ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الجرح والتعديل
تكفلت كتب علوم الحديث ببيان ما يتصل بالجرح والتعديل ، ولعل أول كتاب ألف في علوم الحديث هو المحدث الفاصل بين الراوى والواعى للرامهرمزى ، المتوفى سنة 360 هـ . ولكن قبل هذا بكثير كان لبعض الأئمة الأعلام ما يتصل بالجرح والتعديل من أحكام عامة ، وبيان لمن تقبل روايتهم ومن ترد وذكر لأسماء كثير من هؤلاء الرواة . وتوسع بعضهم في ذكر هذه الأسماء فيما يعرف بكتب الرجال ، ومن أقدمها وأنفعها ما كتبه الإمام البخارى في تاريخه الكبير ، وفى الضعفاء ، وكان أثره واضحاً ، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبى حاتم المتوفى سنة 327 هـ .
وكتب علوم الحديث حفظت لنا آراء الأئمة من الجرح والتعديل ، ولكن قبل أن ننظر في هذه الكتب أريد أن أثبت هنا بعض ما جاء في غيرها سابقا لها ، وأكتفى ببعض ما كتبه ثلاثة من الأئمة :
أولهم الإمام الشافعى ، صاحب كتاب الرسالة ، الذى يعد أول ما صنف في أصول الفقه ، وفى هذا الكتاب ، تحدث الإمام عن خبر الواحد فقال :
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها : أن يكون من حدث به ثقة في دينه ، معروفا بالصدق في حديثه ، عاقلا لما يحدث به ، عالما بما يحيل معانى الحديث من اللفظ ، وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمع ، لا يحدث به على المعنى ، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام ، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث ، حافظا إن حدث به من حفظه ، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه . إذ شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم ، بريا من أن يكـون مدلسا : يحدث عن من لقى ما لم يسمع منه ، ويحدث عن النبى ما يحدث الثقات خلافه عن النبي. ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه ، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبى أو إلى من انتهى به إليه دونه ، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه ، ومثبت على من حدث عنه ، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت . (ص 370 : 372 ).
ثم قال بعد هذا : ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته . وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه ، ولا النصيحة في الصدق ، فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق . فقلنا : لا نقبل من مدلس حديثاً حنى يقول فيه " حدثنى " أو " سمعت " ( ص 379 : 380 ) .
وقال أيضاً : ومن كثر غلطه من المحدثين ، ولم يكن له أصل كتاب صحيح ، لم نقبل حديثه ، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته .
وأهل الحديث متباينون :
فمنهم المعروف بعلم الحديث ، بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوى الرحم والصديق ، وطول مجالسة أهل التنازع فيه . ومن كان هكذا كان مقدما في الحفظ ، إن خالفه من يقصر عنه ، كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه .
ويعتبر أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له .
وإذا اختلفت الرواية استدللنا عن المحفوظ منها والغلط بهذا ، ووجوه سواه ، تدل على الصدق والحفظ والغلط . ( الرسالة : ص 382 : 383 ) .
ونأتى بعد الإمام الشافعى إلى الإمام مسلم ، حيث تحدث في مقدمة صحيحه عن حال بعض الرواة وبين طبقاتهم . وبعد أن بين من تقبل أحاديثهم قال ( ص 45 ) : " فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون ، أو عند الأكثر منهم ، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم " . وسمى بعضهم وقال : " وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار ، وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ، أمسكنا أيضا عن حديثهم .
وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ، أو لم تكد توافقها . فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا نستعمله " ( ص : 46 ) .
ويأتى بعد هذا باب النهى عن الرواية عن الضعفاء ، والاحتياط في تحملها ، ثم باب بيان أن الإسناد من الدين ، وبين فيه وجوب عدم الأخذ إلا عن الثقة الثبت ، ونبه إلى أمر هام حيث روى عن أبى الزناد قوله : " أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ، ما يؤخذ عنهم الحديث ، يقال : ليس من أهله " ([1][25]).
وعن يحيى بن سعيد القطان قال : " لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث " ، وفسر الإمام مسلم هذا بقوله : يجرى الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب .
وقال النووى في شرحه : معناه ما قاله مسلم أنه يجرى الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون ذلك ، لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث ، فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه ، ويروون الكذب ولا يعلمون أنه كذب . وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو : عمدا كان أو سهوا أو غلطا ([2][26]).
وفى الكشف عن معايب رواة الحديث أورد مسلم بعض الأخبار التي تذكر أسماء بعض الكذابين والوضاعين ، ومن هؤلاء جابر بن يزيد الجعفى ، وروى عن غير واحد أن جابرا كان يؤمن بالرجعة ، وفسرها النووى بقوله : معنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليا ـ كرم الله وجهه ـ في السحاب ، فلا نخرج - يعنى مع من يخرج من ولده حتى ينادى من السماء : أن اخرجوا معه ، وهذا نوع من أباطيلهم ، وعظيم من جهالاتهم اللائقة بأذهانهم السخيفة وعقولهم الواهية ( ص : 85 ) .
ومما رواه مسلم أيضاً أن جابرا قال : إن عندى لخمسين ألف حديث ، ما حدثت منها بشئ . ثم حدث يوما بحديث فقال : هذا من الخمسين ألفا ، وفى خبر زاد أنها عن النبى صلى الله عليه وسلم .
وفى خبر أيضاً قال جابر : عندى سبعون ألف حديث عن أبى جعفر عن النبى صلى الله عليه وسلم كلها .
وروى عن الإمام سفيان بن عيينه أنه قال : سمعت رجلا سأل جابرا عن قوله - عز وجل :
] فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [ ([3][27]) ، فقال جابر : لم يجئ تأويل هذه الآية . قال سفيان : وكذب .فقلنا لسفيان : وما أراد بهذا ؟ فقال : لإن الرافضة تقول أن عليا في السحاب ، فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادى مناد من السماء ، يريد عليا أنه ينادى : اخرجوا مع فلان . يقول جابر : فذا تأويل هذه الآية ، وكذب ، كانت في إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم .
وروى عن سفيان أيضاً قال : سمعت جابرا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ، ما أستحل أن أذكر منها شيئا وأن لى كذا وكذا ([4][28]).
ثم ذكر الإمام مسلم عدداً غير قليل ممن لا تقبل روايتهم ([5][29])، ثم قال:" وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمى رواة الحديث ، وأخبارهم عن معايبهم ، كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه ، وفيما ذكرنا غاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا . وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلى الأخبار ، وأفتوا بذلك حين سئلوا ، لما فيه من عظيم الخطر ، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتى بتحليل أو تحريم ... إلخ .([6][30])
وللإمام مسلم في بيان علل الحديث كتاب التمييز :
بين فيه الدواعى إلى الجرح والتعديل ، ثم أورد باب ما جاء في الترقى في حمل الحديث وأدائه والتحفظ من الزيادة فيه والنقصان ( ص 127 ) . وبعد هذا أخذ يبين علل بعض الأخبار والروايات كالخطأ أو الوهم في الإسناد أو المتن ، أو فيهما معا ، وأشار إلى شىء من التصحيف ، وما يدفعه الأخبار الصحاح ، ثم قال بعد هذا كله ( ص 171 ) :
" واعلم رحمك الله ، أن صناعة الحديث ، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة ، لأنهم الحفاظ لروايات الناس ، العارفين بها دون غيرهم ، إذ الأصل الذى يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة ، من عصر إلى عصر من لدن النبى صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا ، فلا سبيل لمن نابذهم من الناس ، وخالفهم في المذهب ، إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار ، من نقال الأخبار وحمال الآثار .
وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح . وإنما اقتصصنا هذا الكلام لكى ننبه من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبه على تثبيت الرجال وتضعيفهم فيعرف ما الشواهد عندهم ، والدلائل التي بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله ، أو سقطوا من أسقطوا منهم . والكلام في تفسير ذلك يكثر ، وقد شرحناه في مواضع غير هذا ، وبالله التوفيق ، في كل ما نؤم ونقصد " .
وبعد الإمامين الشافعى ومسلم نأتى إلى الثالث وهو ابن أبى حاتم في كتابه الجرح والتعديل الذى أشرت إليه من قبل ، حيث جعل لكتابه مقدمة بدأها ببيان مرتبة النبى صلى الله عليه وسلم ، ثم بمعرفة السنة وأئمتها ، ثم تحدث عن التمييز بين الرواة وبيان طبقاتهم ، فقال ( ص 5 : 7 )
التمييز بين الرواة : قال أبو محمد : فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شئ من معانى كتاب الله ولا من سنن رسوله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية ، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم ، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة .
ولما كان الدين هو الذى جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حق علينا معرفتهم ، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم ، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته ، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم ، علماء بدينهم ، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه ، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات ، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه ، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات .
وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه ، ليعرف به أدلة هذا الدين وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم هؤلاء أهل العدالة ، فيتمسك بالذى رووه ، ويعتمد عليه ،ويحكم به ، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ ، فيكشف عن حالهم وينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها ، إن كذب فكذب ، وإن وهم فوهم ، وإن غلط فغلط ، وهؤلاء هم أهل الجرح فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يعبأ به ولا يعمل عليه ،ويكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار ، ومن حديث بعضهم الآداب الجميلة والمواعظ الحسنة والرقائق والترغيب والترهيب هذا أو نحوه.
طبقات الرواة : ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقيب والبحث عن الرجال والمعرفة بهم - وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح.
ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه - فهؤلاء هم أهل العدالة . ومنهم الصدوق فى روايته الورع فى دينه الثبت الذى يهم أحياناً وقد قبله الجهابذة النقاد ـ فهذا يحتج بحديثه أيضاً .
ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط – فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام .
ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ـ ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب ، فهذا يترك حديثه ويطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به .
وبعد هذا تحدث ابن أبى حاتم عن الصحابة الكرام فقال ( ص 7 : 8 )
الصحابة : فأما أصحاب رسول الله فهم الذين شهدوا الوحى والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل . وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه ، فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة ، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب ، ووعوه وأتقنوه ، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده - بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه ، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة ، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز ، وسماهم عدول الأمة فقال عز ذكره في محكم كتابه : ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ [ ففسر النبى صلى الله عليه وسلم عن الله عز ذكره قوله " وسطا " قال : عدلا . فكانوا عدول الأمة ، وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة .
وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجرى على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال : ] وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [ الآية ([7][31]) .
ووجدنا النبى صلى الله عليه وسلم قد حض على التبليغ عنه في أخبار كثيرة ، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها ، منها أن دعا لهم فقال : نضر الله امرأ سمع مقالتى فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره . وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته : فليبلغ الشاهد منكم الغائب . وقال : بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عنى ولا حرج .
ثم تفرقت الصحابة رضى الله عنهم في النواحى والأمصار والثغور وفي فتوح البلدان والمغازى والإمارة والقضاء والأحكام ، فبث كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذى هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحكموا بحكم الله عز وجل ، وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظائرها من المسائل ، وجردوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله تقدس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين .
وبعد الصحابة قال عن التابعين ( ص 8 : 9 ) .
التابعون : فخلف بعدهم التابعون الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وآثاره ، فحفظوا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نشروه وبثوه من الأحكام والسنن والآثار وسائر ما وصفنا الصحابة به رضى الله عنهم ، فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل ، ونصبهم له إذ يقول الله عز وجل : ] وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [ " الآية "
حدثنا عبدالرحمن محمد بن يحيى ، أنا العباس بن الوليد الترسى ، نايزيد بن زريع ، ثنا سعيد ، عن قتادة قوله عز وجل : ] وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ [ التابعين .
فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز ، أو تدركهم وصمة ، لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم ، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه وإقامة سنته وسبله ، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى ، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماما مبرزا مقدما في الفضل والعلم ووعى السنن وإثباتها ولزوم الطريقة واحتبائها ، رحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين - إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم ، ولا هو في مثل حالهم : لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان ، ولا ثبت ممن ذكرنا حالهم وأوصافهم ومعانيهم في مواضع من كتابنا هذا ، فاكتفينا بها وبشرحها في الأبواب مستغنية عن إعادة ذكرها مجملة أو مفسرة في هذا المكان.
وفى ص 9 ، 10 جاء الحديث عن أتباع التابعين ومراتبهم :
أتباع التابعين : ثم خلفهم تابعو التابعين وهم خلف الأخيار وأعلام الأمصار في دين الله عز وجل ، ونقل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وإتقانه ، والعلماء بالحلال والحرام ، والفقهاء في أحكام الله عز وجل وفروضه وأمره ونهيه ، فكانوا على مراتب أربع .
مراتب الرواة : فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث - فهذا الذى لا يختلف فيه ويعتمد على جرحه وتعديله ، ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال .
ومنهم العدل في نفسه ، الثبت في روايته ، الصدوق في نقله ، الورع في دينه ، الحافظ لحديثه المتقن فيه ، فذلك العدل الذى يحتج بحديثه ، ويوثق في نفسه .
ومنهم الصدوق الورع الثبت الذى يهم أحيانا وقد قبله الجهابذة النقاد - فهذا يحتج بحديثه .
ومنهم الصدوق الورع المغفل ، الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو - فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب و لا يحتج بحديثه في الحلال والحرام .
وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ، ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولى المعرفة منهم الكذب -– فهذا يترك حديثه ويطرح روايته . انتهى المنقول من كلام ابن أبى حاتم .
وننتقل بعد هذا إلى كتب علوم الحديث :
وأولها المحدث الفاصل للرامهرمزى المتوفى سنة 360هـ . ومما جاء في موضوعنا ما أثبته تحت عنوان : " القول فيمن يستحق الأخذ عنه " بدأه بما يبين رأى الإمام مالك حيث قال :
القول فيمن يستحق الأخذ عنه :
حدثنا عبدالله بن الصقر السكرى ، ثنا إبراهيم بن المنذر الجزامى ، ثنا معن - وقال مرة محمد بن صدقة الفدكى أحدهما أو كلاهما - قال : سمعت مالك بن أنس يقول : لا يؤخذ العلم عن أربعة ، ويؤخذ ممن سوى ذلك : لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ، ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس ، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث . قال الحزامىّ : فذكرت ذلك لمطرف بن عبدالله فقال : ما أدرى ما تقول ، غير أنى أشهد لسمعت مالكا يقول : أدركت ببلدنا هذا - يعنى المدينة - مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة ، يحدثون ، فما كتبت عن أحد منهم حديثا قط . قلت : لم يا عبدالله ؟
قال : لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدثون . قال : وقال مالك : كنا نزدحم على باب ابن شهاب ( ص 403 : 404 ) .
وانتقل المؤلف بعد هذا إلى الإمام الشافعى ، حيث نقل عنه ما ذكرته من قبل ، ثم قال :
قال الشافعى : وكان ابن سيرين والنخعى وغير واحد من التابعين يذهبون إلى ألا يقبلوا الحديث إلا عن من عرف .
قال الشافعى : وما لقيت أحدا من أهل العلم يخالف هذا المذهب ( ص 405 ) .
وجاء بعد هذا بآراء آخرين غير مالك والشافعى .
وبعد الرامهرمزى يأتى كتاب علوم الحديث للحاكم المعروف بتشيعه ، ولكنه لم يكن رافضيا ، ولذلك أترك النقل منه هنا وأبقيه عند الحديث عن الجرح والتعديل عند الشيعة الاثنى عشرية ليتضح الفرق بين الشيعة والرافضة .
ومن الكتب المتقدمة فى علـوم الحديث الكفاية في علم الروايـة ، لأبى بكر أحمد بن على بن ثابت ، المعـروف بالخطيب البغدادى ، والمتوفــى سنة 463 هـ .
وتحدث عن الرواية عن أهل الأهواء والبدع فقال ( ص 125 ) :
والذى يعتمد عليه في تجويز الاحتجاج بأخبارهم اشتهر من قبول الصحابة أخبار الخوارج وشهاداتهم ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل ، ثم استمرار عمل التابعين والخالفين بعدهم على ذلك لما رأوا من تحريهم الصدق وتعظيمهم الكذب ، وحفظهم أنفسهم عن المحظورات من الأفعال ، وإنكارهم على أهل الريب والطرائق المذمومة ، ورواياتهم الأحاديث التي تخالف آراءهم ويتعلق بها مخالفوهم في الاحتجاج عليهم ، فاحتجوا برواية عمران بن حطان وهو من الخوارج ، وعمرو بن دينار ، وكان ممن يذهب إلى القدر والتشيع وكان عكرمة إباضياً ، وابن أبى نجيح وكان معتزليا ، وعبدالوارث بن سعيد وشبل بن عياد ، وسيف بن سليمان ، وهشام الدستوائى ، وسعيد بن أبى عروبة وسلام بن مسكين ، وكانوا قدرية وعلقمة بن مرثد ، وعمرو بن مرة ، ومسعر بن كدام ، وكانوا مرجئة ، وعبيد الله بن موسى وخالد بن مخلد ، وعبد الرزاق بن همام وكانوا يذهبون إلى التشيع ، في خلق كثير يتسع ذكرهم ، دوّن أهل العلم قديما وحديثاً رواياتهم واحتجوا بأخبارهم فصار ذلك كالإجماع منهم ، وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب .
عن أئمة أصحاب الحديث في جواز الرواية عن أهل الأهواء والبدع قد اسلفنا الحكاية عن أبى عبد الله الشافعى في جواز قبول شهادة أهل الأهواء غير صنف من الرافضة خاصة ، ويحكى نحو ذلك عن أبى حنيفة إمام أصحاب الرأى وأبى يوسف القاضى .
وبعد هذا ذكر عدة روايات منها :
بسنده عن حرملة بن يحيى قال : سمعت الشافعى يقول : لم أر أحدا من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة ( ص : 126 ) .
وعن أبى يوسف قال : أجيز شهادة أهل الأهواء أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون أن الله لا يعلم الشئ حتى يكون .
وعن ابن المبارك قال : سأل أبو عصمة أبا حنيفة : ممن تأمرنى أن أسمع الآثار ؟ قال : من كل عدل في هواه إلا الشيعة ، فإن أصل عقيدتهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن أتى السلطان طائعا ، أما إنى لا أقول إنهم يكذبونهم أو يأمرونهم بما لا ينبغى ولكن وطأوا لهم حتى انقادت العامة بهم . فهذان لا ينبغى أن يكونا من أئمة المسلمين ( ص : 126 ) .
وعن عبدالرحمن بن مهدى قال : من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل ، ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحق الترك ( ص : 127 ) .
وقيل لأحمد بن حنبل : يا أبا عبدالله سمعت من أبى قطن القدرى ؟
قال : لم أره داعية ، ولو كان داعية لم اسمع منه .
قلت ـ أى الخطيب البغدادى : إنما منعوا أن يكتب عن الدعاة خوفا أن تحملهم الدعوة إلى البدعة والترغيب فيها على وضع ما يحسنها كما حكينا في الباب الذى قبل هذا عن الخارجى التائب قوله : كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا ( ص : 128 ) .
وعن أبى داود قال : ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثا من الخوارج ، ثم ذكر عمران بن حطان ، وأبا حسان الأعرج ( ص : 130) .
إذا كان السلف الصالح متمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تمسكهم بكتاب الله العزيز ، فإن فرقة شذت في عصر الإمام الشافعى فردت سنة رسول صلى الله عليه وسلم ، ورأت أنها لا تقوم على الكتاب الذى أنزله الله تبياناً لكل شئ . وأشار الإمام الشافعى إلى هذه الفرقة ، وذكر حواره مع واحد منها في كتاب جماع العلم في الجزء السابع من كتابة الأم .
وقد بدأ الإمام كتاب جماع العلم بقوله :
لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتسليم لحكمه ، بأن الله عز وجل لم يجعل لمن بعده إلا اتباعه ، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن سواهما تبع لهما ، وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد ، لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى .
ثم قال رحمه الله وجزاه خيراً :
باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها
قال الشافعى رحمه الله تعالى :
قال لى قائل يُنسب إلى العلم بمذهب أصحابه… ..
وذكر الشافعى قوله بأن القرآن نزل تبياناً لكل شىء ، بلسان عربى مبين ، وأن الأحاديث تعتمد على من يجوز عليهم الكذب ، والخطأ ، والنسيان ، والغلط .
فبين الإمام أن السنة وحى ، لا يمكن الاستغناء عنها ؛ فلا يستقيم أمر الدين بغيرها ، ولا نعرف أحكام العبادات والمعاملات وغيرها إلا بها . وأنه يحتـاط فى قبولها أكثر مما يحتاط فى قبول الأقوال التى تستباح بها الدماء والأموال والأعراض . واستمر الإمام فى حواره الممتع المقنع حتى اهتدى ذاك الضال . وهذا الحوار نقلته تاماً فى بحث " السنة بيان الله على لسان رسوله " وهو ملحق بهذا الجزء ، ولذلك أكتفى به ، وأحيل عليه .
هذا هو حوار الإمام الشافعى الذى هدى من حاوره بعد ضلال ، ولكن هداية هذا الرجل لا تعنى عدم ضلال الطائفة . ويأتى القرن الثالث ، الذى توفى الإمام الشافعى في العام الرابع من بدايته ، ليكون العصر الذهبى لجمع السنة وتنقيتها وتدوينها ، حيث دون مسند الإمام أحمد ، والصحيحان ، وكتب السنن الأربعة ، وغيرها من الكتب الآخرى : كسنن سعيد بن منصور ، والدارمى ، ومسانيد إسحاق بن راهويه ، وبقى بن مخلد ، والبزار ، وأبى يعلى .
غير أن ذاك القرن ضم أيضاً من حاول هدم السنة المطهرة .
ننظر مثلا إلى كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ . فنراه جعل كتابه في الرد على أعداء أهل الحديث ، والجمع بين الأخبار التي ادعوا عليها التناقض والاختلاف ، والجواب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة أو المشكلة بادئ الرأى . ولا يكتفى ابن قتيبة بالرد على الشبه ، وبيان سوء فهم من أثاروا تلك الشبه ، وإنما يتحدث عن الأشخاص أنفسهم الذين أثاروها حتى يعرف القارئ سبب عدائهم لأهل الحديث .
فيذكر منهم النظام ويقول : وجدنا النظام شاطرا من الشطار ، يغدو على سكر ، ويروح على سكر ، ويبيت على جرائرها ، ويدخل في الأدناس ، ويرتكب الفواحش والشائنات ... إلخ
وذكر أن النظام خرج على إجماع الأمة ، وطعن في أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وأبى هريرة ، ثم عقب ابن قتيبة بعد هذا بقوله : هذا هو قولـه– أى النظام - في جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضى عنهم ، كأنه لم يسمع بقول الله عز وجل في كتابه الكريم " محمد رسول الله والذين معه " إلى آخر السورة ، ولم يسمع بقول الله عز وجل في كتابه الكريم " محمد رسول الله والذين معه " إلى آخر السورة ، ولم يسمع بقوله تعالى ] لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ[ ([8][32]) .
وبعد حديثه عن النظام ، ورده عليه يقول : ثم نصير إلى قول أبى هذيل العلاف فنجده كذابا أفاكا ... إلخ وهكذا استمر ابن قتيبة في كتابه .
وكان أسوأ وأشد خطرا من هؤلاء الذين تحدث عنهم الرافضة الذين اتخذوا لأنفسهم سنة خاصة تختلف عن مفهوم السنة عند الأمة ، فأشركوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في العصمة ووجوب الاتباع أشخاصاً اعتبروهم أئمة طائفتهم ، ووضعوا الأخبار في ظلمات هذا المفهوم ، وفى ظلماته أيضاً كتبوا في الجرح والتعديل .
شهد القرن الثالث ثلاثة من كتب التفسيرهي تفاسير العسكرى والقمى والعياشى التي تحدثنا عنها من قبل في الجزء الثانى ، وبالرجوع إليها وجدنا أنها تطعن في خير الناس : صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضى الله عنهم ورضوا عنه ، وتذكر أن القرآن الكريم حرف نصا ومعنى ، وجاء الطعن والقول بالتحريف في روايات مفتريات اعتبروها صحيحة بمقياسهم .
وألف كتاب رابع وهو الكافى للكلينى تلميذ القمى ، واعتبر هذا الكتاب الكتاب الأول في الحديث عندهم ، وعندما قرأته وجدت صاحبه قد ضل ضلالاً بعيداً ، ووضع من المفتريات ما لايستطيع أن يتصوره أى مسلم ، وسيأتى الحديث عنه بالتفصيل .
وعندما رجعت لكتب الجرح والتعديل عندهم وجدت آثار هذه الظلمات : فصاحب الكتاب الرابع ثقة الإسلام ! وشيخه ليس ثقة فحسب ، بل كل من وثقهم وروى عنهم فهم ثقات ، ولا يعتبر الحديث صحيحا إلا إذا كان الرواة كلهم جميعا من طائفتهم ، والجرح عندهم سيئ للغاية ، وسيتضح هذا جليا في الفصول التالية .
([1][25]) صحيح مسلم 1 / 72 . وقال النووى : أبو الزناد اسمه عبدالله بن ذكوان ، وكان الثورى يسميه : أمير المؤمنين في الحديث .
([3][27]) سورة يوسف : الآية 80 .
([4][28]) انظر الأخبار المتصلة بجابر في صحيح مسلم 1 / 85 – 87 . ووفاته كانت سنة 128 هجرية في عصر الإمام الصادق ، والأخبار التي وضعها افتراء على الأئمة لا تذكر أسماء من يأتى بعده ، ولذلك ذكر عليا في السحاب ، ولم يذكر اسم من يخرج من ولده ، أما الذين وضعوا الروايات بعد إمامهم الثانى عشر في النصف الثانى من القرن الثالث وما بعدها فإنهم ذكروا* *خروجه . وللرجعة معنى آخر أيضاً عند الشيعة كما سبق بيانه في الفصل الخامس من الجزء الأول .
([5][29]) ذكرت ما يتصل بجابر لنقارن بين ما قاله الأئمة الأعلام من طعن فيه وبيان لأكاذيبه ، وبين ما يقوله الشيعة الاثنا عشرية :
فهم يعتبرونه من اصحاب الأصول الأربعمائة التي نتحدث عنها في القسم الثانى ، وجاء في ترجمته عندهم ما يأتى:
وثقه بن الغضايرى وغيره ، وروى الكشى وغيره أحاديث كثيرة تدل على مدحه وتوثيقه وروى فيه ذم يأتى ما يصلح جوابا عنه في زرارة ، وضعفه بعض علمائنا ، والأرجح توثيقه . وقال الشيخ : له أصل ، وروى أنه روى سبعين ألف حديث عن الباقر ، وروى مائة وأربعين ألف حديث ، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة أكثر مما روى جابر ، فيكون عظيم المنزلة عندهم لقولهم : اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا ( وسائل الشيعة : 20 / 151 ) .
وترجمة زرارة بن أعين التي أشار إليها صاحب الوسائل هنا جاء فيها ما يأتى : ... وروى أحاديث في ذمه ينبغى حملها على التقية ، بل يتعين ،وكذا ما ورد في حق أمثاله من أجلاء الإمامية بعد تحقق المدح من الأئمة ( وسائل الشيعة ك 20 / 196 ) . وجاء في حاشية الوسائل ( 19 / 338 ) . جابر بن يزيد الجعفى من أصحاب الإمامين الباقر والصادق ، تابعى روى عنهما ، مات أيام الصادق سنة 128 هجرية ، له كتب وأصل ، وروى أن الصادق ترحم عليه ، وقال : إنه كان يصدق علينا ، وكان باب الإمام الباقر ، وفيه أحاديث كثيرة رواها الكشى وغيره تدل على مدحه وعظيم شأنه .
([6][30]) انظر مقدمة صحيح مسلم ص 105 .
([7][31]) التلاوة ] وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [ النساء : 115 .
-
الثلاثاء AM 09:54
2021-04-27 - 1814