ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
في عصر السيوطي
وفى هذه العجالة التي لاتهدف إلى الحصر والاستقصاء ، ننتقل من القرن الثالث إلى القرن التاسع ، فنرى الإمام السيوطى يؤلف كتابا تحت عنوان " مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة " ، وبين سبب تأليف كتابه فقال : اعلموا - يرحمكم الله - أن من العلم كهيئة الدواء ، ومن الأراء كهيئة الخلاء ، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة ، وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دارساً - بحمد الله تعالى - منذ أزمان ، وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علواً وشرفاً - لا يحتج بها ، وأن الحجة في القرآن خاصة ، وأورد على ذلك حديث " وما جاءكم عنى من حديث فاعرضوه على القرآن ، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلا فردوه " ([1][33])
([2][34]) هكذا سمعت الكلام بجملته منه ، وسمعه منه خلائق غيرى ، فمنهم من لايلقى لذلك بالاً ، ومنهم من لايعرف أصل هذا الكلام ، ولا من أين جاء ، فأردت أن أوضح للناس أصل ذلك ، وأبين بطلانه ، وأنه من أعظم المهالك .
فاعلموا - رحمكم الله - أن من أنكر حديث النبى صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى ، أو مع من يشاء الله من فرق الكفرة .
روى الإمام الشافعى - رضى الله عنه - يوما حديثا ، وقال أنه صحيح ، فقال له قائل : أتقول به يا أبا عبدالله ؟ فاضطرب وقال : يا هذا ! أرأيتنى خارجا من كنيسة ؟ أرأيت في وسطى زنارا ؟ أروى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به ؟
وأصل هذا الرأى الفاسد أن الزنادقة وطائفة من الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن ، وهم في ذلك مختلفو المقاصد ، فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلى ، وأن جبريل - رضي الله عنه - أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً ، ومنهم من أقر للنبى صلى الله عليه وسلم بالنبوة ، ولكن قال : إن الخلافة كانت حقا لعلى ... إلخ .
ثم قال السيوطى بعد ذلك : وهذه آراء ما كنت استحل حكايتها ، لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد الذى كان الناس في راحة منه من أعصار .
وقد كان أهل هذا الرأى موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم ، وتصدى الأئمة الأربعة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم للرد عليهم ، وسأسوق إن شاء الله جملة من ذلك والله الموفق ([3][35]) .
والكتاب طبع في ستين ومائة صفحة ، فارجع إليه .
قد يقال : كيف ذكر السيوطى أن الرافضة تنكر الاحتجاج بالسنة وعندها أربعة كتب معتمدة في السنة ؟
والجواب أن الرافضة أرادوا هدم السنة المشرفة التي بين أيدى المسلمين حتى لا يبقى إلا كتبهم التي يتداولونها فيما بينهم والتي وضعت لتأييد عقيدتهم الباطلة كما سيتضح من دراستها ، والله تعالى أعلم .
ومنهم من جعل عقله حكما لرفض أحاديث صحت سندا ومتنا ، بل في أرقى مراتب الصحاح ، كالأحاديث الثابتة المتعلقة بالغيبيات مثل الجنة والنار ، وعلامات الساعة ، والملائكة والجن . ومن المعلوم أن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل السليم ، ولكن كيف نقيس الغائب على الشاهد ،وكيف نحكم العقل في أمور لا نعرف شيئا عنها إلا بالنقل الصحيح ؟ فمتى ثبت النقل لزم التسليم . أحيانا ترى جاهلا مغروراً يقف أمام حديث متفق عليه ويقول : هذا مرفوض عقلا ! وكان عليه أن يسأل نفسه : أكان البخارى ومسلم وأحمد وغيرهم بلا عقول ؟ بل أعاشت الأمة أربعة عشر قرناً بغير عقل حتى جاء بعقله ليستدرك عليها ؟
ومن أسوأ الطاعنين في عصرنا المستشرقون ، وأشد منهم خطراً تلامذتهم المقلدون التابعون لهم : والمستشرقون طعنوا في القرآن الكريم نفسه كما أشرت من قبل ، أما السنة فقد أنكروا وجود سنة يتصل سندها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ،وقالوا بأن أقصى اتصال الأسانيد ينقطع ويتوقف عند نهاية القرن الأول .
ومعنى ذلك أن السنة بحسب زعمهم تعتبر اختراعاً من اختراعات المسلمين المتأخرين ، أرادوا أن يثبتوا أحكاما فنسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم . ثم لم ينسوا أن يطعنوا فيمن كان لهم دور كبير في السنة ، فمثلا طعنوا في أبى هريرة الصحابى الجليل رضى الله عنه ، الذى روى عنه أكثر من ثمانمائة من الصحابة والتابعين ، وهو كما قال الشافعى " أثبت من روى الحديث فى دهره " . وطعنوا في ابن شهاب الزهرى ، الإمام الحجة الثبت ، أول من استجاب لعمر بن عبدالعزيز في جمع السنة ... وهكذا .
ثم ظهر اتجاه آخر عندهم ، اعتبره بعضهم هدما للفكر الاستشراقى ، ولذلك ثاروا على القائلين به ، مع أنه في النهاية يصل إلى البهتان نفسه .
ويقوم هذا الاتجاه الخبيث على الاعتراف أولا بأن السنة لها أصل ، وذلك حتى يضلل جهلة المسلمين بالتظاهر بأنه لا ينكر وجود أصل للسنة ، ولكن بعد هذا الاعتراف تأتى محاولة الهدم ، فيقولون : إن المدارس الإسلامية الأولى لم تستطع أن تحدد ما يعتبر من أقوال محمد وما لا يعتبر من أقواله ، لأن السند لم يكن معروفا عندهم ، فكانت كلمة سنة تعنى الرأى المقبول لدى جمهور علماء المدرسة ، ثم نسبوا هذه الأقوال المقبولة لدى المدرسة إلى الصحابة حتى تكون أكثر قبولا ، ثم نسبوها بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ([4][36]).
ومعنى هذا أنهم يريدون أن يصلوا في النهاية إلى التشكيك في السنة كلها.
هؤلاء القوم لا يعرفون الإسناد ، فكتبهم المقدسة ذاتها بغير إسناد ، ولذلك فهى محرفة مزورة ، ولكن لا شك أنهم قرءوا عن جمع السنة وتنقيتها ، وشروط رجال الحديث ، وعرفوا أن الأمة الإسلامية فاقت الخلق جميعا بهذا الإسناد ، ولكن ماذا تنتظر من مستشرق يهودى أو صليبى حاقد على الإسلام وأهله ، مريد هدمه ما استطاع إلى ذلك سبيلاّ ؟
فلا تنتظر من أعداء الإسلام إلا مثل هذه المحاولات . وإن كنا مطمئنين تماما إلى أنهم لن يصلوا إلى ما يريدون ، فالله عز وجل لم يترك حفظ القرآن الكريم كما ترك غيره للأحبار والرهبان فضيعوه ، وإنما تعهد بحفظه ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ ، كما تعهد ببيانه ] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [ ، ومن تمام حفظ القرآن الكريم حفظ السنة المطهرة ، وهى المبينة له .
([1][33]) ذكر الإمام الشافعى في رسالته ، تحت باب العلل في الأحاديث ، قول قائل : أفتجد : حجة على من روى النبي r قال : " ما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله " ؟
وأجاب : " فقلت له : ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر ، فيقال لنا : قد ثبتم حديث من روى هذا فى شئ " ( الرسالة : 224 ـ 225 ) .
وقال السخاوى في تخريج الحديث : قال الدار قطنى : إن أشعث تفرد به . انتهى .
وهو شديد الضعف ، والحديث منكر جداً ، استنكره العقيلى وقال : إنه ليس له إسناد يصح . ( المقاصد الحسنة 1 / 36 ) .
وذكر العجلونى قول السخاوى ، وقال : قال الصغائى : هو موضوع ( انظر كشف الخفاء 1 / 86 ) .
وقال ابن حزم في رواية لحديث عرض السنة على القرآن : رواه الحسين بن عبدالله ، وهو ساقط متهم بالزندقة ( الأحكام : المجلد الأول ص 250 ) . وفى رواية أخرى رواها أشعث قال : أشعث بن بزار كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه (252 ) وتتبع الروايات المختلفة للحديث ،*
* وبين سبب رفضه لها ، ثم قال : أول ما نعرض على القرآن الحديث الذى ذكرتموه ، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه ، قال الله تعالى : ] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [ ، وقال تعالى : ] مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ [ ، وقال تعالى : ] لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمـا [ .
ونسأل قائل هذا القول الفاسد : في أى قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات ؟ وأن المغرب ثلاث ركعات . .. إلخ ص (252 ـ 253) ، ثم قال ابن حزم " ولو أن امرأ قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة ، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل ، وأخرى عند الفجر ، لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة ، ولا حد للأكثر في ذلك ، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال ، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم " . ( ص 253 ـ 254 من الإحكام المجلد الأول).
وقال الشيخ شاكر في تخريج الحديث : هذا المعنى لم يرد فيه صحيح ولا حسن ، بل وردت فيه ألفاظ كثيرة ، كلها موضوع أو بالغ الغاية في الضعف حتى لايصلح شئ منها للاحتجاج أو الاستشهاد . ثم أفاض في بيانه - انظر حاشية ص 224 - 225 من الرسالة .
([3][35]) انظر الكتاب المذكور : ص 11 – 12 .
([4][36]) بين هذا الاتجاه مفصلا الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا في إحدى محاضرات رئاسة المحاكم الشرعية بدولة قطر لعام 1405 هـ .
-
الثلاثاء AM 09:56
2021-04-27 - 1314