المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417510
يتصفح الموقع حاليا : 220

البحث

البحث

عرض المادة

حديث الدار او "حديث الإنذار يوم الدار"

عن عليّ بن أبي طالب "لما نزلت هذه الآية على رسول الله ( (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله r، فقال لي: يا عليّ إنَّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت بذلك ذرعًا، وعرفت أنِّي متى ما أباديهم بهذا الأمر أرَ منهم ما أكره، فصمتُ حتَّى جاء جبرائيل، فقال: يا محمد، إنَّك إلاَّ تفعل ما تُؤمر به يُعذبك ربك، فاصنع لنا صاعًا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عُسًّا من لبن، ثمَّ اجمع لي بني عبدالمطلب حتَّى أكلمهم، وأبلِّغهم ما أُمرت به؛ ففعلت ما أذمرني به ثمَّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلمَّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به. فلمَّا وضعته تناول رسول الله r حِذية من اللحم، فشقها بأسنانه، ثمَّ ألقاها في نواحي الصحفة، قال: خذوا باسم الله، فأكل القوم حتَّى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلاَّ مواضع أيديهم، وأيَّم الله الذي نفس عليّ بيده إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدّمت لجميعهم، ثمَّ قال: اسقِ الناس، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتَّى رووا منه جميعًا، وأيَّم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله؛ فلمَّا أراد رسول الله r أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لهدّ ما سحركم به صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله r ، فقال الغد: يا عليّ، إنَّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما قد سمعتَ من القول، فتفرَّق القوم قبل أن أكلمهم، فأعد لنا من الطعام مثل الذي صنعت، ثمَّ اجمعهم، قال: ففعلت ثمَّ جمعتهم، ثمَّ دعاني بالطعام فقرَّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتَّى ما لهم بشيء حاجة، قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتَّى رووا منه جميعًا، ثمَّ تكلم رسول الله  r، فقال يا بني عبدالمطلب إنِّي والله ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به،إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعًا، وقلت: وإنِّي لأحدثهم سنًّا وأرمصهم عينًا، وأعظمهم بطنًا، وأحمشهم ساقًا، أنا يا نبـي الله أكون وزيرك، فأخذ برقبتي، ثمَّ قال: إنَّ هذا أخي وكذا وكذا، اسمعوا وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك و وتطيع)[1]

هذا الحديث تحدث عنه اكثر الذين تصدوا للرد على الشيعة وتجدها في قرص المكتبة الشاملة وبمجرد كتابة (حديث الدار ) في خانة البحث سيأتيك بكل ما كتب في رده من الكتب المودعة في القرص وقد أجادوا في الرد وأثبتوا بطلان الحديث من حيث السند والمتن ولا ارى ضرورة لاعادة ما كتبوه فليس هذا الكتاب المخصص لبحث السقيفة مجال سردها ولكني ساختصرها واضيف اليها بعض ملاحظاتي وقد يكون غيري ذكرها ولكني لم أطلع عليها:

اولا : من حيث السند:  ان هذا الحديث من اكثر الاحاديث المروية في الباب ضعفا سواء من حيث السند او من حيث المتن، وان علامات الوضع بادية فيه بشكل واضح جدا، أما بالنسبة الى سنده فقد اوردته في الهامش ويكفي أن تعرف انه لم يصححه ولا واحد من اهل الحديث !

ثانيا: من حيث المتن:  واما متنه فلنا عليه هذه الملاحظات :

  1. ان بني عبد المطلب لم يصلوا الى عشرين رجلا فضلا عن أربعين فهل أخطأ علي في الحساب أم تعمد الكذب (حاشاه) أم ان الرواية كاذبة؟ لايخرج الامر عن احدى هذه الاحتمالات الثلاثة ولا يمكن القول الا بالاحتمال الثالث وهو كذب الراوي وبطلان الرواية.

2.ان النبـي r لم يكن يعلم في أول الامر ما سيؤول اليه امره وأمر دعوته ، فكيف يجمع أقاربه ويوزع عليهم المناصب ؟ هل هذا عمل الانبـياء ام عمل اهل الدنيا ؟

  1. هل يعقل ان يقول النبـي لاعمامه وبنـي اعمامه الذين لم يؤمنوا به بعد اسمعوا لعلي واطيعوه وهو لم يبلغ من العمر عشر سنوات؟ هم لم يؤمنوا به بعد ولم يقبلوا سيادته عليهم فكيف يقبلون بوصاية طفل لم يبلغ الحلم ؟ ان هكذا حديث يجب ان يوجه الى المؤمنين بالرسالة لا الى من لم يؤمن بها بعد !
  2. ن أن تعرف أ ثم ان الشيعة من حيث لايشعرون يكذبون هذا الحديث بأنفسهم وذلك :

أ.  بقولهم ان اباطالب كان من أوائل من آمن بالنبـي ولكن هذه الحادثة تظهر أنه لم يكن كذلك  . فإن كان قد أسلم قبل ذلك اليوم فلماذا لم يقم ويعلن مؤازرته للنبـي؟ هل كان يخشى اخوته وابناء اخوته ؟ وإن كان لم يؤمن بعد فإن قول النبـي له اسمع لولدك علي وأطعه سيكون حائلا دون ايمانه . ولكن حسب الروايات الشيعية فإن أباطالب آمن بالنبـي حتى قبل ن

أن يصبح نبـيا !

ب.   بتفسيرهم لآية " يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" فإنهم يقولون في تفسيرها أن الرسول تردد في المدينة في إبلاغ امامة علي وخاف أن يخالفه الصحابة فأنزل الله هذه الآية في غدير خم بعد حجة الوداع ، أي في السنة العاشرة للهجرة ! ولكن هذه الرواية تقول ان النبـي أعلن امامة علي في بداية العهد المكي ! فهل يعقل أن يجرؤ النبـي على اعلان امامة علي امام اناس كافرين لا يؤمنون برسالته في وقت لا يدري فيه ماذا سيحصل له ولدعوته ثم لما تنتشر دعوته وتخضع الجزيرة العربية لارادته يخشى من اعلانها ؟!

ج. بحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه" وذلك بانه إذا كان الناس يعلمون منذ بداية العهد المكي أن عليا هو خليفة رسول الله فما الحاجة الى بيانها في نهاية العهد المدني ؟ كان من المفروض كما قلنا سابقا أن تصبح هذه المسألة من الامور المسلمة والمعلومة من الدين بالضرورة عند الناس . قد يقولون ان هذا الحديث كان للتأكيد على امامته وتذكير الناس بها ولكن صيغة الحديث لا تفيد ذلك وانما توحي بأن النبـي كان يريد أن يبلغها لأول مرة . فحديث الغدير يكذب حديث الدار .

د.  بحادثة يوم الخميس والتي شرحناها سابقا وهي الاخرى تكذب هذا الحديث لأن حادثة الخميس توحي بأن الامر لم يكن محسوما أو معروفا للناس من قبل لأنها لو كانت كذلك لاكتفى الرسول بالتأكيد عليه شفويا كما كان يؤكد على الامور الاخرى كالصلاة وتقوى الله وغيرها [2].

    

 

[1] . وجوابه: أن هذا الحديث كذب موضوع، لم يرد في شيء من كتب الحديث لا الصحاح، ولا السنن، ولا المسانيد، كما قرر ذلك العلماء المحققون في الحديث. وإليك أيها القارئ بعض أقوالهم في الحديث.

قال ابن الجوزي: « هذا حديث موضوع». (1)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: « إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وقد تقدم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة، يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها وقد صدق في ذلك، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه ليعلمأن هذا الحديث ومثله ضعيف، بل كذب موضوع، ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها، وإنما يرويه من يرويه في الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين...» . منهاج السنة 7/354

وقال في موطن آخر: « إن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل، لا في الصحاح، ولا في المسانيد والسنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به...

[إلى أن قال]: إن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع».  منهاج السنة 7/299-302.

وذكر الذهبي في ترجمة مطر بن ميمون الأسكاف أنه موضوع قال: «والمتهم بهذا وما قبله مطر، فإن عبيد الله ثقة شيعي، ولكنه آثم برواية هذا الإفك».   ميزان الاعتدال 4/128.

وقال السيوطي: « موضوع آفته مطر ».  (4) اللألئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/326.

وكذا عدّه الشوكاني من الموضوعات في كتابه ( الفوائد المجموعة ) .

يقول الشيخ عثمان الخميس:

 هذا الحديث ذكره شرف الدين عبد الحسين الموسوي في كتاب المراجعات وذكره كذلك الأنطاكي في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , وذكره التيجاني في كتابه ثم اهتديت ، وذكره تقريباً كل علماء الشيعة الذين ألفوا كتباً يستدلون بها على أهل السنة في إثبات خلافة علي رضي الله عنه بعد رسول الله مباشرة وهناك روايات أخرى لهذا الحديث أو لهذه القصة مرجعها بحار الأنوار ج 18 ص 178 والبرهان ج 3 ص190 والميزان ج 15 ص 336

 وأما كتب أهل السنة فجاء في مسند أحمد ج 1 ص 111 وص 159 وهذه نص رواية أحمد ج1 ص 111 /883:

 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن على رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين قال جمع النبـي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا قال فقال لهم من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي من أهلي فقال رجل لم يسمه شريك يا رسول الله أنت كنت بحرا من يقوم بهذا قال ثم قال الآخر قال فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي رضي الله عنه أنا ) وهذه الرواية الثانية ص 159 في مسند أحمد (1371 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن على رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق قال فصنع لهم مداد من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال وبقى الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقى الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب فقال يا بنى عبد المطلب انى بعثت لكم خاصة والى الناس بعامة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبـي قال إليه أحد قال فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال فقال اجلس قال ثلاث مرات ثم ذلك أقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ) .نقلا عن كتاب شبهات شيعية والرد عليها للشيخ عثمان الخميس/ قرص المكتبة الشاملة.

 

 

[2] .اتماما للفائدة سأورد بعض تلك الردود مخافة ان لا تتاح لك الفرصة للبحث عنها أو ربما ترى ردنا ضعيفا لا يقوى على دحض شبههم:

قال الاستاذ.د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي في كتابه" رسالة جوابية على مذكرة أستاذ شيعي إثني عشري": عند الكلام عن هذا الحديث :

…أولاً: هذا لحديث لا يصح بل مكذوب.

…في رواة الطبري: "عبدالغفار بن القاسم أبو مريم" قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو داود بعد أن ساق تكذيب عبدالواحد بن زياد له: (وأنا أشهد أنَّ أبا مريم كذاب ولأنَّني قد لقيته وسمعت منه واسمه: "عبدالغفار بن القاسم"(437).

…وله طريق أخرى عند أبي حاتم فيها: "عبدالله بن عبدالقدوس"(438) قال الذهبـي: (كوفي رافضي). وقال يحيى: (ليس بشيء رافضي خبيث). وقال النسائي: (ليس ثقة). وقال البخاري: (مجهول وحديثه منكر)(439).

…ثانيًا: في آخر الحديث: (فاسمعوا وأطيعوا) وهل هم مسلمون حتَّى يسمعوا ويطيعوا؟! هم لم يسمعوا منه ( ولم يطيعوه في أصل الإيمان وقد أعرضوا عن دعوته فكيف يأمرهم وهم ليسوا أصلاً مؤمنين؟!

…ثالثًا: في الحديث أنَّ أبناء عبدالمطلب كانوا: (أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد بكذب هذا العدد.

…فأولاد عبدالمطلب كانوا عشرة من الولد لم يدرك النبوة منهم إلاَّ خمسة هم:حمزة ،والعباس، وأبوطالب، والحارث، وأبو لهب.

…فأمّا حمزة فلم يكن له ولد .

وأمَّا العباس فأول ولد له كان في حصار الشعب هو: "عبدالله" ثمَّ ولد له عُبيدالله ثمَّ الفضل، فليس له إذن أولاد كبار يحضرون.

…وأمَّا أبو طالب فكان له أربعة من الولد هم: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي؛ وطالب لم يدرك الإسلام.

…وأمَّا الحارث فكان له ابنان هما: أبو سفيان، وربيعة من مسلمة الفتح.

…وأبو لهب كان له ثلاثة من الولد: عتبة، ومغيث، وعتيبة؛ أسلم الأوَّلان ودعا النبـي ( على الثالث.(440)

…هؤلاء هم أولاد وأحفاد عبدالمطلب فكيف حضر أربعون رجلاً وهؤلاء لم يتجاوز عددهم أربعة عشر رجلاً؟!

…وهذا بيان بأسمائهم ودرجاتهم:

1- الأب: ( عبدالمطلب )

2- ابن : ( حمزة )

3- ابن: ( العباس )

4- ابن: ( أبو طالب )

5- ابن: ( الحارث )

6- ابن: ( أبو لهب )

7- حفيد )طالب بن أبي طالب)

8- حفيد: (عقيل بن أبي طالب)

9- حفيد: (جعفر بن أبي طالب)

10- حفيد: (علي بن أبي طالب)

11- حفيد: (أبو سفيان بن الحارث)

12- حفيد: (ربيعة بن الحارث)

13- حفيد: (عتبة بن أبي لهب)

14- حفيد: (مغيث بن أبي لهب)

15- حفيد: (عتيبة بن أبي لهب)(441)

رابعًا: ألفاظ الحديث في رواية ابن أبي حاتم (ويكون خليفتي في أهلي)، وفي رواية الطبري العبارة مبهمة ولفظها (على أن يكون أخي وكذا وكذا) فلفظ ابن أبي حاتم لم يذكر إلاَّ الخلافة في الأهل ورواية الطبري مبهمة وكلاهما لا يصحان.

خامسًا: هذا اتهام لعليّ ( بأنَّه لم يسلم إلاَّ طمعًا في الرئاسة لا رغبةً في الإيمان.

سادسًا: كم أسلم مع عليّ  وبعده ولم نسمع أنَّه  وعدهم بوزارة ولا بإمارة ولو كان ذلك جرى منه  لسألوا مثله..!!

سابعًا: هذا تحويل للنبوة لتكون مُلكًا وزعامة يتوارثها الأبناء عن الآباء، والنبوة لا تُورث والتقدم فيها بغير النسب.

قال ابن القيم: (والسر والله أعلم في خروج الخلافة عن أهل بيت النبـي r إلى أبي بكر وعمر وعثمان أنَّ عليًّا لو تولى الخلافة بعد موته لأوشك أن يقول المبطلون إنَّه مَلِكٌ ورّث ملكَه أهلَ بيته فصان الله منصب رسالته ونبوته عن هذه الشبهة.

وتأمَّل قول هرقل لأبي سفيان: (هل كان في آبائه من ملك؟ قال: لا. فقال له: لو كان في آبائه ملك لقلت: رجل يطلب مُلك آبائه)(442).

فصان منصبه العلي من شبهة المُلك في آبائه وأهل بيته.

وهذا والله أعلم هو السر في كونه لم يُورث هو والأنبـياء قطعًا لهذه الشبهة لئلا يظن المبطل أنَّ الأنبـياء طلبوا جمع الدنيا لأولادهم وورثتهم كما يفعله الإنسان من زهده في نفسه وتوريثه ماله لولده وذريته.

فصانهم الله عن ذلك ومنعهم من توريث ورثتهم شيئًا من المال لئلا يتطرق التهمة لحجج الله ورسله فلا يبقى في نبوتهم ورسالتهم شبهة أصلاً).(443)

ثامنًا: قلتُ ولعلَّ عدم تمكين الله  لعليّ t الخلافة لأجل ذلك السر لتبقى النبوة بعيدة عن الشبه.

ثمَّ لو تمكن عليّ t لربَّما قوَّى ذلك معتقد الشيعة الذين ادعوا فيه ما ليس له ولتحولت النبوة إلى ملك وراثي.

وقد يقول قائل: ألم تتحول على يد معاوية؟!

فنقول: بلى، ولكن لا يجرح ذلك منصب النبوة وحديثنا عن بقاء منصب النبوة بعيدًا عن ظنون الأعداء والله أعلم.

تاسعًا: على مذهبكم لم يتحقق وعد النبـي له فقد وعده بأن يكون الخليفة من بعده ولم يفِ له بوعده.

فإن قلتم: هو أراد ولكن أبا بكر وعمر لم يريدا!!

قلت: لا يمكن أن يعد النبـي ما لا يستطيع تنفيذه وكان ينبغي أن يقول: (إذا رضي أبو بكر وعمر) !!

الحمد لله على نعمة العقل.

 

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية في رد هذا الحديث :

 والجواب من وجوه : الأول : المطالبة بصحة النقل . وما ادعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث ، فإن هذا الحديث ليس في شىء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل : لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازى والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به ، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف ، مثل تفسير الثعلبى والواحدى والبغوى ، بل وابن جرير وابن أبى حاتم ، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء ، دليلا على صحته باتفاق أهل العلم ؛ فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف ، فلابد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف .

وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والثمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة ، مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبى حاتم والثعلبى والبغوى ، ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا ، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية ، فإنهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك ، ولكن هؤلاء المفسرين ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة . والضعيفة ، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ، ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها ، وإن كان بعض ذلك هو الصحيح وبعضه كذب ، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات ، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك ـ كان هذا من أفسد الحجج ، كمن احتج بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ، وقد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ، ويدع روايات كثيرين عدول ، وقد رووا ما يناقض ذلك .

بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة ، وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك ، لوجب النظر في الروايتين : أيهما أثبت وأرجح ؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة ، بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر ، وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل .

الثانى :

أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين : إما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ، ولو أنه مسألة فرعية ، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم . فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع ، لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم أنه مسند إسناداً تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك . فأما إذا لم يعلم إسناده ، ولم يثبته أئمة النقل ، فمن أين يعلم ؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ، ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة ، فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه ؟!

الثالث :

أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث ، فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع ، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات ، لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب .

وقد رواه ابن جرير والبغوى بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد ، أبو مريم الكوفي ، وهو مجمع على تركه ، كذبه سماك بن حرب وأبو داود ، وقال أحمد : ليس بثقة ، عامة أحاديثه بواطيل . قال يحيى : ليس بشئ . قال ابن المديني: كان يضع الحديث . وقال النسائي وأبو حاتم : متروك الحديث . وقال ابن حبان البستى : كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر ، وهو مع ذلك يقلب الأخبار ، لا يجوز الاحتجاج به ، وتركه أحمد ويحيى .

ورواه ابن أبى حاتم ، وفى إسناده عبد الله بن عبد القدوس ، وهو ليس بثقة . وقال فيه يحيى بن معين : ليس بشئ رافضى خبيث . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال الدارقطنى : ضعيف .

وإسناد الثعلبى أضعف ، لأن فيه من لا يعرف ، وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة .

الرابع :

أن بنى عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية ؛ فإنها نزلت بمكة في أول الأمر . ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبـي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن بنى عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة : العباس ، وأبو طالب ، والحارث ، وأبو لهب . وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة ، وهم بنو هاشم، ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة : العباس ، وحمزة ، وأبو طالب ، وأبو لهب ، فآمن اثنان ، وهما حمزة و العباس ، وكفر اثنان ، أحدهما نصره وأعانه ، وهو أبو طالب ، والآخر عاداه وأعان أعداءه ، وهو أبو لهب .

وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين : طالب ، وعقيل، وجعفر ، وعلى . وطالب لم يدرك الإسلام ، وأدركه الثلاثة ، فآمن على وجعفر في أول الإسلام ، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة ، ثم إلى المدينة عام خيبر .

وكان عقيل قد استولى على رباع بنى هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ، ولهذا لما قيل للنبـي صلى الله عليه وسلم في حجته : " ننزل غدا في دارك بمكة " قال : " وهل ترك لنا عقيل من دار ؟ "

وأما العباس فبنوه كلهم صغار ، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل . وهب أنهم كانوا رجالاً فهم : عبد الله ، وعبيد الله ، والفضل . وأما قثم فولد بعدهم ، وأكبرهم الفضل ، وبه كان يكنى . وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله : " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ "(سورة الشعراء : 214 ) وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين ، ولم يولد للعباس في حياة النبـي صلى الله عليه وسلم إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله، وأما سائرهم فولدوا بعده.

وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل . والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة ، وكلاهما تأخر إسلامه ، وكان من مسلمة الفتح .

وكذلك بنو أبى لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح ، وكان له ثلاثة ذكور ، فأسلم منهم اثنان : عتبة ومغيث ، وشهد الطائف وحنينا ، وعتيبة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب ، فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافراً. فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا ، فأين الأربعون ؟ !

الخامس :

قوله : " إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن " فكذب على القوم ، ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ، ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا .

السادس :

أن قوله للجماعة : " من يجيبنى إلى هذا الأمر ويؤازرنى على القيام به يكن أخي ووزيرى ووصيى وخليفتى من بعدى " كلام مفترى على النبـي صلى الله عليه وسلم ، لا يجوز نسبته إليه . فإن مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله ؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين ، وأعانوه على هذا الأمر ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته ، وفارقوا أوطانهم ، وعادوا إخوانهم ، وصبروا على الشتات بعد الألفة ، وعلى الذل بعد العز ، وعلى الفقر بعد الغنى ، وعلى الشدة بعد الرخاء ، وسيرتهم معروفة مشهورة ، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له .

وأيضا فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه ـ أو أكثرهم أو عدد منهم ـ فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده ؟ أيعين واحدا بلا موجب ؟ أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد ؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخلافة والأخوة والمؤازرة ، إلا بأمر سهل ، وهو الإجابة إلى الشهادتين، والمعاونة على هذا الأمر . وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة ، إلا وله من هذا نصيب وافر ، ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق ، فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبـي َصلى الله عليه وسلم ؟ !

السابع :

أن حمزة وجعفرا وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه على من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر ؛ فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر . بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا ، وكان النبـي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبى الأرقم ، وكان اجتماع النبـي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم ، ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة ، فإن أبا لهب كان مظهراً لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب .

الثامن :

ان الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا . ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبى هريرة ـ واللفظ له ـ عن النبـي صلى الله عليه وسلم لما نزلت : " وَأَنذِرْ عَشِيرَتكَ الْأَقْرَبِينَ "(سورة الشعراء : 214 ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا ، فخص وعم فقال : " يابنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار . يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار . يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار . يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار . يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار ، فإنى لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها " .

وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال: " يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغنى عنكم من الله شيئا . يا بنى عبد المطلب لا أغنى عنكم من الله شيئا . يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا . يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا . سلانى ما شئتما من مالى " . وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو ومن حديث عائشة وقال فيه : " قام على الصفا " .

وقال في حديث قبيصة : " انطلق إلى رضمة من جبل ، فعلا أعلاها حجرا ، ثم نادى : يا بنى عبد مناف إنى لكم نذير . إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العدو فانطلق يربأ أهله ، فخشى أن يسبقوه ، فجعل يهتف : يا صباحاه " .

وفى الصحيحين من حديث ابن عباس قال : " لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه " فقالوا : من هذا الذي يهتف؟ قالوا : محمد . فاجتمعوا إليه ، فجعل ينادى : " يا بنى فلان ، يا بنى عبد مناف ، يا بنى عبد المطلب " وفى رواية : " يا بنى فهر ، يا بنى عدى ، يا بنى فلان " لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو ، فاجتمعوا فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقى ؟ " قالوا : ما جربناعليك كذبا . قال : " فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد " قال : فقال أبو لهب : تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا ؟ فقام فنزلت هذه السورة : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " ( سورة المسد : 1 ).

وفى رواية: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم أكنتم تصدقونى؟ " قالوا : " بلى ".

فإن قيل : فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل، كالثعلبى والبغوى وأمثالهما والمغازلى .

يقل له : مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث ؛ فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع ، وفيها شئ كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب ، بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب . والثعلبى وأمثاله لا يتعمدون الكذب ، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك ، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب ، ويروون ما سمعوه ، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث ، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدى ، وأحمد بن حنبل ، وعلى بن المديني ، ويحيى بن معين ، وإسحاق ، ومحمد بن يحيى الذهلى ، والبخاري ، ومسلم ، وأبى داود ، والنسائى ، وأبى حاتم وأبى زرعة الرازيين ، وأبى عبد الله ابن منده ، والدار قطنى ، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبـي صلى الله عليه وسلم ، وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبـي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم .

 

  • الاحد PM 12:07
    2021-05-23
  • 1867
Powered by: GateGold