة والمبيت عندها. وهذه الصورة من النكاح ليست هي الصورة المثلى والمطلوبة من الزواج، ولكنها مع ذلك صحيحة إذا توفرت له شروطه وأركانه من التراضي، ووجود الولي والشهود...إلخ).

وأمّا الزواج العُرْفي فهو نوعان:

)النوع الأول: أن يكون العقد مستوفيًا لأركان النكاح وشروطه، لكنه لم يُوَثّق رسمياً، وهذا عقد صحيح شرعًا، يحل به التمتع، وتتقرر الحقوق للطرفين وللذرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن توجد الأنظمة الحديثة التي توجب توثيق هذه العقود وسماع الدَّعَاوى والفصل في المنازعات.

النوع الثاني: أن لا يكون مستوفيًا لأركان النكاح وشروطه، بل يُكتفى فيه بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يعلم بذلك أحد من شهود أو غيرهم، فتجري صيغة العقد بين الرجل والمرأة دون شهودٍ على ذلك، وهذا هو الزواج السرِّي؛ وهو زواج باطل.

ومن هذا النوع أن يتم العقد بتراضي الرجل والمرأة، وبحضور شاهدين، لكن دون معرفة الولي بذلك، وهذا العقد -أيضا- باطل(.

  • الترهيب: وذلك عندما جعلوا المتعة من أركان الإيمان؛ وزعموا أن جعفراً الصادق قال: "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا -أي: الرجعة- ولم يستحل متعتنا" [وسائل الشيعة: 4/438]. 
  • الترغيب: وذلك عندما وضعوا أحاديث تُبشِّر المُتمتِّعة بالمغفرة، والرفع إلى درجة الأنبياء -كما  رأينا سابقاً! وهذا لمْ يُقَلْ للمتزوِّجة الزواج الدائمي حتّى، وفيه تفضيلٌ لنكاح المتعة على الزواج الدائمي!

* الإضاءة7: وجوبُ العملِ بالراجح من الأقوال.

يرى جمهور العلماء وجوبَ العملِ بالراجح من الأقوال (وهو ما قَوِيَ دليلُه)، وعدمُ العمل بالمرجوح. واستدلوا بأدلةٍ، أهمها هي:

- إجماع الصحابة والسلف على تقديم الراجح من الأدلة في وقائع مختلفة.

- المعقول: حيث أن العقل يقتضي وجوب العمل بالراجح؛ وفي هذا يقول تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 17-18].

قال البيضاوي في تفسيره، عن هؤلاء الذين يستمعون القول ويتّبعون أحسنه: "وأنهم نُقَّاد في الدين، يُميِّزون بين الحق والباطل، ويُؤْثِرون الأفضل فالأفضل (أولئك الذين هداهم الله) لِدِينِه (وأولئك هم أولو الألباب) العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة".

وقال أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي في «التفسير الكبير المسمى البحر المحيط»: "(فيتبعون أحسنه): ثناءٌ عليهم بنفوذ بصائرهم وتمييزهم الأحسن، فإذا سمعوا قولا تبصّروه".

* إضاءة8: الراجح من أقوال ابن عباس هو القول بتحريم نكاح المتعة.

لقد رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما ثلاثُ روايات، كما ذكر الإمام الرازي:

- الإباحة المطلقة.

- تُباح للمضطر فقط.

- أنه أقر بأنّ نكاح المتعة نُسِخت إباحته، ورُوِي أيضاً أنه قال عند موته: "اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف".

ولقد ذكر ابن العربي أن الصحيح رجوعه عن القول بها.

وروى مسلم عن أبي نضرة قال: "كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آت فقال: ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المُتْعتَيْن، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما". وهذا دليل على أن ابن عباس لم يصله الحديث.

وروى أبو عوانة في كتابه، المستخرج على صحيح مسلم، عن ابْنِ شِهَابٍ أنّه قال: "وَسَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ أَنَّهُ، قَالَ: مَا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْفُتْيَا". [حديث رقم 3295].

والراجحُ من هذه الروايات، هي إقرار ابن عباس بتحريم نكاح المتعة ونسخ إباحتها؛ للأسباب الآتية:

- مكانة ابن عباس العلمية والفقهية.

- تواضعه ورجوعه للحق، كما رجع عن فتواه المبيحة لمسح الرجلين في الوضوء، عوض غسلهما.

- رجوعُه موافقٌ لسكوته، عندما أخبره علي -رضي اللهُ عنه- ‏أنّ النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نهى عن المتعة.

- رجوعه موافق لِإجماع الأمّة الإسلامية.

تمّ البحث بفضل اللهِ ونعمته؛ والحمد للّه ربِّ العالمين.

وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل.

 

  • الاربعاء AM 09:49
    2020-06-10
  • 3808
Powered by: GateGold