المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417464
يتصفح الموقع حاليا : 242

البحث

البحث

عرض المادة

اعتصام السلف بالسنة

اعتصام السلف بالسنة

     كان السلف الصالح متمسكاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم   تمسكهم بالقرآن الكريم ، فالكل وحى واجب الاتباع .

     ففى صحيح البخارى نجد كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، ومما جاء في هذا الكتاب : " وكانت الأئمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم  - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم  " .

     ويوضح ما سبق ما رواه الإمام الدارمى في باب التورع عن الجواب فيما ليس في كتاب ولا سنة :

     من هذه الروايات أن أبا بكر الصديق - رضى الله تعالى عنه - كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به ، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله في ذلك الأمر سنة قضى به ، فأن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتانى كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء فيقول أبو   بكر : الحمد لله الذى جعل فينا من يحفظ عن نبينا . فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به .

     وموقف الصديق من ميراث الجدة معلوم مشهور حيث توقف " لا أجد لك في كتاب الله شيئاً " إلى أن بلغه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس .

      من روايات سنن الدارمى أيضاً أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى شريح : إذا جاءك شئ في كتاب الله فاقض به ولا يلتفتـك عنه   الرجـال ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به .

      ومنها أن ابن عمر لقى جابر بن زيد فقال له : يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية ، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت .

     ومنها أن عبدالله بن مسعود قال : أتى علينا زمان لسنا نقضى ولسنا هناك ، وأن الله قد قدر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون ، فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عز وجل ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله ، فإن جاءه ما ليس فى كتاب الله ولم يقض به رسول الله  فليقض بما قضى به الصالحون .

    ومما يبين ما جاء في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح البخارى ما رواه هو ومسلم وأحمد وغيرهم أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : أذكر الله امرأ سمع من النبى صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا ؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين جارتين لى –ـ يعنى ضرتين ـ فضربت إحداهما الأخرى بمسطح ، فألقت جنينا ميتا ، فقضى فيه رسول صلى الله عليه وسلم بغرة ، فقال عمر : لو لم أسمع فيه لقضينا  بغيره . وقال غيره : إن كدنا أن نقضى في مثل هذا برأينا .

     وروى الإمام الشافعى بسنده عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وإلى التي تليها بعشر ، وفى الوسطى بعشر ، وفى التي تلى الخنصر بتسع ، وفى الخنصر بست .

     ثم قال الشافعى : لما كان معروفاً - والله أعلم - عند عمر أن النبى قضى في اليد بخمسين ، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع ، نزلها منازلها ، فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف ، فهذا قياس على الخبر .

       فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم ، فيه : أن رسول الله قال : " وفى كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل " صاروا إليه .

       ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله .

      وفى الحديث دلالتان :

     أحدهما : قبول الخبر، والآخر : أن يقبل الخبر في الوقت الذى يثبت فيه ، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبرالذى قبلوا .

      ودلالة على أنه لو مضى أيضاً عمل من أحد من الأئمة ثم وجد خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله .

     ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده .

      ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار ، ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم ، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفه .

      ولو بلغ عمر هذا صار إليه ، إن شاء الله كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله ، بتقواه لله ، وتأديتة الواجب عليه ، في اتباع أمر رسول الله وعلمه ، وبأن ليس لأحد مع رسول الله أمر ، وأن طاعة الله فى اتباع رسول الله .

     ثم أيد الإمام الشافعى قوله السابق فروى بسنده أن عمر بن الخطاب كان   يقول : الدية للعاقلة ، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ، حتى أخبره الضحاك ابن سفيان أن رسول الله كتب إليه : أن يورث امرأة أشيم الضبابى من ديته ، فرجع إليه عمر ([1][9]) .

      ولمكانة السنة عند الصحابة الكرام وجدنا منهم من يرحل لطلب حديث   واحد :

      روى البخارى في الأدب المفرد بسنده عن ابن عقيل ، أن جابر بن عبدالله حدثه أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ، فابتعت بعيرا ، فشددت إليه رحلى شهرا حتى قدمت الشام ، فإذا عبدالله بن أنيس ، فبعث إليه أن جابرا بالباب . فرجع الرسول فقال : جابر بن عبدالله ؟ فقلت : نعم . فخرج فاعتنقنى . قلت : حديث بلغنى لم أسمعه ، خشيت أن أموت أو تموت .. إلخ ([2][10]).

       وروى الحميدى في مسنده ( 1 / 189 ) وبسنده عن عطاء بن أبى رباح: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق أحد سمعه من رسول صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة . فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصارى وهو أمير مصر ، فأخبر به ، فعجل وخرج إليه   فعانقه ، ثم قال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرى وغير عقبة ، فابعث من يدلنى على منزله . فقال : فبعث معه من يدله على منزل عقبة ، فأخبر عقبة به ، فعجل فخرج إليه فعانقه وقال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد سمعه غيرى وغيرك في ستر المؤمن .

فقال عقبة : نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ستر مؤمنا في الدنيا على خزيه ستره الله يوم القيامة " .

        فقال له أبو أيوب : صدقت ، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة فما أدركته جايزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر .

       هذان مثلان فيهما من الدلالة ما يكفى ويغنى ، والرحلة في طلب الحديث معلومة مشهورة .

 

 ([1][9]) انظر الرسالة ص 422 : 426 ، واقرأ في الحاشية تعليق الشيخ أحمد شاكر وتخريجه للروايات .

 ([2][10]) انظر الأدب المفرد 2 / 433 ، باب المعانقة . ورواه الحاكم في المستدرك                   ( 4 / 574 – 575 ) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى على التصحيح .

  • الاثنين PM 06:26
    2021-04-26
  • 1064
Powered by: GateGold