المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417506
يتصفح الموقع حاليا : 226

البحث

البحث

عرض المادة

التفضيل بين عثمان وعلي رضي الله عنهما

قلنا إن جل الصحابة كانوا يفضلون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما على علي رضي الله عنه ، لا سيما أبا بكر ، فإنه كما قال عنه عمر لم يكن في الصحابة من تمد اليه الاعناق مثله ، لذلك بايعوه و سلّموا له القياد ، أما عمر، فالقرائن كلها تدل على أن الناس كانوا يرونه أنسب الناس للخلافة بعد أبي بكر ، إلاّ أن بعضهم كان يخشى شدته ، ولكن بعد أن تولّى الخلافة ورأى الناس عدله وزهده وشدته في الحق ورفقه بالرعية ، ترسخت قناعتهم على أفضليته بعد أبي بكر. أما عثمان رضي الله عنه ، فإن كثيرا من الناس لا يدركون سر تفضيل الصحابة له على علي في الاستفتاء الذي أجراه عبد الرحمن بن عوف بعد مقتل عمر y . وقد حاولت أن أكتشف سر ذلك فرأيته يعود ، بالاضافة الى قربه من رسول الله وخلقه الرفيعة وحيائه الجم  ولين عريكته ، الى دوره t في تمويل الدعوة في عهد الرسول سواءا في مكة أو في المدينة . فإنه كان الممول الرئيس للدعوة ، وأعتقد أنه لم يكن هناك مسلم إلاّ ولعثمان فضل عليه ، فهو الذي اشترى بئر رومة وأوقفه على المسلمين ، وهو الذي جهز بوحده جيش العسرة بمبالغ تقدر بحساب اليوم بملايين الدولارات ، فطبيعي إذاً أن يفضله الناس على غيره من الصحابة  عرفانا للجميل  وتقديرا لمواقفه المشرفة إزاء الدعوة الاسلامية وإنفاقه السخي في سبيل إعلاء كلمة الله. فالمال عصب الدعوات ، والذين ينفقون عليها يحظون باحترام كبير لدى قادتها وأفرادها ، فلا غرو أن ينال عثمان كل هذا التقدير من الرسول ومن المسلمين. هذا بالاضافة الى سنه ، فإنه كان يكبر عليا بعشرين الى خمس وعشرين سنة  ، فهذا أيضا له دوره في تفضيل الناس له على علي y .

من مستلزمات ختم النبوة :

لا شك ان الله تعالى حين اعلن ختم النبوة بمحمد والرسالات بالاسلام والكتب بالقرآن لا يعني أنه رفع يده عن البشرية وتركها لشأنها ، وانما ختم الرسالات بالاسلام لأنه يعلم ان البشرية قد بلغت درجة من الرشد لا تحتاج بعده الى رسل جُدد ، وإنما يكفي أن يُودع في هذا الدين الخاتم من الصفات ما يكفل له الخلود والايفاء باحتياجات البشرية الى يوم القيامة . 

ومن هذه الصفات التي سميناها مستلزمات ختم النبوة ما يلي:

  1. أن يحفظ كتابه من التحريف والتبديل والنقصان والزيادة . فإذا كان الله قد أوكل الى الامم السابقة حفظ كتبهم فإنه تكفل لهذا القرآن الحفظ بنفسه ، فقال : " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" وليس هذا فحسب بل لقد تكفل بجمعه وقراءته أيضا فقال: " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" وقال :" سنقرؤك فلا تنسى". وقد اودع الله في كتابه من الاسرار ما يكفل بقاءه ونقاءه، فمن اُولى هذه الاسرار ما يمكن تسميته : منظومة الحفظ السريع ، والنسيان السريع ، وعدم الملل من التكرار . فهذه الثلاثة معا تكفل للقرآن بقاءه في الصدور كما هو منذ أنزله الله على قلب رسوله الامين صلوات الله وسلامه عليه ،فهو سهل الحفظ حتى لغير الناطقين بالعربية، ولكنه سريع النسيان ، مما يجعل صاحبه يضطر الى تعهده باستمرار وهنا يأتي دور عدم الملل من تكرار قراءته  ، فسهولة حفظه يشجع المسلم على حفظه، وعدم حدوث الملل من تكراره يمنع حافظه من نسيانه لكثرة ترداده وقراءته . وهذا لكي لا يحفظه المسلم ثم يدعه جانبا بل يضطر الى قراءته باستمرار، وهناك ربط عجيب بين هذه الامور الثلاثة ،وهو على عكس الكتب الاخرى التي يصعب حفظها ، و يمل المرء من تكرارها وان كانت قصيدة رائعة او نثرا بليغا.وهناك امور اخرى تكفل الله بها حفظ كتابه ذكرها العلماء ليس هنا محل سردها يمكن الرجوع اليها في مظانها وانما اشرت الى تلك المنظومة لأنني أظن انها من الاسرار التي اهتديت اليها بفضل الله فأردت ان اضيفها الى اسرار القرآن وأرجو أن لا اكون مخطئا فيما اكتشفت.
  2. أن يقطع الطريق على الشرك ، ولهذا نرى القرآن قد أكد على التوحيد تأكيدا شديدا وشدد النكير على الشرك والمشركين بحيث أخبر بأنه يغفر كل الذنوب إلا الشرك فإنه لا يغفره .وكان في الامم السابقة إذا انحرف قوم في عقيدتهم بعث الله نبـيا يصحح لهم عقائدهم ، أما وأن الله قد ختم النبوات فلا بد ان يجعل في الرسالة الخاتمة ما يقطع الطريق على الشرك ، من ذلك تحريم التماثيل والصور وبناء المساجد على القبور ، وتشييد القبور ، والحلف بغير الله وغيرها.
  3. أن يحفظ سيرة وتعاليم الرسول الخاتم حتى يتسنى للبشرية الاقتداء به ، وقد حصل هذا على أحسن وجه فليس هناك شخصية حفظت سيرته وتفاصيل حياته وتعاليمه مثل نبـينا محمد صلى الله عليه وسلم .
  4. أن يكون هذا الدين شاملا لجميع مناحي الحياة من عقيدة وعبادة وشريعة الى أخلاق وآداب وقيم وجامعاً لجميع مهام الرسل والانبـياء ، فكم من نبـي بعث لتصحيح العقائد وآخرون لتقويم الأخلاق وغيرهم لتصيح العبادة أو تصحيح انحراف تشريعي ، أماالنبـي الخاتم فقد بعث بكل هذه الامور.
  5. أن تكون سيرة هذا الرسول الخاتم شاملة لجميع مناحي ومراحل الحياة ، وليس في الدنيا نبـي مر بجميع مراحل الحياة سوى نبـينا محمد r :من الطفولة الى الكهولة ، من الفقر الى الغنى ، من الاضطهاد الى الزعامة والسيادة ،من الضعف الى القوة ، من السرية الى العلنية ، السلم ، الحرب ، الهدنة ، المرض ، الصحة ، العزوبية ، الزوجية ، الابوة ، النصر ، الهزيمة ...الخ
  6. أن تكون شريعته شاملة عامة مرنة قابلة لتلبـي جميع احتياجات البشر في جميع العصور وجميع الحالات . وهذا الغرض ايضا متحقق في الشريعة الاسلامية على أحسن وجه ، وشهادات المؤتمرات القانونية والفقهية العالمية كمؤتمر لاهاي على صلاحية الشريعة الاسلامية لهذا العصر خير دليل على هذه الحقيقة.
  7. أن يحفظ هذا الدين من أن يستطيع أحد أن يغير تعاليمه ومبادئه ، أو يبدل أولوياته ويرتبها حسب أهوائه ، الامر الذي حصل للديانات السابقة ، فبالاضافة الى حفظ مصادره حفظ محتواه أيضا ، وقد جرت على مدار تاريخ الاسلام محاولات كثيرة من الفرق الضالة لتحقيق هذا الغرض ولكن الله كان يبعث كل مرة من يصحح الاخطاء ويبين الانحرافات ويرد الناس الى جادة الصواب ويعيد ترتيب أولويات هذا الدين كما انزله سبحانه وتعالى ، وكان لعلماء الشريعة واصحاب الحديث القدح المعلى في هذا المجال كالامام احمد وشيخ الاسلام ابن تيمية ، ثم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وفي زماننا هذا الدعوة السلفية الصحيحة ، فلولاهم للعب اصحاب البدع واصحاب الفكر غير المنضبط وغلاة الصوفية والعلمانيون والتغريبيون والقاديانيون بهذا الدين ايما لعب وفي هذا يقول رسول الله r "يحمل هذا العلم في كل خَلف عدولُه ، ينفون عنه تحريف الغالين  ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " [1]ويقول أيضا " إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"[2]
  8. ان يوفق النبـي في تربية مجموعة من الناس على الاسلام يطبقونه في حياتهم ويحملونه للناس ليمكن القول بأن تعاليم هذا النبـي واقعية وقابلة للتنفيذ وليست مثالية .وبما ان هذا الدين دين شامل لجميع جوانب الحياة من عقيدة وشريعة وعبادات وآداب وأخلاق وقيم استوجب ان ينشأ عليه جيل يطبقونه وينقلونه الى من بعدهم ، وهذه النقطة قد يردها بعض الناس ولا يقرونها ، ولكن لو تمعنا النظر فيها جيدا لعلمنا أنها ضرورية ولا بد منها ، فلو كان هذا الدين عبارة عن عقيدة مجردة ربما لم يحتج الى ان يربى عليه احد وانما كان يكفي ان ينقله أي واحد الى الجيل القادم كما هو الحال مع الفلسفة ولكن بما انه يحوي جوانب عملية استوجب أن يربى عليه مجموعة من الناس لينقلوه كما قلنا لمن بعدهم ، وهذا يتطلب قدرة فائقة عند هذا النبـي الذي يوكل اليه هذا المهام ، فلو لم يوفق النبـي نفسه في تربية جماعة على هذا الدين فكيف يوفق غيره من بعده ؟ إذا كان المربي الرسول الكامل ، والمنهج هو القرآن الذي ينزل طريا ثم يفشل في تحقيق هذا الغرض فكيف ينجح غيره من الناقصين القاصرين؟

إن ختم النبوة علمناه عن طريق اخبار الله تعالى به ولكن مستلزماته عرفناها بالاستقراء والاستنباط ، فحين أخبر الله بانه يحفظ كتابه استنتجنا أنه لابد ان يكون هذا الكتاب هو آخر الكتب وإلاّ لمَا خصه الله من بين جميع الكتب التي أنزلها بالحفظ ، وحين رأينا هذا الدين يشتمل على جميع نواحي الحياة وان شريعته فيه من المرونة ما يجعله يستجيب لجميع حاجات الانسان عرفنا بأن هذه الشريعة لابد أن تكون آخر الشرائع ، وهكذا بقية الامور التي أشرنا اليها آنفا والتي حصرناها في تلك الامور الثمانية  وقد يهتدي غيرنا الى غيرها ولكن حسبنا انا اهتدينا الى ثمانية منها.  

 

[1] . رواه احمد وصححه ، وفي رواية : يرث هذا العلم ..الخ حديث إبراهيم بن عبد الرحمن العذرى : أخرجه البيهقى (10/209 ، رقم 20700) ، وابن عساكر (7/38) وأخرجه أيضًا : العقيلى (4/256 ، ترجمة 1854 معان بن رفاعة السلامى) ، قال الخطيب سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث وقيل له كأنه كلام موضوع قال لا هو صحيح سمعته من غير واحد)

[2] . الحاكم في مستدركه عن ابي هريرة ج4/ص568 ح8592 ، وابو داوود في سننه والبيهقي في معرفة السنن والآثار عن أبي هريرة

 

  • الاحد PM 12:30
    2021-05-23
  • 1138
Powered by: GateGold